الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ عِنْدَ كُلِّ يَوْمٍ أَوْ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كُلَّ يَوْمٍ فَهُوَ ظِهَارٌ وَاحِدٌ وَلَوْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ أَوْ عِنْدَ كُلِّ يَوْمٍ يُجَدَّدُ عِنْدَ كُلِّ يَوْمٍ ظِهَارٌ.
وَهَذَا لِمَا قُلْنَا أَنَّهُ إذَا حَذَفَ اسْمَ الظَّرْفِ كَانَ الْكُلُّ ظَرْفًا وَاحِدًا فَإِذَا أَثْبَتَهُ صَارَ كُلُّ فَرْدٍ بِانْفِرَادِهِ ظَرْفًا عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْغَدِ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ
حُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ
ــ
[كشف الأسرار]
الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إيقَاعٌ وَكَلِمَةُ كُلَّ تَجْمَعُ الْأَسْمَاءَ فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ مُوقِعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَذَلِكَ بِتَجَدُّدِ الْوُقُوعِ إلَى أَنْ تَطْلُقَ ثَلَاثًا كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ. وَلَكِنَّنَا نَقُولُ صِيغَةُ كَلَامِهِ وَصْفٌ قَدْ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَهِيَ بِالتَّطْلِيقَةِ الْوَاحِدَةِ يَتَّصِفُ بِهِ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا وَإِنَّمَا جَعَلْنَا كَلَامَهُ إيقَاعًا لِضَرُورَةِ تَحْقِيقِ الْوَصْفِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَرْتَفِعُ بِالْوَاحِدَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً. بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ لِأَنَّ حَرْفَ فِي لِلظَّرْفِ وَالزَّمَانُ ظَرْفٌ لِلطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعِ فِيهِ فَمَا يَكُونُ الْيَوْمُ ظَرْفًا لَهُ لَا يَصْلُحُ الْغَدُ ظَرْفًا لَهُ فَتَجَدَّدَ الْإِيقَاعُ لِتَحْقِيقِ مَا اقْتَضَاهُ حَرْفُ فِي كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي قَوْلِهِ كُلَّ يَوْمٍ إنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّهَا طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً أُخْرَى فَهُوَ كَمَا نَوَى وَتَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ أَضْمَرَ حَرْفَ فِي. وَكَذَا قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كُلَّ يَوْمٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ فَيَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ظِهَارٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا وَهُوَ ظِهَارُ وَاحِدَةٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَبَدًا. وَلَوْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ أَوْ عِنْدَ كُلِّ يَوْمٍ تَجَدَّدَ عِنْدَ كُلِّ يَوْمٍ ظِهَارٌ لَكِنْ لَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي الظِّهَارِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا بِاللَّيْلِ لِأَنَّ تَوْقِيتَ الظِّهَارِ عِنْدَنَا صَحِيحٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي هَذَا الْيَوْمَ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ اللَّيْلُ.
