المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ)

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ قِسْمَانِ

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل عَامٌّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَعَامٌّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ مَا هُوَ فَرْدٌ وُضِعَ لِلْجَمْعِ

- ‌[أَنْوَاع الْعَامُّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ كَلِمَةُ كُلٍّ

- ‌[كَلِمَةُ الْجَمِيعِ]

- ‌كَلِمَةُ مَا

- ‌ كَلِمَةُ الَّذِي

- ‌ النَّكِرَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُ الْعُمُومِ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْعَامِّ مَعْنًى لَا صِيغَةً]

- ‌ لَامُ التَّعْرِيفِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْرِيفَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنَى الْعَهْدِ

- ‌[النَّكِرَةِ إذَا اتَّصَلَ بِهَا وَصْفٌ عَامٌّ]

- ‌ كَلِمَةُ أَيُّ

- ‌ النَّكِرَةُ الْمُفْرَدَةُ فِي مَوْضِعِ إثْبَاتٍ

- ‌[بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ]

- ‌(بَابُ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ) (وَالْمَجَازِ وَالصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌[تعارض الْحَقِيقَة وَالْمَجَاز]

- ‌طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ

- ‌ الِاتِّصَالَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ قِبَلِ حُكْمِ الشَّرْعِ يَصْلُحُ طَرِيقًا لِلِاسْتِعَارَةِ

- ‌[يُسْتَعَارَ الْأَصْلُ لِلْفَرْعِ وَالسَّبَبُ لِلْحُكْمِ]

- ‌ الِاسْتِعَارَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَعَانِي

- ‌[الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ]

- ‌ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ

- ‌إِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ

- ‌قَدْ يَتَعَذَّرُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُمْتَنِعًا

- ‌ الْكَلَامَ إذَا كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ

- ‌(بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ)

- ‌دَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ

- ‌ الثَّابِتُ بِسِيَاقِ النَّظْمِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ

- ‌(بَابُ حُرُوفِ) (الْمَعَانِي)

- ‌[معانى الْوَاوُ]

- ‌[معانى الْفَاءُ]

- ‌[معانى ثُمَّ]

- ‌[معانى بَلْ]

- ‌[معانى لَكِنْ]

- ‌[معانى أَوْ]

- ‌بَابُ حَتَّى) :

- ‌بَابُ حُرُوفِ الْجَرِّ)

- ‌[مَعْنَى الْبَاءُ]

- ‌[مَعْنَى عَلَى]

- ‌[مَعْنَى مِنْ]

- ‌[مَعْنَى إلَى]

- ‌[مَعْنَى فِي]

- ‌[حُرُوفِ الْقَسَمِ]

- ‌ اَيْمُ اللَّهِ

- ‌ أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ

- ‌ حُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌ حُرُوفِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ الصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌بَابُ وُجُوهِ) (الْوُقُوفِ عَلَى) (أَحْكَامِ النَّظْمِ)

- ‌مَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ وَأُرِيدَ بِهِ الْقَصْدُ أَوْ الْإِشَارَةُ

- ‌ دَلَالَةُ النَّصِّ

- ‌[دَلَالَة الْمُقْتَضِي]

- ‌الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ

- ‌ الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ

- ‌ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ

- ‌ الْعَامَّ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ

- ‌ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مُوجِبٌ الْعَدَمَ

- ‌ مَنْ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ

- ‌(بَابُ الْعَزِيمَةِ) (وَالرُّخْصَةِ)

- ‌[أَقْسَام الْعَزِيمَةُ]

- ‌[أَقْسَام الرُّخَصُ]

- ‌{بَابُ حُكْمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي أَضْدَادِهِمَا}

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ)

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الصَّوْمِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ

- ‌[سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ]

- ‌ سَبَبُ الْخَرَاجِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ

- ‌سَبَبُ الْكَفَّارَاتِ

- ‌سَبَبُ الْمُعَامَلَاتِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَقْسَامِ) (السُّنَّةِ)

- ‌(بَابُ الْمُتَوَاتِرِ)

- ‌(بَابُ الْمَشْهُورِ)

- ‌(بَابُ خَبَرِ الْوَاحِدِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الرَّاوِي الَّذِي جُعِلَ خَبَرُهُ حُجَّةً)

- ‌[الرَّاوِي الْمَعْرُوفُ]

- ‌[الرَّاوِي الْمَجْهُولُ]

- ‌بَابُ بَيَانِ شَرَائِطِ الرَّاوِي)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ شُرُوطِ الرَّاوِي وَتَقْسِيمِهَا]

الفصل: ‌دلالة الاستعمال والعادة

يَقَعُ عَلَى الْكَرْعِ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ مُجَاوِرٍ لِلْفُرَاتِ وَذَلِكَ لَا يَنْقَطِعُ بِالْأَوَانِي؛ لِأَنَّهَا دُونَ النَّهْرِ فِي الْإِمْسَاكِ.

(بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ)

وَهُوَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ قَدْ تُتْرَكُ بِ‌

‌دَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ

وَقَدْ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ سِيَاقِ النَّظْمِ وَقَدْ تُتْرَكُ بِدَلَالَةٍ تَرْجِعُ إلَى الْمُتَكَلِّمِ وَقَدْ تُتْرَكُ بِدَلَالَةٍ فِي مَحَلِّ الْكَلَامِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَمِثْلُ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا اسْمٌ لِلدُّعَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ. ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا عِبَادَةٌ مَعْلُومَةٌ مَجَازًا لَمَّا أَنَّهَا شُرِعَتْ لِلذِّكْرِ

ــ

[كشف الأسرار]

فَأَكَلَ الْخُبْزَ وَالثَّانِيَةَ أَنْ يَقُولَ لَا آكُلُ حِنْطَةً فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ الْحِنْطَةِ سَوَاءٌ أَكَلَهَا نِيئًا أَوْ مَطْبُوخًا أَوْ مَبْلُولًا أَوْ مَقْلِيًّا وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ وَالْعَجِينِ وَالْخُبْزِ وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ لَا آكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ وَأَشَارَ إلَى صُبْرَةٍ فَأَكَلَ مِنْ دَقِيقِهَا أَوْ عَجِينِهَا أَوْ خُبْزِهَا لَا يَحْنَثُ لِتَبَدُّلِ الِاسْمِ.

وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الْإِشَارَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْحَمَلَ فَذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ حَنِثَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ بِخِلَافِ الْحَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ حَيًّا فَكَانَ يَمِينُهُ عَلَى لَحْمِهِ وَالْحِنْطَةُ يُمْكِنُ أَكْلُهَا حَبًّا فَكَانَ يَمِينُهُ عَلَى حَبِّهَا.

قَوْلُهُ (يَقَعُ عَلَى الْكَرْعِ خَاصَّةً) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ عَادَةً وَشَرْعًا فَإِنَّ «النَّبِيَّ عليه السلام مَرَّ بِقَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ مَاءٌ بَاتَ فِي شَنٍّ وَإِلَّا كَرَعَنَا فِي الْوَادِي» وَذَلِكَ عَادَةُ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالْقُرَى أَيْضًا وَإِذَا كَانَتْ مُسْتَعْمَلَةً كَانَ اللَّفْظُ مَحْمُولًا عَلَيْهَا دُونَ الْمَجَازِ وَعِنْدَ هُمَا يَقَعُ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ يُجَاوِرُ الْفُرَاتَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ فِي الْعُرْفِ يُقَالُ بَنُو فُلَانٍ يَشْرَبُونَ مِنْ الْوَادِي أَوْ مِنْ الْفُرَاتِ وَيُرَادُ بِهِ مَاءٌ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَيُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُتَنَاوِلًا لِلْحَقِيقَةِ بِعُمُومِهِ وَالْأَخْذُ بِالْأَوَانِي لَا يَقْطَعُ هَذِهِ النِّسْبَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْمَلُ عَمَلَ الْأَنْهَارِ فِي إمْسَاكِ الْمَاءِ فَيَحْنَثُ بِالِاغْتِرَافِ وَالْكَرْعِ جَمِيعًا لِعُمُومِ الْمَجَازِ فَإِنْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْ الْفُرَاتِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ هَذَا مِثْلُ الْفُرَاتِ فِي إمْسَاكِ الْمَاءِ فَيَقْطَعُ الْمُجَاوَرَةَ عَنْهُ فَخَرَجَ عَنْ عُمُومِ الْمَجَازِ وَالْكَرْعُ تَنَاوُلُ الْمَاءِ بِالْفَمِ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ كَرَعَ الرَّجُلُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْإِنَاءِ إذَا مَدَّ عُنُقَهُ نَحْوَهُ لِيَشْرَبَهُ وَمِنْهُ كَرِهَ عِكْرِمَةُ الْكَرْعَ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْبَهِيمَةِ يُدْخِلُ فِيهِ أَكَارِعَهُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الصِّحَاحِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ يَكْرَعُ كُرُوعًا إذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَبَ بِكَفَّيْهِ وَلَا بِإِنَاءٍ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى كَرِعَ بِالْكَسْرِ يَكْرَعُ كَرْعًا وَفِي الْأَسَاسِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ أَدْخَلَ فِيهِ أَكَارِعَهُ بِالْخَوْضِ فِيهِ لِيَشْرَبَ وَالْأَصْلُ فِي الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَشْرَبُ إلَّا بِإِدْخَالِ أَكَارِعِهَا فِيهِ. ثُمَّ قِيلَ لِلْإِنْسَانِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ إذَا شَرِبَ فِيهِ خَاضَ أَوْ لَمْ يَخُضْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ]

[دَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ]

{بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ}

لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقَرَائِنِ الَّتِي يُصْرَفُ بِهَا الْكَلَامُ إلَى الْمَجَازِ فَقَالَ جُمْلَةُ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ يَعْنِي بِهِ الشَّرْعِيَّاتِ.

وَالِانْحِصَارُ عَلَى الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ عُرِفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ قَوْلُهُ (بِدَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ) . قِيلَ هُمَا مُتَرَادِفَانِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ نَقْلُ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ إلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ شَرْعًا وَغَلَبَةُ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ حَتَّى صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ وَيُسَمَّى إذْ ذَاكَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً. وَمِنْ الْعَادَةِ نَقْلُهُ إلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ عُرْفًا وَاسْتِفَاضَتُهُ فِيهِ كَوَضْعِ الْقَدَمِ فِي قَوْلِهِ لَا أَضَعُ قَدَمِي فِي دَارِ فُلَانٍ وَيُسَمَّى حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِعْمَالُ رَاجِعًا إلَى الْقَوْلِ يَعْنِي إنَّهُمْ يُطْلِقُونَ هَذَا اللَّفْظَ فِي مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ فِي الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ دُونَ مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ كَالصَّلَاةِ وَالدَّابَّةِ مَثَلًا فَإِنَّهُمَا لَا تُسْتَعْمَلَانِ فِي الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ إلَّا فِي الْأَرْكَانِ الْمَعْهُودَةِ وَالْفَرَسِ. وَالْعَادَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الْفِعْلِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَدُلُّ سِيَاقُ كَلَامِ الشَّيْخِ قَوْلُهُ (فَإِنَّهَا اسْمٌ لِلدُّعَاءِ) الصَّلَاةُ الدُّعَاءُ لُغَةً قَالَ عليه السلام «وَإِذَا كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» أَيْ فَلْيَدْعُ.

وَقَالَ الْأَعْشَى

ص: 95

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وَكُلُّ ذِكْرٍ دُعَاءٌ وَكَالْحَجِّ فَإِنَّهُ قَصْدٌ فِي اللُّغَةِ فَصَارَ اسْمًا لِعِبَادَةٍ مَعْلُومَةٍ مَجَازًا لِمَا فِيهِ مِنْ قُوَّةِ الْعَزِيمَةِ وَالْقَصْدِ بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهَا مِنْ الْعُمْرَةِ وَالزَّكَاةِ حَتَّى صَارَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً وَإِنَّمَا صَارَ هَذَا دَلَالَةً عَلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَوْضُوعٌ لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ وَحَاجَتِهِمْ فَيَصِيرُ الْمَجَازُ بِاسْتِعْمَالِهِمْ كَالْحَقِيقَةِ وَمِثَالُهُ مَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا رحمهم الله فِيمَنْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ حَجًّا

ــ

[كشف الأسرار]

تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرُبْت مُرْتَجِلًا

يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا

عَلَيْكِ مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي عَيْنًا

فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعًا

أَيْ دَعَوْتِ يُرِيدُ قَوْلَهَا يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ، وَقَالَ أَيْضًا:

