الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَكَذَلِكَ فِي الْكِنَايَاتِ تَقُولُ بِك لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَبِهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَلَمْ يَكُنْ لَهَا اخْتِصَاصُ الْقَسَمِ.
وَأَمَّا الْوَاوُ فَإِنَّهَا اُسْتُعِيرَتْ بِمَعْنَى الْبَاءِ لِأَنَّهَا تُنَاسِبُ صُورَةً وَمَعْنًى أَمَّا الصُّورَةُ فَإِنَّ صُورَتَهَا وُجُودُهَا مِنْ مَخْرَجِهَا بِضَمِّ الشَّفَتَيْنِ مِثْلُ الْبَاءِ وَأَمَّا الْمَعْنَى فَإِنَّ عَطْفَ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِهِ نَظِيرُ إلْصَاقِهِ بِهِ فَاسْتُعِيرَ لَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ إظْهَارُ الْفِعْلِ هَا هُنَا تَقُولُ وَاَللَّهِ وَلَا تَقُولُ أَحْلِفُ وَاَللَّهِ لِأَنَّهُ اُسْتُعِيرَ لِلْبَاءِ تَوْسِعَةً لِصِلَاتِ الْقَسَمِ فَلَوْ صَحَّ الْإِظْهَارُ لَصَارَ مُسْتَعَارًا بِمَعْنَى الْإِلْصَاقِ فَتَصِيرُ الِاسْتِعَارَةُ عَامَّةً فِي بَابِهَا وَإِنَّمَا الْغَرَضُ بِهَا الْخُصُوصُ لَبَابِ الْقَسَمِ الَّذِي يَدْعُو إلَى التَّوْسِعَةِ وَيُشْبِهُ قِسْمَيْنِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْكِنَايَةِ أَعْنِي الْكَافَ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ التَّاءُ بِمَعْنَى الْوَاوِ تَوْسِعَةً لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الْقَسَمِ لِمَا بَيْنَ الْوَاوِ وَالتَّاءِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فَإِنَّهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزَّوَائِدِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِثْلُ التُّرَاثِ لُغَةً فِي الْوَارِثِ وَالتَّوْرِيَةُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَمَّا صَارَ ذَلِكَ دَخِيلًا عَلَى مَا لَيْسَ بِأَصْلٍ انْحَطَّتْ رُتْبَتُهُ عَنْ رُتْبَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَقِيلَ لَا تَدْخُلُ إلَّا فِي اسْمِ اللَّهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُقْسَمُ بِهِ غَالِبًا فَجَازَ تَاللَّهِ وَلَمْ يَجُزْ تَالرَّحِيمِ وَقَدْ يُحْذَفُ حَرْفُ الْقَسَمِ تَخْفِيفًا فَيُقَالُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا
ــ
[كشف الأسرار]
مِنْ عَشْرَةٍ فَكَانَ مَعْنَى الْمُقَارَنَةِ مُتَعَيِّنًا فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَمَا قَالَ زُفَرُ. لِأَنَّا نَقُولُ الْمَالُ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ أَصْلٌ وَقَدْ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ فَلَا وَجْهَ لِلْمَصِيرِ إلَى الْمَجَازِ وَإِيجَابِ الزِّيَادَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشْرَةٌ فِي عَشْرَةٍ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي وَاحِدَةٍ فِي أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْمَذْكُورَ الْأَوَّلَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَيَقَعُ وَاحِدَةً سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ وَيَصِحُّ إرَادَةُ مَعَ أَوْ الْوَاوِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَرَادَ مَعَ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَتَقَعَانِ جَمِيعًا وَإِنْ أَرَادَ الْوَاوَ يَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَوَاحِدَةٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالْوَاوِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً.
