المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ العمل بالحقيقة متى أمكن سقط المجاز - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ٢

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ)

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ قِسْمَانِ

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل عَامٌّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَعَامٌّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ مَا هُوَ فَرْدٌ وُضِعَ لِلْجَمْعِ

- ‌[أَنْوَاع الْعَامُّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ كَلِمَةُ كُلٍّ

- ‌[كَلِمَةُ الْجَمِيعِ]

- ‌كَلِمَةُ مَا

- ‌ كَلِمَةُ الَّذِي

- ‌ النَّكِرَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُ الْعُمُومِ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْعَامِّ مَعْنًى لَا صِيغَةً]

- ‌ لَامُ التَّعْرِيفِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْرِيفَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنَى الْعَهْدِ

- ‌[النَّكِرَةِ إذَا اتَّصَلَ بِهَا وَصْفٌ عَامٌّ]

- ‌ كَلِمَةُ أَيُّ

- ‌ النَّكِرَةُ الْمُفْرَدَةُ فِي مَوْضِعِ إثْبَاتٍ

- ‌[بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ]

- ‌(بَابُ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ) (وَالْمَجَازِ وَالصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌[تعارض الْحَقِيقَة وَالْمَجَاز]

- ‌طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ

- ‌ الِاتِّصَالَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ قِبَلِ حُكْمِ الشَّرْعِ يَصْلُحُ طَرِيقًا لِلِاسْتِعَارَةِ

- ‌[يُسْتَعَارَ الْأَصْلُ لِلْفَرْعِ وَالسَّبَبُ لِلْحُكْمِ]

- ‌ الِاسْتِعَارَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَعَانِي

- ‌[الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ]

- ‌ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ

- ‌إِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ

- ‌قَدْ يَتَعَذَّرُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُمْتَنِعًا

- ‌ الْكَلَامَ إذَا كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ

- ‌(بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ)

- ‌دَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ

- ‌ الثَّابِتُ بِسِيَاقِ النَّظْمِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ

- ‌(بَابُ حُرُوفِ) (الْمَعَانِي)

- ‌[معانى الْوَاوُ]

- ‌[معانى الْفَاءُ]

- ‌[معانى ثُمَّ]

- ‌[معانى بَلْ]

- ‌[معانى لَكِنْ]

- ‌[معانى أَوْ]

- ‌بَابُ حَتَّى) :

- ‌بَابُ حُرُوفِ الْجَرِّ)

- ‌[مَعْنَى الْبَاءُ]

- ‌[مَعْنَى عَلَى]

- ‌[مَعْنَى مِنْ]

- ‌[مَعْنَى إلَى]

- ‌[مَعْنَى فِي]

- ‌[حُرُوفِ الْقَسَمِ]

- ‌ اَيْمُ اللَّهِ

- ‌ أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ

- ‌ حُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌ حُرُوفِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ الصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌بَابُ وُجُوهِ) (الْوُقُوفِ عَلَى) (أَحْكَامِ النَّظْمِ)

- ‌مَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ وَأُرِيدَ بِهِ الْقَصْدُ أَوْ الْإِشَارَةُ

- ‌ دَلَالَةُ النَّصِّ

- ‌[دَلَالَة الْمُقْتَضِي]

- ‌الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ

- ‌ الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ

- ‌ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ

- ‌ الْعَامَّ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ

- ‌ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مُوجِبٌ الْعَدَمَ

- ‌ مَنْ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ

- ‌(بَابُ الْعَزِيمَةِ) (وَالرُّخْصَةِ)

- ‌[أَقْسَام الْعَزِيمَةُ]

- ‌[أَقْسَام الرُّخَصُ]

- ‌{بَابُ حُكْمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي أَضْدَادِهِمَا}

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ)

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الصَّوْمِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ

- ‌[سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ]

- ‌ سَبَبُ الْخَرَاجِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ

- ‌سَبَبُ الْكَفَّارَاتِ

- ‌سَبَبُ الْمُعَامَلَاتِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَقْسَامِ) (السُّنَّةِ)

- ‌(بَابُ الْمُتَوَاتِرِ)

- ‌(بَابُ الْمَشْهُورِ)

- ‌(بَابُ خَبَرِ الْوَاحِدِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الرَّاوِي الَّذِي جُعِلَ خَبَرُهُ حُجَّةً)

- ‌[الرَّاوِي الْمَعْرُوفُ]

- ‌[الرَّاوِي الْمَجْهُولُ]

- ‌بَابُ بَيَانِ شَرَائِطِ الرَّاوِي)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ شُرُوطِ الرَّاوِي وَتَقْسِيمِهَا]

الفصل: ‌ العمل بالحقيقة متى أمكن سقط المجاز

وَمِنْ حُكْمِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ‌

‌ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ

؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعَارَ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ

ــ

[كشف الأسرار]

وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الِاتِّحَادُ فِي الْقَبِيلَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الْأُخُوَّةُ فِي النَّسَبِ وَالْمُشْتَرَكِ لَا يَكُونُ حُجَّةً بِدُونِ الْبَيَانِ حَتَّى لَوْ قَالَ هَذَا أَخِي لِأَبِي أَوْ لِأُمِّي يَعْتِقُ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ وَلِأَنَّ الْأُخُوَّةَ لَا يَكُونُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ مُجَاوِرَةٍ فِي صُلْبٍ أَوْ رَحِمٍ وَهَذِهِ الْوَاسِطَةُ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ نَصًّا وَلَا تَثْبُتُ بِمَا ذُكِرَ أَيْضًا فَلَمْ يَصِرْ الْعِتْقُ بِدُونِ الْوَاسِطَةِ حُكْمَ نَصِّهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ كِنَايَةً عَنْهُ كَشِرَاءِ الْأَبِ لَا يَكُونُ إعْتَاقًا إلَّا بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ فَمَتَى لَمْ يُوجِبْ الشِّرَاءُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ إعْتَاقًا.

وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ هَذَا جَدِّي؛ لِأَنَّ الْجَدَّ إنَّمَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْأَبِ فَمَا لَمْ يُثْبِتْ الْوَاسِطَةَ نَصًّا أَوْ مُقْتَضَى ثُبُوتِ النَّسَبِ لَمْ يُوجِبْ عِتْقًا فِي مِلْكِهِ فَلَا يَصِيرُ حُكْمًا لَهُ فَلَا يَصِيرُ كِنَايَةً عَنْهُ فَأَمَّا الْوِلَادُ فَنَفْسُهُ عِلَّةُ الْعِتْقِ مَعَ الْمِلْكِ وَقَدْ نَطَقَ بِالْوِلَادِ وَالْمِلْكُ ثَابِتٌ فَيَصْلُحُ كِنَايَةً عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْبُرْغَرِيُّ أَنْ لَا رِوَايَةَ فِي قَوْلِهِ هَذَا جَدِّي فَنَقُولُ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ وَأَمَّا قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ هَذِهِ بِنْتِي فَلَا يُوجِبُ الْعِتْقَ وَإِنْ أَقَرَّ بِمَا هُوَ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ بِنْتِي حُكْمُهُ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ بِجِهَةِ الْبِنْتِيَّةِ وَهَذَا الذَّاتُ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِتِلْكَ الْحُرِّيَّةِ أَصْلًا فَإِضَافَتُهَا إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ إضَافَةِ الْعِتْقِ إلَى الْحِمَارِ فَتَلْغُو.

وَلِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَإِذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمُسَمَّى تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَإِذَا هُوَ يَاقُوتٌ أَصْفَرُ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ لِوُجُودِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ الْمُسَمَّى وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ عَلَى مَا عُرِفَ وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْعَبْدِ وَسُمِّيَ أُنْثَى فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ إيجَابًا وَلَا إقْرَارًا فِي الْمَعْدُومِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الْبِنْتَ مَجَازًا لِلِابْنِ بِوَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ بِأَنْ كَانَ أَصْغَرَ سِنًّا وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إذَا قَالَ فَقَأْت عَيْنَك وَعَيْنَاهُ صَحِيحَتَانِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَا يُجْعَلُ كِنَايَةً عَنْ الْأَرْشِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْفُقَهَاء؛ لِأَنَّ الفقاء لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ أَرْشًا فِي حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ ضَرْبٌ حَتَّى ذَهَبَ نُورَ الْعَيْنِ وَوَجَبَ الْأَرْشُ ثُمَّ بَرَأَتْ وَعَادَ نُورُهَا أَوْ كَانَ قَلَعَ سِنًّا فَيَثْبُتُ لَمْ يَلْزَمْ الْجَانِيَ شَيْءٌ فَثَبَتَ أَنَّ الْجِنَايَةَ وَإِنْ تَحَقَّقَتْ لَمْ يُوجِبْ أَرْشًا حَالَ عَدَمِ أَثَرِهَا فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِمْ كِنَايَةً عَنْهُ فَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَدْفَعُ النُّقُوضَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ]

