المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَأَمَّا إذَا اسْتَوَيَا فَمِثَالُهُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْإِقْرَارِ أَنَّ لِفُلَانٍ - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ٢

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ)

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ قِسْمَانِ

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل عَامٌّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَعَامٌّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ مَا هُوَ فَرْدٌ وُضِعَ لِلْجَمْعِ

- ‌[أَنْوَاع الْعَامُّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ كَلِمَةُ كُلٍّ

- ‌[كَلِمَةُ الْجَمِيعِ]

- ‌كَلِمَةُ مَا

- ‌ كَلِمَةُ الَّذِي

- ‌ النَّكِرَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُ الْعُمُومِ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْعَامِّ مَعْنًى لَا صِيغَةً]

- ‌ لَامُ التَّعْرِيفِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْرِيفَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنَى الْعَهْدِ

- ‌[النَّكِرَةِ إذَا اتَّصَلَ بِهَا وَصْفٌ عَامٌّ]

- ‌ كَلِمَةُ أَيُّ

- ‌ النَّكِرَةُ الْمُفْرَدَةُ فِي مَوْضِعِ إثْبَاتٍ

- ‌[بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ]

- ‌(بَابُ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ) (وَالْمَجَازِ وَالصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌[تعارض الْحَقِيقَة وَالْمَجَاز]

- ‌طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ

- ‌ الِاتِّصَالَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ قِبَلِ حُكْمِ الشَّرْعِ يَصْلُحُ طَرِيقًا لِلِاسْتِعَارَةِ

- ‌[يُسْتَعَارَ الْأَصْلُ لِلْفَرْعِ وَالسَّبَبُ لِلْحُكْمِ]

- ‌ الِاسْتِعَارَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَعَانِي

- ‌[الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ]

- ‌ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ

- ‌إِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ

- ‌قَدْ يَتَعَذَّرُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُمْتَنِعًا

- ‌ الْكَلَامَ إذَا كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ

- ‌(بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ)

- ‌دَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ

- ‌ الثَّابِتُ بِسِيَاقِ النَّظْمِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ

- ‌(بَابُ حُرُوفِ) (الْمَعَانِي)

- ‌[معانى الْوَاوُ]

- ‌[معانى الْفَاءُ]

- ‌[معانى ثُمَّ]

- ‌[معانى بَلْ]

- ‌[معانى لَكِنْ]

- ‌[معانى أَوْ]

- ‌بَابُ حَتَّى) :

- ‌بَابُ حُرُوفِ الْجَرِّ)

- ‌[مَعْنَى الْبَاءُ]

- ‌[مَعْنَى عَلَى]

- ‌[مَعْنَى مِنْ]

- ‌[مَعْنَى إلَى]

- ‌[مَعْنَى فِي]

- ‌[حُرُوفِ الْقَسَمِ]

- ‌ اَيْمُ اللَّهِ

- ‌ أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ

- ‌ حُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌ حُرُوفِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ الصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌بَابُ وُجُوهِ) (الْوُقُوفِ عَلَى) (أَحْكَامِ النَّظْمِ)

- ‌مَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ وَأُرِيدَ بِهِ الْقَصْدُ أَوْ الْإِشَارَةُ

- ‌ دَلَالَةُ النَّصِّ

- ‌[دَلَالَة الْمُقْتَضِي]

- ‌الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ

- ‌ الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ

- ‌ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ

- ‌ الْعَامَّ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ

- ‌ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مُوجِبٌ الْعَدَمَ

- ‌ مَنْ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ

- ‌(بَابُ الْعَزِيمَةِ) (وَالرُّخْصَةِ)

- ‌[أَقْسَام الْعَزِيمَةُ]

- ‌[أَقْسَام الرُّخَصُ]

- ‌{بَابُ حُكْمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي أَضْدَادِهِمَا}

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ)

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الصَّوْمِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ

- ‌[سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ]

- ‌ سَبَبُ الْخَرَاجِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ

- ‌سَبَبُ الْكَفَّارَاتِ

- ‌سَبَبُ الْمُعَامَلَاتِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَقْسَامِ) (السُّنَّةِ)

