المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ)

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ قِسْمَانِ

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل عَامٌّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَعَامٌّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ مَا هُوَ فَرْدٌ وُضِعَ لِلْجَمْعِ

- ‌[أَنْوَاع الْعَامُّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ كَلِمَةُ كُلٍّ

- ‌[كَلِمَةُ الْجَمِيعِ]

- ‌كَلِمَةُ مَا

- ‌ كَلِمَةُ الَّذِي

- ‌ النَّكِرَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُ الْعُمُومِ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْعَامِّ مَعْنًى لَا صِيغَةً]

- ‌ لَامُ التَّعْرِيفِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْرِيفَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنَى الْعَهْدِ

- ‌[النَّكِرَةِ إذَا اتَّصَلَ بِهَا وَصْفٌ عَامٌّ]

- ‌ كَلِمَةُ أَيُّ

- ‌ النَّكِرَةُ الْمُفْرَدَةُ فِي مَوْضِعِ إثْبَاتٍ

- ‌[بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ]

- ‌(بَابُ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ) (وَالْمَجَازِ وَالصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌[تعارض الْحَقِيقَة وَالْمَجَاز]

- ‌طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ

- ‌ الِاتِّصَالَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ قِبَلِ حُكْمِ الشَّرْعِ يَصْلُحُ طَرِيقًا لِلِاسْتِعَارَةِ

- ‌[يُسْتَعَارَ الْأَصْلُ لِلْفَرْعِ وَالسَّبَبُ لِلْحُكْمِ]

- ‌ الِاسْتِعَارَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَعَانِي

- ‌[الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ]

- ‌ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ

- ‌إِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ

- ‌قَدْ يَتَعَذَّرُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُمْتَنِعًا

- ‌ الْكَلَامَ إذَا كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ

- ‌(بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ)

- ‌دَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ

- ‌ الثَّابِتُ بِسِيَاقِ النَّظْمِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ

- ‌(بَابُ حُرُوفِ) (الْمَعَانِي)

- ‌[معانى الْوَاوُ]

- ‌[معانى الْفَاءُ]

- ‌[معانى ثُمَّ]

- ‌[معانى بَلْ]

- ‌[معانى لَكِنْ]

- ‌[معانى أَوْ]

- ‌بَابُ حَتَّى) :

- ‌بَابُ حُرُوفِ الْجَرِّ)

- ‌[مَعْنَى الْبَاءُ]

- ‌[مَعْنَى عَلَى]

- ‌[مَعْنَى مِنْ]

- ‌[مَعْنَى إلَى]

- ‌[مَعْنَى فِي]

- ‌[حُرُوفِ الْقَسَمِ]

- ‌ اَيْمُ اللَّهِ

- ‌ أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ

- ‌ حُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌ حُرُوفِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ الصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌بَابُ وُجُوهِ) (الْوُقُوفِ عَلَى) (أَحْكَامِ النَّظْمِ)

- ‌مَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ وَأُرِيدَ بِهِ الْقَصْدُ أَوْ الْإِشَارَةُ

- ‌ دَلَالَةُ النَّصِّ

- ‌[دَلَالَة الْمُقْتَضِي]

- ‌الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ

- ‌ الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ

- ‌ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ

- ‌ الْعَامَّ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ

- ‌ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مُوجِبٌ الْعَدَمَ

- ‌ مَنْ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ

- ‌(بَابُ الْعَزِيمَةِ) (وَالرُّخْصَةِ)

- ‌[أَقْسَام الْعَزِيمَةُ]

- ‌[أَقْسَام الرُّخَصُ]

- ‌{بَابُ حُكْمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي أَضْدَادِهِمَا}

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ)

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الصَّوْمِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ

- ‌[سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ]

- ‌ سَبَبُ الْخَرَاجِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ

- ‌سَبَبُ الْكَفَّارَاتِ

- ‌سَبَبُ الْمُعَامَلَاتِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَقْسَامِ) (السُّنَّةِ)

- ‌(بَابُ الْمُتَوَاتِرِ)

- ‌(بَابُ الْمَشْهُورِ)

- ‌(بَابُ خَبَرِ الْوَاحِدِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الرَّاوِي الَّذِي جُعِلَ خَبَرُهُ حُجَّةً)

- ‌[الرَّاوِي الْمَعْرُوفُ]

- ‌[الرَّاوِي الْمَجْهُولُ]