قَوْلُهُ (وَمِنْ حُكْمِ هَذَا الْبَابِ) أَيْ بَابِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ مِنْ حُكْمِ هَذَا النَّوْعِ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ يَعْنِي إذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَاللَّفْظُ لِحَقِيقَتِهِ إلَى أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِ مَجَازًا كَقَوْلِهِ رَأَيْت الْيَوْمَ حِمَارًا أَوْ اسْتَقْبَلَنِي أَسَدٌ فِي الطَّرِيقِ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْبَلِيدِ وَالشُّجَاعِ إلَّا بِقَرِينَةٍ زَائِدَةٍ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَاللَّفْظُ لِلْبَهِيمَةِ وَالسَّبُعِ وَلَا يَكُونُ مُجْمَلًا.

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُجْمَلًا يَجِبُ الْوَقْفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِمَا وَأَمْكَنَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَجَازُ كَمَا أَمْكَنَ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ لَمْ يَكُنْ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْآخَرِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَلَا مَزِيَّةَ لِلْحَقِيقَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَجَازَ الَّذِي قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْعُرْفُ وَالِاسْتِعْمَالُ أَوْلَى بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَعُلِمَ أَنَّ كَوْنَهُ حَقِيقَةً لَا يُؤَثِّرُ فِي كَوْنِهِ أَوْلَى لِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ وَإِذَا حُمِلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْغَالِبِ حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ

ص: 83

وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِنَا فِي الْأَقْرَاءِ أَنَّهَا الْحَيْضُ؛ لِأَنَّ الْقُرْءَ لِلْحَيْضِ حَقِيقَةٌ وَلِلطُّهْرِ مَجَازٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْجَمْعِ وَهُوَ مَعْنَى حَقِيقَةِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لُغَةً وَذَلِكَ صِفَةُ الدَّمِ الْمُجْتَمِعِ فَأَمَّا الطُّهْرُ فَإِنَّمَا وُصِفَ بِهِ بِالْمُجَاوِرَةِ مَجَازًا وَلِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْءِ الِانْتِقَالُ يُقَالُ قَرَأَ النَّجْمُ إذَا انْتَقَلَ وَالِانْتِقَالُ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ فَصَارَتْ الْحَقِيقَةُ أَوْلَى

ــ

[كشف الأسرار]

حَالَ التَّسَاوِي لِأَحَدِهِمَا مَزِيَّةٌ عَلَى الْآخَرِ. وَالصَّحِيحُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَامَّةُ؛ لِأَنَّ الْوَاضِعَ إنَّمَا وَضَعَ اللَّفْظَ لِلْمَعْنَى لِيَكْتَفِيَ بِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا سَمِعْتُمْ أَنِّي تَكَلَّمْت بِهَذَا اللَّفْظِ فَاعْلَمُوا أَنِّي عَنَيْت بِهِ هَذَا الْمَعْنَى فَمَنْ تَكَلَّمَ بِلُغَتِهِ وَجَبَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَوَجَبَ حَمْلُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّا نَجِدُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مُبَادَرَةَ الذِّهْنِ إلَى فَهْمِ الْحَقِيقَةِ أَقْوَى مِنْ مُبَادَرَتِهِ إلَى فَهْمِ الْمَجَازِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا.

وَقَوْلُهُمْ هُمَا فِي الِاسْتِعْمَالِ سَوَاءٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْتِعْمَالِ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَا يُفْهَمُ إلَّا بِقَرِينَةٍ تَنْضَمُّ إلَيْهِ فَأَنَّى يَتَسَاوَيَانِ وَإِذَا لَمْ يَتَسَاوَيَا كَانَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ أَوْلَى بِاللَّفْظِ مِنْ الْمَعْنَى الْعَارِضِ عِنْدَ عَدَمِ دَلِيلٍ يَصْرِفُهُ إلَيْهِ.

