المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(بَابُ الْمَشْهُورِ) (مِنْ الْأَخْبَارِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رضي الله عنه الْمَشْهُورُ - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ٢

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ)

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ قِسْمَانِ

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل عَامٌّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَعَامٌّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ مَا هُوَ فَرْدٌ وُضِعَ لِلْجَمْعِ

- ‌[أَنْوَاع الْعَامُّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ كَلِمَةُ كُلٍّ

- ‌[كَلِمَةُ الْجَمِيعِ]

- ‌كَلِمَةُ مَا

- ‌ كَلِمَةُ الَّذِي

- ‌ النَّكِرَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُ الْعُمُومِ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْعَامِّ مَعْنًى لَا صِيغَةً]

- ‌ لَامُ التَّعْرِيفِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْرِيفَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنَى الْعَهْدِ

- ‌[النَّكِرَةِ إذَا اتَّصَلَ بِهَا وَصْفٌ عَامٌّ]

- ‌ كَلِمَةُ أَيُّ

- ‌ النَّكِرَةُ الْمُفْرَدَةُ فِي مَوْضِعِ إثْبَاتٍ

- ‌[بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ]

- ‌(بَابُ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ) (وَالْمَجَازِ وَالصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌[تعارض الْحَقِيقَة وَالْمَجَاز]

- ‌طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ

- ‌ الِاتِّصَالَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ قِبَلِ حُكْمِ الشَّرْعِ يَصْلُحُ طَرِيقًا لِلِاسْتِعَارَةِ

- ‌[يُسْتَعَارَ الْأَصْلُ لِلْفَرْعِ وَالسَّبَبُ لِلْحُكْمِ]

- ‌ الِاسْتِعَارَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَعَانِي

- ‌[الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ]

- ‌ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ

- ‌إِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ

- ‌قَدْ يَتَعَذَّرُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُمْتَنِعًا

- ‌ الْكَلَامَ إذَا كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ

- ‌(بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ)

- ‌دَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ

- ‌ الثَّابِتُ بِسِيَاقِ النَّظْمِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ

- ‌(بَابُ حُرُوفِ) (الْمَعَانِي)

- ‌[معانى الْوَاوُ]

- ‌[معانى الْفَاءُ]

- ‌[معانى ثُمَّ]

- ‌[معانى بَلْ]

- ‌[معانى لَكِنْ]

- ‌[معانى أَوْ]

- ‌بَابُ حَتَّى) :

- ‌بَابُ حُرُوفِ الْجَرِّ)

- ‌[مَعْنَى الْبَاءُ]

- ‌[مَعْنَى عَلَى]

- ‌[مَعْنَى مِنْ]

- ‌[مَعْنَى إلَى]

- ‌[مَعْنَى فِي]

- ‌[حُرُوفِ الْقَسَمِ]

- ‌ اَيْمُ اللَّهِ

- ‌ أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ

- ‌ حُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌ حُرُوفِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ الصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌بَابُ وُجُوهِ) (الْوُقُوفِ عَلَى) (أَحْكَامِ النَّظْمِ)

- ‌مَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ وَأُرِيدَ بِهِ الْقَصْدُ أَوْ الْإِشَارَةُ

- ‌ دَلَالَةُ النَّصِّ

- ‌[دَلَالَة الْمُقْتَضِي]

- ‌الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ

- ‌ الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ

- ‌ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ

- ‌ الْعَامَّ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ

- ‌ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مُوجِبٌ الْعَدَمَ

- ‌ مَنْ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ

- ‌(بَابُ الْعَزِيمَةِ) (وَالرُّخْصَةِ)

- ‌[أَقْسَام الْعَزِيمَةُ]

- ‌[أَقْسَام الرُّخَصُ]

- ‌{بَابُ حُكْمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي أَضْدَادِهِمَا}

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ)

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الصَّوْمِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ

- ‌[سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ]

