الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
553
هارون الرشيد
هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أمير المؤمنين الرشيد ابن المهدي ابن المنصور؛ كان شجاعاً كثير الحج والغزو، حج في خلافته ثماني حجج، وقيل تسع، وغزا ثماني غزوات، ولم يحج خليفة بعده، وكان في أيامه فتح هرقلة.
وكان طويلا جسيما أبيض قد وخطه الشيب، مولده سنة سبع وأربعين ومائة في نصف شوال بمدينة الري، وبويع له بمدينة السلام في ربيع الأول سنة سبعين ومائة يوم موت الهادي، وكان ولي العهد بعده، وله يومئذ اثنان وعشرون سنة ونصف، وتوفي بطوس في جمادى الآخرة (2) سنة ثلاث وتسعين ومائة، وله ست وأربعون سنة وكانت مدة خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين وستة (3) عشر يوماً، وكان يحج سنة ويغزو سنة، ولذل قال فيه القائل:
فمن يطلب لقاءك أو يرده
…
فبالحرمين أو أقصى الثغور
ففي أرض العدو على طمر
…
وفي أرض الثنية فوق كور وكان جواداً بالمال، واعتمد على البرامكة في دولته فزينوها إلى أن أكثروا الدالة عليه ففتك بهم، ولكن ساء تدبيره للملك بعدهم وظهر الاختلال في دولته
(1) مراجع أخباره كثيرة، وانظر تاريخ بغداد 14: 5 والديارات: 144 وتاريخ الخميس 2: 331 والبداية والنهاية 10: 213 ومعجم المرزباني: 462 والزركشي: 340 والروحي: 48 والفخري: 175 وتاريخ الخلفاء: 307 وخلاصة الذهب المسبوك: 107 وسائر المصادر التاريخية الكبرى ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.
(2)
ص: الآخر.
(3)
ص: وست.
بعدهم، وكان يقول: أغرونا بهم حتى إذا هلكوا وجدنا فقدهم ولم يسدوا مسدهم.
وكان فصيح المقال، قال لإسحاق بن إبراهيم الموصلي وقد أنشده أبياتاً منها:
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى
…
ورأي أمير المؤمنين جميل لله در أبيات (1) تأتينا بها ما أحكم أصولها وأحسن فصولها وأقل فضولها! فقال إسحاق: أخذ الجائزة مع هذا الكلام ظلم.
وله شعر جيد منه قوله في جارية صالحها:
دعي عد الذنوب إذا التقينا
…
تعالي لا نعد ولا تعدي ومنه:
ملك الثلاث الآنسات عناني
…
وحللن من قلبي أعز مكان
مالي تطاوعني البرية كلها
…
وأطيعهن وهن في عصياني
ما ذاك إلا أن سلطان الهوى
…
وبه غلبن أعز من سلطاني ومن شعر الرشيد يرثي جاريته هيلانة:
أف للدنيا وللزي
…
نة فيها والاناث
إذ حثا الترب على هيلا
…
ن الناس في الحفرة حاثي
فلها تبكي البواكي
…
ولها تشجي المراثي
خلفت سقماً (2) طويلاً
…
جعلت ذاك تراثي وكان من أمير الخلفاء وأجل ملوك الدنيا، كان يصلي في اليوم مائة ركعة إلى أن مات، ويتصدق كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وكان يحب
(1) ص: ابياناً.
(2)
ص: سقمى.
العلم وأهله، ويعظم حرمات الله تعالى؛ ولما مات ابن المبارك جلس للعزاء وأمر الناس أن يعزوه.
واجتمع له ما لم يجتمع لغيره: وزراؤه البرامكة، وقاضيه أبو يوسف، وشاعره مروان بن أبي حفصة، ونديمه العباس بن محمد عم أبيه، وحاجبه الفضل بن الربيع أتيه الناس وأعظمهم، ومغنيه إسحاق بن إبراهيم الموصلي، وزوجته زبيدة.
قال ابن حزم: كان يشرب الخمر؛ ولما مات صلى عليه ابنه صالح ودفنه بطوس.
وذكر الرواة أن الرشيد صنع قسيماً من الشعر وهو:
الملك لله وحده
…
ثم أرتج عليه فقال: استدعوا من بالباب من الشعراء، فدخل عليه جماعة منهم الجماز (1) فقال الرشيد: أجيزوا، وأنشدهم القسيم، فبدر الجماز فقال:
وللخليفة بعده
…
فقال الرشيد: زد، فقال الجماز:
وللمحب إذا ما
…
حبيبه بات عنده فقال الرشيد: أحسنت، لم تعد ما في نفسي، وأجازه بعشرة آلاف درهم، رحمه الله.
(1) كان الجماز من شعراء البصرة ومن موالي قريش (انظر طبقات ابن المعتز: 373 وتاريخ بغداد 3: 125) .