الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
488
كمال الدين ابن الزملكاني
محمد بن علي بن عبد الله الواحد، الشيخ الإمام العلامة قاضي القضاة ذو الفنون جمال الإسلام، كمال الدين ابن الزملكاني (2) الأنصاري السماكي الدمشقي، كبير الشافعية في عصره؛ ولد في شوال سنة سبع وستين وستمائة، وسمع من ابن علان والفخر علي وابن الواسطي وابن القواس، وطلب الحديث وقرأه، وكان فصيحاً متشرعاً (3) ، وكان بصيراً بالمذهب وأصوله، قوي العربية، قد أتقنها ذكاء ودربها، ذكياً صحيح الذهن صائب الفكر، تفقه على الشيخ تاج الدين، وأفتى وله نيف وعشرون (4) سنة، وكان يضرب بذكائه المثل، وقرأ العربية على الشيخ بدر الدين ابن مالك وقرأ على قاضي القضاة شهاب الدين الحويي وقاضي القضاة بهاء الدين ابن الزكي وعلى شمس الدين الأيكي وصفي الدين الهندي، وحفظ " التنبيه " و " المنتخب " في أصول الفقه، و " المحصل " في أصول الدين، وغير ذلك، وكتب المنسوب.
وكان شكله حسناً ومنظره رائعاً وتجمله في بزته وهيئته غاية، وشيبته منورة بنور الإسلام يكاد الورد يلقط من وجنتيه، وعقيدته صحيحة متمكنة أشعرية،
(1) الوافي 4: 214 والبدر السافر: 134 وطبقات السبكي 5: 251 والزركشي: 303 والدرر الكامنة 4: 192 والأسنوي 2: 13 والدارس 1: 31 والبداية والنهاية 14: 131 والشذرات 6: 78 والنجوم الزاهرة 9: 270 وذيل العبر: 154؛ وهذه الترجمة مستوفاة في المطبوعة.
(2)
الزملكاني: نسبة إلى قرية تسمى ((زملكا)) بغوطة دمشق.
(3)
الوافي: متسرعاً.
(4)
ص: وعشرين.
وفضائله عديدة، وفواضله ربوعها مشيدة، وكان كريم النفس عالي الهمة، حشمته وافرة.
صنف أشياء: منها " رسالة في الرد على الشيخ تقي الدين ابن تيمية في مسألة الطلاق " و " رسالة في الرد علي في مسألة الزيارة "(1) ورسالة سماها " رابع أربعة " نظماً ونثراً، وشرح قطعة جيدة من " المنهاج "(2) .
وتخرج به الأصحاب وانتفع به الطلبة، ودرس بالشامية البرانية والظاهرية والرواحية، وولي نظر ديوان الأفرم ونظر الخزانة ووكالة بيت المال، وكتب في ديوان الإنشاء ووقع في الدست، وله الإنشاء الجيد والتواقيع المليحة. نقل إلى قضاء (3) القضاة بحلب ومدارسها فأقام بها أكثر من سنتين واشتغلوا عليه الحلبيين (4) ، ثم إن السلطان طلبه من حلب ليوليه قضاء دمشق لما نقل قاضي القضاة جلال الدين القزويني إلى مصر، وفرح الناس بذلك، فمرض في الطريق وأدركه الأجل في بلبيس في سادس عشر شهر رمضان سنة سبع وعشرين وسبعمائة، قيل إنه سم في الطريق، وعند الله تجتمع الخصوم.
وحكى ولده تقي الدين أن والده الشيخ كمال الدين قال له: يا ولدي، أنا والله ميت ولا أتولى لا مصر ولا غيرها، وما بقي بعد حلب ولاية أخرى لأنه في الوقت الفلاني حضر إلى دمشق فلان الصالح فترددت إليه وخدمته وطلبت منه التسليك، فأمرني بالصوم مدة، ثم أمرني بصيام ثلاثة أيام أفطر فيها على الماء واللبان الذكر، وكان آخر ليلة في الثلاث ليلة النصف من
(1) هي ((العمل المقبول في زيارة الرسول)) (البدر السافر) .
(2)
له كتاب سماه ((بمجالة الراكب)) وكتاب في أصول الفقه؛ وأما المنهاج فهو تصنيف الشيخ أبي زكريا النووي.
(3)
ص: قضى.
(4)
كذا هو في ص.
شعبان، فقال لي: الليلة تجي إلى الجامع تتفرج أو تخلو بنفسك؟ فقلت: أخلو بنفسي، فقال جيد، ولا تزال تصلي حتى أجي إليك، فخلوت بنفسي أصلي ساعة جيدة، فلما كنت في الصلاة إذا به قد أقبل، فلم أبطل الصلاة، وإذا قد خيل لي قبة عظيمة بين السماء والأرض، وظاهرها معارج ومراقي، والناس يصعدون فيها من الأرض إلى السماء، فصعدت معهم، فكنت أرى على كل مرقاة مكتوباً: نظر الخزانة، وعلى أخرى وأخرى وأخرى: وكالة بيت المال، التوقيع، المدرسة الفلانية، قضا حلب، فلما وصلت إلى هذه المرقاة أشفقت (1) من تلك الحالة، ورجعت إلى حسي، وبت ليلتي، فلما اجتمعت بالشيخ قال: كيف كانت ليلتك؟ جيت إليك وما قصرت لأنك ما اشتغلت بي، والقبة التي رأيتها هي الدنيا، والمراقي هي المراتب والوظايف (2) والأرزاق، وهذا الذي رأيته كله تناله والله يا عبد الرحمن؛ كل شيء قد رأيته نلته، وكان آخر الكل قضا حلب، وقد قرب الأجل.