- ‌ سَبَبُ الْخَرَاجِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ

- ‌سَبَبُ الْكَفَّارَاتِ

- ‌سَبَبُ الْمُعَامَلَاتِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَقْسَامِ) (السُّنَّةِ)

- ‌(بَابُ الْمُتَوَاتِرِ)

- ‌(بَابُ الْمَشْهُورِ)

- ‌(بَابُ خَبَرِ الْوَاحِدِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الرَّاوِي الَّذِي جُعِلَ خَبَرُهُ حُجَّةً)

- ‌[الرَّاوِي الْمَعْرُوفُ]

- ‌[الرَّاوِي الْمَجْهُولُ]

- ‌بَابُ بَيَانِ شَرَائِطِ الرَّاوِي)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ شُرُوطِ الرَّاوِي وَتَقْسِيمِهَا]

الفصل: ‌ ‌(بَابُ الْمَشْهُورِ) (مِنْ الْأَخْبَارِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رضي الله عنه الْمَشْهُورُ

(بَابُ الْمَشْهُورِ)

(مِنْ الْأَخْبَارِ)

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رضي الله عنه الْمَشْهُورُ مَا كَانَ مِنْ الْآحَادِ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ انْتَشَرَ فَصَارَ يَنْقُلُهُ قَوْمٌ لَا يُتَوَهَّمُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَهُمْ الْقَرْنُ الثَّانِي بَعْدَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَأُولَئِكَ قَوْمٌ ثِقَاتٌ أَئِمَّةٌ لَا يُتَّهَمُونَ فَصَارَ بِشَهَادَتِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَاتِرِ حُجَّةً مِنْ حُجَجِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى قَالَ الْجَصَّاصُ: إنَّهُ أَحَدُ قِسْمَيْ الْمُتَوَاتِرِ، وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ: إنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْأَخْبَارِ يُضَلَّلُ جَاحِدُهُ، وَلَا يُكَفَّرُ مِثْلُ حَدِيثِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَحَدِيثِ الرَّجْمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ بِشَهَادَةِ السَّلَفِ صَارَ حُجَّةً لِلْعَمَلِ بِهِ كَالْمُتَوَاتِرِ فَصَحَّتْ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ نَسْخٌ عِنْدَنَا وَذَلِكَ

ــ

[كشف الأسرار]

خِلَافِ السُّوفِسْطَائِيَّة.

، وَقَوْلُهُمْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَرْتِيبِ الْمُقَدِّمَاتِ قُلْنَا لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْتِيبِهَا كَوْنُ الْقَضِيَّةِ الْحَاصِلَةِ مِنْهَا نَظَرِيَّةً؛ لِأَنَّ صُورَةَ التَّرْتِيبِ أَوْ التَّرْكِيبِ مُمْكِنَةٌ فِي كُلِّ ضَرُورِيٍّ حَتَّى فِي أَظْهَرِ الضَّرُورِيَّاتِ كَقَوْلِنَا الشَّيْءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ بِأَنْ يُقَالَ الْكَوْنُ، وَهُوَ الْوُجُودُ وَاللَّا كَوْنُ، وَهُوَ الْعَدَمُ مُتَقَابِلَانِ وَالْمُتَقَابَلَانِ يَمْتَنِعُ إنْصَافُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِهِمَا فَالشَّيْءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إمْكَانَ صُورَةِ التَّرْتِيبِ لَا يَكْفِي فِي كَوْنِ الْعِلْمِ نَظَرِيًّا بَلْ يُحْتَاجُ مَعَ ذَلِكَ إلَى الْعِلْمِ بِارْتِبَاطِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ بِالْمَطْلُوبِ، وَأَنَّهَا الْوَاسِطَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْمَشْهُورِ]

(بَابُ الْمَشْهُورِ مِنْ الْأَخْبَارِ هَذَا الْبَابُ لِبَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي)