- ‌(بَابُ الْمُتَوَاتِرِ)

- ‌(بَابُ الْمَشْهُورِ)

- ‌(بَابُ خَبَرِ الْوَاحِدِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الرَّاوِي الَّذِي جُعِلَ خَبَرُهُ حُجَّةً)

- ‌[الرَّاوِي الْمَعْرُوفُ]

- ‌[الرَّاوِي الْمَجْهُولُ]

- ‌بَابُ بَيَانِ شَرَائِطِ الرَّاوِي)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ شُرُوطِ الرَّاوِي وَتَقْسِيمِهَا]

الفصل: وَأَمَّا إذَا اسْتَوَيَا فَمِثَالُهُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْإِقْرَارِ أَنَّ لِفُلَانٍ

وَأَمَّا إذَا اسْتَوَيَا فَمِثَالُهُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْإِقْرَارِ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَدِينَارًا أَنَّ الدِّينَارَ صَارَ دَاخِلًا فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَصَارَ مَشْرُوطًا مَعَ الْعَشَرَةِ لَا مَعَ الْأَلْفِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ عَطْفَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَحِيحٌ فَصَارَ مَا جَاوَرَهُ أَوْلَى.

وَأَمَّا لَكِنْ فَقَدْ وُضِعَ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ النَّفْيِ تَقُولُ مَا جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو فَصَارَ الثَّابِتُ بِهِ إثْبَاتَ مَا بَعْدَهُ فَأَمَّا نَفْيُ الْأَوَّلِ فَيَثْبُتُ بِدَلِيلِهِ بِخِلَافِ كَلِمَةِ بَلْ

ــ

[كشف الأسرار]

بِعَيْنِهِ فَلَوْ أَفْرَدْنَاهُ بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لَبَطَلَتْ الشَّرِكَةُ وَذَلِكَ مِمَّا يُنَافِيهِ الْعَطْفُ النَّاقِصُ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْعَطْفِ النَّاقِصِ إنَّمَا يُجْعَلُ مَا تَقَدَّمَ كَالْمُعَادِ ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إلَى تَصْحِيحِ آخِرِ كَلَامِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا بَلْ هَذِهِ غَيْرُ مَفْهُومِ الْمَعْنَى وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِصَرْفِهَا إلَى الطَّلَاقِ أَوْ إلَى الشَّرْطِ فَلَا يُصَارُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا إذَا اسْتَوَيَا) أَيْ اسْتَوَى الشَّبَهَانِ فِي صِحَّةِ الْعَطْفِ وَحُسْنِهِ فَمِثَالُهُ مَا لَوْ قَالَ إنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَدِينَارًا كَانَ الدِّينَارُ مَعْطُوفًا عَلَى الْعَشَرَةِ لَا عَلَى الْأَلْفِ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ مُسْتَثْنَاةً مِثْلَ الْعَشَرَةِ فَيَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ وَثَمَانُونَ لَوْ قَدَّرْنَا قِيمَةَ الدِّينَارِ عَشَرَةً أَوْ سَبْعُونَ لَوْ قَدَّرْنَاهَا عِشْرِينَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَعْطُوفًا عَلَى الْأَلْفِ لَزِمَهُ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ فِي عَطْفِ الدِّينَارِ شَبَهَانِ إذْ يَحْسُنُ عَطْفُهُ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ الْأَلْفُ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَدِينَارٌ وَيَحْسُنُ عَطْفُهُ أَيْضًا عَلَى الْمُسْتَثْنَى وَهُوَ عَشَرَةٌ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الدِّينَارِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْأَلْفِ صَحِيحٌ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَاسْتِثْنَاءِ الْعَشَرَةِ مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَدِينَارًا كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى الْعَشَرَةِ لَا غَيْرُ وَإِذَا صَحَّ الْعَطْفُ عَلَيْهِمَا تَرَجَّحَ الْعَطْفُ عَلَى الْعَشَرَةِ بِالْقُرْبِ وَالْجِوَارِ وَبِأَنَّ فِيهِ الْعَمَلَ بِالْأَصْلِ وَهُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَيَصِيرُ قِيمَتُهُ مُسْتَثْنَاةً مَعَ الْعَشَرَةِ مِنْ الْأَلْفِ، قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ أَصْلَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَجِبُ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنْ يَكُونَ الدِّينَارُ مَعْطُوفًا عَلَى الْأَلْفِ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ مَعْطُوفًا عَلَى الْعَشَرَةِ يَصِيرُ الدِّينَارُ مُسْتَثْنًى مِنْ الدَّرَاهِمِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَلَمَّا بَطَلَ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلْعَطْفِ.

