المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب معرفة أحكام الظاهر والنص والمفسر والمحكم] - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ٢

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ)

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ قِسْمَانِ

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل عَامٌّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَعَامٌّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ مَا هُوَ فَرْدٌ وُضِعَ لِلْجَمْعِ

- ‌[أَنْوَاع الْعَامُّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ كَلِمَةُ كُلٍّ

- ‌[كَلِمَةُ الْجَمِيعِ]

- ‌كَلِمَةُ مَا

- ‌ كَلِمَةُ الَّذِي

- ‌ النَّكِرَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُ الْعُمُومِ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْعَامِّ مَعْنًى لَا صِيغَةً]

- ‌ لَامُ التَّعْرِيفِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْرِيفَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنَى الْعَهْدِ

- ‌[النَّكِرَةِ إذَا اتَّصَلَ بِهَا وَصْفٌ عَامٌّ]

- ‌ كَلِمَةُ أَيُّ

- ‌ النَّكِرَةُ الْمُفْرَدَةُ فِي مَوْضِعِ إثْبَاتٍ

- ‌[بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ]

- ‌(بَابُ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ) (وَالْمَجَازِ وَالصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌[تعارض الْحَقِيقَة وَالْمَجَاز]

- ‌طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ

- ‌ الِاتِّصَالَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ قِبَلِ حُكْمِ الشَّرْعِ يَصْلُحُ طَرِيقًا لِلِاسْتِعَارَةِ

- ‌[يُسْتَعَارَ الْأَصْلُ لِلْفَرْعِ وَالسَّبَبُ لِلْحُكْمِ]

- ‌ الِاسْتِعَارَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَعَانِي

- ‌[الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ]

- ‌ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ

- ‌إِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ

- ‌قَدْ يَتَعَذَّرُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُمْتَنِعًا

- ‌ الْكَلَامَ إذَا كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ

- ‌(بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ)

- ‌دَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ

- ‌ الثَّابِتُ بِسِيَاقِ النَّظْمِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ

- ‌(بَابُ حُرُوفِ) (الْمَعَانِي)

- ‌[معانى الْوَاوُ]

- ‌[معانى الْفَاءُ]

- ‌[معانى ثُمَّ]

- ‌[معانى بَلْ]

- ‌[معانى لَكِنْ]

- ‌[معانى أَوْ]

- ‌بَابُ حَتَّى) :

- ‌بَابُ حُرُوفِ الْجَرِّ)

- ‌[مَعْنَى الْبَاءُ]

- ‌[مَعْنَى عَلَى]

- ‌[مَعْنَى مِنْ]

- ‌[مَعْنَى إلَى]

- ‌[مَعْنَى فِي]

- ‌[حُرُوفِ الْقَسَمِ]

- ‌ اَيْمُ اللَّهِ

- ‌ أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ

- ‌ حُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌ حُرُوفِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ الصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌بَابُ وُجُوهِ) (الْوُقُوفِ عَلَى) (أَحْكَامِ النَّظْمِ)

- ‌مَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ وَأُرِيدَ بِهِ الْقَصْدُ أَوْ الْإِشَارَةُ

- ‌ دَلَالَةُ النَّصِّ

- ‌[دَلَالَة الْمُقْتَضِي]

- ‌الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ

- ‌ الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ

- ‌ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ

- ‌ الْعَامَّ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ

- ‌ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مُوجِبٌ الْعَدَمَ

- ‌ مَنْ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ

- ‌(بَابُ الْعَزِيمَةِ) (وَالرُّخْصَةِ)

- ‌[أَقْسَام الْعَزِيمَةُ]

- ‌[أَقْسَام الرُّخَصُ]

- ‌{بَابُ حُكْمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي أَضْدَادِهِمَا}

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ)

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الصَّوْمِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ

- ‌[سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ]

- ‌ سَبَبُ الْخَرَاجِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ

- ‌سَبَبُ الْكَفَّارَاتِ

- ‌سَبَبُ الْمُعَامَلَاتِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَقْسَامِ) (السُّنَّةِ)

- ‌(بَابُ الْمُتَوَاتِرِ)

- ‌(بَابُ الْمَشْهُورِ)

- ‌(بَابُ خَبَرِ الْوَاحِدِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الرَّاوِي الَّذِي جُعِلَ خَبَرُهُ حُجَّةً)

- ‌[الرَّاوِي الْمَعْرُوفُ]

- ‌[الرَّاوِي الْمَجْهُولُ]

- ‌بَابُ بَيَانِ شَرَائِطِ الرَّاوِي)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ شُرُوطِ الرَّاوِي وَتَقْسِيمِهَا]

الفصل: ‌[باب معرفة أحكام الظاهر والنص والمفسر والمحكم]

(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ)

(الْقِسْمِ الَّذِي يَلِيهِ) وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ وَحُكْمُ الظَّاهِرِ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِاَلَّذِي ظَهَرَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ حُكْمُ النَّصِّ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِمَا وَضَحَ وَاسْتَبَانَ بِهِ عَلَى احْتِمَالِ تَأْوِيلٍ هُوَ فِي حَيِّزِ الْمَجَازِ وَحُكْمُ الْمُفَسَّرِ وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَى احْتِمَالِ النَّسْخِ وَحُكْمُ الْمُحْكَمِ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِمَالٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفَاوُتِ مَعَانِي هَذِهِ الْأَلْقَابِ لُغَةً وَإِنَّمَا يَظْهَرُ تَفَاوُتُ هَذِهِ الْمَعَانِي عِنْدَ التَّعَارُضِ لِيَصِيرَ الْأَدْنَى مَتْرُوكًا بِالْأَعْلَى وَهَذَا يَكْثُرُ أَمْثِلَتُهُ فِي تَعَارُضِ السُّنَنِ وَالْأَحَادِيثِ