وَهَذَا أَيْ التَّفْرِقَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا بَيْنَ حَذْفِ الظَّرْفِ وَإِثْبَاتِهِ. لِمَا قُلْنَا فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ إذَا حَذَفَ لَفْظَ الظَّرْفِ كَانَ الْكُلُّ أَيْ كُلُّ الْأَيَّامِ ظَرْفًا وَاحِدًا لِلطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ فَلَا يَقَعُ إلَّا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ وَظِهَارٌ وَاحِدٌ. فَإِذَا أَثْبَتَهُ أَيْ لَفْظَ الظَّرْفِ بِأَنْ قَالَ عِنْدَ كُلِّ يَوْمٍ مَثَلًا صَارَ كُلُّ فَرْدٍ أَيْ كُلُّ يَوْمٍ بِانْفِرَادِهِ ظَرْفًا عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّ الظَّرْفَ حِينَئِذٍ كَلِمَةُ عِنْدَ مُضَافَةً إلَى كُلِّ يَوْمٍ فَيَسْتَدْعِي مَظْرُوفًا عَلَى حِدَةٍ فَيَتَجَدَّدُ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْغَدِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ حَذْفِ فِي وَإِثْبَاتِهِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُؤَيِّدُ مَذْهَبَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْغَدِ. فَإِنْ قِيلَ إنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا لَمْ يُفَرِّقَا فِي مَسْأَلَةِ الْغَدِ بَيْنَ حَذْفِ فِي وَإِثْبَاتِهِ وَهَاهُنَا فَرَّقَا بَيْنَ حَذْفِ الظَّرْفِ وَإِثْبَاتِهِ فَمَا وَجْهُ الْفَرْقِ لَهُمَا بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ. قُلْنَا وَجْهُهُ أَنَّ الْغَدَ ظَرْفٌ وَاحِدٌ بِلَا شُبْهَةٍ لَا يَتَعَدَّدُ بِإِثْبَاتِ فِي وَحَذْفِهِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْحَذْفُ وَالْإِثْبَاتُ فَأَمَّا قَوْلُهُ كُلَّ يَوْمٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا وَاحِدًا نَظَرًا إلَى لَفْظِ كُلٍّ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُنْتَصِبُ بِالظَّرْفِيَّةِ وَهُوَ لَفْظٌ وَاحِدٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظُرُوفًا مُتَعَدِّدَةً نَظَرًا إلَى مَا أُضِيفَ إلَيْهِ كُلٌّ فَإِنَّهُ مُتَعَدِّدٌ وَإِنَّهُ أَبَدًا يَأْخُذُ حُكْمَ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ حَرْفُ فِي أَوْ ظَرْفٌ آخَرُ وَوَقَعَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ جُعِلَ ظَرْفًا وَاحِدًا كَالْأَبَدِ وَإِذَا ذُكِرَ حَرْفُ فِي أَوْ ظَرْفٌ آخَرُ وَانْتَقَلَ عَمَلُ الْفِعْلِ عَنْهُ إلَيْهِ ثُمَّ أُضِيفَ ذَلِكَ الظَّرْفُ إلَى كُلٍّ جُعِلَ ظُرُوفًا مُتَعَدِّدَةً عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ.
[حُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ]
قَوْلُهُ (وَمِنْ هَذَا الْبَابِ) أَيْ مِنْ بَابِ حُرُوفِ الْمَعَانِي حُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ. سَمَّاهَا حُرُوفًا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا كَلِمَةُ إلَّا وَهِيَ حَرْفٌ فَيَكُونُ الْبَوَاقِي جَارِيَةً مَجْرَى التَّبَعِ لَهَا وَهِيَ عَشْرَةٌ: إلَّا، وَغَيْرُ، وَسِوَى، وَسَوَاءٌ، وَلَا يَكُونُ، وَلَيْسَ، وَخَلَا، وَعَدَا، وَمَا خَلَا، وَمَا عَدَا، وَحَاشَا. وَزَادَ أَبُو بَكْرِ بْنُ السَّرَّاجِ لَا سِيَّمَا، وَضَمَّ بَعْضُهُمْ إلَيْهَا بَيْدَ بِمَعْنَى غَيْرَ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ بَلْهَ بِمَعْنَى دَعْ. وَإِنَّمَا يَدْخُلُ لَيْسَ وَلَا يَكُونُ فِي هَذَا الْبَابِ إذَا تَقَدَّمَهَا كَلَامٌ فِيهِ
وَأَصْلُ ذَلِكَ إلَّا وَمَسَائِلُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ جِنْسِ الْبَيَانِ فَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ ذَلِكَ غَيْرُ وَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ يُسْتَعْمَلُ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِثْنَاءً تَقُولُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِرْهَمٌ غَيْرُ دَانِقٍ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِلدِّرْهَمِ فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ تَامٌّ وَلَوْ قَالَ غَيْرَ دَانِقٍ بِالنَّصْبِ كَانَ اسْتِثْنَاءً يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ إلَّا دَانِقًا.