وَصَهْبَاءُ طَافَ يَهُودِيًّا

وَأَبْرَزَهَا وَعَلَيْهَا خَتَمٌ

وَأَقْبَلَهَا الرِّيحُ فِي دَنِّهَا

وَصَلَّى عَلَى دَنِّهَا وَارْتَسَمْ

أَيْ اسْتَقْبَلَ بِالْخَمْرِ الرِّيحَ وَدَعَا، وَارْتَسَمَ مِنْ الرَّوْسَمِ وَهُوَ الْخَاتَمُ يَعْنِي خَتَمَهَا، ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى الْأَرْكَانِ الْمَعْلُومَةِ لِمَا ذَكَرَ قَوْلُهُ قَالَ تَعَالَى {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] إمَّا مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ أَيْ لِتَذْكُرَنِي فِيهَا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ فِي كُلِّ رُكْنٍ. أَوْ مِنْ قَبِيلِ إضَافَتِهِ إلَى الْفَاعِلِ أَيْ أَقِمْهَا لَأَنْ أَذْكُرَك بِالْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ كَمَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] أَيْ ذِكْرُ اللَّهِ الْعَبْدَ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِ الْعَبْدِ إيَّاهُ. أَوْ أَقِمْهَا لِأَنِّي ذَكَرْتهَا فِي كُلِّ كِتَابٍ وَلَمْ أُخْلِ مِنْهَا شَرِيعَةً وَإِيرَادُهُ هَهُنَا لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ (وَكُلُّ ذِكْرٍ دُعَاءٌ) فَإِنَّ مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى يُقَالُ دَعَاهُ.

وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ اشْتِغَالَ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ الْمُحْتَاجِ بِذِكْرِ مَوْلَاهُ الْغَنِيِّ الْكَرِيمِ وَثَنَائِهِ تَعَرُّضٌ مِنْهُ لِطَلَبِ حَاجَتِهِ مِنْهُ فَيَكُونُ كُلُّ ذِكْرٍ دُعَاءً أَوْ الدُّعَاءُ ذِكْرُ الْمَدْعُوِّ لِطَلَبِ أَمْرٍ مِنْهُ.

وَقِيلَ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ مَا حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ رَسُولِ صلى الله عليه وسلم. «أَفْضَلُ دُعَاءٍ أُعْطِيته أَنَا وَالنَّبِيُّونَ قَبْلِي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» قَالَ مَا تُنْكِرُ مِنْ ذَا ثُمَّ حَدَّثَ بِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ تَشَاغَلَ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَعْطَاهُ اللَّهُ فَوْقَ رَغْبَةِ السَّائِلِينَ» . ثُمَّ قَالَ هَذَا أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ يَقُولُ لِابْنِ جُدْعَانَ:

أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي

حَيَاؤُك إنَّ شِيمَتَك الْحَيَاءُ

وَعِلْمُك بِالْحُقُوقِ وَأَنْتَ قَرْمُ

لَك الْحَسَبُ الْمُهَذَّبُ وَالسَّنَاءُ

إذَا أَثْنَى عَلَيْك الْمَرْءُ يَوْمًا

كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ

فَهَذَا مَخْلُوقٌ يَقُولُ فِي مَخْلُوقٍ فَمَا ظَنُّك بِرَبِّ الْعَالَمِينَ كَذَا فِي رَبِيعِ الْأَبْرَارِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَكَالْحَجِّ فَإِنَّهُ قَصْدٌ فِي اللُّغَةِ) الْحَجُّ الْقَصْدُ وَمِنْهُ الْمَحَجَّةُ لِلطَّرِيقِ وَالْحُجَّةُ لِأَنَّهَا تُقْصَدُ وَتُعْتَمَدُ أَوْ بِهَا يُقْصَدُ الْحَقُّ الْمَطْلُوبُ قَالَ الْمُخَبَّلُ السَّعْدِيُّ:

وَاشْهَدْ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرَةً

يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا

أَيْ يَقْصِدُونَهُ وَيَخْتَلِفُونَ إلَيْهِ. وَالسِّبُّ الْعِمَامَةُ وَالزِّبْرِقَانُ لَقَبُ حُصَيْنِ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْقَمَرُ ثُمَّ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْقَصْدِ إلَى مَكَّةَ لِلنُّسُكِ الْمَعْرُوفِ.

وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهَا مِنْ الْعُمْرَةِ. الْعُمْرَةُ اسْمٌ مِنْ الِاعْتِمَارِ كَالْعِبْرَةِ مِنْ الِاعْتِبَارِ وَأَصْلُهَا الزِّيَارَةُ يُقَالُ اعْتَمَرَ أَيْ زَارَ. وَفِي الْمُغْرِبِ أَصْلُهَا الْقَصْدُ إلَى مَكَان عَامِرٍ ثُمَّ غَلَبَتْ عَلَى هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْمَعْلُومَةِ وَهِيَ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَالزَّكَاةُ هَذَا التَّرْكِيبُ يَدُلُّ عَلَى الطَّهَارَةِ قَالَ تَعَالَى {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] . قِيلَ وَتُطَهِّرُهُمْ وَيُقَالُ فُلَانٌ زَكَّى نَفْسَهُ أَيْ مَدَحَهَا وَطَهَّرَهَا عَنْ رَذَائِلِ الْأَخْلَاقِ، وَعَلَى الزِّيَادَةِ وَالنَّمَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ يَزْكُو زَكَاةً أَيْ نَمَا ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا الْقَدْرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْمَالِ إلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ سَبَبٌ لِنَمَاءِ الْمَالِ وَالْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ فِيهِ وَلِطَهَارَةِ مُؤَدِّيهِ عَنْ الْآثَامِ وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ بِحَيْثُ صَارَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً. حَتَّى صَارَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ أَوْ يُزَكِّيَ لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ إلَّا الْعِبَادَاتُ الْمَعْهُودَةُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِمُبَاشَرَةِ حَقَائِقِهَا اللُّغَوِيَّةِ. وَإِنَّمَا صَارَ هَذَا أَيْ اسْتِعْمَالُ

ص: 96

أَوْ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ أَنْ يَضْرِبَ بِثَوْبِهِ حَطِيمَ الْكَعْبَةِ إنَّ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ وَمِثَالُهُ كَثِيرٌ وَقَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا إنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ اسْتِحْسَانًا عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفُوا وَيَسْقُطُ غَيْرُهُ وَهُوَ حَقِيقَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا

ــ

[كشف الأسرار]

اللَّفْظِ فِي مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ وَاسْتِفَاضَتُهُ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَوْضُوعٌ لِلْإِفْهَامِ وَالْمَطْلُوبُ بِهِ مَا يَسْبِقُ إلَيْهِ الْأَوْهَامُ فَإِذَا تَعَارَفَ النَّاسُ اسْتِعْمَالَهُ لِشَيْءٍ عَيْنًا كَانَ بِحُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ كَالْحَقِيقَةِ فِيهِ وَمَا سِوَاهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ كَالْمَجَازِ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْكَلَامُ إلَّا بِقَرِينَةٍ.

وَهَذَا كَاسْمِ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُ نَقْدَ الْبَلَدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِوُجُودِ الْعُرْفِ الظَّاهِرِ فِي التَّعَامُلِ بِهِ وَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ لِتَرْكِ التَّعَامُلِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ فَرْقٌ فِيمَا وُضِعَ الِاسْمُ لَهُ حَقِيقَةً كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله قَوْلُهُ (أَوْ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ) إذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ لَزِمَهُ حِجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَالْخِيَارُ إلَيْهِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْإِلْزَامَ بِالنَّذْرِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ شَرْعًا وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ شَرْعًا فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ كَالْمَشْيِ إلَى الْحَرَمِ وَإِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله. يُوَضِّحُهُ أَنَّ الِالْتِزَامَ بِاللَّفْظِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ مَا تَلَفَّظَ بِهِ وَهُوَ الْمَشْيُ بِالِاتِّفَاقِ فَلَأَنْ لَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ كَانَ أَوْلَى وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ الذَّهَابُ أَوْ السَّفَرُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ. وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْعُرْفِ الظَّاهِرِ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ هَذَا اللَّفْظَ وَيُرِيدُونَ بِهِ الْتِزَامَ النُّسُكِ وَتَعَارَفُوا ذَلِكَ وَاللَّفْظُ إذَا صَارَ عِبَارَةً عَنْ غَيْرِهِ مَجَازًا وَاشْتُهِرَ فِيهِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ حَقِيقَتِهِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِمَا صَارَ عِبَارَةً عَنْهُ وَالْعُرْفُ مُخْتَصٌّ بِلَفْظِ الْمَشْيِ الْمُضَافِ إلَى الْكَعْبَةِ أَوْ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى مَكَّةَ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهَا عَلَى الْقِيَاسِ.

وَعِنْدَهُمَا الْمَشْيُ الْمُضَافُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَالْمُضَافِ إلَى الْكَعْبَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَضْرِبَ بِثَوْبِي حَطِيمَ الْكَعْبَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَهُ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي كَلَامِهِ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَلَأَنْ لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ أَوْلَى.