ــ

[كشف الأسرار]

الْمُرَادُ أَوْ طَلَبُ دَلِيلٍ آخَرَ يُعْرَفُ بِهِ الْمُرَادُ؛ لِأَنَّ بِالْوُقُوفِ عَلَى الْمُرَادِ يَزُولُ مَعْنَى الِاحْتِمَالِ عَلَى التَّسَاوِي فَيَجِبُ الِاشْتِغَالُ بِهِ لِيَزُولَ الْخَفَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ]

(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْقِسْمِ الَّذِي يَلِيهِ) .

قَوْلُهُ (وَحُكْمُ الظَّاهِرِ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِاَلَّذِي ظَهَرَ مِنْهُ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْعَمَلِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ أَوْ الظَّنِّ فَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَمُتَابِعِيهِ حُكْمُهُ الْتِزَامُ مُوجِبِهِ قَطْعًا عَامًّا كَانَ أَوْ خَاصًّا وَعِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ وَعَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ حُكْمُهُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِمَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ ظَاهِرًا لَا قَطْعًا وَوُجُوبُ اعْتِقَادِ أَنَّ مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ حَقٌّ وَكَذَا حُكْمُ النَّصِّ وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ.

وَقَوْلُهُ عَلَى احْتِمَالِ تَأْوِيلٍ هُوَ فِي حَيِّزٍ الْمَجَازِ مُتَّصِلٌ بِالْقِسْمَيْنِ أَيْ يُجْعَلُ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ الظَّاهِرُ أَوْ النَّصُّ مَجَازًا فَإِنَّك إذَا أَوَّلْت قَوْلَهُ جَاءَنِي زَيْدٌ مَثَلًا بَانَ الْمُرَادُ خَبَرُهُ أَوْ كِتَابُهُ صَارَ مَجَازًا بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّك إذَا أَوَّلْته وَصَرَفْته إلَى بَعْضِ مَعَانِيهِ كَانَ حَقِيقَةً.

قَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفَاوُتِ مَعَانِي هَذِهِ الْأَلْقَابِ لُغَةً) يَعْنِي إنَّمَا سُمِّيَ كُلُّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِاسْمٍ رُوعِيَ فِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ فَسُمِّيَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ لِظُهُورِ مَعْنَاهُ الْقِسْمُ الثَّانِي نَصًّا لِازْدِيَادِ وُضُوحِهِ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا يُنْبِئُ عَنْهُ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَكَذَا الْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ لِيَصِيرَ الْأَدْنَى مَتْرُوكًا بِالْأَعْلَى اللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ أَيْ فَائِدَةُ التَّفَاوُتِ وَعَاقِبَتُهُ تَرْكُ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى وَتَرَجَّحَ الْأَقْوَى عَلَى الْأَضْعَفِ وَهَذَا أَيْ صَيْرُورَةُ الْأَدْنَى مَتْرُوكًا بِالْأَعْلَى السُّنَنُ وَالْأَحَادِيثُ مُتَرَادِفَانِ هَهُنَا وَإِنْ كَانَتْ السُّنَّةُ أَعَمَّ مِنْ الْحَدِيثِ وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ نَظَائِرِ التَّعَارُضِ فِيمَا تَقَدَّمَ.

وَمِنْ نَظَائِرِهِ تَعَارُضُ الظَّاهِرِ وَالْمُحْكَمُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: 53] وَقَوْلُهُ عَزَّ ذِكْرُهُ {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُحْكَمٌ فِي حُرْمَةِ نِكَاحِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَضِيَ عَنْهُنَّ لِلتَّأْبِيدِ، وَالثَّانِي ظَاهِرٌ فِي إبَاحَةِ جَمِيعِ النِّسَاءِ فَيَتَنَاوَلُ بِعُمُومِهِ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ عليه السلام فَيُرَجَّحُ الْمُحْكَمُ عَلَى الظَّاهِرِ وَمِنْهَا تَعَارُضُهُمَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ عليه السلام «أَلَا إنَّ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» كَذَا فِي النَّافِعِ «وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِغَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِك» فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُحْكَمٌ فِي التَّحْرِيمِ وَالثَّانِي ظَاهِرٌ فِي التَّحْلِيلِ فَيُرَجَّحُ الْمُحْكَمُ أَيْضًا وَقِيلَ نَظِيرُ تَعَارُضِ الْمُفَسَّرِ وَالْمُحْكَمِ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُفَسَّرٌ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْعُدُولِ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْقَبُولِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنًى آخَرَ وَالثَّانِي مُحْكَمٌ؛ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ الْتَحَقَ بِهِ وَالْأَوَّلُ بِعُمُومِهِ يُوجِبُ قَبُولَ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ وَالثَّانِي يُوجِبُ رَدَّهُ فَيُرَجَّحُ عَلَى الْمُفَسَّرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ كَوْنَ الْأَوَّلِ مُفَسَّرًا؛ لِأَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا سِوَى مَدْلُولِهِ إلَّا النَّسْخَ وقَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ} [الطلاق: 2] يَحْتَمِلُ الْإِيجَابَ وَالنَّدْبَ وَيَتَنَاوَلُ بِإِطْلَاقِهِ الْأَعْمَى وَالْعَبْدَ وَلَيْسَ بِمُرَادَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يُسَمَّى مُفَسَّرًا مَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ.

وَكَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْإِشْهَادِ وَالْقَبُولِ فَإِنَّ

ص: 34

وَمِثَالُهُ مِنْ مَسَائِلِ أَصْحَابِنَا بَابٌ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي الْجَامِعِ مَعَ رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْآخَرُ الْحَقُّ الْيَقِينُ الصِّدْقُ وَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ تَصْدِيقًا وَلَوْ قَالَ الْبِرُّ الصَّلَاحُ لَمْ يَكُنْ تَصْدِيقًا وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْبِرِّ وَالْحَقِّ أَوْ الْبِرِّ وَالْيَقِينِ أَوْ الْبِرِّ وَالصِّدْقِ حُمِلَ الْبِرُّ عَلَى الصِّدْقِ وَالْحَقِّ وَالْيَقِينِ فَجُعِلَ تَصْدِيقًا وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَقِّ أَوْ الْيَقِينِ أَوْ الصِّدْقِ وَالصَّلَاحِ جُعِلَ رَدًّا وَلَمْ يَكُنْ تَصْدِيقًا وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الصِّدْقَ وَالْحَقَّ وَالْيَقِينَ مِنْ أَوْصَافِ الْخَبَرِ وَهِيَ نُصُوصٌ ظَاهِرَةٌ لِمَا وُضِعَتْ لَهُ مِنْ دَلَالَةِ الْوُجُودِ لِلْمَخْبَرِ عَنْهُ فَيَكُونُ جَوَابًا عَلَى التَّصْدِيقِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ مَجَازًا أَيْ الصِّدْقَ أَوْلَى بِك مِمَّا تَقُولُ وَأَمَّا الْبِرُّ فَاسْمٌ مَوْضُوعٌ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْإِحْسَانِ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْجَوَابِ فَصَارَ بِمَعْنَى الْمُجْمَلِ فَلَمْ يَصْلُحْ جَوَابًا بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَارَنَهُ نَصٌّ أَوْ ظَاهِرٌ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا حُمِلَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الصَّلَاحُ فَلَفْظٌ لَا يَصْلُحُ صِفَةً لِلْخَبَرِ بِحَالٍ وَهُوَ مُحْكَمٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَإِذَا ضُمَّ إلَيْهِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ أَوْ نَصٌّ وَجَبَ حَمْلُ النَّصِّ الَّذِي هُوَ مُحْتَمَلٌ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ فَلَمْ يَكُنْ تَصْدِيقًا وَصَارَ مُبْتَدَأً فَتَرَجَّحَ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ عِنْدَ التَّعَارُضِ

ــ

[كشف الأسرار]

إشْهَادَ الْعُمْيَانِ وَالْمَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ فِي النِّكَاحِ صَحِيحٌ حَتَّى انْعَقَدَ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ.

وَاعْلَمْ أَنَّ إيرَادَ الْمِثَالِ لَيْسَ مِنْ اللَّوَازِمِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ يَتَمَهَّدُ بِالدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ لَا بِالْمِثَالِ وَإِنَّمَا إيرَادُ الْمِثَالِ لِلتَّوْضِيحِ وَالتَّقْرِيبِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى الْمُدَّعِي أَوَّلًا ثُمَّ إيرَادُ الْمِثَالِ بَعْدُ إنْ شَاءَ لِلْإِيضَاحِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ فَإِذَا تَمَهَّدَ الْأَصْلُ فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا يَتْعَبَ فِي طَلَبِ الْمِثَالِ.