وَكَذَلِكَ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِينَارٌ غَيْرُ عَشْرَةٍ بِالرَّفْعِ لَزِمَهُ دِينَارٌ وَلَوْ نَصَبَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رحمهم الله يَلْزَمُهُ دِينَارٌ إلَّا قَدْرَ قِيمَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْهُ وَمَا يَقَعُ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْبَيَانِ وَالْمُعَارَضَةِ نَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْبَيَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَسِوَى مِثْلُ غَيْرِ وَذَلِكَ فِي الْجَامِعِ إنْ كَانَ فِي يَدِي دَرَاهِمُ إلَّا ثَلَاثَةً أَوْ غَيْرَ ثَلَاثَةٍ أَوْ سِوَى ثَلَاثَةٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
ــ
[كشف الأسرار]
عُمُومٌ كَمَا يَكُونُ فِيمَا قَبْلُ إلَّا لِمَا فِيهِمَا مِنْ مَعْنَى النَّفْيِ عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي الْأَصْلِ فَإِنَّ لَيْسَ وَلَا دَخَلَتَا عَلَى مَا هُوَ مُثْبَتٌ فَصَيَّرَتَاهُ نَفْيًا. فَإِذَا قَالَ أَعْتَقْت عَبِيدِي لَيْسَ سَالِمًا أَوْ لَا يَكُونُ سَالِمًا لَا يُعْتَقُ سَالِمٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إلَّا سَالِمًا وَالتَّقْدِيرُ لَيْسَ بَعْضُهُمْ سَالِمًا أَوْ لَا يَكُونُ بَعْضُهُمْ سَالِمًا كَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ بَيَانِ حَقَائِقِ الْحُرُوفِ. وَأَصْلُ ذَلِكَ إلَّا أَيْ الْأَصْلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَالْحَقِيقَةُ فِيهِ كَلِمَةُ إلَّا لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ وَمَا عَدَاهَا قَدْ يَكُونُ اسْتِثْنَاءً وَغَيْرَ اسْتِثْنَاءٍ. وَلِأَنَّ الْمَوْضُوعَ لِنَقْلِ الْكَلَامِ مِنْ مَعْنًى إلَى مَعْنًى فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ هُوَ الْحُرُوفُ لَا الْأَسْمَاءُ وَالْأَفْعَالُ كَحُرُوفِ الِاسْتِفْهَامِ وَحُرُوفِ النَّفْيِ وَحُرُوفِ الشَّرْطِ فَكَذَا فِي هَذَا الْبَابِ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْ وَمِمَّا يُسْتَثْنَى بِهِ غَيْرُ. وَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ لِلُحُوقِ عَلَامَاتِ الِاسْمِ بِهِ مِنْ التَّنْوِينِ وَالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالْإِضَافَةِ. يُسْتَعْمَلُ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ بِحَيْثُ لَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ وَإِنْ أُضِيفَ إلَى الْمَعَارِفِ. وَإِنَّمَا وَقَعَ صِفَةً لِلَّذِينَ أَنْعَمَتْ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] . عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ لِأَنَّ الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ إذْ هُوَ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى مَعْنَيَيْنِ وَمِثْلُهُ بِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ كَقَوْلِهِ:
وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي
وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِثْنَاءً لِمُشَابِهَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ بَعْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُغَايِرٌ لِمَا قَبْلَهُ. وَلِهَذِهِ الْمُشَابَهَةِ تَقَعُ إلَّا مَقَامَ غَيْرِ أَيْضًا قَلِيلًا وَتَسْتَحِقُّ إعْرَابَ الْمَتْبُوعِ مَعَ امْتِنَاعِهَا عَنْهُ فَيُعْطِي مَا بَعْدَهَا وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] . وَقَوْلُهُ عليه السلام «النَّاسُ كُلُّهُمْ مَوْتَى إلَّا الْعَالِمُونَ» . وَقَوْلُ الشَّاعِرُ:
وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ
…
لَعَمْرُ أَبِيك إلَّا الْفَرْقَدَانِ
أَيْ غَيْرُهُمَا. وَلِهَذَا قَالُوا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا دِرْهَمَانِ بِالرَّفْعِ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ لِأَنَّ إلَّا هَاهُنَا بِمَعْنَى غَيْرِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ مِائَةٌ هِيَ غَيْرُ دِرْهَمَيْنِ. وَعِنْدَ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ الْإِعْرَابَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ صَحِيحِ الْإِعْرَابِ وَفَاسِدِهِ يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ كَمَا لَوْ قَالَ إلَّا دِرْهَمَيْنِ بِالنَّصْبِ.
