الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ)
أَلْفَاظُ الْعُمُومِ قِسْمَانِ
عَامٌّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَعَامٌّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ أَمَّا الْعَامُّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَهُوَ صِيغَةُ كُلِّ جَمْعٍ مِثْلُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
ــ
[كشف الأسرار]
[بَابُ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ][أَلْفَاظُ الْعُمُومِ قِسْمَانِ]
[الْقَسْم الْأَوَّل عَامٌّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَعَامٌّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ
قَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ الْعَامَّ مَا يَنْتَظِمُ جَمْعًا مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى وَلَمَّا كَانَ الِانْتِظَامُ بِطَرِيقَيْنِ كَانَتْ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الْعُمُومِ قِسْمَيْنِ ضَرُورَةً قِسْمٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ وَقِسْمٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِعَدَدٍ مَعْلُومٍ بَلْ يَتَنَاوَلُ الثَّلَاثَةَ فَصَاعِدًا وَلَهُ صِيغَةُ تَثْنِيَةٍ وَفَرْدٍ مِنْ لَفْظِهِ كَرِجَالٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ كَنِسَاءٍ، وَلِهَذَا جَمَعَهُمَا الشَّيْخُ فِي إيرَادِ النَّظَائِرِ. ثُمَّ الْجَمْعُ عَلَى قِسْمَيْنِ جَمْعُ قِلَّةٍ وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا إلَى الثَّلَاثَةِ وَأَمْثِلَتُهُ أَفْعَالٌ وَأَفْعُلٌ وَأَفْعِلَةٌ وَفِعْلَةٌ كَأَثْوَابٍ وَأَفْلُسٍ وَأَجْرِبَةٍ وَغِلْمَةٍ وَقِيلَ جَمْعُ السَّلَامَةِ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ وَالْأَلِفِ وَالتَّاءِ لِلتَّقْلِيلِ أَيْضًا. وَقَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ هُوَ بَعِيدٌ لَا سِيَّمَا فِيمَا لَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ مَبْنِيٌّ لِلتَّكْثِيرِ. وَجَمْعُ كَثْرَةٍ وَهُوَ مَا سِوَاهَا مِنْ الْجُمُوعِ. ثُمَّ عَامَّةُ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ إذَا كَانَ مُنَكَّرًا لَيْسَ بِعَامٍّ لِكَوْنِهِ ظَاهِرًا فِي الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ إذَا كَانَ مُنَكَّرًا فَكَأَنَّ الشَّيْخَ رحمه الله بِقَوْلِهِ فَهُوَ صِيغَةُ كُلِّ جَمْعٍ رَدَّ قَوْلَ الْعَامَّةِ وَاخْتَارَ أَنَّ الْكُلَّ عَامٌّ سَوَاءٌ كَانَ جَمْعَ قِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ إلَّا أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ الْقِلَّةِ يَكُونُ الْعُمُومُ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ فَصَاعِدًا إلَى الْعَشَرَةِ وَفِي غَيْرِهِ يَكُونُ الْعُمُومُ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى أَنْ يَشْمَلَ الْكُلَّ إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعُمُومِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ الِاسْتِغْرَاقُ عَلَى مَا عُرِفَ.
قَوْلُهُ (مِثْلُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) اللَّامُ فِي هَذِهِ النَّظَائِرِ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ:
وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي
وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْجُمُوعُ الْمُنَكَّرَةُ إلَّا الْمُعَرَّفَةُ بِاللَّامِ وَالْإِضَافَةِ فَإِنَّ
أَمَّا صِيغَتُهُ فَمَوْضُوعَةٌ لِلْجَمْعِ وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَكَذَلِكَ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِكُلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ وَأَدْنَى الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ صَرِيحًا فِي كِتَابِ السِّيَرِ فِي الْأَنْفَالِ وَفِي غَيْرِهَا فَصَارَ هَذَا الِاسْمُ عَامًّا مُتَنَاوِلًا جَمِيعَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ مَا يَتَنَاوَلُهُ فَصَارَ أَوْلَى، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي رَجُلٍ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبِيدًا فَهُوَ كَذَا وَإِنْ تَزَوَّجْت نِسَاءً أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا لِمَا قُلْنَا وَالْكَلِمَةُ عَامَّةٌ لِكُلِّ قِسْمٍ يَتَنَاوَلُهُ وَقَدْ يَصِيرُ هَذَا النَّوْعُ مَجَازًا عَنْ الْجِنْسِ إذَا دَخَلَهُ لَامُ الْمَعْرِفَةِ
ــ
[كشف الأسرار]
الْكَلَامَ فِي الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ يَأْتِي بَعْدَهُ، وَلِهَذَا ذَكَرْت هَذِهِ النَّظَائِرَ فِي التَّقْوِيمِ وَالْمِيزَانِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ لِأَبِي الْيُسْرِ بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ فَقُبِلَ كَقَوْلِنَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ وَمُسْلِمُونَ وَمُسْلِمَاتٌ.
