الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِضْمَارٍ فِيهِ تَرْكُ الْحَقِيقَةِ وَالْحَقِيقَةُ أَحَقُّ مَا أَمْكَنَ.
وَأَمَّا ثُمَّ فَلِلْعَطْفِ عَلَى سَبِيلِ التَّرَاخِي وَهُوَ مَوْضُوعَةٌ لِيَخْتَصَّ بِمَعْنًى يَنْفَرِدُ بِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَثَرِ التَّرَاخِي فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه هُوَ بِمَعْنَى الِانْقِطَاعِ كَأَنَّهُ مُسْتَأْنِفٌ حُكْمًا قَوْلًا بِكَمَالِ التَّرَاخِي
ــ
[كشف الأسرار]
فِي حُكْمِ الْعَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا التَّرْتِيبُ فَيُصْرَفُ التَّرْتِيبُ إلَى الْوُجُوبِ أَيْ وَجَبَ دِرْهَمٌ وَبَعْدَهُ آخَرُ كَمَا إذَا قَالَ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَيُصْرَفُ التَّرَاخِي وَالتَّرْتِيبُ إلَى الْوُجُوبِ أَوْ يُجْعَلُ الْفَاءُ عِبَارَةً عَنْ الْوَاوِ مَجَازًا لِمُشَارَكَتِهِمَا فِي نَفْسِ الْعَطْفِ كَأَنَّهُ قَالَ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَزِمَهُ دِرْهَمٌ لِأَنَّ مُوجَبَ حَرْفِ الْفَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الدَّرَاهِمِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى الْوُجُوبِ أَيْضًا لِأَنَّ وُجُوبَ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ مُتَّصِلًا بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ آخَرَ بَعْدَ وُجُوبِ الْأَوَّلِ فَيَنْفَصِلُ لَا مَحَالَةَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ جُمْلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مَحْذُوفَةُ الْمُبْتَدَأِ ذُكِرَتْ لِتَحْقِيقِ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَتَأْكِيدِهَا كَأَنَّهُ قَالَ فَهُوَ دِرْهَمٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى.
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ} [النساء: 64] أَيْ مِنْ قَبْلِك {إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] أَيْ بِلُغَتِهِمْ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ أَيْ الدِّينَ الْحَقَّ وَالصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ {فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ} [إبراهيم: 4] أَيْ يَصِيرُ ذَلِكَ الْبَيَانُ سَبَبَ ضَلَالِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ إضْلَالَهُ وَالْمَذْكُورُ فِي التَّفَاسِيرِ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ بَعْدَ التَّبْيِينِ بِإِشَارَةِ الْبَاطِلِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ لِاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ وَهُوَ رُؤْبَةُ فِي رِوَايَةِ صَاحِبِ الصِّحَاحِ:
يُرِيدُ أَنْ يُعْرِبَهُ فَيُعْجِمُهْ
أَيْ إعْرَابُهُ إعْجَامُهُ وَمَعْنَى الْبَيْتِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إنْشَاءِ الشِّعْرِ وَالتَّكَلُّمِ بِهِ مَنْ وَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ بِأَنْ مَدَحَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ أَوْ ذَمَّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ لِأَنَّ حُسْنَ الْكَلَامِ وَفَصَاحَتَهُ بِحُسْنِ مَوْقِعِهِ فَإِذَا فَقَدَ ذَلِكَ فَسَدَ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ يُرِيدُ أَنْ يُعْرِبَهُ أَيْ يُفْصِحَهُ وَلَا يَلْحَنُ فِي إعْرَابِهِ فَيُعْجِمُهُ أَيْ يَأْتِي بِهِ عَجَمِيًّا يَعْنِي يَلْحَنُ فِيهِ قَالَ الْفَرَّاءُ رَفَعَهُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ يُرِيدُ أَنْ يُعْرِبَهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يُعْجِمَهُ وَقَالَ الْأَخْفَشُ لِوُقُوعِهِ مَوْقِعَ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ يُرِيدُ أَنْ يُعْرِبَهُ فَيَقَعُ مَوْقِعَ الْإِعْجَامِ، فَلَمَّا وَضَعَ قَوْلَهُ فَيُعْجِمُ مَوْضِعَ قَوْلِهِ فَيَقَعُ رَفَعَهُ. كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي رِسَالَتِهِ الزَّاخِرَةِ رَاوِيًا عَنْ الْحُطَيْئَةِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَوْلُ جَيِّدِ الشِّعْرِ أَشَدُّ مِنْ قَضْمِ الْحِجَارَةِ.
