المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ محيي الدين ابن زيلاق - فوات الوفيات - جـ ٤

[ابن شاكر الكتبي]

فهرس الكتاب

- ‌الشمس الدهان

- ‌كمال الدين ابن الزملكاني

- ‌المنصور صاحب حماة

- ‌الشيخ صدر الدين ابن الوكيل

- ‌ابن اللبانة

- ‌ماني الموسوس

- ‌الملك الناصر

- ‌الحافظ ابن النجار

- ‌شمس الدين الأصفهاني

- ‌ابن المكرم

- ‌ابن الدجاجية

- ‌شرف الدين القدسي

- ‌أمير المؤمنين الأمين

- ‌أمير المؤمنين المعتصم

- ‌أمير المؤمنين المهتدي

- ‌الخالدي الشاعر

- ‌أبو الوليد ابن حزم

- ‌مجير الدين ابن تميم

- ‌التلعفري الشاعر

- ‌أثير الدين أبو حيان

- ‌محمود الوراق

- ‌شهاب الدين محمود

- ‌غازان المغلي

- ‌صفي الدين القرافي

- ‌ كشاجم

- ‌ ابن قادوس

- ‌ شمس الدين الكوفي

- ‌ابن الملحي الواعظ

- ‌تاج الدين الصرخدي

- ‌ المختار الثقفي

- ‌أبو الفوارس ابن منقذ

- ‌ مروان بن الحكم

- ‌مروان الحمار

- ‌أبو الشمقمق

- ‌ والد أسامة

- ‌مزبد المدني

- ‌ابن قسيم الحموي

- ‌ صريع الغواني

- ‌مصعب ابن الزبير

- ‌أبو العرب الصقلي

- ‌مطيع بن إياس

- ‌ مظفر الذهبي

- ‌أبو المظفر الأنباري

- ‌مقدار المطاميري

- ‌أبو سعد الآبي

- ‌أمير العرب بهاء الدولة

- ‌النمري الشاعر

- ‌الراشد بالله

- ‌ المستنصر بالله

- ‌النيري الواسطي

- ‌الخليفة الهادي

- ‌الرئيس موسى القرطبي

- ‌ المؤمل المحاربي

- ‌حرف النون

- ‌البديهي الشاعر

- ‌المطرزي شارح المقامات

- ‌ابن صورة الكتبي

- ‌ابن الشقيشقة الصفار

- ‌ابن حواري الحنفي

- ‌فخر القضاة ابن بصاقة

- ‌أبو صالح الجيلي

- ‌أبو طاهر الحلي الشاعر

- ‌أبو سعد الدينوري

- ‌نصيب الأكبر

- ‌نصيب الأصغر

- ‌ النصير الحمامي

- ‌النصير الأذفودي

- ‌حرف الهاء

- ‌هارون الرشيد

- ‌ الواثق بالله

- ‌ابن المصلي الارمنتي

- ‌الجرذ الكاتب

- ‌الصائن ابن عساكر

- ‌أبو الحسين الحاجب

- ‌ هشام بن عبد الملك

- ‌ملك التتار

- ‌أبو حية النميري

- ‌حرف الواو

- ‌ والبة الأسدي

- ‌ أبو حليقة

- ‌ولادة بنت المستكفي

- ‌أمير المؤمنين الوليد

- ‌الوليد بن يزيد

- ‌حرف الياء

- ‌ياقوت المستعصمي

- ‌ أبو زكريا النواوي الحافظ

- ‌ابن أبي طي

- ‌ابن أبي حصينة رضي الدين

- ‌ابن مجبر الاشبيلي

- ‌أبو الحسين الجزار

- ‌أبو زكريا يحيى صاحب إفريقية

- ‌رشيد الدين العطار

- ‌أبو جعفر العلوي

- ‌الصرصري

- ‌ابن أبي خالد الكاتب الاشبيلي

- ‌ يزيد بن عبد الملك

- ‌ابن صقلاب

- ‌الراضي ابن عباد

- ‌يزيد بن معاوية

- ‌رجعنا إلى الأصل:

- ‌يزيد بن الوليد أمير المؤمنين

- ‌يعقوب النيسابوري

- ‌الخازن الشافعي

- ‌أبو البشر البندنيجي

- ‌الحافظ اليغموري

- ‌علم الدين القناوي

- ‌الحافظ ابن بكار

- ‌جمال الدين الشاعر

- ‌مهمندار العرب

- ‌محيي الدين ابن الجوزي

- ‌الشيخ جمال الدين المزي

- ‌سبط ابن الجوزي

- ‌ابن طملوس المغربي

- ‌المستنجد بالله

- ‌الملك الناصر صاحب الشام

- ‌فخر الدين ابن الشيخ

- ‌ بدر الدين الذهبي

- ‌ محيي الدين ابن زيلاق

- ‌الملك الجواد

الفصل: ‌ محيي الدين ابن زيلاق

598 -

(1)

"‌

‌ محيي الدين ابن زيلاق

"

يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم، الصدر محيي الدين ابن زيلاق العباسي الهاشمي الموصلي الكاتب الشاعر؛ مولده سنة ثلاث وستمائة، وقتله التتار حين ملكوا الموصل في سنة ستين وستمائة.

قال بهاء الدين ابن الفخر عيسى في وصفه: الصاحب محيي الدين يضرب به المثل في العدالة، وله الرتبة العليا في الشرف والأصالة، وكان شاعراً مجيداً فاضلاً حسن المعاني، رحمه الله. فمن شعره ما كتبه إلى بعض أصحابه وهو بدمشق يصفها:

أدمشق لا زالت تجودك ديمة

ينمى بها زهر الرياض ويونق

أهوى لك السقيا وإن ضن الحيا

أغناك عنه ماؤك المتدفق

ويسر فلبي لو تصح لي المنى

أني أنال بك المقام وأرزق

وإذا امرؤ كانت ربوعك حظه

من سائر الأمصار فهو موقف

أني التفت فجدول متسلسل

أو جنة مرضية أو جوسق

يبدو لطرفك حيث مال حديقة

غناء نور النور منها يشرق

يشدو الحمام بدوحها فكأنما

في كل عود منه عود مورق

وإذا رأيت الغصن ترقصه (2) الصبا

طرباً رأيت الماء وهو يصفق

لبست جنان النيربين محاسناً

وقفت عليها كل طرف يرمق

(1) الزركشي: 359 وذيل مرآة الزمان 1: 513، 2: 181 والبداية والنهاية 13: 236 والحوادث الجامعة: 348 والشذرات 5: 304 وعبر الذهبي 5: 262؛ وقد أخلت المطبوعة بقسم من هذه الترجمة.

(2)

ص: يرقصه.