فَإِنْ قِيلَ إذَا جَعَلْنَاهُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يَصِيرُ الدَّرَاهِمُ الْعَشَرَةُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْأَلْفِ وَمِنْ الدِّينَارِ وَذَلِكَ عِنْدَهُمَا غَيْرُ جَائِزٍ أَيْضًا وَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ الْعَطْفُ عَلَى الْأَلْفِ وَعَلَى الْعَشَرَةِ عِنْدَهُمَا يَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ كَمَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةً وَثَوْبًا قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ صِحَّةِ عَطْفِهِ عَلَى الْأَلْفِ عِنْدَهُمَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ فَإِنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمٌ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَنْصَرِفُ إلَى الدَّرَاهِمِ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ اسْتِثْنَاءً مِنْ الدَّنَانِيرِ نَظَرًا إلَى الْقُرْبِ صَحَّ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ اسْتِثْنَاءً مِنْ الدَّرَاهِمِ صَحَّ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى فَكَانَ جَعْلُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْلَى ثُمَّ قَالَ إذَا كَانَ ذَلِكَ لِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ جَعَلْنَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ نَوْعِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ فِي مِثْلِ هَذَا يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجِنْسِ فَصَحَّ الْعَطْفُ عَلَى الْأَلْفِ.

[معانى لَكِنْ]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا لَكِنْ) اعْلَمْ أَنَّ لَكِنْ يُسْتَدْرَكُ بِهِ مَا يُقَدَّرُ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ التَّوَهُّمِ نَحْوَ قَوْلِك مَا رَأَيْت زَيْدًا لَكِنْ عَمْرًا فَلِمُتَوَهِّمٍ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ عَمْرًا غَيْرُ مَرْئِيٍّ أَيْضًا فَأَمَاطَتْ كَلِمَةُ لَكِنْ هَذَا التَّوَهُّمَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلْ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَكِنْ أَخَصُّ مِنْ بَلْ فِي الِاسْتِدْرَاكِ لِأَنَّك تَسْتَدْرِكُ بَلْ بَعْدَ الْإِيجَابِ كَقَوْلِك ضَرَبْت زَيْدًا بَلْ عَمْرًا وَبَعْدَ النَّفْيِ كَقَوْلِك مَا جَاءَنِي زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو وَلَا تَسْتَدْرِكُ بِلَكِنْ إلَّا بَعْدَ النَّفْيِ لَا تَقُولُ ضَرَبْت زَيْدًا لَكِنْ عَمْرًا وَإِنَّمَا تَقُولُ مَا ضَرَبْت زَيْدًا لَكِنْ عَمْرًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وُضِعَ لِلِاسْتِدْرَاكِ

ص: 139

غَيْرَ أَنَّ الْعَطْفَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عِنْدَ اتِّسَاقِ الْكَلَامِ فَإِذَا اتَّسَقَ الْكَلَامُ تَعَلَّقَ النَّفْيُ بِالْإِثْبَاتِ الَّذِي وُصِلَ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ مِثَالُهُ مَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْجَامِعِ فِي رَجُلٍ فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَأَقَرَّ أَنَّهُ لِفُلَانٍ فَقَالَ فُلَانٌ مَا كَانَ لِي قَطُّ لَكِنَّهُ لِفُلَانٍ آخَرَ فَإِنْ وُصِلَ الْكَلَامُ فَهُوَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي وَإِنْ فُصِلَ يُرَدُّ عَلَى الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا عَنْ نَفْسِهِ أَصْلًا فَيَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا إلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ فَإِذَا وُصِلَ كَانَ بَيَانًا أَنَّهُ نَفَاهُ إلَى الثَّانِي وَإِذَا فُصِلَ كَانَ مُطْلَقًا فَصَارَ تَكْذِيبًا لِلْمُقِرِّ وَقَالُوا فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ بِدَارٍ بِالْبَيِّنَةِ إذَا قَالَ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ

ــ

[كشف الأسرار]

بَعْدَ النَّفْيِ وَهَذَا فِي عَطْفِ الْمُفْرَدِ عَلَى الْمُفْرَدِ فَإِنْ كَانَ فِي الْكَلَامِ جُمْلَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ جَازَ الِاسْتِدْرَاكُ بِلَكِنْ فِي الْإِيجَابِ أَيْضًا كَقَوْلِك جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو لَمْ يَأْتِ فَقَوْلُك عَمْرٌو لَمْ يَأْتِ جُمْلَةٌ مَنْفِيَّةٌ وَمَا قَبْلَ لَكِنْ جُمْلَةٌ مُوجَبَةٌ فَقَدْ حَصَلَ الِاخْتِلَافُ وَعَمْرٌو فِي قَوْلِك لَكِنْ عَمْرٌو لَمْ يَأْتِ، مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَلَمْ يَأْتِ خَبَرُهُ وَكَذَا قَوْلُك ضَرَبْت زَيْدًا لَكِنْ لَمْ أَضْرِبْ عَمْرًا فَعَمْرًا مَنْصُوبٌ بِلَمْ أَضْرِبْ وَلَيْسَ لِحَرْفِ الْعَطْفِ فِيهِ حَظٌّ كَمَا يَكُونُ فِي قَوْلِك مَا ضَرَبْت زَيْدًا لَكِنْ عَمْرًا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ النَّفْيِ مُخْتَصٌّ بِعَطْفِ الْمُفْرَدِ عَلَى الْمُفْرَدِ دُونَ عَطْفِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ.

وَالثَّانِي أَنَّ مُوجِبَ الِاسْتِدْرَاكِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ إثْبَاتُ مَا بَعْدَهُ فَأَمَّا نَفْيُ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ مِنْ أَحْكَامِهَا بَلْ يَثْبُتُ ذَلِكَ بِدَلِيلِهِ وَهُوَ النَّفْيُ الْمَوْجُودُ فِيهِ صَرِيحًا بِخِلَافِ كَلِمَةِ بَلْ فَإِنَّ مُوجِبَهَا وَضْعًا نَفْيُ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتُ الثَّانِي يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي قَوْلِك مَا جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو انْتَفَى مَجِيءُ زَيْدٍ بِصَرِيحِ هَذَا الْكَلَامِ لَا بِكَلِمَةِ لَكِنْ فَإِنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ قَوْلِهِ لَكِنْ عَمْرٌو كَانَ الِانْتِفَاءُ ثَابِتًا أَيْضًا وَفِي قَوْلِك جَاءَنِي زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو انْتَفَى مَجِيءُ زَيْدٍ بِكَلِمَةِ بَلْ لَا بِصَرِيحِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ قَوْلِهِ بَلْ عَمْرٌو لَا يَثْبُتُ الِانْتِفَاءُ بَلْ يَثْبُتُ ضِدُّهُ وَهُوَ الثُّبُوتُ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (غَيْرَ أَنَّ الْعَطْفَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ مِنْ قَوْلِهِ وُضِعَ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ النَّفْيِ وَتَقْدِيرُهُ لَكِنْ لِلْعَطْفِ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ النَّفْيِ إلَّا أَنَّ الْعَطْفَ بِهَذَا الطَّرِيقِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عِنْدَ اتِّسَاقِ الْكَلَامِ وَالْمُرَادُ مِنْ اتِّسَاقِ الْكَلَامِ، انْتِظَامُهُ وَذَلِكَ بِطَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مُتَّصِلًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ غَيْرَ مُنْفَصِلٍ لِيَتَحَقَّقَ الْعَطْفُ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْإِثْبَاتِ غَيْرَ مَحَلِّ النَّفْيِ لِيُمْكِنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يُنَاقِضُ آخِرُ الْكَلَامِ أَوَّلَهُ كَمَا فِي قَوْلِك مَا جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو فَإِذَا فَاتَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ لَا يَثْبُتُ الِاتِّسَاقُ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْرَاكُ فَيَكُونُ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا مِثَالُ فَوَاتِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ رَجُلٌ فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَأَقَرَّ بِهِ لِإِنْسَانٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ مَا كَانَ لِي قَطُّ لَكِنَّهُ لِفُلَانٍ آخَرَ فَإِنْ وَصَلَ الْكَلَامَ فَهُوَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي وَهُوَ فُلَانٌ وَإِنْ فَصَلَ يُدْرَدُ عَلَى الْمُقَرِّ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ وَهُوَ قَوْلُهُ مَا كَانَ لِي قَطُّ تَصْرِيحٌ بِنَفْيِ مِلْكِهِ عَنْ الْعَبْدِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا عَنْ نَفْسِهِ أَصْلًا مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلٍ إلَى آخَرَ فَيَكُونُ هَذَا رَدًّا لِلْإِقْرَارِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لَهُ وَالْمُقَرُّ لَهُ مُتَفَرِّدٌ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ فَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ وَيَرْجِعُ الْعَبْدُ إلَى الْمُقِرِّ الْأَوَّلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا عَنْ نَفْسِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي فَيَكُونُ تَحْوِيلًا لَا رَدًّا لِلْإِقْرَارِ وَيَصِيرُ قَابِلًا لَهُ مُقِرًّا بِهِ لِغَيْرِهِ.

