الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
588 -
(1)
جمال الدين الشاعر
يوسف بن سليمان بن أبي الحسين (2) بن إبراهيم، الفقيه الأديب الشاعر الخطيب الصوفي الشافعي، جمال الدين؛ سألته عن مولده فقال لي: سنة ثلاث وتسعين وستمائة بنابلس، ونشأ بدمشق وقرأ بها الأدب على الشيخ تاج الدين المني والنحو على الشيخ نجم الدين القحفازي وغيره. وحج سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، ثم حج في سنة سبع وأربعين وسبعمائة عقيب موت ولده سليمان، فإنه حصل له عليه وجد عظيم وألم كثير فما رأى لنفسه دواء غير الحج.
وهو شاعر مجيد في المقاطيع يجيد نظمها ومعناها، وله بديهة مطاوعة وارتجال مسرع، لذيذ المفاكهة جميل الود حسن الملقى؛ توفي رحمه الله تعالى في ثامن عشر ربيع الآخر سنة خمسين وسبعمائة " ولم " ينقطع (3) غير يوم واحد.
أنشدني لنفسه:
أسر الفؤاد ودم عيني أطلقا
…
والوجد جده وصبري مزقا
حلو الشمائل ما أمر صدوده
…
متنعم قد لذ لي فيه الشقا
كملت محاسنه فلو أهدي السنا
…
للبدر عند كماله ما أشرقا
يا عاذلي أقصر وتب عما مضى
…
ما أنت في عذل المحب موفقا
يا فاتر الأجفان أحرقت الحشا
…
مني فمت صبابة وتشوقا
يمضي الزمان وما أزور دياركم
…
من خشية الرقباء عند الملتقى
(1) الزركشي: 352 والدرر الكامنة 5: 229؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.
(2)
الزركشي والدرر: الحسن.
(3)
ينقطع: كتبت في الحاشية، وما قبلها مطموس.
وأريد أسبح في الدموع عليكم
…
فأخاف من ضعف القوى أن أغرقا
أما غرامي في هواك فإنه
…
حي ولكن في السلو لك البقا وله رحمه الله تعالى موشح:
زائر بالخيال
…
زائل عن قربي
باهر بالجمال
…
ناهر بالعجب
أي غصن نضير
…
نزهة للنظر
لحظ عيني خفير
…
منه ورد الخفر
يا له من غرير
…
في هواه غرر
ساحر بالدلال
…
ساخر بالصب
فائق في الكمال
…
لائق بالحب
بشذا المسك فاح
…
ثغر هذا الغزال
باسم عن أقاح
…
أو فريد اللآل
رد نور الصباح
…
كظلام الليال
ريقه حين جال
…
في لماه العذب
صرت بين الزلال
…
والهوى في كرب
ذو قوام رطيب
…
منه تجني الحرق
رام ظلم القضيب
…
فاشتكى بالورق
فتثنى الحبيب
…
ورنا بالحدق
سل بيض النصال
…
من سواد الهدب
والعوالي أمال
…
بالقوام الرطب
لو رأته القسوس
…
حسبته المسيح
وهو يحيى النفوس
…
بالكلام الفصيح
ما تبين الشموس
…
عند هذا المليح
خل عنك الغزال
…
يرتعي في الكثب
ثم قل للهلال
…
يحتجب بالغرب
ثغره في بريق
…
إذ جلاه بريق
كل حر رقيق
…
للسماه الرقيق
خده والشقيق
…
ذا لهذا شقيق
قد بدا فيه خال
…
كسواد القلب
إذ غدا في اشتعال
…
فوق نار الحب
ما لصب صبا
…
في هواه نصيب
منه قبل الصبا
…
قد علاني المشيب
يا نسيم الصبا
…
جز بأرض الحبيب
واجتهد أن تنال
…
منه طيب القرب
ثم عد بالنوال
…
من هدايا حبي
جائر قد ظهر
…
عدله في القوام
في الوجود اشتهر
…
مثل بدر التمام
فيه يحلو السهر
…
ويمر المنام
صد تيهاً وقال
…
وهو يبغي حربي
لحظ عيني نبال (1)
…
قلت آه وا قلبي وقال في صفة فرس أدهم:
وأدهم اللون فات البرق وانتظره
…
فغارت الريح حتى غيبت أثره
(1) ص: ينال، والتصويب عن الزركشي.
