الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله جَعَلَ
التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مُوجِبٌ الْعَدَمَ
وَعِنْدَنَا الْعَدَمُ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ بَلْ بَقِيَ الْمُعَلَّقُ عَلَى أَصْلِ الْعَدَمِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَنَا لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا وَإِنَّمَا الشَّرْطُ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: هُوَ مُؤَخَّرٌ
ــ
[كشف الأسرار]
وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ مَعَ الزِّيَادَةِ يَحْتَمِلُ الْجَوَابَ فَإِنَّهُ قَدْ يُزَادُ عَلَى الْجَوَابِ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا مَرَّتْ أَمْثِلَتُهُ وَلَكِنْ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ الْعُمُومَ فِي الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ ثَابِتٌ فَقَوْلُهُ فَرَجْمٌ عَامٌّ مِنْ حَيْثُ الْأَسْبَابُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَقَعَ لِرِدَّةٍ أَوْ قَتْلٍ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ سِيَاسَةٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ فَعِنْدَ ذِكْرِ الزِّنَا تَخْصِيصٌ بِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فَسَجَدَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَقَعَ لِلتِّلَاوَةِ أَوْ لِقَضَاءِ الْمَتْرُوكَةِ أَوْ لِشَرْعِ زِيَادَةٍ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لِلسَّهْوِ فَلَمَّا نُقِلَ السَّبَبُ مَعَهُ تَخَصَّصَ بِهِ وَكَذَلِكَ بَلَى أَوْ نَعَمْ عَامٌّ لِإِبْهَامِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَصْلُحُ جَوَابًا لِأَنْوَاعٍ مِنْ الْكَلَامِ فَعِنْدَ ذِكْرِ السَّبَبِ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَعُمُومُ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ نَكِرَةٌ وَاقِعَةٌ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ فَتَعُمُّ وَلَكِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَمَحُّلٍ وَتَكَلُّفٍ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا أَظْهَرُ وَأَوْفَقُ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ.
[التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مُوجِبٌ الْعَدَمَ]
قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِنْ الْعَمَلِ بِالْوُجُوهِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله جَعَلَ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْعَدَمَ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَكِنَّ هَذَا الْعَدَمَ عِنْدَنَا هُوَ الْعَدَمُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي كَانَ قَبْلَ التَّعْلِيقِ وَعِنْدَهُ هُوَ ثَابِتٌ بِالتَّعْلِيقِ فَفِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ عَدَمُ الطَّلَاقِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَكِنْ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي كَانَ قَبْلَ التَّعْلِيقِ وَاسْتَمَرَّ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَعِنْدَهُ هُوَ ثَابِتٌ بِالتَّعْلِيقِ مُضَافٌ إلَى عَدَمِ الشَّرْطِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْمَشْرُوطِ وَعَدَمَهُ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَائِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ أَجْمَعَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ مَنْ أَنْكَرَ الْمَفْهُومَ مِثْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَابْنِ شُرَيْحٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ مِنْ مُتَكَلِّمِي الْمُعْتَزِلَةِ وَعِنْدَ عَامَّةِ مَنْ أَنْكَرَ الْمَفْهُومَ عَدَمُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ وَيُسَمَّى هَذَا مَفْهُومَ الشَّرْطِ تَمَسَّكَ الْقَائِلُونَ بِهِ بِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ دَخَلَ عَبْدِي الدَّارَ فَأَعْتِقْهُ يُفْهَمُ مِنْهُ لُغَةً وَلَا تَعْتِقْهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ فَكَمَا أَنَّ الدُّخُولَ يُوجِبُ جَوَازَ الْإِعْتَاقِ فَعَدَمُهُ يَمْنَعُ عَنْهُ فَكَانَ الْعَدَمُ مُضَافًا إلَيْهِ وَبِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فَلَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ مَعَ عَدَمِهِ لَكَانَ كُلُّ شَيْءٍ شَرْطًا فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَكُونَ دُخُولُ زَيْدٍ الدَّارَ شَرْطًا فِي كَوْنِ السَّمَاءِ فَوْقَ الْأَرْضِ وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الدُّخُولِ كَذَا ذُكِرَ فِي الْقَوَاطِعِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ قَالَ لِعُمَرَ رضي الله عنهما: مَا بَالُنَا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَقَدْ أَمِنَّا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: عَجِبْت مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إنَّمَا هِيَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» فَلَوْ لَمْ يَعْقَلْ مِنْ التَّعْلِيقِ نَفْيُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ لَمْ يَكُنْ لِتَعَجُّبِهِمَا مَعْنًى مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ وَفَرَّقَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَمَنْ وَاقَفَهُ مِنْ مُنْكِرِي الْمَفْهُومِ بَيْنَ التَّقْيِيدِ بِالصِّفَةِ وَنَحْوِهَا وَبَيْنَ التَّقْيِيدِ بِالشَّرْطِ فَقَالُوا: التَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ التَّقْيِيدَاتِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يَقْتَضِي إيقَافَ الْحُكْمِ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَإِذَا وُقِفَ عَلَيْهِ انْعَدَمَ بِعَدَمِهِ وَلَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِنْ التَّقْيِيدَاتِ إيقَافُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا فَيَبْقَى مَا وَرَاءَ الْمَذْكُورِ مَوْقُوفًا عَلَى حَسَبِ مَا يَقُومُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَحُجَّةُ
وَلِذَلِكَ أُبْطِلَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ وَجُوِّزَ تَعْجِيلُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ وَجُوِّزَ تَعْجِيلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَقَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] : إنَّ تَعْلِيقَ الْجَوَازِ بِعَدَمِ طَوْلِ الْحُرَّةِ يُوجِبُ الْفَسَادَ عِنْدَ وُجُودِهِ وَقَالَ: لِأَنَّ الْوُجُودَ يَثْبُتُ بِالْإِيجَابِ لَوْلَا الشَّرْطُ فَيَصِيرُ الشَّرْطُ مُعْدِمًا مَا وَجَبَ وُجُودُهُ لَوْلَا هُوَ فَيَكُونُ الشَّرْطُ مُؤَخِّرًا لَا مَانِعًا وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ تَعْجِيلَ الْبُدْنِ فِي الْكَفَّارَاتِ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالسَّبَبِ حَاصِلٌ وَوُجُوبَ الْأَدَاءِ مُتَرَاخٍ بِالشَّرْطِ وَالْمَالُ يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ بَيْنَ وُجُوبِهِ وَوُجُوبِ أَدَائِهِ وَأَمَّا الْبَدَنِيُّ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ فَلَمَّا تَأَخَّرَ الْأَدَاءُ لَمْ يَبْقَ الْوُجُوبُ وَلَنَا أَنَّ الْإِيجَابَ لَا يُوجَدُ إلَّا بِرُكْنِهِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا فِي مَحَلِّهِ كَشَرْطِ الْبَيْعِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَبَيْعُ الْحُرِّ بَاطِلٌ أَيْضًا وَهَهُنَا الشَّرْطُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحَلِّ
ــ
[كشف الأسرار]
الْعَامَّةِ فِي مَفْهُومِ الشَّرْطِ مَا ذَكَرْنَا فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ لِأَنَّ مَرْجِعَ مَفْهُومِ الشَّرْطِ إلَى مَفْهُومِ الصِّفَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مُفَصَّلًا فَلَا نَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهِ هَاهُنَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: الشَّرْطُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهِ فَقَطْ فَيَقْصُرُ عَنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ بِأَنْ لَا يَدُلَّ عَلَى وُجُودِهِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ فَأَمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى عَدَمِهِ عِنْدَ الْعَدَمِ فَلَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِشَرْطَيْنِ كَمَا يَجُوزُ بِعِلَّتَيْنِ فَإِذَا قَالَ: اُحْكُمْ بِالْمَالِ لِلْمُدَّعِي إنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ هَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الْمَشْهُورُ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَالطَّرِيقُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ مُخْتَارُ الْقَاضِي الْإِمَامِ وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لَا يَمْنَعُ السَّبَبَ عَنْ الِانْعِقَادِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَإِنَّمَا أَثَرُهُ فِي تَأْخِيرِ الْحُكْمِ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ مَانِعًا مِنْ الِانْعِقَادِ كَانَ السَّبَبُ مَوْجُودًا مُوجِبًا لِلْحُكْمِ فِي الْحَالِ لَكِنَّ التَّعْلِيقَ مَنَعَ وُجُودَ الْحُكْمِ وَأَخَّرَهُ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ فَكَانَ عَدَمُهُ مُضَافًا إلَى عَدَمِ الشَّرْطِ وَعِنْدَنَا الْمُعَلَّقُ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَيْ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يَمْنَعُ عَنْ الِانْعِقَادِ فَلَا يَكُونُ السَّبَبُ مَوْجُودًا مُوجِبًا لِلْحُكْمِ فِي الْحَالِ فَيَكُونُ عَدَمُ الْحُكْمِ بِنَاءً عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي كَانَ قَبْلَ التَّعْلِيقِ لَا عَلَى عَدَمِ الشَّرْطِ هُوَ يَقُولُ: التَّعْلِيقُ يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ لَا يُؤَثِّرُ التَّعْلِيقُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنَّمَا يُوَثِّرُ فِي حُكْمِهِ بِمَنْعِهِ مِنْ الثُّبُوتِ فَإِنَّهُ لَوْلَا التَّعْلِيقُ لَكَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِي الْحَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَابِتٌ مَعَ الشَّرْطِ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ بِدُونِ الشَّرْطِ وَهُوَ عِلَّةٌ تَامَّةٌ بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّ حُكْمَهُ لَا يَثْبُتُ لِمَكَانِ الشَّرْطِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ أَثَرَ التَّعْلِيقِ فِي مَنْعِ الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ التَّأْجِيلِ وَالْإِضَافَةِ وَبِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ فَيُوجِبُ نَفْيَ الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ نَظِيرُ التَّعْلِيقِ الْحِسِّيِّ فَإِنَّ تَعْلِيقَ الْقِنْدِيلِ لَا يُؤَثِّرُ فِي ثِقَلِهِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ السُّقُوطِ بِالْإِعْدَامِ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي حُكْمِهِ وَهُوَ السُّقُوطُ.
وَهَذَا بِخِلَافِ الْعِلَّةِ فَإِنَّ عَدَمَهَا لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فَلَا يَكُونُ عَدَمُ الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الْعِلَّةِ مُضَافًا إلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعِلَّةَ نَفَتْ الْحُكْمَ قَبْلَ وُجُودِهَا بَلْ عُدِمَ لِعَدَمِ سَبَبِهِ فَأَمَّا الشَّرْطُ فَمُغَيِّرٌ لِلْحُكْمِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ فَكَانَ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِهِ مَعَ وُجُودِ الْمُوجِبِ كَمَا كَانَ مُثْبِتًا وُجُودَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهِ قَوْلُهُ (وَلِذَلِكَ) أَيْ وَلِأَنَّ أَثَرَ التَّعْلِيقِ فِي تَأْخِيرِ الْحُكْمِ لَا فِي مَنْعِ السَّبَبِ عَنْ الِانْعِقَادِ أَبْطَلَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ تَزَوَّجْتُك أَوْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً أَوْ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ وَقَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ: إنْ مَلَكْتُك أَوْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ هَذَا كُلُّهُ بَاطِلًا حَتَّى لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ بِهَذِهِ الْأَيْمَانِ بِحَالٍ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمَّا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْمِلْكِ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ لِيَتَقَرَّرَ السَّبَبُ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ الْحُكْمُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ بِالتَّعْلِيقِ.