وكان الشيخ كمال الدين كثير التخيل شديد الاحتراز، يتوهم أشياء بعيدة ويبني عليها، وتعب بذلك وعودي وحسد وعمل عليه، ولطف الله به، رحمه الله.
ومن نظمه قصيدة يذكر فيها الكعبة المعظمة، ويمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
أهواك يا ربة الأستار أهواك
…
وإن تباعد عن مغناي مغناك
وأعمل العيس والأشواق ترشدني (3)
…
عسى يشاهد معناكي معناك
تهوي بها البيد لا تخشى الضلال وقد
…
هدت ببرق الثنايا الغر مضناك
(1) الوافي: استفقت.
(2)
ص: والوضايف.
(3)
البدر السافر: تحملني.
تشوقها نسمات الصبح سارية
…
تسوقها نحو رؤياك برياك
يا ربة الحرم العالي الأمين لمن
…
وافاه من أين هذا الأمن لولاك
إن شبهوا الخال بالمسك الذكي فه
…
ذا الحال من رؤية المحكي والحاكي
أفدي بأسود قلبي نور أسوده
…
من لي بتقبيله من بعد يمناك
إني قصدتك لا ألوي على بشر
…
ترمي النوى بي سراعاً نحو مرماك
وقد حططت رحالي في حماك عسى
…
تنحط أثقال أوزاري (1) بلقياك
كما حططت بباب المصطفى أملي
…
وقلت للنفس بالمأمول بشراك
محمد خير خلق الله كلهم
…
وفاتح الخير ما حي كل إشراك
سما بأخمصه فوق السماء فكم
…
أوطا أسافلها من علو أفلاك
ونال مرتبة ما نالها أحد
…
من أنبياء ذوي فضل وأملاك
يا صاحب الجاه عند الله خالقه
…
ما رد جاهك إلا كل أفاك
أنت الوجيه على رغم العدا أبداً
…
أنت الشفيع لفتاك ونساك
يا فرقة الزيغ لا لقيت صالحة
…
ولا سقى الله يوماً قلب مرضاك
ولا حظيت بجاه المصطفى أبداً
…
ومن أعانك في الدنيا ووالاك
يا أفضل الرسل يا مولى الأنام ويا
…
خير الخلائق من إنس وأملاك
ها قد قصدتك أشكو بعض ما صنعت
…
بي الذنوب وهذا ملجأ الشاكي
قد قيدتني ذنوب من بلوغ مدى
…
قصدي إلى الفوز منها فهي أشراكي
فاستغفر الله لي واسأله عصمته
…
فيما بقي وغنى من غير إمساك
عليك من ربك الله الصلاة كما
…
منا عليك السلام الطيب الزاكي وعمل على هذه القصيدة كراريس وسماها " عجالة الراكب "(2) .
(1) ص: أوزار أثقالي، ورجح في الحاشية ما أثبته، وكذلك هو في الوافي، وعند الزركشي كما في ص.
(2)
قال الصفدي: وعمل على هذه القصيدة - فيما أظن - أو على قصيدة ميمية، أو عليهما كراريس
…
الخ؛ والمؤلف يسقط ما يورده الصفدي من ظن أو ترجيح، في هذه الترجمة.
ومن شعره:
يا سائق الظعن قف بي هذه الكثب
…
عساي أقضي بها ما للهوى يجب
فثم حي حياتي في خيامهم
…
فالموت إن بعدوا والعيش إن قربوا
لي فيهم قمر في القلب منزله
…
لكن طرفي له بالعبد يرتقب
لدن القوام رشيق القد ذو هيف
…
شطر ثاني
شطر أول
…
تغار من لينه الأغصان والقضب
حلو المقبل معسول مراشفه
…
يجول فيها رضاب طعمه الضرب
لا غرو إن راح نشواناً (1) ففي فمه
…
خمر ودر ثناياه لها حبب
ولائم لامني في البعد عنه وفي
…
قلبي من الشوق نيران لها لهب
فقلت إن صروف الدهر تصرفني
…
عما أروم فمالي في النوى سبب
ومذ رماني زماني بالبعاد ولم
…
يرحم خضوعي ولما يبق لي نشب ولما توفي إلى رحمة تاريخ رثاه الشيخ جمال الدين ابن نباتة بقصيدة أولها (2) :
بلغا القاصدين أن الليالي
…
قبضت جملة العلا بالكمال
وقفا في مدارس العقل والنق؟
…
ل ونوحاً معي على الأطلال
سائلها عسى يجيب صداها
…
أين ولي مجيب أهل السؤال
أين ولي بحر العلوم وأبقى
…
بين أجفاننا الدموع لآلي
أين ذاك الذهن الذي قد ورثنا
…
عنه ما في الحشا من الاشتعال (3)
أين تلك الأقلام يوم انتصار
…
كعوالي الرماح يوم النزال
ينقل الناس عن حديث هداها
…
طرق العلم عن متون العوالي
وتفيد الجنى من اللفظ حلواً
…
حين كانت نوعاً من العسال
(1) ص: نشوان.
(2)
ديوان ابن نباتة: 405.
(3)
ص: الاشتغال.