- ‌بَابُ بَيَانِ شَرَائِطِ الرَّاوِي)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ شُرُوطِ الرَّاوِي وَتَقْسِيمِهَا]

الفصل: ‌(باب العزيمة) (والرخصة)

(بَابُ الْعَزِيمَةِ)(وَالرُّخْصَةِ)

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رضي الله عنه

ــ

[كشف الأسرار]

وَصَوْمُ الْعَشَرَةِ لَا يُتَصَوَّرُ أَدَاؤُهُ فِيهِ فَلِضَرُورَةِ عَدَمِ الْإِمْكَانِ جَعَلَهُ الشَّرْعُ مُتَفَرِّقًا فَلَمْ يَجْعَلْ الْكُلَّ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِيَكُونَ جُمْلَةً بَلْ جَعَلَ الْبَعْضَ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ مُتَّصِلًا بِأَيَّامِ النَّحْرِ وَالْبَعْضَ بَعْدَهَا لِيَكُونَ مُتَّصِلًا بِطَرَفَيْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَمَّا تَعَذَّرَ الْأَدَاءُ فِيهَا فَيَكُونُ التَّفْرِيقُ ضَرُورَةَ الِاتِّصَالِ بِطَرَفَيْ وَقْتِ النَّحْرِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ وَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ لِأَنَّهُ وَقْتُ ضِيَافَةِ اللَّهِ عِبَادَهُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَدَاءُ السَّبْعَةِ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ قَبْلَ الرُّجُوعِ بِلَا فَصْلٍ غَيْرَ أَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَهُ بِالرُّجُوعِ لِعُذْرِ السَّفَرِ نَظَرًا لَهُ وَمَرْحَمَةً عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ خَمْسَةٌ وَبَعْدَهُ خَمْسَةٌ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مَعْقُولٌ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُولٍ فَفُوِّضَ إلَى الشَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ]

وَلَمَّا فَرَغَ الشَّيْخُ مِنْ بَيَانٍ أَقْسَامِ الْكِتَابِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِهَا فَقَالَ (بَابُ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ)

اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْأُصُولِيِّينَ فِي تَفْسِيرِ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلُوا الْأَحْكَامَ مُنْحَصِرَةً عَلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ وَبَعْضَهُمْ لَمْ يَجْعَلُوهَا كَذَلِكَ. فَبَعْضُ مَنْ حَصَرَهَا عَلَيْهِمَا قَالَ الْعَزِيمَةُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةُ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ. وَالرُّخْصَةُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِجَوَازِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ حُكْمٌ ثَابِتٌ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْحُرَّةِ عَدَمُ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا. وَبِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ثَابِتٌ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ إذْ الْأَصْلُ حُرْمَةُ التَّعَرُّضِ فِي مَالِ الْغَيْرِ وَنَفْسِهِ وَلَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْهَا رُخْصَةً.

وَقِيلَ الْعَزِيمَةُ مَا سَلِمَ دَلِيلُهُ عَنْ الْمَانِعِ، وَالرُّخْصَةُ مَا لَمْ يَسْلَمْ عَنْهُ. وَبَعْضُ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ الِانْحِصَارَ قَالَ الْعَزِيمَةُ مُلْزِمُ الْعِبَادِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَنَحْوِهَا وَالرُّخْصَةُ مَا وَسِعَ لِلْمُكَلَّفِ فِعْلُهُ لِعُذْرٍ فِيهِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُحَرَّمِ. فَاخْتَصَّتْ الْعَزِيمَةُ بِالْوَاجِبَاتِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ، وَخَرَجَ النَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ عَنْ الْعَزِيمَةِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ فِي الرُّخْصَةِ فَلَمْ يَنْحَصِرْ الْأَحْكَامُ فِي الْقِسْمَيْنِ. وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ الْعَزِيمَةُ مَا لَزِمْنَاهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ أَصْلًا بِحَقِّ أَنَّهُ إلَهُنَا وَنَحْنُ عَبِيدُهُ فَابْتَلَانَا بِمَا شَاءَ.

