المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَأَمَّا فِي فَلِلظَّرْفِ وَعَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا رحمهم الله وَلَكِنَّهُمْ - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ٢

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ)

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ قِسْمَانِ

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل عَامٌّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَعَامٌّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ مَا هُوَ فَرْدٌ وُضِعَ لِلْجَمْعِ

- ‌[أَنْوَاع الْعَامُّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ كَلِمَةُ كُلٍّ

- ‌[كَلِمَةُ الْجَمِيعِ]

- ‌كَلِمَةُ مَا

- ‌ كَلِمَةُ الَّذِي

- ‌ النَّكِرَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُ الْعُمُومِ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْعَامِّ مَعْنًى لَا صِيغَةً]

- ‌ لَامُ التَّعْرِيفِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْرِيفَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنَى الْعَهْدِ

- ‌[النَّكِرَةِ إذَا اتَّصَلَ بِهَا وَصْفٌ عَامٌّ]

- ‌ كَلِمَةُ أَيُّ

- ‌ النَّكِرَةُ الْمُفْرَدَةُ فِي مَوْضِعِ إثْبَاتٍ

- ‌[بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ]

- ‌(بَابُ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ) (وَالْمَجَازِ وَالصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌[تعارض الْحَقِيقَة وَالْمَجَاز]

- ‌طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ

- ‌ الِاتِّصَالَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ قِبَلِ حُكْمِ الشَّرْعِ يَصْلُحُ طَرِيقًا لِلِاسْتِعَارَةِ

- ‌[يُسْتَعَارَ الْأَصْلُ لِلْفَرْعِ وَالسَّبَبُ لِلْحُكْمِ]

- ‌ الِاسْتِعَارَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَعَانِي

- ‌[الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ]

- ‌ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ

- ‌إِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ

- ‌قَدْ يَتَعَذَّرُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُمْتَنِعًا

- ‌ الْكَلَامَ إذَا كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ

- ‌(بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ)

- ‌دَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ

- ‌ الثَّابِتُ بِسِيَاقِ النَّظْمِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ

- ‌(بَابُ حُرُوفِ) (الْمَعَانِي)

- ‌[معانى الْوَاوُ]

- ‌[معانى الْفَاءُ]

- ‌[معانى ثُمَّ]

- ‌[معانى بَلْ]

- ‌[معانى لَكِنْ]

- ‌[معانى أَوْ]

- ‌بَابُ حَتَّى) :

- ‌بَابُ حُرُوفِ الْجَرِّ)

- ‌[مَعْنَى الْبَاءُ]

- ‌[مَعْنَى عَلَى]

- ‌[مَعْنَى مِنْ]

- ‌[مَعْنَى إلَى]

- ‌[مَعْنَى فِي]

- ‌[حُرُوفِ الْقَسَمِ]

- ‌ اَيْمُ اللَّهِ

- ‌ أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ

- ‌ حُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌ حُرُوفِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ الصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌بَابُ وُجُوهِ) (الْوُقُوفِ عَلَى) (أَحْكَامِ النَّظْمِ)

- ‌مَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ وَأُرِيدَ بِهِ الْقَصْدُ أَوْ الْإِشَارَةُ

- ‌ دَلَالَةُ النَّصِّ

- ‌[دَلَالَة الْمُقْتَضِي]

- ‌الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ

- ‌ الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ

- ‌ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ

- ‌ الْعَامَّ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ

- ‌ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مُوجِبٌ الْعَدَمَ

- ‌ مَنْ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ

- ‌(بَابُ الْعَزِيمَةِ) (وَالرُّخْصَةِ)

- ‌[أَقْسَام الْعَزِيمَةُ]

- ‌[أَقْسَام الرُّخَصُ]

- ‌{بَابُ حُكْمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي أَضْدَادِهِمَا}

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ)

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الصَّوْمِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ

- ‌[سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ]

- ‌ سَبَبُ الْخَرَاجِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ

- ‌سَبَبُ الْكَفَّارَاتِ

- ‌سَبَبُ الْمُعَامَلَاتِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَقْسَامِ) (السُّنَّةِ)

- ‌(بَابُ الْمُتَوَاتِرِ)

- ‌(بَابُ الْمَشْهُورِ)