وَقَالَ:
الشِّعْرُ صَعْبٌ وَطَوِيلٌ سُلَّمُهُ
…
إذَا ارْتَقَى فِيهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهْ
زَلَّتْ بِهِ إلَى الْحَضِيضِ قَدَمُهْ
…
يُرِيدُ أَنْ يُعْرِبَهُ فَيُعْجِمُهْ
قَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ هَذَا) أَيْ جَعْلَهُ جُمْلَةً مُبْتَدَأَةً كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِضْمَارٍ فِيهِ تَرْكُ الْحَقِيقَةِ وَهِيَ الْعَطْفُ وَإِلْغَاءُ الْفَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ يُسَاوِي قَوْلَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ وَالْحَقِيقَةُ أَحَقُّ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْإِلْغَاءِ مَا أَمْكَنَ وَفِيمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ إنْ كَانَ تَرْكُ الْحَقِيقَةِ مِنْ وَجْهٍ فَفِيهِ اعْتِبَارُهَا مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ إنْ فَاتَ الْعَمَلُ بِصِفَةِ الْوَصْلِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قَالَهُ فَقَدْ حَصَلَ الْعَمَلُ بِمَعْنَى الْعَطْفِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ فِي هَذَا الْحَرْفِ وَبِصِفَةِ التَّعْقِيبِ فِي الْوُجُوبِ فَكَانَ أَحَقَّ مِمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.
[معانى ثُمَّ]
قَوْلُهُ (عَلَى سَبِيلِ التَّرَاخِي) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مُهْلَةٌ فِي الْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِمَا فَإِذَا قُلْت جَاءَنِي زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو أَوْ قُلْت ضَرَبْت زَيْدًا ثُمَّ عَمْرًا كَانَ الْمَعْنَى أَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَهُمَا مُهْلَةٌ وَلِهَذَا جَازَ أَنْ تَقُولَ ضَرَبْت زَيْدًا ثُمَّ عَمْرًا بَعْدَهُ بِشَهْرٍ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ بِالْفَاءِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَثَرِ التَّرَاخِي أَيْ فِي ظُهُورِ أَثَرِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْحُكْمِ وَالتَّكَلُّمِ جَمِيعًا حَتَّى كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَكَتَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ قَوْلًا بِكَمَالِ التَّرَاخِي يَعْنِي هَذِهِ الْكَلِمَةُ وُضِعَتْ لِمُطْلَقِ التَّرَاخِي فَيَدُلُّ عَلَى كَمَالِهِ إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَثْبُتَ التَّرَاخِي فِي التَّكَلُّمِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا إذْ لَوْ كَانَ التَّرَاخِي فِي الْوُجُودِ دُونَ التَّكَلُّمِ كَانَ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ دَخَلَتْ عَلَى اللَّفْظِ فَيَجِبُ إظْهَارُ أَثَرِ التَّرَاخِي فِي نَفْسِ اللَّفْظِ أَيْضًا تَقْدِيرًا كَمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْحُكْمِ وَإِذَا ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي اللَّفْظِ صَارَ كَمَا لَوْ فُصِلَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا التَّرَاخِي رَاجِعٌ إلَى الْوُجُودِ فَأَمَّا فِي حُكْمِ التَّكَلُّمِ فَمُتَّصِلٌ. بَيَانُهُ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله الْأَوَّلُ يَقَعُ وَيَلْغُو مَا بَعْدَهُ كَأَنَّهُ سَكَتَ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَوَقَعَ الثَّانِي وَلَغَا الثَّالِثُ كَمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَتَعَلَّقْنَ جَمِيعًا وَيَنْزِلْنَ عَلَى التَّرْتِيبِ سَوَاءٌ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَ وَلَوْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا نَزَلَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَتَعَلَّقَ الثَّالِثُ إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ وَإِذَا قَدَّمَهُ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَنَزَلَ الْبَاقِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقُ الْكُلُّ ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ وَقَدْ يُسْتَعَارُ ثُمَّ بِمَعْنَى وَاوِ الْعَطْفِ مَجَازًا لِلْمُجَاوَرَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17]{ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: 46]
ــ
[كشف الأسرار]
بِالسُّكُوتِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ التَّرَاخِي رَاجِعٌ إلَى الْوُجُودِ أَيْ يُوجَدُ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُتَرَاخِيًا كَمَا فِي كَلِمَةِ بَعْدَ لَا فِي التَّكَلُّمِ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ حَقِيقَةً وَكَيْفَ يُجْعَلُ التَّكَلُّمُ مُنْفَصِلًا وَالْعَطْفُ لَا يَصِحُّ مَعَ الِانْفِصَالِ فَيَبْقَى الِاتِّصَالُ حُكْمًا مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْعَطْفِ بَيَانُهُ فِيمَنْ قَالَ إلَى آخِرِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ أَمَّا إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِكَلِمَةِ ثُمَّ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا أَوْ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَأَمَّا إنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَهُ فَإِذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يَقَعُ الْأَوَّلُ فِي الْحَالِ وَيَلْغُو مَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ كَأَنَّهُ سَكَتَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ لَا يَتَوَقَّفُ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ إنْ وُجِدَ الْمُغَيِّرُ فِي آخِرِهِ لِفَوَاتِ شَرْطِ التَّوَقُّفِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ فَيَقَعُ الْأَوَّلُ فِي الْحَالِ وَتَبِينُ لَا إلَى عِدَّةٍ فَيَلْغُو مَا بَعْدَهُ ضَرُورَةً كَمَا إذَا وُجِدَ حَقِيقَةُ السُّكُوتِ.
وَإِذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ وَوَقَعَ الثَّانِي لِبَقَاءِ الْمَحَلِّ إذْ الْمُعَلَّقُ لَا يُتْرَكُ فِي الْمَحَلِّ وَلَغَا الثَّالِثُ لِأَنَّهَا بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَلْغُوَ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ لَمَّا انْقَطَعَ عَنْ الْأَوَّلِ حَتَّى ظَهَرَ أَثَرُ الِانْقِطَاعِ فِي عَدَمِ التَّعَلُّقِ بِالشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ لَهُ شَرِكَةٌ فِيمَا تَمَّ بِهِ الْأَوَّلُ وَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ كَالْمُعَادِ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ وَهُوَ مَعْدُومٌ فَيَبْقَى قَوْلُهُ ثُمَّ طَالِقٌ بِلَا مُبْتَدَأٍ وَلَوْ اسْتَأْنَفَ بِهِ حَقِيقَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ فَكَذَا إذَا صَارَ مُسْتَأْنَفًا حُكْمًا لِأَنَّا نَقُولُ صِحَّةُ الْعَطْفِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاتِّصَالِ صُورَةً وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هَهُنَا فَأَمَّا التَّعَلُّقُ بِالشَّرْطِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى اتِّصَالِ الْكَلَامِ صُورَةً وَمَعْنًى وَلِهَذَا اخْتَصَّ بِحَرْفِ الْفَاءِ الَّذِي يُوجِبُ الْوَصْلَ حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَثْبُتُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ لَا يَتَعَلَّقُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ بِالشَّرْطِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ التَّعْلِيقَ وَهُوَ حَرْفُ الْفَاءِ وَلَكِنْ يَثْبُتُ الشَّرِكَةُ فِيمَا تَمَّ بِهِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى لِلِاتِّصَالِ صُورَةً وَيُمْكِنُ ذَلِكَ بِدُونِ الْعَاطِفِ بِأَنْ يُجْعَلَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ وَإِذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا أَوْ قَدَّمَهُ تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ مَا يَلِيهِ وَوَقَعَ الثَّانِي فِي الْحَالِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَعِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقُ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ فِي الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ وَيَنْزِلْنَ عَلَى التَّرْتِيبِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلْعَطْفِ بِصِفَةِ التَّرَاخِي فَلِوُجُودِ مَعْنَى الْعَطْفِ يَتَعَلَّقُ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ وَلِمَعْنَى التَّرَاخِي يَقَعُ مُرَتَّبًا فَإِذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً وَيَلْغُو الثَّانِي لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ بِالْبَيْنُونَةِ قَوْلُهُ (كَمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ) يَعْنِي لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ وَوَقَعَ الثَّانِي وَلَغَا الثَّالِثُ وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ طَلُقَتْ وَاحِدَةً فِي الْحَالِ وَلَغَا مَا سِوَاهَا وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَهُ وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ مَدْخُولًا بِهَا طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ لِلْحَالِ وَتَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ مَا يَلِيهِ وَهَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فَتَصْلُحُ مَقِيسًا عَلَيْهَا لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُ (وَقَدْ يُسْتَعَارُ ثُمَّ بِمَعْنَى الْوَاوِ) وَإِذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَعَارًا لَهُ لِلْوَاوِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِلْغَاءِ لِلْمُجَاوَرَةِ أَيْ لِلِاتِّصَالِ الَّذِي بَيْنَهُمَا فِي مَعْنَى الْعَطْفِ فَالْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْعَطْفِ وَثُمَّ لِعَطْفٍ مُقَيَّدٍ وَالْمُطْلَقُ دَاخِلٌ فِي الْمُقَيَّدِ فَيَثْبُتُ بَيْنَهُمَا اتِّصَالٌ مَعْنَوِيٌّ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ بِمَعْنَى الْوَاوِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
وَلِهَذَا قُلْنَا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ» إنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِ مُمْكِنٌ لِأَنَّا نَعْمَلُ بِحَقِيقَةِ مُوجَبِ الْأَمْرِ فَيُجْعَلُ الْكَفَّارَةُ وَاجِبَةً بَعْدَ الْحِنْثِ وَرُوِيَ «فَلْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ ثُمَّ لْيَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ» فَحَمَلْنَا هَذَا عَلَى وَاوِ الْعَطْفِ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِحَقِيقَتِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَهُوَ مُوجَبُ الْأَمْرِ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ قَبْلَ الْحِنْثِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَكَانَ الْمَجَازُ مُتَعَيِّنًا تَحْقِيقًا لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَإِذَا صَحَّ بِأَنْ يُسْتَعَارَ ثُمَّ لِلْوَاوِ
ــ
[كشف الأسرار]
{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] أَيْ وَكَانَ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ ثُمَّ إذْ الْإِيمَانُ هُوَ الْأَصْلُ الْمُقَدَّمُ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَهُوَ شَرْطُ صِحَّتِهَا فَلَا يَكُونُ فَكُّ الرَّقَبَةِ وَالْإِطْعَامُ مُعْتَبَرَيْنِ قَبْلَهُ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الطَّهَارَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ كَلِمَةَ التَّرَاخِي لِبَيَانِ تَبَايُنِ الْمَنْزِلَتَيْنِ كَمَا أَنَّهَا لِبَيَانِ تَبَايُنِ الْوَقْتَيْنِ فِي جَاءَنِي زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو.
وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ جَاءَ بِثُمَّ لِتَرَاخِي الْإِيمَانِ وَتَبَاعُدِهِ فِي الرُّتْبَةِ وَالْفَضِيلَةِ عَنْ الْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ لَا فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ السَّابِقُ الْمُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ وَذَكَرَ فِي التَّيْسِيرِ أَنَّهَا لِتَرْتِيبِ الْإِخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْوُجُودِ أَيْ ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ أَنَّ هَذَا لِمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: 46] قَدْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ ثُمَّ لِأَنَّهُ تَعَالَى شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ قَبْلَ رُجُوعِهِمْ إلَيْهِ كَمَا هُوَ شَهِيدٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
إنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ
…
ثُمَّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهْ
قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ الْمُرَادُ مِنْ الشَّهَادَةِ مُقْتَضَاهَا وَنَتِيجَتُهَا وَهُوَ الْعِقَابُ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ ثُمَّ اللَّهُ يُعَاقِبُ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ وَقَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ أَنَّ اللَّهَ مُؤَدٍّ شَهَادَتَهُ عَلَى أَفْعَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُنْطِقُ جُلُودَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ شَاهِدَةً عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ (وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ وَلِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَوُجُوبِ الْمَصِيرِ إلَى الْمَجَازِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ قُلْنَا كَذَا.