[حُرُوفِ الْقَسَمِ]
قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِنْ بَابِ حُرُوفِ الْجَرِّ وَمِنْ بَابِ حُرُوفِ الْمَعَانِي حُرُوفُ الْقَسَمِ. وَالْقَسَمُ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ يُؤَكَّدُ بِهَا جُمْلَةٌ أُخْرَى وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ السُّكُوتُ عَلَيْهِ فَلَا تَقُولُ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ وَتَسْكُتُ بَلْ يَجِبُ أَنْ تَأْتِيَ بِالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ فَتَقُولُ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ لِأَنَّك لَمْ تَقْصِدْ الْإِخْبَارَ بِالْحَلِفِ وَإِنَّمَا قَصَدْت أَنْ تُخْبِرَ بِأَمْرٍ آخَرَ نَحْوَ لَأَفْعَلَنَّ إلَّا أَنَّك أَكَّدْته وَنَفَيْت عَنْهُ الشَّكَّ بِأَنْ أَقْسَمْت عَلَيْهِ. وَهِيَ الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ فَإِنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْقَسَمِ وَإِنْ لَمْ تُوضَعْ لَهُ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ أَيْضًا. وَمَا وُضِعَ لِذَلِكَ أَيْ لِلْقَسَمِ وَهُوَ اَيْمُ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوضَعْ إلَّا لِلْقَسَمِ وَلِهَذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ. وَمَا يُؤَدِّي مَعْنَى الْقَسَمِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ. وَأَمَّا الْبَاءُ فَهِيَ الَّتِي لِلْإِلْصَاقِ أَيْ الْبَاءِ الَّتِي فِي الْقَسَمِ لَيْسَتْ بِحَرْفٍ مَوْضُوعٍ لِلْقَسَمِ بَلْ هِيَ الْبَاءُ الَّتِي لِلْإِلْصَاقِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا احْتَاجُوا إلَى إلْصَاقِ فِعْلِ الْحَلِفِ بِمَا يَقْسِمُونَ بِهِ اسْتَعْمَلُوهَا فِيهِ اسْتِعْمَالَهُمْ إيَّاهَا فِي قَوْلِهِمْ كَتَبْت بِالْقَلَمِ إلَّا أَنَّهُمْ حَذَفُوا الْفِعْلَ لِكَثْرَةِ الْقَسَمِ فِي كَلَامِهِمْ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْبَاءِ عَلَيْهِ كَمَا حَذَفُوا فِي بِسْمِ اللَّهِ فَقَالُوا بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ مُرِيدِينَ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ بِهِ فَكَانَتْ الْبَاءُ دَالَّةً عَلَى فِعْلٍ مَحْذُوفٍ.
وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَسْمَاءِ أَيْ كَمَا تَدُلُّ الْبَاءُ عَلَى فِعْلٍ مَحْذُوفٍ فِي بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ تَدُلُّ عَلَى فِعْلٍ مَحْذُوفٍ فِي الْحَلِفِ بِسَائِرِ الْأَسْمَاءِ مِثْلَ قَوْلِهِ بِالرَّحْمَنِ وَبِالرَّحِيمِ بِالْقُدُّوسِ لَأَفْعَلَنَّ. وَالصِّفَاتُ مِثْلُ قَوْلِهِ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَبِجَلَالِهِ وَبِعَظَمَتِهِ وَبِكِبْرِيَائِهِ. فَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَيْ لِلْبَاءِ اخْتِصَاصٌ بِالْقَسَمِ يَعْنِي لِمَا كَانَ دُخُولُهَا فِي الْقَسَمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْإِلْصَاقِ لَا أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لَهُ لَمْ تَكُنْ مُخْتَصَّةً بِالْقَسَمِ لِأَنَّ الْإِلْصَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ.
