المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشيخ صدر الدين ابن الوكيل - فوات الوفيات - جـ ٤

[ابن شاكر الكتبي]

فهرس الكتاب

- ‌الشمس الدهان

- ‌كمال الدين ابن الزملكاني

- ‌المنصور صاحب حماة

- ‌الشيخ صدر الدين ابن الوكيل

- ‌ابن اللبانة

- ‌ماني الموسوس

- ‌الملك الناصر

- ‌الحافظ ابن النجار

- ‌شمس الدين الأصفهاني

- ‌ابن المكرم

- ‌ابن الدجاجية

- ‌شرف الدين القدسي

- ‌أمير المؤمنين الأمين

- ‌أمير المؤمنين المعتصم

- ‌أمير المؤمنين المهتدي

- ‌الخالدي الشاعر

- ‌أبو الوليد ابن حزم

- ‌مجير الدين ابن تميم

- ‌التلعفري الشاعر

- ‌أثير الدين أبو حيان

- ‌محمود الوراق

- ‌شهاب الدين محمود

- ‌غازان المغلي

- ‌صفي الدين القرافي

- ‌ كشاجم

- ‌ ابن قادوس

- ‌ شمس الدين الكوفي

- ‌ابن الملحي الواعظ

- ‌تاج الدين الصرخدي

- ‌ المختار الثقفي

- ‌أبو الفوارس ابن منقذ

- ‌ مروان بن الحكم

- ‌مروان الحمار

- ‌أبو الشمقمق

- ‌ والد أسامة

- ‌مزبد المدني

- ‌ابن قسيم الحموي

- ‌ صريع الغواني

- ‌مصعب ابن الزبير

- ‌أبو العرب الصقلي

- ‌مطيع بن إياس

- ‌ مظفر الذهبي

- ‌أبو المظفر الأنباري

- ‌مقدار المطاميري

- ‌أبو سعد الآبي

- ‌أمير العرب بهاء الدولة

- ‌النمري الشاعر

- ‌الراشد بالله

- ‌ المستنصر بالله

- ‌النيري الواسطي

- ‌الخليفة الهادي

- ‌الرئيس موسى القرطبي

- ‌ المؤمل المحاربي

- ‌حرف النون

- ‌البديهي الشاعر

- ‌المطرزي شارح المقامات

- ‌ابن صورة الكتبي

- ‌ابن الشقيشقة الصفار

- ‌ابن حواري الحنفي

- ‌فخر القضاة ابن بصاقة

- ‌أبو صالح الجيلي

- ‌أبو طاهر الحلي الشاعر

- ‌أبو سعد الدينوري

- ‌نصيب الأكبر

- ‌نصيب الأصغر

- ‌ النصير الحمامي

- ‌النصير الأذفودي

- ‌حرف الهاء

- ‌هارون الرشيد

- ‌ الواثق بالله

- ‌ابن المصلي الارمنتي

- ‌الجرذ الكاتب

- ‌الصائن ابن عساكر

- ‌أبو الحسين الحاجب

- ‌ هشام بن عبد الملك

- ‌ملك التتار

- ‌أبو حية النميري

- ‌حرف الواو

- ‌ والبة الأسدي

- ‌ أبو حليقة

- ‌ولادة بنت المستكفي

- ‌أمير المؤمنين الوليد

- ‌الوليد بن يزيد

- ‌حرف الياء

- ‌ياقوت المستعصمي

- ‌ أبو زكريا النواوي الحافظ

- ‌ابن أبي طي

- ‌ابن أبي حصينة رضي الدين

- ‌ابن مجبر الاشبيلي

- ‌أبو الحسين الجزار

- ‌أبو زكريا يحيى صاحب إفريقية

- ‌رشيد الدين العطار

- ‌أبو جعفر العلوي

- ‌الصرصري

- ‌ابن أبي خالد الكاتب الاشبيلي

- ‌ يزيد بن عبد الملك

- ‌ابن صقلاب

- ‌الراضي ابن عباد

- ‌يزيد بن معاوية

- ‌رجعنا إلى الأصل:

- ‌يزيد بن الوليد أمير المؤمنين

- ‌يعقوب النيسابوري

- ‌الخازن الشافعي

- ‌أبو البشر البندنيجي

- ‌الحافظ اليغموري

- ‌علم الدين القناوي

- ‌الحافظ ابن بكار

- ‌جمال الدين الشاعر

- ‌مهمندار العرب

- ‌محيي الدين ابن الجوزي

- ‌الشيخ جمال الدين المزي

- ‌سبط ابن الجوزي

- ‌ابن طملوس المغربي

- ‌المستنجد بالله

- ‌الملك الناصر صاحب الشام

- ‌فخر الدين ابن الشيخ

- ‌ بدر الدين الذهبي

- ‌ محيي الدين ابن زيلاق

- ‌الملك الجواد

الفصل: ‌الشيخ صدر الدين ابن الوكيل

لا تبعثوا في نسيم الريح نشركم

فإنني من نسيم الريح غيران

سقاهم الغيث من قبلي كاظمة

سحاً وروى ثراهم أينما كانوا وقال:

ادعني باسمها فإني مجيب

وادر أني مما تحب قريب

حكم الحب أن أذل لديها

نخوة الملك، والغرام عجيب وقال:

أربي راح وريحا

ن ومحبوب وشادي

والذي ساق لي المل

ك له دفع الأعادي 490 (1)

‌الشيخ صدر الدين ابن الوكيل

محمد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد، الشيخ الإمام العالم العلامة ذو الفنون، البارع صدر الدين ابن المرحل، ويعرف في الشام بابن الوكيل (2) ، المصري الأصل العثماني الشافعي، أحد الأعلام وفريد أعاجيب الزمان في الذكاء والحافظة والذاكرة؛ ولد في شوال سنة خمس وستين بدمياط، وتوفي بالقاهرة سنة ست عشرة (3) وسبعمائة. رثاه جماعة من شعراء مصر

(1) الوافي 4: 264 والبدر السافر: 142 وطبقات السبكي 6: 23 والدرر الكامنة 4: 234 والأسنوي 2: 459 والبداية والنهاية 14: 80 والنجوم الزاهرة 9: 233 والدارس 1: 27 والزركشي: 304 والشذرات 6: 40 وذيل العبر: 90 والسلوك 1: 167 ودول الإسلام 2: 170؛ وأكثر هذه الترجمة ورد في المطبوعة

(2)

يعني ابن وكيل بيت المال.

(3)

ص: عشر.

ص: 13

والشام وحصل التأسف عليه، وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية لما بلغه وفاته: أحسن الله عزاء المسلمين فيك يا صدر الدين.

نشأ بدمشق وتفقه بوالده وبالشيخ شرف الدين المقدسي. وأخذ الأصول عن صفي الدين الهندي وسمع من القاسم الإربلي والمسلم بن علان وجماعة، وكان له عدة محفوظات، قيل إنه حفظ " المفصل " في مائة يوم ويوم، و " المقامات الحريرية " في خمسين يوماً، و " ديوان المتنبي " على ما قيل في جمعة واحدة، وكان من أذكياء زمانه، فصيحاً مناظراً، لم يكن أحد من الشافعية يقوم بمناظرة الشيخ تقي الدين ابن تيمية غيره، وتخرج به الأصحاب والطلبة، وكان بارعاً في العقليات. وأما الفقه وأصول الفقه فكانا قد بقيا له طباعاً لا يتكلفهما.

أفتى (1) ودرس وبعد صيته؛ ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية سبع سنين وجرت له أمور وتنقلات، وكان مع اشتغاله يتنزه ويعاشر، ونادم الأفرم نائب دمشق، ثم توجه إلى مصر وأقام بها إلى أن عاد السلطان من الكرك سنة تسع وسبعمائة، فجاء بعد ما خلص من واقعة الجاشنكير، فإنه نسب إليه منها أشياء، وعزم الصاحب فخر الدين ابن الخليلي على القبض عليه تقرباً إلى خاطر السلطان، فلما أحس بذلك فر إلى السلطان على طريق البدرية ودخل على السلطان وهو بالرمل، فعفا عنه، وجاء إلى دمشق وتوجه إلى حلب وأقرأ بها ودرس وأقبل عليه الحلبيون إقبالاً زائداً، وعاشرهم، وكان محظوظاً (2) ، لم يقع بينه وبين أحد من الكبار إلا وعاد من أحب الناس فيه.

وكان حسن الشكل تام الخلق حسن البزة حلو المجالسة طيب المفاكهة، وعنده كرم مفرط، كل ما يحصل له ينفقه بنفس متسعة ملوكية، وكان يتردد إلى الصلحاء ويلتمس دعاءهم ويطلب بركتهم.

(1) قال في البدر السافر: ((أفتى وهو ابن اثنتين وعشرين سنة)) .

(2)

الوافي والزركشي: محفوظاً.

ص: 14

قيل (1) إنه وقف له فقير - وكانت ليلة عيد - وقال له: شي لله، فالتفت إلى غلامه، وقال: إيش معك؟ قال: مائتا درهم، قال: ادفعها إلى هذا الفقير، فقال له: يا سيدي الليلة العيد وما معنا شي ننفقه غداً، فقال: امضي إلى القاضي كريم الدين وقول له: الشيخ يهنيك بالعيد، فلما راى كريم الدين غلام الشيخ قال: كأن الشيخ يعوز نفقة في هذا العيد، ودفع له ألفين درهم وثلثمائة للغلام، فلما حضر إلى الشيخ قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسنة بعشرة، مائتان بألفين.

وكان له مكارم كثيرة ولطفاً زايداً (2) وحسن عشرة؛ وأما أوائل عشرته فما كان لها نظير، لكنه ريما يحصل عنده ملل في آخر الحال، حتى قال فيه القائل:

وداد ابن الوكيل له شبيه

بلبادين جلق في المسالك

فأوله حلي ثم طيب

وأخره زجاج مع لوالك (3) وشعره مليح إلى الغاية، وكان ينظم الشعر والموشح والذوبيت والمخمس والزجل والبليق؛ ومن تصانيفه ما جمعه في سفينة وسماه " الأشباه والنظائر "، يقال إنه شيء غريب، وعمل مجلدة في السؤال الذي حضر من عند أسندمر نائب طرابلس في الفرق بين الملك والنبي والشهيد والولي والعالم.

ومن شعره قصيدة بائية أولها:

ليذهبوا في ملامي أية ذهبوا

في الخمر (4) لا فضة تبقى ولا ذهب

لا تأسفن على مال تمزقه

أيدي سقاة الطلا والخرد العرب

(1) أبقيت هذه الحكاية على حالها، وفيها صورة من اللهجة الدارجة حينئذ؛ وقارن بما في الوافي.

(2)

كذا ظن.

(3)

اللوالك: جمع لالكة، وهي نوع من النعال.

(4)

ص: فالخمر؛ وأثبت ما في الحاشية ترجيحاً، وهو كذلك عند الصفدي.