فَإِذَا وَصَلَ أَيْ قَوْلُهُ لَكِنَّهُ لِفُلَانٍ بِهِ أَيْ بِقَوْلِهِ مَا كَانَ لِي قَطُّ كَانَ وَصْلُهُ بِهِ بَيَانًا أَنَّهُ نَفَاهُ أَيْ الْمِلْكَ عَنْ نَفْسِهِ إلَى الثَّانِي لَا أَنَّهُ نَفَاهُ مُطْلَقًا وَصَارَ كَالْمَجَازِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَيَصِيرُ قَوْلُهُ عَلَيَّ مَجَازًا لِلْحِفْظِ إذَا وَصَلَهُ بِالْكَلَامِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَإِذَا فَصَلَ فِي قَوْلِهِ لَكِنَّهُ لِفُلَانٍ عَنْ النَّفْيِ كَانَ هَذَا نَفْيًا مُطْلَقًا أَيْ نَفْيًا عَنْ نَفْسِهِ أَصْلًا لَا نَفْيًا إلَى أَحَدٍ فَكَانَ رَدًّا لِلْإِقْرَارِ وَتَكْذِيبًا لِلْمُقِرِّ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الظَّاهِرِ وَكَانَ قَوْلُهُ لَكِنَّهُ لِفُلَانٍ بَعْدَ ذَلِكَ شَهَادَةً بِالْمِلْكِ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي عَلَى الْمُقِرِّ الْأَوَّلِ وَبِشَهَادَةِ الْفَرْدِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فَيَبْقَى الْعَبْدُ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ الْأَوَّلِ وَمِثَالٌ آخَرُ رَجُلٌ ادَّعَى

ص: 140

لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ وَقَالَ فُلَانٌ إنَّهُ بَاعَنِي بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ وَهَبَنِي أَنَّ الدَّارَ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَعَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ الْقِيمَةُ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نَفَاهَا عَنْ نَفْسِهِ إلَى الثَّانِي أَيْضًا حَيْثُ وُصِلَ بِهِ الْبَيَانُ

ــ

[كشف الأسرار]

دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا دَارُهُ وَاَلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ يَجْحَدُ ذَلِكَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهَا دَارُهُ فَقَضَى الْقَاضِي بِهَا لَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْمَقْضِيُّ لَهُ أَنَّهَا دَارُ فُلَانٍ وَلَمْ يَكُنْ لِي قَطُّ أَوْ قَالَ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْجَمِيعِ تُرَدُّ الدَّارُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا أَنَّ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ وَالْحُكْمَ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ بَاطِلًا فَوَجَبَ رَدُّ الدَّارِ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْمُقِرَّ الْأَوَّلَ.