وَجُوِّزَ تَعْجِيلُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ أَيْ الْمَنْذُورِ الْمَالِيِّ بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْ النَّذْرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ جَازَ عِنْدَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةٍ سَبَبٌ تَامٌّ لِإِيجَابِ الْعَشَرَةِ فِي الْحَالِ غَيْرَ أَنَّ الشَّرْطَ أَخَّرَ وُجُوبَ الْأَدَاءِ إلَى زَمَانِ وُجُودِهِ فَإِذَا أَدَّى قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَانَ الْأَدَاءُ وَاقِعًا بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ فَيَجُوزُ.
وَجُوِّزَ تَعْجِيلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ يَعْنِي الْكَفَّارَةَ بِالْمَالِ بِأَنْ أَعْتَقَ قَبْلَ الْحِنْثِ رَقَبَةً عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ أَطْعَمَ أَوْ كَسَا عَشَرَةَ مَسَاكِينَ جَازَ عِنْدَهُ وَيُخْرِجُ عَنْ عُهْدَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْيَمِينَ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ وَلِهَذَا تُضَافُ الْكَفَّارَةُ إلَيْهَا فَيُقَالُ: كَفَّارَةُ الْيَمِينِ إلَّا أَنَّ الْحِنْثَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ أَدَائِهَا فَكَانَ التَّعْلِيقُ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] أَيْ حَلَفْتُمْ وَحَنِثْتُمْ مُؤَخِّرًا لِلْحُكْمِ إلَى حِينِ وُجُودِهِ بِمَنْزِلَةِ التَّأْجِيلِ فَلَا يُمْنَعُ جَوَازُ التَّعْجِيلِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ بَعْدَ سَبَبٍ قَبْلَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ جَائِزٌ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] أَيْ وَمَنْ لَمْ يَمْلِكْ زِيَادَةً فِي الْمَالِ يَمْلِكُ بِهَا نِكَاحَ الْحُرَّةِ {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] أَيْ فَلْيَنْكِحْ مَمْلُوكَةً مِنْ الْإِمَاءِ الْمُسْلِمَاتِ وَالطَّوْلُ الْفَضْلُ وَالْفَتَاةُ الْأَمَةُ فَإِنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ عُلِّقَ بِعَدَمِ طَوْلِ الْحُرَّةِ فَتَوَجَّبَ الْجَوَازُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِمَنْظُومِهِ وَالْفَسَادُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَهُوَ وُجُودُ الطَّوْلِ بِمَفْهُومِهِ وَكَذَلِكَ وُصِفَتْ الْفَتَيَاتُ بِالْمُؤْمِنَاتِ فَيُوجَبُ الْجَوَازُ عِنْدَ وُجُودِ هَذِهِ الصِّفَةِ وَالْعَدَمُ عِنْدَ عَدَمِهَا فَعِنْدَ وُجُودِ الطَّوْلِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ أَصْلًا وَعِنْدَ عَدَمِهِ يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ دُونَ الْكَافِرَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَوَازَ نِكَاحِ الْأَمَةِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطَيْنِ بِعَدَمِ الطَّوْلِ وَبِصِفَةِ الْإِيمَانِ فَيَثْبُتُ عِنْدَ وُجُودِهِمَا وَيَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا وَرَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّ جَوَازَ نِكَاحِ الْأَمَةِ عِنْدَهُ مُتَعَلِّقٌ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ سِوَى الشَّرْطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْحُرَّةِ تَحْتَهُ وَهِيَ عَدَمُ الطَّوْلِ لِلْحُرَّةِ وَكَوْنُ الْأَمَةِ مُؤْمِنَةً.
وَخَشْيَةُ الْعَنَتِ وَهُوَ الزِّنَا وَأَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ أَمَةٌ أُخْرَى بِنِكَاحٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ لِأَنَّ جَوَازَ نِكَاحِ الْأَمَةِ عِنْدَهُ ضَرُورِيٌّ وَهِيَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ حَيْثُ جَعَلَ طَوْلَ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ مَانِعًا مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ كَطَوْلِ الْحُرَّةِ الْمُؤْمِنَةِ وَمَفْهُومُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ طَوْلُ الْكِتَابِيَّةِ مَانِعًا إذْ لَوْ كَانَ مَانِعًا لَمَا كَانَ لِقَيْدِ الْإِيمَانِ فَائِدَةٌ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْعَمَلُ بِالْمَفْهُومِ إنَّمَا يَجِبُ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ آخَرُ وَقَدْ عَارَضَهُ هَاهُنَا فَإِنَّ صِيَانَةَ الْجُزْءِ عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِنِكَاحِ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ مَعَ رِعَايَةِ وَصْفِ الْإِيمَانِ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا فَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْمَفْهُومِ وَذَكَرَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْوَاجِدَ لِطَوْلِ حُرَّةٍ ذِمِّيَّةٍ وَاجِدٌ لِطَوْلِ حُرَّةٍ مُؤْمِنَةٍ عِنْدَنَا فَلِذَلِكَ مَنَعْنَاهُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: إذَا وَجَدَ طَوْلَ ذِمِّيَّةٍ وَلَمْ يَجِدْ مُؤْمِنَةً تَرْضَى مِنْهُ بِذَلِكَ الطَّوْلِ كَانَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ قَالَ: وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَذَكَرَ فِي التَّهْذِيبِ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] وَهَذَا غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى طَوْلِ حُرَّةٍ مُؤْمِنَةٍ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي نِكَاحِهِ حُرَّةً ذِمِّيَّةً لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَذَكَرَ فِي الْإِيمَانِ فِي الْمُحْصَنَاتِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ بَلْ ذَكَرَهُ تَشْرِيفًا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: 49] الْآيَةُ ثُمَّ الْمُسْلِمَةُ وَالذِّمِّيَّةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ وَهُوَ أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَإِنْ أُثْبِتَ الْحُكْمُ فِي الْمُؤْمِنَاتِ وَلَا يَلْزَمُ أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ جَوَازِ تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ بِالْمَالِ وَالْمَنْذُورِ الْمَالِيِّ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ السَّبَبِ عَدَمُ جَوَازِ تَعْجِيلِ الْبَدَنِيِّ فِي الْكَفَّارَةِ أَوْ فِي النَّذْرِ حَتَّى لَوْ كَفَّرَ الْيَمِينَ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ أَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ انْزِهَاقِ الرُّوحِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَوْ نَذْرٍ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَوْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَتَى بِالْمَنْذُورِ قَبْلَ الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ فِي هَذَا كُلِّهِ بِخِلَافِ تَعْجِيلِ الْمَالِيِّ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ يَنْفَصِلُ وُجُوبُ أَدَائِهَا عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْمَالَ مَعَ الْفَصْلِ يَتَغَايَرَانِ فَجَازَ أَنْ يَتَّصِفَ الْمَالُ بِالْوُجُوبِ وَلَا يَثْبُتُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا إلَى شَهْرٍ يُثْبِتُ الْوُجُوبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَا يَثْبُتُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلَا يَدُلُّ عَدَمُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ.
فَأَمَّا الْبَدَنِيُّ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ بَيْنَ وُجُوبِهِ وَوُجُوبِ أَدَائِهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ إلَّا أَفْعَالًا مَعْلُومَةً وَكَذَا الصَّوْمُ فَوُجُوبُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا يَكُونُ إلَّا وُجُوبَ الْأَدَاءِ فَعَدَمُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِيهِ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ ضَرُورَةً وَلَمَّا تَأَخَّرَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ هَاهُنَا بِالْإِجْمَاعِ انْتَفَى الْوُجُوبُ فَلَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الصَّوْمُ قَبْلَ الشَّهْرِ وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: تَأْثِيرُ التَّعْلِيقِ فِي مَنْعِ السَّبَبِ لَا فِي حُكْمِهِ فَكَانَ امْتِنَاعُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ سَبَبِهِ لَا لِمَنْعِ التَّعْلِيقِ إيَّاهُ قَصْدًا وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ دَخَلَ فِي السَّبَبِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ مَثَلًا لِأَنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ دُونَ غَيْرِهِ فَإِذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَدْ عَلَّقَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَقَصَدَ التَّطْلِيقَ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ لَا فِي الْحَالِ فَلَمْ يَكُنْ السَّبَبُ مَوْجُودًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءً لِدُخُولِ الدَّارِ وَالْجَزَاءُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ يَتَعَلَّقُ وُجُودُهُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: إنْ تُكْرِمْنِي أُكْرِمْك كَانَ مُعَلِّقًا إكْرَامَهُ بِإِكْرَامِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ وَكَانَ إكْرَامُهُ مَعْدُومًا قَبْلَ إكْرَامِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَمَّا جَعَلَ التَّطْلِيقَ جَزَاءَ دُخُولِ الدَّارِ كَانَ التَّطْلِيقُ مَعْدُومًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا مُعْنِدَ لِقَوْلِهِمْ أَنْتِ طَالِقٌ قَدْ صَارَ مَوْجُودًا فَلَا وَجْهَ إلَى جَعْلِهِ مَعْدُومًا بِالتَّعْلِيقِ فَيُجْعَلُ التَّعَلُّقُ مَانِعًا لِحُكْمِهِ وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ كَشَرْطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّا لَا نَجْعَلُ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ مَعْدُومًا وَلَكِنْ نَجْعَلُ التَّعْلِيقَ مَانِعًا مِنْ وُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِهِ عِلَّةً لِأَنَّ الْعِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَصِيرُ عِلَّةً قَبْلَ وُصُولِهَا إلَى مَحَلِّهَا كَمَا لَا يَصِيرُ عِلَّةً قَبْلَ تَمَامِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ شَطْرَ الْبَيْعِ كَمَا لَا يَكُونُ عِلَّةً لِعَدَمِ تَمَامِ الرُّكْنِ لَا يَكُونُ بَيْعُ الْحُرِّ سَبَبًا أَيْضًا لِعَدَمِ إضَافَتِهِ إلَى الْمَحَلِّ وَكَمَا لَا يَكُونُ قَوْلُهُ أَنْتِ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ قَبْلَ قَوْلُهُ طَالِقٌ فَكَذَا إذَا أُضِيفَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى مَيِّتَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَكَذَلِكَ بَعْضُ النِّصَابِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فَكَذَلِكَ النِّصَابُ لِكَمَالِهِ فِي مِلْكِ كَافِرٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا أَيْضًا.