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْإِهْدَاءُ بِهِ فَصَارَ اللَّفْظُ عِبَارَةً عَمَّا يُرَادُ بِهِ عُرْفًا فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ يُهْدِيَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّفْظَ مَتَى صَارَ عِبَارَةً عَنْ غَيْرِهِ سَقَطَ اعْتِبَارُ حَقِيقَتِهِ فِي نَفْسِهِ. كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَالْمَعْنَى الْمُجَوِّزُ لِلتَّجَوُّزِ هُوَ أَنَّ الضَّرْبَ عَلَى حَطِيمِ الْكَعْبَةِ أَمَارَةُ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَدَلِيلٌ عَلَيْهِ فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ السَّبَبِ وَإِرَادَةِ الْمُسَبَّبِ.

وَمِثَالُهُ كَثِيرٌ مِثْلُ مَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ الْهَدْيَ يَجِبُ ذَبْحُ الْهَدْيِ بِالْحَرَمِ وَكَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَ وَلَدِي أَوْ أَذْبَحَ وَلَدِي أَوْ أُضَحِّيَ وَلَدِي يَلْزَمُهُ ذَبْحُ شَاةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا.

قَوْلُهُ (وَقَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ) إنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ النَّظَائِرِ الْأُولَى وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِقَوْلِهِ وَقَالُوا لِأَنَّ فِيمَا تَقَدَّمَ لَمْ تَكُنْ الْحَقِيقَةُ مَنْظُورًا إلَيْهَا أَصْلًا وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَعْضُ أَفْرَادِ الْحَقِيقَةِ مَقْصُودٌ وَلِهَذَا قَالَ هُوَ شَبِيهٌ بِالْمَجَازِ. يَقَعُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ. إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا فَهُوَ عَلَى رُءُوسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ رَأْسَ كُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّ رَأْسَ الْجَرَادِ وَالْعُصْفُورِ لَا يَدْخُلَانِ تَحْتَهُ وَهُوَ رَأْسٌ حَقِيقَةً فَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَقِيقَةَ وَجَبَ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَهُوَ أَنَّ الرَّأْسَ مَا يُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ وَيُبَاعُ مَشْوِيًّا.

وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَقُولُ أَوَّلًا يَدْخُلُ فِيهِ رَأْسُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِمَا رَأَى مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ إنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الرُّءُوسِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ تَرَكُوا هَذِهِ الْعَادَةَ فِي الْإِبِلِ فَرَجَعَ وَقَالَ يَحْنَثُ

ص: 97

إنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَيْضِ الْإِوَزِّ وَالدَّجَاجَةِ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَبِيخًا أَيْ شِوَاءً إنَّهُ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ خَاصَّةً اسْتِحْسَانًا وَكُلُّ عَامٍّ سَقَطَ بَعْضُهُ كَانَ شَبِيهًا بِالْمَجَازِ عَلَى مَا سَبَقَ وَهَذَا ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ لَا غَيْرُ.

ــ

[كشف الأسرار]

فِي رَأْسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ خَاصَّةً ثُمَّ إنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا رَحِمَهُمَا اللَّهُ شَاهَدَا عَادَةَ أَهْلِ بَغْدَادَ وَسَائِرِ الْبُلْدَانِ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إلَّا فِي رُءُوسِ الْغَنَمِ فَقَالَا لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي رَأْسِ الْغَنَمِ فَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ اخْتِلَافُ عُرْفٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُكْمٍ وَبُرْهَانٍ وَالْعُرْفُ الظَّاهِرُ أَصْلٌ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ قَوْلُهُ (إنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَيْضِ الْإِوَزِّ وَالدَّجَاجَةِ) هَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ مَا سِوَاهُمَا مِنْ الْبَيْضِ لِأَنَّ التَّعَارُفَ مُخْتَصٌّ بِهِمَا وَهَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَقَالَ يَتَنَاوَلُ يَمِينُهُ بَيْضَ الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ خَاصَّةً لِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْلِ عُرْفًا وَلَا يَتَنَاوَلُ بَيْضَ الْحَمَامِ وَالْعُصْفُورِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا فَهُوَ عَلَى بَيْضِ الطَّيْرِ مِنْ الدَّجَاجَةِ وَالْإِوَزِّ وَغَيْرِهِمَا وَلَا يَدْخُلُ بَيْضُ السَّمَكِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهَذَا بَيْضُ كُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّ بَيْضَ الدُّودِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبَيْضِ وَيُؤْكَلُ عَادَةً وَهُوَ كُلُّ بَيْضٍ لَهُ قِشْرٌ كَبَيْضِ الدَّجَاجَةِ وَنَحْوِهَا.