- ‌(بَابُ خَبَرِ الْوَاحِدِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الرَّاوِي الَّذِي جُعِلَ خَبَرُهُ حُجَّةً)

- ‌[الرَّاوِي الْمَعْرُوفُ]

- ‌[الرَّاوِي الْمَجْهُولُ]

- ‌بَابُ بَيَانِ شَرَائِطِ الرَّاوِي)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ شُرُوطِ الرَّاوِي وَتَقْسِيمِهَا]

الفصل: وَأَمَّا فِي فَلِلظَّرْفِ وَعَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا رحمهم الله وَلَكِنَّهُمْ

وَأَمَّا فِي فَلِلظَّرْفِ وَعَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا رحمهم الله وَلَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي حَذْفِهِ وَإِثْبَاتِهِ فِي ظُرُوفِ الزَّمَانِ وَهُوَ أَنْ تَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ وَقَالَاهُمَا سَوَاءٌ وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا نَوَى آخِرَ النَّهَارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَوْضِعِهِ أَنَّ حَرْفَ الظَّرْفِ إذَا سَقَطَ اتَّصَلَ الطَّلَاقُ بِالْغَدِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَيَقَعُ فِي كُلِّهِ فَيَتَعَيَّنُ وَلَهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي التَّأْخِيرِ وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ حَرْفُ الظَّرْفِ صَارَ مُضَافًا إلَى جُزْءٍ مِنْهُ مُبْهَمٍ فَيَكُونُ نِيَّتُهُ بَيَانًا لِمَا أَبْهَمَهُ فَيُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ إنْ صُمْت الدَّهْرَ فَعَلَيَّ كَذَا أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ وَإِنْ صُمْت فِي الدَّهْرِ يَقَعُ عَلَى سَاعَةٍ وَإِذَا أُضِيفَ إلَى الْمَكَانِ فَقِيلَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَكَانِ كَذَا وَقَعَ لِلْحَالِ

ــ

[كشف الأسرار]

لِأَنَّهُ إخْبَارٌ فَيَنْتَهِي صِحَّتُهُ عَلَى ثُبُوتِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَثُبُوتُ تِسْعَةٍ لَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْعَاشِرِ لِيَدْخُلَ تَحْتَهُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى ظَاهِرِهِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.

[مَعْنَى فِي]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا فِي فَلِلظَّرْفِ) هَذِهِ الْكَلِمَةُ تَجْعَلُ مَا تَدْخُلُ هِيَ عَلَيْهِ ظَرْفًا لِمَا قَبْلَهَا وَوِعَاءً لَهُ فَإِذَا قُلْت الْخُرُوجُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَخْبَرْت أَنَّ الْيَوْمَ قَدْ اشْتَمَلَ عَلَى الْخُرُوجِ وَصَارَ وِعَاءً لَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُك الرَّكْضُ فِي الْمَيْدَانِ وَزَيْدٌ فِي الدَّارِ هَذَا أَصْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ ثُمَّ قِيلَ زَيْدٌ يَنْظُرُ فِي الْعِلْمِ وَأَنَا فِي حَاجَتِك مَجَازًا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْعِلْمَ جُعِلَ وِعَاءً لِنَظَرِهِ وَتَأَمُّلِهِ وَعَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا صَرَفَ الْعِنَايَةَ إلَى حَاجَتِهِ صَارَتْ كَأَنَّهَا قَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ لِغَلَبَتِهَا عَلَى قَلْبِهِ وَهَمِّهِ وَعَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا أَيْ عَلَى أَنَّهَا لِلظَّرْفِ بُنِيَتْ مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا فَإِذَا قَالَ غَصَبْتُك ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ أَوْ تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ يَلْزَمُهُ كِلَاهُمَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبِ مَظْرُوفٍ فِي ظَرْفٍ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِغَصْبِهِ إيَّاهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُمَا سَوَاءٌ أَيْ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَأَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ حَتَّى لَوْ نَوَى آخِرَ النَّهَارِ فِي قَوْلِهِ فِي غَدٍ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّ حَذْفَ حَرْفِ فِي وَإِثْبَاتِهِ فِي الْكَلَامِ سَوَاءٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ خَرَجْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَوْلِهِ خَرَجْت فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَسَكَنْت الدَّارَ وَسَكَنْت فِي الدَّارِ وَقَدْ أَجْمَعْنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ غَدًا وَنَوَى آخِرَ النَّهَارِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً فَكَذَا إذَا قَالَ فِي غَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ غَدًا مَعْنَاهُ فِي غَدٍ إلَّا أَنَّهُ حَذَفَ عَنْهُ حَرْفَ الظَّرْفِ اخْتِصَارًا فَكَانَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْحُكْمِ. وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِيمَا إذَا نَوَى آخِرَ النَّهَارِ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ فِي غَدٍ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَفِي قَوْلِهِ غَدًا يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً.

عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَوْضِعِهِ أَيْ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمَبْسُوطِ أَنَّ الظَّرْفَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْفِعْلُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ اقْتَضَى اسْتِيعَابَهُ إنْ أَمْكَنَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شَابَهَ الْمَفْعُولَ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ مَعْمُولًا لِلْفِعْلِ وَمَنْصُوبًا بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اتَّسَعَ فِي مِثْلِ هَذَا الظَّرْفِ وَلَمْ يُقَدَّرْ فِيهِ حَرْفَ فِي أَخَذَ حُكْمَ الْمَفْعُولِ بِهِ حَتَّى إذَا أَخْبَرْت عَنْهُ بِاَلَّذِي عَمِلْت بِهِ مَا عَمِلْت بِالْمَفْعُولِ بِهِ فَقُلْت فِي مِثْلِ قَوْلِك مُتَّسَعًا سِرْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ الَّذِي سِرْته يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَمَا تَقُولُ الَّذِي ضَرَبْته زَيْدٌ وَلَمْ يَقُلْ الَّذِي سِرْت فِيهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْفِعْلُ بِوَاسِطَةِ حَرْفِ الظَّرْفِ اقْتَضَى وُقُوعَهُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الظَّرْفِيَّةِ الِاسْتِيعَابُ. وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ قُلْنَا إذَا قَالَ غَدًا وَنَوَى آخِرَ النَّهَارِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً لِأَنَّ الطَّلَاقَ اتَّصَلَ بِالْغَدِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَاقْتَضَى اسْتِيعَابَ الْغَدِ أَعْنِي كَوْنَهَا مَوْصُوفَةً بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا فِي أَوَّلِهِ لِيَحْصُلَ الِاسْتِيعَابُ فَإِذَا نَوَى آخِرَ النَّهَارِ فَقَدْ غَيَّرَ مُوجِبَ كَلَامِهِ إلَى مَا هُوَ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَكِنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ فِي غَدٍ فَمُوجِبُ كَلَامِهِ الْوُقُوعُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْغَدِ مُبْهَمٍ وَإِلَيْهِ وِلَايَةُ التَّعْيِينِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ فَإِذَا نَوَى آخِرَ النَّهَارِ كَانَتْ نِيَّتُهُ تَعْيِينًا لِمَا أَبْهَمَهُ لَا تَغْيِيرًا لِلْحَقِيقَةِ فَيُصَدَّقُ قَضَاءً كَمَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَإِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَانَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِعَدَمِ الْمُزَاحَمِ وَالسَّبْقِ فَلِذَلِكَ يَقَعُ فِيهِ.

ثُمَّ اسْتَوْضَحَ مَا ذَكَرَ مِنْ الْفَرْقِ فَقَالَ وَذَلِكَ أَيْ الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرْنَا مِثْلُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ صُمْت الدَّهْرَ فَكَذَا. كَانَ شَرْطُ الْحِنْثِ صَوْمَ جَمِيعِ الْعُمُرِ وَلَوْ قَالَ: إنْ صُمْت فِي الدَّهْرِ كَانَ شَرْطُ الْحِنْثِ صَوْمَ سَاعَةٍ مَعْنَاهُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ إلَى اللَّيْلِ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ يُفْطِرُ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلِهِ (وَإِذَا أُضِيفَ)

ص: 181

إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ إضْمَارُ الْفِعْلِ فَيَصِيرُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَقَدْ يُسْتَعَارُ هَذَا الْحَرْفُ لِلْمُقَارَنَةِ إذَا نُسِبَ إلَى الْفِعْلِ فَقِيلَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا وَفِي الظَّرْفِ مَعْنَى الْمُقَارَنَةِ فَجُعِلَ مُسْتَعَارًا بِمَعْنَاهُ فَصَارَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَعَلَى هَذَا مَسَائِلُ الزِّيَادَاتِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ وَأَخَوَاتُهُمَا فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ

ــ

[كشف الأسرار]

أَيْ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى الْمَكَانِ بِأَنْ قِيلَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ أَوْ فِي الظِّلِّ أَوْ فِي الشَّمْسِ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ حَيْثُمَا كَانَتْ لِأَنَّ الْمَكَانَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ إذْ الظَّرْفُ لِلشَّيْءِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ لَهُ وَمَا كَانَ وَصْفًا لِلشَّيْءِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلتَّخْصِيصِ وَالْمَكَانُ لَا يَصْلُحُ مُخَصَّصًا لِلطَّلَاقِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي مَكَان كَانَ وَاقِعًا فِي الْأَمْكِنَةِ كُلِّهَا وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا اتَّصَفَتْ بِهِ فِي مَكَان تُوصَفُ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَمْكِنَةِ وَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ مُخَصَّصًا لَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَهُوَ مَوْجُودٌ كَانَ تَنْجِيزًا أَيْضًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ. بِخِلَافِ إضَافَتِهِ إلَى الزَّمَانِ لِأَنَّ الزَّمَانَ يَصْلُحُ مُخَصِّصًا لَهُ إذْ الطَّلَاقُ يَكُونُ وَاقِعًا فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَإِذَا أَضَافَهُ إلَى زَمَانٍ مَعْدُومٍ فِي الْحَالِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بِمَعْنَى الْمُعَلَّقِ بِهِ فَلَا يَقَعُ فِي الْحَالِ. أَلَا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَوْ بِقَوْلِهِ فِي الدَّارِ مَثَلًا إضْمَارُ الْفِعْلِ بِأَنْ أُرِيدَ بِهِ فِي دُخُولِك الدَّارَ فَحِينَئِذٍ لَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَحَلَّ وَإِرَادَتُهُ الْفِعْلُ الْحَالُ فِيهِ. أَوْ ذَكَرَ الْمُسَبَّبَ وَأَرَادَ بِهِ السَّبَبَ إذْ الدُّخُولُ فِي الدَّارِ سَبَبُ كَيْنُونَتِهَا فِيهَا وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ فَكَانَ مَا نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ إرَادَتُهُ وَصَارَ الدُّخُولُ مُضْمَرًا فِي الْكَلَامِ وَإِذَا صَارَ مُضْمَرًا كَانَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ. إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ عَلَى مَعْنَى أَنْ يَكُونَ شَاغَلَا لَهُ لِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ فِي فَيُجْعَلُ مُسْتَعَارًا لِمَعْنَى الْمُقَارَنَةِ لِأَنَّ فِي الظَّرْفِ مَعْنَى الْمُقَارَنَةِ إذْ مِنْ قَضِيَّتِهِ الِاحْتِوَاءُ عَلَى الْمَظْرُوفِ فَيُقَارِنُهُ بِجَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ فَصَارَ بِمَعْنَى مَعَ فَيَتَعَلَّقُ وُجُودُ الطَّلَاقِ بِوُجُودِ الدُّخُولِ لِأَنَّ قِرَانَ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي وُجُودَهُ ضَرُورَةً فَكَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ تَعَلُّقُهُ بِوُجُودِ الدُّخُولِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَرْطًا مَحْضًا لِأَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ مَعَ الدُّخُولِ لَا بَعْدَهُ فَلِهَذَا قَالَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُجْعَلُ مُسْتَعَارًا لِمَعْنَى الشَّرْطِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الظَّرْفِ وَالشَّرْطِ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فَيَتَعَلَّقُ الْجَزَاءُ بِهِ فَعَلَى هَذَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الدُّخُولِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك فَتَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ كَمَا لَوْ قَالَ مَعَ نِكَاحِك وَلَوْ جُعِلَ مُسْتَعَارًا لِلشَّرْطِ لَطَلُقَتْ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك إلَيْهِ أَشَارَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ رحمه الله. وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِمَعْنَاهُ رَاجِعٌ إلَى مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ ضَمِيرُ جَعَلَ وَهُوَ حَرْفُ فِي وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ جُعِلَ حَرْفُ فِي مُسْتَعَارًا لِمَعْنَى الْمُقَارَنَةِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ. أَوْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمُقَارَنَةِ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ جَعَلَ حَرْفَ فِي مُسْتَعَارًا لِمَعْنَى الْمُقَارَنَةِ. وَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى أَنَّ فِي تَصِيرُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ بُنِيَتْ مَسَائِلُ فِي الزِّيَادَاتِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ فِي إرَادَتِهِ أَوْ فِي رِضَاهُ أَوْ فِي مَحَبَّتِهِ أَوْ فِي أَمْرِهِ وَفِي إذْنِهِ أَوْ فِي حُكْمِهِ أَوْ فِي قُدْرَتِهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَصْلًا إلَّا فِي عِلْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ حَقِيقَةُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ بِأَنْ صَحِبَتْ الْأَفْعَالَ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعْلِيقِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالِ وَالْمُقَارَنَةِ غَيْرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى التَّعْلِيقِ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِالْوُجُودِ وَبِضِدِّهِ لِيَصِيرَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا وَالْمَشِيئَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالرِّضَاءُ وَالْمَحَبَّةُ مِمَّا يَصِحُّ وَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، وَبِضِدِّهِ