1 -
وَلَمَّا دَخَلَ التَّعْلِيقُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَنَعَهُ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ لَا يَكُونُ وَاصِلًا إلَى الْأَرْضِ وَلِأَنَّ الِاتِّصَالَ الشَّرْعِيَّ يُعْرَفُ تَأْثِيرُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ فِيهَا فَكَيْفَ يَكُونُ وَاصِلًا وَاعْتُبِرَ هَذَا بِالِاتِّصَالِ الْحِسِّيِّ فَإِنَّ فِعْلَ النَّجَّارِ
فَبَقِيَ غَيْرَ مُضَافٍ إلَيْهِ وَبِدُونِ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا أَلَا تَرَى أَنَّ السَّبَبَ مَا يَكُونُ طَرِيقًا وَالسَّبَبَ الْمُعَلَّقَ يَمِينٌ عُقِدَتْ عَلَى الْبِرِّ وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِرِّ لَيْسَ بِطَرِيقٍ إلَى الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْحِنْثِ
ــ
[كشف الأسرار]
مَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ الْخَشَبُ لَا يَنْعَقِدُ نَجْرًا.
وَكَذَا الْكَسْرُ مَعَ الِانْكِسَارِ وَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ إلَى الْمَحَلِّ لَمْ يَصِرْ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ عِلَّةً وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْغُوَ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْمَحَلِّ كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنَّ وُصُولَهُ إلَى الْمَحَلِّ لَمَّا كَانَ مَرْجُوًّا بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَانْحِلَالِ التَّعْلِيقِ جَعَلْنَاهُ كَلَامًا صَحِيحًا لَهُ عَرَضِيَّةٌ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا كَشَطْرِ الْبَيْعِ لَهُ عَرَضِيَّةٌ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا بِوُجُودِ الشَّطْرِ الْآخَرِ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ لَا يُرْجَى وُجُودُهُ وَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لَغَا أَيْضًا بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ مَانِعًا لِلْعِلَّةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مَانِعًا لِلْحُكْمِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَهُوَ مَذْهَبٌ فَاسِدٌ وَنَظِيرُهُ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ الرَّمْيُ فَإِنَّ نَفْسَهُ لَيْسَ بِقَتْلٍ وَلَكِنَّهُ بِعَرَضٍ أَنْ يَصِيرَ قَتْلًا إذَا اتَّصَلَ السَّهْمُ بِالْمَحَلِّ وَإِذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّمْيِ تُرْسٌ مَنَعَ الرَّمْيُ مِنْ انْعِقَادِهِ عِلَّةً لِلْعَقْلِ لَا أَنَّهُ مَنَعَ الْقَتْلَ مَعَ وُجُودِ سَبَبِهِ فَكَذَا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْعِيَّاتِ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَصِيرُ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا وُجِدَ ارْتَفَعَ التَّعْلِيقُ فَصَارَ ذَلِكَ الْكَلَامُ تَنْجِيزًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنْ قِيلَ: الصَّحِيحُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ جُنَّ فَدَخَلَتْ الدَّارَ تَطْلُقُ وَلَوْ نَجَزَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَقَعْ.
قُلْنَا: إنَّمَا يُصَيِّرُ ذَلِكَ الْكَلَامَ الْمُعَلَّقَ تَنْجِيزًا عَقْدُ وُجُودِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ الْكَلَامُ كَانَ صَحِيحًا مِنْهُ وَالتَّنْجِيزُ إنَّمَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْمَجْنُونِ لِأَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا فَإِذَا كَانَ هَذَا تَنْجِيزًا بِكَلَامٍ صَحِيحٍ شَرْعًا عَمِلَ فِي حَقِّهِ أَيْضًا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّنْجِيزِ يُرَاعَى لِلْوُقُوعِ وُجُودُ الْمَحَلِّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّكَلُّمَ مِنْ الْحَالِفِ يُوجَدُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ فَيُرَاعَى أَهْلِيَّةُ التَّكَلُّمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْوُصُولُ إلَى الْمَحَلِّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيُرَاعَى وُجُودُ الْمَحَلِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَذَا فِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ رحمه الله.
فَإِنْ قِيلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ طَلَّقْت امْرَأَتِي فَأَنْتِ حُرٌّ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ حَتَّى طَلُقَتْ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَلَوْ صَارَ مُطْلَقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَلَزِمَ أَنْ يَعْتِقَ الْعَبْدُ قُلْنَا: إنَّمَا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ عُرِفَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَنَّ غَرَضَهُ مِنْ قَوْلِهِ إنْ طَلَّقْت فَكَذَا مَنْعُ نَفْسِهِ عَنْ تَطْلِيقٍ بِكَلَامٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ الْيَمِينِ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ وَالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ فَيَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ جَرَحَ رَجُلًا ثُمَّ قَالَ إنْ قَتَلْتُهُ فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ جُرْحِهِ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَصَارَ قَتْلًا بَعْدَ الْيَمِينِ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمَنْعُ عَنْ قَتْلٍ يُبَاشِرُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ إنْ شَاءَ فَكَذَا هَذَا قَوْلُهُ (فَبَقِيَ غَيْرَ مُضَافٍ إلَيْهِ) أَيْ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِالْمَحَلِّ.
أَلَا تَرَى تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا يَعْنِي السَّبَبُ مَا يَكُونُ مُفْضِيًا إلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَمُتَقَرِّرًا عِنْدَ ثُبُوتِهِ وَالسَّبَبُ الْمُعَلَّقُ أَيْ الْكَلَامُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ الَّذِي يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَيْسَ بِمُفْضٍ إلَى الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بَلْ الشَّرْطُ مَانِعٌ عَنْهُ فَكَيْفَ يُجْعَلُ سَبَبًا وَهَذَا لِأَنَّهُ جُعِلَ جَزَاءً لِلشَّرْطِ لِيَنْعَقِدَ يَمِينًا إذْ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ يَمِينٌ عَلَى مَا عُرِفَ وَقَصْدُهُ مِنْ هَذَا التَّصَرُّفِ تَحْقِيقُ مُوجَبِهِ وَهُوَ الْبِرُّ إلَّا أَنَّ الْبِرَّ لَا يَتَأَكَّدُ إلَّا بِضَمَانٍ يَلْزَمُهُ عِنْدَ الْهَتْكِ فَجُعِلَ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ لِيَتَحَرَّزَ عَنْ الْهَتْكِ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّصَرُّفِ تَحْقِيقَ الْبِرِّ وَفِي تَحْقِيقِهِ إعْدَامُ مُوجَبِ مَا عُلِّقَ بِالشَّرْطِ لَا وُجُودِهِ لَا يَكُونُ الْمُعَلَّقُ مُفْضِيًا إلَى وُجُودِ الْحُكْمِ بَلْ يَكُونُ مُوجِبًا عَدَمَهُ
وَهُوَ نَقْضُ الْعَقْدِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا وَتَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ بِمَعْنَى الْأَجَلِ لِأَنَّ هَذَا دَاخِلٌ عَلَى السَّبَبِ الْمُوجِبِ فَمَنَعَهُ عَنْ اتِّصَالِهِ بِمَحَلِّهِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ مِنِّي لَمْ يَتَّصِلْ بِقَوْلِهِ حُرٌّ لَمْ يَعْمَلْ فَصَارَ الْحُكْمُ مَعْدُومًا بَعْدَ الشَّرْطِ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ
ــ
[كشف الأسرار]
فَلَا يَكُونُ سَبَبًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَرُبَّمَا ذَكَرْنَا يَتَبَيَّنُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِالْإِيجَابِ فِي وَقْتِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا لِوُقُوعِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ الْحُرِّيَّةَ فَيَتَحَقَّقُ السَّبَبُ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً وَعَدَمِ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ لِأَنَّ الْغَدَ وَمَا يُشْبِهُهُ تَعْيِينُ زَمَانِ الْوُقُوعِ وَالزَّمَانُ مِنْ لَوَازِمِ الْوُقُوعِ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ تَحْقِيقًا لِلسَّبَبِيَّةِ وَالتَّعْلِيقُ مَانِعًا عَنْهَا وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي نَوَادِرِ الصَّوْمِ مِنْ الْمَبْسُوطِ إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ غَدًا فَعَجَّلَ يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ السَّبَبِ فِي الْإِضَافَةِ وَعَدَمِهِ فِي التَّعْلِيقِ.
وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِرِّ لَيْسَ بِطَرِيقٍ إلَى الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْحِنْثِ أَيْ عِنْدَ الْحِنْثِ وَالْيَمِينِ مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ مُوجِبَةٌ لِضِدِّهِ وَهُوَ الْبِرُّ فَكَيْفَ يَكُونُ مُفْضِيَةً إلَى مَا هِيَ مَانِعَةٌ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ وَهُوَ نَقَضَ الْعَقْدَ أَيْ الْحِنْثُ نَقَضَ الْيَمِينَ دَلِيلٌ آخَرُ يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ لَا تَصْلُحُ سَبَبًا لَهَا أَيْضًا لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى مَعَ الْحِنْثِ لِأَنَّ الْحِنْثَ يُنَافِي الْيَمِينَ لِأَنَّهُ نَقْضُ الْيَمِينِ وَمَا يَنْقُضُ الْعَقْدَ يُنَافِيهِ لَا مَحَالَةَ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ الْيَمِينُ عِنْدَ الْحِنْثِ الَّذِي تَعَلَّقَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِهِ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا لَهَا قَبْلَ الْحِنْثِ لِأَنَّ مِنْ أَوْصَافِ السَّبَبِ أَنْ يُتَصَوَّرَ تَقَرُّرُهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُسَبِّبِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا خِلَافُ النَّصِّ وَالْعُرْفِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ الْكَفَّارَةَ إلَى الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ أَيْضًا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ فَحَنِثَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ حَلَفَ مُخَاطِبٌ ثُمَّ جُنَّ فَحَنِثَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَكَذَا فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فَلَمَّا شَرَطَتْ أَهْلِيَّتُهُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْيَمِينِ لَا عِنْدَ الْحِنْثِ عُلِمَ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْيَمِينُ وَقَوْلُكُمْ الْيَمِينُ لَا تَصْلُحُ طَرِيقًا إلَى الْكَفَّارَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَوْلَا الْيَمِينُ لَمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يُتَوَصَّلُ بِوَاسِطَةِ الْحِنْثِ لَا بِنَفْسِ الْيَمِينِ وَهَذَا هُوَ حَدُّ السَّبَبِ وَهُوَ أَنْ يُوصَلَ إلَيْهِ بِوَاسِطَةٍ كَالْجُرْحِ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ بِوَاسِطَةِ السِّرَايَةِ.