قَوْلُهُ (أَمَّا صِيغَتُهُ فَمَوْضُوعَةٌ لِلْجَمْعِ) أَيْ صِيغَةُ هَذَا الْعَامِّ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ فَمَوْضُوعَةٌ لِلْجَمْعِ؛ لِأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ وَمَا وَضَعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ أَعْنِي أَلْفَاظَ الْجُمُوعِ إلَّا لِأَعْدَادٍ مُجْتَمِعَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ لِلْوَاحِدِ رَجُلٌ وَلِلِاثْنَيْنِ رَجُلَانِ وَلِلثَّلَاثَةِ وَالْأَلْفِ رِجَالٌ. وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَعْدَادٍ مُجْتَمَعَةٍ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ عَامٌّ بِمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِكُلِّ مَا تَنَاوَلَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.
قَوْلُهُ (وَذَلِكَ شَامِلٌ) أَيْ الْعَامُّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ شَامِلٌ لِجَمِيعِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِلَّا فَيَنْطَلِقُ عَلَى الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ هَذَا اللَّفْظُ عَلَيْهِ فَصَارَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ انْتِفَاءِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ شَكٌّ وَاحْتِمَالٌ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ عَامٌّ عِنْدَنَا أَيْ مُتَنَاوِلٌ لِلْكُلِّ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَعِنْدَ وُجُودِهِ مَحْمُولٍ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَعِنْدَ بَعْضِ مَنْ شَرَطَ الِاسْتِغْرَاقَ فِي الْعُمُومِ لَيْسَ بِعَامٍّ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَإِنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ؛ لِأَنَّ رِجَالًا فِي الْمَجْمُوعِ كَرَجُلٍ فِي الْوُحْدَانِ فَكَمَا أَنَّ رَجُلًا حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ فَرْدٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَذَلِكَ رِجَالٌ حَقِيقَةٌ لِكُلِّ جَمْعٍ عَلَى الْبَدَلِ، وَلِهَذَا يَصِحُّ نَعْتُهُ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمَجْمُوعِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْجَمْعِيَّةِ. وَلَنَا أَنَّ إطْلَاقَهُ يَصِحُّ عَلَى الْكُلِّ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَعَلَى مَا دُونَهُ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ وَالْحَمْلُ وَعَلَى مَا دُونَهُ إدْخَالٌ لَهُ فِي حَيِّزِ الْإِجْمَالِ إذْ لَيْسَ مِنْ أَقْسَامِ الْجُمُوعِ مَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الثَّلَاثَةِ لِلتَّيَقُّنِ أَوْ عَلَى الْكُلِّ وَالْكَلِمَةُ مَوْضُوعَةٌ لِلشُّمُولِ وَالْعُمُومِ فَيَكُونُ حَمْلُهَا عَلَى الْكُلِّ أَقْرَبَ إلَى تَحْقِيقِ الْعُمُومِ وَأَعَمَّ فَائِدَةً فَكَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ وَلِأَنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْكُلِّ قُلْنَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبِيدًا فَكَذَا أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا لِمَا قُلْنَا. وَلَا يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ لِمَا قُلْنَا وَقَعَ مُكَرَّرًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ، وَلِهَذَا قُلْنَا تَعْلِيلٌ لِهَذَا الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا فِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَثِيرٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ اهْتِمَامَهُمْ كَانَ فِي تَصْحِيحِ الْمَقَاصِدِ وَهِيَ الْمَعَانِي فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَمَّقُوا فِي الْأَلْفَاظِ.