وَالثَّانِيَ وَالْمُقَرَّ لَهُ الْآخَرَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الثَّانِيَ صَدَّقَ الْمُقِرَّ الْأَوَّلَ فِي النَّفْيِ وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي الْجِهَةِ وَالثَّالِثَ صَدَّقَ الْمُقِرَّ الثَّانِيَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنْ لَا حَقَّ لِلْأَوَّلِ فِي الْعَبْدِ فَلَمْ يَسْتَقِمْ رَدُّهُ عَلَيْهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى خِلَافِهِ فَيُرَدُّ إلَى الثَّالِثِ لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ فَأَمَّا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَدَّعِيهَا وَلَمْ يَزْعُمْ قَطُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ وَلَكِنْ اُسْتُحِقَّتْ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ فَإِذَا بَطَلَ الْقَضَاءُ بِقَوْلِ الْمَقْضِيِّ لَهُ إنَّهَا مَا كَانَتْ لِي قَطُّ لَكِنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَنْ أَخَذَهَا بِزَعْمِهِ فَلِهَذَا تُرَدُّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمُقَرَّ لَهُ صَدَّقَهُ فِي الْإِقْرَارِ وَكَذَّبَهُ فِي النَّفْيِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ كَانَتْ الدَّارُ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ إلَّا أَنَّهُ وَهَبَهَا لِي بَعْدَ الْقَضَاءِ وَسَلَّمَهَا إلَيَّ أَوْ بَاعَهَا مِنِّي فَهِيَ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يُشْكِلُ إذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ ثُمَّ بِالنَّفْيِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ صَحَّ ظَاهِرًا وَثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِتَصْدِيقِهِ إيَّاهُ فِي قَوْلِهِ هِيَ لِفُلَانٍ فَإِذَا قَالَ بَعْدَهُ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ فَقَطْ أَرَادَ إبْطَالَ إقْرَارِهِ وَالرُّجُوعَ عَنْهُ وَكَذَّبَهُ الْمُقِرُّ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَبْطُلْ فِي حَقِّهِ وَأَمَّا إذَا بَدَأَ بِالنَّفْيِ بِأَنْ قَالَ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ بِكَلَامٍ مَوْصُولٍ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعَنْ زُفَرَ رحمه الله أَنَّ الدَّارَ تُرَدُّ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ كَافٍ فِي نَقْضِ الْقَضَاءِ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: وَلَكِنَّهَا لِفُلَانٍ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ مَقْطُوعٌ عَمَّا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيَانٍ مُغَيِّرٍ لِيَتَوَقَّفَ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَيَصِيرَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِلْغَيْرِ بَعْدَمَا انْتَفَى مِلْكُهُ وَعَادَ إلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الْإِقْرَارُ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ كَمَا لَوْ فَصَلَ الْإِقْرَارَ عَنْ النَّفْيِ وَلَكِنَّا نَقُولُ إنَّ آخِرَ كَلَامِهِ مُنَافٍ لِأَوَّلِهِ لِأَنَّ آخِرَهُ إثْبَاتٌ وَأَوَّلَهُ نَفْيٌ وَالْإِثْبَاتُ مَتَى ذُكِرَ مَعْطُوفًا عَلَى النَّفْيِ مُتَّصِلًا بِهِ لَا يَقَعُ عَنْهُ وَلَا يُحْكَمُ لِأَوَّلِ الْكَلَامِ بِشَيْءٍ قَبْلَ آخِرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ تَكُونُ إقْرَارًا بِالتَّوْحِيدِ بِاعْتِبَارِ آخِرِهِ وَلَا فَرْقَ فَإِنَّ ذَلِكَ كَلَامٌ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَمَا أَنَّ هَذَا كَلَامٌ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَيُعْتَبَرُ الْحَاصِلُ وَهُوَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْمُقَرِّ لَهُ عِنْدَ اتِّصَالِ آخِرِهِ بِأَوَّلِهِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ بِاتِّصَالِ الْإِثْبَاتِ بِهِ نَفْيًا لِلْمِلْكِ عَنْ نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِهِ لِلثَّانِي وَذَلِكَ مُحْتَمِلٌ بِأَنْ يَمْلِكَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا الْإِقْرَارُ إذَا غَابَا عَنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي حَتَّى يُمْكِنَ لِلْقَاضِي تَصْدِيقُ الْمُقَرِّ لَهُ فَأَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَقَدْ عَلِمَ الْقَاضِي بِكَذِبِهِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا هِبَةٌ وَقَبْضٌ وَلَا بَيْعٌ وَالْكَذِبُ لَا حُكْمَ لَهُ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلِأَنَّ اتِّصَالَ النَّفْيِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِثْبَاتِ لِغَيْرِهِ إنَّمَا يَكُونُ لِتَأْكِيدِ الْإِثْبَاتِ عُرْفًا وَمَا ذُكِرَ تَأْكِيدًا لِلشَّيْءِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ فَصَارَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَأَنَّهُ قَالَ هَذَا الدَّارُ لِفُلَانٍ وَسَكَتَ وَلِأَنَّ النَّفْيَ