قَوْلُهُ (وَمِثَالُهُ) أَيْ مِثَالُ تَرْكِ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى مِنْ مَسَائِلِ أَصْحَابِنَا بَابٌ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي إقْرَارِ الْجَامِعِ وَأَصْلُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا صَلَحَ تَصْدِيقًا لِكَلَامِ الْمُدَّعِي وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا يُجْعَلُ تَصْدِيقًا وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ رَدًّا وَلَا يَصْلُحُ تَصْدِيقًا يُجْعَلُ رَدًّا وَإِنْ احْتَمَلَهُمَا يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَالْأَلْفَاظُ الْمَذْكُورَةُ خَمْسَةٌ الْحَقُّ الْيَقِينُ الصِّدْقُ الْبِرُّ الصَّلَاحُ فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى تَصْلُحُ صِفَةً لِلْخَبَرِ ظَاهِرًا يُقَالُ خَبَرٌ حَقٌّ خَبَرٌ يَقِينٌ خَبَرٌ صِدْقٌ فَأَمَّا الْبِرُّ فَاسْمٌ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ صِفَةً لِلْخَبَرِ بِقَرِينَةٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ أَخْبَرَ بِخَبَرِ صِدْقٍ صَدَقْت وَبَرَرْت كَمَا تَقُولُ لِمَنْ أَخْبَرَ بِخَبَرِ كَذِبٍ كَذَبْت وَفَجَرْت وَأَمَّا الصَّلَاحُ فَلَا يَصْلُحُ صِفَةً لِلْخَبَرِ بِحَالٍ لَا يُقَالُ خَبَرُ صَلَاحٍ وَلَا صَدَقْت وَصَلَحْت فَإِذَا قَالَ لِآخَرَ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْآخَرُ الْحَقُّ أَوْ الْيَقِينُ أَوْ الصِّدْقُ كَانَ تَصْدِيقًا وَإِقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَحَلِّ الْجَوَابِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا فَيُجْعَلُ مَحْمُولًا عَلَى الْجَوَابِ بِظَاهِرِهِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِطَابِ يَصِيرُ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ الْحَقُّ مَا قُلْت الصِّدْقُ مَا قُلْت الْيَقِينُ مَا قُلْت وَبَيَانُ أَنَّهُ صَالِحٌ لِلْجَوَابِ أَنَّ الدَّعْوَى خَبَرٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْخَبَرَ يُوصَفُ بِالْحَقِّ وَالصِّدْقِ وَالْيَقِينِ وَبِضِدِّهَا هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ أَيْ الصِّدْقَ أَوْلَى بِك أَوْ عَلَيْك بِالصِّدْقِ أَوْ الْحَقُّ وَالْيَقِينُ أَوْلَى بِالِاشْتِغَالِ مِنْ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ وَالْمَجَازُ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَبْ أَوْ ذُكِرَ مَرْفُوعًا أَمَّا إذَا نُصِبَ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَلْزَمَ الْحَقَّ أَوْ الصِّدْقَ فَيَكُونُ أَمْرًا لَهُ بِالصِّدْقِ وَنَهْيًا لَهُ عَنْ الْكَذِبِ.

وَقَالَ عَامَّتُهُمْ لَوْ قَالَ بِالنَّصْبِ يَكُونُ تَصْدِيقًا أَيْضًا وَمَعْنَاهُ أَنَّك ادَّعَيْت الْحَقَّ أَوْ قُلْت وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ؛ وَالْأَصْلُ فِيهِ هُوَ الْعُرْفُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ إنَّمَا يُنْظَرُ فِي هَذَا إلَى مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ وَلَوْ قَالَ الْبِرُّ أَوْ الصَّلَاحُ لَمْ يَكُنْ تَصْدِيقًا؛ لِأَنَّ الْبِرَّ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ وَالْإِحْسَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} [البقرة: 189] فَفِي مَحَلِّ الْجَوَابِ هَذَا اللَّفْظُ فِي مَعْنَى الْمُجْمَلِ؛ لِأَنَّ صَلَاحِيَتَهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَاحْتِمَالُ الْجَوَابِ وَغَيْرِهِ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ وَبِاللَّفْظِ الْمُجْمَلِ لَا يَصِيرُ مُقِرًّا وَالْجَوَابُ لَا يَتِمُّ بِكَلَامٍ مُجْمَلٍ وَأَمَّا الصَّلَاحُ فَلَا يَصْلُحُ صِفَةً لِلْخَبَرِ بِوَجْهٍ فَصَارَ مَعْنَى كَلَامِهِ الْبِرَّ وَالصَّلَاحَ أَوْلَى بِك أَوْ الْزَمْ الصَّلَاحَ وَاتْرُكْ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةَ وَلَوْ ضَمَّ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْبِرِّ فَقَالَ الصِّدْقُ الْبِرُّ أَوْ الْحَقُّ الْبِرُّ أَوْ الْيَقِينُ الْبِرُّ أَوْ قَدَّمَ الْبِرَّ فَقَالَ الْبِرُّ الصِّدْقُ أَوْ الْبِرُّ الْحَقُّ أَوْ الْبِرُّ الْيَقِينُ كَانَ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ الْبِرَّ لَمَّا صَارَ مُجْمَلًا صَارَ مَا ضُمَّ إلَيْهِ بَيَانًا لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبِرَّ مَقْرُونًا بِالصِّدْقِ يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ يُقَالُ صَدَقْت وَبَرَرْت فَإِنْ ضُمَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ

ص: 35

وَمِثَالُهُ أَيْضًا قَوْلُنَا فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى شَهْرٍ أَنَّهُ مُتْعَةٌ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ نَصٌّ لِمَا وُضِعَ لَهُ فَكَانَ مُحْتَمِلًا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمُتْعَةُ مَجَازًا فَأَمَّا قَوْلُهُ إلَى شَهْرٍ فَحُكْمٌ فِي الْمُتْعَةِ لَا يَحْتَمِلُ النِّكَاحَ مَجَازًا فَحُمِلَ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الْحُكْمِ.