وَالرُّخْصَةُ إطْلَاقٌ بَعْدَ حَظْرٍ بِعُذْرٍ تَيْسِيرًا. ثُمَّ أَوَّلُ كَلَامِ الشَّيْخِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ اعْتَبَرَ الِانْحِصَارَ حَيْثُ قَالَ، وَأَحْكَامُ هَذِهِ الْأَقْسَامِ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِبَاحَةَ وَالْكَرَاهَةَ مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ كَوُجُوبِ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فَتَدْخُلَانِ فِي الْقِسْمَيْنِ، وَكَذَا تَفْسِيرُهُ الْعَزِيمَةَ وَالرُّخْصَةَ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا فَإِنَّ حَاصِلَ مَعْنَاهُمَا عَلَى مَا ذُكِرَ الْعَزِيمَةُ مَا هُوَ أَصْلٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالرُّخْصَةُ مَا لَيْسَ بِأَصْلٍ. أَوْ الْعَزِيمَةُ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَوَارِضِ وَالرُّخْصَةُ بِخِلَافِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى انْحِصَارِ الْأَحْكَامِ فِيهِمَا كَمَا تَرَى لَكِنَّ آخِرَ كَلَامِهِ، وَهُوَ تَقْسِيمُهُ الْعَزِيمَةَ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ، وَلَا فِي تَقْسِيمِ الرُّخْصَةِ فَكَانَ مُشْتَبَهًا. إلَّا أَنْ يُقَالَ الْأَحْكَامُ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْقِسْمَيْنِ عِنْدَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوَّلُ كَلَامِهِ، وَالْإِبَاحَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْعَزِيمَةِ لِوَكَادَةِ شَرْعِيَّتِهَا كَالنَّفْلِ إذْ لَيْسَ إلَى الْعِبَادِ رَفْعُهَا لَا أَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي تَقْسِيمِ الْعَزِيمَةِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ بَيَانُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الثَّوَابُ مِنْ الْعَزَائِمِ وَذَلِكَ فِي الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ

ص: 298

الْعَزِيمَةُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ اسْمٌ لِمَا هُوَ أَصْلٌ مِنْهَا غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالْعَوَارِضِ سُمِّيَتْ عَزِيمَةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ كَانَتْ أُصُولًا كَانَتْ فِي نِهَايَةِ التَّوْكِيدِ حَقًّا لِصَاحِبِ الشَّرْعِ، وَهُوَ نَافِذُ الْأَمْرِ وَاجِبُ الطَّاعَةِ وَالرُّخْصَةُ اسْمٌ لِمَا بُنِيَ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ وَهُوَ مَا يُسْتَبَاحُ بِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ وَالِاسْمَانِ مَعًا دَلِيلَانِ عَلَى الْمُرَادِ. أَمَّا الْعَزْمُ فَهُوَ الْقَصْدُ الْمُتَنَاهِي فِي التَّوْكِيدِ

ــ

[كشف الأسرار]

الدُّنْيَا.

وَقَوْلُهُ الْعَزِيمَةُ اسْمٌ لِمَا هُوَ أَصْلٌ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ تَمَامُ التَّعْرِيفِ. وَقَوْلُهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالْعَوَارِضِ تَفْسِيرٌ لِأَصَالَتِهَا لَا تَقْيِيدٌ. وَيَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ كَالْعِبَادَاتِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّرْكِ كَالْحُرُمَاتِ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ بَعْدَ تَقْسِيمِ الْأَحْكَامِ إلَى الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّفَلِ وَالْمُبَاحِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْعَزِيمَةَ اسْمٌ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّفَلِ وَنَحْوِهَا لَا لِعَارِضٍ سُمِّيَتْ أَيْ الْأَحْكَامُ الْأَصْلِيَّةُ عَزِيمَةً.؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ كَانَتْ أُصُولًا أَيْ مَشْرُوعَةً ابْتِدَاءً. حَقًّا لِصَاحِبِ الشَّرْعِ مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ كَانَتْ فِي نِهَايَةِ التَّوْكِيدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا كَانَتْ أُصُولًا لِأَجْلِ أَنَّهَا حَقٌّ لَهُ أَوْ هُوَ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِغَيْرِهِ.