قُلْنَا: نَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ وَلَكِنْ نَقُولُ هِيَ سَبَبٌ لَهَا بَعْدَ الْحِنْثِ وَفَوَاتُ الْبِرِّ بِطَرِيقِ الِانْقِلَابِ وَالْكَفَّارَةُ مُضَافَةٌ إلَى تِلْكَ الْيَمِينِ لَا إلَى الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْبُرْغَرِيُّ رحمه الله وَنَظِيرُهُ الصَّوْمُ وَالْإِحْرَامُ فَإِنَّهُمَا يَمْنَعَانِ عَنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورِهِمَا وَبَعْدَ الِارْتِكَابِ يَصِيرَانِ سَبَبَيْنِ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِطَرِيقِ الِانْقِلَابِ وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ الْيَمِينَ فِيمَا مَضَى سَبَبٌ لِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَلَكِنْ خُلْفًا عَنْ الْبِرِّ لَا أَصْلًا وَالْخُلْفُ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ انْقِطَاعِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ عِلَّةٌ لِإِيجَابِ الْأَصْلِ لَا لِلْبَقَاءِ وَالْخُلْفُ يَخْلُفُهُ فِي الْبَقَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ الثَّمَنِ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ بَيْعٍ وَيَبْقَى بَعْدَ انْقِطَاعِ الْبَيْعِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ أَوْ بَيْعِهِ مِنْ إنْسَانٍ آخَرَ وَكَذَا الْمَهْرُ يَبْقَى بَعْدَ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ فَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الْيَمِينِ فَلَيْسَتْ لِكَوْنِهَا سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ أَوْ الطَّلَاقِ وَلَكِنْ لِكَوْنِهَا سَبَبًا لِلْبِرِّ وَالْأَسْبَابُ الْمُلْزِمَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ فَأَمَّا الْعَاقِلُ إذَا حَلَفَ ثُمَّ جُنَّ فَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْكَفَّارَةِ بِوَاسِطَةِ الْحِنْثِ فَلَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ السَّبَبَ إذَا كَانَ يَصِيرُ سَبَبًا بِوَاسِطَةٍ
وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَمَّةَ دَاخِلٌ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَرَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ نَظَرًا فَلَوْ دَخَلَ عَلَى السَّبَبِ لِتَعَلُّقِهِ بِحُكْمِهِ لَا مَحَالَةَ وَلَوْ دَخَلَ عَلَى الْحُكْمِ لَنَزَلَ سَبَبُهُ وَهُوَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَيَصْلُحُ التَّدَارُكُ بِهِ بِأَنْ يَصِيرَ غَيْرَ لَازِمٍ بِأَدْنَى الْمُخْطِرَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى وَأَمَّا هَذَا فَيَحْتَمِلُ الْخَطَرَ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِكَمَالِ التَّعْلِيقِ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا الْحُكْمُ فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ حَنِثَ
ــ
[كشف الأسرار]
لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى تِلْكَ الْوَاسِطَةِ مُوصِلًا إلَى الْحُكْمِ كَالْجُرْحِ يُفْضِي إلَى الْأَلَمِ وَالْأَلَمُ يُفْضِي إلَى تَلَفِ النَّفْسِ وَهَاهُنَا الْحِنْثُ مَمْنُوعٌ بِحُكْمِ الْيَمِينِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَيْفَ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ مُفْضِيَةً إلَى الْحُكْمِ كَذَا فِي طَرِيقَةِ الْإِمَامِ الْبُرْغَرِيِّ.
وَتَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ بِمَعْنَى الْأَجَلِ يَعْنِي تَبَيَّنَ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَيْسَ كَالتَّأْجِيلِ فَإِنَّ التَّأْجِيلَ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ السَّبَبِ بِالْمَحَلِّ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فِي الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ جَمِيعًا الْعَقْدُ وَمَحَلَّ الدَّيْنِ الذِّمَّةُ وَالتَّأْجِيلَ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَلَا ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُ الْمُطَالَبَةَ وَالْأَجَلَ مِمَّا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَيَسْقُطُ بِالتَّعْجِيلِ وَيَتَحَقَّقُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ وَأَمَّا التَّعْلِيقُ فَيَمْنَعُ وُصُولَهُ إلَى الْمَحَلِّ وَقَبْلَ الْوُصُولِ لَا يَتِمُّ السَّبَبُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ قَبْلَ تَمَامِ السَّبَبِ دَاخِلٌ عَلَى السَّبَبِ الْمُوجِبِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَصَارَ الْحُكْمُ مَعْدُومًا بَعْدَ الشَّرْطِ أَيْ بَعْدَ ذِكْرِ الشَّرْطِ قَبْلَ وُجُودِهِ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ أَيْ الْعَدَمِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ لَا لِمَانِعٍ يَمْنَعُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ فَإِنْ وُجِدَ الدَّلِيلُ الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ مَعَ قِيَامِ التَّعْلِيقِ يَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ كَمَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ وَإِلَّا فَلَا فَفِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] الْآيَةُ قَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الْجَوَازِ بِدُونِ الشَّرْطِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]، {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] ، {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ إذْ لَمْ يُعَارِضْهُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ وَفِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196]{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4]{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّقَةِ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ قَبْلَ وُجُودِ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَبَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ.
قَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَأَخَوَاتِهِ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِيهِ دَاخِلٌ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَرَ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِثْبَاتَاتِ وَهِيَ لَا تَحْتَمِلُ الْخَطَرَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْقِمَارِ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ وَفِي جَعْلِهِ مُتَعَلِّقًا بِالشَّرْطِ خَطَرٌ تَامٌّ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْبَيْعُ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَ ذَلِكَ ضَرُورَةَ دَفْعِ الْغَبْنِ فَكَانَ نَظِيرَ أَكْلِ الْمَيِّتَةِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِجَعْلِهِ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ دَاخِلًا عَلَى السَّبَبِ لِتَعَلُّقِ حُكْمِهِ أَيْضًا ضَرُورَةَ اسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ قَبْلَ السَّبَبِ وَلَوْ جُعِلَ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ لَنَزَلَ سَبَبُهُ أَيْ انْعَقَدَ وَنَفَذَ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالشَّرْطِ إلَّا أَنَّ حُكْمَهُ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَالْحُكْمُ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّأَخُّرَ عَنْ السَّبَبِ فَكَانَ جَعْلُهُ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ أَوْلَى تَقْلِيلًا لِلْخَطَرِ وَفِيهِ تَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ أَيْضًا وَكَانَ قَوْلُهُ وَهُوَ أَيْ السَّبَبُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ جَوَابُ سُؤَالٍ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ السَّبَبُ لَمَّا نَزَلَ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالشَّرْطِ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهُ بِدُونِ رِضَاءِ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ لِصَاحِبِ الْخِيَارِ فَقَالَ: الْبَيْعُ مِمَّا يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَيُمْكِنُ تَدَارُكُ زَوَالِ السَّبَبِ أَوْ تَدَارُكُ دَفْعِ الْغَبْنِ بِأَنْ يُجْعَلَ غَيْرَ لَازِمٍ لِيُمْكِنَهُ فَسْخُهُ بِدُونِ رِضَاءِ صَاحِبِهِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ إلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي.
وَقَوْلُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ بَدَلَ مَنْ بِهِ وَالْبَاءُ فِي بِأَدْنَى مُتَعَلِّقَةٌ بِيُجْعَلَ أَيْ يُمْكِنُ تَدَارُكُ دَفْعِ الْغَبْنِ بِإِدْخَالِ الشَّرْطِ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ بِأَنْ يُجْعَلَ السَّبَبُ وَهُوَ الْبَيْعُ غَيْرَ لَازِمٍ بِأَدْنَى الْخَطَرَيْنِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِذَا بَطَلَتْ الْعُلْقَةُ صَارَ ذَلِكَ الْإِيجَابُ عِلَّةً كَائِنَةً ابْتِدَاءً وَلِهَذَا صَحَّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمِلْكِ بِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
دُونَ السَّبَبِ فَكَانَ هَذَا الطَّرِيقُ مِنْ تَعْلِيقِ السَّبَبِ.
فَأَمَّا هَذَا أَيْ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا فَيَحْتَمِلُ الْخَطَرَ أَيْ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَالْخَطَرُ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ وَمِنْهُ الْخَطَرُ لِمَا يُتَرَاهَنُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِكَمَالِ التَّعْلِيقِ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَنْ يُجْعَلَ الشَّرْطُ دَاخِلًا عَلَى أَصْلِ السَّبَبِ إذْ لَوْ جُعِلَ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ كَانَ تَعْلِيقًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَالْأَصْلُ هُوَ الْكَمَالُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إذْ النُّقْصَانُ بِالْعَوَارِضِ وَقَدْ عَدِمَ الْعَارِضُ هَاهُنَا فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِكَمَالِ التَّعْلِيقِ وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ شَرْطِ الْخِيَارِ وَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ إنَّ ثُبُوتَ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ بِكَلِمَةٍ عَلَى أَنَّ إذْ هِيَ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيهِ فَيُقَالُ بِعْتُك عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَوْ عَلَى أَنَّكَ بِالْخِيَارِ وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ وَإِنْ كَانَتْ لِلشَّرْطِ لَكِنَّ عَمَلَهَا عَلَى خِلَافِ عَمَلِ كَلِمَةِ التَّعْلِيقِ فَإِنَّك إذَا قُلْت أَزُورُك إنْ زُرْتنِي كُنْت مُعَلِّقًا زِيَارَتَك بِزِيَارَةِ صَاحِبِك وَإِذَا قُلْت أَزُورُك عَلَى أَنْ تَزُورَنِي كُنْت مُعَلِّقًا زِيَارَةَ صَاحِبِك بِزِيَارَتِك وَيَكُونُ زِيَارَتُك سَابِقَةً عَلَى زِيَارَتِهِ عَلَى هَذَا إجْمَاعُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا تُوجِبُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ تَعْلِيقَ نَفْسِ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ بَلْ تُوجِبُ تَعْلِيقَ الْخِيَارِ بِالْبَيْعِ وَثُبُوتَهُ بِهِ فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ سَابِقًا ثُمَّ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ امْتَنَعَ اللُّزُومُ وَثُبُوتُ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ لِأَنَّ ذَلِكَ خِيَارُ الْحُكْمِ فِي الشَّرْعِ.
قَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ) بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَحْنَثُ يَعْنِي قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْوَجِيزِ وَالتَّهْذِيبِ إذَا قَالَ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى صِفَةٍ أَيْ شَرْطٍ وَوُجِدَتْ فَهُوَ تَطْلِيقٌ وَمُجَرَّدُ الصِّفَةِ لَيْسَ إيقَاعًا وَهُوَ وُقُوعٌ وَمُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ وَلَا وُقُوعٍ وَذَكَرَ فِي الْمُلَخَّصِ أَيْضًا وَلَوْ عَلَّقَ بِالتَّطْلِيقِ ثُمَّ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فَإِذَا دَخَلَتْ وَهِيَ مَمْسُوسَةٌ وَقَعَتْ حِينَئِذٍ تَطْلِيقَتَانِ فَثَبَتَ أَنَّ مَذْهَبَهُ مِثْلُ مَذْهَبِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْبَيْعِ فَلَا أَعْرِفُ مَذْهَبَهُ فِيهَا وَمَا ظَفِرْت بِهَا فِي كُتُبِهِمْ صَرِيحًا فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِنَا فَقَدْ صَحَّ الْفَرْقُ وَتَمَّ الْإِلْزَامُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْوَسِيطِ لِلْغَزَالِيِّ أَنَّ الثَّابِتَ يَشْتَرِطُ الْخِيَارُ جَوَازَ الْعَقْدِ وَاسْتِحْقَاقَ الْفَسْخِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي تَأْخِيرِ الْمِلْكِ فِي قَوْلِ بَلْ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَيْعَ سَبَبُ الْمِلْكِ وَلَا يُقْطَعُ الْحُكْمُ عَنْ سَبَبِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْخِيَارِ الْمَشْرُوعِ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَبْنِيَّةِ وَأَمْكَنَ تَحْصِيلُ هَذَا الْمَقْصُودِ بِنَفْيِ اللُّزُومِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَفْيِ الْمِلْكِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا فَالْمِلْكُ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ مِثْلُ مَذْهَبِنَا وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَمْ يَتِمَّ الْإِلْزَامُ وَكَانَ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِذَا بَطَلَتْ الْعَلَقَةُ أَيْ التَّعْلِيقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ صَارَ ذَلِكَ الْإِيجَابُ عِلَّةً كَأَنَّهُ ابْتِدَاءٌ يَعْنِي يَصِيرُ عِلَّةً فِي الْحَالِ مُقْتَصِرَةً عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُ الْمَشَايِخِ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ لِذَا الشَّرْطِ وَلِهَذَا شَرَطْنَا الْأَهْلِيَّةَ حَالَةَ التَّعْلِيقِ كَمَا بَيَّنَّا لِأَنَّ ذَلِكَ الْإِيجَابَ لَمَّا صَارَ عِلَّةً يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ صَادِرًا مِنْ الْأَهْلِ لِيَصِيرَ كَالْمَلْفُوظِ لِذَا الشَّرْطِ.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ لَيْسَ بِسَبَبٍ صَحَّ تَعْلِيقُ
وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ تَعْجِيلٌ لِنَذْرِ الْمُعَلَّقِ وَتَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ كَالْكَفَّارَةِ بِالصَّوْمِ وَفَرْقُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّ اللَّهِ فِي الْمَالِيِّ فِعْلُ الْأَدَاءِ لَا عَيْنُ الْمَالِ إنَّمَا يَقْصِدُ عَيْنَ الْمَالِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ أَمَّا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِعْلٌ لَا مَالٌ وَإِنَّمَا الْمَالُ آلَتُهُ
ــ
[كشف الأسرار]
الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَمِينٌ وَمَحَلُّ الِالْتِزَامِ بِالْيَمِينِ الذِّمَّةُ فَأَمَّا الْمِلْكُ فِي الْمَحَلِّ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِإِيجَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَهَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ بِإِيجَابٍ وَلَكِنَّهُ بِغَرَضِ أَنْ يَصِيرَ إيجَابًا فَإِنْ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ حِينَ يَصِيرُ إيجَابًا بِوُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ صَحَّحْنَا التَّعْلِيقَ بِاعْتِبَارِهِ وَإِنْ لَمْ نَتَيَقَّنْ بِذَلِكَ بِأَنْ كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ شَرَطْنَا الْمِلْكَ فِي الْحَالِ لِيَصِيرَ كَلَامُهُ إيجَابًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَهُوَ أَنَّ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَلَكِنَّ هَذَا الظَّاهِرَ دُونَ الْمِلْكِ الَّذِي نَتَيَقَّنُ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَصِحَّةُ التَّعْلِيقِ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الْمِلْكِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمِلْكِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنْ قِيلَ جَمِيعُ مَا ذَكَرْتُمْ يَبْطُلُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَأَبَوْا أَنْ يُزَوِّجُوهَا إلَّا بِزِيَادَةِ صَدَاقٍ فَقَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» فَهَذَا كَلَامٌ مُفَسَّرٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ قُلْنَا: إنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ فَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى الزُّهْرِيِّ وَأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ أَوَّلَ قَوْلَهُ عليه السلام «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ فَيَقُولُ: هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ فَقَالَ عليه السلام لَا طَلَاقَ فَرَدُّهُ الْحَدِيثَ إلَى الْمُرْسَلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى صِحَّةَ الْمُعَلَّقِ بِالنِّكَاحِ وَمِثْلُهُ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَكْحُولٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ هَؤُلَاءِ الثِّقَاتُ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ لَا يُحْتَمَلُ التَّأْوِيلُ أَوْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ كَافَّتَهُمْ أَوْ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِمْ مَعَ ظُهُورِ الْفَتْوَى مِنْهُمْ بِخِلَافِهِ كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَسْرَارِ.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَانِعٌ لِلْإِيجَابِ عَنْ الِانْعِقَادِ لَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لَمَّا لَمْ يَصِلْ إلَى ذِمَّةٍ قَابِلَةٍ لِلْحُكْمِ وَالشَّرْطُ مَنْعُ وُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا كَبَعْضِ النَّذْرِ وَالْأَدَاءُ قَبْلَ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ.
وَكَذَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ كَالْكَفَّارَةِ بِالصَّوْمِ لِأَنَّ الْيَمِينَ سَبَبُ الْوُجُوبِ بِشَرْطِ الْحِنْثِ وَالتَّقْدِيرُ إنْ حَنِثْت فَعَلَيَّ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ بِتِلْكَ الْيَمِينِ فَمَنَعَ الْيَمِينَ عَنْ كَوْنِهَا سَبَبًا فِي الْحَالِ وَلَكِنَّهَا بِعَرَضِيَّةٍ أَنْ تَصِيرَ سَبَبًا فَصَحَّتْ إضَافَةُ الْكَفَّارَةِ إلَيْهَا فَقَبْلَ أَنْ تَصِيرَ سَبَبًا بِالْحِنْثِ لَا يُتَصَوَّرُ الْأَدَاءُ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ قَبْلَ الْيَمِينِ وَكَمَا لَا يُتَصَوَّرُ تَعْجِيلُ الصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَفَرْقُهُ بَيْنَ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ بَاطِلٌ فَإِنَّ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ وُجُوبَ الْأَدَاءِ قَدْ يَنْفَصِلُ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ فِي الْبَدَنِيِّ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا صَامَ فِي رَمَضَانَ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إلَى مَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِحُصُولِ أَصْلِ الْوُجُوبِ بِالسَّبَبِ وَهَذَا لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا يَعْنِي فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ فِعْلٌ هُوَ عِبَادَةٌ وَإِنَّمَا الْمَالُ وَمَنَافِعُ الْبَدَنِ آلَتَانِ يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِهِمَا فَكَمَا أَنَّ فِي الْبَدَنِيِّ مَعَ تَعَلُّقِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ السَّبَبُ تَامًّا فَكَذَلِكَ فِي الْمَالِيِّ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ لِلْعَبْدِ مَالٌ لَا فِعْلٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَبْدُ أَوْ يَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُسْرَانُ بِهِ وَذَلِكَ بِالْمَالِ دُونَ الْفِعْلِ وَلِهَذَا إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ وَأَخَذَهُ تَمَّ الِاسْتِيفَاءُ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْفِعْلُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَفِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وُجُوبُ الْفِعْلِ
قَالَ زُفَرُ: وَلَمَّا بَطَلَ الْإِيجَابُ لَمْ يُشْتَرَطْ قِيَامُ الْمَحَلِّ لِبَقَائِهِ فَإِذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَبْطُلْ الْيَمِينُ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَإِنَّمَا شَرْطُ قِيَامِ الْمِلْكِ لِأَنَّ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ مُتَرَدِّدٌ فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ بِالْحَالِ فَإِذَا وَقَعَ التَّرْجِيحُ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ صَارَ زَوَالُ الْحِلِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُنَافِي وُجُودَهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا مَحَالَةَ وَزَوَالُ الْمِلْكِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالنِّكَاحِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الْحِلُّ لِلْحَالِّ مَعْدُومًا فَلَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ يَتَّصِلُ بِالْمَحَلِّ لَمَا صَحَّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ فِي حَقِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِنِكَاحِهَا
ــ
[كشف الأسرار]
بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالْمُسْتَحَقُّ هُوَ مَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ صَيْرُورَةُ الثَّوْبِ مَخِيطًا أَوْ مَقْصُورًا.
فَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَوَاجِبَةٌ بِطَرِيقِ الْعِبَادَةِ وَنَفْسُ الْمَالِ لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ إنَّمَا الْعِبَادَةُ فِعْلٌ يُبَاشِرُهُ الْعَبْدُ بِخِلَافِ هَوَى النَّفْسِ لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي هَذَا الْمَالُ وَالْبَدَنُ سَوَاءٌ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْفِعْلُ هُوَ الْمَطْلُوبُ لَمْ يَتَأَدَّبَا بِالنَّائِبِ كَالصَّلَاةِ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَقْصُودُ وَهُوَ حُصُولُ الْمَشَقَّةِ بِقَطْعِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَالِ يَحْصُلُ بِالنَّائِبِ وَالْإِنَابَةُ فِعْلٌ مِنْهُ فَاكْتُفِيَ بِهِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ إتْعَابُ النَّفْسِ بِالْقِيَامِ لِلْخِدْمَةِ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَأَدَّ بِفِعْلِهِ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلُ وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ جَوَّزْنَا نِكَاحَ الْأَمَةِ حَالَ طَوْلِ الْحُرَّةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاحَ الْأَمَةِ حَالَ عَدَمِ الطَّوْلِ بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] الْآيَةُ وَلَمْ يُحَرِّمْ حَالَ وُجُودِهِ بَلْ لَمْ يَذْكُرْهُ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ لَا يُوجِبُ نَفْيَ الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودٍ فَيُجْعَلُ الْحِلُّ ثَابِتًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِالْآيَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْحِلِّ وَهَكَذَا نَقُولُ فِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلَ عَبْدِي الدَّارَ فَأُعْتِقُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ نَفْيَ الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَالَ لَهُ أَوَّلًا: أَعْتِقْ عَبْدِي ثُمَّ قَالَ: أَعْتِقْهُ إنْ دَخَلَ الدَّارَ جَازَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَلَا يُجْعَلُ الثَّانِي نَهْيًا عَنْ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ عَزَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا بَقِيَ لَهُ الْآخَرُ فَإِنْ قِيلَ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّرْطِ يَثْبُتُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا هَاهُنَا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْوَاحِدُ ثَابِتًا فِي الْحَالِ وَمُتَعَلِّقًا بِشَرْطٍ مُنْتَظَرٍ.