ص: 141

إلَّا أَنَّهُ بِالْإِسْنَادِ صَارَ شَاهِدًا عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَلَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَقَالَ فِي نِكَاحِ الْجَامِعِ فِي أَمَةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمَوْلَى لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ وَلَكِنْ أُجِيزُهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ إنْ زِدْتنِي خَمْسِينَ أَنَّ هَذَا فَسْخٌ لِلنِّكَاحِ وَجُعِلَ لَكِنْ مُبْتَدَأً لِأَنَّ الْكَلَامَ غَيْرُ مُتَّسِقٍ لِأَنَّهُ نَفْيُ فِعْلٍ وَإِثْبَاتُهُ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَصْلُحْ لِلتَّدَارُكِ وَفِي قَوْلِ الرَّجُلِ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَا وَلَكِنَّهُ غَصْبٌ

ــ

[كشف الأسرار]

لَمَّا كَانَ لِتَأْكِيدِ الْإِقْرَارِ كَانَ مُؤَخَّرًا عَنْ الْإِقْرَارِ مَعْنًى لِأَنَّ التَّأْكِيدَ أَبَدًا يَكُونُ بَعْدَ الْمُؤَكَّدِ.

وَلِأَنَّ الْمُقِرَّ قَصَدَ تَصْحِيحَ إقْرَارِهِ وَلَا يَصِحُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا بِجَعْلِ الْإِقْرَارِ مُقَدَّمًا وَالْكَلَامُ يَحْتَمِلُ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ دُونَ الْإِلْغَاءِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا قَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ) أَيْ لَكِنَّهُ بِالْإِسْنَادِ أَيْ بِإِسْنَادِ نَفْيِ الْمِلْكِ إلَى مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنَّ قَوْلَهُ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ يَتَنَاوَلُ الْأَزْمِنَةَ السَّابِقَةَ عَلَى الْقَضَاءِ صَارَ شَاهِدًا عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ حَقَّ الْمُقَرِّ لَهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ بِقَوْلِهِ لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ وَهُوَ بِالْإِسْنَادِ يُبْطِلُ هَذَا الْحَقَّ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ يَتَضَمَّنُ بُطْلَانَ الْقَضَاءِ وَفِي بُطْلَانِهِ بُطْلَانُ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْقَضَاءِ فَصَارَ شَاهِدًا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلَمْ يَصِحَّ شَهَادَتُهُ عِنْدَ تَكْذِيبِ الْمُقِرِّ لَهُ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِلْغَيْرِ وَيَتَّضِحُ هَذَا بِفَصْلِ تَقْدِيمِ الْإِقْرَارِ عَلَى النَّفْيِ بِأَنْ قَالَ هِيَ لِفُلَانٍ وَلَمْ يَكُنْ لِي قَطُّ فَإِنَّ النَّفْيَ فِيهِ شَهَادَةٌ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَبُطْلَانُ حَقِّهِ الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ السَّابِقِ فَكَذَلِكَ فِي فَصْلِ تَأْخِيرِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِاتِّصَالِ النَّفْيِ بِالْإِثْبَاتِ صَارَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَصَارَ تَقَدُّمُ الْإِقْرَارِ وَتَأَخُّرُهُ سَوَاءً ثُمَّ إنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُصَدَّقْ فِي حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إقْرَارٌ بِبُطْلَانِ الْقَضَاءِ وَهُوَ حَقُّهُ فَصَارَ بِهِ مُقِرًّا بِالدَّارِ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهَا.