قَوْلُهُ (وَذَلِكَ) أَيْ نَظِيرُ هَذَا الْأَصْلِ قَوْلُنَا فِي الْأَقْرَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي النَّصِّ إنَّهَا الْحَيْضُ لَا الْأَطْهَارُ.

وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ الْأَقْرَاءِ دُونَ الْقُرُوءِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْقُرُوءِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَثْرَةٍ جَمْعُ الْقِلَّةِ.

قَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ الْقُرْءَ لِلْحَيْضَةِ حَقِيقَةٌ وَلِلطُّهْرِ مَجَازٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْقُرْءَ اُسْتُعْمِلَ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ لُغَةً وَشَرْعًا وَقَالَ عليه السلام لِفَاطِمَةَ بِنْتِ حُبَيْشٍ «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِك» يَعْنِي أَيَّامَ حَيْضِك وَقَالَ «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا فَتُطَلِّقَهَا فِي كُلِّ قُرْءٍ تَطْلِيقَةً» يَعْنِي الطُّهْرَ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

يَا رُبَّ مَوْلًى حَاسِدٍ مُبَاغَضٍ

عَلَى ذِي ضِغْنٍ وَضَبٍّ فَارِضٍ

لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ

وَقَال َ الْأَعْشَى:

أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ

تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا غَرِيمَ غِرَائِكَا

مُورِثَةً مَالًا وَفِي الْحَيِّ رِفْعَةٌ

لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا

وَأَرَادَ بِهِ الطُّهْرَ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ هُوَ الَّذِي يَضِيعُ فِي زَمَانِ غَيْبَةِ الزَّوْجِ وَأَمَّا الْحَيْضُ فَضَائِعٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَلَكِنَّ الِاشْتِبَاهَ وَالْخِلَافَ فِي أَنَّ الِاسْتِعْمَالَيْنِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَالْآخَرُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فَبِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ الِاسْتِعْمَالِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مُطْلَقِ الِاسْتِعْمَالِ هُوَ الْحَقِيقَةُ وَالِاسْتِعْمَالُ فِي الْمَجَازِ لَا يَكُونُ بِدُونِ قَرِينَةٍ فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ مُشْتَرَكًا وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ حَيْثُ ذَكَرَهُ فِي نَظَائِرِ الْمُشْتَرَكِ وَبِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِ الِاشْتِقَاقِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَيْضِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَفِي الطُّهْرِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ هَهُنَا بِقَوْلِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَذَا يَعْنِي هَذَا الْوَجْهَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ حَقِيقَةً فِي الْحَيْضِ مَجَازًا فِي الطُّهْرِ وَإِنْ كَانَ الِاشْتِرَاكُ هُوَ الْمُخْتَارُ فِيهِ عِنْدِي فَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّ الْمَذْكُورَ هُنَا لَا يُنَاقِضُ الْمَذْكُورَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.

ثُمَّ ذَكَرَ لِلِاشْتِقَاقِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَصْلَ هَذَا التَّرْكِيبِ يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ يُقَالُ قَرَأْت الشَّيْءَ قُرْآنًا أَيْ جَمَعْته وَضَمَمْت بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَيُقَالُ مَا قَرَأَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ سَلًا قَطُّ وَمَا قَرَأَتْ جَنِينًا أَيْ لَمْ تَضُمَّ رَحِمَهَا عَلَى وَلَدٍ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

هِجَانُ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينًا

وَحَقِيقَةُ الِاجْتِمَاعِ فِي الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ اسْمٌ لِدَمٍ مُجْتَمِعٍ فِي نَفْسِهِ فَإِنَّ نَفْسَ الدَّمِ لَا يَكُونُ حَيْضًا حَتَّى تَدُومَ فَأَمَّا الطُّهْرُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ مُجْتَمِعٍ وَلَكِنَّهُ حَالَ اجْتِمَاعِ دَمِ الْحَيْضِ فِي الرَّحِمِ فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي زَمَانِ الطُّهْرِ ثُمَّ يَدِرُّ فَكَانَ الِاسْمُ لِلدَّمِ الْمُجْتَمِعِ فِي نَفْسِهِ حَقِيقَةً وَلِزَمَانِ اجْتِمَاعِ الدَّمِ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ الْمُجَاوِرَةِ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَيْضِ أَوْلَى وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ إلَى الْقُرْءِ وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقُرْءَ

ص: 84

وَكَذَلِكَ الْعَقْدُ لِمَا يَنْعَقِدُ حَقِيقَةٌ وَلِلْغُرْمِ مَجَازٌ وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ لِلْجَمْعِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عَلَى مَا عُرِفَ وَالِاجْتِمَاعُ فِي الْوَطْءِ وَيُسَمَّى الْعَقْدُ بِهِ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ حَتَّى يُسَمَّى الْوَطْءُ جِمَاعًا فَكَانَتْ الْحَقِيقَةُ أَوْلَى وَأَمْثِلَةُ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى

ــ

[كشف الأسرار]

بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ فَأَمَّا إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ فَالْأَمْرُ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الطُّهْرِ هُوَ الْجَامِعُ لِلدَّمِ فَكَانَ الطُّهْرُ أَحَقَّ بِهَذَا الِاسْمِ وَكَانَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْحَيْضِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لِلْمُجَاوَرَةِ وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ يَدُلُّ عَلَى الِانْتِقَالِ أَيْضًا يُقَالُ قَرَأَ النَّجْمُ إذَا انْتَقَلَ وَهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَنْتَقِلُ عَنْ الطُّهْرِ إلَى الْحَيْضِ وَعَنْ الْحَيْضِ إلَى الطُّهْرِ غَيْرَ أَنَّ الطُّهْرَ أَصْلٌ وَالْحَيْضَ عَارِضٌ فَحَقِيقَةُ الِانْتِقَالِ تَكُونُ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ إذْ لَوْلَا الْحَيْضُ لَمَا وُجِدَ الِانْتِقَالُ فَيَكُونُ الِاسْمُ لِلْحَيْضِ حَقِيقَةً وَلِلطُّهْرِ مَجَازًا لِلْمُجَاوِرَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ مُجَاوِرٌ لِلْحَيْضِ فَكَانَتْ الْحَقِيقَةُ أَوْلَى وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْبُرْغَرِيُّ أَنَّ الطُّهْرَ لَا يَأْخُذُ اسْمَ الْقُرْءِ إلَّا بِمُجَاوِرَةِ الدَّمِ فَإِنَّ كُلَّ طُهْرٍ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقُرْءِ وَإِنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ فَالطُّهْرُ أَحَدُ اسْمِ الْقُرْءِ لِأَجَلِ الدَّمِ، وَالدَّمُ يَسْتَحِقُّهُ لِنَفْسِهِ فَكَانَ جَعْلُهُ اسْمًا لِلدَّمِ أَوْلَى.

قَالَ وَلِأَنَّ الْحَيْضَ أَوَّلُ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ وَأَوَّلُ الْمُنْتَقِلِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْأَصْلِيَّ لَا يُسَمَّى قُرْءًا وَإِنَّمَا الْقُرْءُ هُوَ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ الَّذِي بَعْدَهُ فَيَثْبُتُ الِانْتِقَالُ أَوَّلًا إلَى الْحَيْضِ ثُمَّ مِنْهُ إلَى الطُّهْرِ فَاسْتَحَقَّ الِاسْمَ قَبْلَ الطُّهْرِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْأَصَالَةِ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْعَقْدُ) إلَى آخِرِهِ لَا كَفَّارَةٌ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] وَالْغَمُوسُ مَعْقُودَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ عَقْدُ الْقَلْبِ وَهُوَ قَصْدُهُ، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ الْعَزِيمَةُ عَقِيدَةً، أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يُقَابِلُهُ وَهُوَ اللَّغْوُ مَا جَرَى عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَعِنْدَنَا الْعَقْدُ هُوَ رَبْطُ اللَّفْظِ بِاللَّفْظِ لِإِيجَابِ حُكْمٍ، نَحْوُ رَبْطِ لَفْظِ الْيَمِينِ بِالْخَبَرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِإِيجَابِ الصِّدْقِ مِنْهُ وَتَحْقِيقِهِ وَرَبْطُ الْبَيْعِ بِالشِّرَاءِ لِإِيجَابِ الْمِلْكِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ عَقْدُ الْحَبْلِ وَهُوَ شَدُّ بَعْضِهِ بِبَعْضِ وَضِدُّهُ الْحَلُّ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِلْأَلْفَاظِ الَّتِي عُقِدَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ لِإِيجَابِ حُكْمٍ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِمَا يَكُونُ سَبَبًا لِهَذَا الرَّبْطِ وَهُوَ عَزِيمَةُ الْقَلْبِ فَصَارَ عَقْدُ اللَّفْظِ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِيقَةِ بِدَرَجَةٍ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَحَقَّ كَذَا فِي التَّقْوِيمِ وَغَيْرِهِ فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ لِمَا يَنْعَقِدُ حَقِيقَةً أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمُرَادُ مِنْهُ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ) لَفْظُ النِّكَاحِ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْوَطْءِ كَقَوْلِهِ عليه السلام «نَاكِحُ الْيَدِ مَلْعُونٌ» وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