مِنْ أَقْسَامِ الِاتِّصَالِ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ ضَرْبُ شُبْهَةٍ صُورَةً لَا مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْآحَادِ فِي الْأَصْلِ كَانَ فِي الِاتِّصَالِ ضَرْبُ شُبْهَةِ صُورَةٍ، وَلِمَا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ مَعَ عَدَالَتِهِمْ وَتَصَلُّبِهِمْ فِي الدِّينِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَاتِرِ. وَهُوَ اسْمٌ لِخَبَرِ كَانَ مِنْ الْآحَادِ فِي الْأَصْلِ أَيْ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ انْتَشَرَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي حَتَّى رَوَتْهُ جَمَاعَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَقِيلَ هُوَ مَا تَلَقَّتْهُ الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ. وَالِاعْتِبَارُ لِلِاشْتِهَارِ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَلَا عِبْرَةَ لِلِاشْتِهَارِ فِي الْقُرُونِ الَّتِي بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ عَامَّةَ أَخْبَارِ الْآحَادِ اُشْتُهِرَتْ فِي هَذِهِ الْقُرُونِ، وَلَا تُسَمَّى مَشْهُورَةً فَلَا يَجُوزُ بِهَا الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ مِثْلُ خَبَرِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِمَا. وَيُسَمَّى هَذَا الْقِسْمُ مَشْهُورًا، وَمُسْتَفِيضًا مِنْ شَهَرَ يَشْهَرُ شَهْرًا وَشُهْرَةً فَاشْتُهِرَ أَيْ وَضَحَ، وَمِنْهُ شَهَرَ سَيْفَهُ إذَا سَلَّهُ. وَاسْتَفَاضَ الْخَبَرُ أَيْ شَاعَ وَخَبَرٌ مُسْتَفِيضٌ أَيْ مُنْتَشِرٌ بَيْنَ النَّاسِ.

وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ. وَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ مِثْلُ الْمُتَوَاتِرِ فَيَثْبُتُ بِهِ عِلْمُ الْيَقِينِ لَكِنْ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ لَا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْقَوَاطِعِ: خَبَرُ الْوَاحِدِ الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ يُقْطَعُ بِصِدْقِهِ مِثْلَ خَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَخَبَرِ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَخَبَرِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ فِي الْجَنِينِ، وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْأَخْبَارَ. وَذَهَبَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ يُوجِبُ عِلْمَ طُمَأْنِينَةٍ لَا عِلْمَ يَقِينٍ فَكَانَ دُونَ الْمُتَوَاتِرِ، وَفَوْقَ خَبَرِ الْوَاحِدِ حَتَّى جَازَتْ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ تَعْدِلُ النَّسْخَ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ النَّسْخُ بِهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ وَالشَّيْخَيْنِ وَعَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ أَبُو الْيُسْرِ وَحَاصِلُ الِاخْتِلَافِ رَاجِعٌ إلَى الْإِكْفَارِ فَعِنْدَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ يَعْنِي مِنْ أَصْحَابِنَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَعِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّانِي لَا يَكْفُرُ وَنَصَّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله عَلَى أَنَّ جَاحِدَهُ لَا يَكْفُرُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمِيزَانِ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا لَا يَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِي الْأَحْكَامِ.

وَجْهُ قَوْلِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّابِعِينَ لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ ثَبَتَ صِدْقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْقَبُولِ إلَّا بِجَامِعِ جَمْعِهِمْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا تَعْيِينَ جَانِبِ الصِّدْقِ فِي الرُّوَاةِ وَلِهَذَا سَمَّيْنَا الْعِلْمَ الثَّابِتَ بِهِ اسْتِدْلَالِيًّا لَا ضَرُورِيًّا إلَّا أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ وَجُحُودَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى تَكْذِيبِ الرَّسُولِ عليه السلام؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الرَّسُولِ عليه السلام عَدَدٌ لَا يُتَصَوَّرُ