قُلْنَا: حِلُّ الْوَطْءِ لَيْسَ بِثَابِتٍ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَكِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِشَرْطِ النِّكَاحِ فِي الْآيَاتِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا هَذَا الشَّرْطُ الزَّائِدُ وَمُتَعَلِّقٌ بِهِ وَبِهَذَا الشَّرْطِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مَا ادَّعَى مِنْ التَّضَادِّ فِيمَا هُوَ مَوْجُودٌ فَأَمَّا فِيمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ فَلَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِشَرْطٍ وَذَلِكَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِشَرْطٍ آخَرَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ
1 -
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إذَا جَاءَ الْخَمِيسُ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ: إذَا جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ الثَّانِي صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ مَجِيءُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ حَتَّى لَوْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَجَاءَ يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى مِلْكِهِ فَجَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يُعْتِقُ بِاعْتِبَارِ التَّعْلِيقِ الثَّانِي فَإِنْ قِيلَ مَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ كَمَالَ الشَّرْطِ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ وَهُوَ بَعْضُ الشَّرْطِ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ أَيْضًا وَمَا قُلْتُمْ يُؤَدِّي إلَى هَذَا فَإِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ كَمَالُ الشَّرْطِ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ وَهُوَ بَعْضُ الشَّرْطِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إذَا قُلْتُمْ بِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً عِنْدَ وُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ قُلْنَا: إنَّمَا لَا يَجُوزُ هَذَا بِنَصٍّ وَاحِدٍ فَأَمَّا بِنَصَّيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ أَكَلْت ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ أَكَلْت وَشَرِبْت صَحَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَكُونُ الْأَكْلُ كَمَالَ الشَّرْطِ فِي التَّعْلِيقِ الثَّانِي حَتَّى بَاعَهُ فَأَكَلَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَشَرِبَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ لِتَمَامِ الشَّرْطِ بِالتَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ وَبَعْضِ الشَّرْطِ فِي التَّعْلِيقِ الثَّانِي وَهُوَ مِلْكُهُ قَوْلُهُ.
(قَالَ زُفَرُ رحمه الله) إلَى آخِرِهِ يَعْنِي بَنَى زُفَرُ مَذْهَبَهُ فِي أَنَّ تَنْجِيزَ الثَّلَاثِ لَا يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ سَوَاءٌ كَانَ الثَّلَاثُ مُعَلَّقًا أَوْ دُونَهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَقَالَ: لَمَّا بَطَلَ الْإِيجَابُ أَيْ بِالتَّعْلِيقِ يَعْنِي لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا فِي الْحَالِ لِعَدَمِ وُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ لَمْ يُشْتَرَطْ قِيَامُ الْمَحَلِّ أَيْ بَقَاؤُهُ
وَطَرِيقُ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُعَلَّقِ ضَرْبُ اتِّصَالٍ بِمَحَلِّهِ لِيُشْتَرَطَ قِيَامُ مَحَلِّهِ وَأَمَّا قِيَامُ هَذَا الْمِلْكِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ
ــ
[كشف الأسرار]
لِبَقَائِهِ أَيْ بَقَاءِ الْإِيجَابِ الْمُعَلَّقِ يَعْنِي التَّعْلِيقَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ لِتَمَامِ السَّبَبِ وَثُبُوتُ الْحُكْمِ عِنْدَ الْوُصُولِ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الْمِلْكِ فَكَمَا لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ بِأَنْ بَاعَ الْعَبْدُ الْمَحْلُوفُ بِعِتْقِهِ أَوْ أَبَانَ الْمَرْأَةَ الْمَحْلُوفَ بِطَلَاقِهَا لِتَوَهُّمِ الْوُجُودِ عِنْدَ الشَّرْطِ لَا يَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمَحَلِّيَّةِ أَيْضًا لِتَوَهُّمِ حُدُوثِهَا عِنْدَ الشَّرْطِ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ أَيْ وَكَالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ الْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ فِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالتَّنْجِيزِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ أَعْتَقَهَا قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ لَمْ يَبْطُلْ التَّعْلِيقُ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَمَلَكَهَا الْحَالِفُ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ عَتَقَتْ عِنْدَهُ وَلَمْ تَعْتِقْ عِنْدَنَا.
وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا شَرْطُ الْمِلْكِ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَمَّا لَمْ يُشْتَرَطْ الْمِلْكُ وَالْمَحَلُّ حَالَ بَقَاءِ التَّعْلِيقِ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْإِيجَابِ سَبَبًا فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِي حَالِ الِابْتِدَاءِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ يَشْمَلُ الْحَالَيْنِ فَيَصِحُّ قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالْإِجْمَاعُ بِخِلَافِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ الْمَحَلِّ فَبِفَوَاتِهِ يَبْطُلُ فَقَالَ: إنَّمَا شُرِطَ الْمِلْكُ فِي الِابْتِدَاءِ لِانْعِقَادِ هَذَا الْكَلَامِ يَمِينًا لَا لِحَاجَةِ الْإِيجَابِ إلَى الْمَحَلِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ تَأْكِيدُ الْبِرِّ بِإِيجَابِ الْجَزَاءِ فِي مُقَابَلَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ أَوْ مُتَحَقِّقَهُ عِنْدَ فَوَاتِ الْبِرِّ لِيَحْمِلَهُ خَوْفُ نُزُولِهِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْبِرِّ وَذَلِكَ لِقِيَامِ الْمِلْكِ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَتِلْكَ الْحَالَةُ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ أَنْ يُوجَدَ فِيهَا الْمِلْكُ فَيَتَحَقَّقُ الْجَزَاءُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْيَمِينِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يُوجَدَ فِيهَا الْمِلْكُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ فَتَخْلُوا الْيَمِينُ عَنْ الْفَائِدَةِ فَشَرْطُ الْمِلْكِ فِي الِابْتِدَاءِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ وُجُودِ الْمِلْكِ عَلَى عَدَمِهِ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ بَقَاؤُهُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَيَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمِلْكِ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ لَا لِحَاجَةِ الْإِيجَابِ إلَى الْمَحَلِّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمِلْكُ مُتَيَقِّنَ الْوُجُودِ عِنْدَ نُزُولِ الْجَزَاءِ لَا يُشْتَرَطُ الْمِلْكُ وَلَا الْحِلُّ فِي الْحَالِ أَيْضًا بِأَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ وَانْعَقَدَ الْيَمِينُ.
فَإِنْ وَقَعَ التَّرْجِيحُ أَيْ جُعِلَ بِوُجُودِهِ فِي الْحَالِ حَصَلَ وَثَبَتَ رُجْحَانُ وُجُودِ الْمِلْكِ عَلَى عَدَمِهِ حَالَ فَوَاتِ الْبِرِّ وَانْعَقَدَ الْيَمِينُ صَارَ زَوَالُ الْحِلِّ فِي الْمُسْتَقْبِلِ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بِالْإِبَانَةِ بِمَا دُونَ الثُّلُثِ سَوَاءٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ زَوَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُنَافِي وُجُودَهُ عِنْدَ الشَّرْطِ لَا مَحَالَةَ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَحْدُثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِذَا بَقِيَتْ الْيَمِينُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ تَبْقَى بَعْدَ زَوَالِ الْحِلِّ بِنَاءً عَلَيْهِ أَيْضًا.
وَقَوْلُهُ أَلَا تَرَى تَوْضِيحٌ لِتَعْلِيلِ بُطْلَانِ الْإِيجَابِ يَعْنِي بُطْلَانَهُ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ اتِّصَالِهِ بِالْمَحَلِّ فِي الْحَالِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْمَحَلُّ لِبَقَائِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اتِّصَالِهِ بِالْمَحَلِّ صِحَّةُ تَعْلِيقِ طَلَاقِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِنِكَاحِهَا وَلَوْ كَانَ لِلتَّعْلِيقِ اتِّصَالٌ بِالْمَحَلِّ لَمَا صَحَّ هَذَا التَّعْلِيقُ لِبُطْلَانِ الْمَحَلِّيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ قَوْلُهُ (وَطَرِيقُ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ) إلَى آخِرِهِ لِعُلَمَائِنَا رحمهم الله فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَتَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ تَبْطُلُ بِفَوَاتِ الْجَزَاءِ كَمَا تَبْطُلُ بِفَوَاتِ الشَّرْطِ بِأَنْ جُعِلَتْ الدَّارُ بُسْتَانًا أَوْ حَمَّامًا فِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِهِمَا بَلْ افْتِقَارُهَا إلَى الْجَزَاءِ أَكْثَرُ مِنْ افْتِقَارِهَا إلَى الشَّرْطِ لِأَنَّهَا تُعْرَفُ بِالْجَزَاءِ لَا بِالشَّرْطِ وَلَمَّا بَطَلَتْ بِفَوَاتِ الشَّرْطِ فَلَأَنْ تَبْطُلَ بِفَوَاتِ
لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِي الطَّلَاقِ لِيَصِحَّ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ
ــ
[كشف الأسرار]
الْجَزَاءِ كَانَ أَوْلَى وَهَاهُنَا قَدْ فَاتَ الْجَزَاءُ لِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ إنَّمَا صَحَّتْ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ الْقَائِمِ وَلَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ إلَّا ثَلَاثَةُ تَطْلِيقَاتٍ وَقَدْ اسْتَوْفَاهَا كُلَّهَا فَبَطَلَ الْجَزَاءُ ضَرُورَةً فَبَطَلَتْ الْيَمِينُ وَبِهَذَا عَلَّلَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فَقَالَ: لَمَّا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ ذَهَبَ طَلَاقُ ذَلِكَ الْمِلْكِ كُلِّهِ.
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَيْثُ لَا تَبْطُلُ بِهِ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَوْفِ الْجَزَاءَ بِتَمَامِهِ كَانَ الْبَاقِي مَمْلُوكًا لَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَنْفِيذِهِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ فَبَقِيَتْ الْيَمِينُ بِبَقَائِهِ وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّنْفِيذِ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ كَاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ الْحَامِلِ وَاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبِضْعِ حَالَةَ الْحَيْضِ وَكَالصَّبِيِّ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَاتِ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ ثَابِتًا لَهُ وَالثَّانِي أَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ تَبْطُلُ لِأَنَّ مَحَلِّيَّةَ الطَّلَاقِ بِمَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ وَقَدْ فَاتَتْ بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ وَإِذَا بَطَلَتْ مَحَلِّيَّةُ الطَّلَاقِ لَمْ تَبْقَ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ بِبُطْلَانِ مَحَلِّهَا كَمَا إذَا فَاتَتْ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا فِي الْحَالِ لَكِنَّهُ يَعْرِضُ أَنْ يَصِيرَ طَلَاقًا وَالْعَرَضِيَّةُ إنَّمَا ثَبَتَتْ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْحِلِّ وَالْمِلْكِ فِي الْحَالِ فَإِذَا بَطَلَ الْحِلُّ بَطَلَتْ الْعَرَضِيَّةُ فَلَمْ تَبْقَ الْيَمِينُ فَحَاصِلُ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ تَعْيِينُ طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ لِلْجَزَاءِ وَبِنَاءُ بُطْلَانِ الْيَمِينِ عَلَى فَوَاتِهَا.
