المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَتَقُومُ بِهَا، وَهُوَ شَرْطُهَا فَتَعَلَّقَ بِهَا حَتَّى لَمْ يَجِبْ قَصْدًا - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ٢

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ)

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ قِسْمَانِ

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل عَامٌّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَعَامٌّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ مَا هُوَ فَرْدٌ وُضِعَ لِلْجَمْعِ

- ‌[أَنْوَاع الْعَامُّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ كَلِمَةُ كُلٍّ

- ‌[كَلِمَةُ الْجَمِيعِ]

- ‌كَلِمَةُ مَا

- ‌ كَلِمَةُ الَّذِي

- ‌ النَّكِرَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُ الْعُمُومِ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْعَامِّ مَعْنًى لَا صِيغَةً]

- ‌ لَامُ التَّعْرِيفِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْرِيفَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنَى الْعَهْدِ

- ‌[النَّكِرَةِ إذَا اتَّصَلَ بِهَا وَصْفٌ عَامٌّ]

- ‌ كَلِمَةُ أَيُّ

- ‌ النَّكِرَةُ الْمُفْرَدَةُ فِي مَوْضِعِ إثْبَاتٍ

- ‌[بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ]

- ‌(بَابُ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ) (وَالْمَجَازِ وَالصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌[تعارض الْحَقِيقَة وَالْمَجَاز]

- ‌طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ

- ‌ الِاتِّصَالَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ قِبَلِ حُكْمِ الشَّرْعِ يَصْلُحُ طَرِيقًا لِلِاسْتِعَارَةِ

- ‌[يُسْتَعَارَ الْأَصْلُ لِلْفَرْعِ وَالسَّبَبُ لِلْحُكْمِ]

- ‌ الِاسْتِعَارَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَعَانِي

- ‌[الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ]

- ‌ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ

- ‌إِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ

- ‌قَدْ يَتَعَذَّرُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُمْتَنِعًا

- ‌ الْكَلَامَ إذَا كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ

- ‌(بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ)

- ‌دَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ

- ‌ الثَّابِتُ بِسِيَاقِ النَّظْمِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ

- ‌(بَابُ حُرُوفِ) (الْمَعَانِي)

- ‌[معانى الْوَاوُ]

- ‌[معانى الْفَاءُ]

- ‌[معانى ثُمَّ]

- ‌[معانى بَلْ]

- ‌[معانى لَكِنْ]

- ‌[معانى أَوْ]

- ‌بَابُ حَتَّى) :

- ‌بَابُ حُرُوفِ الْجَرِّ)

- ‌[مَعْنَى الْبَاءُ]

- ‌[مَعْنَى عَلَى]

- ‌[مَعْنَى مِنْ]

- ‌[مَعْنَى إلَى]

- ‌[مَعْنَى فِي]

- ‌[حُرُوفِ الْقَسَمِ]

- ‌ اَيْمُ اللَّهِ

- ‌ أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ

- ‌ حُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌ حُرُوفِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ الصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌بَابُ وُجُوهِ) (الْوُقُوفِ عَلَى) (أَحْكَامِ النَّظْمِ)

- ‌مَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ وَأُرِيدَ بِهِ الْقَصْدُ أَوْ الْإِشَارَةُ

- ‌ دَلَالَةُ النَّصِّ

- ‌[دَلَالَة الْمُقْتَضِي]

- ‌الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ

- ‌ الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ

- ‌ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ

- ‌ الْعَامَّ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ

- ‌ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مُوجِبٌ الْعَدَمَ

- ‌ مَنْ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ

- ‌(بَابُ الْعَزِيمَةِ) (وَالرُّخْصَةِ)

- ‌[أَقْسَام الْعَزِيمَةُ]

- ‌[أَقْسَام الرُّخَصُ]

- ‌{بَابُ حُكْمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي أَضْدَادِهِمَا}

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ)

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الصَّوْمِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ

- ‌[سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ]

- ‌ سَبَبُ الْخَرَاجِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ

- ‌سَبَبُ الْكَفَّارَاتِ

- ‌سَبَبُ الْمُعَامَلَاتِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَقْسَامِ) (السُّنَّةِ)

- ‌(بَابُ الْمُتَوَاتِرِ)

- ‌(بَابُ الْمَشْهُورِ)

- ‌(بَابُ خَبَرِ الْوَاحِدِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الرَّاوِي الَّذِي جُعِلَ خَبَرُهُ حُجَّةً)

- ‌[الرَّاوِي الْمَعْرُوفُ]

- ‌[الرَّاوِي الْمَجْهُولُ]

- ‌بَابُ بَيَانِ شَرَائِطِ الرَّاوِي)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ شُرُوطِ الرَّاوِي وَتَقْسِيمِهَا]