قَوْلُهُ (وَالْكَلِمَةُ) أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهِيَ صِيغَةُ الْجَمْعِ. عَامَّةٌ أَيْ شَامِلَةٌ لِكُلِّ قِسْمٍ مَنْ أَقْسَامِ الْجُمُوعِ الَّذِي يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ إيَّاهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا لِيُشِيرَ بِهِ إلَى أَنَّهُ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَالثَّلَاثَةَ يَتَنَاوَلُ مَا بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِخِلَافِ اسْمِ الْجِنْسِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا بَيْنَهُمَا. وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْفَرْدِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ فَرْدٍ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْأَدْنَى وَالْأَعْلَى تَحْقِيقًا وَتَقْدِيرًا دُونَ مَا بَيْنَهُمَا وَهَذَا اللَّفْظُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى وَفِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ أَقْسَامِ الْجُمُوعِ. قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ نِسَاءً فَتَزَوَّجَ ثِنْتَيْنِ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَلَوْ تَزَوَّجَ ثَلَاثًا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ مُتَيَقَّنٌ فَيَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَيْهِ وَلَوْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ ثَلَاثًا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ يَتَنَاوَلُ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ كَمَا يَتَنَاوَلُ الثَّلَاثَ إلَّا
لِأَنَّ لَامَ الْمَعْرِفَةِ لِلْعَهْدِ وَلَا عَهْدَ فِي أَقْسَامِ الْجُمُوعِ فَجُعِلَ لِلْجِنْسِ لِيَسْتَقِيمَ تَعْرِيفُهُ وَفِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ جِنْسٍ يَتَضَمَّنُ الْجَمْعَ فَكَانَ فِيهِ عَمَلٌ بِالْوَصْفَيْنِ وَلَوْ عَمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ بَطَلَ حُكْمُ اللَّامِ أَصْلًا فَصَارَ الْجِنْسُ أَوْلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] وَقَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ النِّسَاءُ أَوْ أَشْتَرَيْتُ الْعَبِيدَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ فَصَاعِدًا لِمَا قُلْنَا إنَّهُ صَارَ عِبَارَةً عَنْ الْجِنْسِ فَسَقَطَتْ حَقِيقَةُ الْجَمْعِ وَاسْمُ الْجِنْسِ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ عَلَى أَنَّهُ كُلُّ الْجِنْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْلَا غَيْرُهُ لَكَانَ كُلًّا فَإِنَّ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه كَانَ كُلَّ الْجِنْسِ لِلرِّجَالِ وَحَوَّاءُ رضي الله عنها وَحْدَهَا كَانَتْ كُلَّ الْجِنْسِ لِلنِّسَاءِ فَلَا يُسْقِطُ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ بِالْمُزَاحَمَةِ فَصَارَ الْوَاحِدُ لِلْجِنْسِ مِثْلُ الثَّلَاثَةِ لِلْجَمْعِ فَكَمَا كَانَ اسْمُ الْجَمْعِ وَاقِعًا عَلَى الثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا كَانَ اسْمُ الْجِنْسِ وَاقِعًا عَلَى الْوَاحِدِ فَصَاعِدًا وَكَانَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ عَلَى احْتِمَالِ الْكُلِّ.
وَأَمَّا الْعَامُّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ فَأَنْوَاعٌ
ــ
[كشف الأسرار]
أَنَّ مُطْلَقَهُ كَانَ يَنْصَرِفُ إلَى ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ فَإِذَا نَوَى الْأَكْثَرَ فَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ لَامَ الْمَعْرِفَةِ لِلْعَهْدِ) أَيْ لَامَ التَّعْرِيفِ لِلْمَعْهُودِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ رَأَيْت رَجُلًا ثُمَّ كَلَّمْت الرَّجُلَ أَيْ ذَلِكَ الرَّجُلَ بِعَيْنِهِ. وَلَا عَهْدَ أَيْ لَا مَعْهُودَ فِي أَقْسَامِ الْجُمُوعِ لِيُمْكِنَ تَعْرِيفُهُ بِاللَّامِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعْهُودًا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَيْهِ يُصْرَفُ إلَيْهِ كَمَنْ قَالَ لِآخَرَ إنَّك تُرِيدُ أَنْ تَتَزَوَّجَ هَذِهِ النِّسْوَةَ الْأَرْبَعَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ يَنْصَرِفُ كَلَامُهُ إلَيْهِنَّ خَاصَّةً كَذَا ذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ.
فَجَعَلَ أَيْ هَذَا الِاسْمَ لِلْجِنْسِ لِيُمْكِنَ تَعْرِيفُهُ بِاللَّامِ إذْ الْجِنْسُ مَعْهُودٌ فِي الذِّهْنِ. وَفِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِ أَيْ فِي جَعْلِهِ الْجِنْسَ رِعَايَةَ مَعْنَى الْجَمْعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ يَتَضَمَّنُ الْجَمْعَ إمَّا فِي الْخَارِجِ أَوْ فِي الْوَهْمِ إذَا هُوَ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ وَالْكُلِّيُّ مَا لَا يَمْنَعُ مَفْهُومُهُ عَنْ الشَّرِكَةِ وَلِذَلِكَ جَعَلُوا الشَّمْسَ جِنْسًا وَالْقَمَرَ كَذَلِكَ وَجَمَعُوهُمَا عَلَى شُمُوسٍ وَأَقْمَارٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فِي جَعْلِهِ جِنْسًا عَمَلٌ بِالْوَصْفَيْنِ أَيْ بِالْمَعْنَيَيْنِ وَهُمَا الْجَمْعِيَّةُ وَالتَّعْرِيفُ. وَلَوْ حُمِلَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَةٍ بَعْدَ دُخُولِ اللَّامِ فِيهِ. لَبَطَلَ حُكْمُ اللَّامِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ أَصْلًا أَيْ بِالْكُلِّيَّةِ لِمَا ذُكِرَ.