ص: 384

فحمامها غرد ونبت رياضها

خضل وركب نسميها مترفق

وسرت لداريا (1) المعطر تربها

ريا ذكي المسك منها يعبق

وترى من الغزلان في ميدانها

فرقاً أسود الغيل منها تفرق

من كل وسنان الجفون محبه

سهران من وجد عليه مؤرق

حيث الهوى في جانبيه مخيم

وخيول فرسان الشبيبة تعنق

والقاصدون إليه إما شائق

متنزه أو عاشق متشوق

صفان هذا باسم عن ثغره

عجباً، وهذا بالمامع يشرق

هذي المنازل لا أثيلات الحمى

بعداً لهن ولا اللوى والأبرق

لا تخدعن فما اللذاذة والهوى

ومواطن الأفراح إلا جلق خذه الخدمة - حرس الله مجد المجلس العالي، وجعل السعادة من صحبه، والأيام من حزبه، والمكرمات من كسبه، وأهدى القرة إلى طرفه والمسرة إلى قلبه، وأوجب له لباس الإقبال ولا روعه بسلبه، وعوض عن الوحشة ببعده الإيناس بقربه - نائبة عن مسطرها في تقبيل يده الكريمة، ووصف مسراته النازحة وأحزانه المقيمة، وشكاية ما أجداه البعد من تحرقه وتلهفه، ووفرته الغيبة من تشوقه إلى الحضرة السامية وتشوفه، هذا مع أن الذكرى تمثل شخصه فلا يكاد يغيب، ويناجيه الخاطر وهو بعيد كمناجاته (2) وهو قريب، وبحسن ذلك أورد هذه الخدمة مطولاً، وأفاض فيها مسترسلاً، متأنساً بمفاوضته، ومتذكراً أوقات محاضرته، وراغباً أن يريه دمشق بعين وصفه، ويثبت نعتها لديه فكأنها حيال طرفه، وأول ما يبدأ بوصف الرحلة إليها ويقول: إن الزمان صورها للنظر قبل الإشراف (3) عليها، فقدمناها

(1) ص: لدياريا.

(2)

ص: كما جاءته.

(3)

ص: الاشراق.

ص: 385

والفصل ربيع، ومنظر الروض بديع، والربى محضرة أكنافها، مائسة أعطافها، تبكي بها عيون السحاب فتتبسم، وتخلع (1) عليها ملابس السباب فتتقمص وتتعمم، فما أتينا على مكان إلا وجدنا غيره أحق بالثناء وأجدر، ولا أفل بدر من الزهر إلا بزغت شمس فقلنا هذا أكبر، حتى إذا بلغت النفس أمنيتها، وأقبلنا على دمشق فقبلنا ثنيتها، رأينا منظراً (2) يقصر عنه المتوهم، ويملأ عين الناظر المتوسم، ظل ظليل، ونسيم عليل، ومغنى (3) بنهاية الحسن كفيل، يطوى الحزن بنشره، ويقف قدر البلدان دون قدره، فيصغر عند صفته شعب بوان، ويغمد في مفاصله سيف غمدان، ويبهت لمباهاته ناظر الإيوان، فالأغصان مائسة في سندسيها، متظاهرة بفاخر حليها، قد ألقحتها الأنهار فأثقلتها بحملها، ولا عبتها الصبا فتلقت كل واحدة بمثلها:

لها ثمر تشير إليك منه

بأشربة وقفن بلا أواني (4)

وأمواه يصل بها حصاها

صليل الحلي في أيدي الغواني فسرنا منها بين جنات، كظهور البزاة، وجداول كبطون الحيات، قد هز الشوق أطيارها فصدحت، وحرك النسيم رباها فنفحت، فحنت عليها أفنانها حنو الوالدات على اليتيم، وحجبت عن معارضتنا حاجب الشمس وأذنت للنسيم، فإذا أصابت شمسها فرجة لاحظتنا ملاحظة الحياء، وألقت فضة الماء شعاعها فصححت صنعة الكيمياء؛ ثم أفضينا إلى فضاء قد أثرى من الروض ثراه، وغني عن منة السحاب ذراه، قد تشابه فيه الشقيقان خداً وزهرا، واقترن به الياسمين أقاحاً وثغراً، وتغاير أخضراه آساً وعذارا،

(1) ص: ويخلع.

(2)

ص: منظر.

(3)

ص: ومعنى.

(4)

الشعر للمتنبي.

ص: 386

وأصفراه (1) عاشقاً وبهاراً، فأي هم لا تطرده أنهارها المطردة، وفرح لا تجليه أطيارها المغردة. ولما وصلنا إلى محلها الذي هو مجتمع الأهواء، ومقر السراء، ومقتنص الظباء، واستوطنا وطنها الذي هو للظامي نهلة، وللمستوفز عقلة:

أجد لنا طيب المكان وحسنه

منى فتمنينا فكنت الأمانيا هذا مع إكثاره لا يبلغ اليسير من نعتها، وما نرى آية من الحسن إلا هي أكبر من أختها:

وإن دمشقاً وهي في الأرض جنة

محاسنها للبعد عنك معايب والله تعالى يجمع الشمل على الإيثار، ويملأ أوطان المولى باليسار. تمت.