وَضِدُّ الظَّاهِرِ الْخَفِيُّ وَحُكْمُهُ النَّظَرُ فِيهِ لِيُعْلِمَ اخْتِفَاءَهُ لِمَزِيَّةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فَيَظْهَرُ الْمُرَادُ وَمِثَالُهُ أَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ الْقَطْعَ عَلَى السَّارِقِ ثُمَّ اُحْتِيجَ إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ النَّبَّاشِ وَالطِّرَارِ وَقَدْ اخْتَصَّا بِاسْمٍ خَفِيَ بِهِ الْمُرَادُ وَطَرِيقُ النَّظَرِ فِيهِ أَنَّ النَّبَّاشَ اخْتَصَّ بِهِ لِقُصُورٍ فِي فِعْلِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سَرِقَةٌ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْمُسَارَقَةِ عَنْ عَيْنِ الْحَافِظِ الَّذِي قَصَدَ حِفْظَهُ لَكِنَّهُ انْقَطَعَ حِفْظُهُ بِعَارِضٍ وَالنَّبَّاشُ هُوَ الْآخِذُ الَّذِي يُعَارِضُ عَيْنَ مَنْ لَعَلَّهُ يَهْجُمُ عَلَيْهِ وَهُوَ لِذَلِكَ غَيْرُ حَافِظٍ وَلَا قَاصِدٍ وَهَذَا مِنْ الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ مِنْ الْمَتْبُوعِ وَكَذَلِكَ مَعْنَى هَذَا الِاسْمِ دَلِيلٌ عَلَى خَطَرِ الْمَأْخُوذِ وَهَذَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اسْمُ النَّبَّاشِ فِي غَايِهِ الْقُصُورِ وَالْهَوَانِ

ــ

[كشف الأسرار]

إلَى الصَّلَاحِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ صِفَةً لِلْخَبَرِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّصْدِيقِ أَصْلًا لَا يُقَالُ صَدَقْت وَصَلَحْت بَلْ هُوَ مُحْكَمٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَإِذَا ضُمَّ إلَيْهِ مَا هُوَ مُحْتَمَلٌ مِنْ نَصٍّ أَوْ ظَاهِرٍ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُحْكَمِ فَلَا يَكُونُ تَصْدِيقًا بَلْ يَكُونُ رَدًّا لِكَلَامِهِ بِابْتِدَاءِ أَمْرٍ لَهُ بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَالصَّلَاحِ وَتَرْكِ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ.

قَوْلُهُ (وَمِثَالُهُ أَيْضًا) أَيْ نَظِيرُ تَرْجِيحِ الْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى وَتَرْكُ الْأَدْنَى بِهِ أَيْضًا قَوْلُ عُلَمَائِنَا رحمهم الله فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى شَهْرٍ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك شَهْرًا أَوْ إلَى شَهْرٍ فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك أَنَّهُ مُتْعَةٌ وَلَيْسَ بِنِكَاحٍ وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله هُوَ نِكَاحٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ، وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ بَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَاشْتِرَاطِ الْخَمْرِ وَاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَكَالطَّلَاقِ إلَى شَهْرٍ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ صَحَّ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ فَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا شَهْرًا وَلَنَا حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ لَا أُوتَى بِرَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى أَجَلٍ إلَّا رَجَمْته وَلَوْ أَدْرَكْته مَيِّتًا لَرَجَمْت عَلَى قَبْرِهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ إلَى شَهْرٍ كِنَايَةٌ عَنْ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّ تَوْقِيتَ الْمِلْكِ بِالْمُدَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَنَافِعِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي الْمُدَّةِ وَعَقْدُ الْمُتْعَةِ حِينَ كَانَ مَشْرُوعًا كَانَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ مُوقَنًا كَالْإِجَارَةِ فَلَمَّا قَالَ إلَى شَهْرٍ وَهَذَا لَا يَلِيقُ إلَّا فِي عَقْدِ الْمُتْعَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ مِلْكُ النِّكَاحِ عَلَى مَا هُوَ مَشْرُوعٌ الْيَوْمَ وَلَفْظُ التَّزَوُّجِ وَالنِّكَاحِ يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِمِلْكِ التَّمَتُّعِ بِهَا صَارَ الْمُحْتَمَلُ مِنْ صَدْرِ كَلَامِهِ مَحْمُولًا عَلَى الْمُحْكَمِ مِنْ سِيَاقِهِ. وَهَذَا كَالْمُضَارِّ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ كُلّه لِلْعَامِلِ كِنَايَةً عَلَى الْإِقْرَاضِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ كِنَايَةً عَنْ الْإِبْضَاعِ وَإِذَا تَعَيَّنَ كِنَايَةً عَنْ الْمُتْعَةِ فَسَدَ لِعَدَمِ رُكْنِهِ وَهُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِهَذَا الْعَقْدِ لَا لِشَرْطٍ فَاسِدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَاطِعٌ لِلنِّكَاحِ فَاشْتِرَاطُ الْقَاطِعِ بَعْدَ شَهْرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا عَقَدَا الْعَقْدَ مُؤَبَّدًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الشَّرْطُ هُنَاكَ لَا يَبْطُلُ بِهِ النِّكَاحُ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ وَهُنَا لَوْ صَحَّ التَّوْقِيتُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ.

قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إنْ ذَكَرَا مِنْ الْوَقْتِ مَا يُعْلِمُ أَنَّهُمَا لَا يَعِيشَانِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَمِائَةِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ يَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ فِي هَذَا تَأْكِيدَ مَعْنَى التَّأْبِيدِ فَإِنَّ النِّكَاحَ بِعَقْدٍ لِلْعُمْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَا مُدَّةً قَدْ يَعِيشَانِ أَكْثَرَ مِنْهَا وَعِنْدَنَا الْكُلُّ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ مِنْ شَرْطِ النِّكَاحِ فَالتَّوْقِيتُ يُبْطِلُهُ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَالْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ لِمَا وُضِعَ لَهُ وَهُوَ إثْبَاتُ مِلْكِ الْبُضْعِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمُتْعَةَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الْحَقِيقَةِ لِمِلْكِ التَّمَتُّعِ بِهَا وَالِازْدِوَاجِ مَعَهَا كَمَا ذَكَرْنَا فَحُكْمٌ فِي الْمُتْعَةِ أَيْ فِي إفَادَةِ مَعْنَى الْمُتْعَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ النِّكَاحُ أَيْ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ الَّذِي هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ إلَى شَهْرٍ.

قَوْلُهُ (مِثَالُهُ) أَيْ مِثَالُ الْخَفِيِّ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي إيجَابِ الْقَطْعِ عَلَى كُلِّ سَارِقٍ لَمْ يَخْتَصَّ بِاسْمٍ آخَرَ سِوَى السَّرِقَةِ خَفِيَ فِي حَقِّ مَنْ اخْتَصَّ بِاسْمٍ آخَرَ كَالطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ فَإِنَّهُ قَدْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ أَنَّ اخْتِصَاصَهُمَا بِهَذَا الِاسْمِ لِنُقْصَانٍ فِي مَعْنَى السَّرِقَةِ أَوْ زِيَادَةٍ فِيهِ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّبَّاشِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رحمه الله لَا يُقْطَعُ بِحَالٍ سَوَاءٌ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ

ص: 36

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رحمهم الله يَقَعُ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ إنَّمَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ الْكَفَنَ مِنْ قَبْرٍ فِي بَيْتٍ مُحَرَّزٍ أَوْ فِي مَقْبَرَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْعُمْرَانِ وَلَا يُقْطَعُ إذَا كَانَ الْقَبْرُ فِي بَرِّيَّةٍ بَعِيدَةٍ مِنْ الْعُمْرَانِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي مَفَازَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيمَا إذَا كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ لَا يَجِبَ الْقَطْعُ سَوَاءٌ نَبَشَ الْكَفَنَ أَوْ سَرَقَ مَالًا آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ لِأَنَّ بِوَضْعِ الْقَبْرِ فِيهِ اخْتَلَّ صِفَةُ الْحِرْزِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ فَإِنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ تَأْوِيلًا فِي الدُّخُولِ فِيهِ لِزِيَارَةِ الْقَبْرِ فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْكَمَالِ فِي شَرَائِطِ الْقَطْعِ مُعْتَبَرَةٌ ثُمَّ مِنْ أَوَجَبَ الْقَطْعِ تَمَسَّكَ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] وَالْآيَةَ وَقَالَ النَّبَّاشُ سَارِقٌ؛ لِأَنَّ السَّارِقَ اسْمٌ لِمَنْ يَأْخُذُ الْمَالَ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَاخْتِصَاصُهُ بِاسْمٍ آخَرَ لَا يَمْنَعُ دُخُولَهُ تَحْتَ اسْمِ السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِهَذَا الِاسْمِ لِاخْتِصَاصِهِ بِنَوْعٍ مِنْ السَّرِقَةِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ عَنْ الدُّخُولِ تَحْتَ اسْمِ الْجِنْسِ كَاخْتِصَاصِ مَنْ يُقْطَعُ عَنْ الْيَقْظَانِ بِاسْمِ الطَّرَّارِ وَكَاخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّ بِاسْمِ الْإِنْسَانِ لَا يَمْنَعُهُ عَنْ الدُّخُولِ تَحْتَ اسْمِ الْحَيَوَانِ.

وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ قَطَعَ نَبَّاشًا» وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ سَارِقُ أَمْوَاتِنَا كَسَارِقِ أَحْيَائِنَا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ رضي الله عنهما فِي النَّبَّاشِ فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ اقْطَعْهُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا كَامِلًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ فَيُقْطَعُ كَمَا لَوْ سَرَقَ لِبَاسَ الْحَيِّ وَكَمَا لَوْ سَرَقَ الشَّاةَ مِنْ الْحَظِيرَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفَنَ مَالٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْمَالِيَّةِ لَا يَتَغَيَّرُ بِأَنْ أُلْبِسَ مَيِّتًا؛ لِأَنَّهُ بَعْدُ صَالِحٌ لِإِقَامَةِ الْمَصَالِحِ وَالْقَبْرُ حِرْزٌ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَرَّزُ بِأَحْصَنَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالنَّاسُ تَعَارَفُوا إحْرَازَ الْأَكْفَانِ بِالْقُبُورِ فَكَانَ حِرْزًا مُتَعَيِّنًا لَهُ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ النَّاسِ كَالْحَظِيرِ لِلْغَنَمِ وَالصُّنْدُوقِ لِلدَّرَاهِمِ. وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ الْقَبْرِ شَيْئًا آخَرَ وُضِعَ مَعَهُ أَوْ كَفَنَ الْمَيِّتِ زِيَادَةً عَلَى الْعَدَدِ الْمَسْنُونِ فَسَرَقَ الزَّائِدَ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْقَبْرَ لَيْسَ بِحِرْزٍ لِمَالٍ آخَرَ غَيْرَ الْكَفَنِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مَا اعْتَادُوا حِفْظَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ بِالْقُبُورِ كَحَظِيرَةِ الْغَنَمِ حِرْزٌ لِلْغَنَمِ وَلَيْسَتْ بِحِرْزٍ لِلثِّيَابِ وَالْأَمْتِعَةِ وَكَذَا الزَّائِدُ عَلَى الْعَدَدِ الْمَسْنُون بِمَنْزِلَةِ مَالٍ آخَرَ مَوْضُوعٌ فِي الْقَبْرِ وَأَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ لَوْ كَفَّنَا الصَّبِيَّ أَوْ عَبْدَ الصَّبِيِّ مَنْ مَالِ الصَّبِيِّ بِالْعَدَدِ الْمَسْنُونِ لَا يُعَدُّ تَضْيِيعًا وَلَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إحْرَازٌ مِنْهُمَا لِمَالِهِ وَلَوْ كَفَّنَاهُ زِيَادَةً عَلَى الْعَدَدِ الْمَسْنُونِ يَضْمَنَانِ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رحمهم الله أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ نَاقِصٌ فِي كَوْنِهِ سَرِقَةً وَالْمِلْكُ نَاقِصٌ وَالْمَالِيَّةُ نَاقِصَةٌ وَالْحِرْزُ نَاقِصٌ أَوْ مَعْدُومٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ لِمَا عُرِفَ أَنَّ شَرْطَ السَّرِقَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مَالًا مَمْلُوكًا مُحْرَزًا وَأَنَّ الْكَمَالَ فِيهَا شَرْطٌ كَيْ لَا تَبْقَى شُبْهَةُ الْعَدَمِ فَمَجْمُوعُهَا أَوْلَى.

أَمَّا بَيَانُ قُصُورِ الْفِعْلِ وَنُقْصَانِهِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي الْكِتَابِ وَأَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبَّاشَ لَيْسَ بِسَارِقٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلِأَنَّ السَّرِقَةَ اسْمٌ لِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْمُسَارَقَةِ أَيْ الْإِخْفَاءِ عَنْ عَيْنِ الْحَافِظِ الَّذِي قَصَدَ حِفْظَهُ لَكِنَّهُ انْقَطَعَ حِفْظُهُ بِاعْتِرَاضِ نَوْمٍ أَوْ غَيْبَةٍ بِحَيْثُ يَخَافُ هُجُومَهُ

ص: 37

وَالتَّعَدِّيَةُ بِمِثْلِهِ فِي الْحُدُودِ خَاصَّةً بَاطِلٌ وَأَمَّا الطِّرَارُ فَقَدْ اخْتَصَّ بِهِ لِفَضْلٍ فِي جِنَايَتِهِ وَحِذْقٍ فِي فِعْلِهِ؛ لِأَنَّ الطَّرَّ اسْمٌ لِقَطْعِ الشَّيْءِ عَنْ الْيَقْظَانِ بِضَرْبِ فَتْرَةٍ وَغَفْلَةٍ يَعْتَرِيهِ وَهَذِهِ الْمُسَارَقَةُ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ وَتَعَدِّيَةُ الْحُدُودِ فِي مِثْلِهِ فِي نِهَايَةِ الصِّحَّةِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَحْكَامِ سَائِرِ الْأَقْسَامِ فِي هَذَا الْفَصْلِ.

ــ

[كشف الأسرار]

عَلَيْهِ وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ لِاسْتِمَاعِ كَلَامِ الْغَيْرِ حَالَ غَفْلَتِهِ وَيُقَالُ فُلَانٌ يُسَارِقُ النَّظَرَ إلَيْهِ إذَا اغْتَنَمَ غَفْلَتَهُ وَاحْتَالَ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ وَالنَّبَّاشُ يُسَارِقُ عَيْنَ مَنْ عَسَى يَهْجُمُ عَلَيْهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِحَافِظٍ لِلْكَفَنِ وَلَا قَاصِدٍ إلَى حِفْظِهِ مِنْ الْمَارَّةِ لِئَلَّا يَطَّلِعُوا عَلَى جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُرْتَكَبُ مُنْكَرًا كَالزَّانِي وَشَارِبِ الْخَمْرِ يَخْتَفِي مِنْ النَّاسِ كَيْ لَا يَعْثُرُوا عَلَى قُبْحِ فِعْلِهِ وَالسَّرِقَةُ أَخْذٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُسَارَقَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِ مَا أُحْرِزَ عَنْ الْأَيْدِي لَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ فَاحِشَةٍ تَرِدُ شَرْعًا فَكَانَ النَّبَّاشُ سَارِقًا صُورَةً لَا مَعْنًى فَالْمَيِّتُ إنْسَانٌ صُورَةً لَا مَعْنًى، وَلِهَذَا يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ فَيُقَالُ نَبَشَ وَمَا سَرَقَ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ التَّبَعِ مِنْ الْمَتْبُوعِ لِكَوْنِ الْأَوَّلِ أَقْوَى فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ السَّارِقِ وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا الِاسْمَ وَهُوَ السَّرِقَةُ تَدُلُّ عَلَى خَطَرٍ لِمَأْخُوذٍ أَيْ عَلَى أَنَّهُ ذُو قَدْرٍ وَمَنْزِلَةٍ فَإِنَّ السَّرِقَةَ قِطْعَةٌ مِنْ الْحَرِيرِ «قَالَ عليه السلام لِبَعْضِ نِسَائِهِ أُرِيت صُورَتَك فِي سَرِقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ» أَيْ فِي قِطْعَةٍ مِنْ حَرِيرٍ جَيِّدَةٍ بَيْضَاءَ.

