المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ)

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ قِسْمَانِ

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل عَامٌّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَعَامٌّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ مَا هُوَ فَرْدٌ وُضِعَ لِلْجَمْعِ

- ‌[أَنْوَاع الْعَامُّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ كَلِمَةُ كُلٍّ

- ‌[كَلِمَةُ الْجَمِيعِ]

- ‌كَلِمَةُ مَا

- ‌ كَلِمَةُ الَّذِي

- ‌ النَّكِرَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُ الْعُمُومِ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْعَامِّ مَعْنًى لَا صِيغَةً]

- ‌ لَامُ التَّعْرِيفِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْرِيفَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنَى الْعَهْدِ

- ‌[النَّكِرَةِ إذَا اتَّصَلَ بِهَا وَصْفٌ عَامٌّ]

- ‌ كَلِمَةُ أَيُّ

- ‌ النَّكِرَةُ الْمُفْرَدَةُ فِي مَوْضِعِ إثْبَاتٍ

- ‌[بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ]

- ‌(بَابُ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ) (وَالْمَجَازِ وَالصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌[تعارض الْحَقِيقَة وَالْمَجَاز]

- ‌طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ

- ‌ الِاتِّصَالَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ قِبَلِ حُكْمِ الشَّرْعِ يَصْلُحُ طَرِيقًا لِلِاسْتِعَارَةِ

- ‌[يُسْتَعَارَ الْأَصْلُ لِلْفَرْعِ وَالسَّبَبُ لِلْحُكْمِ]

- ‌ الِاسْتِعَارَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَعَانِي

- ‌[الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ]

- ‌ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ

- ‌إِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ

- ‌قَدْ يَتَعَذَّرُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُمْتَنِعًا

- ‌ الْكَلَامَ إذَا كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ

- ‌(بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ)

- ‌دَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ

- ‌ الثَّابِتُ بِسِيَاقِ النَّظْمِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ

- ‌(بَابُ حُرُوفِ) (الْمَعَانِي)

- ‌[معانى الْوَاوُ]

- ‌[معانى الْفَاءُ]

- ‌[معانى ثُمَّ]

- ‌[معانى بَلْ]

- ‌[معانى لَكِنْ]

- ‌[معانى أَوْ]

- ‌بَابُ حَتَّى) :

- ‌بَابُ حُرُوفِ الْجَرِّ)

- ‌[مَعْنَى الْبَاءُ]

- ‌[مَعْنَى عَلَى]

- ‌[مَعْنَى مِنْ]

- ‌[مَعْنَى إلَى]

- ‌[مَعْنَى فِي]

- ‌[حُرُوفِ الْقَسَمِ]

- ‌ اَيْمُ اللَّهِ

- ‌ أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ

- ‌ حُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌ حُرُوفِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ الصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌بَابُ وُجُوهِ) (الْوُقُوفِ عَلَى) (أَحْكَامِ النَّظْمِ)

- ‌مَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ وَأُرِيدَ بِهِ الْقَصْدُ أَوْ الْإِشَارَةُ

- ‌ دَلَالَةُ النَّصِّ

- ‌[دَلَالَة الْمُقْتَضِي]

- ‌الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ

- ‌ الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ

- ‌ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ

- ‌ الْعَامَّ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ

- ‌ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مُوجِبٌ الْعَدَمَ

- ‌ مَنْ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ

- ‌(بَابُ الْعَزِيمَةِ) (وَالرُّخْصَةِ)

- ‌[أَقْسَام الْعَزِيمَةُ]

- ‌[أَقْسَام الرُّخَصُ]

- ‌{بَابُ حُكْمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي أَضْدَادِهِمَا}

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ)

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الصَّوْمِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ

- ‌[سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ]

- ‌ سَبَبُ الْخَرَاجِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ

- ‌سَبَبُ الْكَفَّارَاتِ

- ‌سَبَبُ الْمُعَامَلَاتِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَقْسَامِ) (السُّنَّةِ)

- ‌(بَابُ الْمُتَوَاتِرِ)

- ‌(بَابُ الْمَشْهُورِ)

- ‌(بَابُ خَبَرِ الْوَاحِدِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الرَّاوِي الَّذِي جُعِلَ خَبَرُهُ حُجَّةً)

- ‌[الرَّاوِي الْمَعْرُوفُ]

- ‌[الرَّاوِي الْمَجْهُولُ]

- ‌بَابُ بَيَانِ شَرَائِطِ الرَّاوِي)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ شُرُوطِ الرَّاوِي وَتَقْسِيمِهَا]

الفصل: ‌ حروف الشرط

وَمِنْ ذَلِكَ‌

‌ حُرُوفِ الشَّرْطِ

وَهِيَ إنْ وَإِذَا وَإِذَا مَا وَمَتَى وَمَتَى مَا وَكُلُّ وَكُلَّمَا وَمَنْ وَمَا وَإِنَّمَا نَذْكُرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ هَذِهِ الْجُمَلِ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا عَلَى الْإِشَارَةِ وَأَمَّا حَرْفُ إنْ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ وُضِعَ لِلشَّرْطِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَى كُلِّ أَمْرٍ مَعْدُومٍ عَلَى خَطَرٍ لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ

ــ

[كشف الأسرار]

بَعْدَ اسْمٍ مُفْرَدٍ نَحْوَ مَرَرْت بِرَجُلٍ سِوَاك لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ غَيْرِ وَسِوَى أَنَّ غَيْرًا لَا يَكُونُ ظَرْفًا وَأَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً بِمَنْزِلَةِ مِثْلِ لِأَنَّهُ نَقِيضُهُ تَقُولُ مَرَرْت بِرَجُلٍ غَيْرِك كَمَا تَقُولُ بِرَجُلٍ مِثْلِك وَسِوَى ظَرْفُ مَكَان مَنْصُوبًا أَبَدًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَلَا يَكُونُ صِفَةً تَابِعَةً لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الظَّرْفِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى غَيْرٍ. وَبَيَانُ ظَرْفِيَّتِهِ أَنَّ الْعَرَبَ تُجْرِي الظُّرُوفَ الْمَعْنَوِيَّةَ مَجْرَى الظُّرُوفِ الْحَقِيقَةِ فَيَقُولُونَ جَلَسَ فُلَانٌ مَكَانَ فُلَانٍ وَلَا يَعْنُونَ إلَّا مَنْزِلَةً فِي الذِّهْنِ مَقْدِرَةً فَيَنْصِبُونَهُ نَصْبَ الظَّرْفِ الْحَقِيقَةِ وَيَسْتَعْمِلُونَ سِوَى أَيْضًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَيَقُولُونَ مَرَرْت بِرَجُلٍ سِوَاك وَيَعْنُونَ مَكَانَك وَعِوَضًا مِنْك مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَلَزِمَ أَنْ يَنْتَصِبَ انْتِصَابَ الْمَكَانِ لِلظَّرْفِيَّةِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ظَرْفِيَّتِهِ وُقُوعُهُ صِلَةً نَحْوَ جَاءَنِي الَّذِي سِوَاك بِخِلَافِ غَيْرٍ.

قَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ وَمِمَّا لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا ظَرْفًا سِوَى لَا تَقُولُ فِي السَّعَةِ هَذَا لِسِوَاك وَلَا عَلَى سِوَاك وَإِنَّمَا تَقُولُ بِمَنْ سِوَاك وَبِرَجُلٍ سِوَاك فَتُجْرِيهِ مَجْرَى قَوْلِك مَرَرْت بِرَجُلٍ مَكَانَك فَيَكُونُ مَنْصُوبًا فِي تَقْدِيرِ فِي مَكَانِك قُلْت قَامَ مَقَامَك وَنَزَلَ مَكَانَك كَمَا تَقُولُ أَخَذْت هَذَا بَدَلَ ذَلِكَ. هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَمِنْ تَابَعَهُ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ. وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إلَى أَنَّهُ كَمَا يُسْتَعْمَلُ ظَرْفًا يُسْتَعْمَلُ اسْمًا بِمَعْنَى غَيْرٍ فَيُعْرَبُ كَغَيْرٍ مُتَمَسِّكِينَ بِالْبَيْتِ الْحَمَاسِيِّ:

وَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْعِدْوَانُ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا

وَبِقَوْلِ الْآخَرِ:

وَلَا يَنْطِقُ الْمَكْرُوهَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ

إذَا جَلَسُوا مِنَّا وَلَا مِنْ سَوَائِنَا

فَلَوْ لَزِمَ ظَرْفِيَّةُ سِوَى وَسَوَاءٍ لَمَا ارْتَفَعَ الْأَوَّلُ وَلَمَّا انْجَرَّ الثَّانِي. وَالْجَوَابُ أَنَّ إخْرَاجَهُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ لِضَرُورَةِ الشَّعْرِ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَالْكَلَامُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا ظَرْفًا. فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ سِوَى صِفَةً مِثْلَ غَيْرٍ.

قَالَ الْأَخْفَشُ إذَا كَانَ سِوَى بِمَعْنَى غَيْرٍ فَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ كَسْرُ السِّينِ وَضَمُّهَا مَعَ الْقَصْرِ وَفَتْحُهَا مَعَ الْمَدِّ تَقُولُ مَرَرْت بِرَجُلٍ سِوَاك وَسِوَاك وَسَوَاءَك أَيْ غَيْرِك كَذَا فِي الصِّحَاحِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا مَسَائِلَ الْجَامِعِ فِي فَصْلِ مِنْ فَلَا نُعِيدُهَا.