ومن شعر ابن زيلاق، رحمه الله تعالى:

إلى الله أشكو هاجري ومعنفي

عليه فكل جائر في احتكامه

حبيب نأى عني الكرى بملاله

وواش دنا مني الأسى بملامه

غريب المعاني قام عذر صبابتي

بحسن عذاربيه ولين قوامه

له هيف الغصن الرطيب ولينه

ولي من تجنيه بكاء حمامه

تفرد قلبي دونه بهمومه

وشارك جسمي خصره في سقامه

سقى الله ليلاً حين جاد بوصله

وقد كان لا يسخو برد سلامه

فطاف كمثل الظبي عند التفاته

بحمراء مثل الجمر عند اضطرامه

كسا المزج (2) أعلاها حباباً كأنه

ثناياه أبداهن حسن ابتسامه

شككنا فلم نعرف أمنظوم عقده

من الدر أم من ثغره أم كلامه

ولم ندر هذا السكر من سحر طرفه

ومن خده والريق أم من مدامه

(1) ص: وصفراه.

(2)

ص: المزاج.

ص: 387

وقال أيضاً:

يفديك جفن بمائه شرق

جار عليه البكاء والأرق

ومهجة لم تزل حشاشتها

منك بنار الجفاء تحترق

يا قمراً أصبحت محاسنه

تنهب ألبابنا وتسترق

تجمعت فيك للورى فتن

على تلاف النفوس تنفق

طرف كحيل ووجنة كسيت

حمرة دمعي ومبسم يقق

جالت على عطفه ذوائبه

كالغصن زانت فروعه الورق

رأوك لي بجنة معجلة

ما وجدوا مثلها ولا رزقوا

هم حسدوني عليك فاختلفوا

بكل زور عليك واختلفوا

سعوا بتفريقنا فلا اجتمعوا

على وصال يوماً ولا اتفقوا

فأين كانوا وأدمعي بدد

تركض في وجنتي وتستبق

ومقلتي حشوها السهاد وأح

ناء ضلوعي تعتادها الحرق

ماذا يضر الوشاة أنهم

رقوا لقلبي الموجوع أو رفقوا

بمن كسا وجنتيك من حلل ال

حسن رياضاً نسيمها عبق

وأطلع البدر من جبينك مح

فوفاً بصدغ كأنه الغسق

لا تثن عطفاً إلى الوشاة فما

سلاك قلبي لكنهم عشقوا

أنت بحالي أدري وحالهم

قد وضحت في حديثنا الطرق

ما كنت يوماً إليك معتذراً

لو أنهم في مقالهم صدقوا وقال أيضاً:

أظهرت حسن معانيه الشمول

فاختفى اللائم واستحيا العذول

وثنت منه الحميا قامة

علمت بأن الحمى كيف يميل

رشأ يفتك في عشاقه

صارم من لحظه الساجي صقيل

أصل وجدي فيه فرع مرسل

مثل ليلي فاحم اللون طويل

ص: 388

وفم عذب وثغر أشنب

خصر من برده يشفي الغليل

أنا للجفوة منه قابل

ولأعباء تجنيه حمول

وأمور الحب من أعجبها

أن ترى القاتل يهواه القتيل وقال أيضاً:

لك السلامة من وجدي ومن حرقي

وما تعانيه أجفاني من الأرق

أردت فينا كؤوس الشوق مترعة

وأسكرتنا حمياها فلم نفق

يا مظهراً بمحياه وطرته

فضيلة الجمع بين لاصبح والغسق

حملت مهجتي الأسقام فاحتملت

وزدتها بعده بعداً قلم تطق

مهما نسيت فلا أنسى زيارته

في خفية لابساً ثوباً من الفرق

نشوان تستر عطفيه ذوائبه

كما اكتسى الغصن الميال بالورق

يسعى إلي براح من مقبله

يلذ مصطبحي فيها ومغتقي

لا أسأل الليل عن بدر السماء إذا

رقدت فيه وبدر الأرض معتنقي وقال أيضاً:

ثنى مصل قد السمهري ولينه

وجرد عضباً مرهفاً من جفونه

وبات يرينا كيف يجتمع الدجى

مع الصبح في أصداغه وجبينه

وكيف قران الشمس والبدر كلما

غدا يلثم الكاس التي بيمينه

وبت أفديه بنفس بذلتها

غراماً لمحفوظ الجمال مصونه

وأرخص دمع العين وجداً بمبسم

يقابله من دره بثمينه

سقى ذلك الوادي وإن فتكت بنا

نحور حواريه وأعين عينه

ولا زال مبيض الأقاحي ضاحكاً

به كل منهل الغمام هتونه وقال أيضاً:

بعثت لنا من سحر مقلتك الوسنى

سهاداً يذود الجفن أن يألف الجفنا

وأبرزت وجهاً يخجل البدر طالعاً

ومست بقد علم الهيف الغصنا

ص: 389

وأبصر جسمي حسن خصرك ناحلاً

فحاكاه لكن زاد في دقة المعنى

أسمراء إن أطلقت بالهجر عبرتي

فإن لقلبي من تباريحه سجنا

وإن تحجبي بالبيض والسمر فالهوى

يهون عند العاشق الضرب والطعنا

وما الشوق إلا أن أزورك معلناً

فلا مضمراً خوفاً ولا طالباً إذنا

وألقاك لا أخشى الغيور وانثني

ولو حجبت أسد الشرى ذلك المغني وقال أيضاً:

أريقته في الكأس أم صرف خمره

وهذا حباب المزج أم سمط ثغره

يضوع بأيدينا وقد قام ساقياً

بصنفيه من نشر المدام ونشره

له جنة من وجنيته وإنما

تعارضنا من دونه نار هجره

وصبح جبين نعتدي بضيائه

إذا ما ضلننا في غياهب شعره

لئن كان دمعي مطلقاً بجفائه

ففي أسره قلبي المعنى بأسره

وليل طويل العمر أحوى كأنه

غدائر من أهواه أو يوم غدره

إذا خشيت فيه المنى من ضلالها

هدانا إلى مطلبوها نور بدره وقال أيضاً:

بدا لنا من جبينه قمر

تضل في ليل شعره الفكر

ظبي غرير في طرفه سنة

يلذ فيها للعاشق السهر

جديد برد الشباب حف بري

حان وورد بخده نضر

ولا رعت مقلة نبات عذا

ريه فيحاج عنه تعتذر

جوامع الحسن فيه جامعة

فالقلب وقف عليه والبصر وقال أيضاً:

ألم وأعين الرقباء وسنى

كما تم الهلال سناً وسنا

ومال بعطفه مرح التصابي

كما عطفت نسيم الروض غصنا

وخص رياض خديه شقيق

يلوح عليه خال عم حسنا

ص: 390

وطاف بقهوة لم تبق فيها

مصاحبة الليالي غير معنى

فخلنا الشمس طالعة علينا

وقد برزت من الراووق وهنا

فلا تحفل بأعمال المصلى

ولا تسأل بها طللاً ومغنى

ومل نحو الخلاعة والتصابي

إذا فن مضى جددت فنا

وعاط الكأس أحرو ذا دلال

أغن يناسب الظبي الأغنا

يظن حمامة تشدو بغصن

إذا ما مال معتدلاً وغنى وقال رحمه الله تعالى، موشح:

يا نديمي بالرياض قفا

فهي لي مذهب

وأديراها سلافاً قرقفا (1)

لونها مذهب

خلت فيها الحباب حين صفا

أنجماً تغرب

حجبت بالبهاء والحسن

عن عيون الشر

وبدت في الخفاء كالوهم

تجتني بالفكر

لا تخالف يا منيتي أمري

وادعني بالرحيق

ما ترى صحبتي من السكر

ليس فيهم مفيق

نحن قوم من شيعة الخمر

ونحب العتيق

قد نقضنا (2) غياية (3) الحزن

بسماع الوتر

وحمانا من ناصب الهم

وعدك المنتظر

صاح لا تستمع من اللاحي

واطرح ما يقول

فمن الغبن إن تبت صاحي

من كؤوس الشمول

(1) غير منسجم في الوزن مع سياق الأشطار الأخرى.

