المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَأَمَّا الْمَجْهُولُ فَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ الْمَجْهُولَ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِأَنْ - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ٢

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ)

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ قِسْمَانِ

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل عَامٌّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَعَامٌّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ مَا هُوَ فَرْدٌ وُضِعَ لِلْجَمْعِ

- ‌[أَنْوَاع الْعَامُّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ كَلِمَةُ كُلٍّ

- ‌[كَلِمَةُ الْجَمِيعِ]

- ‌كَلِمَةُ مَا

- ‌ كَلِمَةُ الَّذِي

- ‌ النَّكِرَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُ الْعُمُومِ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْعَامِّ مَعْنًى لَا صِيغَةً]

- ‌ لَامُ التَّعْرِيفِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْرِيفَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنَى الْعَهْدِ

- ‌[النَّكِرَةِ إذَا اتَّصَلَ بِهَا وَصْفٌ عَامٌّ]

- ‌ كَلِمَةُ أَيُّ

- ‌ النَّكِرَةُ الْمُفْرَدَةُ فِي مَوْضِعِ إثْبَاتٍ

- ‌[بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ]

- ‌(بَابُ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ) (وَالْمَجَازِ وَالصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌[تعارض الْحَقِيقَة وَالْمَجَاز]

- ‌طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ

- ‌ الِاتِّصَالَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ قِبَلِ حُكْمِ الشَّرْعِ يَصْلُحُ طَرِيقًا لِلِاسْتِعَارَةِ

- ‌[يُسْتَعَارَ الْأَصْلُ لِلْفَرْعِ وَالسَّبَبُ لِلْحُكْمِ]

- ‌ الِاسْتِعَارَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَعَانِي

- ‌[الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ]

- ‌ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ

- ‌إِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ

- ‌قَدْ يَتَعَذَّرُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُمْتَنِعًا

- ‌ الْكَلَامَ إذَا كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ

- ‌(بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ)

- ‌دَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ

- ‌ الثَّابِتُ بِسِيَاقِ النَّظْمِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ

- ‌(بَابُ حُرُوفِ) (الْمَعَانِي)

- ‌[معانى الْوَاوُ]

- ‌[معانى الْفَاءُ]

- ‌[معانى ثُمَّ]

- ‌[معانى بَلْ]

- ‌[معانى لَكِنْ]

- ‌[معانى أَوْ]

- ‌بَابُ حَتَّى) :

- ‌بَابُ حُرُوفِ الْجَرِّ)

- ‌[مَعْنَى الْبَاءُ]

- ‌[مَعْنَى عَلَى]

- ‌[مَعْنَى مِنْ]

- ‌[مَعْنَى إلَى]

- ‌[مَعْنَى فِي]

- ‌[حُرُوفِ الْقَسَمِ]

- ‌ اَيْمُ اللَّهِ

- ‌ أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ

- ‌ حُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌ حُرُوفِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ الصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌بَابُ وُجُوهِ) (الْوُقُوفِ عَلَى) (أَحْكَامِ النَّظْمِ)

- ‌مَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ وَأُرِيدَ بِهِ الْقَصْدُ أَوْ الْإِشَارَةُ

- ‌ دَلَالَةُ النَّصِّ

- ‌[دَلَالَة الْمُقْتَضِي]

- ‌الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ

- ‌ الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ

- ‌ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ

- ‌ الْعَامَّ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ

- ‌ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مُوجِبٌ الْعَدَمَ

- ‌ مَنْ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ

- ‌(بَابُ الْعَزِيمَةِ) (وَالرُّخْصَةِ)

- ‌[أَقْسَام الْعَزِيمَةُ]

- ‌[أَقْسَام الرُّخَصُ]

- ‌{بَابُ حُكْمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي أَضْدَادِهِمَا}

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ)

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الصَّوْمِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ

- ‌[سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ]

- ‌ سَبَبُ الْخَرَاجِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ

- ‌سَبَبُ الْكَفَّارَاتِ

- ‌سَبَبُ الْمُعَامَلَاتِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَقْسَامِ) (السُّنَّةِ)

- ‌(بَابُ الْمُتَوَاتِرِ)

- ‌(بَابُ الْمَشْهُورِ)

- ‌(بَابُ خَبَرِ الْوَاحِدِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الرَّاوِي الَّذِي جُعِلَ خَبَرُهُ حُجَّةً)

- ‌[الرَّاوِي الْمَعْرُوفُ]

- ‌[الرَّاوِي الْمَجْهُولُ]

- ‌بَابُ بَيَانِ شَرَائِطِ الرَّاوِي)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ شُرُوطِ الرَّاوِي وَتَقْسِيمِهَا]

الفصل: وَأَمَّا الْمَجْهُولُ فَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ الْمَجْهُولَ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِأَنْ

وَأَمَّا الْمَجْهُولُ فَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ الْمَجْهُولَ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِأَنْ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا بِحَدِيثٍ أَوْ بِحَدِيثَيْنِ مِثْلُ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ

ــ

[كشف الأسرار]

وَالْأَنْصَارِ وَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْهُ فَلَا وَجْهَ إلَى رَدِّ حَدِيثِهِ بِالْقِيَاسِ.

[الرَّاوِي الْمَجْهُولُ]

، قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمَجْهُولُ) إلَى آخِرِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ عَامَّةَ السَّلَفِ وَجَمَاهِيرَ الْخَلَفِ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَالَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُمْ ثَبَتَتْ بِتَعْدِيلِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُمْ وَثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ فِي آيٍ كَثِيرَةٍ مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100] الْآيَةَ وَقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29] وَقَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] فِي شَوَاهِدَ لَهَا كَثِيرَةٍ وَبِقَوْلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا اهْتِدَاءَ مِنْ غَيْرِ عَدَالَةٍ وَقَوْلُهُ عليه السلام «لَا تَذْكُرُوا أَصْحَابِي إلَّا بِخَيْرٍ فَلَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ» .

وَقَوْلُهُ عليه السلام «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَ لِي أَصْحَابًا وَأَصْهَارًا وَأَنْصَارًا» وَاخْتِيَارُ اللَّهِ عز وجل لَا يَكُونُ لِمَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَلَا تَعْدِيلَ أَعْلَى مِنْ تَعْدِيلِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ وَتَعْدِيلِ رَسُولِهِ كَيْفَ وَلَوْ لَمْ يَرِدْ الثَّنَاءُ لَكَانَ مَا اُشْتُهِرَ وَتَوَاتَرَ مِنْ حَالِهِمْ فِي الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ وَبَذْلِهِمْ الْجُهْدَ وَالْأَمْوَالَ وَقَتْلِهِمْ الْآبَاءَ وَالْأَوْلَادَ فِي مُوَالَاةِ الرَّسُولِ وَنُصْرَتِهِ كَافِيًا فِي الْقَطْعِ بِعَدَالَتِهِمْ.

وَأَمَّا مَا جَرَى بَيْنَهُمْ مِنْ الْفِتَنِ فَبِنَاءً عَلَى التَّأْوِيلِ وَالِاجْتِهَادِ فَإِنَّ كُلَّ فَرِيقٍ ظَنَّ أَنَّ الْوَاجِبَ مَا صَارَ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ أَوْفَقَ لِلدِّينِ وَأَصْلَحَ لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ طَعْنًا فِيهِمْ وَلَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ فَذَهَبَ عَامَّةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ عليه السلام لَحْظَةً فَهُوَ صَحَابِيٌّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَقٌّ مِنْ الصُّحْبَةِ وَهِيَ تَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ إلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِمَنْ اخْتَصَّ بِالنَّبِيِّ عليه السلام وَطَالَتْ صُحْبَتُهُ مَعَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّتَبُّعِ لَهُ وَالْأَخْذِ مِنْهُ؛ وَلِهَذَا لَا يُوصَفُ مَنْ جَالَسَ عَالِمًا سَاعَةً بِأَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَذَا إذَا أَطَالَ الْمُجَالَسَةَ مَعَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِ التَّتَبُّعِ لَهُ وَالْأَخْذِ عَنْهُ.

وَكَذَا لَوْ حَلَفَ زَيْدٌ أَنَّهُ لَيْسَ صَاحِبَ عَمْرٍو وَقَدْ صَحِبَهُ لَحْظَةً لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الْغَزَالِيُّ رحمه الله الِاسْمُ لَا يَنْطَلِقُ إلَّا عَلَى مَنْ صَحِبَهُ ثُمَّ يَكْفِي لِلِاسْمِ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ الصُّحْبَةُ وَلَوْ سَاعَةً، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ تُخَصِّصُ الِاسْمَ بِمَنْ كَثُرَتْ صُحْبَتُهُ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ وَالنَّقْلِ الصَّحِيحِ، وَلَا حَدَّ لِتِلْكَ الْكَثْرَةِ بِتَقْدِيرٍ بَلْ بِتَقْرِيبٍ قُلْت وَسَمِعْت عَنْ شَيْخِي رحمه الله أَنَّ أَدْنَاهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ لِأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: الصَّحَابَةُ لَا نَعُدُّهُمْ إلَّا مَنْ أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ وَغَزَا مَعَهُ غَزْوَةً أَوْ غَزْوَتَيْنِ وَإِذَا عَرَفْت هَذَا عَلِمْت أَنَّ الْمَجْهُولَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَاتُهُ إلَّا بِرِوَايَةٍ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ رَوَاهُ وَلَمْ يُعْرَفْ عَدَالَتُهُ، وَلَا فِسْقُهُ، وَلَا طُولُ صُحْبَتِهِ وَقَدْ عُرِفَتْ عَدَالَةُ الصَّحَابَةِ وَاشْتُهِرَ طُولُ صُحْبَتِهِمْ فَكَيْفَ يَكُونُ هُوَ دَاخِلًا فِيهِمْ وَعَلِمْت أَنَّ وَابِصَةَ وَسَلَمَةَ وَمَعْقِلًا، وَإِنْ رَأَوْا النَّبِيَّ عليه السلام وَرَوَوْا عَنْهُ لَا يُعَدُّونَ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْأُصُولِيُّونَ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ طُولِ صُحْبَتِهِمْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله؛ وَإِنَّمَا نَعْنِي بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْ بِالْمَجْهُولِ مَنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِطُولِ الصُّحْبَةِ مَعَ الرَّسُولِ عليه السلام؛ وَإِنَّمَا

ص: 384

وَسَلَمَةَ بْنُ الْمُحَبِّقِ وَمَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ فَإِنْ رَوَى عَنْهُ السَّلَفُ وَشَهِدُوا لَهُ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ صَارَ حَدِيثُهُ مِثْلَ حَدِيثِ الْمَعْرُوفِ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ الطَّعْنِ بَعْدَ النَّقْلِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ بَيَانٌ، وَلَا يُتَّهَمُ السَّلَفُ بِالتَّقْصِيرِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ مَعَ نَقْلِ الثِّقَاتِ عَنْهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا مِثْلُ حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ أَبِي مُحَمَّدٍ الْأَشْجَعِيِّ فِي حَدِيثِ «بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ الْأَشْجَعِيَّةِ أَنَّهُ مَاتَ عَنْهَا هِلَالُ بْنُ أَبِي مُرَّةَ وَلَمْ يَكُنْ فَرَضَ لَهَا وَلَا دَخَلَ بِهَا فَقَضَى لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَهْرِ مِثْلِ نِسَائِهَا» فَعَمِلَ بِحَدِيثِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه

ــ

[كشف الأسرار]

عُرِفَ بِمَا رَوَى مِنْ حَدِيثٍ أَوْ حَدِيثَيْنِ.

وَإِنَّمَا فَسَّرَ الشَّيْخُ الْمَجْهُولَ بِقَوْلِهِ: نَعْنِي بِهِ الْمَجْهُولَ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَجْهُولَ النَّسَبِ وَتِلْكَ الْجَهَالَةُ مَانِعَةٌ عَنْ الْقَبُولِ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَانِعَةً عِنْدَ عَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ فَكَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْهَا وَسَلَمَةُ بْنُ الْمُحَبِّقِ بِكَسْرِ الْبَاءِ لَا غَيْرُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَاسْمُ الْمُحَبِّقِ صَخْرُ بْنُ الْبُلَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ وَيُقَالُ سَلَمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُحَبِّقِ نُسِبَ إلَى جَدِّهِ رَوَى عَنْ «النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ فَإِنْ طَاوَعَتْهُ فَهِيَ لَهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا، وَإِنْ اسْتَكْرَهَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا» وَلَمْ نَعْمَلْ بِهَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ يَرُدُّهُ وَهُوَ كَالْمُخَالِفِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ كَحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ.

وَمَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَكِلَاهُمَا مِمَّنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ مِنْ مُزَيْنَةِ مُضَرَ وَهُوَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ سَكَنَ الْبَصْرَةَ مَاتَ فِي وِلَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فِي آخَرِ سِنِي مُعَاوِيَةَ وَمَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ مِنْ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ أَبِي مُحَمَّدٍ وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام سَكَنَ الْكُوفَةَ وَقُتِلَ يَوْمَ الْحَرَّةِ بِالْمَدِينَةِ صَبْرًا سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَوَابِصَةُ وَهُوَ ابْنُ مَعْبَدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ كَعْب نَزَلَ الْكُوفَةَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْجَزِيرَةِ وَبِهَا مَاتَ.

وَعَنْ وَابِصَةَ أَنَّ «رَجُلًا صَلَّى خَلْفَ الصُّفُوفِ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ عليه السلام أَنْ يُعِيدَ» وَقَوْلُهُ وَشَهِدُوا لَهُ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ رِوَايَتَهُمْ عَنْهُ لِلْقَبُولِ وَالْعَمَلِ بِهِ لَا لِلرَّدِّ عَلَيْهِ صَارَ حَدِيثُهُ مِثْلَ حَدِيثِ الْمَعْرُوفِ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ يَعْنِي مِثْلَ حَدِيثِ الْمَعْرُوفِ بِالْفِقْهِ وَالْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ فَيُقْبَلُ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ فِقْهٍ وَضَبْطٍ وَتَقْوَى وَلَمْ يُتَّهَمُوا بِالتَّقْصِيرِ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَكَانُوا لَا يَقْبَلُونَ الْحَدِيثَ حَتَّى يَصِحَّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ ظَهَرَ مِنْهُمْ رَدُّ مَا خَالَفَ الْقِيَاسَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ فَلَا يَكُونُ قَبُولُهُمْ إلَّا لِعِلْمِهِمْ بِعَدَالَةِ هَذَا الرَّاوِي وَحُسْنِ ضَبْطِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا سَمِعُوهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام أَوْ لِرِوَايَةِ بَعْضِ الْمَشْهُورِينَ عَنْهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَمْ يَظْهَرْ عَدَالَتُهُ وَلَا ضَبْطُهُ فَقَالَ قَدْ صَارَ مِثْلَ الْمَعْرُوفِ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَتَعْدِيلِهِمْ إيَّاهُ، وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ الطَّعْنِ بَعْدَ النَّقْلِ فَكَذَلِكَ يَعْنِي إنْ سَكَتُوا عَنْ الرَّدِّ بَعْدَمَا بَلَغَهُمْ رِوَايَتُهُ الْحَدِيثَ فَهُوَ مَقْبُولٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ لَا يَحِلُّ إلَّا عَلَى وَجْهِ الرِّضَاءِ بِالْمَسْمُوعِ وَالْمَرْئِيِّ فَكَانَ سُكُوتُهُمْ عَنْ الرَّدِّ دَلِيلَ التَّقْرِيرِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبِلُوهُ وَرَوَوْا عَنْهُ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَتَطَرَّقَتْ نِسْبَةُ التَّقْصِيرِ إلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ لَمْ يُتَّهَمُوا بِذَلِكَ.

، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ مَعَ نَقْلِ الثِّقَاتِ عَنْهُ فَكَذَلِكَ أَيْ إنْ عَمِلَ بِهِ الْبَعْضُ وَرَدَّ الْبَعْضُ يُقْبَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمَشْهُورِينَ صَارَ كَأَنَّهُ رَوَاهُ بِنَفْسِهِ مِثْلُ حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيِّ فِي حَدِيثِ بِرْوَعَ أَيْ قِصَّتِهَا وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه سُئِلَ عَمَّنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا حَتَّى مَاتَ عَنْهَا فَلَمْ يُجِبْ شَهْرًا وَكَانَ السَّائِلُ يَتَرَدَّدُ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ شَهْرٍ: أَجْتَهِدُ فِيهِ بِرَأْيِي فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنْ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ وَفِي رِوَايَةٍ فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ

ص: 385

وَرَدَّهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه لَمَّا خَالَفَ رَأْيَهُ، وَقَالَ: مَا نَصْنَعُ بِقَوْلِ أَعْرَابِيٍّ بَوَّالٍ عَلَى عَقِبَيْهِ وَلَمْ يَعْمَلْ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بِهَذَا الْقِسْمِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْقِيَاسَ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا هُوَ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ وَافَقَ الْقِيَاسَ عِنْدَنَا؛ وَإِنَّمَا يُتْرَكُ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الثِّقَاتُ، مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةَ وَمَسْرُوقٍ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ فَثَبَتَ بِرِوَايَتِهِمْ عَدَالَتُهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ قَرْنِ الْعُدُولِ فَلِذَلِكَ صَارَ حُجَّةً، وَسَاعَدَهُ عَلَيْهِ أُنَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ مِنْهُمْ أَبُو الْجَرَّاحِ وَغَيْرُهُ.

ــ

[كشف الأسرار]

وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ أَرَى فِيهَا مَهْرَ مِثْلِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ فِيهِ، وَلَا شَطَطَ أَيْ لَا نَقْصَ وَلَا مُجَاوَزَةَ حَدٍّ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ وَأَبُو الْجَرَّاحِ صَاحِبُ رَايَةِ الْأَشْجَعِيِّينَ وَقَالَا: نَشْهَدُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ الْأَشْجَعِيَّةِ مِنْ بَنِي رَآَّسِ بْنِ كِلَابٍ بِمِثْلِ قَضَائِك هَذَا وَقَدْ كَانَ هِلَالُ بْنُ مُرَّةَ مَاتَ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ فَرْضِ مَهْرٍ وَدُخُولٍ» فَسُرَّ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه بِذَلِكَ سُرُورًا لَمْ يُسَرَّ مِثْلَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ لِمَا وَافَقَ قَضَاؤُهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام وَرَدَّهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَقَالَ مَا نَصْنَعُ بِقَوْلِ إعْرَابِيٍّ بَوَّالٍ عَلَى عَقِبَيْهِ حَسْبُهَا الْمِيرَاثُ وَلَمَّا اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِهِ أَخَذْنَا بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي قَوْلِهِ لَمَّا خَالَفَ رَأْيَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ إنَّمَا رَدَّهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ الَّذِي عِنْدَهُ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَادَ إلَيْهَا سَالِمًا فَلَا يَسْتَوْجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ عِوَضًا كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَجَعَلَ الرَّأْيَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مِثْلِ هَذَا الْمَجْهُولِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا أَيْضًا كَمَا سَنُبَيِّنُ وَقِيلَ إنَّمَا رَدَّهُ لِمَذْهَبٍ تَفَرَّدَ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ تَخَلُّفَ الرَّاوِي وَلَمْ يَرَ هَذَا الرَّجُلَ لِتَخَلُّفِهِ.

وَقَوْلُهُ أَعْرَابِيٍّ بَوَّالٍ عَلَى عَقِبَيْهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مِنْ الَّذِينَ غَلَبَ فِيهِمْ الْجَهْلُ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي وَسُكَّانِ الرِّمَالِ إذْ مِنْ عَادَتِهِمْ الِاحْتِبَاءُ فِي الْجُلُوسِ مِنْ غَيْرِ إزَارٍ وَالْبَوْلُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي جَلَسُوا فِيهِ إذَا احْتَاجُوا إلَيْهِ وَعَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِإِصَابَتِهِ أَعْقَابَهُمْ وَذَلِكَ مِنْ الْجَهْلِ وَقِلَّةِ الِاحْتِيَاطِ وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ بِرْوَعَ اسْمُ امْرَأَةٍ وَهِيَ بِرْوَعَ بِنْتُ وَاشِقٍ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فِعْوَلٌ إلَّا خِرْوَعٌ وَعِتْوَدٌ اسْمُ وَادٍ وَاعْلَمْ أَنَّ خَبَرَ الْمَجْهُولِ مَرْدُودٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم رَدُّوا أَخْبَارَ الْمَجَاهِيلِ فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه رَدَّ خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَعَلِيًّا رضي الله عنه رَدَّ خَبَرَ الْأَشْجَعِيَّ وَمَنْ رَدَّ خَبَرَ الْمَجْهُولِ مِنْهُمْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى رَدِّهِ وَعِنْدَنَا خَبَرُ الْمَجْهُولِ مِنْ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ مَقْبُولٌ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ كَانَتْ أَصْلًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي الَّذِي بُعِثْت فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» الْحَدِيثَ «وَالنَّبِيُّ عليه السلام قَبِلَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ مِنْ غَيْرِ تَفَحُّصٍ عَنْ عَدَالَتِهِ؛ وَإِنَّمَا تَفَحَّصَ عَنْ إسْلَامِهِ فَقَطْ فَقَالَ حِينَ أَخْبَرَ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالصَّوْمِ» : وَهَذَا يَرُدُّ تَأْوِيلَهُمْ أَنَّهُ عليه السلام عَرَفَ عَدَالَتَهُ إمَّا بِالْوَحْيِ أَوْ بِالْخِبْرَةِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِإِسْلَامِهِ فَكَيْفَ بِعَدَالَتِهِ وَأَمَّا رَدُّ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَخْبَارَ الْمَجَاهِيلِ فَبِنَاءً عَلَى عَوَارِضَ عَلَى مَا عُرِفَ كَذَا ذَكَرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ ثُمَّ هُوَ مُنْقَسِمٌ عَلَى الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ مَقْبُولٌ لِمَا بَيَّنَّا.

وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْقَوَاطِعِ، وَإِنْ عَمِلَ الرَّاوِي بِالْخَبَرِ كَانَ ذَلِكَ تَعْدِيلًا لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ بِمُوجِبِ الْخَبَرِ لَا لِأَجْلِ الْخَبَرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقِسْمُ الثَّانِي مَقْبُولًا بِلَا خِلَافٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِهِمْ السُّكُوتُ عِنْدَ مَعْرِفَةِ بُطْلَانِهِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقِسْمَ الرَّابِعَ مَرْدُودٌ فَكَانَ الْقِسْمُ الْخَامِسُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ كَذَلِكَ أَيْضًا وَإِلَيْهِ يُشِيرُ، قَوْلُهُ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْقِسْمِ دُونَ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَيُقْبَلُ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يُقْبَلُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ عَارَضَ الْقَبُولَ فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَصِيرُ الْخَبَرُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ لَمْ يَلْحَقْهُ

ص: 386

فَأَمَّا إذَا كَانَ ظَهَرَ حَدِيثُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ السَّلَفِ إلَّا الرَّدُّ لَمْ يُقْبَلْ حَدِيثُهُ وَصَارَ مُسْتَنْكَرًا لَا يُعْمَلُ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَصَارَ هَذَا غَيْرَ حُجَّةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَى الْعَكْسِ مِنْ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ حُجَّةٌ يُحْتَمَلُ شُبْهَةً عِنْدَ التَّأَمُّلِ

ــ

[كشف الأسرار]

رَدٌّ وَلَا قَبُولٌ فَيَلْتَحِقُ بِالْقِسْمِ الْخَامِسِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقِسْمُ مَقْبُولًا بِالِاتِّفَاقِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ فَإِنْ خَالَفَهُ يُرَدُّ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ الْوَاقِعَ فِي قَبُولِهِ كَانَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الَّذِي اُتُّفِقَ عَلَى قَبُولِهِ فَيُشْتَرَطُ تَأَيُّدُهُ بِالْقِيَاسِ كَالْقِسْمِ الْخَامِسِ عِنْدَنَا إلَّا أَنَّ هَذَا الْمِثَالَ وَهُوَ حَدِيثُ مَعْقِلٍ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا وَيَتَأَكَّدُ بِالْمَوْتِ كَمَا يَتَأَكَّدُ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ بِالْمَوْتِ يَنْتَهِي النِّكَاحُ الَّذِي هُوَ عَقْدُ الْعُمْرِ وَالشَّيْءُ إذَا انْتَهَى تَقَرَّرَ كَانْتِهَاءِ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَطْءُ؛ وَلِهَذَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَيَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله هُوَ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْفَرْضِ وَبِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا إلَى أَنْ مَاتَ الزَّوْجُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ رَجَعَ إلَيْهَا سَالِمًا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَبِمَنْزِلَةِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ وَجَبَ رَدُّهُ بِهِ فَعَلَى هَذَا كَانَ، قَوْلُهُ وَلَمْ يَعْمَلْ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْقِسْمِ إلَى آخِرِهِ بَيَانًا أَنَّ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمِثَالِ لَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكَذَلِكَ وَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ بِهَذَا الْقِسْمِ بِهَذَا الْمِثَالِ الَّذِي هُوَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَلَوْ جَعَلْت اسْمَ الْإِشَارَةِ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكَذَلِكَ لَا يُلَائِمُهُ التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَخْلُو الْكَلَامُ عَنْ نَوْعِ اشْتِبَاهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ وَقَوْلُهُ وَقَدْ رَوَى أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ أَيْ عَنْ مَعْقِلٍ الثِّقَاتُ أَيْ الْعُدُولُ مِثْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ وَعَلْقَمَةُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْقَرْنِ الثَّانِي فَثَبَتَ بِرِوَايَتِهِمْ عَنْهُ وَعِلْمِهِمْ بِهِ عَدَالَتُهُ دَلِيلٌ ثَانٍ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ.

وَقَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ أَيْ مَعْقِلًا مِنْ قَرْنِ الْعُدُولِ دَلِيلٌ ثَالِثٌ، وَإِشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إنَّ رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ فِي الْكُفْرِ وَالصِّبَا لَا تُقْبَلُ فَكَذَا رِوَايَةُ مَجْهُولِ الْحَالِ فِي الْفِسْقِ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَصْلٌ بِشَهَادَةِ الرَّسُولِ عليه السلام فَوَجَبَ التَّمَسُّكُ بِهِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ مُعَارِضٌ يَنْقُضُهُ فَأَمَّا الصِّبَا وَالْكُفْرُ فِي مَجْهُولِ الْحَالِ فِيهِمَا فَأَصْلٌ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا بِيَقِينٍ يُعَارِضُهُ فَيَفْتَرِقَانِ.

قَوْلُهُ (فَأَمَّا إذَا ظَهَرَ حَدِيثُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ السَّلَفِ إلَّا الرَّدُّ) فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُتَّهَمُونَ بِرَدِّ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِهِ وَتَرْجِيحُ الرَّأْيِ بِخِلَافِهِ عَلَيْهِ فَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى الرَّدِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ اتَّهَمُوهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ قَالَ الرَّاوِي أَوْهَمْت لَمْ يُعْمَلْ بِرِوَايَتِهِ فَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ مِمَّنْ فَوْقَهُ وَهُوَ رَدُّ الْفُقَهَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ أَوْلَى كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ مُنْكَرًا وَمُسْتَنْكَرًا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ لَمْ يَعْرِفُوا صِحَّتَهُ وَهُوَ دُونَ الْمَوْضُوعِ فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثًا مِثْلَ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ» فَوَضَعَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لِمَا كَانَ يَدْعُو إلَيْهِ مِنْ الْإِلْحَادِ وَالزَّنْدَقَةِ وَيَدَّعِي التَّنَبُّؤَ فَأَمَّا الْمُنْكَرُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثًا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حَدِيثًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ فَكَوْنُهُ مَوْضُوعًا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ لَهُمْ أَيْضًا فَكَانَ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي صَادِقًا فِي الرِّوَايَةِ وَلَكِنَّهُ مَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَا فِي حَقِّ

ص: 387

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ حَدِيثُهُ فِي السَّلَفِ فَلَمْ يُقَابَلْ بِرَدٍّ، وَلَا قَبُولٍ لَمْ يُتْرَكْ بِهِ الْقِيَاسُ وَلَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ لَكِنْ الْعَمَلُ بِهِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ أَصْلٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَلِذَلِكَ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله الْقَضَاءَ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْدِيلٍ حَتَّى أَنَّ رِوَايَةَ مِثْلِ هَذَا الْمَجْهُولِ فِي زَمَانِنَا لَا تُحِلُّ الْعَمَلَ بِهِ لِظُهُورِ الْفِسْقِ فَصَارَ الْمُتَوَاتِرُ يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ وَالْمَشْهُورُ عِلْمَ طُمَأْنِينَةٍ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ عِلْمَ غَالِبِ الرَّأْيِ وَالْمُسْتَنْكَرُ مِنْهُ يُفِيدُ الظَّنَّ {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] وَالْمُسْتَتِرُ مِنْهُ فِي حَيِّزِ الْجَوَازِ لِلْعَمَلِ بِهِ دُونَ الْوُجُوبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ــ

[كشف الأسرار]

الْجَوَازِ، وَلَا فِي حَقِّ الْوُجُوبِ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ إذَا انْفَرَدَ الرَّاوِي بِشَيْءٍ فَإِنْ كَانَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْحِفْظِ لِذَلِكَ وَالضَّبْطِ كَانَ مَا انْفَرَدَ بِهِ شَاذًّا مَرْدُودًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ بَلْ هُوَ أَمْرٌ رَوَاهُ هُوَ وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا حَافِظًا مَوْثُوقًا بِإِتْقَانِهِ وَضَبْطِهِ قُبِلَ مَا انْفَرَدَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُوثَقُ بِحِفْظِهِ كَانَ انْفِرَادُهُ بِهِ جَازِمًا لَهُ مُزَحْزِحًا لَهُ عَنْ حَيِّزِ الصَّحِيحِ ثُمَّ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ دَائِرٌ بَيْنَ مَرَاتِبَ مُتَفَاوِتَةٍ بِحَسَبِ الْحَالِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمُنْفَرِدُ بِهِ غَيْرَ بَعِيدٍ مِنْ دَرَجَةِ الْحَافِظِ الضَّابِطِ الْمَقْبُولِ تَفَرُّدُهُ اسْتَحْسَنَّا حَدِيثَهُ ذَلِكَ وَلَمْ نَحُطَّهُ إلَى قَبِيلِ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ ذَلِكَ رَدَدْنَا مَا انْفَرَدَ بِهِ وَكَانَ مِنْ قَبِيلِ الشَّاذِّ الْمُنْكَرِ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الشَّاذَّ الْمَرْدُودَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا الْحَدِيثُ الْفَرْدُ الْمُخَالِفُ وَالثَّانِي الْفَرْدُ الَّذِي لَيْسَ فِي رَاوِيهِ مِنْ الثِّقَةِ وَالضَّبْطِ مَا يَقَعُ جَابِرًا لِمَا يُوجِبُهُ التَّفَرُّدُ وَالشُّذُوذُ مِنْ النَّكَارَةِ وَالضَّعْفِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّوَابُ فِي الْمُنْكَرِ التَّفْصِيلُ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الشَّاذِّ فَإِنَّهُ بِمَعْنَاهُ فَالْمُنْكَرُ يَكُونُ قِسْمَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الشَّاذِّ، قَوْلُهُ (وَأَمَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ حَدِيثُهُ) أَيْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ حَدِيثُ هَذَا الْمَجْهُولِ وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ مِنْهُمْ رَدٌّ، وَلَا قَبُولٌ فَلَمْ يُتْرَكْ بِهِ الْقِيَاسُ وَلَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ فِي زَمَانِنَا يَعْنِي إذَا ظَهَرَ حَدِيثُهُ فِي زَمَانِنَا لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَكِنَّ الْعَمَلَ بِهِ يَجُوزُ إذَا وَافَقَ الْقِيَاسَ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَالْعَدَالَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ غَلَبَةِ الْعَدَالَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الظَّاهِرِ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ فِي السَّلَفِ يَتَمَكَّنُ تُهْمَةُ الْوَهْمِ فِيهِ فَيَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ إذَا وَافَقَ الْقِيَاسَ عَلَى وَجْهِ حُسْنِ الظَّنِّ بِهِ وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ شَرْعًا لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِ هَذَا الطَّرِيقِ الضَّعِيفِ كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَإِنْ قِيلَ: إذَا وَافَقَهُ الْقِيَاسُ وَلَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ فَمَا فَائِدَةُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ قُلْنَا: هِيَ جَوَازُ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ نَافِي الْقِيَاسِ مِنْ مَنْعِ هَذَا الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَى الْحَدِيثِ.

؛ وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِكَوْنِ الْعَدَالَةِ أَصْلًا فِي تِلْكَ الْأَزْمِنَةِ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله الْقَضَاءَ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ أَيْ بِشَهَادَةِ الْمَسْتُورِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْقَاضِي الْقَضَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ، وَالْغَالِبُ عَلَى أَهْلِهِ الصِّدْقُ فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَخَبَرُ مِثْلِ هَذَا الْمَجْهُولِ لَا يُقْبَلُ، وَلَا يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ مَا لَمْ يَتَأَيَّدْ بِقَبُولِ الْعُدُولِ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ عَلَى أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُجَوِّزْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَضَاءَ بِشَهَادَةِ الْمَسْتُورِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا فِي زَمَانِ فُشُوِّ الْكَذِبِ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الرَّاوِيَ إذَا كَانَ مَجْهُولًا لَا يُعْرَفُ عَدَالَتُهُ إنْ عَمِلَ بِهِ الصَّحَابَةُ أَوْ التَّابِعُونَ رضي الله عنهم بِمَا رَوَى يَجِبُ قَبُولُ خَبَرِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْمَلُونَ بِهِ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الرَّاوِي بِالْعَدَالَةِ وَثُبُوتِ مَا رَوَى وَأَمَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ عَمَلُ الصَّحَابَةِ، وَلَا عَمَلُ التَّابِعِينَ فَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمهم الله اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ مَا لَمْ يُخَالِفْ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ فَإِذَا خَالَفَهُ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ حِينَئِذٍ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ مَا لَمْ يُوَافِقْ الْقِيَاسَ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ رحمهم الله وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فَالشَّافِعِيُّ رحمه الله يَقُولُ بِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يُعْرَفُ عَدَالَتُهُ وَهِيَ شَرْطٌ لِقَبُولِ الْأَخْبَارِ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَقْبَلْ خَبَرَ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ فِي إيجَابِ الْمَهْرِ فِي الْمُفَوِّضَةِ.

وَأَصْحَابُنَا قَالُوا الظَّاهِرُ

ص: 388

وَمِثَالُ الْمُسْتَنْكَرِ مِثْلُ حَدِيثِ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمْ يَجْعَلْ لَهَا نَفَقَةً، وَلَا سُكْنَى» فَقَدْ رَدَّهُ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا، وَلَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ

ــ

[كشف الأسرار]

مِنْ حَالِهِمْ الْعَدَالَةُ، وَالْفِسْقُ بِأُمُورٍ عَارِضَةٍ فَيَجِبُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا يُجْعَلُ فِي حَقِّ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْقِلٍ فَقَدْ قَبِلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَلَا يَقْبَلُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِالْعَدَالَةِ فَثَبَتَ عَدَالَتُهُ فَيَجِبُ قَبُولُ خَبَرِهِ عَلَى أَنَّ مَعْقِلًا رَجُلٌ مَعْرُوفٌ عَدْلٌ عَدَّلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ مِنْهُمْ الْبُخَارِيُّ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمهم الله، وَإِنْ كَانَا يَشْتَرِطَانِ الْعَدَالَةَ حَقِيقَةً وَلَا يَكْتَفِيَانِ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ هُوَ زَمَانُ الصَّحَابَةِ كَانَ الْغَالِبُ الْعَدَالَةُ فِيهِمْ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ ثُمَّ لَخَصَّ الشَّيْخُ الْكَلَامَ وَبَيَّنَ حَاصِلَهُ فَقَالَ: فَصَارَ الْمُتَوَاتِرُ مِنْ الْخَبَرِ يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ وَفِي مُقَابَلَتِهِ الْمَوْضُوعُ لِانْقِطَاعِ احْتِمَالِ كَوْنِهِ حُجَّةً بِالْكُلِّيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عِلْمُ طُمَأْنِينَةٍ وَفِي مُقَابَلَتِهِ الْمُنْكَرُ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ حُجَّةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ حُجَّةٍ وَالْمُنْكَرُ عَلَى عَكْسِهِ.

وَالْمُرَادُ مِنْ الظَّنِّ فِي قَوْلِهِ وَالْمُسْتَنْكَرُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْخَبَرِ يُفِيدُ الظَّنَّ الْوَهْمُ فَإِنَّ الظَّنَّ مَا كَانَ جَانِبُ الثُّبُوتِ فِيهِ رَاجِحًا وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِغَالِبِ الرَّأْيِ وَالْوَهْمُ مَا كَانَ عَدَمُ الثُّبُوتِ فِيهِ رَاجِحًا وَالْمُسْتَنْكَرُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ عِلْمُ غَالِبِ الرَّأْيِ أَيْ خَبَرُ الْوَاحِدِ الَّذِي هُوَ مَعْرُوفٌ بِالضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ أَوْ فِي حُكْمِ الْمَعْرُوفِ وَفِي مُقَابَلَتِهِ الْمُسْتَتِرُ أَيْ خَبَرُ الْمَجْهُولِ الَّذِي هُوَ لَمْ يُقَابَلْ بِرَدٍّ، وَلَا قَبُولٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْعَمَلَ وَهَذَا لَا يُوجِبُهُ، قَوْلُهُ (وَمِثَالُ الْمُسْتَنْكَرِ) كَذَا الْمَبْتُوتَةُ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى عِنْدَنَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ لَهَا السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَا سُكْنَى إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالشَّعْبِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ لِحَدِيثِ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَخْبَرَتْ أَنَّ زَوْجَهَا أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ الْمَخْزُومِيَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَأُمِرَ بِنَفَقَةِ أَصْوُعٍ مِنْ شَعِيرٍ فَاسْتَقَلَّتْهَا وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما نَحْوَ الْيَمَنِ فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا عَمْرٍو طَلَّقَ فَاطِمَةَ ثَلَاثًا فَهَلْ لَهَا نَفَقَةٌ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ، وَلَا سُكْنَى وَأَرْسَلَ إلَيْهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَيْهَا أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ يَأْتِيهَا الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ فَانْتَقِلِي إلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّك إذَا وَضَعْت خِمَارَكِ لَمْ يَرَكِ» وَأَمَّا الْفَرِيقُ الثَّانِي فَيَقُولُونَ لَيْسَ فِي رِوَايَاتِ أَهْلِ الْحِجَازِ ذِكْرُ السُّكْنَى فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ وَالْمَذْكُورُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «لَا نَفَقَةَ لَك إلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا إنَّمَا النَّفَقَةُ لِمَنْ يَمْلِكُ الزَّوْجُ رَجْعَتَهَا» فَأَوْجَبْنَا السُّكْنَى بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ.

وَقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَعُمُّ الْمَبْتُوتَةَ وَالْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ وَلَمْ يُوجِبْ النَّفَقَةَ بِالْحَدِيثِ وَبِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] فَإِنَّهُ بِمَفْهُومِهِ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَائِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَمْلِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهَا إنَّمَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ صِلَةً لِلزَّوْجِيَّةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ

ص: 389

قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فِيهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْقِيَاسَ وَقَدْ رَدَّهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَيْضًا

ــ

[كشف الأسرار]

إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ وَحَضَانَةً لَهُ كَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْوِلَادَةِ إذَا كَانَتْ تُرْضِعُهُ وَعُلَمَاؤُنَا قَالُوا إنَّهَا مُحْتَبَسَةٌ بِحَقِّ نِكَاحِهِ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَالْحَامِلِ وَالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَكَمَا تَسْتَحِقُّ السُّكْنَى فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ مَالِيٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا بِالنِّكَاحِ، وَالْعِدَّةُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ فَكَمَا يَبْقَى بِاعْتِبَارِ هَذَا الْحَقِّ مَا كَانَ لَهَا مِنْ اسْتِحْقَاقِ السُّكْنَى فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ وَلِأَنَّ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ بِقِرَاءَتِهِ يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ مُسْتَحَقَّةٌ لَهَا بِسَبَبِ الْعِدَّةِ وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] لِإِزَالَةِ إشْكَالٍ كَانَ يَقَعُ عَسَى، فَإِنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ تَطُولُ عَادَةً فَكَانَ يُشْكِلُ أَنَّهَا هَلْ تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ بِسَبَبِ الْعِدَّةِ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ وَإِنْ طَالَتْ فَأَزَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْإِشْكَالَ بِقَوْلِهِ {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] .

وَأَمَّا حَدِيثُ فَاطِمَةَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «لَا نَفَقَةَ لَك إلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا» غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي مَوْضِعٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ الْكُتُبِ وَالرِّوَايَاتِ وَأَمَّا مَتْنُ الْحَدِيثِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ حِينَ رُوِيَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا، وَلَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ فَهَذَا مِنْ عُمَرَ رضي الله عنه طَعْنٌ مَقْبُولٌ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ بِالْكَذِبِ وَالْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ وَرَدَ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ عليه السلام نَفَقَةً لِهَذِهِ الْمُعْتَدَّةِ قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ إنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ عَيْنَ النَّصِّ لَتَلَاهُ وَلَرَوَى السُّنَّةَ فَيَكُونُ بَيَانًا أَنَّهُ وَرَدَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا أَوْ الرَّاوِي فَقِيهًا.

وَأَشَارَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ إلَى أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ وَمِنْ السُّنَّةِ مَا قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ» وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ مَا لِفَاطِمَةَ إلَّا تَتَّقِي اللَّهَ تَعْنِي فِي قَوْلِهَا لَا سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةَ وَكَانَتْ تَقُولُ تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتْ الْعَالِمَ وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ زَوْجِهَا أَنَّهَا إذَا ذَكَرَتْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا رَمَاهَا بِكُلِّ شَيْءٍ تَنَالُهُ يَدُهُ وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَى فَاطِمَةَ مَا كَانَتْ تُحَدِّثُ بِهِ مِنْ خُرُوجِهَا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ

وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ كُنْت جَالِسًا مَعَ الْأَسْوَدِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَمَعَنَا الشَّعْبِيُّ فَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ فَأَخَذَ الْأَسْوَدُ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَقَالَ وَيْلَك تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا. وَرَدَّهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرٌ بِالْمَدِينَةِ وَرَدُّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَدَلَّ تَرْكُهُمْ النَّكِيرَ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُمْ فِيهِ كَمَذْهَبِهِ وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَيْنَ تَعْتَدُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا؟ فَقَالَ فِي بَيْتِهَا فَذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ فَاطِمَةَ فَقَالَ تِلْكَ الْمَرْأَةُ فَتَنَتْ النَّاسَ إنَّهَا اسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ لِفَاطِمَةَ إنَّمَا لَمْ يَقْضِ لَك بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّك كُنْت نَاشِزَةً أَوْ تَأْوِيلُهُ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ غَائِبًا وَوَكَّلَ أَخَاهُ بِالنَّفَقَةِ

ص: 390

وَكَذَلِكَ حَدِيثُ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ فِي مَسِّ الذَّكَرِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ؛ وَإِنَّمَا جُعِلَ خَبَرًا لِعَدْلٍ حُجَّةً بِشَرَائِطَ فِي الرَّاوِي.

وَهَذَا

ــ

[كشف الأسرار]

عَلَيْهَا مِنْ الشَّعِيرِ فَأَبَتْ فَلَمْ يَقْضِ لَهَا بِشَيْءٍ آخَرَ لِغَيْبَةِ الزَّوْجِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ عَمِلَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ وَقَدْ سَمَّيْنَاهُمْ فَكَانَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْبُولًا عِنْدَكُمْ كَخَبَرِ الْأَشْجَعِيِّ فِي الْمُفَوِّضَةِ، وَلَا يَكُونُ مُسْتَنْكَرًا.

قُلْنَا: إنَّمَا يُقْبَلُ الْقِسْمُ الثَّالِثُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ كَمَا بَيَّنَّا وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ لُحُوقِ الرَّدِّ بِهِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ عُمَرُ رضي الله عنه وَلِلْقِيَاسِ أَيْضًا فَلَا يُعْتَبَرُ قَبُولُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ فِي مُقَابَلَةِ رَدِّ تِلْكَ الْجَمَاعَةِ فَلِذَلِكَ كَانَ مُسْتَنْكَرًا قَوْلَهُ (وَكَذَلِكَ حَدِيثُ بُسْرَةَ) أَيْ وَكَحَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي أَنَّ مَسَّ فَرْجِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ بِلَا حَائِلٍ حَدَثٌ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَهُوَ الْمُسْتَنْكَرُ فَإِنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَعَمَّارًا وَأَبَا الدَّرْدَاءِ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَعِمْرَانَ بْن الْحُصَيْنَ رضي الله عنهم لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ حَتَّى قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه لَا أُبَالِي أَمَسِسْتُهُ أَمْ أَرْنَبَةَ أَنْفِي، وَكَذَا نُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ نَجَسًا فَاقْطَعْهُ وَتَذَاكَرَ عُرْوَةُ وَمَرْوَانُ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ فَقَالَ مَرْوَانُ حَدَّثَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ فَلَمْ يَرْفَعْ عُرْوَةُ بِحَدِيثِهَا رَأْسًا وَرَوَى ابْنُ زَيْدٍ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هَلْ يَأْخُذُ بِحَدِيثِ بُسْرَةَ أَحَدٌ وَاَللَّهِ لَوْ أَنَّ بُسْرَةَ شَهِدَتْ عَلَى هَذِهِ النَّقْلَةِ لَمَا أَجَزْت شَهَادَتَهَا إنَّمَا قِوَامُ الدِّينِ الصَّلَاةُ؛ وَإِنَّمَا قِوَامُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ فَلَمْ يَكُنْ فِي صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام مَنْ يُقِيمُ هَذَا الدِّينَ إلَّا بُسْرَةُ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ عَلَى هَذَا أَدْرَكْنَا مَشَايِخَنَا مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَرَى فِي مَسِّ الذَّكَرِ وُضُوءً وَعَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأَخْبَارِ لَا تَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام مِنْهَا خَبَرُ مَسِّ الذَّكَرِ وَوَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ فَأَجْمَع مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا وُضُوءَ فِيهِ قَالُوا لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ يَعْنُونَ بُسْرَةَ بِنْتَ صَفْوَانَ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ كِتَابَ رَبِّنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ الْأَحْدَاثَ وَكَانَتْ نَجِسَةً مِنْ دَمِ حَيْضٍ وَغَائِطٍ وَمَنِيٍّ وَشَرَعَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ بِقَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِمَسِّ الْفَرْجَيْنِ فَلَمَّا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ مِنْ التَّطْهِيرِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ حَدَثًا بِمِثْلِ هَذَا الْخَبَرِ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي مَسِّ الذَّكَرِ وُضُوءٌ فَقَالَ لَا» وَرَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ مَا أُبَالِي مَسِسْته أَمْ مَسِسْت أَنْفِي» فَنَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ وَهِيَ أَنَّهُ عُضْوٌ طَاهِرٌ وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت مَسِسْت ذَكَرِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ» وَقَدْ رُوِيَتْ آثَارٌ تُوَافِقُ حَدِيثَ بُسْرَةَ إلَّا أَنَّهَا مُضْطَرِبَةُ الْأَسَانِيدِ وَحَدِيثُ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ مُسْتَقِيمُ الْإِسْنَادِ غَيْرُ مُضْطَرِبٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ حَدِيثُ قَيْسٍ أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَشَرْحِ الْآثَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 391