[حُرُوفِ الشَّرْطِ]

قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ بَابِ حُرُوفِ الْمَعَانِي حُرُوفُ الشَّرْطِ أَيْ كَلِمَاتُ الشَّرْطِ أَوْ أَلْفَاظُ الشَّرْطُ وَتَسْمِيَتُهَا حُرُوفًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا كَلِمَةٌ، إنْ وَهُوَ حَرْفٌ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِمَعْنَى الشَّرْطِ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى آخَرُ سِوَاهُ بِخِلَافِ سَائِرِ أَلْفَاظِ الشَّرْطِ فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي مَعَانٍ أُخَرَ سِوَى الشَّرْطِ. وُضِعَ لِلشَّرْطِ أَيْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى كَيْنُونَةِ مَا بَعْدَهُ شَرْطًا. قَالُوا مَعْنَى كَلِمَةِ (إنْ) رَبْطُ أَحَدِ الْجُمْلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأُولَى شَرْطًا وَالثَّانِيَةُ جَزَاءً يَتَعَلَّقُ وُقُوعُهَا بِوُقُوعِ الْأُولَى كَقَوْلِك إنْ تَأْتِنِي أُكْرِمْك يَتَعَلَّقُ الْإِكْرَامُ بِالْإِتْيَانِ. وَإِنَّمَا تَدْخُلُ أَيْ حَرْفُ إنْ عَلَى كُلِّ أَمْرٍ أَيْ شَأْنٍ مَعْدُومٍ لِأَنَّهُ لِلْمَنْعِ أَوْ لِلْحَمْلِ وَمَنْعُ الْمَوْجُودِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ لَا يَتَحَقَّقُ. عَلَى خَطَرٍ أَيْ تَرَدُّدٍ بَيْنَ أَنْ يُوجَدَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يُوجَدَ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُسْتَحِيلِ وَعَنْ الْفِعْلِ الْمُتَحَقِّقِ لَا مَحَالَةَ كَمَجِيءِ الْغَدِ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَادَةِ قَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ مَا كَانَ مُتَحَقِّقَ الْوُجُودِ لَا يَجُوزُ فِيهِ إنْ وَلَا الْأَسْمَاءُ الْجَازِمَةُ لَا يُقَالُ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ خَرَجْت وَمَتَى تَطْلُعْ الشَّمْسُ أَخْرُجْ لِأَنَّهَا طَالِعَةٌ خَرَجْت أَوْ لَمْ تَخْرُجْ وَالْجَزَاءُ بِإِنْ مَوْضُوعٌ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مُفْتَقِرٌ إلَى صَاحِبِهِ فِي وُجُودِهِ، وَانْتِفَاءَ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْآخَرِ.

وَقَوْلُهُ لَيْسَ

ص: 192

تَقُولُ إنْ زُرْتنِي أَكْرَمْتُك وَلَا يَجُوزُ إنْ جَاءَ غَدٌ أَكْرَمْتُك وَأَثَرُهُ أَنْ يَمْنَعَ الْعِلَّةَ عَنْ الْحُكْمِ أَصْلًا حَتَّى يَبْطُلَ التَّعْلِيقُ وَهَذَا يَكْثُرُ أَمْثِلَتُهُ وَعَلَى هَذَا قُلْنَا إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَمُوتَ الزَّوْجُ فَتَطْلُقُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقُرْبِ مَوْتِهِ وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ طَلُقَتْ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَمَّا إذَا فَإِنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ مِنْ الْكُوفِيِّينَ فِيهَا إنَّهَا تَصْلُحُ لِلْوَقْتِ وَلِلشَّرْطِ عَلَى السَّوَاءِ

ــ

[كشف الأسرار]

بِكَائِنٍ لَا مُحَالَ تَأْكِيدٌ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله الشَّرْطُ فِعْلٌ مُنْتَظَرٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ بِقَصْدِ نَفْيِهِ أَوْ إثْبَاتِهِ وَلَا يَتَعَقَّبُ الْكَلِمَةَ اسْمٌ لِأَنَّ مَعْنَى الْخَطَرِ فِي الْأَسْمَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ وَدُخُولُ هَذَا الْحَرْفِ فِي الِاسْمِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء: 176]{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} [النساء: 128] . مِنْ قَبِيلِ الْإِضْمَارِ عَلَى شَرْطِيَّةِ التَّفْسِيرِ أَوْ مِنْ بَابِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَتَعَقَّبُ حَرْفَ الشَّرْطِ هُوَ الْفِعْلُ دُونَ الِاسْمِ. وَأَثَرُهُ أَيْ أَثَرُ حَرْفِ إنْ أَنْ يَمْنَعَ الْعِلَّةَ عَنْ الْحُكْمِ أَيْ يَمْنَعُهَا عَنْ انْعِقَادِهَا عِلَّةً لِلْحُكْمِ. حَتَّى يَبْطُلَ التَّعْلِيقُ أَيْ إلَى أَنْ يَبْطُلَ التَّعْلِيقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِلَّةً. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَثَرُهُ أَنْ يَمْنَعَ الْحُكْمَ عَنْ الْعِلَّةِ وَلَا يَمْنَعُ الْعِلَّةَ عَنْ الِانْعِقَادِ وَسَيَأْتِيك الْكَلَامُ فِيهِ مَشْرُوحًا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى أَنْ إنْ لِلشَّرْطِ الْمَحْضِ قُلْنَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُلُثًا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِأَنَّ إنْ لِلشَّرْطِ وَأَنَّهُ جَعَلَ عَدَمَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا شَرْطًا وَلَا يُتَيَقَّنُ بِوُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ مَا بَقِيَا حَيَّيْنِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. ثُمَّ إنْ مَاتَ الزَّوْجُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِقَلِيلٍ وَلَيْسَ لِذَلِكَ الْقَلِيلِ حَدٌّ مَعْرُوفٌ وَلَكِنْ قُبَيْلَ مَوْتِهِ يَتَحَقَّقُ عَجْزُهُ عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَيَتَحَقَّقُ شَرْطُ الْحِنْثِ. فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ. وَلَا يُقَالُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ لَدَى الشَّرْطِ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ التَّكَلُّمِ قَبْلَ الْمَوْتِ حِينَ حَكَمْنَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يُجْعَلَ مُتَكَلِّمًا بِالطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ لِحَقِيقَةِ التَّطْلِيقِ مِنْ الْقُدْرَةِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ عِنْدَ التَّعْلِيقِ أَلَا تَرَى الْعَاقِلُ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعِتْقَ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطَ وَهُوَ مَجْنُونٌ فَإِنَّهُ يَنْزِلُ الْجَزَاءُ وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ حَقِيقَةُ التَّطْلِيقِ وَالْإِعْتَاقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ شَرْعًا. وَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَقَعَ الطَّلَاقُ أَيْضًا قَبْلَ مَوْتِهَا. وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّهَا مَا لَمْ تَمُتْ فَفَعَلَ التَّطْلِيقَ فَيَتَحَقَّقُ مِنْ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا عَجَزَ بِمَوْتِهَا فَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَوَقَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ جَانِبِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ كَمَا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَقَدْ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ فِعْلِ التَّطْلِيقِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْإِيقَاعَ مِنْ حُكْمِهِ الْوُقُوعُ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ الْإِيقَاعِ قُبَيْلَ مَوْتِهَا لِأَنَّهُ لَا يُعْقِبُهُ الْوُقُوعُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِك فَيَقَعُ الطَّلَاقُ قُبَيْلَ مَوْتِهَا بِلَا فَصْلٍ.

وَلَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا قَبْلَ مَوْتِهَا بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَاعْلَمْ أَنَّ إذَا مِنْ الظُّرُوفِ اللَّازِمَةِ ظَرْفِيَّتَهَا وَهُوَ مُضَافٌ أَبَدًا إلَى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْمُجَازَاةِ لِأَنَّهُ لِلِاسْتِقْبَالِ وَفِيهِ إبْهَامٌ فَنَاسَبَ الْمُجَازَاةَ إذْ الشَّرْطُ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْتَقْبَلًا مَجْهُولَ الشَّأْنِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ وَلِهَذَا اخْتَصَّ إذَا بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ. وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ظَرْفًا غَيْرَ مُتَضَمَّنٍ لِلشَّرْطِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] . وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ أَنَّ إذَا لَا يُجَازَى بِهَا إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ:

كَبَيْتِ الْكِتَابِ تَرَفَّعَ لِي خِنْدِفٌ وَاَللَّهُ يَرْفَعُ لِي

نَارًا إذَا خَمَدَتْ نِيرَانُهُمْ تَقِدُ

قَالَ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يُجْزَمَ بِهَا لِأَنَّهُمْ وَضَعُوهَا عَلَى مَا يُنَاسِبُ التَّخْصِيصَ وَيَبْعُدُ مِنْ الْإِبْهَامِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ إنْ الْأَتْرَاك تَقُولُ آتِيك إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك آتِيك الْوَقْتَ الَّذِي يَحْمَرُّ فِيهِ الْبُسْرُ وَلَوْ قُلْت آتِيك إنْ احْمَرَّ

ص: 193

فَيُجَازَى بِهَا مَرَّةً وَلَا يُجَازَى بِهَا أُخْرَى فَإِذَا جُوزِيَ بِهَا فَإِنَّمَا يُجَازَى بِهَا عَلَى سُقُوطِ الْوَقْتِ عَنْهَا كَأَنَّهَا حَرْفُ شَرْطٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَأَمَّا الْبَصْرِيُّونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ فَقَدْ قَالُوا إنَّهَا لِلْوَقْتِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ سُقُوطِ الْوَقْتِ عَنْهَا مِثْلَ مَتَى فَإِنَّهَا لِلْوَقْتِ لَا يَسْقُطُ عَنْهَا ذَلِكَ بِحَالٍ وَالْمُجَازَةُ بِهَا لَازِمَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْمُجَازَاةُ بِإِذَا غَيْرُ لَازِمَةٍ بَلْ هِيَ فِي حَيِّزِ الْجَوَازِ وَإِلَى هَذَا الطَّرِيقِ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بَيَانُهُ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا مِثْلَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقَعُ كَمَا فَرَغَ مِنْ الْيَمِينِ مِثْلَ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك لِأَنَّ إذَا اسْمٌ لِلْوَقْتِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الظُّرُوفِ وَهُوَ لِلْوَقْتِ الْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ لِلْوَقْتِ خَالِصًا فَقِيلَ كَيْفَ الرُّطَبُ إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَيْ حِينَئِذٍ.

وَلَا يَصْلُحُ إنْ هُنَا وَيُقَالُ آتِيك إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ وَلَا يَجُوزُ إنْ اشْتَدَّ الْحَرُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَقْتَضِي خَطَرًا أَوْ تَرَدُّدًا هُوَ أَصْلُهُ وَإِذَا تَدْخُلُ لِلْوَقْتِ عَلَى أَمْرٍ كَائِنٍ أَوْ مُنْتَظَرٍ لَا مَحَالَةَ كَقَوْلِهِ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] وَتُسْتَعْمَلُ لِلْمُفَاجَأَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مُفَسَّرًا مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يَكُنْ مُبْهَمًا فَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا

ــ

[كشف الأسرار]

الْبُسْرُ لَمْ يَسْتَقِمْ لِأَنَّ احْمِرَارَ الْبُسْرِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلْإِتْيَانِ وَإِذَا قُلْت أَخْرُجُ إذَا خَرَجْت كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك أَخْرُجُ الْوَقْتَ الَّذِي تَخْرُجُ فِيهِ وَلَا تَكُونُ مَوْضُوعَةً عَلَى تَعْلِيقِ خُرُوجِ هَذَا بِخُرُوجِ ذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِك أَخْرُجْ إنْ خَرَجْت. قَالَ وَمَنْ جَازَى بِهَا فَالْحَمْلُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ وَهُوَ أَنَّ خُرُوجَك لَمَّا تَعَلَّقَ بِوَقْتِ خُرُوجِ الْآخَرِ صَارَ كَأَنَّ هَذَا سَبَبٌ لَهُ فَدَخَلَهُ مَعْنَى الْجَزَاءِ. وَنَظِيرُ إذَا فِي أَنَّ مَعْنَى الْمُجَازَاةِ دَخَلَهُ وَلَا يُجْزَمُ بِهِ الَّذِي فَإِنَّك تَقُولُ الَّذِي يَفْعَلُ كَذَا فَلَهُ دِرْهَمٌ بِمَعْنَى أَنْ يَفْعَلَ إنْسَانٌ فَلَهُ دِرْهَمٌ ثُمَّ لَا تَجْزِمُ بِهِ (قَوْلُهُ فَيُجَازِي بِهَا) أَيْ بِكَلِمَةِ إذَا مَرَّةً وَلَا يُجَازِي بِهَا أُخْرَى أَيْ تُسْتَعْمَلُ مَرَّةً لِلشَّرْطِ وَيُرَتَّبُ عَلَيْهَا الْجَزَاءُ وَتُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ مَرَّةً.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلِمَةَ إذَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْوَقْتِ وَالشَّرْطِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي الشَّرْطِ لَمْ يَبْقَ فِيهَا مَعْنَى الْوَقْتِ وَصَارَتْ بِمَعْنَى إنْ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي أَحَدِ الْمَعَانِي لَمْ يَبْقَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله. وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلْوَقْتِ وَتُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ سُقُوطِ مَعْنَى الْوَقْتِ كَمَتَى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَأَمَّا إذَا نَوَى الشَّرْطَ أَوْ الْوَقْتَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى بِالِاتِّفَاقِ. وَالْمُجَازَاةُ بِهَا أَيْ بِكَلِمَةِ مَتَى لَازِمَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِفْهَامِ. وَمَوْضِعُ الِاسْتِفْهَامِ مِثْلُ قَوْلِك مَتَى الْقِتَالُ أَوْ مَتَى خَرَجَ زَيْدٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَزَاءَ فِي مُقَابَلَةِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ طَلَبُ الْفَهْمِ عَنْ وُجُودِ شَيْءٍ. وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ إذَا لِلشَّرْطِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ مَعْنَى الْوَقْتِ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُجَازَاةَ فِي مَتَى أَلْزَمُ مِنْهَا فِي إذَا لِأَنَّهَا فِي مَتَى لَازِمَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِفْهَامِ وَفِي إذَا جَائِزَةٌ ثُمَّ لَمْ يَسْقُطْ مَعْنَى الْوَقْتِ عَنْ مَتَى فِي الْمُجَازَاةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْ إذَا فِيهَا. وَإِذَا تَدْخُلُ لِلْوَقْتِ أَيْ لِإِفَادَةِ الْوَقْتِ الْخَالِصِ.

عَلَى أَمْرٍ كَائِنٍ أَيْ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ كَقَوْلِهِ:

وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا

وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ

أَوْ مُنْتَظَرٍ. لَا مَحَالَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] . لِأَنَّ ذَلِكَ سَيُوجَدُ قَطْعًا. وَتُسْتَعْمَلُ لِلْمُفَاجَأَةِ. إذَا الْمُفَاجَأَةُ هِيَ الْكَائِنَةُ بِمَعْنَى الْوَقْتِ الطَّالِبَةِ نَاصِبًا لَهَا وَجُمْلَةً تُضَافُ إلَيْهَا وَتِلْكَ الْجُمْلَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ وَالْعَامِلُ فِي إذَا هَذِهِ مَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ وَهُوَ عَامِلٌ لَا يَظْهَرُ لِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ إظْهَارِهِ بِقُوَّةِ مَا فِيهِ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ. وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُك خَرَجْت فَإِذَا زَيْدٌ بِالْبَابِ إذْ لَوْ كَانَ الْعَامِلُ خَرَجْت يَلْزَمُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْعَامِلِ وَمَعْمُولِهِ بِالْفَاءِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَغَرَضُ الشَّيْخُ أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ لِلْمُفَاجَأَةِ وَالْمُفَاجَأَةُ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنَى الشَّرْطِ بِوَجْهٍ. قَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ وَمِمَّا يُجَابُ بِهِ الشَّرْطُ إذَا فِي قَوْلِهِ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] . فَهُمْ مُبْتَدَأٌ وَيَقْنَطُونَ خَبَرُهُ وَإِذَا بِمَنْزِلَةِ الْفَاءِ فِي تَعْلِيقِهِ الْجُمْلَةَ بِالشَّرْطِ وَذَلِكَ أَنَّ إذَا الْمُفَاجَأَةِ دَالَّةٌ عَلَى التَّعْقِيبِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفَاءُ فَإِنَّك إذَا قُلْت مَرَرْت بِهِ إذَا هُوَ عَبْدٌ مَعْنَاهُ مَرَرْت فَبِحَضْرَتِي هُوَ عَبْدٌ فَإِذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك فَبِحَضْرَتِي وَمُتَضَمَّنٍ لِمَعْنَى التَّعْقِيبِ الَّذِي هُوَ فِي الْفَاءِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ عز وجل {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] . فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ لِوُقُوعِهِ مَوْقِعَ يَقْنَطُوا إذَا قِيلَ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقْنَطُوا.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْ وَإِذَا كَانَ إذَا مُسْتَعْمَلًا فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي كَانَ مُفَسَّرًا أَيْ مَعْلُومًا مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُجُودَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ

ص: 194

إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مُسْتَعَارًا مَعَ قِيَامِ مَعْنَى الْوَقْتِ مِثْلُ مَتَى الْزَمْ وَمَعَ هَذَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ حَقِيقَتُهُ وَهُوَ الْوَقْتُ فَهَذَا أَوْلَى فَصَارَ الطَّلَاقُ مُضَافًا إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت لَمْ يَتَقَدَّرْ بِالْمَجْلِسِ مِثْلَ مَتَى بِخِلَافِ إنْ وَلَا يَصِحُّ طَرِيقُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ إذَا قَدْ يَكُونُ حَرْفًا بِمَعْنَى الشَّرْطِ مِثْلَ إنْ وَقَدْ ادَّعَى ذَلِكَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَاحْتَجَّ الْفَرَّاءُ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

اسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى

وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ

وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ وَإِنْ تُصِبْك خَصَاصَةٌ بِلَا شُبْهَةٍ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي إذَا عَلَى التَّعَارُضِ أَعْنِي مَعْنَى الشَّرْطِ الْخَالِصِ وَمَعْنَى الْوَقْتِ وَقَعَ الشَّكُّ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَقَعْ بِالشَّكِّ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي انْقِطَاعِ الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الثُّبُوتِ فِيمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ

ــ

[كشف الأسرار]

مَعْلُومٌ لِلْمُتَكَلِّمِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ وُجُودِهِ عَيْنًا فَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا هُوَ مُتَرَدِّدُ الْوُجُودِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى مَا مَرَّ إلَّا أَنَّهُ أَيْ لَكِنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ. مُسْتَعَارًا أَيْ مَجَازًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ مَعَ قِيَامِ مَعْنَى الْوَقْتُ. وَلَا يُقَالُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. لِأَنَّا نَقُولُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ الْوَقْتَ يَصْلُحُ شَرْطًا وَعَدَمُ جَوَازِ الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ التَّنَافِي. وَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا كَانَ الطَّلَاقُ مُضَافًا إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ الْإِيقَاعِ وَكَمَا سَكَتَ وَجَدَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَتَطْلُقُ. ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِالْحُكْمِ فَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت لَمْ يَتَقَدَّرْ بِالْمَجْلِسِ كَمَا لَوْ قَالَ مَتَى فَلَوْ كَانَ إذَا لِلشَّرْطِ لَبَطَلَتْ الْمَشِيئَةُ إذَا قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت بَطَلَتْ مَشِيئَتُهَا بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لِلْوَقْتِ حَقِيقَةً. قَدْ يَكُونُ حَرْفًا بِمَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّ كَوْنَهُ اسْمًا بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْوَقْتِ فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ مَعْنَى الْوَقْتِ عِنْدَهُمْ بِإِرَادَةِ مَعْنَى الشَّرْطِ كَانَ حَرْفًا كَإِنْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ اسْمًا وَحَرْفًا كَعَنْ وَعَلَى وَالْكَافِ وَنَحْوِهَا وَاحْتَجَّ الْفَرَّاءُ وَهُوَ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الْفَرَّاءُ لِذَلِكَ أَيْ لِكَوْنِهِ لِلشَّرْطِ الْمَحْضِ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ وَالشِّعْرُ لِوَاحِدٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ يُوصَى ابْنَهُ وَأَوَّلَهُ:

أَجَمِيلُ إنِّي كُنْتُ كَارِمَ قَوْمِهِ

فَإِذَا دُعِيتُ إلَى الْمَكَارِمِ فَاعْجَلْ

أُوصِيكَ يَا ابْنِي إنَّنِي لَكَ نَاصِحُ

طَبِنٌ بِرَيْبِ الدَّهْرِ غَيْرُ مُغَفَّلِ

اللَّهَ فَاتَّقِهِ وَأَوْفِ بِنَذْرِهِ

وَإِذَا حَلَفْتَ مُمَارِيًا فَتَحَلَّلْ

وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاكَ رَبُّك بِالْغِنَى

وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ

وَإِذَا تَجَاسَرَ عِنْدَ عَقْلِكَ مَرَّةً

أَمْرَانِ فَاعْمِدْ لِلْأَعْسَفِ الْأَجْمَلِ

وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ.