الفصل: وَتَقُومُ بِهَا، وَهُوَ شَرْطُهَا فَتَعَلَّقَ بِهَا حَتَّى لَمْ يَجِبْ قَصْدًا

وَتَقُومُ بِهَا، وَهُوَ شَرْطُهَا فَتَعَلَّقَ بِهَا حَتَّى لَمْ يَجِبْ قَصْدًا لَكِنْ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ وَالْحَدَثِ شَرْطُهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُجْعَلَ الْحَدَثُ سَبَبًا أَلَا يُرَى أَنَّهُ إزَالَةٌ لَهُ وَتَبْدِيلٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لَهُ، وَأَمَّا أَسْبَابُ الْحُدُودِ وَالْعُقُوبَاتِ فَمَا نُسِبَ إلَيْهِ مِنْ قَتْلٍ وَزِنًا وَسَرِقَةٍ.

وَ‌

‌سَبَبُ الْكَفَّارَاتِ

مَا نُسِبَ إلَيْهِ مِنْ أَمْرٍ دَائِرٍ بَيْنَ حَظْرٍ، وَإِبَاحَةٍ مِثْلُ الْفِطْرِ، وَقَتْلِ الْخَاطِئِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ

ــ

[كشف الأسرار]

إلَى الصَّلَاةِ شَرْعًا وَعُرْفًا يُقَالُ طَهَارَةُ الصَّلَاةِ وَتَطَهَّرْ لِلصَّلَاةِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ فِي الْأَصْلِ. وَتَقُومُ بِهَا أَيْ تَثْبُتُ الطَّهَارَةُ بِالصَّلَاةِ حَتَّى وَجَبَتْ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَسَقَطَتْ بِسُقُوطِهَا، وَهَذَا التَّعَلُّقُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ أَيْضًا، وَهِيَ أَيْ الطَّهَارَةُ شَرْطُ الصَّلَاةِ، وَمَا يَكُونُ شَرْطًا لِلشَّيْءِ كَانَ وُجُوبُهُ بِوُجُوبِ الْأَصْلِ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَطَهَارَةِ الثَّوْبِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ وُجُوبَهَا مُتَعَلِّقٌ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَكَالشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ ثُبُوتُهَا بِثُبُوتِ النِّكَاحِ.، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ تَبَعٌ لِلْمَشْرُوطِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ فَلَوْ تَعَلَّقَ بِسَبَبٍ آخَرَ كَانَ تَبَعًا لَهُ فَلَا يَبْقَى تَبَعًا لِلْمَشْرُوطِ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْحَدَثِ بَلْ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ الْحَدَثَ شَرْطُ وُجُوبِهِ كَالِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ تَحْصِيلُ صِفَةِ الطَّهَارَةِ لِحِلِّ الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ حَاصِلَةً لَا يُؤَثِّرُ السَّبَبُ فِي إيجَابِهِ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَطَهَارَةِ الثَّوْبِ إذَا كَانَتْ حَاصِلَةً لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهَا، وَإِنْ وُجِدَ السَّبَبُ فَكَذَا هَاهُنَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ لَيْسَ بِسَبَبٍ أَنَّ الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ مَشْرُوعٌ حَتَّى كَانَ نُورًا عَلَى نُورٍ وَبَعْدَ تَحَقُّقِ الْحَدَثِ لَا يَجِبُ بِدُونِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْجُنُبَ إذَا حَاضَتْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الِاغْتِسَالُ مَا لَمْ تَطْهُرْ. حَتَّى لَمْ تَجِبْ قَصْدًا لَكِنَّهَا عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى قِيلَ إنَّ مَنْ تَوَضَّأَ، وَلَمْ يُصَلِّ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ خَاصَمَهُ ذَلِكَ الْوُضُوءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ. أَلَا يُرَى أَنَّهُ أَيْ الْحَدَثَ إزَالَةٌ لَهُ أَيْ لِلْوُضُوءِ وَتَبْدِيلٌ لِصِفَةِ الطَّهَارَةِ بِصِفَةِ النَّجَاسَةِ، وَمَا يَكُونُ رَافِعًا لِلشَّيْءِ، وَمُزِيلًا لَهُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لَهُ.

وَلَا يَتَخَالَجْنَ فِي وَهْمِكَ أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطُ الصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ إضَافَتِهَا إلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا شَرْطًا لَهَا يَقْتَضِي تَقَدُّمَهَا، وَكَوْنَهَا مُضَافَةً إلَى الصَّلَاةِ وَحُكْمًا لَهَا يَقْتَضِي تَأَخُّرَهَا فَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فَيُضَافُ إلَى الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهَا شَرْطُ صِحَّةِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا وُجُوبِ الصَّلَاةِ فَكَوْنُهَا شَرْطًا لِلْأَدَاءِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إضَافَةِ وُجُوبِهَا إلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ لِتَغَايُرِهِمَا. وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ وُجُوبُهَا مُضَافًا إلَى الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ التَّوَضُّؤُ قَبْلَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَقْدِيمِ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ وُجُوبُ الصَّلَاةِ، وَإِرَادَتُهَا سَبَبٌ لِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ لَا لِشَرْعِيَّتِهَا وَوُجُوبُهَا لَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا تَوَضَّأَ قَبْلُ وَدَامَ وَصْفُ الطَّهَارَةِ إلَى حَالِ الْأَدَاءِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ لِحُصُولِ الشَّرْطِ كَمَا إذَا سَتَرَ الْعَوْرَةَ أَوْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاسْتَدَامَ إلَى حَالِ الْأَدَاءِ إذْ الشَّرْطُ يُرَاعَى وُجُودُهُ لَا وُجُودُهُ قَصْدًا.

[سَبَبُ الْكَفَّارَاتِ]

قَوْلُهُ (وَسَبَبُ الْكَفَّارَاتِ) أَيْ سَبَبُ وُجُوبِهَا مَا أُضِيفَتْ الْكَفَّارَاتُ إلَيْهِ مِنْ أَمْرٍ دَائِرٍ أَيْ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ حَظْرٍ، وَإِبَاحَةٍ. مِثْلُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ بِصِفَةِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُلَاقِي فِعْلَ نَفْسِهِ الَّذِي هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ مُبَاحٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْعِبَادَةِ مَحْظُورٌ، كَذَا فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ يُعْرَفُ فِي بَابِ مَعْرِفَةِ الْأَسْبَابِ. وَقَتْلُ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ بَلْ قَصْدُ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ مُبَاحٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُقَصِّرٌ مَحْظُورٌ، وَقَتْلُ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اصْطِيَادٌ، وَمَحْظُورٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ.

وَكَذَا الِارْتِفَاقُ بِاللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالْأَهْلِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَلَالٌ فِي ذَوَاتِهَا إلَّا أَنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ تَحْقِيقُ مَعْنَى السَّفَرِ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَتَمَتَّعُ بِأَهْلِهِ، وَمَالِهِ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ بِمَا لَهُ فَاَللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ التَّمَتُّعَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي هَذَا السَّفَرِ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى السَّفَرِ فَكَانَتْ حَرَامًا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا فَدَارَتْ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَصَلُحَتْ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ

ص: 356

وَالْيَمِينِ وَنَحْوِهَا، وَقَتْلِ الْعَمْدِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ وَيُفَسَّرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عز وجل.

ــ

[كشف الأسرار]

الْكَفَّارَاتِ عَلَى الصَّبِيِّ فَإِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ دَائِرَةً بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ، وَالْعِبَادَاتُ شُرِعَتْ ابْتِلَاءً، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِابْتِلَاءِ، وَالْعُقُوبَاتُ شُرِعَتْ جَزَاءَ فِعْلٍ مَحْظُورٍ، وَفِعْلُهُ لَا يُوصَفُ بِالْحَظْرِ فَلَا يَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ، كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ رحمه الله.

وَالْيَمِينُ. الْيَمِينُ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ بِلَا خِلَافٍ لِإِضَافَةِ الْكَفَّارَةِ إلَيْهَا شَرْعًا وَعُرْفًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] . وَيُقَالُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ إلَّا أَنَّهَا سَبَبٌ بِصِفَةِ كَوْنِهَا مَعْقُودَةً عِنْدَنَا وَشَرْطُ وُجُوبِهَا فَوَاتُ الْبِرِّ، وَمُوجِبُهَا الْأَصْلِيُّ وُجُوبُ الْبِرِّ وَالْكَفَّارَةُ وَجَبَتْ خَلَفًا عَنْهُ عِنْدَ فَوَاتِهِ لِيَصِيرَ بِاعْتِبَارِهَا كَأَنَّهُ تَمَّ عَلَى بِرِّهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله هِيَ سَبَبٌ بِصِفَةِ كَوْنِهَا مَقْصُودَةً وَيَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِهَا أَصْلًا لَا خَلَفًا عَنْ الْبِرِّ، وَشَرْطُهَا فَوْتُ الصِّدْقِ مِنْ الْخَبَرِ الَّذِي عُقِدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْغَمُوسِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ. هُوَ يَقُولُ الْكَفَّارَةُ مُؤَاخَذَةٌ شُرِعَتْ سَتْرًا لِلذَّنْبِ، وَمَحْوًا لِلْإِثْمِ فَيَتَعَلَّقُ بِارْتِكَابِ مَحْظُورٍ، وَهُوَ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ جل جلاله كَالتَّوْبَةِ تَجِبُ بِارْتِكَابِ الذَّنْبِ مَحْوًا لَهُ ثُمَّ الْهَتْكُ لَا يَحْصُلُ إلَّا عَنْ قَصْدٍ فَأَخْرَجَ الشَّرْعُ اللَّغْوَ عَنْ السَّبَبِيَّةِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَبَقِيَتْ الْغَمُوسُ وَالْمُنْعَقِدَةُ سَبَبَيْنِ لِلْكَفَّارَةِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْقَصْدِ، وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي قَوْله تَعَالَى:{لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] .، وَقُلْنَا نَحْنُ لَمَّا كَانَتْ الْكَفَّارَةُ مُشْتَمِلَةً عَلَى صِفَةِ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ لِكَوْنِهَا عِبَادَةً فِي ذَاتِهَا، وَكَوْنِهَا أَجْزِيَةً اسْتَدْعَتْ سَبَبًا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ كَمَا قُلْنَا، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ إلَّا فِي الْمُنْعَقِدَةِ فَيَكُونُ الْيَمِينُ بِصِفَةِ كَوْنِهَا مَعْقُودَةً سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ لَمَّا أَكَّدَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى حَرُمَ عَلَيْهِ هَتْكُ حُرْمَتِهِ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْهَتْكِ لَا يُحَصِّلُ إلَّا الْبِرَّ فَوَجَبَ الْبِرُّ بِالْيَمِينِ احْتِرَازًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ كَمَا وَجَبَ الْكَفُّ عَنْ الزِّنَا فِرَارًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ فَإِذَا فَاتَ الْبِرُّ وَحَصَلَ الْهَتْكُ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ خَلَفًا عَنْ الْبِرِّ لِيَصِيرَ كَأَنْ لَمْ يَفُتْ بِأَدَاءِ الْكَفَّارَةِ وَدَفْعِ الْهَتْكِ فَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْخِلَافَةِ فِيهَا.

فَإِنْ قِيلَ الْخَلَفُ يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا لِيَثْبُتَ الْخَلَفُ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ يُقَامُ مَقَامَ الْأَصْلِ، وَهَاهُنَا الْيَمِينُ قَدْ انْحَلَّتْ بِالْحِنْثِ وَصَارَتْ مَعْدُومَةً فَكَيْفَ يُجْعَلُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ. قُلْنَا هَذَا يَلْزَمُك أَيْضًا فَإِنَّك تَجْعَلُهَا مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ لَا قَبْلَهُ فَكَيْفَ تَقُولُ بِالْوُجُوبِ حَالَةَ الِانْحِلَالِ. ثُمَّ تَقُولُ إنَّهَا قَدْ انْحَلَّتْ فِي حَقِّ الْبِرِّ لِفَوَاتِهِ وَصَارَتْ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ الْآنَ فَهِيَ مُنْحَلَّةٌ مَعْدُومَةٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ الْبِرُّ، وَهِيَ قَائِمَةٌ لِتَصِيرَ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ فَكَانَتْ وَاجِبَةً بِذَلِكَ السَّبَبِ بِعَيْنِهِ لَكِنَّهُ بَطَلَ فِي حَقِّ الْبِرِّ وَانْقَلَبَ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ إلَّا أَنَّ مِنْ شَرْطِ انْعِقَادِهِ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ أَنْ يَكُونَ مُنْعَقِدًا لِوُجُوبِ الْبِرِّ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ خَلَفٌ عَنْهُ فَيَصِيرُ الْبِرُّ بَعْدَ فَوَاتِهِ مُبْقًى بِالْكَفَّارَةِ، وَبَاقِي الْكَلَامِ مَذْكُورٌ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ.

قَوْلُهُ (وَنَحْوُهَا) مِثْلُ الظِّهَارِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كَانَ طَلَاقًا مُبَاحٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ مَحْظُورٌ فَيَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ الظِّهَارَ مَعَ الْعَوْدِ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ فَإِنَّ الظِّهَارَ مَحْظُورٌ وَالْعَوْدَ مُبَاحٌ فَإِذَا اجْتَمَعَا صَارَ السَّبَبُ دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] . الْآيَةَ أَضَافَ إلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ بِكَلِمَةِ ثُمَّ، وَهِيَ كَلِمَةُ التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ الْمُظَاهِرَ عَزَمَ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى شَيْءٍ لَا يَرْجِعُ مِنْ سَاعَتِهِ فَأَدْخَلَ كَلِمَةَ التَّأْخِيرِ بِنَاءً عَلَى

ص: 357