ص: 368

مِثْلُ زِيَادَةِ الرَّجْمِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالتَّتَابُعِ فِي صِيَامِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْأَصْلِ مِنْ الْآحَادِ ثَبَتَ بِهِ شُبْهَةٌ فَسَقَطَ بِهِ عِلْمُ الْيَقِينِ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ اعْتِبَارُهُ فِي الْعَمَلِ فَاعْتَبَرْنَاهُ فِي الْعِلْمِ؛ لِأَنَّا لَا نَجِدُ وُسْعًا فِي رَدِّ الْمُتَوَاتِرِ، وَإِنَّمَا يَشُكُّ فِيهِ صَاحِبُ الْوَسْوَاسِ، وَنَخْرُجُ فِي رَدِّ الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَازُ عَنْ الْمُتَوَاتِرِ إلَّا بِمَا يَشُقُّ دَرْكُهُ لَكِنَّ الْعِلْمَ بِالْمُتَوَاتِرِ كَانَ لِصِدْقٍ فِي نَفْسِهِ فَصَارَ يَقِينًا، وَالْعِلْمُ بِالْمَشْهُورِ لِغَفْلَةٍ عَنْ ابْتِدَائِهِ وَسُكُونٍ إلَى حَالِهِ فَسُمِّيَ عِلْمُ طُمَأْنِينَةٍ، وَالْأَوَّلُ عِلْمُ الْيَقِينِ.

ــ

[كشف الأسرار]

تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ بَلْ هُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ قَبِلَهُ الْعُلَمَاءُ فِي الْعَصْرِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا يُؤَدِّي إلَى تَخْطِئَةِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقَبُولِ وَاتِّهَامِهِمْ بِعَدَمِ التَّأَمُّلِ فِي كَوْنِهِ عَنْ الرَّسُولِ غَايَةَ التَّأَمُّلِ، وَتَخْطِئَةُ الْعُلَمَاءِ لَيْسَتْ بِكُفْرٍ بَلْ هِيَ بِدْعَةٌ وَضَلَالٌ بِخِلَافِ إنْكَارِ الْمُتَوَاتِرِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَكْذِيبِ الرَّسُولِ عليه السلام إذْ الْمُتَوَاتِرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْمُوعِ مِنْهُ وَتَكْذِيبُ الرَّسُولِ كُفْرٌ.

وَجْهُ قَوْلِ الْفَرِيقِ الْآخَرِ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ، وَإِنْ صَارَ حُجَّةً بِشَهَادَةِ السَّلَفِ بِحَيْثُ صَحَّتْ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ لَكِنْ بَقِيَ فِيهِ شُبْهَةُ الِانْفِصَالِ، وَتَوَهُّمُ الْكَذِبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ رُوَاتَهُ فِي الْأَصْلِ لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ فَيَسْقُطُ بِهِ عِلْمُ الْيَقِينِ وَلِهَذَا لَمْ يَكْفُرْ جَاحِدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِنْكَارِ الْيَقِينِ.، وَلَمْ يَسْتَقِمْ اعْتِبَارُهُ أَيْ اعْتِبَارُ مَا يَثْبُتُ فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ أَوْ اعْتِبَارُ كَوْنِهِ مِنْ الْآحَادِ فِي الْأَصْلِ. فِي الْعَمَلِ أَيْ فِي كَوْنِهِ مُوجِبًا لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ الثَّابِتَةَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسَ الَّتِي هِيَ فَوْقَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ الْعَمَلِ بِهِمَا فَهَذِهِ أَوْلَى. فَاعْتَبَرْنَاهُ فِي الْعِلْمِ فَأَثَّرَتْ فِي سُقُوطِ الْيَقِينِ، إلَّا بِمَا يَشُقُّ دَرْكُهُ فَيَكُونُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَالْمُتَوَاتِرِ لَكِنَّ الْعِلْمَ بِالْمُتَوَاتِرِ كَانَ لِصِدْقٍ فِي نَفْسِهِ لِانْقِطَاعِ تَوَهُّمِ الْكَذِبِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْعِلْمِ بِالْمَشْهُورِ لِغَفْلَةٍ عَنْ ابْتِدَائِهِ وَسُكُونٍ إلَى حَالِهِ يَعْنِي إنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِلَا اضْطِرَابٍ وَشُبْهَةٍ إذَا غُفِلَ عَنْ كَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ فِي الْأَصْلِ وَسَكَنَ إلَى شُهْرَتِهِ الْحَادِثَةِ فِي الْحَالِ، وَكَوْنِهِ مَقْبُولًا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ لَكِنْ لَوْ تَأَمَّلَ فِي ابْتِدَائِهِ لَاعْتَرَاهُ وَهْمٌ وَتَخَالَجَهُ شَكٌّ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ عِلْمَ طُمَأْنِينَةٍ.