وَأَمَّا الْوَاوُ فَإِنَّهَا أَسْتُعِيرَتْ فِي الْقَسَمِ بَدَلًا مِنْ الْبَاءِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَهُمَا صُورَةً وَمَعْنًى كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. وَشَرْطُ إبْدَالِهَا حَذْفُ الْفِعْلِ وَلِهَذَا قِيلَ إنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْفِعْلِ وَمِنْ ثَمَّةَ جَازَ أَقْسَمْت بِاَللَّهِ وَامْتَنَعَ أَقْسَمْت وَاَللَّهِ كَذَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمُفَصَّلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَحْسُنُ إظْهَارُ الْفِعْلِ لَا يَجُوزُ. لِأَنَّهُ أَيْ الْوَاوَ اُسْتُعِيرَ لِلْبَاءِ تَوْسِعَةً لِصِلَاتِ الْقَسَمِ إذْ الْحَاجَةُ دَعَتْ إلَى الِاسْتِعَارَةِ فِي بَابِ الْقَسَمِ لِكَثْرَةِ دَوْرِهِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ لَا لِمَعْنَى الْإِلْصَاقِ فَلَوْ صَحَّ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَ الْوَاوِ لَصَارَ الْوَاوُ مُسْتَعَارًا لِمَعْنَى الْإِلْصَاقِ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِعْلِ إلَّا الْإِلْصَاقُ كَالْبَاءِ. فَتَصِيرُ الِاسْتِعَارَةُ عَامَّةً فِي بَابِهَا فِي بَابِ اسْتِعَارَةِ الْوَاوِ لِلْبَاءِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ صِحَّةُ اسْتِعْمَالِهِ مَكَانَ الْبَاءِ فِي غَيْرِ الْقَسَمِ أَيْضًا فَيُقَال مَرَرْت وَزَيْدٍ بِالْجَرِّ بِمَعْنَى بِزَيْدٍ وَبِعْت هَذَا الْعَبْدَ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ بِمَعْنَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ إذْ لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ أَحَدٍ. وَلِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ الْغَرَضِ إذْ الْغَرَضُ لَهَا أَيْ لِاسْتِعَارَةِ الْوَاوِ لِلْبَاءِ الْخُصُوصُ لِبَابِ الْقَسَمِ إذْ الدَّاعِي إلَيْهَا وَهُوَ الْحَاجَةُ إلَى التَّوْسِعَةِ مُخْتَصٌّ بِهِ.
قَوْلُهُ (وَيُشْبِهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
قِسْمَيْنِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا يَعْنِي لَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَ الْوَاوِ فَلَوْ أَظْهَرَ مَعَ ذَلِكَ كَانَ فِي مَعْنَى قِسْمَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحْلِفُ بِانْفِرَادِهِ يَمِينٌ.
وَكَذَا قَوْلُهُ وَاَللَّهِ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَصْلُحْ الْوَاوُ رَابِطَةً صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ بِخِلَافِ الْبَاءِ لِأَنَّهَا لِلْإِلْصَاقِ فَيَكُونُ الْكُلُّ كَلَامًا وَاحِدًا فَيَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى فَيَصِيرُ أَيْ لَوْ صَحَّ إظْهَارُ الْفِعْلِ صَارَتْ الِاسْتِعَارَةُ عَامَّةً وَأَشْبَهَ كَلَامُهُ قِسْمَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَحْلِفُ وَاَللَّهِ بِمَعْنَى بِاَللَّهِ كَانَ بِظَاهِرِهِ قَسَمَانِ لِمَا ذَكَرْنَا وَغَرَضُهُ قَسَمٌ وَاحِدٌ فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ بِظَاهِرِهِ مُخَالِفًا لِغَرَضِهِ فَلَمْ يَكُنْ خَالِيًا عَنْ خَلَلٍ فَكَانَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ أَوْلَى. وَكَأَنَّ الشَّيْخَ رحمه الله إنَّمَا قَالَ لَا يَحْسُنُ إظْهَارُ الْفِعْلِ فَلَمْ يَقُلْ لَا يَجُوزُ إشَارَةً مِنْهُ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَلْغُو عِنْدَ إظْهَارِ الْفِعْلِ وَلَكِنَّهُ يُشْبِهُ قِسْمَيْنِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْغَرَضِ. وَلَا تَدْخُلُ أَيْ وَاوُ الْقَسَمِ فِي الْكِنَايَةِ أَيْ فِي الْمُضْمَرِ لَا يُقَالُ وَكَلَأَفْعَلَنَّ وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْكِنَايَةِ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ مُتَنَاوِلًا لِلضَّمَائِرِ وَغَيْرِهَا احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ أَعْنِي الْكَافَ عَنْ غَيْرِ الضَّمَائِرِ.
ثُمَّ اُسْتُعِيرَ التَّاءُ بِمَعْنَى الْوَاوِ أَيْ أُبْدِلَ التَّاءُ عَنْهَا عَلَى طَرِيقَةِ الْإِبْدَالِ فِي نَحْوِ تُرَاثٍ، وَتَوْرِيَةٍ، وَتُجَاهٍ، وَتُخَمَةٍ، وَتُهْمَةٍ، إذْ الْأَصْلُ فِيهَا وَارِثٌ فُعَالٌ مِنْ وَرِثَ وِرَاثَةً، وَوَوْرَاةٌ فَوْعَلَةٌ مِنْ وَرِيَ الزَّنْدُ يَرِي وَرْيًا، إذَا أَخْرَجَ نَارَهُ وَوِجَاهٌ مِنْ الْوَجْهِ، وَوَخِمَةٌ مِنْ وَخِمَ الرَّجُلُ وَخَامَةً إذَا لَمْ يَهْنَأْ الطَّعَامُ لَهُ، وَهِمَّةٌ مِنْ الْوَهْمِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَقَعُ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ كَالظَّنِّ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْقَصِيدَةِ الشَّاطِبِيَّةِ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي التَّوْرِيَةِ فَذَهَبَ الْبَصْرِيُّونَ إلَى أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ وَرِيَ الزَّنْدُ وَهُوَ الضَّوْءُ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُ عِنْدَ الْقَدْحِ فَكَأَنَّهَا ضِيَاءٌ وَنُورٌ وَوَزْنُهَا فَوْعَلَةٌ كَدَوْحَلَةٍ وَحَوْقَلَةٍ فَأُبْدِلَتْ وَاوُهَا تَاءً عَلَى حَدِّ تُجَاهٍ وَتُخَمَةٍ وَقُلِبَتْ يَاؤُهَا أَلْفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَزْنُهَا تَفَعُّلَةٌ كَتَنَفُّلٍ فِي تَنَفَّلَ وَضَعُفَ ذَلِكَ لِقِلَّةِ هَذَا الْبِنَاءِ وَشُذُوذِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ تَفْعِلَةٌ كَتَوْصِيَةٍ فَفُتِحَتْ عَيْنُهَا وَقُلِبَتْ تَاؤُهَا أَلْفًا وَقَدْ فُعِلَ ذَلِكَ فِي نَاصِيَةٍ وَجَارِيَةٍ فَقِيلَ نَاصَاةٍ وَجَارَاةٍ فِي لُغَةِ طَيِّئٍ وَضَعُفَ ذَلِكَ أَيْضًا لِعَدَمِ إطْرَادِهِ فِي تَوْصِيَةٍ وَتَوْقِيَةٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِيهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ اسْمَانِ أَعْجَمِيَّانِ وَتَكَلَّفَ اشْتِقَاقَهُمَا مِنْ الْوَرِيِّ وَالنَّجْلِ وَوَزْنُهُمَا بِفَوْعَلَةٍ وَإِفْعِيلٍ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ كَوْنِهِمَا عَرَبِيَّتَيْنِ. قَالَ وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْإِنْجِيلُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْعُجْمَةِ عَلَى أَفْعِيلٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَدِيمِ أَوْزَانِ الْعَرَبِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الِاسْتِشْهَادَ فِي الْكِتَابِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ.