ص: 15

فما كسوا راحتي من راحها حللاً

إلا وعروا فؤادي الهم واستلبوا

راح بها راحتي في راحتي حصلت

فتم عجبي بها وازداد لي العجب

إذ ينبع الدر من حلو مذاقته

والتبر منسبك في الكأس منسكب

وليست الكيميا في غيرها وجدت

وكل ما قيل في أبوابها كذب

قيراط خمر على القنطار من حزن

يعود في الحال أفراحاً وينقلب

عناصر أربع في الكأس قد جمعت

وفوقها الفلك السيار والشهب

ماء ونار هواء أرضها قدح

وطوقها فلك والأنجم الحبب

ما الكأس عندي بأطراف الأنامل بل

بالخمس تقبض لا يحلو لها الهرب

شججت بالماء منها الرأس موضحة

فحين أعقلها بالخمس لا عجب

وما تركت بها الخمس التي وجبت

وإن رأوا تركها من بعض ما يجب

ولن أقطب وجهاً حين تبسم لي

فعند بسط الموالي يحسن (1) الأدب

عاطيتها من بنات الترك عاطية

لحاظها للأسود الغلب قد غلبوا

هيفاء جارية للراح ساقية

من فوق ساقية تجري وتنسرب2 شطر ثاني

من وجهها وتثنيها وقامتها

تخشى الأهلة والقضبان والقضب

يا قلب أردافها مهما مررت بها

قف بي عليها وقل لي هذه الكثب

وإن مررت بشعر فوق قامتها

بالله قلي لي كيف البان والعذب

تريك وجنتها ما في زجاجتها

لكن مذاقته للريق تنتسب

تحكي الثنايا الذي أبدته من حبب

" لقد حكيت ولكن قاتك الشنب "(3) وقال أيضاً:

وعارض قد لام في عارض

وطاعن يطعن في سنه

(1) الوافي: يحفظ.

(3)

مضمن من قول الخيمي، وصدره:((يا بارقاً بأعالي الرقمتين بدا)) .

ص: 16

وقال لي قد طلعت ذقنه (1)

فقلت لا أفكر في ذقنه وقال وهو في غاية الحسن:

شب وحدي بشائب

من سنا البدر أوجه

كلما شاب ينحني

بيض الله وجهه وقال أيضاً:

ولما جلا فصل الخريف (2) محاسناً

وصف ماء النهر إذ غرد القمري

أتاه النسيم الرطب رقص دوحه

فنقط وجه الماء بالذهب المصري وقال أيضاً:

عيرتني بالسقم طرفك مشبهي

وتحول جسمي مثل خصرك ناحلا (3)

وأراك تشمت إذ أتيتك سائلاً

لا بد أن يأتي عذارك سائلا وقال في مليح به يرقان:

رأيت في طرفه اصفراراً

سبا فؤادي فقلت مهلا

أيا مليك الأنام حسناً

العفو من سيفك المحلى وهذا يشبه قول الوداعي (4) :

قال قوم قد شانه يرقان

قلت أخطأتم وحاشا وكلا

إنما الخد واللواحظ منه

مصحف مذهب وسيف محلى وقال أيضاً (5) :

(1) ص: دقنه.

(2)

الوافي: الربيع.

(3)

الوافي: وكذاك خصرك مثل جسمي ناحلا.

(4)

هذا البيتان تأخرا عن موضعهما في المطبوعة.

(5)

لم يرد البيتان التاليان في المطبوعة.

ص: 17

أقصى مناي أن أمر على الحمى

ويلوح نور رياضه ويفوح

حتى أري سحب الحمى كيف البكا

وأعلم الورقاء كيف تنوح وقال أيضاً:

بعيشك خل عاذلتي تلمني

ومنها في ملامتها ومني

فإن نجحت فلا نجحت طريقي

وأدركت المنية لا التمني

وإن خابت فلا خابت طريقي

وإن كان الهو ثانيه عني

فيا غصن النقا ويجل قدراً

قوامك ان أشبهه بغصن

لحاظك بالمها فتكت عناداً

ولا تسأل عن الظبي الأغن

وعطفك قد كسا الأغصان وجداً

فمالت بالهوى لا بالتثني

ورقت ورقها فبكت عليها

وفي الأفنان أبدت كل فن

وقد طارحتها شجناً فلما

بكيت صبابة أخذت تغني وقال أيضاً في مليح اسمه خليل:

تلك المعاطف أم غصون البان

لعبت ذوائبها على الكثبان

وتضرحت تلك الحدود فوردها

قد شق قلب شقائق النعمان

ما يفعل الموت المبرح في الورى

ما تفعل الأحداق في الأبدان

أخليل قلبي وهو يوسف عصره

قلبي الكليم رميت في النيران

قطعته مذ كان قلباً طائراً

ودعوته فأتى بغير توان

يا نور عيني لا أراك وهكذا

إنسان عيني لا يراه عياني وقال أيضاً:

أخفيت حبك عن جميع جوانحي

فوشت عيوني والوشاة عيون

ووددت أن جوانحي وجوارحي

مقل تراك وما لهن جفون

وودت دمع الخافقين لمقلتي

حتى عزيز الدمع فيك يهون

يا ليت قيساً في زمان صبابتي

حتى أريه العشق كيف يكون

ص: 18

وقال أيضاً في مليح يلقب بالحامض:

وبديع الجمال معتدل القا

مة كالغصن والقنا الأملود

لقبوه بحامض وهو حلو

قول من لم يصل إلى العنقود وقال:

يا وجنة هي جنة قد زخرفت

ورداً ومن آس العذار تخضرت

عين بنور جمال وجهك متعت

وسوى جمالك أبصرت، لا أبصرت وقال ذوبيت (1) :

يا غاية منيتي ويا معشوقي

من بعدك لم أمل إلى مخلوق

يا خير نديم كان لي يؤنسني

من بعدك صلبت على الراووق وقال أيضاً:

في خدك خط مشرف الصدغ سطور

والشاهد ناظر على الفتك يدور

يا عارضه بالشرع لا تقتلني

الشاهد فاتك وذا خطك زور وقال:

تغنت في ذرى الأوراق ورق

ففي الأفنان من طرب فنون

وكم بسمت ثغور الزهر عجباً

وبالأكمام كم رقصت غصون وقال أيضاً:

وبي من قسا ولان معاطفاً

إذا قلت أدناني بضاعف تبعيدي

أقر برق إذا أقول أنا له

وكم قالها أيضاً ولكن لتهديدي وقال:

إذا قلت ثغرك صن باللثام

يقول: سيحيميه صارم جفني

(1) لم يرد هذا الدوبيت في المطبوعة.

ص: 19

وإن قلت قد صار من فتكه

كليلاً يقول عذاري مسني وقال ذوبيت:

كم قال معاطفي حكتها الأسل

والبيض سرقن ما حوته المقل

الآن أوامري عليهم حكمت

البيض تحد والقنا تعتقل وقال:

عانقت وبالعناق يشفى الوجد

حتى شفي الصب ومات الضد (1)

من أخمصه لثماً إلى وجنته

حتى اشتكت القضب وضج الورد وقال موضح يعارض به السراج المحار:

ما أخجل قده غصون البان

بين الورق

إلا سلب المها مع الغزلان

حسن الحداق قاسوا غلطاً من حاز حسن البشر

بالبدر يلوح في دياجي الشعر

لا كيد ولا كرامة للقمر

الحب جماله مدى الأزمان

معناه بقي

وازداد سناً وخص بالنقصان

بدر الأفق الصحة والسقام في مقلته

والجنة والجحيم في وجنته

من شاهد يقول من دهشته

هذا وأبيك فر من رضوان

شطر تحت الغسق

للأرض يعيذه من الشيطان

رب الفلق

قد أنتبه الله

نباتاً حسناً

(1) الوافي: الصد.

ص: 20

وازداد على المدى بهاء وسنا

من جاد له بروحه ما غبنا

قد زين حسنه مع الإحسان حسن الخلق

لو رمت لحسنه شبيهاً (1) ثاني لم يتفق

في نرجس لحظه وزهر الثغر

روض نضر قطافه بالنظر

قد دبج خده بنبت الشعر

كالورد حواه ناعم الريحان بالطل سقي

والقد يميل ميلة الأغصان للمعتنق

أحيا وأموت في هواه كمدا

من مات جوى في حب قد سعدا

يا عاذل لا أترك وجدي أبدا

لا تعذلني فكلما تلحاني زادت حرقي

يستأهل من يهم (2) بالسلوان ضرب العنق

القد وطرفه قناة وحسام

والحاجب واللحاظ قوس وسهام

والثغر مع الرضاب كأس ومدام

والدر منظم مع المرجان في فيه نقي

قد رصع فوقه عقيق قان نظم النسق

وأما موشحة السراج المحار فهي:

مذ شمت سنا الروق من نعمان

باتت حدقي

(1) ص: شبيه.

(2)

ص: يهيم.

ص: 21

تذكي بمسيل دمعها الهتان

نار الحرق ما أومض بارق الحمى أو خفقا

إلا وأجد لي الأسى والحرقا

هذا سبب لمحنتي قد خلقا

أمسي لوميضه بقلب عاني

بادي القلق

لا أعلم في الظلام ما يغشاني

غير الأرق أضني جسدي فراق إلف نزحا

أفنى جلدي دمع عيني نزحا

كم صحت وزند لوعتي قد قدحا

لم تبق يد السقام من جثماني

غير الرمق

ما أصنع والسلو مني فاني

والوجد بقي أهوى قمراً حلو مذاق القبل

لم يكحل طرفه بغير الكحل

تركي اللحظات بابلي المقل

زاهي الوجنات زائد الإحسان

حلو الخلق

عذب الرشفات ساحر الأجفان

ساجي الحدق ما حط لثامه وأرخى شعره

أو هز معاطفاً رشاقاً نضره

إلا ويقول كل راء نظره

هذا قمر بدا بلا نقصان

تحت الغسق

أو شمس ضحى في غصن فينان

غض الورق ما أبدع معنى لاح في صورته

إيناع عذاره على وجنته

ص: 22

لما سقي الحياة من ريقته

فاعجب لنبات خده الريحاني

من حيث سقي

يضحي ويبيت وهو في النيران

لم يحترق والسراج المحار عارض بهذا موشح أحمد الموصلي، وهو:

مذ غردت الورق على الأغصان

بين الورق

أجرت دمعي وفي فؤادي العاني

أذكت حرقي لما برزت في الدوح تشدو وتنوح

أضحى دمعي بساحة السفح سفوح

والفكر نديمي في غبوق وصبوح

قد هيجت الذي به أضناني

منه قلقي

والقلب له من بعد صبري الفاني

الوجد بقي ما لاح بريق رامة أو لمعا

إلا وسحاب عبرتي قد همعا

والجسم على المزمع هجري مزمعا

بالنازح والنازح عن أوطاني

ضاقت طرقي

ما أصنع قد حملت من أحزاني

ما لم أطق قلبي لهوى ساكنه قد خفقا

والوجد حبيس واصطباري طلقا

والصامت من سري بدمعي نطقا

في عشق منعم من الولدان

أصبحت شقي

من جفوته، ولم يزر أجفاني

غير الأرق فالورد مع الشقيق من خديه

ص: 23

قد صانهما النرجس من عينيه

والآس هو السياج من صدغيه

واللفظ وريق الأغيد الروحاني

عند الحدق

حلوان على غصن من المران

غض رشق الصاد من المقلة من حققه

والنون من الحاجب من عرقه

واللام من العارض من علقه

قد سطره بالقلم الريحاني

رب الفلق

بالمسك على الكافور كالعنوان

فوق الورق ما أبدع وضع الخال في وجنته

خط الشكل الرفيع من نقطته

قد حير إقليدس في هيئته

كالعنبر في نار الأسيل القاني

للمنتشق

فاعجب لعبير وهو في النيران

لم يحترق ومن موشحات الشيخ صدر الدين قوله:

صاح صاح الهزار

قم نحث الكووس

قد تجلى النهار

فاجل بنت القوس

ما علينا جناح

إن فصل المصيف

قد تولى وراح

وتولى الخريف

قم فذات الجناح

ذات رمز لطيف

في اقتلاع الوقار

من طروس الضروس

وانتهاب العقار

وسرور النفوس

ص: 24

زوج الما براح

يا شبيه القمر

والشهود الملاح

والولي المطر

والمغاني الفصاح

ساكنات الشجر

وهي بكر تدار

والسقاة الشموس

والحباب النثار

فوق وجه العروس

إن عيشي الرغيد

حين ألقى الصديق

وعذار جديد

وسلاف عتيق

ثم ألقى شهيد

بسيوف الرحيق

كم كذا ذا الفشار

وخيوط الرؤوس

طاح عمري وطار

في سماع الدروس وكان الشيخ صدر الدين عارفاً بالطب علماً لا علاجاً، فاتفق أن شكا إليه الأفرم سوء هضم، فركب له سفوفاً وأحضره، فلما استعمله أفرط في الإسهال (1) جداً، فأمسكه ممالكيه ليقتلوه، وأحضروا أمين الدين الحكيم لمعالجة الأفرم، فعالجه باستفراغ تلك المواد التي اندفعت وأعطاه أمراق الفراريج، ثم أعطاه الممسكات حتى صلح حاله، فلما صلحت حاله سأل الأفرم عن الشيخ صدر الدين فأخبروه المماليك ما فعلوا به، فأنكر ذلك عليهم ثم أحضره وقال له: يا صدر الدين، جيت تروحني غلطاً، فقال له سليمان الحكيم: يا صدر الدين اشتغل بفقهك ودع الطب، فغلط المفتي يستدرك وغلط الطبيب ما يستدرك، فقال الأفرم: صدق لك، لا تخاطر، ثم قال لمماليكه: مثل صدر الدين ما يتهم، والله الذي جرى عليه منكم أصعب مما جرى عليّ، وما أراد والله إلا الخير، ثم سير له

(1) الوافي: أفرط به الإسهال.

ص: 25

جملة دراهم وقماش.

ولما أنكر البكري استعارة البسط والقناديل من الجامع العمري بمصر لبعض كنائس القبط في بعض مهماتهم، ونسب هذه الفعلة إلى كريم الدين، فطلع البكري إلى حضرة السلطان وكلمه في ذلك وأغلظ له في القول، وكاد يجوز ذلك على السلطان لو لم يحل بعض القضاة الحاضرين على البكري، وقال: ما قصر الشيخ، كالمستهزيء به، فحينئذ أغلظ السلطان له وأمر بقطع لسانه، فأتى الخبر إلى الشيخ صدر الدين وهو في زاوية السعودي، فطلع إلى القلع على حمار فاره اكتراه للسرعة، فرأى البكري وقد أخذ ليمضي فيه ما أمر، فلم يملك دموعه أن تساقطت على خده، واستمهل الشرطة، ثم صعد الأيوان والسلطان جالس به، وتقدم إلى السلطان من غير استئذان وهو باك، فقال له السلطان: خير يا صدر الدين فزاد بكاؤه ونحيبه ولم يقدر على مجاوبة السلطان، فلم يزل السلطان يرفق به ويقول له: خير، ما بك؟ إلى أن قدر على الكلام، فقال له: هذا البكري من العلماء الصلحاء، وما أنكر إلا في موضع الإنكار، ولكنه لم يحسن التلطف، فقال له السلطان: إي والله أنا أعرف أنه حطبة، وانفتح الكلام، ولم يزل الشيخ صدر الدين يرفق بالسلطان ويلاطفه حتى قال: خذه وروح وانصرف، هذا كله جرى والقضاة حضور وأمراء الدولة ملء الإيوان، وما فيهم من أعانه.

وكان إذا فرغ مما هو فيه مع أصحابه وعشراه قام وتوضأ وصلى ومرغ وجهه على التراب وبكى حتى يبل ذقنه بالدموع، ويستغفر الله تعالى ويسأله التوبة، رحمه الله تعالى.

ص: 26