الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
554 -
(1)
"
الواثق بالله
"
هارون بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله ابن العباس، أمير المؤمنين الواثق بالله ابن المعتصم بالله ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور؛ أمه أم ولد يقال لها قراطيس. كان أبيض إلى الصفرة، حسن الوجه جميل الطلعة جسيماً، في عينه اليمنى نكتة بياض.
مولده يوم الاثنين لعشر بقين من شعبان سنة تسعين ومائة، وبويع له بسامرا يوم الجمعة لإحدى عشرة (2) ليلة بقيت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين، وتوفي بسامرا يوم الثلاثاء لخمس بقين من الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وستة أيام.
وكان كاتبه محمد بن عبد الملك الزيات، وحاجبه إيتاخ ومحمد بن حماد ابن نقش ثم محمد بن عاصم؛ وكان يقال له " المأمون الصغير " لشبه أحواله كلها بأحواله، وكان أعلم بني العباس بالغناء، وله أصوات مشهورة من تلحينه.
ومن نادر كلامه لشخص كان عاملاً له على عمل، نقل عنه أنه قال لمن شفع إليه في قصته لو شفع لك النبي صلى الله عليه وسلم ما شفعتك: لولا أن في خطأ لفظك إشارة إلى صواب معناك في استعظامك ووضعك رسول الله صلى الله عليه وسلم في غاية التمثيل لمثلت بك. ثم أمر أن يضرب ثمانين سوطاً
(1) الزركشي: 340 والأغاني 9: 267 ومعجم المرزباني: 462 وتاريخ بغداد 14: 15 وتاريخ الخلفاء: 367 والروحي: 53 وخلاصة الذهب المسبوك: 223 والفخري: 215 وسائر المصادر التاريخية الكبري؛ ولم ترد هذه الترجمة في المطبوعة.
(2)
ص: عشر.
ويعزل. ورئي الواثق في تلك الحالة وهو يرعد غضباً وقال: والله لا وليت لي عملاً أبداً.
وللواثق شعر حسن منه (1) :
قالت إذا الليل دجا فأتنا
…
فجئتها حين دجا الليل
خفي وطء الرجل من حاسد
…
ولو درى حل به الويل وله:
تنح عن القبيح ولا ترده
…
ومن أوليته حسنى فزده
ستكفى من عدوك كل كيد
…
إذا كاد العدو ولم تكده وكان يحب خادماً أهدي له من مصر، فأغضبه الواثق يوماً فسمعه يقول لبعض الخدم: والله إن الواثق يروم منذ أمس أن أكلمه فلم أفعل، فقال:
يا ذا الذي بعذابي ظل مفتخرا
…
هل أنت إلا مليك جار فاقتدرا (2)
لولا الهوى لتجارينا على قدر
…
فإن أفق مرة منه فسوف ترى وقال يحيى بن أكثم: ما أحسن أحد إلى آل أبي طالب ما أحسن إليهم الواثق، ما مات وفيهم فقير.
وكان ابن أبي داود قد استولى على الواثق وحمله على التشدد في المحنة بالقول بخلق القرآن، ويقال إن الواثق رجع قبل موته عن القول بخلق القرآن.
وقال عبيد الله بن يحيى (3) : حدثنا إبراهيم بن ساباط قال: حمل فيمن حمل رجل مكبل بالحديد من بلاده فأدخل، فقال ابن أبي داود: تقول أو أقول؟ قال: هذا من أول جوركم، أخرجتم الناس من بلادهم ودعوتموهم إلى
(1) معجم المرزباني: 463.
(2)
السيوطي: جار إذ قدرا.
(3)
تاريخ الخلفاء: 368 والرجل الذي جعل من بلاده هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد الأذرمي.
شيء، لا بل أقول، قال: قل، والواثق جالس، قال: أخبرني عن هذا الرأي الذي دعوتم إليه الناس أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم به فلم يدع الناس إليه أم شيء لم يعلمه؟ قال: علمه، قال: فكان يسعه أن لا يدعو الناس إليه وأنتم لا يسعكم؟! قال: فنبهته، واستضحك الواثق وقام قابضاً على فمه، ودخل بيتاً ومد رجليه وهو يقول: وسع النبي صلى الله عليه وسلم أن يسكت عنه ولم يسعنا، وأمر أن يعطى ثلاثمائة دينار وأن يرد إلى بلده.
وقال رزقان بن أبي داود: أن الواثق لما احتضر قال:
الموت فيه جميع الخلق مشترك
…
لا سوقة منهم يبقى ولا ملك
ما ضر أهل قليل في تفاقرهم (1)
…
وليس يغني عن الأملاك ما ملكوا ثم أمر بالبسط فطويت من تحته وألصق خده بالأرض وجعل يقول: يا من لا يزول ملكه، ارحم من قد زال ملكه.
وكان في سنة اثنتين ومائتين قد صادر الدواوين وضرب أحمد بن أبي إسرائيل ألف صوط (2) وأخذ منه ثمانين ألف دينار، ومن سليمان بن وهب كاتب الأمير إيتاخ أربعمائة ألف دينار، ومن أحمد بن الخصيب وكاتبه ألف ألف دينار ويقال إنه أخذ من الكتاب في هذه السنة ثلاثة آلاف ألف دينار.
(1) السيوطي: تفارقهم، وما هنا أصوب.
(2)
كذا يكتبها المؤلف.