فواضع رجله حيث انتهت يده
…
وواضع يده أني رمى بصره
سهم تراه يحاكي السهم منطلقاً
…
وما له غرض مستوقف خبره
إذا توقل قطب الدين صهوته
…
أبصرت ليلاً بهيماً حاملاً قمره وقال أيضاً:
قد مضت ليلة الوصال بحال
…
قصرت عن محصل الأزمان
أخبرتنا أن الزمان جميعاً
…
قد تقضي في ليلة الهجران وقال:
يعيبون من أهوى بكسرة جفنه
…
وعندي بهذا (1) العيب قد تم حسنه
فقلت وما قصدي سوى سيف لحظه
…
إذا دام فتك السيف يكسر جفنه وقال في دولاب الصاحب شمس الدين:
ودولاب يحن بجبس عود
…
على وتر يساس بغير حس
فلما أن بدت منه نجوم
…
حكى فلكاً يدور بسعد شمس وقال أيضاً في زهر الخشخاش:
ونوار خشخاش بكرنا نزوره
…
وقد دهش الرائي بحسن
تغني به الشحرور من فرط شجوه
…
فنقط بالياقوت ملء دفوفه وقال:
كأن السحاب الغر لما تجمعت
…
وقد فرقت عنها الهموم بجمعها
نياق ووجه الأرض قعب وثلجها
…
حليب ومر الريح حالب ضرعها وقال:
كأن ضوء البدر لما بدا
…
ونوره بين غضون (2) الغصون
(1) ص: هذا.
(2)
ص: غصون.
وجه حبيب زار عشاقه
…
فاعترضت من دونه الكاشحون فقال زين الدين الصفدي رحمه الله تعالى:
نظرت في الشهب وقد أحدقت
…
بالبدر منها في الدياجي عيون
والروض يستحلي سنا نوره
…
فتحسد الأرض عليه الغصون
وكلما صانته أوراقها
…
نازعها الريح فلاح المصون
فقلت حتى البدر لم يخله
…
ريب الليالي في السما من يعون ونظم الشيخ صلاح الدين الصفدي حرسه الله تعالى:
كأنما الأغصان لما انثنت
…
أمام بدر التم في غيهبه
بنت مليح خلف شباكها
…
تفرجت منه على موكبه ونظم أيضاً:
وكأنما الأغصان يثنيها الصبا
…
والبدر من خلل يولح ويحجب
حسناء قد عامت وأرخت شعرها
…
في لجة والموج فيها يلعب وكتب الشيخ صلاح الدين الصفدي إلى جمال الدين المذكور ملغزاً في مكوك الحائك:
أيا من فاق في الآداب حتى
…
أقر بفضله الجم الغفير
وأحرز في المنى قصبات سبق
…
فدون محله الفلك الأثير
وأطلع في سماء النظم زهراً
…
يلوح فمن زهير أو جرير
قطعت أولي النهى وافضل بحثاً
…
فمالك في مناظرة نظير
إذا أعربت في الإعراب وجهاً
…
فكم ثلجت بما تدبي صدور
وإن قيل المعمى والمورى
…
فذهنك ناقد فيه بصير
وها أنا قد دعوتك للتحاجي
…
لأنك في الحجا طب خبير
فما ساع يرى في غير أرض
…
ولا هو في السما مما يطير
تراه مردداً ما بين طرد
…
وعكس قصرت عنه الطيور
ويلطم كلما وافى مداه
…
ويسحب وهو مغلول أسير
وتنزع كل آونة حشاه
…
ويلقى وهو للبلوى صبور
ويرشف بعد ذلك منه ثغر
…
ولا عذب هناك ولا نمير
إذا ما سار أثر في خطاه
…
طرائق دونها الروض النضير
يجر إذا سعى ذنباً طويلاً
…
ويفتر حين يعلوه قصور
ويسمع منه عند الجري صوت
…
له في صدره منه خرير
قليل المكث كم قد بات تطوى
…
له من شقة لما يسير
ويفترش الحرير ويرتديه
…
غطاء وهو مع هذا فقير
وتظهر في جوانبه نجوم
…
وفي أحشائه فلك يدور
فأوضح ما ذكرت فغير خاف
…
على مجموع فضلك ما أشير
ودم في نعمة وسعود جد
…
وعز ما سقى روضاً (1) غدير فكتب جمال الدين الجواب:
أوجهك لاح أم قمر منير
…
وذكرك فاح أم نفح العبير
طلعت طلوع شمس الصحو صبحاً
…
على فرس حكى فلكاً يسير
ويا لله روض ضمن طرس
…
زهير في جوانبه جرير
رميت به إلي فقلت هذا
…
شاع الشمس مأخذه عسير
أراني رمزه الوضاح حسناً
…
ينبهني على أني حقير
وأني ملحق بأقل صنف
…
إذا ما حقق الجم الغفير
فمذ صحفته فكري مكوك
…
ومذ نشرته باعي قصير
هو المأسور بالماسور لكن
…
له في أسره مرح كثير
نشيط أيد ويعاد طوعاً
…
بخيط متنه واه طرير
(1) ص: روض.