وَلِجَوَازِ اسْتِعَارَةِ ثُمَّ لِلْوَاوِ قُلْنَا كَذَا إذَا عَجَّلَ الْكَفَّارَةَ بِالْمَالِ قَبْلَ الْحِنْثِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَجُوزُ لِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ ثُمَّ لِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» شَرَعَ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ وَمَا رُوِيَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ» مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَهَذَا عَلَى الْجَوَازِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ» رَتَّبَ وَالتَّرْتِيبُ لِلْوُجُوبِ فِي الشَّرْعِ فَحَمَلْنَا ثُمَّ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّكْفِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ ثُمَّ لِيُكَفِّرْ يَبْقَى عَلَى حَقِيقَتِهِ إذْ الْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ بَعْدَ الْحِنْثِ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَشْهُورُ وَلَا تُعَارِضُهَا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَهُوَ قَوْلُهُ «فَلْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ ثُمَّ لِيَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ» لِأَنَّهَا غَيْرُ مَشْهُورَةٍ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَلَوْ صَحَّتْ كَانَ ثُمَّ فِيهَا مَحْمُولًا عَلَى الْوَاوِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِحَقِيقَتِهِ إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِالتَّكْفِيرِ لِلْوُجُوبِ حِينَئِذٍ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ قَبْلَ الْحِنْثِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْجَوَازِ فَإِنْ قِيلَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ تُرِكَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ ثُمَّ.
وَإِنْ كَانَ فِيهِ عَمَلٌ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَفِيمَا قُلْنَا عَكْسُهُ فَبِمَ تَرَجَّحَ مَا ذَكَرْتُمْ قُلْنَا يَكُونُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ سَوْقِ الْكَلَامِ إذْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ الْيَمِينِ الْبِرُّ وَالْكَفَّارَةُ خَلَفٌ عَنْهُ فَحَمْلُ مَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْمَقْصُودِ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ تَحْقِيقًا لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَبِأَنَّ فِيمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ تَرْكَ الْحَقِيقَةِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ ثُمَّ وَفِيمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ تَرْكُ الْحَقِيقَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَهُمَا حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَتَرْكُ الْعَمَلِ بِالْإِطْلَاقِ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَالْأَمْرُ بِالتَّكْفِيرِ ثَبَتَ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْمَالِ فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَحَقَّ وَفِيمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ
فَالْفَاءُ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّ جَوَازَهُ بِالْفَاءِ أَقْرَبُ وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا إنَّ هَذَا عَلَى الِاخْتِلَافِ مِثْلُ مَا اخْتَلَفُوا فِي الْوَاوِ إلَّا أَنَّ الْحَقِيقَةَ أَوْلَى فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا الِاتِّفَاقَ فِي هَذَا وَإِذَا قَدَّمَ الْجَزَاءَ بِحَرْفِ الْفَاءِ فَعَلَى هَذَا أَيْضًا. .
