الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
533 -
(1)
النمري الشاعر
منصور بن سلمة بن الزبرقان بن شريك بن مطعم؛ كان من شعراء الدولة العباسية، وهو تلميذ العتابي، والعبابي هو الذي وصفه للفضل بن يحيى بن خالد حتى أقدمه من الجزيرة واستصحبه وأوصله للرشيد، ومنصور هو راوية العتابي وعنه أخذ ومن بحره استقى، وجرت بعد ذلك بينه وبين العتابي وحشة فتهاجرا وتناقضا وسعى كل واحد منهما على هلاك صاحبه.
وعرف منصور النمري (2) مذهب الرشيد في الشعر ومقصده في نفي الإمامة عن آل أبي طالب والطعن عليهم، لما كان يبلغه عن مروان بن أبي حفصة، فسلك مذهب مروان ونحا نحوه ولم يصرح بالهجاء كما كان يفعل مروان، وكان شديد العداوة للطالبيين.
وتوفي منصور النمري في حدود العشر والمائتين، ولما دخل على الرشيد (3) أنشد:
أمير المؤمنين إليك خضنا
…
غمار الموت من بلد شطير (4)
بخوص كالأهلة خافقات
…
يلبن (5) على السرى " وعلى الهجير "(6)
(1) الزركشي: 334 والأغاني 13: 140 والشعر والشعراء: 736 وتاريخ بغداد 13: 65 وطبقات ابن المعتز: 242وابن خلكان 6: 336، وكنية منصور ((أبو الفضل)) وأصله من رأس العين؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.
(2)
ص: النميري، حيثما وقع؛ وهو من النمر بن قاسط.
(3)
ص: المنصور.
(4)
ص: ولد سطير، والتصويب عن الأغاني؛ والشطير البعيد.
(5)
ص: يلين، الأغاني: تلين.
(6)
سقط من ص، وأكملته من الأغاني.
حملن إلي آملاً ثقالا
…
ومثل الصخر والدر النثير
فقد وقفوا (1) المديح بمنتهاه
…
وغايته فصار إلى مصير
إلى من لا تشير إلى سواه
…
إذا ذكر الندى كف المشير فقال مروان بن أبي حفصة: وددت والله أنه أخذ جائزتي وسكت.
وقال في هذه القصيدة:
يد لك في رقاب بني علي
…
ومن ليس بالمن الصغير
مننت على ابن عبد الله يحيى
…
وكان من الهلاك (2) على شفير
فإن شكروا فقد أنعمت فيهم
…
وإلا فالندامة للكفور
وإن قالوا بنو (3) ابنته فحق
…
وبروا والمناسب للذكور
وما لبني بنات من تراث
…
مع الأعمام في ورق الزبور ولابن المعتز هذا المعنى حيث يقول:
فأنتم بنو بنته دوننا
…
ونحن بنو عمه المسلم وهذا في غاية الفخر والحسن لأن العباس رضي الله عنه مات مسلماً وأبا طالب مات كافراً.
ودخل يوماً على الرشيد وأنشده قوله:
ما تنقضي حسرة مني ولا جزع
…
إذا ذكرت شباباً ليس يرتجع
بأن الشباب وفاتتني بلذته
…
صروف دهر وأيام لها خدع
ما كنت أوفى شبابي كنه غربته
…
حتى انقضى فإذا الدنيا له تبع فقال الرشيد: أحسن والله، لا يتهنا أحد بعيش (4) حتى يخطر في رداء
(1) الأغاني: وقف.
(2)
الأغاني وابن المعتز: الحتوف.
(3)
ص: بني.
(4)
ص: أحداً يعيش.
الشباب؛ ومن القصيدة في المديح:
أي امريء بات من هارون في سخط
…
فليس بالصلوات الخمس ينتفع
إن المكارم والمعروف أودية
…
أحلك الله منها حيث تجتمع (1)
إذا رفعت امرءاً فالله يرفعه
…
ومن وضعت من الأقوام يتضع
نفسي فداؤك والأبطال معلمة
…
يوم الوغى والمنايا بينها قرع فأمر الرشيد له بمائة ألف درهم.
وكان محمد البيذق ينشد الرشيد أشعار المحدثين، وكان إنشاده يطرب أكثر من الغناء، فأنشده يوماً هذه القصيدة، فلما بلغ هذه الأبيات كان بين يديه خوان فرمى به من يديه وقال: هذا أطيب من كل طعام ومن كل شيء، وبعث إلى منصور النمري بسبعة آلاف دينار، قال البيذق: فلم يعطني منها ما يرضيني، وشخص إلى رأس عين فأغضبني فأنشدت هارون قوله:
شاء من الناس راتع هامل (2)
…
يعللون النفوس بالباطل حتى بلغت قوله:
إلا مساعير يغضبون لها
…
بسلة البيض والقنا الذابل فقال هارون: أراه يحرض علي. ابعثوا إليه من يأتيني برأسه، فكلمه فيه الفضل بن الربيع فلم يفده. وتوجه إليه الرسول فوافاه في اليوم الثاني الذي مات فيه منصور، فأمر ينبشه وإحراقه، فشفع فيه الفضل ولم يزل إلى أن كف عنه.
ومن مديح قصيدته العينية في الرشيد قوله:
(1) الأغاني: تتسع.
(2)
ص: رايع هايل.
إن أخلف الغيث لم تخلف مخايله
…
أو ضاق أمر ذكرناه فيتسع قيل إن العتابي استقبل منصوراً النمري يوماً فوجده واجماً كثيباً فقال له: ما خبرك؟ قال: تركت امرأتي تطلق وقد عسرت عليها الولادة، وهي يدي ورجلي والقيمة بأمري، فقال له العتابي: اكتب على فرجها " هارون "، قال: ولم ذلك؟ قال: لتلد ويتسع المكان، قال: وكيف ذلك؟ قال: لقولك كذا وكذا وأنشده البيت، فقال: يا كشخان، والله لئن تخلصت امرأتي لأذكرن ذلك للرشيد؛ فلما ولدت امرأة منصور اخبر الرشيد الواقعة، فغضب وطلب العتابي، فاستتر عند الفضل بن الربيع حتى شفع له فأمره بإحضاره فأحضره فقال له: ويلك تقول كذا وكذا للنمري، فاعتذر له حتى قبل ذلك، فقال العتابي: ما حمله على الكذب علي إلا وقوفي على ميله إلى العلوية، وأنشده قصيدته اللامية التي أولها:
شاء من الناس راتع هامل
…
فغضب وقال للفضل: احضره الساعة، فستره الفضل عنده، ولم يزل الرشيد يتطلبه إلى أن قال يوماً للفضل: ويحك يفوتني النمري؟! قال: يا أمير المؤمنين، قد حصلته وهو عندي، قال: فجئني به؛ وكان الفضل قد أمره أن يلبس فروة مقلوبة ويباشر الشمس ليشحب ويسوء حاله، ففعل، فلما أرد إدخاله عليه علمه ما يقول، فلما وقعت عين الرشيد عليه قال: السيف، فقال الفضل: يا أمير المؤمنين ومن هو هذا الكلب حتى نأمر بقتله بحضرتك؟ قال: أليس هو الذي يقول:
إلا مساعير يغضبون لنا
…
بسلة البيض والقنا الذابل فقال منصور: لا يا سيدي، ما أنا الذي قلت هذا ولقد كذب علي، ولكني الذي أقول: