الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْ ذَلِكَ مَا حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ
الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ
وَعِنْدَنَا هَذَا بَاطِلٌ أَيْضًا
ــ
[كشف الأسرار]
الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَيْضًا نُفِيَ الِانْحِصَارُ فِيمَا وَرَاء ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَنِيِّ وَصَارَ مَعْنَاهُ جَمِيعُ الِاغْتِسَالَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ مُنْحَصِرٌ فِي الْمَنِيِّ لَا يَثْبُتُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَاءِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الِاغْتِسَالُ بِالْإِكْسَالِ لِعَدَمِ الْمَاءِ لَكِنَّ الْمَاءَ فِيهِ ثَابِتٌ تَقْدِيرًا لِأَنَّ الْمَاءَ يَثْبُتُ عِيَانًا مَرَّةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَرَّةً دَلَالَةً فَإِنَّ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ وَتَوَارِي الْحَشَفَةِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِنُزُولِ الْمَاءِ كَانَ دَلِيلًا عَلَيْهِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ كَالنَّوْمِ أُقِيمَ مَقَامَ الْحَدَثِ وَالسَّفَرِ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ فَثَبَتَ أَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ فِي الْإِكْسَالِ مُضَافٌ إلَى الْمَاءِ أَيْضًا فَكَانَ هَذَا مِنَّا قَوْلًا بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ وَأَمَّا فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ عِنْدَنَا فَهِيَ أَنْ يَتَأَمَّلَ الْمُسْتَنْبِطُونَ فِي عِلَّةِ النَّصِّ فَيُثْبِتُونَ الْحُكْمَ بِهَا فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ مِنْ الْمَوَاضِعِ لِيَنَالُوا دَرَجَةَ الْمُسْتَنْبِطِينَ وَثَوَابَهُمْ وَهَذَا لَا يَحْصُلُ إذَا وَرَدَ النَّصُّ عَامًّا مَتْنًا وَلَا لِلْجِنْسِ.
[الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ]
كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِنْ الْعَمَلِ بِالْوُجُوهِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ يَعْنِي إذَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِاسْمٍ عَامٍّ مُقَيَّدٍ بِوَصْفٍ كَقَوْلِهِ عليه السلام «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» فَإِنَّ اسْمَ الْغَنَمِ عَامٌّ فِي جِنْسِهِ وَوَصْفَ السَّوْمِ مُخْتَصٌّ بِبَعْضِهِ لَا بِكُلِّهِ بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: 44] فَإِنَّهُ وَصْفٌ يَعُمُّ النَّبِيِّينَ أَجْمَعَ وَقَوْلُهُ عليه السلام «فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» فَإِنَّ وَصْفَ رُطُوبَةِ الْكَبِدِ يَعُمُّ جَمِيعَ الْحَيَوَانَاتِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ أَيْ نَفْيِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ وَيُسَمَّى هَذَا مَفْهُومَ الصِّفَةِ.
وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ صِفَتَانِ فَتَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِإِحْدَى الصِّفَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا يُخَالِفُهُ فِي الصِّفَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] وَقَوْلِهِ عليه السلام «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ. مَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرَةً فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ» فَتَخْصِيصُ الْعَمْدِ وَالسَّوْمِ وَالتَّأْبِيرِ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَعِنْدَنَا لَا يَدُلُّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ شُرَيْحٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ وَالْغَزَالِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَاحْتَجَّ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ بِمَا رُوِيَ أَنْ أَبَا عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ حَكَى عَنْ الْعَرَبِ اسْتِعْمَالَهُمْ الْمَفْهُومَ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عليه السلام «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ» أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَيَّ مَنْ لَيْسَ بِوَاجِدٍ أَيْ مَطْلَ مَنْ لَيْسَ يَعْنِي لَا يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ أَيْ مِنْ جِنْسِهِ وَعِرْضَهُ أَيْ مُطَالَبَتَهُ وَبِأَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اشْتَرِ لِي عَبْدًا أَسْوَدَ يُفْهَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْأَبْيَضِ وَإِذَا قَالَ: اضْرِبْهُ إذَا قَامَ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَنْعُ إذَا لَمْ يَقُمْ وَبِأَنَّ تَخْصِيصَ الْوَصْفِ لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَوَتْ الْعَلُوفَةُ وَالسَّائِمَةُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ لَمْ تَبْقَ لِذِكْرِ السَّائِمَةِ فَائِدَةٌ وَتَخْصِيصُ آحَادِ الْفُقَهَاءِ وَالْبُلَغَاءِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ مُمْتَنِعٌ فَتَخْصِيصُ الشَّارِعِ أَوْلَى وَاحْتَجَّ الْفَرِيقُ الثَّانِي بِأَنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ لَا يُفْهَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِثْبَاتِ إلَّا بِنَقْلٍ مُتَوَاتِرٍ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَوْ جَارٍ مَجْرَى التَّوَاتُرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
كَعِلْمِنَا بِأَنَّ قَوْلَهُمْ ضَرُوبٌ وَقَتُولٌ وَأَمْثَالُهُمَا لِلتَّكْثِيرِ وَأَنَّ قَوْلَهُمْ عَلِيمٌ وَأَعْلَمُ وَقَدِيرٌ وَأَقْدَرُ لِلْمُبَالَغَةِ وَنَقْلُ الْآحَادِ لَا يَكْفِي إذْ الْحُكْمُ عَلَى لُغَةٍ يَنْزِلُ عَلَيْهَا كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِ الْآحَادِ مَعَ جَوَازِ الْغَلَطِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ.
وَلَا يَحْسُنُ الِاسْتِفْهَامُ فَإِنَّ مَنْ قَالَ: إنْ ضَرَبَك زَيْدٌ عَامِدًا فَاضْرِبْهُ حَسَنٌ أَنْ يُقَالَ إنْ ضَرَبَنِي خَاطِئًا هَلْ أَضْرِبُهُ وَإِذَا قَالَ: أَخْرِجْ الزَّكَاةَ مِنْ مَاشِيَتِك السَّائِمَةِ حَسَنٌ أَنْ يُقَالَ: هَلْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْعَلُوفَةِ فَحُسْنُ الِاسْتِفْهَامِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَفْهُومٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْسُنُ ذَلِكَ فِي الْمَنْطُوقِ وَلَا يُقَالُ: إنَّمَا حَسُنَ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ النَّفْيُ مَجَازًا لِأَنَّا نَقُولُ: الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يُرَدُّ إلَى الْمَجَازِ لِضَرُورَةِ دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ وَبِأَنَّ الْخَبَرَ عَنْ ذِي الصِّفَةِ لَا يَبْقَى غَيْرُ الْمَوْصُوفِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ: قَامَ أَسْوَدُ أَوْ خَرَجَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِهِ عَنْ الْأَبْيَضِ بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْ الْأَبْيَضِ فَكَذَلِكَ الْأَمْرُ.
وَبِمَفْهُومِ الِاسْمِ وَاللَّقَبِ فَإِنَّ الْأَسْمَاءَ مَوْضُوعَةٌ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ وَالْأَشْخَاصِ كَالْإِنْسَانِ فَرِيدٌ وَالصِّفَاتُ مَوْضُوعَةٌ لِتَمْيِيزِ النُّعُوتِ وَالْأَحْوَالِ كَطَوِيلٍ وَقَصِيرٍ وَقَائِمٍ وَقَاعِدٍ فَإِذَا كَانَ تَقْيِيدُ الْخِطَابِ بِالِاسْمِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ فِي الْإِبِلِ الزَّكَاةُ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى نَفْيِهَا عَنْ الْبَقَرِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّقْيِيدُ بِالصِّفَاتِ بِمَثَابَتِهِ وَبِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فَرَّقُوا بَيْنَ الْعَطْفِ وَبَيْنَ النَّقْضِ وَقَدْ قَالُوا: اضْرِبْ الرِّجَالَ الطِّوَالَ وَالْقِصَارَ عَطْفٌ وَلَيْسَ بِنَقْضٍ وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ اضْرِبْ الرِّجَالَ الطِّوَالَ بَدَلًا عَلَى نَفْيِ ضَرْبِ الْقُصَّرِ لَكَانَ قَوْلُهُ وَالْقِصَارَ نَقْضًا لَا عَطْفًا وَقَوْلُهُمْ لَوْ لَمْ يَدُلَّ تَخْصِيصُ الْوَصْفِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ غَيْرُ مُسَلَّمٍ إذْ الْبَاعِثُ عَلَى التَّخْصِيصِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ لِأَنَّ فِي الْبَوَاعِثِ عَلَيْهِ كَثْرَةً فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ بَاعِثٌ سِوَى اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ لَعَرَفْنَاهُ مَعَ كَثْرَةِ خَوْضِنَا فِي طَلَبِهِ وَتَوَفُّرِ دَوَاعِينَا عَلَى طَلَبِ الْحَقِّ قُلْنَا: وَلَوْ قُلْتُمْ إنَّ كُلَّ فَائِدَةٌ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لَكُمْ فَلَعَلَّهَا حَاصِلَةٌ وَلَمْ تَعْثِرُوا عَلَيْهَا فَكَأَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ عَدَمَ الْعِلْمِ بِالْفَائِدَةِ عِلْمًا بِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَهُوَ خَطَأٌ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالِاسْمِ لَمْ يَدُلَّ عَلَى النَّفْيِ حَتَّى عَمَّ الْحُكْمُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَطْعُومَاتِ فِي حَدِيثِ الرِّبَا وَقَدْ اخْتَصَّ بِالْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ لَا يَخْلُو عَنْ الْفَائِدَةِ وَإِذَا طُلِبَتْ الْفَائِدَةُ قِيلَ: لَعَلَّ الدَّاعِيَ إلَيْهِ سُؤَالٌ أَوْ حَاجَةٌ أَوْ سَبَبٌ لَمْ نَعْرِفْهُ فَلْيَكُنْ فِي التَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ كَذَلِكَ ثُمَّ نَقُولُ لِلتَّخْصِيصِ فَوَائِدُ الْأَوَّلُ مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْعَبَ جَمِيعَ مَحَلِّ الْحُكْمِ لَمْ يَبْقَ لِلِاجْتِهَادِ مَجَالٌ فَفِي التَّخْصِيصِ بِبَعْضِ الْأَلْقَابِ وَالْأَوْصَافِ بِالذِّكْرِ تَعْرِيضٌ لِلْمُجْتَهِدِينَ لِلثَّوَابِ الْجَزِيلِ الَّذِي فِي الِاجْتِهَادِ لِيَتَوَفَّرَ دَوَاعِيهِمْ عَلَى الْعِلْمِ وَيَدُومُ الْعِلْمُ مَحْفُوظًا بِإِقْبَالِهِمْ وَنَشَاطِهِمْ فِي الْفِكْرِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَلَوْلَا هَذَا لَذُكِرَ لِكُلِّ حُكْمٍ رَابِطَةٌ عَامَّةٌ جَامِعَةٌ لِجَمِيعِ مَجَازِي الْحُكْمِ لَا يَبْقَى لِلْقِيَاسِ مَجَالٌ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: فِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ وَلَمْ تُخَصَّصْ السَّائِمَةُ لَجَازَ لِلْمُجْتَهِدِ إخْرَاجُ
وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] أَنَّ وَصْفَ كَوْنِ الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِنَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَثْبُتَ عِنْدَ عَدَمِهِ وَذَلِكَ فِي الزِّنَا وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ عليه السلام «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ» وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ عَلَى مَذْهَبِهِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ عِنْدَهُ يُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ وَالْوَصْفُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ بَيَانُهُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمَّا دَخَلَ عَلَى مَا هُوَ مُوجِبٌ لَوْلَا هُوَ صَارَ الشَّرْطُ مُؤَخَّرًا وَنَافِيًا حُكْمَ الْإِيجَابِ وَالْوَصْفُ لَوْلَا هُوَ لَكَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِمُطْلَقِ الِاسْمِ أَيْضًا فَصَارَ لِلْوَصْفِ أَثَرُ الِاعْتِرَاضِ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَأُلْحِقَ بِهِ بِخِلَافِ الْعِلَّةِ لِأَنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْإِيجَابِ لَا لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى مَا يُوجِبُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ الْعَلَمِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْوُجُودُ وَلَمْ يُوجَبْ الْعَدَمُ عِنْدَ عَدَمِهَا
ــ
[كشف الأسرار]
السَّائِمَةِ عَنْ الْعُمُومِ بِالِاجْتِهَادِ فَخَصَّ السَّائِمَةَ لِقِيَاسِ الْعَلُوفَةِ عَلَيْهَا إنْ رَأَى أَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا أَوْ لَا يَلْحَقُ بِهَا فَيَبْقَى السَّائِمَةُ بِمَعْزِلٍ عَنْ مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ الثَّالِثَةُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ عَلَى التَّخْصِيصِ عُمُومُ وُقُوعٍ أَوْ اتِّفَاقُ مُعَامَلَةٍ خَاصَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابٍ لَا نَطَّلِعُ عَلَيْهَا فَعَدَمُ عِلْمِنَا بِذَلِكَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ عِلْمِنَا بِعَدَمِ ذَلِكَ بَلْ نَقُولُ لَعَلَّ إلَيْهِ دَاعِيًا لَمْ نَعْرِفْهُ وَمَا يَسْتَدِلُّونَ بِهِ مِنْ تَخْصِيصَاتٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ خَالَفَ الْمَوْصُوفُ فِيهَا غَيْرَ الْمَوْصُوفِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ فَالْجَوَابُ عَنْهَا أَنَّ ذَلِكَ إمَّا لِبَقَائِهَا عَلَى الْأَصْلِ أَوْ مَعْرِفَتِهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ أَوْ بِقَرِينَةٍ مَعَ أَنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِتَخْصِيصَاتٍ لَا أَثَرَ لَهَا فِي نَقِيضِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إذْ يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْخَاطِئِ وقَوْله تَعَالَى {وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} [الأحزاب: 50] وَالْحِلُّ ثَابِتٌ فِي اللَّاتِي لَمْ يُهَاجِرْنَ مَعَهُ بِالِاتِّفَاقِ.
وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا} [النساء: 6]{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات: 45]{إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} [يس: 11]{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101]{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] لِي أَمْثَالٌ لَهَا لَا تُحْصَى وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي الْفِقْهِ وَلِلْفَرِيقَيْنِ كَلَامٌ طَوِيلٌ يُؤَدِّي ذِكْرُهُ إلَى الْإِطْنَابِ فَلْنَقْتَصِرْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى) أَيْ نَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَصْلِ قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] عَلَّقَ حُرْمَةَ الرَّبِيبَةِ بِالدُّخُولِ بِامْرَأَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِأَنْ تَكُونَ مُضَافَةً إلَيْنَا فَوَجَبَ أَنْ لَا تَثْبُتَ هَذِهِ الْحُرْمَةُ عِنْدَ عَدَمِ هَذَا الْوَصْفِ وَذَلِكَ فِي الزِّنَا أَيْ عَدَمُ الْوَصْفِ يَتَحَقَّقُ فِي الزِّنَا فَلَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِهِ.
وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْمُدَّعِي أَيْ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِثْلُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ دَلَّ عَدَمُ الْوَصْفِ وَهُوَ السَّوْمُ فِيهِ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ إذْ لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى النَّفْيِ لَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الْعَوَامِلِ بِالْخَبَرِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ» فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ثُمَّ أَلْحَقَ الشَّيْخُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَجَعَلَهَا مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ وَبَيَّنَ وَجْهَ الْبِنَاءِ فَقَالَ: الْوَصْفُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يَدْخُلُ عَلَى مَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ فِي الْحَالِ لَوْلَا دُخُولُهُ عَلَيْهِ فَكَانَ الشَّرْطُ مُؤَخِّرًا حُكْمَ الْإِيجَابِ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَنَافِيًا لَهُ فِي الْحَالِ فَكَذَا النَّصُّ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ لَوْلَا الْوَصْفُ فَإِذَا قَيَّدَ بِهِ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ الْمُسَمَّى إلَى زَمَانِ وُجُودِهِ فَكَانَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ يُوَضِّحُهُ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا يَكُونُ مُوجِبًا وُقُوعَ الطَّلَاقِ مَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَبِدُونِهِ كَانَ مُوجِبًا فِي الْحَالِ فَكَذَا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ رَاكِبَةً لَا يَكُونُ مُوجِبًا مَا لَمْ يُوجَدْ الرُّكُوبُ مَعَ الدُّخُولِ وَقَدْ تَقَرَّرَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يُوجِبُ النَّفْيَ عِنْدَ عَدَمِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُؤَخِّرٌ فَكَذَا التَّقْيِيدُ بِالْوَصْفِ.
وَهَذَا بِخِلَافِ الْعِلَّةِ أَيْ الشَّرْطِ
وَلَنَا أَنَّ أَقْصَى دَرَجَاتِ الْوَصْفِ إذَا كَانَ مُوَثِّرًا أَنْ يَكُونَ عِلَّةُ الْحُكْمِ مِثْلَ السَّارِقِ وَالزَّانِي وَلَا أَثَرَ لِلْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ وَمِثَالُ هَذَا أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] فَهَذَا لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ عِنْدَنَا لِمَا قُلْنَا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي أَمَةٍ وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ فَادَّعَى الْمَوْلَى نَسَبَ الْأَكْبَرِ أَنَّ نَسَبَ مَنْ بَعْدَهُ لَا يَثْبُتُ فَجَعَلَ تَخْصِيصَهُ نَفْيًا لَوْلَا ذَلِكَ لَثَبَتَ لِأَنَّهُمَا وَلَدُ أُمِّ وَلَدِهِ وَقَالَ فِي الشَّهَادَاتِ
ــ
[كشف الأسرار]
أَوْ الْوَصْفِ يُخَالِفُ الْعِلَّةَ فِي أَنَّهَا لَا تُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْحُكْمَ ابْتِدَاءً لَا أَنَّهُ وُجِدَ مُوجِبٌ قَبْلَهَا ثُمَّ صَارَتْ هِيَ مُؤَخِّرَةً حُكْمَ ذَلِكَ الْمُوجِبِ إلَى حِينِ وُجُودِهَا فَتُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْمَوْجُودِ وَالْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ بَلْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ التَّخْصِيصِ بِالِاسْمِ الْعَلَمِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجِبْ النَّفْيَ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحُكْمَ ابْتِدَاءً إذْ لَمْ يَسْبِقْهُ مُوجِبٌ قَبْلَهُ حَتَّى صَارَ التَّنْصِيصُ عَلَيْهِ مُؤَخَّرًا إلَى حِينِ وُجُودِهِ فَلِذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا يُوجِبُ النَّفْيَ إذَا تَمَّ الْكَلَامُ بِدُونِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ عليه السلام «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» إذْ لَوْ سَقَطَتْ السَّائِمَةُ لَمَا اخْتَلَّ الْكَلَامُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ فَإِنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ الْغَنَمَ لَاخْتَلَّ الْكَلَامُ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِدُونِهِ فَلَا يَكُونُ التَّخْصِيصُ بِهِ مُؤَخَّرًا نَافِيًا وَلَنَا أَنَّ أَقْصَى دَرَجَاتِ الْوَصْفِ أَيْ أَعْلَاهَا إذَا كَانَ مُؤَثِّرًا احْتِرَازٌ عَنْ مِثْلِ قَوْلِ الرَّاوِي «نَهَى النَّبِيُّ عليه السلام عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» فَإِنَّ وَصْفَ الْحَيَاةِ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فِي حُرْمَةِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ وَصْفُ النَّسِيئَةِ وَمِثَالُ هَذَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ أَيْضًا رَفْعُ إبْهَامٍ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا أَثَرَ لِلْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ فَرَفَعَ ذَلِكَ الْإِبْهَامَ بِقَوْلِهِ أَيْضًا وَبَيَّنَ أَنَّهُ نَظِيرُ التَّعْلِيقِ بِالْوَصْفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ مَا حُكْمُهُ مَعَ أَنَّ النِّزَاعَ فِيهِ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ حُكْمُ الشَّرْطِ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي النَّفْيِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ حُكْمُ مَا أُلْحِقَ بِهِ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ) وَهُوَ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْوَصْفِ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَمَةٌ وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَقَالَ الْمَوْلَى الْأَكْبَرُ وَلَدِي لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ الْآخَرِينَ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمَّا خَصَّ الْأَكْبَرَ بِالدَّعْوَى صَارَ كَأَنَّهُ نَفَى نَسَبَ الْآخَرِينَ وَقَالَ: هُوَ وَلَدِي دُونَهُمَا وَلَوْلَا التَّخْصِيصُ لَثَبَتَ نَسَبُهُمَا أَيْضًا لِأَنَّهُمَا وَلَدَا أُمِّ الْوَلَدِ وَلِهَذَا قَالَ زُفَرُ رحمه الله: يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلتَّخْصِيصِ فِي النَّفْيِ وَقَدْ تَبَيَّنَ بِثُبُوتِ نَسَبِ الْأَكْبَرِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ أَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَنَّهَا وَلَدَتْهُمَا عَلَى فِرَاشِهِ وَنَسَبُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ يَثْبُتُ مِنْ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ وَلَمْ يُوجَدْ وَقَالَ فِي الشَّهَادَاتِ عَطْفٌ عَلَى قَالَ الْأَوَّلُ أَيْ وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كَذَا أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ الدَّعْوَى فَلَمْ يَثْبُتْ النَّفْيُ بِالْخُصُوصِ أَيْ بِالتَّقْيِيدِ بِالْوَصْفِ فَإِنَّهُ لَوْ أَشَارَ إلَى الْأَكْبَرِ وَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ فَقَالَ: هَذَا وَلَدِي أَوْ فُلَانٌ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ الْآخَرِينَ أَيْضًا مَعَ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْعَيْنِ أَوْ الِاسْمِ الْعَلَمِ لَا يُوجِبُ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الْمُشَارِ وَالْمُسَمَّى بِاتِّفَاقٍ بَيْنَ الْعَامَّةِ وَلَكِنْ
وَالدَّعْوَى إذَا قَالَ شُهُودُ الْمِيرَاثِ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا فِي أَرْضِ كَذَا أَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَجَعْلُ النَّفْيِ فِي مَكَانِ كَذَا إثْبَاتًا فِي غَيْرِهِ أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَلَمْ يَثْبُتْ النَّفْيُ بِالْخُصُوصِ لَكِنْ لِأَنَّ الْتِزَامَ النَّسَبِ عِنْدَ ظُهُورِ دَلِيلِهِ وَاجِبٌ شَرْعًا وَالتَّبَرِّي عِنْدَ ظُهُورِ دَلِيلِهِ وَاجِبٌ أَيْضًا وَالِالْتِزَامُ بِالْبَيَانِ فَرْضُ صِيَانَةً عَنْ النَّفْيِ فَصَارَ السُّكُوتُ عِنْدَ لُزُومِ الْبَيَانِ لَوْ كَانَ ثَابِتًا نَفْيًا حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ حَتَّى لَا يَصِيرَ تَارِكًا لِلْفَرْضِ وَفِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَاتِ زَادَ الشُّهُودُ مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَفِيهِ شُبْهَةٌ وَبِالشُّبْهَةِ تُرَدُّ الشَّهَادَاتُ وَبِمِثْلِهَا لَا يَصِحُّ إثْبَاتُ الْأَحْكَامِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: هَذَا سُكُوتٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَكَانِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَذِكْرَ الْمَكَانِ يَحْتَمِلُ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمُجَازَفَةِ.
ــ
[كشف الأسرار]
إنَّمَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا لِأَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْبَيَانِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بَيَانٌ وَهَذَا لِأَنَّ السُّكُوتَ مُحْتَمَلٌ وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَجُوزُ إهْدَارُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرْجِيحِ إلَّا أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِقَدْرِ الدَّلِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّ سُكُوتَ الشَّفِيعِ وَالْبِكْرِ حُمِلَ عَلَى الرِّضَاءِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَجَبَ أَنْ يُرَجَّحَ وَتَرْجِيحُهُ أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُ الْأَوَّلِ لَا غَيْرُ لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِنَسَبِهِ بَلْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ دَعْوَةُ النَّسَبِ فَلَوْ لَمْ يَجْعَلْهُ نَفْيًا لَبَقِيَ فِي عُهْدَةِ الْفَرْضِ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ نَفْيًا لِسُكُوتٍ مُحْتَمِلٍ تَضَرَّرَ الصَّبِيُّ بِهِ وَضَرَرُ الْمَوْلَى فَوْقَ ضَرَرِ الصَّبِيِّ فَرَجَّحْنَا جَانِبَهُ لِئَلَّا يَبْقَى تَحْتَ عُهْدَةِ الْخِطَابِ وَإِنَّمَا لَا يَبْقَى تَحْتَ عُهْدَتِهِ بِانْتِفَاءِ نَسَبِ الْآخَرِينَ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِنَا أَنَّهُ مَحَلُّ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَإِنَّ الْمَوْلَى مُحْتَاجٌ إلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَمُحْتَاجٌ إلَى أَنْ لَا يَلْتَحِقَ بِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِنْهُ وَالْوَلَدَ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ إلَّا أَنَّ حَاجَةَ الْمَوْلَى فَوْقَ حَاجَةِ الصَّبِيِّ فَتَرَجَّحَتْ عَلَيْهَا.
وَإِذَا تَقَرَّرَ بِمَا ذَكَرْنَا تَحَقُّقُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ كَانَ سُكُوتُهُ عَنْ دَعْوَةِ نَسَبِ الْآخَرِينَ دَلِيلَ النَّفْيِ لَا تَخْصِيصَهُ الْأَكْبَرَ بِالدَّعْوَةِ وَدَلِيلُ النَّفْيِ كَصَرِيحِ النَّفْيِ وَنَسَبُ أُمِّ الْوَلَدِ يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ فَكَذَا بِدَلِيلِ النَّفْيِ وَهَذَا نَظِيرُ مَا قِيلَ إنَّ سُكُوتَ صَاحِبِ الشَّرْعِ عَنْ الْبَيَانِ بَعْدَ وُقُوعِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِالسُّؤَالِ دَلِيلُ النَّفْيِ لِأَنَّ الْبَيَانَ وَجَبَ عِنْدَ السُّؤَالِ فَكَانَ تَرْكُهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ دَلِيلَ النَّفْيِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ وَلَا يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى الدَّعْوَةِ لِأَنَّهُمَا وَلَدَا أُمِّ وَلَدِهِ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ يَثْبُتُ بِدَعْوَةِ الْأَكْبَرِ فَيَكُونُ مَا هُوَ دَلِيلُ النَّفْيِ مُقَارِنًا لِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا أَنَّ الْفِرَاشَ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا مِنْ وَقْتِ الدَّعْوَةِ فَكَانَ انْفِصَالُ الْوَلَدَيْنِ الْآخَرَيْنِ قَبْلَ ظُهُورِ الْفِرَاشِ فِيهِمَا فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا إلَّا بِالدَّعْوَةِ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فَإِنَّمَا تُرَدُّ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ التَّخْصِيصَ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ الْحُكْمَ فِي مُخَالِفِهِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُوَرِّثَ تُهْمَةً وَشُبْهَةً فَكَانَ فِي تَخْصِيصِ الشُّهُودِ مَكَانَ إبْهَامٍ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَتَحَرَّزُوا بِهَذَا التَّخْصِيصِ عَنْ الْكَذِبِ فَيُوَرِّثُ تُهْمَةً وَالشَّهَادَةُ تُرَدُّ بِالتُّهْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ لَا يُقْضَى بِشَهَادَتِهِمْ فَكَذَا هَذَا فَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُهَا وَنَفْيُهَا بِالشُّبْهَةِ بَلْ بِالْحُجَّةِ الْمَعْلُومَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: هَذَا أَيْ تَخْصِيصُهُمْ مَكَانًا وَسُكُوتُهُمْ عَنْ سَائِرِ الْأَمْكِنَةِ لَيْسَ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَكَانِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَإِنَّهُمْ لَوْ سَكَتُوا عَنْهُ وَاكْتَفَوْا بِقَوْلِهِمْ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا يَرِثُهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ وَارِثٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْحَاجَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَكَمَا يَحْتَمِلُ تَخْصِيصُهُمْ الْمَكَانَ عِلْمَهُمْ بِالْوَارِثِ يَحْتَمِلُ الْمُبَالَغَةَ فِي نَفْيِ الْوَارِثِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَلِدَهُ كَذَا مَوْلِدُهُ وَمَسْقَطُ رَأْسِهِ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