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ بِمَا سِوَاهُمَا كَبَيْضِ النَّعَامِ وَالْحَمَامِ وَسَائِرِ الطُّيُورِ وَالدَّجَاجُ مَعْرُوفٌ وَفَتْحُ الدَّالِ فِيهِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا الْوَاحِدَةُ دَجَاجَةٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِأَنَّ الْهَاءَ دَخَلَتْهُ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ جِنْسِ مِثْلُ حَمَامَةٍ وَبَطَّةٍ كَذَا فِي الصِّحَاحِ قَوْلُهُ (وَلَا يَأْكُلُ طَبِيخًا) وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَبِيخًا فَهُوَ عَلَى اللَّحْمِ خَاصَّةً مَا لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ يَحْنَثُ فِي اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مَطْبُوخٌ وَلَكِنَّ الْأَخْذَ بِالْقِيَاسِ هَهُنَا يَفْحُشُ فَإِنَّ الْمُسَهِّلَ مِنْ الدَّوَاءِ مَطْبُوخٌ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ ذَلِكَ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ اللَّحْمُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُطْبَخُ فِي الْعَادَاتِ الظَّاهِرَةِ وَتُتَّخَذُ مِنْهُ الْمُبَاحَاتُ. قَالُوا وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا أَكَلَ اللَّحْمَ الْمَطْبُوخَ بِالْمَاءِ فَأَمَّا الْقَلِيَّةُ الْيَابِسَةُ فَلَا يُسَمَّى مَطْبُوخًا. فَإِنْ طَبَخَ بِالْمَاءِ إيَّاهَا فَأَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا فِي الْعَادَةِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّحْمِ.

وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشِّوَاءَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى اللَّحْمِ خَاصَّةً أَيْضًا اسْتِحْسَانًا دُونَ الْبَيْضِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالسَّلْقِ وَالْجَزَرِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَمَلَ بِالْعُمُومِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَيُصْرَفُ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعُرْفُ قَوْلُهُ (وَكُلُّ عَامٍّ سَقَطَ بَعْضُهُ كَانَ شَبِيهًا بِالْمَجَازِ) إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ أَنْتَ فِي بَيَانِ تَرْكِ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ وَفِيمَا ذَكَرْت مِنْ الْمَسَائِلِ اللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ مَا بَقِيَ تَحْتَهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لَكِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَنْ وَرَاءَ ذَلِكَ فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ الْحَقِيقَةِ الْقَاصِرَةِ وَقَدْ اخْتَرْت فِي بَابِ مُوجَبِ الْأَمْرِ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْقَاصِرَةَ لَا يُسَمَّى مَجَازًا فَأَنَّى يَسْتَقِيمُ إيرَادُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ الْعَامُّ إذَا سَقَطَ بَعْضُهُ صَارَ شَبِيهًا بِالْمَجَازِ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ عَنْ مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْكُلُّ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْبَعْضُ.

عَلَى مَا سَبَقَ أَيْ فِي بَابِ الْعَامِّ الَّذِي لَحِقَهُ الْخُصُوصُ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ الْكَرْخِيَّ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَامًّا حَقِيقَةً وَنَحْنُ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَصَارَ ظَنِّيًّا فَتَحَقَّقَ بِهِ شَبَهُ الْمَجَازِ فَلِذَلِكَ نَاسَبَ إيرَادُهَا هَهُنَا قَوْلُهُ (وَهَذَا ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ لَا غَيْرُ) أَيْ تَخَصُّصُ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ ثَابِتٌ بِالْعُرْفِ الْعَادِي لَا بِالْعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِيِّ فَإِنَّ لَفْظَ الرَّأْسِ كَمَا يُسْتَعْمَلُ فِي رَأْسِ الْغَنَمِ يُسْتَعْمَلُ فِي رَأْسِ الْعُصْفُورِ وَالْحَمَامِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى السَّوَاءِ إلَّا أَنَّ الْعَادَةَ فِي الْأَكْلِ مُخْتَصَّةٌ بِرَأْسِ الْغَنَمِ. وَكَذَا إطْلَاقُ لَفْظِ الْبَيْضِ عَلَى بَيْضِ الْعُصْفُورِ وَالْحَمَامِ شَائِعٌ

ص: 98