إذَا سَقَى اللَّهُ أَرْضًا صَوْبَ غَادِيَةٍ

فَلَا سَقَى اللَّهُ أَرْضَ الْكُوفَةِ الْمَطَرَا

التَّارِكِينَ عَلَى طُهْرٍ نِسَاءَهُمْ

وَالنَّاكِحِينَ بِشَطْأَيْ دِجْلَةَ الْبَقَرَا

وَقَوْلِ الْآخَرِ:

يُحِبُّ الْمَدِيحَ أَبُو خَالِدٍ

وَيَهْرُبُ مِنْ صِلَةِ الْمَادِحِ

كَبِكْرٍ تُحِبُّ لَذِيذَ النِّكَاحِ

وَتَهْرُبُ مِنْ صَوْلَةِ النَّاكِحِ

وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْعَقْدِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] .

وَقَوْلُهُ عليه السلام «تَنَاكَحُوا تَوَالَدُوا تَكْثُرُوا» وَيُقَالُ كُنَّا فِي نِكَاحِ فُلَانٍ إلَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْوَطْءِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ مَعْنَوِيٌّ مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّمِّ وَالْجَمْعِ يُقَالُ انْكِحْ الصَّبْرَ أَيْ الْتَزِمْهُ وَضُمَّهُ إلَيْك وَيُقَالُ فِي الْمَثَلِ أَنْكَحْنَا الْفَرِيَّ فَسَنَرَى أَيْ جَمَعْنَا بَيْنَ الْعِيرِ وَالْحِمَارِ فَسَنَرَى مَا يَحْدُثُ كَذَا قِيلَ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ:

أَنْكَحْت ضَمَّ صَفَاهَا حَفَّ يَعْمَلُهُ

تَغَشْمَرَتْ بِي إلَيْك السَّهْلَ وَالْجَبَلَا

أَيْ أَلْزَمْت وَضَمَمْت وَمَعْنَى الضَّمِّ وَالْجَمْعِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ حَقِيقَةً فِي

ص: 85

وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي الدَّعْوَى فِي رَجُلٍ لَهُ أَمَةٌ وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ فَقَالَ الْمَوْلَى أَحَدُ هَؤُلَاءِ وَلَدِي ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ

ــ

[كشف الأسرار]

الْوَطْءِ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ الِاتِّحَادِ بَيْنَ الذَّاتَيْنِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ جِمَاعًا وَفِي الْعَقْدِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى ذَلِكَ الضَّمِّ، أَوْ لِأَنَّ فِيهِ ضَمًّا حُكْمِيًّا فَكَانَتْ الْحَقِيقَةُ أَوْلَى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.

وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ حَمْلَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] عَلَى الْوَطْءِ كَمَا حَمَلَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لِيَثْبُتَ بِإِطْلَاقِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْعَقْدِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا قِيلَ وَلَكِنَّ عَامَّةَ مَشَايِخِنَا وَجُمْهُورَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ هُوَ الْعَقْدُ قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ لَمْ يَرِدْ لَفْظُ النِّكَاحِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا فِي مَعْنَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَطْءِ مِنْ بَابِ التَّصْرِيحِ بِهِ وَمِنْ آدَابِ الْقُرْآنِ الْكِنَايَةُ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمُمَاسَّةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْقُرْبَانِ وَالتَّغَشِّي وَالْإِتْيَانِ.