أَبُنَيَّ إنَّ أَبَاكَ كَارِبُ يَوْمِهِ

مِنْ كَرِبَ الشَّيْءُ إذَا دَنَا

أُوصِيك إيصَاءَ امْرِئٍ لَك نَاصِحِ

طَبِنٍ بِرَيْبِ الدَّهْرِ غَيْرِ مُعَقَّلِ

مِنْ عَقَلْتُ الْإِبِلَ أَيْ شَدَدْتُ عِقَالَهَا وَالطَّبِنُ الْحَاذِقُ يَقُولُ إنَّ أَبَاك قَرِيبُ يَوْمِ مَوْتِهِ أَوْ كَرِيمُ قَوْمِهِ فَاعْمَلْ بِنَصِيحَتِي فَإِنِّي بِصُرُوفِ الدَّهْرِ عَالَمٌ غَيْرُ عَاقِلٍ أَوْ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ الْعِلْمِ بِهَا. فَمِنْ نَصَائِحِي أَنْ تَعُدَّ نَفْسَك غَنِيًّا بِالْغِنَى وَتُظْهِرَ ذَلِكَ مَا أَغْنَاك اللَّهُ وَإِذَا أَصَابَتْك مَسْكَنَةٌ وَفَقْرٌ فَتَكَلَّفْ بِالصَّبْرِ عَلَى الْفِعْلِ الْجَمِيلِ أَيْ اصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا مِنْ غَيْرِ جَزَعٍ وَشَكْوَى. أَوْ مَعْنَى تَجَمَّلْ أَظْهِرْ الْغِنَى مِنْ نَفْسِك بِالتَّجَمُّلِ وَالتَّزَيُّنِ كَيْ لَا يَقِفَ النَّاسُ عَلَى حَالِك. أَوْ مَعْنَاهُ كُلْ الْجَمِيلَ وَهُوَ الشَّحْمُ الْمُذَابُ تَعَفُّفًا.

إنَّمَا مَعْنَاهُ إنْ تُصِبْك خَصَاصَةٌ بِلَا شُبْهَةٍ لِأَنَّ إصَابَةَ الْخَصَاصَةِ مِنْ الْأُمُورِ الْمُتَرَدِّدَةِ وَكَلِمَةُ إذَا إذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الْوَقْتِ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْأَمْرِ الْكَائِنِ أَوْ الْمُنْتَظَرِ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ عَادَةً أَوْ شَرْعًا نَحْوَ مَجِيءِ الْغَدِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ فَلَوْ لَمْ تَصِرْ كَلِمَةُ إذَا هَاهُنَا بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَبَقِيَ مَعْنَى الْوَقْتِ فِيهَا لَمَا جَازَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْأَمْرِ الْمُتَرَدِّدِ بِخِلَافِ مَتَى لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْأُمُورِ الْكَائِنَةِ لَا مَحَالَةَ فَاسْتِعْمَالُهَا لِلشَّرْطِ لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ مَعْنَى الْوَقْتِ عَنْهَا. فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ عَلَى مَتَى حَتَّى يَبْقَى الْوَقْتُ فِيهَا مُعْتَبَرًا أَوْ إنْ جُوزِيَ بِهَا كَمَا فِي مَتَى. قُلْنَا لَوْ فَعَلْنَا ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُ خَاصِّيَّتِهِ وَهِيَ الدُّخُولُ فِي الْأُمُورِ الْكَائِنَةِ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْوَقْتِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّ الْجَزْمَ بِهِ وَدُخُولَ الْفَاءِ فِي جَوَابِهِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى إنْ لَكِنْ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أُسَلِّمُ أَنَّهُ قَدْ يَجِيءُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ إلَّا أَنَّ النِّزَاعَ فِي سُقُوطِ مَعْنَى الْوَقْتِ عَنْهُ وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ وَمَتَى تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ لَاسْتَقَامَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى أَيْضًا مِنْ غَيْرِ سُقُوطِ مَعْنَى

ص: 195

وَكَذَلِكَ إذْ.

فَأَمَّا مَتَى فَاسْمٌ لِلْوَقْتِ الْمُبْهَمِ بِلَا اخْتِصَاصٍ فَكَانَ مُشَارِكًا لِأَنَّ فِي الْإِبْهَامِ فَلَزِمَ فِي بَابِ الْمُجَازَاةِ وَجَزَمَ بِهَا مِثْلَ إنْ لَكِنْ مَعَ قِيَامِ الْوَقْتِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَتُهَا فَوَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك عَقِيبَ الْيَمِينِ وَقَوْلُهُ مَتَى شِئْت لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ وَكَذَلِكَ مَتَى مَا

وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ كُلَّمَا وَكَذَلِكَ مَنْ وَمَا يَدْخُلَانِ فِي هَذَا الْبَابِ لِإِبْهَامِهِمَا وَالْمَسَائِلُ فِيهِمَا كَثِيرَةٌ خُصُوصًا فِي مَنْ

ــ

[كشف الأسرار]

الْوَقْتِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا مَا) يَعْنِي لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ دُخُولِ مَا عَلَى إذَا وَبَيْنَ عَدَمِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ.

إلَّا أَنَّ دُخُولَ مَا تَحَقَّقَ مَعْنَى الْمُجَازَاةِ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ. وَمَا هَذِهِ تُسَمَّى الْمُسَلَّطَةُ وَمَعْنَى الْمُسَلَّطَةِ أَنْ تَجْعَلَ الْكَلِمَةَ الَّتِي لَا تَعْمَلُ فِيمَا بَعْدَهَا عَامِلَةً فِيهِ تَقُولُ إذَا مَا تَأْتِنِي أَكْرَمِك فَمَا هِيَ الَّتِي سَلَّطَتْ إذَا عَلَى الْجَزْمِ لِأَنَّهُ كَانَ اسْمًا يُضَافُ إلَى الْجُمَلِ غَيْرَ عَامِلٍ فَجَعَلَتْهُ مَا حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْمُجَازَاةِ عَامِلَةً بِمَنْزِلَةِ مَتَى وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ مَا فِي إذَا صِلَةٌ كَذَا فِي كِتَابِ بَيَانِ حَقَائِقِ الْحُرُوفِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا مَتَى) إلَى آخِرِهِ مَتَى مِنْ الظُّرُوفِ أَيْضًا وَهُوَ اسْمٌ لِلْوَقْتِ الْمُبْهَمِ وَأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ وَالشَّرْطِ وَكَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهِ فِي الِاسْتِفْهَامِ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا إلَى مَا يَطُولُ ذِكْرُهُ فَأَتَى بِمَتَى لِلْإِيجَازِ فَاشْتَمَلَ عَلَى الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ هُوَ اسْمٌ لِلْوَقْتِ الْمُبْهَمِ.

وَلِهَذَا الْمَعْنَى جُعِلَ نَائِبًا عَنْ إنْ فِي الشَّرْطِ إذَا كَانَ اللَّازِمُ فِي قَوْلِك مَتَى تَأْتِنِي أُكْرِمْك أَنْ تَقُولَ إنْ تَأْتِنِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ أُكْرِمْك وَإِنْ تَأْتِنِي يَوْمَ السَّبْتِ أُكْرِمْك إلَى حَدٍّ يُوجِبُ الْإِطَالَةَ فَجِئْت بِمَتَى فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ وَالْفَصْلُ. بَيْنَ إذَا وَمَتَى أَنَّ إذَا لِلْأُمُورِ الْوَاجِبِ وُجُودُهَا وَمَتَى لَمْ يَتَوَقَّعْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ تَقُولُ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ خَرَجْت وَإِذَا أُذِّنَ لِلصَّلَاةِ قُمْت وَلَا يَصْلُحُ فِي مِثْلِ هَذَا مَتَى وَتَقُولُ مَتَى تَخْرُجْ أَخْرُجْ مَعَ مَنْ لَا يَتَيَقَّنُ بِخُرُوجِهِ فَتَبَيَّنَ بِمَا قُلْنَا إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ بِلَا اخْتِصَاصٍ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ فَلِذَلِكَ كَانَ مُشَارِكًا لِأَنَّ فِي الْإِبْهَامِ لِتَرَدُّدِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مَتَى بَيْنَ أَنْ يُوجَدَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يُوجَدَ كَمَا فِي كَلِمَةِ إنْ. فَلَزِمَ فِي بَابِ الْمُجَازَاةِ يَعْنِي فَلِهَذِهِ الْمُشَارَكَةِ لَزِمَ مَتَى فِي بَابِ الْمُجَازَاةِ أَيْ الْمُجَازَاةِ بِهِ لَازِمَةٌ يَعْنِي فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِفْهَامِ مِثْلَ إنْ إلَّا أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فِي قِيَامِ مَعْنَى الْوَقْتِ وَانْتِفَائِهِ. وَأَمَّا فِي مَوْضِعِ الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّمَا لَا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الشَّرْطِ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَبِ الْفَهْمِ عَنْ وُجُودِ الْفِعْلِ فَلَا يَسْتَقِيمُ إضْمَارُ حَرْفِ إنْ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَقِيبَ الْيَمِينِ بِلَا فَصْلٍ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ الْوَقْتُ الْخَالِي عَنْ الْإِيقَاعِ.

وَقَوْلُهُ مَتَى شِئْت لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ إبْهَامِهِ يَعُمُّ الْأَزْمِنَةَ وَكَذَلِكَ مَتَى مَا يَعْنِي كَمَا عَرَفْت حُكْمَ مَتَى فِي الشَّرْطِ فَكَذَلِكَ حُكْمُ مَتَى مَا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ مَا عَلَيْهِ يُصَيَّرُهُ لِلْجَزَاءِ الْمَحْضِ وَلَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِفْهَامِ.

وَمَنْ وَمَا يَدْخُلَانِ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْ بَابِ الشَّرْطِ لِإِبْهَامِهِمَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَتَنَاوَلُ عَيْنًا. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مَنْ وَمَا لِإِبْهَامِهِمَا دَخَلَا فِي بَابِ الْعُمُومِ عَلَى مَا مَرَّ فَلَمَّا كَانَ الْعُمُومُ فِي الشَّرْطِ مَقْصُودًا لِلْمُتَكَلِّمِ وَتَخْصِيصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَفْرَادِ بِالذِّكْرِ مُتَعَسِّرٌ أَوْ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مَنْ وَمَا يُؤَدِّيَانِ هَذَا الْمَعْنَى مَعَ الْإِيجَازِ وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ نَابَا مَنَابَ إنْ فَقِيلَ مَنْ تَأْتِنِي أُكْرِمْهُ وَمَا تَصْنَعْ أَصْنَعْ. وَالْمَسَائِلُ فِيهِمَا كَثِيرَةٌ مِثْلُ قَوْلِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ فَهُوَ حُرٌّ. مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ فَلَهُ رَأْسٌ. وَمَنْ دَخَلَ مِنْكُمْ الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ. وَأَمَّا إذَا كَانَ لِلشَّرْطِ فَهُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى أَيٍّ تَقُولُ مَا تَصْنَعْ اصْنَعْ وَفِي التَّنْزِيلِ {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106]{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2] . وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ الْفُقَهَاءُ فِي الْفِقْهِ كَذَا فِي كِتَابِ بَيَانِ حَقَائِقِ الْحُرُوفِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) إلَى آخِرِهِ. اعْلَمْ أَنَّ لَوْ فِيهِ مَعْنَى

ص: 196

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّرَقُّبِ فَعَمِلَ عَمَلَ الشَّرْطِ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الرَّجُلِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا صُحْبَتُك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاقِعٍ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ

ــ

[كشف الأسرار]

الشَّرْطِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ تَعْلِيقُ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَبَايِنَتَيْنِ بِالْأُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّانِيَةُ جَوَابًا لِلْأُولَى كَانَ وَلِهَذَا يَتَعَقَّبُهُ الْفِعْلُ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا.

إلَّا أَنَّ لَوْ لِلْمَاضِي تَقُولُ جِئْتنِي لَأَكْرَمْتُك وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَوْ لِامْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِعَدَمِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ الثَّانِيَ لَمَّا تَعَلَّقَ وُقُوعُهُ بِوُجُودِ الْأَوَّلِ وَامْتَنَعَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي إذَا عُدِمَ اسْتَحَالَ إيجَادُهُ فِيهِ بَعْدُ كَانَ الثَّانِي أَيْضًا مُمْتَنِعًا ضَرُورَةَ تَعَلُّقِهِ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ لَعَتَقْت وَلَمْ يَدْخُلْ الْعَبْدُ الدَّارَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَدَخَلَهَا بَعْدُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَقَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَوْ كُنْت دَخَلَتْ الدَّارَ أَمْسِ لَصِرْت حُرًّا وَلَا تَعَلُّقَ لِهَذَا الْكَلَامِ بِالْمُسْتَقْبَلِ كَمَا تَرَى إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ عَلَّقُوا الْعِتْقَ بِالدُّخُولِ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ لَوْ لِمُوَاخَاتِهَا كَلِمَةَ إنْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ يُسْتَعْمَلُ فِي الِاسْتِقْبَالِ كَأَنْ يُقَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْت أَمْرَك بِالتَّوْبَةِ لَكَانَ خَيْرًا لَك أَيْ إنْ اسْتَقْبَلْت. وَقَالَ تَعَالَى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221] . أَيْ وَإِنْ أَعْجَبَكُمْ {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]{وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33] . كَمَا أَنَّ إنْ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى لَوْ قَالَ تَعَالَى إخْبَارًا {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: 116] . وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ وَلَوْ بِمَنْزِلَةِ إنْ كَذَا فِي كِتَابِ بَيَانِ حَقَائِقِ الْحُرُوفِ وَلَيْسَ فِيهِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله. وَإِلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ النَّوَادِرِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَقَدْ رُوِيَ.

وَقَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّرَقُّبِ أَيْ الِانْتِظَارِ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْفِعْلُ الَّذِي بَعْدَهُ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَرَدِّدًا فَيُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّرَقُّبُ. ثُمَّ اللَّامُ تَدْخُلُ فِي جَوَابِ لَوْ لِتَأْكِيدِ ارْتِبَاطِ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] . وَيَجُوزُ حَذْفُهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى. {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} [الواقعة: 70] . وَلَا تَدْخُلُ الْفَاءُ فِي جَوَابِهِ لِأَنَّ الْفَاءَ إنَّمَا تَدْخُلُ فِي جُمْلَةٍ لَوْ كَانَ مَكَانَهَا الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ انْجَزَمَ وَكَلِمَةُ لَوْلَا تَعْمَلُ فِي الْجَزْمِ أَصْلًا لِأَنَّهَا لِلْمَاضِي وَالْجَزْمُ يَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ عَلَى مَا عُرِفَ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنُ الْأَهْوَازِيُّ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الْفَاءَ لَا تَدْخُلُ فِي جَوَابِ لَوْ كَمَا أَنَّ الْوَاوَ لَا تَدْخُلُ فِي جَوَابِ إنْ قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ بَيَانِ حَقَائِقِ الْحُرُوفِ هُوَ كَمَا قَالَ الْأَهْوَازِيُّ أَنَّ الْفَاءَ لَا تَدْخُلُ فِي جَوَابِ لَوْ عِنْدَ النَّجَاةِ بِلَا خِلَافٍ فَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنِّي سَأَلْت الْقَاضِيَ الْإِمَامَ أَبَا عَاصِمٍ الْعَامِرِيَّ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقُلْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ وَمَا سَأَلَتْهُ عَنْ الْعِلَّةِ وَالْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّ لَوْ شَرْطٌ صَحِيحٌ كَانَ وَقَدْ جَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَعْنَى الْآخَرِ كَمَا ذَكَرْنَا فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مَوْقِعَ أَنَّ فِي جَوَازِ دُخُولِ الْفَاءِ فِي جَوَابِهِ.

قَالَ وَلِأَنَّ الْفُقَهَاءَ لَا يَعْتَبِرُونَ الْإِعْرَابَ لِأَنَّ الْعَامَّةَ تُخْطِئُ وَتُصِيبُ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْتِ بِكَسْرِ التَّاءِ أَوْ لِامْرَأَتِهِ زَنَيْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ فِي الصُّورَتَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ قَوْلُ الرَّجُلِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ صَحِبْتُك) . لَوْلَا لِامْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ زِيدَتْ عَلَى لَوْ كَلِمَةُ لَا لِتَخْرُجَهُ مِنْ امْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ. وَتُسَمَّى لَا هَذِهِ الْمُغَيِّرَةُ لِمَعْنَى الْحَرْفِ. وَلَا يَقَعُ بَعْدَهَا إلَّا

ص: 197

وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ بَابًا بَنَاهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحُرُوفِ الَّتِي ذَكَرْنَا آمِنُونِي عَلَى عَشْرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ قَالَ ذَلِكَ رَأْسُ الْحِصْنِ فَفَعَلْنَا وَقَعَ عَلَيْهِ وَعَلَى عَشَرَةٍ غَيْرِهِ وَالْخِيَارُ إلَيْهِ وَلَوْ قَالَ آمِنُونِي وَعَشَرَةً فَكَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْخِيَارَ إلَى إمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ قَالَ بِعَشَرَةٍ فَمِثْلُ قَوْلِهِ وَعَشَرَةً وَلَوْ قَالَ فِي عَشَرَةٍ وَقَعَ عَلَى تِسْعَةٍ سِوَاهُ وَالْخِيَارُ إلَى الْإِمَامِ

ــ

[كشف الأسرار]

الِاسْمُ الْمُتَبَدَّأُ فَإِذَا قُلْت لَوْلَا زَيْدٌ كَانَ مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ أَوْ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ لَوْلَا زَيْدٌ مَوْجُودٌ لَكَانَ كَذَا وَحُذِفَ هَذَا الْخَبَرُ حَذْفًا لَازِمًا لِطُولِ الْكَلَامِ بِالْجَوَابِ الَّذِي هُوَ قَوْلُك لَكَانَ كَذَا وَلِأَنَّ الْحَالَ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَيَدْخُلُ فِي جَوَابِهَا اللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ أَيْضًا فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا صُحْبَتُكِ أَوْ لَوْلَا حُسْنُك أَوْ لَوْلَا حُبُّك إيَّايَ لَا يَقَعُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ وَهُوَ رَبْطُ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَبَايِنَتَيْنِ بِالْأُخْرَى وَامْتِنَاعُ الْجَزَاءُ وَأَثَرُ الشَّرْطُ هُوَ الرَّبْطُ وَالْمَنْعُ إلَّا أَنَّ فِي الشَّرْطِ الْحَقِيقِيِّ يُتَوَقَّعُ وُقُوعُ الْجَزَاءِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَفِي لَوْلَا لَا تَوَقُّعَ لِلْجَزَاءِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ يُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنْ الْإِيجَابِ وَالِاعْتِبَارِ حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ زَالَ حُسْنُهَا أَوْ مَاتَ زَيْدٌ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا حُسْنُك أَوْ لَوْلَا زَيْدٌ لَا تَطْلُقُ. وَقَدْ رَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا أَبُوك أَوْ أَخُوك أَوْ لَوْلَا حُسْنُك أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ.

وَكَذَا ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرَهِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا دُخُولُك الدَّارَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَيَجْعَلُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ قَوْلُهُ (وَذَكَرَ) أَيْ مُحَمَّدٌ. فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ بَابًا. إلَى آخِرِهِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ حِصْنًا فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ رَأْسُ الْحِصْنِ فَقَالَ آمِنُونِي عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْحِصْنِ عَلَى أَنْ أَفْتَحَهُ لَكُمْ فَقَالُوا لَك ذَلِكَ فَفَتَحَ الْحِصْنَ فَهُوَ آمِنٌ وَعَشْرَةٌ مَعَهُ لِأَنَّهُ اسْتَأْمَنَ لِنَفْسِهِ نَصًّا بِقَوْلِ آمِنُونِي وَالنُّونُ وَالْيَاءُ يُكْنِي بِهِمَا الْمُتَكَلِّمُ عَنْ نَفْسِهِ وَكَلِمَةُ عَلَى لِلشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ عَلَى عَشْرَةٍ وَقَدْ شَرَطَ أَمَانَ عَشَرَةٍ مُنَكَّرَةٍ مَعَ أَمَانِ نَفْسِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْعَشَرَةَ سِوَاهُ. ثُمَّ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الْعَشَرَةِ إلَى رَأْسِ الْحِصْنِ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَا حَظٍّ مِنْ أَمَانِهِمْ لِأَنَّ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ وَهُوَ لَيْسَ بِذِي حَظٍّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي أَمَانِهِمْ فَقَدْ اسْتَأْمَنَ لِنَفْسِهِ بِلَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَيْسَ بِذِي حَظٍّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُبَاشِرٌ لِأَمَانِهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ ذُو حَظٍّ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُعَيِّنًا لِمَنْ تَنَاوَلَهُ الْأَمَانُ مِنْهُمْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي الْمَجْهُولِ كَالْإِيجَابِ الْمُتَبَدَّأِ مِنْ وَجْهٍ.

وَلَوْ قَالَ أَمِّنُونِي وَعَشَرَةً عَلَى أَنْ أَفْتَحَ لَكُمْ فَالْأَمَانُ لَهُ وَلَوْ عَشْرَةٌ سِوَاهُ لِأَنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْعَطْفِ وَإِنَّمَا يُعْطَفُ الشَّيْءُ عَلَى غَيْرِهِ لَا عَلَى نَفْسِهِ فَفِي كَلَامِهِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْعَشَرَةَ سِوَاهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحِصْنِ إلَّا ذَلِكَ الْعَدَدُ أَوْ أَقَلُّ فَهُمْ آمِنُونَ كُلُّهُمْ لِأَنَّ الْأَمَانَ بِذِكْرِ الْعَدَدِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَانِ لَهُمْ بِالْإِشَارَةِ إلَى أَعْيَانِهِمْ. وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْحِصْنِ كَثِيرًا فَالْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الْعَشَرَةِ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مَا جَعَلَ نَفْسَهُ ذَا حَظٍّ فِي أَمَانِ الْعَشَرَةِ وَإِنَّمَا عَطَفَ أَمَانَهُمْ عَلَى أَمَانِ نَفْسِهِ فَكَانَ الْإِمَامُ هُوَ الْمُوجِبُ لَهُمْ لِلْأَمَانِ فَإِلَيْهِ التَّعْيِينُ. وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَ الْعَشَرَةَ مِنْ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ اشْتَرَطَ ذَلِكَ مِنْ الرِّجَالِ وَلَوْ قَالَ أَمِّنُونِي بِعَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ كَانَ هَذَا.

وَقَوْلُهُ وَعَشَرَةٌ سِوَاهُ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَقَدْ أَلْصَقَ أَمَانَ الْعَشَرَةِ بِأَمَانِهِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْعَشَرَةُ سِوَاهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله وَلَكِنَّ هَذَا غَلَطٌ زَلَّ بِهِ قَلَمُ الْكَاتِبِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْعَتِيقَةِ أَمِّنُونِي فَعَشَرَةً لِأَنَّ الْفَاءَ مِنْ حُرُوفِ

ص: 198

وَلَوْ قَالَ آمِنُوا لِي عَشَرَةً عَلَى عَشَرَةٍ لَا غَيْرُ وَلِرَأْسِ الْحِصْنِ أَنْ يُدْخِلَ نَفْسَهُ فِيهِمْ وَالْخِيَارُ فِيهِمْ إلَيْهِ وَذَلِكَ يَخْرُجُ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ.

ــ

[كشف الأسرار]

الْعَطْفِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْوَصْلَ وَالتَّعْقِيبَ فَيَسْتَقِيمُ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ أَمِّنُونِي فَعَشَرَةً فَأَمَّا الْبَاءُ فَيَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ فَيَكُونُ قَوْلُهُ أَمِّنُونِي بِعَشَرَةٍ بِمَعْنَى عَشَرَةٍ أُعْطِيكُمْ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ عِوَضًا عَنْ أَمَانِي وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ فِي هَذَا الْجِنْسِ مِنْ الْمَسَائِلِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُ أَمِّنُونِي فَعَشَرَةً وَلَوْ قَالَ أَمِّنُونِي ثُمَّ عَشَرَةً كَانَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءً وَالْعَشَرَةُ سِوَاهُ لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ التَّرَاخِي وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ فَعَشَرَةً لِأَنَّهُ بَدَأَ بِمَا هُوَ لِلْعَطْفِ مُطْلَقًا ثُمَّ بِمَا هُوَ لِلْعَطْفِ عَلَى وَجْهِ التَّعْقِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ ثُمَّ بِمَا هُوَ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ التَّرَاخِي.

وَرَأَيْت مَكْتُوبًا عَلَى حَاشِيَةِ شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ عِنْدَ تَقْرِيرِ هَذَا الْغَلَطِ قِيلَ وَلَا يَتَمَخَّضُ هَذَا غَلَطًا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ عِنْدَ عَدَمِ الِالْتِبَاسِ وَالتَّقْدِيرُ أَمِّنُونِي بِأَمَانِ عَشْرَةٍ وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْأَمَانِ مَفْهُومًا بِقَوْلِهِ أَمِّنُونِي اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ ثَانِيًا وَالْبَاءُ حِينَئِذٍ تُفِيدُ مَعْنَى الِالْتِبَاسِ وَالِامْتِزَاجِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] . وَكَقَوْلِهِمْ خَرَجَ زَيْدٌ بِسِلَاحِهِ. وَمِثْلُ هَذَا الْحَذْفِ فِي قَوْلِهِمْ اضْرِبْ السَّارِقَ كَالْحَدَّادِ أَيْ كَضَرْبِ الْحَدَّادِ وَلَمَّا كَانَ مَعْنَى الضَّرْبِ مَفْهُومًا بِقَوْلِهِمْ اضْرِبُوا اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ وَالْبَاءُ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ عَلَى مَعْنَى الْعِوَضِ بَلْ هِيَ لِمَعَانِي جَمَّةٍ فَافْهَمْ. وَلَكِنَّ الْمُوجِبَ لِلْقَوْلِ بِالْغَلَطِ مَا ذَكَرَ أَنَّ تَخَلُّلَ الْبَاءِ بَيْنَ حُرُوفِ الْعَطْفِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ نَسْقُ الْمُتَجَانِسَاتِ أَمَّا الْمَعْنَى بِالنَّظَرِ إلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَحْدَهَا فَغَيْرُ فَاسِدٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ قَالَ أَفْتَحُ لَكُمْ عَلَى أَنِّي آمِنٌ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ أَوْ عَلَى أَنْ يُؤَمِّنُونِي فِي عَشَرَةٍ فَهُوَ آمِنٌ وَتِسْعَةٌ مَعَهُ لِأَنَّ حَرْفَ فِي لِلظَّرْفِ وَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ فِي جُمْلَةِ الْعَشَرَةِ الَّذِينَ الْتَمِسْ الْأَمَانَ لَهُمْ فَلَا يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ إلَّا تِسْعَةً مَعَهُ لِأَنَّهُ لَوْ تَنَاوَلَ عَشَرَةً سِوَاهُ كَانَ هُوَ آمِنًا فِي أَحَدَ عَشَرَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ مَا جَعَلَ نَفْسَهُ فِي جُمْلَةِ الْعَشَرَةِ.

فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ جَعَلَ الْعَشَرَةَ هُنَا ظَرْفًا لِنَفْسِهِ وَالْمَظْرُوفُ غَيْرُ الظَّرْفِ. قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ فِيمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الظَّرْفُ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ إلَّا بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَحَدُهُمْ وَيُجْعَلَ كَأَنَّهُ قَالَ اجْعَلُونِي أَحَدَ الْعَشَرَةَ الَّذِينَ تُؤَمِّنُونَهُمْ. فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنَى الظَّرْفِ حَقِيقَةً يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ بِمَعْنَى مَعَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَوْ بِمَعْنَى كَقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ. إخْبَارًا {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] . وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهَيْنِ يَثْبُتُ الْأَمَانُ لِعَشَرَةٍ سِوَاهُ. قُلْنَا الْكَلِمَةُ لِلظَّرْفِ حَقِيقَةً فَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى ذَلِكَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَذَلِكَ فِي أَنْ يَكُونَ هُوَ أَحَدُهُمْ دَاخِلًا فِي عَدَدِهِمْ فَلِهَذَا لَا تَحْمِلُهَا عَلَى الْمَجَازِ ثُمَّ الْخِيَارُ فِي التِّسْعَةِ إلَى الْإِمَامِ لَا إلَى رَأْسِ الْحِصْنِ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ أَحَدَ الْعَشَرَةِ فَكَمَا لَا خِيَارَ لِمَنْ سِوَاهُ مِنْ الْعَشَرَةِ فِي التَّعْيِينِ لَا خِيَارَ لَهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَا حَظٍّ مِنْ أَمَانِ الْعَشَرَةِ عَلَى أَنْ يَتَنَاوَلَهُ حُكْمُ أَمَانِهِمْ لَا عَلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ مُعَيِّنًا لَهُمْ وَقَدْ نَالَ مَا سَأَلَ بَقِيَ الْإِمَامُ مُوجِبًا الْأَمَانَ لِتِسْعَةٍ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمْ فَإِلَيْهِ بَيَانُهُمْ. وَلَوْ قَالَ آمِنُوا لِي عَشَرَةً مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ فَلَهُ عَشَرَةٌ يَخْتَارُ أَيْ عَشَرَةً شَاءَ فَإِنْ اخْتَارَ عَشَرَةً هُوَ أَحَدُهُمْ فَذَلِكَ لَهُ جَائِزٌ وَإِنْ اخْتَارَ عَشَرَةً سِوَاهُ فَالْعَشَرَةُ آمِنُونَ وَهُوَ فَيْءٌ لِأَنَّهُ مَا اسْتَأْمَنَ لِنَفْسِهِ عَيْنًا وَإِنَّمَا اسْتَأْمَنَ مِنْ لِعَشَرَةٍ مُنَكَّرَةٍ وَلَكِنْ بِقَوْلِهِ لِي شَرْطٌ لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ ذَا حَظٍّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ ذَا حَظٍّ عَلَى وَجْهِ مُبَاشَرَةِ الْأَمَانِ لَهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ ذُو حَظٍّ عَلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعَيِّنُ لِلْعَشَرَةِ وَنَفْسُهُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ كَنَفْسِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْأَمَانُ

ص: 199

وَمِنْ ذَلِكَ كَيْفَ وَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ الْحَالِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْحَالِ فَإِنْ اسْتَقَامَ، وَإِلَّا بَطَلَ وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْت أَنَّهُ إيقَاعٌ وَفِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ يَقَعُ الْوَاحِدَةَ وَيَبْقَى الْفَضْلُ فِي الْوَصْفِ وَالْقَدْرِ وَهُوَ الْحَالُ مُفَوَّضًا بِشَرْطِ نِيَّةِ الزَّوْجِ، وَقَالَا مَا لَا يَقْبَلُ الْإِشَارَةَ فَحَالُهُ وَوَصْفُهُ بِمَنْزِلَةِ أَصْلِهِ فَتَعَلَّقَ الْأَصْلُ بِتَعَلُّقِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

نَصًّا فَإِنْ عَيَّنَ نَفْسَهُ فِي جُمْلَةِ الْعَشَرَةِ صَارَ آمِنًا بِمَنْزِلَةِ التِّسْعَةِ الَّذِينَ عَيَّنَهُمْ مَعَ نَفْسِهِ وَإِنْ عَيَّنَ عَشَرَةً سِوَاهُ فَقَدْ تَعَيَّنَ حُكْمُ الْأَمَانِ فِيهِمْ وَصَارَ هُوَ فَيْئًا كَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ وَكَانَ مَعْنَى كَلَامِهِ أَمِّنُوا لِأَجْلِي عَشَرَةً وَأَوْجِبُوا لِي حَقَّ تَعْيِينِ عَشَرَةٍ تُؤَمِّنُونَهُمْ.

وَرُوِيَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا وَقَعَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ الَّذِي يَسْعَى فِي طَلَبِ الْأَمَانِ لِلْجَمَاعَةِ قَدْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ اللَّهُمَّ أَغْفِلْهُ عَنْ نَفْسِهِ فَطَلَبَ الْأَمَانَ لِقَوْمِهِ وَأَهْلِهِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فَأُخِذَ وَقُتِلَ. وَقِيلَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَذَلِكَ زَمَنَ عُمَرَ رضي الله عنهما اسْتَأْمَنَ إلَيْهِ سَابُورُ مَلِكُ السُّوسِيِّ لِعَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَنَسِيَ نَفْسَهُ فَقَدَّمَهُ أَبُو مُوسَى وَضَرَبَ عُنُقَهُ. هَذَا كُلُّهُ مِنْ لَطَائِفِ تَقْرِيرِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ رحمه الله.

وَذَلِكَ أَيْ ذَلِكَ الْبَابُ يُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي بَيَانِ الْحُرُوفِ فِي هَذَا الْبَابِ.

قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ بَابِ حُرُوفِ الْمَعَانِي كَلِمَةُ كَيْفَ كَيْفَ اسْمٌ مُبْهَمٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ وَحُرِّكَ آخِرُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَهِيَ عَلَى الْفَتْحِ دُونَ الْكَسْرِ لِمَكَانِ الْيَاءِ، وَهُوَ لِلِاسْتِفْهَامِ عَنْ الْأَحْوَالِ وَأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَرْفًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى فِي وَلَكِنَّهُ جَارٍ مَجْرَى الظُّرُوفِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى عَلَى، فَإِذَا قُلْت: كَيْفَ زَيْدٌ؟ كَانَ مَعْنَاهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ هُوَ أَصَحِيحٌ أَمْ سَقِيمٌ قَاعِدٌ أَمْ قَائِمٌ إلَى آخِرِ مَالَهُ مِنْ الْأَوْصَافِ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّقْدِيرِ جَارٍ مَجْرَى الظَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلْحَالِ، وَالْحَالُ جَارِيَةٌ مَجْرَى الظَّرْفِ لِأَنَّهَا مَفْعُولٌ فِيهَا عَلَى مَا عُرِفَ.

قَالَ سِيبَوَيْهِ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ، إلَّا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَحْوَالٍ وَصِفَاتٍ لَيْسَتْ فِي يَدِ الْعَبْدِ كَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَالشَّيْخُوخَةِ وَالْكُهُولَةِ فَلَمْ يَسْتَقِمْ أَنْ تَقُولَ فِيهِ كَيْفَ تَكُنْ أَكُنْ؛ لِأَنَّك بِهَذَا اللَّفْظِ تَضْمَنُ أَنْ تَكُونَ عَلَى أَحْوَالِ الْمُخَاطَبِ وَهُوَ مُتَعَذِّرُ الْوُقُوعِ مِنْك، بِخِلَافِ مَتَى تَجْلِسْ اجْلِسْ وَأَيْنَ تَكُنْ أَكُنْ؛ لِأَنَّك شَرَطْت عَلَى نَفْسِك أَنْ تُسَاوِيَهُ فِي الْجُلُوسِ وَالْحُلُولِ فِي الْمَكَانِ وَهَذَا مَعْنًى يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الشَّرْطِ عَلَيْهِ.

وَذُكِرَ فِي الصِّحَاحِ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهِ مَا صَحَّ أَنْ يُجَازَى بِهِ كَقَوْلِك كَيْفَمَا تَفْعَلْ أَفْعَلْ.، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لِلسُّؤَالِ عَنْ الْحَالِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت أَنَّهَا تَطْلُقُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ تَطْلِيقَةً، ثُمَّ إنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا فَقَدْ بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ وَلَا مَشِيئَةَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا فَالتَّطْلِيقَةُ الْوَاقِعَةُ رَجْعَةٌ وَالْمَشِيئَةُ إلَيْهَا فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ ذَلِكَ.

فَإِنْ شَاءَتْ الْبَائِنَةَ، وَقَدْ نَوَاهَا الزَّوْجُ كَانَتْ بَائِنَةً، أَوْ إنْ شَاءَتْ ثَلَاثًا، وَقَدْ نَوَاهَا الزَّوْجُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَإِنْ شَاءَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ ثَلَاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَإِنْ شَاءَتْ ثَلَاثًا، وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّهَا شَاءَتْ غَيْرَ مَا نَوَى وَوَقَعَتْ غَيْرَ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَلَا يُعْتَبَرُ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مَا لَمْ تَشَأْ فَإِذَا شَاءَتْ فَالتَّفْرِيعُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْت عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَلَا مَشِيئَةَ لَهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ، وَإِلَّا بَطَلَ وَلَا يَقَعُ عِنْدَهُمَا مَا لَمْ يَشَأْ فِي الْمَجْلِسِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. فَلَوْ شَاءَ عِتْقًا عَلَى مَالٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ شَاءَ التَّدْبِيرَ فَذَلِكَ بَاطِلٌ عِنْدَهُ وَهُوَ حُرٌّ.

وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ مَا شَاءَ بِشَرْطِ إرَادَةِ الْمَوْلَى ذَلِكَ وَمَا رَأَيْته فِي كِتَابٍ. هُمَا يَقُولَانِ: إنَّهُ جَعَلَ الطَّلَاقَ مُفَوَّضًا إلَى مَشِيئَتِهَا فَلَا يَقَعُ بِدُونِ مَشِيئَتِهَا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ كَمْ شِئْت أَوْ حَيْثُ شِئْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ

ص: 200

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

مَا لَمْ تَشَأْ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ وَصْفَ الطَّلَاقِ إلَيْهَا يَكُونُ ذَلِكَ تَفْوِيضًا لِنَفْسِ الطَّلَاقِ إلَيْهَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْوَصْفَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَصْلِ. يُوَضِّحُهُ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ مِنْ أَوْصَافِ الطَّلَاقِ فَتَكُونُ مُتَعَلِّقَةً بِالْمَشِيئَةِ كَالْبَيْنُونَةِ وَالْعَدَدِ، وَإِذَا تَعَلَّقَتْ بِالْمَشِيئَةِ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَعَلُّقُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِدُونِ وَصْفٍ لَا يُوجَدُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ فَيَتَعَلَّقُ الْأَصْلُ بِتَعَلُّقِهِ فَصَارَ الطَّلَاقُ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ شَاءَتْ مُفَوَّضًا إلَيْهَا.

وَأَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَقُولُ: إنَّمَا يَتَأَخَّرُ إلَى مَشِيئَتِهَا مَا عَلَّقَهُ الزَّوْجُ بِمَشِيئَتِهَا دُونَ مَا لَمْ يُعَلَّقْ وَكَلِمَةُ كَيْفَ لَا تَرْجِعُ إلَى أَصْلِ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ هُوَ مُنْجِزًا أَصْلَ الطَّلَاقِ وَمُفَوِّضًا لِلصِّفَةِ إلَى مَشِيئَتِهَا بِقَوْلِهِ كَيْفَ شِئْت، إلَّا أَنَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَفِي الْعِتْقِ لَا مَشِيئَةَ لَهُ فِي الصِّفَةِ بَعْدَ إيقَاعِ الْأَصْلِ فَيَلْغُو تَفْوِيضُهُ الصِّفَةَ إلَى مَشِيئَتِهَا بَعْدَ إيقَاعِ الْأَصْلِ وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا لَهَا الْمَشِيئَةُ فِي الصِّفَةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْأَصْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ يَجْعَلَهُ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا عَلَى مَا عُرِفَ فَيَصِحُّ تَفْوِيضُهُ إلَيْهَا.