(2)

لعل الصواب ((رفضنا)) ليكون ((الرفض)) مقابلاً ل؟ ((النصب)) .

(3)

ص: عناية.

ص: 391

فاكس راح النديم بالراح

واعص قول العذول

ما ترى العذل في الصبا يغني

عن "

"

بنت خدر تشفي من السقم

فاقض منها وطر

حث شمس الكؤس يا بدر

فالندامى نجوم

واستقنيها كأنها تبر

من بنات الكروم

ضحكت في ثغورها الزهر

ببكاء الغيوم

وتغنت بأطيب اللحن

صادحات الشجر

ناطقات بالسن عجم

طاب شرب السحر

حثها بيننا رشاً وسنان

نلت منه الأمان

ناعس الطرف بابلي الأجفان

باسم عن جمان

قد سكرنا من لحظه الفتان

قبل خمر الدنان

رب خمر شربت من جفن

واجتنيت الزهر

من خدود تحمى عن اللثم

بسيوف الحور وقال أيضاً:

أمحل صبوتنا تحية مغرم

يهدي السلام على البعاد برغمه

أثرى ثرى ذاك الجناب من الحيا ال

غادي ومن لي لو ظفرت بلثمه

فبشعب ذاك الحي مثل غزاله

في غنجه وهلاله في تمه

دمعي ومبسمه لكل منهما

معنى غنيت بنثره وبنظمه

والخصر منه والجفون وعهده

كل كسا جسمي النحول بسقمه

متلون أصلي بجمرة حربه

طوراً وطوراً أستريح بسلمه

ويسيء بي فعلاً ويحسن ثغره

لثماً فيشفع ظلمه في ظلمه وقال أيضاً:

ص: 392

ما وجه عذرك والكؤوس تدار

ضاقت بمن جهل الصبا أعذار

سفرت لك اللذات واتسعت بها ال

أوقات واجتمعت لك الأوطار

ساق يسوق إلى السرور ومطرب

حسن الغناء وروضة وعقار

أو ما ترى حسن الربيع وقد غدا

يختال في حبراته آذار

روض كما يرضي العيون يزينه

زهر تسر بحسنه الأسرار

وجداول نشأت بهن حدائق

ضحكت خلال فروعها الأنوار

وكأنما أشجارهن عرائس

تجلى ومن در السحاب نثار

تشدو حمائمها ويرقص دوحها

غب الصبا وتصفق الأنهار

فأدم لنا أفراحنا بمدامة

لم تتصل بصفائها الأكدار

حمراء تبدو في الكؤوس كأنها

ذهب عليه من اللجين إزار

يسعى عليك بها غرير أهيف

نوم المحب إذا جفاه غرار

وسنان فيه للغزالة وابنها

وجه وطرف فاتر ونفار

رشأ ولكن في القلوب كناسه

قمر ولكن أفقه الأزرار

ظهرت عذاراه فزادت وجهه

نوراً وتشرق في الدجى الأقمار

وأفاك يحمل مثل ما في خده

ماء به تروي القلوب ونار

في مجلس تمت لساكنه (1) المنى

وتكفلت بسعودها الأقدار وقال أيضاً:

سل عن فؤاد بنار الهجر تحرقه

وناظر بتجنيه تؤرقه

ولا ترج سلواً من غريم هوى

موكل بجديد الصبر يخلقه

أهواه معتدل العطاف مائلها

يجور في إذا ما اهتز مورقه

غصن ولكن بماء الحسن منبته

بدر ولكن من الأزرار مشرقه

يجلو الظلام محياه ويعذب مج

ناه وتحلو ثناياه ومنطقه

(1) ص: بساكنه.