كَذَا فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَلِذَلِكَ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّصَابِ فِيهِ لِيَخْرُجَ عَنْ كَوْنِهِ تَافِهًا حَقِيرًا وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ وَهَذَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اسْمُ النَّبَّاشِ وَهُوَ النَّبْشُ فِي غَايَةِ الْقُصُورِ وَالْهَوَانِ؛ لِأَنَّ نَبْشَ التُّرَابِ وَأَخْذَ الْكَفَنِ مِنْ الْأَمْوَاتِ مِنْ أَرْذَلِ الْأَفْعَالِ وَأَرْدَأِ الْخِصَالِ بِشَهَادَةِ الْعُرْفِ وَالطَّبْعِ السَّلِيمِ وَالتَّعْدِيَةُ بِمِثْلِهِ أَيْ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ فِي مِثْلِ مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ فِي الْفَرْعِ دُونَهُ فِي الْأَصْلِ بَاطِلًا لَا سِيَّمَا فِي الْحُدُودِ فَإِنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَكَيْفَ يُحْتَالُ فِي إثْبَاتِهَا بِمَا لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ وَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اخْتِصَاصَ النَّبَّاشِ بِهَذَا الِاسْمِ لِنُقْصَانٍ فِي فِعْلِهِ وَهُوَ أَنَّ بِخِلَافِ الطَّرَّارِ فَإِنَّ اخْتِصَاصَهُ بِاسْمٍ آخَرَ غَيْرِ السَّارِقِ لِفَضْلٍ فِي جِنَايَتِهِ وَحَذَاقَةٍ فِي فِعْلِهِ أَيْ مَهَارَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُسَارِقُ الْأَعْيُنَ الَّتِي تَرَصَّدَتْ لِلْحِفْظِ مَعَ الِانْتِبَاهِ وَالْحُضُورِ فَكَانَ فَوْقَ مُسَارَقَةِ الْأَعْيُنِ حَالَ نَوْمِ الْمَالِكِ وَغَيْبَتِهِ فَكَانَ أَتَمَّ سَرِقَةً وَأَكْمَلَ حِيلَةً فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ اسْمِ السَّارِقِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى إلَّا أَنَّهُ خَفِيَ مُرَادًا بِالْآيَةِ تَعَارُضٌ وَهُوَ زِيَادَةُ حِيلَةٍ مِنْ قِبَلِ الطَّرَّارِ لَا لِمَعْنًى فِي الْكَلَامِ، كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ وَقَوْلُهُ (وَتَعْدِيَةُ الْحُدُودِ فِي مِثْلِهِ) أَيْ فِي مِثْلِ مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ فِي الْفَرْعِ أَكْمَلَ وَأَتَمَّ نَوْعُ تَسَامُحٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ دَلَالَةِ النَّصِّ وَالتَّعْدِيَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي الْقِيَاسِ إلَّا أَنَّهُ سَمَّاهَا تَعْدِيَةً لِشَبَهِ دَلَالَةِ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ وَإِخْرَاجًا لِلْكَلَامِ عَلَى مُقَابَلَةِ كَلَامِ الْخَصْمِ.

وَأَمَّا بَيَانُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ نُقْصَانِ الْمِلْكِ فَهُوَ أَنَّ الْكَفَنَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَمَلَّكَ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ الْمَيِّتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَدْرَ الْمَشْغُولَ بِالدَّيْنِ لَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا لَهُ لِحَاجَةِ الْمَيِّتِ فَالْكَفَنُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّيْنِ وَلَا لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يُنَافِي الْمِلْكِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَأَدْنَى دَرَجَاتِهَا الْحَيَاةُ وَقَدْ زَالَتْ وَأَمَّا نُقْصَانُ الْمَالِيَّةِ فَلِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ التَّمَوُّلِ وَالِادِّخَارِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَفُوتُ فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ مَعَ الْمَيِّتِ يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ لِلْبِلَى، وَلِهَذَا يُوضَعُ فِي أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ مِنْ الْبِلَى وَإِلَيْهِ أَشَارَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه بِقَوْلِهِ اغْسِلُوا ثَوْبَيْ هَذَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا فَإِنَّهُمَا لِلْمُهْلِ وَالصَّدِيدِ وَالْحَيُّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ فَكَانَتْ مَالِيَّةُ الْكَفَنِ وَقَدْ سُلِّمَ لِلتَّلَفِ دُونَ مَالِيَّةِ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَأَمَّا النُّقْصَانُ فِي الْحِرْزِ فَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُوا إمَّا أَنْ يُجْعَلَ الْقَبْرُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْمَيِّتِ

ص: 38