ثُمَّ الشَّيْخُ ذَكَرَ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِلْمَجَازِ كَوْنُهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزَّوَائِدِ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ وَجْهًا آخَرَ فَقَالَ اتَّكَلْت عَلَى فُلَانٍ فِي أَمْرِي إذَا اعْتَمَدْته وَأَصْلُهُ اوْتَكَلْتُ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا ثُمَّ أُبْدِلَتْ مِنْهَا التَّاءُ فَأُدْغِمَتْ فِي تَاءِ الِافْتِعَالِ ثُمَّ بُنِيَتْ عَلَى هَذَا الْإِدْغَامِ أَسْمَاءٌ مِنْ الْمِثَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تِلْكَ الْعِلَّةُ تَوَهُّمًا أَنَّ التَّاءَ أَصْلِيَّةٌ لِأَنَّ هَذَا الْإِدْغَامَ لَا يَجُوزُ إظْهَارُهُ فِي حَالٍ فَمِنْ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ التَّكْلُ وَالتُّكْلَانُ وَالتُّخَمَةُ وَالنَّجَاةُ وَالتُّرَاثُ وَالتَّقْوَى وَإِذَا صُغِّرَتْ قُلْت تُكَيْلَةٌ وَتُخَيْمَى وَلَا تُعِيدُ الْوَاوَ لِأَنَّ هَذِهِ حُرُوفٌ أُلْزِمَتْ الْبَدَلُ فَتَثْبُتُ فِي التَّصْغِيرِ وَالْجَمْعِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ أَنَّ الْوَاوَ فِي اتَّعَدَ قُلِبَتْ تَاءً لِأَنَّ الْوَاوَ قَرِيبَةٌ مِنْ التَّاءِ وَقَدْ وَقَعَ بَعْدَهَا تَاءُ الِافْتِعَالِ وَهِيَ تُقْلَبُ تَاءً بِغَيْرِ سَبَبٍ كَثِيرًا نَحْوَ تُخَمَةٍ وَتُجَاهٍ وَتُرَاثٍ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ اجْتِمَاعِ مُتَقَارِبَيْنِ يَنْقَلِبُ أَحَدُهُمَا إلَى
لَكِنَّهُ بِالنَّصْبِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَبِالْخَفْضِ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ مَا يَتَّصِلُ بِهَذَا الْأَصْلِ مِثْلَ قَوْلِ الرَّجُلِ وَاَللَّهِ اللَّهِ وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْجَامِعِ. .
ــ
[كشف الأسرار]
صَاحِبِهِ لِيَقَعَ الْإِدْغَامُ. وَلَا يَجُوزُ تَالرَّحْمَنِ وَتَالرَّحِيمِ قَدْ حَكَى أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ تَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ لَا يُؤْخَذُ بِهِ. قَوْلُهُ (لَكِنَّهُ) أَيْ الْمُقْسَمُ بِهِ بِالنَّصْبِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. حَاصِلُهُ أَنَّ الْخَفْضَ فِي الْقَسَمِ بِإِضْمَارِ حَرْفِ الْخَفْضِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ جَائِزٌ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَعِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِعِوَضٍ نَحْوَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَهَاءِ التَّنْبِيهِ فِي قَوْلِهِمْءَاللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا وَقَوْلُهُمْ لَا هَا اللَّهِ.
احْتَجَّ الْكُوفِيُّونَ بِمَا تَقُولُ الْعَرَبُ اللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ فَيَقُولُ الْمُجِيبُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ مَقْصُورَةٍ فِي الثَّانِيَةِ فَيُخْفَضُ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الْخَفْضِ وَإِنْ كَانَ مَحْذُوفًا. وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِهِمْ إعْمَالُ حَرْفِ الْخَفْضِ مَعَ الْحَذْفِ فَقَدْ حَكَى يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ أَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ مَرَرْت بِرَجُلٍ صَالِحٍ إلَّا صَالِحٍ فَطَالِحٍ أَيْ إلَّا أَكُنْ مَرَرْت بِرَجُلٍ صَالِحٍ فَقَدْ مَرَرْت بِطَالِحٍ. وَرُوِيَ عَنْ رُؤْبَةَ الْعَجَّاجِ أَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْت كَانَ يَقُولُ: خَيْرٍ. عَافَاك اللَّهُ أَيْ بِخَيْرٍ وَفِي الشَّوَاهِدِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَشْعَارِ كَثِيرَةٌ. وَأَمَّا الْبَصْرِيُّونَ فَقَالُوا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي حُرُوفِ الْجَرِّ أَنْ لَا تَعْمَلَ مَعَ الْحَذْفِ وَإِنَّمَا تَعْمَلُ مَعَ الْحَذْفِ فِي بَعْضِ الْمَاضِي إذَا كَانَ عَنْهَا عِوَضٌ فَبَقِيَتْ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ. وَلَا تَمَسُّكَ لَهُمْ فِيمَا ذَكَرُوا لِأَنَّ الْجَوَازَ فِي قَوْلِهِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ ثَبَتَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ كَمَا ثَبَتَ دُخُولُ حَرْفِ النِّدَاءِ عَلَيْهِ مَعَ الْأَلْفِ وَاللَّامِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فِي غَيْرِهِ لِشُذُوذِهِ وَقِلَّتِهِ.