ص: 182

إلَّا فِي عِلْمِ اللَّهِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَعْلُومِ وَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا بَلْ يَسْتَحِيلُ وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ وَأَضْمَرَ الدُّخُولَ صُدِّقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِيرُ بِمَعْنَى مَا قُلْنَا وَعَلَى هَذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلظَّرْفِ فَلَغْوٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ مَعْنَى مَعَ أَوْ وَاوِ الْعَطْفِ فَيُصَدَّقُ لِمَا قُلْنَا إنَّ فِي الظَّرْفِ مَعْنَى الْمُقَارَنَةِ فَيَصِيرُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ مُنَاسِبًا لَمَعَ وَلِلْعَطْفِ فَيَلْزَمُهُ عِشْرُونَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي وَاحِدَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى مَعْنَى مَعَ وَقَعَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ نَوَى الْوَاوَ وَقَعَتْ وَاحِدَةً.

وَمِنْ ذَلِكَ حُرُوفِ الْقَسَمِ وَهِيَ الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ وَمَا وُضِعَ لِذَلِكَ وَهُوَ اَيْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَهُوَ لَعَمْرُ اللَّهِ فَأَمَّا الْبَاءُ فَهِيَ لِلْإِلْصَاقِ وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى فِعْلٍ مَحْذُوفٍ مَعْنَاهُ أَقْسِمُ لَهُ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ

ــ

[كشف الأسرار]

فَإِنَّهُ يَصِحُّ شَاءَ اللَّهُ كَذَا وَلَمْ يَشَأْ كَذَا وَأَرَادَ وَلَمْ يُرِدْ وَأَحَبَّ وَلَمْ يُحِبَّ وَكَذَا الْأَمْرُ وَالرِّضَاءُ وَالْحُكْمُ وَالْإِذْنُ فَكَانَ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا تَعْلِيقًا وَالتَّعْلِيقُ بِهَا بِحَقِيقَةِ الشَّرْطِ إبْطَالٌ لِلْإِيجَابِ فَكَذَا هَذَا، أَمَّا الْعِلْمُ فَلَا يَصِحُّ وَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِضِدِّهِ لِأَنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [سبأ: 3] فَكَانَ التَّعْلِيقُ بِهِ تَحْقِيقًا وَتَنْجِيزًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ.

وَيُشْكِلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا الْقُدْرَةُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ تَعَالَى بِضِدِّهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ هَاهُنَا بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ وَقُرِئَ قَوْله تَعَالَى. {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} [المرسلات: 23] . بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} [النمل: 57] . وَالتَّقْدِيرُ مِمَّا يَصِحُّ وَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَبِضِدِّهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ قَدَّرَ اللَّهُ كَذَا وَلَا يُقَدِّرُ كَذَا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهَا قَوْلُهُ (إلَّا فِي عِلْمِ اللَّهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَقَعُ. لِأَنَّهُ أَيْ الْعِلْمَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَعْلُومِ اسْتِعْمَالًا شَائِعًا يُقَالُ اغْفِرْ اللَّهُمَّ عِلْمَكَ فِينَا أَيْ مَعْلُومَك وَيُقَالُ عِلْمُ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُرَادُ مَعْلُومُهُ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ بِعِلْمِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِذَا كَانَ مُسْتَعْمَلًا بِمَعْنَى الْمَعْلُومِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُجْعَلَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَكُونُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَمَعْلُومُ اللَّهِ تَعَالَى مُتَحَقِّقٌ لَا مَحَالَةَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ وَاقِعًا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَعْلُومَ اللَّهِ تَعَالَى ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الطَّلَاقُ فِي مَعْلُومِهِ أَنْ لَوْ كَانَ وَاقِعًا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا لَكَانَ عَدَمُهُ فِي مَعْلُومِهِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.

فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ لَمْ يُطَلِّقْ وَقَدْ يَسْتَعْمِلُ الْقُدْرَةَ بِمَعْنَى الْمَقْدُورِ فَقَدْ يَقُولُ مَنْ يَسْتَعْظِمُ شَيْئًا هَذَا قُدْرَةُ اللَّهِ. قُلْنَا مَعْنَى هَذَا اسْتِعْمَالُ أَنَّهُ أَثَرُ قُدْرَةِ اللَّهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُقَامُ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَ الْمُضَافِ فَفُهِمَ الْمَقْدُورُ مِنْ الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ لَا مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَمِثْلُهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعِلْمِ إذْ الْقُدْرَةُ مِنْ الْمُؤْثَرَاتِ بِخِلَافِ الْعِلْمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَعْلُومٌ لَنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ اللَّهُ مَقْدُورُنَا قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَرْفَ يُسْتَعَارُ لِلْمُقَارَنَةِ حُمِلَ عَلَى مَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ النِّيَّةِ فَإِذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي عَشْرَةِ دَرَاهِمَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَعْنِيَ مَعْنَى مَعَ فَيَلْزَمُهُ عِشْرُونَ. وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ بِكُلِّ حَالٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ فِي الْعَشَرَةِ فِي مُتَعَارَفِ الْحِسَابِ مِائَةٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا. إلَّا أَنَّا نَقُولُ أَثَّرَ الضَّرْبُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ إلَّا فِي زِيَادَةِ الْمَالِ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَزْنًا وَإِنْ تَكْثُرْ أَجْزَاؤُهَا لَا تَصِيرُ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةٍ. وَزُفَرُ رحمه الله يَقُولُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ هَذَا الْحَرْفِ لِأَنَّ الْعَدَدَ لَا يَكُونُ ظَرْفًا لِمِثْلِهِ بِلَا شُبْهَةٍ حُمِلَ عَلَى مَعَ أَوْ وَاوِ الْعَطْفِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ فِي الظَّرْفِ مَعْنَى الْمُقَارَنَةِ وَالْجَمْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ مَعَهُمْ.

وَإِنَّا نَقُولُ جِهَةُ الْمَجَازِ هَاهُنَا مُتَعَدِّدَةٌ فَإِنَّ فِي قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى عَلَى وَبِمَعْنَى مِنْ كَمَا يَكُونُ بِمَعْنَى مَعَ قَالَ تَعَالَى إخْبَارًا {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] . أَيْ عَلَيْهَا وَقَالَ عَزَّ اسْمُهُ {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} [النساء: 5] . أَيْ مِنْهَا وَلَيْسَ أَحَدُ الْوُجُوهِ أَوْلَى مِنْ الْبَاقِي فَيَعْتَبِرُ أَوَّلَ كَلَامِهِ فَيَلْزَمُهُ عَشْرَةٌ وَيَلْغُو آخِرَهُ. إلَّا أَنْ يَقُولَ عَنَيْت هَذِهِ وَهَذِهِ فَحِينَئِذٍ يُعْمِلُ بَيَانَهُ لِأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ بِمَعْنَى مَعَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ فَيُصَدَّقُ. وَلَا يُقَالُ مَعْنَى عَلَى أَوْ مِنْ لَا يَسْتَقِيمُ هَاهُنَا إذْ لَا يُقَالُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ عَلَيَّ عَشْرَةٌ وَلَا عَلَيَّ عَشْرَةٌ

ص: 183