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى ضَمَانَ الْعَقَارِ بِالْغَصْبِ فَيَضْمَنُ بِالْقَصْرِ أَيْضًا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَلَا وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ رحمه الله أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْقَوْلِ مِثْلُ سَوْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فَكَذَا هَهُنَا وَذَكَرَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيّ أَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ صَارَ مُتْلِفًا لِلدَّارِ وَالدَّارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا يُضْمَنُ بِالشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ أَعْنِي قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ بِالْعَبْدِ مَا كَانَ لِي قَطُّ لَكِنَّهُ لِفُلَانٍ وَقَوْلَ مُدَّعِي الدَّارِ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ لَيْسَا مِنْ نَظَائِرِ هَذَا الْبَابِ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ لَكِنَّ الْمُشَدَّدَةَ لَيْسَتْ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ بَلْ هِيَ مِنْ الْحُرُوفِ النَّاصِبَةِ أَوْ إنَّمَا الْعَاطِفَةُ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ إلَّا أَنَّهُمَا لَمَّا اشْتَرَكَتَا فِي الِاسْتِدْرَاكِ وَاسْتَوَتَا فِي الْحُكْمِ أَوْرَدَ الشَّيْخُ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَمِثَالُ فَوَاتِ الْمَعْنَى الثَّانِي أَمَةٌ تَزَوَّجَتْ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ (وَفِي قَوْلِ الرَّجُلِ لَك عَلَيَّ كَذَا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُخَالِفُ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي قَبْلَهَا فِي أَنَّ الِاسْتِدْرَاكَ فِيهَا صَرْفٌ إلَى الْجُمْلَةِ حَتَّى صَحَّ وَلَمْ يُصْرَفْ إلَى أَصْلِ الْإِقْرَارِ وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ صَرْفٌ إلَى أَصْلِ النِّكَاحِ وَلَمْ يُصْرَفْ إلَى الْجِهَةِ وَهِيَ نَفْيُ الْمِائَةِ وَإِثْبَاتُ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ كَمَا فِي قَوْلِهِ لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ إلَّا بِزِيَادَةِ خَمْسِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَدْ صَرَّحَ بِرَدِّ النِّكَاحِ بِقَوْلِهِ لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ فَلَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى الْجِهَةِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ لَمْ يُصَرِّحْ بِرَدِّ أَصْلِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْأَلْفُ بَلْ قَالَ لَا وَأَنَّهُ يَصْلُحُ رَدًّا لِلْجِهَةِ وَرَدًّا لِلْأَصْلِ فَإِذَا وَصَلَ بِهِ قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ غَصْبٌ عُلِمَ أَنَّهُ نَفَى السَّبَبَ لَا أَصْلَ الْمَالِ وَأَنَّهُ قَدْ صَدَّقَهُ فِي الْإِقْرَارِ بِأَصْلِ الْمَالِ وَلَا تَفَاوُتَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ وَالْأَسْبَابُ مَطْلُوبَةٌ لِلْأَحْكَامِ فَعِنْدَ عَدَمِ التَّفَاوُتِ يَتِمُّ تَصْدِيقُهُ لَهُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِأَنَّ الْأَلْفَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْغَصْبِ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَنَّ الْأَلْفَ

ص: 142