الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كأن فجاج الأرض يمناك إن يسر
…
بها خائف تجمع عليها الأناملا
فأين يفر المرء عنك بجرمه
…
إذا كان يطوي في يديك المراحلا وهو من قول النابغة:
فإنك كالليل الذي هو مدركي
…
وإن خلت أن المنتأي عنك واسع 527 (1)
مطيع بن إياس
مطيع بن إياس الكناني أبو سلمى؛ قيل إنه من الديل (2) . كان شاعراً من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. كان خليعاً ماجناً حلو النادرة متهماً في دينه مأبوناً، ومولده ومنشأه بالكوفة، وكان إذا حضر ملك، وإذا غاب عنك شاقك، وإذا عرفت به فضحك. وكان يجتمع هو ويحيى بن زياد (3) الحارثي وحماد الراوية وابن المقفع ووالبة ابن الحباب ويتنادمون لا يفترقون ولا يستأثر أحد منهم على صاحبه بمال. وكان يرمي الجميع بالزندقة.
ولام الناس مطيعاً على ما يرمى به من الأبنة، وقالوا: أنت في أدبك وسؤددك ترى هذه الفاحشة، فلو أقصرت (4) عنها، فقال: جربوه أنتم ثم دعوه إن كنتم صادقين، فقالوا: قبح الله تعالى فعلك، وانصرفوا عنه.
وقدم بغداد رجل يقال له الفهمي، مغن محسن، فدعاه مطيع ودعا
(1) طبقات ابن المعتز: 94 وتاريخ بغداد 13: 226 والأغاني 13: 275 وقد جمع شعره غرونباوم (شعراء عباسيون: 30 - 76) ؛ ولم ترد الترجمة في المطبوعة.
(2)
ص: دبك (دون اعجام للباء) .
(3)
ص: وناد.
(4)
ص: قصرت.
جماعة من إخوانه، وكتب إلى يحيى بن زياد يدعوه بهذه الأبيات (1) :
عندنا الفهمي مس؟
…
رور وزمار مجيد
ومعاذ وعياذ
…
وعمير وسعيد
وندامى يعملون ال؟
…
قلز والقلز شديد
بعضهم ريحان بعض
…
فهم مسك وعود القلز بالقاف واللام والزي: البدال. فاتاهم يحيى وأقام عندهم.
وبلغت الأبيات المهدي، فضحك منها وقال: تنايك القوم ورب الكعبة.
وخرج مطيع بن غياس ويحيى بن زياد حاجين، فقدما أثقالهما وقال أحدهما للآخر: هل لك أن نصير إلى زرارة فنقصف عنده ليلتنا ثم نلحق أثقالنا؟ فقال: نعم، فما زال ذلك دأبهما حتى انصرف الناس من مكة، فركبا بعيرين وحلقا رؤوسهما ودخلا مع الحاج، فقال مطيع (2) :
ألم ترني ويحيى إذ حججنا
…
وكان الحج من خير التجاره
خرجنا طالبي خير وبر
…
فمال بن الطريق إلى زراره
فعاد الناس قد غنموا وحجوا
…
وأبنا موقرين من الخساره ومن شعر مطيع (3) :
ويوم ببغداد نعمنا صباحه
…
على وجه حوراء المدامع تطرب
ببيت ترى فيه الزجاج كأنه
…
نجوم الدجى بين الندامى تقلب
يصرف ساقينا ويقطب (4) تارة
…
فيا طيبها مقطوبة حين تقطب
علينا سحيق الزعفران وفوقنا
…
أكاليل فيها الياسمين المذهب
(1) شعراء عباسيون: 46.
(2)
شعراء عباسيون: 57.
(3)
شعراء عباسيون: 37.
(4)
ص: تصرف
…
ونقطب.
فما زلت أسعى بين صنج ومزهر
…
من الراح حتى كادت الشمس تغرب وسقط لمطيع حائط فقال له بعض أصحابه: أحمد الله على السلامة، فقال: أحمده أنت الذي لم ترعك هدته، ولم يصل إليك غباره، ولم تغرم أجرة بنائه.
هو الذي يقول في نخلتي حلوان (1) :
أسعداني يا نخلتي حلوان
…
وابكيا لي من ريب هذا الزمان
واعلما أن ريبه لم يزل يف
…
رق بين الألاف والأقران
ولعمري لو ذقتما ألم الفر
…
قة أبكاكما الذي أبكاني
أسعداني وأيقنا أن نحساً
…
سوف يلقاكما فتفترقان فلما خرج هارون الرشيد إلى طوس هاج به الدم بحلوان، فوصف له الحكيم أكل جمار النخل، فلم يكن بحلوان إلا تلك النخلتان اللتان في العقبة، فقطعوا له رأس إحداهما وأتي به إليه، فأكل منه، فلما بلغ إلى العقبة نظر إلى القائمة وإذا عليها مكتوب هذه الأبيات، فاغتم لذلك وبكى وقال: والله لو سمعت بهذا الشعر ما قطعتها ولو قتلني الدم، ويعز علي أن أكون النحس الذي فرق بينهما.