وَهُوَ نَافِذُ الْأَمْرِ وَاجِبُ الطَّاعَةِ فَكَانَ أَمْرُهُ مُفْتَرَضَ الِامْتِثَالِ وَشَرْعُهُ وَاجِبَ الْقَبُولِ فَكَانَ مُؤَكِّدًا. وَقَوْلُهُ وَالرُّخْصَةُ اسْمٌ لِمَا بُنِيَ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ تَعْرِيفُ الرُّخْصَةِ. وَقَوْلُهُ، وَهُوَ مَا يُسْتَبَاحُ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ تَفْسِيرٌ لَهُ يَعْنِي أُرِيدَ بِقَوْلِهِ مَا بُنِيَ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ مَا يُسْتَبَاحُ بِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ. فَقَوْلُهُ مَا يُسْتَبَاحُ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْفِعْلَ وَالتَّرْكَ.

وَقَوْلُهُ لِعُذْرٍ احْتِرَازٌ عَمَّا أُبِيحَ لَا لِعُذْرٍ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ. وَقَوْلُهُ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ احْتِرَازٌ عَنْ مِثْلِ الصِّيَامِ عِنْدَ فَقْدِ الرَّقَبَةِ فِي الظِّهَارِ إذْ لَا يُمْكِنُ دَعْوَى قِيَامِ السَّبَبِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ فَقْدِ الرَّقَبَةِ مَعَ اسْتِحَالَةِ التَّكْلِيفِ بِإِعْتَاقِهَا حِينَئِذٍ بَلْ الظِّهَارُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِعْتَاقِ فِي حَالَةٍ وَلِوُجُوبِ الصِّيَامِ فِي حَالَةٍ أُخْرَى.

وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالِاسْتِبَاحَةِ الْإِبَاحَةُ بِدُونِ الْحُرْمَةِ فَهُوَ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُحَرَّمِ بِدُونِ حُكْمِهِ لِمَانِعِ تَخْصِيصٍ لَهُ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْإِبَاحَةُ مَعَ قِيَامِ الْحُرْمَةِ فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْمُتَضَادَّيْنِ وَكِلَاهُمَا فَاسِدٌ. وَلَا يُفِيدُ تَغْيِيرُ الْعِبَارَةِ بِأَنَّ الرُّخْصَةَ هِيَ مَا رُخِّصَ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ التَّرْخِيصَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْإِبَاحَةِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ وَزِيَادَةً، وَهِيَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ رُخِّصَ فِي حَدِّ الرُّخْصَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَأْوِيلُهُ بِاللُّغَوِيِّ دُونَ الِاصْطِلَاحِيِّ؛ لِأَنَّ أَقَلَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْمُبْهَمِ فِي التَّعْرِيفِ، وَهُوَ قَبِيحٌ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ يُسْتَبَاحُ يُعَامَلُ بِهِ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ لَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُبَاحًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْحُرْمَةِ قَائِمٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِتِلْكَ الْحُرْمَةِ بِالنَّصِّ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ الْمُؤَاخَذَةِ انْتِفَاءُ الْحُرْمَةِ فَإِنَّ مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَعَفَا اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ يُؤَاخِذْهُ بِهَا لَا تُسَمَّى مُبَاحَةً فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ الْمُؤَاخِذِ. وَلِهَذَا ذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الرُّخْصَةُ تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْفِعْلِ مَعَ وُجُودِ السَّبَبِ الْمُحَرَّمِ لِلْفِعْلِ وَحُرْمَةُ الْفِعْلِ وَتَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ بِتَرْكِ الْفِعْلِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْفِعْلِ، وَكَوْنِ الْفِعْلِ وَاجِبًا.

وَذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ الرُّخْصَةُ اسْمٌ لِمَا تَغَيَّرَ عَنْ الْأَمْرِ الْأَصْلِيِّ إلَى تَخْفِيفٍ وَيُسْرٍ تَرْفِيهًا وَتَوْسِعَةً عَلَى أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: الرُّخْصَةُ مَا وُسِّعَ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِعْلُهُ بِعُذْرٍ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا فِي حَقِّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ أَوْ وُسِّعَ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَرْكُهُ مَعَ قِيَامِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَعْذُورِ. وَسَوَّى بَيْنَ الرُّخَصِ كُلِّهَا، وَقَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرُّخْصَةُ حَرَامَ التَّحْصِيلِ قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى بِرُخَصِهِ كَمَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى بِعَزَائِمِهِ» «وَقَالَ عليه السلام لِعَمَّارٍ حِينَ أَجْرَى كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ بِالْإِكْرَاهِ. فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» .

ص: 299