ــ
[كشف الأسرار]
تَرْكُ حَقِيقَةِ الْكَلَامِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ عليه السلام عَلَّقَ التَّكْفِيرَ بِأَمْرَيْنِ بِالْحَلِفِ وَبِرُؤْيَةِ الْحِنْثِ خَيْرًا وَجَوَازُ التَّعْجِيلِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَيْرِيَّةِ عَلَى أَصْلِهِمْ وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ عِبَارَةً عَنْ الْوَاوِ مَجَازًا دُونَ الْفَاءِ مَعَ أَنَّ الْفَاءَ أَقْرَبُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْفَاءَ يُوجِبُ تَرْتِيبًا أَيْضًا فَلَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ إذْ يَبْقَى الْأَمْرُ غَيْرَ مُوجَبٍ كَمَا كَانَ وَلَا يُقَالُ لَمَّا صَارَ بِمَعْنَى الْوَاوِ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ كَيْفَ مَا كَانَ عَمَلًا بِمُطْلَقِ الْعَطْفِ لِأَنَّا إنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَاوِ لِيَبْقَى الْأَمْرُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَلَوْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ كَيْفَ مَا كَانَ لَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ فَجَعَلْنَاهُ مُقَيَّدًا بِتَرْتِيبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ وَإِنْ صَارَ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِيَبْقَى الْأَمْرُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلِيَتَوَافَقَ الرِّوَايَتَانِ.
قَوْلُهُ عليه السلام «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ» الْيَمِينُ خِلَافُ الْيَسَارِ فِي الْأَصْلِ وَسُمِّيَ الْقَسَمُ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَاسَحُونَ بِأَيْمَانِهِمْ حَالَةَ التَّحَالُفِ وَقَدْ يُسَمَّى الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَمِينًا لِتَلَبُّسِهِ بِهَا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ» وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ فِي جَمِيعِ الْمَعَانِي كَذَا فِي الْمُغْرِبِ قَوْلُهُ (فَالْفَاءُ بِهِ أَوْلَى) أَيْ الْوَاوُ أَوْلَى مِنْ ثُمَّ لِأَنَّ جَوَازَ الْفَاءِ بِالْوَاوِ أَقْرَبُ مِنْ جَوَازِ ثُمَّ بِالْوَاوِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ وَمَعْنَى الْجَمْعِ فِي التَّعْقِيبِ مَعَ الْوَصْلِ أَقْرَبُ مِنْهُ فِي التَّعْقِيبِ مَعَ الْفَصْلِ فَكَانَ أَحَقَّ بِجَوَازِ الِاسْتِعَارَةِ لِلْوَاوِ مِنْ ثُمَّ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ كَمَا لَوْ قَالَ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَلِهَذَا أَيْ وَلِقُرْبِ جَوَازِهِ بِالْوَاوِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْهُمْ الطَّحَاوِيُّ إنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِتَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَقَعُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثٌ إلَّا أَنَّ الْحَقِيقَةَ أَوْلَى يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ تَعَذُّرَ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُتَعَذِّرَةً كَانَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ أَوْلَى فَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاتِّفَاقِ لَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ فِي كَلَامِهِ تَنْصِيصًا عَلَى أَنَّ الثَّانِيَةَ تَعْقُبُ الْأُولَى فَتَبِينُ الْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ بِخِلَافِ الْوَاوِ.
وَإِذَا قَدَّمَ الْجَزَاءَ بِحَرْفِ الْفَاءِ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعَلَى هَذَا أَيْضًا أَيْ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً بِالِاتِّفَاقِ كَمَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ لِأَنَّ مُوجَبَ الْفَاءِ لَمَّا كَانَ هُوَ التَّرْتِيبُ كَانَ النُّزُولُ عَلَى التَّرْتِيبِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا يَتَفَاوَتُ الْأَمْرُ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْجَزَاءِ وَتَأْخِيرِهِ وَعِنْدَ أُولَئِكَ الْبَعْضِ يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا إذَا قَدَّمَ الْجَزَاءَ بِحَرْفِ الْوَاوِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِالِاتِّفَاقِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ رحمه الله إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ بِحَرْفِ الْفَاءِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ رحمه الله جَوَابَهُ فِي الْكِتَابِ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْمُخْتَلِفَاتِ أَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَ الْكُلِّ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ مَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ فَبِالْإِجْمَاعِ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ بِكَلِمَةِ الْوَاوِ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ الْوَصْلَ فَإِذَا ذَكَرَ بِكَلِمَةِ الْفَاءِ وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْوَصْلَ أَوْلَى وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ أَوْ قَالَ بِحَرْفِ الْفَاءِ وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا فَدَخَلَتْ