وقال إبراهيم بن القاسم الكاتب المعروف بالرقيق النديم في كتاب " قطب السرور "(2) : إن مطيع بن إياس ويحيى بن زياد وحماد عجرد كانوا (3) يجتمعون عند أبي الأصبغ المقين، وكان له عدة جوار قيان، وكان فتيان الكوفة يألفون منزله وينفقون عنده، وكان هؤلاء الأدباء يغشون منزله
(1) شعراء عباسيون: 69.
(2)
وردت هذه القصة في الأغاني 13: 327.
(3)
ص: كانا.
لجارية يقال له حوذانة (1) مليحة الغناء حسنة الوجه بارعة الظرف والأدب، وكان لأبي الأصبغ ابن يقال له الأصبغ ولم يكن بالعراق أحسن منه، وكان غالب أهل بغداد (2) يتعشقونه ولا يقدرون عليه، وكان يحيى بن زياد كثير الإفضال على أبي الأصبغ. وعزم أبو الأصبغ على أن يصطبح يوماً مع يحيى ابن زياد، فاهدي إليه يحيى من الليل جداء ودجاجاً وفراخاً وفاكهة وشراباً، وقال أبو الأصبغ لجورايه: إن يحيى يزورنا فأصلحن له ما يشبه مثله، فلما فرغ من الطعام لم يجد رسولاً يرسله إلى يحيى لأنه وجه بغلمانه في حوائجه، فوجه ابنه الأصبغ وقال له: لا تبرح أو تجيء بيحيى معك، فلماجاء الأصبغ قال يحيى للغلام: أدخله وتنح أنت وأغلق الباب وإن أراد الخروج فامنعه. فلما دخل إليه أصبغ وأدى الرسالة راوده عن نفسه فامتنع، فاروه يحيى فصرعه ورام حل تكته فل يقدر على ذلك فقطعها وقضى غرضه منه، فلما فرغ أعطاه أربعين ديناراً فأخذها، وقال له يحيى: امض وأنا في أثرك، فخرج أصبغ من عنده، فاغتسل يحيى وجلس يتزين ويتبخر، فدخل إليه مطيع بن إياس فرأى ما هو فيه، فقال له: كيف أصبحت؟ فلم يجبه وشمخ بأنفه وقطب حاجبيه وتعظم، فقال له: أراك تتبخر وتتزين فإلى أين عزمت؟ فلم يجبه وازداد قطوباً وتعظماً (3)، فقال له: ويحك، نزل عليك الوحي؟ كلمتك الملائكة؟ بويع لك بالخلافة؟ وهو يوميء برأسه: لا، لا؛ فقال له: فما خبرك؟ قد تهت فلا تتكلم كأنك قد نكت الأصبغ، قال: أي والله الساعة نكته وأعطيته أربعين ديناراً قطعت تكته، قال له: فإلى أين تمضي؟ قال إلى دعوة أبيه، قال مطيع: فامرأته طالق ثلاثاً إن فارقتك أو أقبل أيرك، فأبداه له يحيى حتى قبله، ثم قال له: كيف
(1) ص: حوذاته.
(2)
كذا هو، ولعل الصواب ((الكوفة)) لأن الحديث قد تقم عن فتيان الكوفة.
(3)
ص: وتعظيماً.
قدرت عليه؟ فحدثه حديثه، وقام يمضي إلى منزل أبي الأصبغ، واتبعه مطيع، فقال له: ما تصنع معي والرجل لم يدعك (1) وإنما يريد الخلوة؟ قال: أشيعك إلى بابه ونتحدث، فمضى معه، ودخل يحيى ورد الباب في وجهه، فصبر مطيع ساعة ثم دق الباب واستأذن، فخرج إليه الرسول وقال: يقول لك أنا عنك مشغول اليوم في شغل لا أتفرغ منه لك فتعذر، فقال له مطيع: فابعث لي بدواة وقرطاس، فبعث له فكتب (2) :
يا أبا الأصبغ لا زلت على
…
كل حال ناعماً متبعا (3)
لا تصيرني من الود كمن
…
قطع التكة قطعاً شنعا
وأتى ما يشتهي لم يثنه
…
خيفة أو خفض حق ضيعا
لو ترى الأصبغ ملقى تحته
…
مستكيناً خجلاً قد خضعا
وله دفع عليه عجل
…
شبق ساءك ما قد صنعا
فادع بالأصبغ واعرف حاله
…
سترى أمراً قبيحاً فظعا (4) قال، فقال أبو الأصبغ ليحيى: فعلتها يا ابن الزانية؟! قال: لا والله، فضرب بيده إلى تكة ابنه فوجدها مقطوعة فأيقن بالفضيحة، فقال يحيى: قد كان الذي كان، وسعى مطيع ابن الزانية إليك، وهذا ابني هو والله أفره من ابنك وأما عربي ابن عربي وأنت نبطي ابن نبطية، فنك ابني عشر مرات مكان المرة الواحدة التي نكت لابنك، فتكون قد ربحت الدنانير والوحدة بعشر، فضحك أبو الأصبغ وضحك الجواري، وقال لابنه: هات الدنانير يا ابن الفاعلة، فرمى بها إليه وقام خجلاً، فقال يحيى: والله لا دخل
(1) ص: يدعوك.
(2)
شعراء عباسيون: 76.
(3)
الشابشتي: 165 عالياً ممتنعاً.
(4)
ص: فضعاً.