وَكَذَا مَا حَكَى يُونُسُ وَمَا رُوِيَ عَنْ رُؤْبَةَ وَمَا نُقِلَ مِنْ الْأَشْعَارِ فِي ذَلِكَ كُلِّهَا مِنْ الشَّوَاذِّ الَّتِي لَا يُعْتَدُّ بِهَا فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهَا كَذَا فِي كِتَابِ الْإِنْصَافِ لِلْأَنْبَارِيِّ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي الْمُقْتَصِدِ وَأَمَّا حَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ الَّذِي هُوَ الْبَاءُ فِي بِاَللَّهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُحْذَفَ وَيُوصَلَ الْفِعْلُ إلَى الِاسْمِ فَيَنْصِبَهُ فَيُقَالُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَأَنَّهُ قَالَ حَلَفْت اللَّهَ لَأَفْعَلَنَّ وَعَلَى ذَلِكَ ثَبَتَ الْكِتَابُ:
أَلَا رُبَّ مَنْ قَلْبِي لَهُ اللَّهِ نَاصِحٌ
…
وَمَنْ قَلْبُهُ لِي فِي الظِّبَاءِ السَّوَانِحِ
التَّقْدِيرُ أَلَا رُبَّ مَنْ قَلْبِي لَهُ نَاصِحٌ بِاَللَّهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تُضْمَرَ وَيَبْقَى الْجَرُّ فَيُقَالُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ وَالْأَكْثَرُ النَّصْبُ لِأَنَّ الْجَارَّ لَا يُضْمَرُ إلَّا قَلِيلًا وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْمُفَصَّلِ أَيْضًا. فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ إذْ الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ لَا فِي الْجَوَازِ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ مَا يَتَّصِلُ بِهَذَا الْأَصْلِ) وَهُوَ أَنَّ حَذْفَ حَرْفِ الْقَسَمِ جَائِزٌ فَقِيلَ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ اللَّهِ لَا أُكَلِّمُك فَكَلَّمَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ اسْمَ اللَّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَقًّا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَانَ قَوْلُهُ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَلِ عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُشْتَقِّ لَا يَصْلُحُ نَعْتًا فَصَارَ كَأَنَّهُ سَكَتَ وَاسْتَأْنَفَ الْحَلِفَ بِقَوْلِهِ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَالْقَسَمُ بِغَيْرِ حَرْفٍ صَحِيحٌ وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي إعْرَابِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ مُشْتَقًّا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ كَانَ نَعْتًا لِلْأَوَّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْمَعْبُودِ الْحَقِّ الْمَقْصُودِ لَا أُكَلِّمُك فَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ. وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ لَا أُكَلِّمُك فَكَلَّمَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ جَعَلَ الرَّحْمَنَ خَارِجًا مَخْرَجَ النَّعْتِ لِلْأَوَّلِ فَصَارَ الِاسْتِشْهَادُ وَاحِدًا فِي كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ وَتَسْمِيَتِهِ فَلَا يَتَعَدَّدُ الْهَتْكُ.
وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ لَا أُكَلِّمُك فَكَلَّمَهُ لَزِمَتْهُ كَفَّارَتَانِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ فَإِنَّ قِوَامَ الْيَمِينِ فَعَمْرُك بِهِ فَعَمْرُك عَلَيْهِ وَاتِّحَادُ الْأَوَّلِ مَعَ تَعَدُّدِ الثَّانِي يُوجِبُ كَوْنَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً فَكَذَا عَكْسُهُ. وَقُلْنَا إنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ عَمْرُك بِهِ.
وَقَوْلُهُ وَالرَّحْمَنِ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