قَوْلُهُ (وَذَلِكَ) أَيْ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ. مِثْلُ زِيَادَةِ الرَّجْمِ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ بِقَوْلِهِ عليه السلام «وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» . وَبِرَجْمِ النَّبِيِّ عليه السلام مَاعِزًا وَغَيْرَهُمَا. وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ وَغَيْرِهِ. وَالتَّتَابُعِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ. وَقَدْ تَحَقَّقَ النَّسْخُ مَعْنًى فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِهَذِهِ الزِّيَادَاتِ فَإِنَّ عُمُومَ قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] . يَتَنَاوَلُ الْمُحْصَنَ كَمَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ فَبِزِيَادَةِ الرَّجْمِ انْتَسَخَ حُكْمُ الْجَلْدِ فِي حَقِّهِ. وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] . يَتَنَاوَلُ حَالَةَ التَّخَفُّفِ فِي إيجَابِ الْغُسْلِ فَبِزِيَادَةِ الْمَسْحِ انْتَسَخَ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.

وَكَذَا إطْلَاقُ قَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] . يُوجِبُ جَوَازَ التَّفَرُّقِ وَالتَّتَابُعِ فِيهِ فَبِتَقْيِيدِهِ بِالتَّتَابُعِ انْتَسَخَ جَوَازُ التَّفَرُّقِ.، وَلَيْسَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبِيلِ التَّخْصِيصِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ الْمُخَصِّصُ مِثْلَ الْمَخْصُوصِ مِنْهُ فِي الْقُوَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا لَا مُتَرَاخِيًا، وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطَانِ جَمِيعًا. ثُمَّ النَّظَائِرُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ بِهَا عَلَى الْكِتَابِ، وَلَكِنَّهَا مُتَفَاوِتَةٌ فِي حَقِّ تَضْلِيلِ جَاحِدِهَا فَقَدْ قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ إنَّ هَذَا الْقِسْمَ يَعْنِي الْخَبَرَ الَّذِي دُونَ الْمُتَوَاتِرِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ. قِسْمٌ يُضَلَّلُ جَاحِدُهُ، وَلَا يُكَفَّرُ مِثْلُ خَبَرِ الرَّجْمِ لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى قَبُولِهِ. وَقِسْمٌ لَا يُضَلَّلُ جَاحِدُهُ، وَلَكِنْ يُخَطَّأُ وَيُخْشَى عَلَيْهِ الْمَأْثَمُ نَحْوُ خَبَرِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ عَائِشَةَ وَابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم كَانَا يَقُولَانِ سَلُوا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَرَوْنَ الْمَسْحَ مِثْلَ مَسْحِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام بَعْدَ سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَقَدْ نُقِلَ رُجُوعُهُمَا عَنْ ذَلِكَ فَلِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ لَا يُضَلَّلُ جَاحِدُهُ، وَلَكِنْ يُخْشَى عَلَيْهِ الْإِثْمُ؛ لِأَنَّ بِاعْتِبَارِ الرُّجُوعِ يَثْبُتُ الْإِجْمَاعُ، وَقَدْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ عَلَى قَبُولِهِ فِي الصَّدْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَلَا يَسَعُ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ فَلِذَلِكَ يُخْشَى عَلَى جَاحِدِهِ

ص: 369