فَصَارَ الْجِنْسُ أَيْ حَمْلُهُ عَلَى الْجِنْسِ وَجَعْلُهُ مَجَازًا فِيهِ أَوْلَى مِنْ إبْقَائِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ. إنَّ ذَلِكَ أَيْ قَوْلَهُ النِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ فَصَاعِدًا حَتَّى إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَاحِدًا أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَاحِدَةً حَنِثَ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْحِنْثُ عَلَى شِرَاءِ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْعَبِيدِ أَوْ تَزَوُّجِ ثَلَاثٍ مِنْ النِّسَاءِ كَمَا تَوَقَّفَ فِيمَا إذَا كَانَ مُنَكَّرًا. وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَصَاعِدًا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَأَلْفٍ أَيْضًا كَمَا يَحْنَثُ فِي الْمُنَكَّرِ بِشِرَاءِ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعَشَرَةٍ وَأَلْفٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ إذَا نَوَى شِرَاءَ عَبْدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَعْمَلُ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِيهَا نِيَّةُ مَا فَوْقَ الثَّلَاثَةِ كَمَا بَيَّنَّا.
قَوْلُهُ (وَاسْمُ الْجِنْسِ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَمَّا صَارَ عِبَارَةً عَنْ الْجِنْسِ وَكَانَ اللَّامُ لِتَعْرِيفِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَا بِالْعَبْدِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِجِنْسَيْنِ تَامَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ التَّامَّ كُلُّ نِسَاءِ الْعَالَمِ وَكُلُّ عَبِيدٍ الدُّنْيَا. فَأَجَابَ وَقَالَ الْوَاحِدُ يَصْلُحُ جِنْسًا كَامِلًا كَالْكُلِّ؛ لِأَنَّ أَفْرَادَ الْجِنْسِ لَوْ عُدِمَتْ وَلَمْ تَبْقَ إلَّا هَذِهِ الْوَاحِدَةُ كَانَتْ كُلًّا وَكَانَ الِاسْمُ لَهَا حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّ حَوَّاءَ كَانَتْ جِنْسًا كَامِلًا وَآدَمُ عليه السلام كَانَ جِنْسًا كَامِلًا وَكَانَ اسْمُ الْإِنْسِ لَهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا لَمْ يَبْقَ الْكَمَالُ بِانْضِمَامِ أَمْثَالِهَا إلَيْهَا لَا لِنُقْصَانٍ فِي نَفْسِهَا فَثَبَتَ أَنَّ الْبَعْضَ مِنْ الْجِنْسِ صَالِحٌ فِي ذَاتِهِ لِهَذَا الِاسْمِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا صَارَ بَعْضًا بِمُزَاحَمَةِ أَمْثَالِهِ لَا لِنُقْصَانٍ فِي نَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ سَاوَى الْبَعْضُ الْكُلَّ فِي الدُّخُولِ تَحْتَ الِاسْمِ فَيَتَأَدَّى بِهِ حُكْمُ الْكُلِّ إلَّا بِدَلِيلٍ يُرَجِّحُ حَقِيقَةَ الْكُلِّ عَلَى الْأَدْنَى كَذَلِكَ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ.
قَوْلُهُ (فَصَارَ الْوَاحِدُ لِلْجِنْسِ مِثْلَ الثَّلَاثَةِ لِلْجَمْعِ) لِمَا ذَكَرَ مِنْ الدَّلِيلِ إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الثَّلَاثَةِ إذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالْكُلِّ وَعِنْدَ عَدَمِ التَّعَذُّرِ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ فَأَمَّا اسْمُ الْجِنْسِ فَيَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ الْعَمَلُ بِالْكُلِّ وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ بِدَلِيلٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ اسْمُ فَرْدٍ وَالْوَاحِدَ فَرْدٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَالْكُلُّ فَرْدٌ حُكْمًا فَكَانَ الْأَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ وَاسْمُ الْجَمْعِ مَوْضُوعٌ لِمَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ وَالْكُلُّ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَكْمَلُ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَكَانَ أَوْلَى وَقَدْ بَيَّنَّا لَامَ التَّعْرِيفِ فِي بَابِ مُوجِبِ