ص: 393

ملاحة تسترق القلب رقتها

ونظم ثغر يروق العين رونقه

ثلاثة منه أعداني السقام بها

مجرى الوشاح وجفناه وموثقه

ألقى الرماح بقلب غير مكترث

وأتقي طرفه الساجي وأفرقه

فالأبيض العضب ما تبديه مقلته

والأسمر اللدن ما يحويه قرطقه وقال أيضاً:

قم لا عدمتك فالرياح تغربل

والرعد يطحن والغمائم تنخل

والمسك قد عجن الثرى بسحيقه

والعود يحرق والحميا تشعل

والدن تنور توقد جمرة ال

صهباء باطنه وفار المبزل

هي قوت أرواح عنت بحصادها ال

أيدي كما اكتنف الدياس الأرجل

اللون تبر والحقيقة جوهر

والريح مسك والمذاقة فوفل

والبرد قد ولى فمالك راقداً

متدثراً (1) يا أيها المزمل؟

أو ما ترى فصل الربيع وحسنه

والروض يضحك والحيا يتهلل

والغيم كالكافور ينثر لؤلؤاً

والجومسك والغدير مصندل

أبدت بدائع زهرها لك جنة

قد زخرفت فنعيمها متعجل

نسجت يدا الإبداع وشي رقومها

فلأجل ذاك النسج عيني تغزل

فمحمر ومصفر ومبيض

وموطس ومريش ومكلل

ومدبج ومكتب ومذهب

ومفضض باللازورد مكحل

جل المكون أعينا ما زانها

كحل ومبدع صبغة لا تنصل

فإذا اجتليت فكل شبر نزهة

وإذا ظمئت (2) فكل باع منهل

فهزارها شحرورها ورشانها

سمانها دراجها والبلبل

هذا يجاوي ذا بأحسن منطق

فإذا شدا الثاني أعاد الأول

(1) ص: راقد متدثر.

(2)

ص: ضميت.

ص: 394

وتقيم مأتمها الفواخت سحرة

فكأنهن مفجعات ثكل

وعلى الغدير شباك تبر حاكها

شمس الضحى وسنا دروع تصقل

روض ومعشوق وحسن حمائم

وصفاء ساقية وراح سلسل

وظلال غادية فسيف بروقها

ماض وطيب هوائها مستقبل

والشمس تجنح للغروب فثوبها ال

ذهبي مصفر البقاع مجلل

ما للمسرة عن حمانا مخرج

كلا ولا لأسى علينا مدخل

ومحاسن الحدباء مشرقة على

كل البلاد لها الفخار الأفضل

يا حبذا الشرف المطل وديرها ال

عالي وطيب فضائه والهيكل

ورواقه " وبهاؤه "(1) وجواره

والعيش فيه والهواء الأعدل

وعبيره يهدي بطيب نسيمه

وشموله يبقى فدام الشمأل

يا طيب صحته وصحبته ونا

قوس الصباح على الصبوح يحيعل

مغنى أقام به الرشيد وحله ال

منصور والمأمون والمتوكل

يا ساحة الحدباء تربك إثمد

للناظرين فما الدخول فحومل؟

هبني أحاول غيرها أو أبتغي

عوضاً عن الأوطان أو أتبدل

فعن الذين عهدتهم بفنائها

أهلي وجيراني بمن أستبدل فيجور أحياناً وطوراً يعدل

صبراً فكل ملمة من بعدها

فرج وكل عسير أمر يسهل وقال أيضاً:

وإذا شكوت من الزمن ومسني

ضيم ونكس صعدتي إعسار

وعلمتم أني بكم متعلق

فعلى علاكم لا علي العار

(1) سقط من ص وزدته من المطبوعة.

ص: 395