وَخُلَاصَةُ الطَّرِيقِ الثَّانِي اشْتِرَاطُ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْيَمِينِ انْعِقَادًا وَبَقَاءً وَبِنَاءً بُطْلَانُ الْيَمِينِ عَلَى زَوَالِهَا وَلَمَّا كَانَ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ مُنْتَقِضًا بِمَا إذَا عَلَّقَ الثَّلَاثَ بِالشَّرْطِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَوَجَدَتْ الشَّرْطَ تَقَعُ الثَّلَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَوْ تَعَيَّنَ طَلَقَاتُ ذَلِكَ الْمِلْكِ يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْقَ مِنْ الْجَزَاءِ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ فَقَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ فَأَعْتَقَ عَبْدَيْنِ مِنْهُمْ وَاشْتَرَى آخَرَيْنِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَعْتِقُ إلَّا الْعَبْدَ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا يَتِمُّ إلَّا بِأَنْ يَثْبُتَ لِلْمُعَلَّقِ نَوْعُ اتِّصَالٍ بِالْمَحَلِّ بَنَى الشَّيْخُ رحمه الله الْكَلَامَ عَلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي وَبَيَّنَ وَجْهَ تَصْحِيحِهِ وَرَدَّ الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ فَقَالَ: وَطَرِيقُ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ يَعْنِي الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِي جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُعَلَّقِ نَوْعُ اتِّصَالٍ بِمَحَلِّهِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الطَّرِيقُ الثَّانِي وَبَعْدَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمَحَلِّ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ يَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى فَسَادِ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَبَيَّنَ وَجْهَهُ فَقَالَ: فَأَمَّا طَلَاقُ هَذَا الْمِلْكِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَيْ لِلْجَزَاءِ وَصِحَّةِ التَّعْلِيقِ بَلْ الْجَزَاءُ طَلَاقٌ مَمْلُوكٌ لَهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ سَوَاءٌ كَانَ طَلَاقَ هَذَا الْمِلْكِ أَوْ مِلْكٍ حَادِثٍ بَعْدُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَيْ الْمُعَلَّقُ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِي الطَّلَاقِ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ وَلَا مِنْ حَيْثُ انْعِقَادُهُ سَبَبًا لِيَصِحَّ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ أَيْ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ هَذِهِ الطَّلْقَاتِ دُونَ غَيْرِهَا وَالتَّعْلِيلُ دَاخِلٌ فِي النَّفْيِ وَلِهَذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ.
وَإِلَى هَذَا الطَّرِيقِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله أَيْضًا فَقَالَ: إنَّمَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّعْلِيقِ بِاعْتِبَارِ الْمَحْلُوفِ بِهِ وَهُوَ مَا يَصِيرُ طَلَاقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا تَصَوُّرَ لِذَلِكَ بِدُونِ الْمَحَلِّ وَبِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ تَحَقَّقَ فَوَاتُ الْمَحَلِّ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ لِلطَّلَاقِ إزَالَةُ صِفَةِ الْحِلِّ عَنْ الْمَحَلِّ وَلَا تَصَوُّرَ لِذَلِكَ بَعْدَ حُرْمَةِ الْمَحَلِّ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ فَلِانْعِدَامِ الْمَحْلُوفِ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ لَا لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّرْطِ
وَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ لَهُ شَبَهٌ بِالْإِيجَابِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْبِرِّ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْبِرِّ مَضْمُونًا لِيَصِيرَ وَاجِبَ الرِّعَايَةِ فَإِذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ كَانَ الْبِرُّ هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالطَّلَاقِ كَالْمَغْصُوبِ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ فَيَثْبُتُ شُبْهَةُ وُجُوبِ الْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا تَثْبُتُ شُبْهَةُ وُجُوبِ الطَّلَاقِ وَقَدْرُ مَا يَجِبُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ مَحَلِّهِ فَأَمَّا تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ فَتَعْلِيقٌ بِمَا هُوَ عِلَّةُ مِلْكِ الطَّلَاقِ
ــ
[كشف الأسرار]
تَطْلِيقَاتُ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَأَمَّا قِيَامُ هَذَا الْمِلْكِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ إلَى آخِرِهِ وَمَعْنَاهُ تَحَقُّقُ الْفَرْقِ بَيْنَ زَوَالِ الْحِلِّ وَبَيْنَ زَوَالِ الْمِلْكِ فَإِنَّ الْيَمِينَ بِالْأَوَّلِ يَبْطُلُ وَلَا يَبْطُلُ بِالثَّانِي لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْمُعَلَّقِ ضَرْبُ اتِّصَالٍ وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا حَقِيقَةً لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ الْمَحَلِّ وَذَلِكَ بِبَقَاءِ حِلِّ النِّكَاحِ فَأَمَّا قِيَامُ هَذَا الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ أَيْ الْمِلْكِ الْقَائِمِ حَالَةَ التَّعْلِيقِ فِيهِ فَلَمْ يَتَعَيَّنُ أَيْ لَمْ يُشْتَرَطْ لِبَقَاءِ التَّعْلِيقِ صَحِيحًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِي الطَّلَاقِ بِالْإِيقَاعِ وَلَا الْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ هُوَ الطَّلَاقُ الْمَمْلُوكُ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْمِلْكُ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ الْمِلْكُ إلَّا حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَرَدُّدِ حَالِ وُجُودِ الشَّرْطِ إلَى آخِرِهِ وَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي إثْبَاتِ اتِّصَالِ الْإِيجَابِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَحَلِّ وَافْتِقَارِهِ إلَيْهِ أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ لَهُ شُبْهَةُ الْإِيجَابِ أَيْ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا حَقِيقَةً لَهُ شُبْهَةُ كَوْنِهِ سَبَبًا لِأَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْبِرِّ وَلَا بُدَّ لِلْبِرِّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِلُزُومِ الْجَزَاءِ عِنْدَ الْفَوَاتِ تَحْقِيقًا لِلْمَقْصُودِ وَهُوَ تَأْكِيدُ جَانِبِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَإِذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ كَانَ الْبِرُّ هُوَ الْأَصْلُ أَيْ مُوجِبَهُ الْأَصْلِيَّ لِأَنَّهُ هُوَ الْغَرَضُ مِنْ عَقْدِ الْيَمِينِ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْفَوَاتِ وَإِذَا كَانَ مَضْمُونًا بِهِ يَثْبُتُ لِلْمُعَلَّقِ فِي الْحَالِ شُبْهَةُ الْإِيجَابِ كَالْمَغْصُوبِ لَمَّا لَزِمَ الْغَاصِبَ رَدُّهُ وَصَارَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْفَوَاتِ ثَبَتَ شُبْهَةُ وُجُوبِ الْقِيمَةِ حَالَ قِيَامِ الْمَغْصُوبِ حَتَّى صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَالرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ بِالْمَغْصُوبِ وَحَتَّى لَمْ يَجِبْ عَلَى الْغَاصِبِ زَكَاةٌ قَدْرَ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ فِي مَالِهِ حَالَ قِيَامِهِ كَذَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الثِّقَاتِ.
وَكَذَا لَوْ أَدَّى الضَّمَانَ بِتَمَلُّكِهِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ وَلَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذِهِ الشُّبْهَةَ لَثَبَتَ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ الضَّمَانِ لَا مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا الْأَلْفَ فِي يَدِي غَصْبٌ غَصَبْتُهُ مِنْك يَقُولُ الْمُقَرُّ لَهُ: لَا بَلْ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ قَدْ قَبَضْتُهُ فَإِنَّهُ يُقْتَضَى عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الْأَلْفِ دَيْنًا وَاخْتَلَفَا فِي سَبَبِهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَقَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَدَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْغَصْبَ يُوجِبُ الضَّمَانَ بِنَفْسِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: هَذَا الْأَلْفُ وَدِيعَةٌ لَك عِنْدِي فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَا وَلَكِنْ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ فَأَنْكَرَ الْمُقِرُّ ذَلِكَ لَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ ضَمَانِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ مِلْكِ الْعَيْنِ مُوَافَقَةٌ بِوَجْهٍ فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ لِلضَّمَانِ شُبْهَةَ الثُّبُوتِ قَبْلَ فَوَاتِ الْمَضْمُونِ صَارَ لِلْجَزَاءِ هَاهُنَا وَهُوَ الطَّلَاقُ شُبْهَةُ الثُّبُوتِ وَشُبْهَةُ الشَّيْءِ لَا تَسْتَغْنِي عَنْ الْمَحَلِّ كَحَقِيقَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ شُبْهَةَ النِّكَاحِ لَا تَثْبُتُ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ وَشُبْهَةَ الْبَيْعِ لَا تَثْبُتُ فِي غَيْرِ الْمَالِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ دَلَالَةُ الدَّلِيلِ عَلَى الْمَدْلُولِ مَعَ تَخَلُّفِ الْمَدْلُولِ لِمَانِعٍ وَقَطُّ لَا يَدُلُّ دَلِيلٌ عَلَى مَدْلُولٍ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ دَلَالَةُ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِ الطَّلَاقِ فِي الْبَهِيمَةِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ فَإِذَا بَطَلَ الْمَحَلُّ بَطَلَ الْيَمِينُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ فِي إثْبَاتِ شُبْهَةِ الثُّبُوتِ لِلْجَزَاءِ أَنَّ الْبِرَّ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا لَكِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الِاحْتِرَازُ عَنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ أَوْ التَّحَرُّزُ عَنْ لُزُومِ الْجَزَاءِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاجِبٌ
فَيَصِيرُ قَدْرُ مَا ادَّعَيْنَا مِنْ الشُّبْهَةِ مُسْتَحَقًّا بِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْوُجُودِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ لِنَفْسِهِ ثَبَتَ لَهُ عَرَضِيَّةُ الْعَدَمِ وَالْجَزَاءُ حُكْمٌ يَلْزَمُ عِنْدَ فَوَاتِ الْبِرِّ فَإِذَا ثَبَتَ لِهَذَا الْبِرِّ عَرَضِيَّةُ الْعَدَمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ ثَبَتَ بِقَدْرِهِ عَرَضِيَّةُ الْوُجُودِ لِلْجَزَاءِ وَإِذَا ثَبَتَتْ عَرَضِيَّةُ الْوُجُودِ لِلْجَزَاءِ ثَبَتَتْ عَرَضِيَّةُ الْوُجُودِ لِسَبَبِهِ حَتَّى يَكُونَ الْمُسَبَّبُ ثَابِتًا عَلَى قَدْرِ السَّبَبِ وَعَرَضِيَّةُ السَّبَبِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَحَلٍّ تَبْقَى فِيهِ كَمَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَحَلٍّ تَنْعَقِدُ فِيهِ لِأَنَّ شُبْهَةَ الشَّيْءِ لَا تَثْبُتُ فِيمَا لَا تَثْبُتُ حَقِيقَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَشُبْهَةِ النِّكَاحِ لَا تَثْبُتُ فِي الْمَحَارِمِ عِنْدَهُمَا وَإِنَّمَا لَا نَشْتَرِطُ الْمِلْكَ لِلْبَقَاءِ كَمَا شَرَطْنَا الْحِلَّ أَنَّ الْمِلْكَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا عِنْدَ الْفِعْلِ وَقَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ عَدِمَ الْفِعْلُ فَلِهَذَا لَمْ نَشْتَرِطْ الْمِلْكَ وَفِي الِابْتِدَاءِ شَرَطْنَاهُ لِمَا ذَكَرْنَا.