وَلَمَّا اُسْتُعْمِلَ اسْتِثْنَاءً وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إعْرَابٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ جُعِلَ إعْرَابُهُ كَإِعْرَابِ الِاسْمِ الْوَاقِعِ بَعْدَ إلَّا لِيُعْلَمَ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِهِ صِفَةً وَاسْتِثْنَاءً أَنَّهُ لَوْ قَالَ جَاءَنِي رَجُلٌ غَيْرُ زَيْدٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ أَنَّ زَيْدًا جَاءَ وَلَمْ يَجِئْ بَلْ كَانَ خَبَرًا أَنَّ غَيْرَهُ جَاءَ وَلَوْ قَالَ جَاءَنِي الْقَوْمُ غَيْرَ زَيْدٍ كَانَ اللَّفْظُ دَالًّا أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَجِئْ.
وَالثَّانِي أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ صِفَةً يَخْتَصُّ بِالنَّكِرَةِ عَلَى مَا قُلْنَا وَاسْتِعْمَالُهُ اسْتِثْنَاءً لَا يَخْتَصُّ بِالنَّكِرَةِ. وَقَدْ يَقَعُ بِمَعْنَى لَا أَيْضًا فَيَنْتَصِبُ عَلَى الْحَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى. {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173] . أَيْ فَمَنْ اُضْطُرَّ جَائِعًا لَا بَاغِيًا وَلَا عَادِيًا. وَكَذَا {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب: 53]{غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: 1] . لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِرْهَمٌ غَيْرَ دَانِقٍ أَيْ دِرْهَمٌ مُغَايِرٌ لِلدَّانَقِ وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ دِرْهَمٌ عَلَى وَزْنِ دَانِقٍ فَأَكَّدَ الْمُقِرُّ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيَّ لَيْسَ ذَلِكَ الدِّرْهَمُ وَإِنَّمَا هُوَ دِرْهَمٌ مُطْلَقٌ فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ تَامٌّ وَهُوَ الَّذِي وَزْنُهُ وَزْنُ سَبْعَةٍ. وَالدَّانِقُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ قِيرَاطَانِ وَالْجَمْعُ دَوَانِقُ وَدَوَانِيقُ. وَمَا يَقَعُ مِنْ الْفَصْلِ إلَى آخِرِهِ يَعْنِي جَعَلَ مُحَمَّدٌ اسْتِثْنَاءَ الدَّرَاهِمِ مِنْ الدَّنَانِيرِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ وَهُوَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ كَاسْتِثْنَاءِ الثَّوْبِ مِنْهَا.
وَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ وَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْبَيَانِ وَتَبَيَّنَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعَارَضَةِ وَالْبَيَانِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَيَانَ هَذَا الْفَصْلِ يَأْتِي فِي بَابِ الْبَيَانِ قَوْلُهُ (وَسِوَى)(مِثْلُ غَيْرٍ) يَعْنِي فِي أَنَّهُ يُسْتَثْنَى بِهِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ كُلُّ مَوْضِعٍ جَازَ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا جَازَ بِسِوَى وَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءً إذَا وَقَعَ