وَقَوْلُهُ حَتَّى سُمِّيَ الْوَطْءُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَالِاجْتِمَاعُ فِي الْوَطْءِ (فَإِنْ قِيلَ) فِيمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْمِثَالَيْنِ اسْتِعَارَةُ اسْمِ الْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ، وَقَدْ أَثْبَتُّمْ ذَلِكَ (قُلْنَا) الْمُسَبَّبُ مَخْصُوصٌ بِالسَّبَبِ فِي هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ فَكَانَا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ فَيَجُوزُ اسْتِعَارَتُهُ لِلسَّبَبِ كَاسْتِعَارَةِ اسْمِ الْمَعْلُولِ لِلْعِلَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسَبَّبَ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ انْعِقَادُ اللَّفْظَيْنِ لَا يَصِيرُ عَقْدًا حَقِيقَةً إلَّا بِعَزِيمَةِ الْقَلْبِ وَقَصْدِهِ إذْ اللِّسَانُ مُعَبِّرٌ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ، وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ مَنْ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونِ وَكَذَا الْوَطْءُ الْمَقْصُودُ مَخْصُوصٌ بِالْعَقْدِ لَيْسَ لَهُ طَرِيقٌ سِوَاهُ عَلَى مَا يَقْتَضِيه الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ، وَوَطْءُ الْإِمَاءِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَهُوَ بَابُ الِاسْتِخْدَامِ عَلَى مَا عُرِفَ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ وَلَا يَخْلُو عَنْ تَمَحُّلٍ وَتَكَلُّفٍ.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الْمَجَازَ لَا يُزَاحِمُ الْحَقِيقَةَ وَلَا يُعَارِضُهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى آخِرِهِ أَمَةٌ وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ وَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَقَالَ الْمَوْلَى فِي صِحَّتِهِ: أَحَدُ هَؤُلَاءِ وَلَدِي ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ نَسَبَهُ مَجْهُولٍ، وَنَسَبُ الْمَجْهُولِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِيَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِخَطَرِ الْبَيَانِ وَالنَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ.

وَتَعْتِقُ الْجَارِيَةُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهَا بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ وَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ النَّسَبِ إذَا لَمْ تَعْمَلْ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ كَانَ إقْرَارًا بِالْحُرِّيَّةِ عَلَى أَصْلِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْأَكْبَرِ سِنًّا مِنْهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَحَدُهُمْ حُرٌّ فَيَعْتِقُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله يَعْتِقُ مِنْ الْأَكْبَرِ ثُلُثُهُ وَمِنْ الْأَوْسَطِ نِصْفُهُ وَالْأَصْغَرُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مَتَى لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُهَا عَلَى حُكْمِ الْوِلَادِ يَلْغُو أَصْلًا وَمَتَى أَمْكَنَ مِنْ وَجْهٍ نَزَلَ الْعِتْقُ عَلَى حُكْمِ الْوِلَادِ كَأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ بَعْدَ هَذَا فِي مَعْرُوفِ النَّسَبِ إذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى أَنَّهُ ابْنُهُ يَعْتِقُ وَلَا يُقْضَى بِالنَّسَبِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَ هَهُنَا مُمْكِنٌ فِي الْجُمْلَةِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يُقْضَى بِالنَّسَبِ لِلْجَهَالَةِ وَلَكِنَّ الْوِلَادَ مُمْكِنٌ عَلَى مَا ادَّعَى فَيَنْزِلُ الْعِتْقُ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَإِذَا نَزَلَ عَلَى اعْتِبَارِهِ عَتَقَ مِنْ الْأَكْبَرِ ثُلُثُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَنَاهُ عَتَقَ وَلَا يَعْتِقُ إنْ عَنَى الْآَخَرَيْنِ وَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأَوْسَطِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ إنْ عَنَاهُ وَكَذَا إنْ عَنَى الْأَكْبَرَ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ فَيَعْتِقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى كَمَا تَعْتِقُ أُمُّهُ وَلَا تَعْتِقُ إنْ عَنَى الْأَصْغَرَ وَأَحْوَالُ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ بِخِلَافِ أَحْوَالِ الْحِرْمَانِ فَلِهَذَا يَعْتِقُ نِصْفُهُ.

وَأَمَّا الْأَصْغَرُ فَهُوَ حُرٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَّا أَنَّ

ص: 86