ثُمَّ لَزِمَ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ ثُبُوتِ شُبْهَةِ الْإِيجَابِ فِي التَّعْلِيقِ وَاشْتِرَاطِ الْمَحَلِّيَّةِ لَهَا تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: فَأَمَّا تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ فَتَعْلِيقٌ بِمَا هُوَ عِلَّةُ مِلْكِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ مِلْكَ الطَّلَاقِ يُسْتَفَادُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ فَكَانَ النِّكَاحُ لِلطَّلَاقِ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَكَانَ لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَّةِ وَالْإِيجَابِ مَتَى عُلِّقَ بِحَقِيقَةِ الْعِلَّةِ يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ وَالْإِيجَابُ بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ أَعْتَقْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَالْإِيجَابُ إذَا عُلِّقَ بِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ يَبْطُلُ بِهِ شُبْهَةُ الْإِيجَابِ اعْتِبَارًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ أَصْلُ التَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْطُلُ بِالتَّعْلِيقِ بِحَقِيقَةِ الْعِلَّةِ وَالشُّبْهَةُ لَا تُمَاثِلُ الْحَقِيقَةَ وَنَظِيرُهُ ثُبُوتُ حُرْمَةِ حَقِيقَةِ الْفَضْلِ بِحَقِيقَةِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْكَيْلُ وَالْجِنْسُ وَثُبُوتُ حُرْمَةِ شُبْهَةِ الْفَضْلِ وَهِيَ النَّسِيئَةُ بِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ وَهِيَ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ وَعَدَمُ ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْفَضْلِ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ لِأَنَّ بِالشُّبْهَةِ لَا تَثْبُتُ الْحَقِيقَةُ وَإِذَا بَطَلَتْ شُبْهَةُ الْإِيجَابِ وَلَمْ يَبْطُلْ أَصْلُ التَّعْلِيقِ كَانَ التَّعْلِيقُ يَمِينًا مُجَرَّدَةً فَتَعَلَّقَتْ بِذِمَّةِ الْحَالِفِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهَا قِيَامُ مَحَلِّ الطَّلَاقِ وَلَا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَعْلِيقَ الشَّيْءِ بِعِلَّتِهِ يُوجِبُ بُطْلَانَهُ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ مَعَ أَنَّ التَّطْلِيقَ عِلَّةٌ لِلطَّلَاقِ لِأَنَّا نَقُولُ: الطَّلَاقُ مُتَعَدِّدٌ وَالتَّطْلِيقُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلْجَمِيعِ وَإِنَّمَا هُوَ عِلَّةٌ لِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالتَّطْلِيقِ تَعْلِيقُ الشَّيْءِ بِعِلَّتِهِ فَيَصِحُّ حَتَّى لَوْ نَوَى بِالتَّعْلِيقِ الطَّلَاقَ الَّذِي هُوَ مُوجِبٌ هَذَا التَّطْلِيقَ كَانَ التَّعْلِيقُ بَاطِلًا أَيْضًا وَلَمْ يَقَعْ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَكِنْ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي بِخِلَافِ تَعْلِيقِ الْحُرِّيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَعَدِّدَةٍ.
وَبِخِلَافِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّ النِّكَاحَ عِلَّةٌ لِمِلْكِ جَمِيعِ الطَّلْقَاتِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِالْعِلَّةِ أَوْ بِشُبْهَتِهَا لَا مَحَالَةَ فَيَصِيرُ قَدْرُ مَا ادَّعَيْنَا مِنْ الشُّبْهَةِ أَيْ شُبْهَةِ الثُّبُوتِ مُسْتَحَقًّا بِهِ أَيْ سَاقِطًا بِالتَّعْلِيقِ بِالنِّكَاحِ أَوْ مُعَارِضًا بِهِ وَكَأَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً نَظَرًا إلَى أَصْلِ التَّعْلِيقِ فَاسْتَحَقَّهَا التَّعْلِيقُ بِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ فَلَمْ تَبْقَ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ أَيْ بِمُعَارَضَةِ كَوْنِ التَّعْلِيقِ تَعْلِيقًا بِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّا قَدْ سَلَّمْنَا أَنَّ فِي التَّعْلِيقِ شُبْهَةَ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ وَأَنَّ الشُّبْهَةَ لِيُفْتَقَرَ إلَى الْمَحَلِّ كَالْحَقِيقَةِ وَأَنَّ بِفَوَاتِ الْمَحَلِّ يَبْطُلُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي بُطْلَانِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ يَبْطُلُ أَصْلُ التَّعْلِيقِ فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمِينٌ لَهُ تَعْلِيقٌ بِذِمَّةِ الْحَالِفِ وَهِيَ مَحَلُّهُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ شُبْهَةَ الْوُقُوعِ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَرْأَةِ فَإِذَا بَطَلَتْ الشُّبْهَةُ بِفَوَاتِ الْمَحَلِّ بَقِيَ أَصْلُ التَّعْلِيقِ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ وَهُوَ ذِمَّةُ الْحَالِفِ كَمَا قُلْتُمْ
فَتَسْقُطُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ وَمَسْأَلَةُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ الثُّلُثِ مَنْصُوصَةٌ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَفِي الْجَامِعِ أَيْضًا نَصٌّ فِي نَظِيرِهِ وَهُوَ الْعَتَاقُ.
ــ
[كشف الأسرار]
فِي التَّعْلِيقِ بِالنِّكَاحِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بَلْ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ ابْتِدَاءً بِدُونِ تَعَلُّقٍ لَهُ بِالْمَرْأَةِ لَأَنْ يَبْقَى بِدُونِ ذَلِكَ كَانَ أَوْلَى وَأَجَابَ الْإِمَامُ الْبُرْغَرِيُّ رحمه الله عَنْهُ فَقَالَ: صِحَّةُ الْيَمِينِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى حِلٍّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي الْمَرْأَةِ الْمُحَلَّلَةِ وَذَلِكَ لَمْ يَفُتْ بَلْ هُوَ بِعَرَضِ الْوُجُودِ فَصَحَّتْ الْيَمِينُ فَأَمَّا هَاهُنَا فَصِحَّةُ الْيَمِينِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحِلِّ الْقَائِمِ فِي الْحَالِّ وَقَدْ بَطَلَ.
وَهَذَا لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ لَمَّا لَمْ تُوجِدْ تَعْيِينَ الْحِلِّ الْقَائِمِ لِلْحَالِّ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا لِلْحَالِّ وَلَكِنَّهُ بِعَرَضِ أَنْ يَصِيرَ طَلَاقًا وَعَرَضِيَّةُ الطَّلَاقِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ فِي الْحَالِّ فَإِذَا بَطَلَ الْحِلُّ بَطَلَتْ الْعَرَضِيَّةُ فَتَبْطُلُ الْيَمِينُ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّا إنَّمَا أَثْبَتْنَا شُبْهَةَ ثُبُوتِ الْجَزَاءِ فِي الْحَالِّ تَأْكِيدًا لِكَوْنِ الْبِرِّ مَضْمُونًا وَذَلِكَ لِأَنَّ ضَمَانَ الْبِرِّ بِوُقُوعِ الْجَزَاءِ حَالَةَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَمَّا كَانَ بِالِاسْتِصْحَابِ لَا بِالتَّيَقُّنِ احْتَاجَ إلَى تَأْكِيدٍ لِيَلْتَحِقَ بِالْمُتَيَقَّنِ بِهِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الْحَالِّ وَفِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّأْكِيدِ لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِ الْجَزَاءِ حَالَةَ الشَّرْطِ لِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا بِمَا هُوَ عِلَّةُ مِلْكِ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ الْجَزَاءُ مَوْجُودًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا مَحَالَةَ فَيَصِيرُ قَدْرُ مَا ادَّعَيْنَا مِنْ الشُّبْهَةِ مُسْتَحَقًّا بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّعْلِيقِ أَيْ سَاقِطًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فَتَسْقُطُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ أَيْ بِمُعَارَضَةِ كَوْنِ الْبِرِّ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ يَقِينًا لِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا بِمَا لَهُ حُكْمُ الْعِلَّةِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ فَأَمَّا تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ فَصَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ وَالْمِلْكُ فِي الْحَالِّ مَوْجُودَيْنِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِعِلَّةِ مِلْكِ الطَّلَاقِ يَحْصُلُ فَائِدَةُ الْيَمِينِ وَهِيَ الْمَنْعُ لِكَوْنِ الْبِرِّ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ لَا مَحَالَةَ فَصَارَ مِثْلَ التَّعْلِيقِ بِغَيْرِ عِلَّةِ مِلْكِ الطَّلَاقِ حَالَ قِيَامِ الْحِلِّ وَالْمِلْكِ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ فِي حَالِ قِيَامِ الْمِلْكِ يَكُونُ الْبِرُّ مَضْمُونًا ظَاهِرًا غَالِبًا وَكَوْنُ الْبِرِّ مَضْمُونًا هَاهُنَا جَزْمِيٌّ فَكَانَ أَحَقَّ بِالصِّحَّةِ فَعَلَى هَذَا تَسْقُطُ الشُّبْهَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي التَّنَازُعِ فِيهِ وَهُوَ شُبْهَةُ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ يَلْزَمُ سُقُوطُ تِلْكَ الشُّبْهَةِ لِاسْتِحَالَةِ حَقِيقَةِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَالشُّبْهَةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ إمْكَانِ الْحَقِيقَةِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الشُّبْهَةِ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَحَقِيقَةُ التَّطْلِيقِ بِهِ مُمْكِنُ وَعَدِمَتْ الْحَقِيقَةُ بِالدَّلِيلِ فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ وَهُوَ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ فَتَسْقُطُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ يَعْنِي تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ يُوجِبُ سُقُوطَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ أَنَّ لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ شَبَهًا بِالْإِيجَابِ فَصَارَ هَذَا مُعَارِضًا لِلشُّبْهَةِ السَّابِقَةِ عَلَى الشَّرْطِ فَتَسْقُطُ وَقَوْلُهُ فَيَصِيرُ قَدْر مَا ادَّعَيْنَا مِنْ الشُّبْهَةِ مُسْتَحَقًّا بِهِ يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْبِرَّ مَضْمُونٌ جَزْمًا فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ تِلْكَ الشُّبْهَةِ سَابِقَةً عَلَى الشَّرْطِ.
وَاعْتُرِضَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا بِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِالظِّهَارِ أَوْ بِالْإِيلَاءِ فَقَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا يَبْطُلُ ذَلِكَ التَّعْلِيقُ حَتَّى لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَوُجِدَ الشَّرْطُ يُنْجِزُ الظِّهَارَ وَالْإِيلَاءَ فَأَجَابَ أَبُو الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيُّ رحمه الله عَنْهُ بِأَنَّ مَحَلَّ عَمَلِ الظِّهَارِ الرَّجُلُ فِي التَّحْقِيقِ وَهُوَ مَنْعُهُ عَنْ الْوَطْءِ وَالْمَحَلُّ بِحَالِهِ كَمَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ فَإِذَا كَانَ مَحَلُّ نُزُولِ حُكْمِ الظِّهَارِ قَائِمًا مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدٍ نَزَلَ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الظِّهَارَ لَا يُعْقَدُ لِإِبْطَالِ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ حَتَّى إذَا فَاتَ الْمَحَلُّ لَا يَبْقَى الظِّهَارُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَإِنَّمَا أَثَرُهُ فِي مَنْعِ الزَّوْجِ عَنْ الْوَطْءِ