فَإِنْ قِيلَ: الطَّلَاقُ بَعْدَ الْوُقُوعِ يَحْتَمِلُ وَصْفَ الْبَيْنُونَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَدْخُلَ فِي تَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ بِتَفْوِيضِ الزَّوْجِ، لَكِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَصِيرَ الْوَاحِدُ ثَلَاثًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي تَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ بِقَوْلِهِ كَيْفَ شِئْت قُلْنَا: يَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ ثَلَاثًا بِضَمِّ الثِّنْتَيْنِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ لَا يَتَبَدَّلُ فِي نَفْسِهِ حَقِيقَةً، ثُمَّ بِانْضِمَامِ الثِّنْتَيْنِ إلَيْهِ بِتَغَيُّرِ حُكْمِهِ بِأَنْ لَا يَبْقَى مُوجِبًا لِلرَّجْعَةِ وَصَارَ مُؤَثِّرًا فِي الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ فَصَارَ فِي مَعْنَى الصِّفَةِ لَهُ فَيَصِحُّ تَفْوِيضُ الزَّوْجِ إلَيْهَا بِلَفْظِ كَيْفَ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّ الِاسْتِخْبَارَ عَنْ وَصْفِ الشَّيْءِ وَحَالِهِ لَمَّا كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ وُجُودُ أَصْلِهِ يُقَدَّمُ وُقُوعُ أَصْلِ الطَّلَاقِ فِي ضِمْنِ تَفْوِيضِهِ الْمَشِيئَةَ إلَيْهَا فَإِنَّ الِاسْتِخْبَارَ عَنْ وَصْفِ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُودِ أَصْلِهِ مُحَالٌ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

يَقُولُ خَلِيلِي كَيْفَ صَبْرُك بَعْدَنَا

فَقُلْت وَهَلْ صَبْرٌ فَيُسْأَلَ عَنْ كَيْفَ

بِخِلَافِ قَوْلِهِ: كَمْ شِئْت؛ لِأَنَّ الْكَمِّيَّةَ اسْتِخْبَارٌ عَنْ الْعَدَدِ فَتَقْتَضِي تَفْوِيضَ الْعَدَدِ إلَى مَشِيئَتِهَا، وَأَصْلُ الْعَدَدِ فِي الْمَعْدُودَاتِ الْوَاحِدُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِآخَرَ: كَمْ مَعَك اسْتَقَامَ الْجَوَابُ عَنْهُ بِالْوَاحِدِ.

وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ حَيْثُ شِئْت أَوْ إنْ شِئْت؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ وَالطَّلَاقُ إذَا وَقَعَ فِي مَكَان يَكُونُ وَاقِعًا فِي الْأَمْكِنَةِ كُلِّهَا فَكَانَ ذَلِكَ تَعْلِيقُ أَصْلِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَيِّ مَكَان شِئْت الطَّلَاقَ.

فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَدْ تُضَافُ إلَى مَوْجُودٍ فَيَصِيرُ اسْتِيضَافًا، وَقَدْ يُضَافُ إلَى مَعْدُومٍ فَيَكُونُ لِتَعْلِيقِ الْأَصْلِ بِأَوْصَافِهِ بِالْمَشِيئَةِ كَمَا فِي قَوْلِك افْعَلْ كَيْفَ شِئْت، وَطَلِّقِي كَيْفَ نَفْسَكِ شِئْتِ فَيَكُونُ كَيْفَ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت دَالًّا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الطَّلَاقَ بِحَيْثُ يُوجَدُ بِمَشِيئَتِهِ كَمَا أَنَّهُ فِي قَوْلِهِ افْعَلْ كَيْفَ شِئْت يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ يَتَكَوَّنُ مِنْهُ بِمَشِيئَتِهِ.

قُلْنَا: إنَّا لَا نُنْكِرُ دُخُولَ كَيْفَ عَلَى مَعْدُومٍ سَيُوجَدُ وَلَكِنْ نَقُولُ: إنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لِأَصْلِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَتَعَرَّضُ لِوَصْفِهِ فَقَوْلُهُ افْعَلْ وَطَلِّقِي لِطَلَبِ الْفِعْلِ، وَالتَّفْوِيضُ قَبْلَ دُخُولِ كَيْفَ عَلَيْهِ وَلَا يُوجِبُ وُجُودَ الْفِعْلِ وَالطَّلَاقُ فِي الْحَالِ فَكَذَا بَعْدَ دُخُولِهِ، وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ يُوجِبُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ قَبْلَ دُخُولِ كَيْفَ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ دُخُولِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لِلْأَصْلِ. فَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله حَقِيقَةُ الْكَلَامِ وَمَا قَالَاهُ مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ عُرْفًا وَاسْتِعْمَالًا، كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَالْمَبْسُوطِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ قَدْ يُسْلَبُ عَنْ كَيْفَ فَيَبْقَى دَالًّا عَلَى نَفْسِ الْحَالِ كَمَا حَكَى قُطْرُبُ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ اُنْظُرْ إلَى

ص: 201

وَأَمَّا كَمْ فَاسْمٌ لِلْعَدَدِ الَّذِي هُوَ الْوَاقِعُ

ــ

[كشف الأسرار]

كَيْفَ يَصْنَعُ أَيْ إلَى الْحَالِ صَنْعَتَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْحَالِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ الْحَالِ، أَيْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ اسْمًا لِلْحَالِ مِنْ غَيْرِ مَعْنَى السُّؤَالِ فِيهِ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحَالِ مِنْ غَيْرِ مَعْنَى السُّؤَالِ حَتَّى لَمْ يَصِحَّ تَقْدِيرُ السُّؤَالِ فِيهِ وَصَحَّ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ، وَلَوْ بَقِيَ فِيهِ مَعْنَى السُّؤَالِ لَوَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقِ الْوَصْفِ بِمَشِيئَتِهَا أَنَّهُ إيقَاعٌ لِأَنَّهُ لَا وَصْفَ لِلْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْوُقُوعِ لِيَتَعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ وَيَبْقَى الْفَضْلُ عَلَى أَصْلِ الطَّلَاقِ فِي الْوَصْفِ أَيْ الْبَيْنُونَةِ، وَالْقَدْرُ أَيْ الْعَدَدُ وَهُوَ الْحَالُ أَيْ الْفَضْلُ هُوَ الْحَالُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهَا كَيْفَ مُفَوَّضًا إلَى الْمَرْأَةِ.

بِشَرْطِ نِيَّةِ الزَّوْجِ يَعْنِي فِي حَقِّ الْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى فَضْلٌ بَعْدَ الْوُقُوعِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِيَتَعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ كَمَا فِي الْحُرِّيَّةِ.

وَلَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْتَاجَ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَيْهَا يَجِبُ أَنْ تَسْتَقِلَّ بِإِثْبَاتِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا اعْتِبَارًا بِعَامَّةِ التَّفْوِيضَاتِ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا فَوَّضَ إلَيْهَا حَالَ الطَّلَاقِ بِكَلِمَةِ كَيْفَ وَالْحَالُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْبَيْنُونَةِ وَالْعَدَدِ فَيُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِتَعْيِينِ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ.

وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ نِيَّةَ الزَّوْجِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ لَهَا أَنْ يَجْعَلَ الطَّلَاقَ بَائِنًا وَثَلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فَقَدْ جَعَلَ الطَّحَاوِيُّ الْمَشِيئَةَ إلَيْهَا فِي إثْبَاتِ وَصْفِ الْبَيْنُونَةِ وَالثَّلَاثِ حَتَّى قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الزَّوْجُ شَيْئًا وَشَاءَتْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً يَقَعُ مَا أَوْقَعَتْ بِالِاتِّفَاقِ.

أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَامَ امْرَأَتَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي إثْبَاتِ الْوَصْفِ.

وَالزَّوْجُ مَتَى أَوْقَعَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَهُ بَائِنًا وَثَلَاثًا عِنْدَهُ فَكَذَا الْمَرْأَةُ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا، فَكَذَلِكَ تَمْلِكُ إيقَاعَ الْبَائِنِ وَإِيقَاعَ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الطَّلَاقَ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ وَصْفٍ شَاءَتْ، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. وَقَالَا مَا لَا يَقْبَلُ الْإِشَارَةَ أَيْ مَا لَا يَكُونُ مَحْسُوسًا يُشَارُ إلَيْهِ مِثْلُ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهَا. فَحَالُهُ مِثْلُ كَوْنِ الطَّلَاقِ مَثَلًا بَائِنًا وَرَجْعِيًّا. وَوَصْفُهُ مِثْلُ كَوْنِهِ سُنِّيًّا وَبِدْعِيًّا، وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّهُ تَرَادُفٌ بِمَنْزِلَةِ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُعَايَنًا مَحْسُوسًا كَانَ مَعْرِفَةُ وُجُودِهِ بِآثَارِهِ وَأَوْصَافِهِ كَوُجُودِ النِّكَاحِ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْحِلِّ وَوُجُودُ الْبَيْعِ بِأَثَرِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَعْرِفَةُ وُجُودِهِ مُفْتَقِرًا إلَى وَصْفِهِ كَافْتِقَارِ وَصْفِهِ فِي وُجُودِهِ إلَيْهِ فَكَانَ وَصْفُهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِ مِنْ هَذَا لِوَجْهٍ فَإِذَا تَعَلَّقَ الْوَصْفُ تَعَلَّقَ الْأَصْلُ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّبَعِ مِنْ وَجْهٍ يَتَعَلَّقُهُ أَيْضًا.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا كَمْ فَاسْمٌ) لِكَذَا كَمْ اسْمٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مَوْضُوعٌ لِلْكِنَايَةِ عَنْ الْأَعْدَادِ وَفِي الصِّحَاحِ كَمْ اسْمٌ نَاقِصٌ مُبْهَمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ وَإِنْ جَعَلْته اسْمًا تَامًّا شَدَّدْت آخِرَهُ وَصَرَفْته فَقُلْت أَكْثَرْت مِنْ الْكَمِّ وَالْكَمِّيَّةِ.

فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَمْ شِئْتِ لَمْ تَطْلُقْ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ وَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَكَانَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا بِشَرْطِ مُطَابَقَةِ إرَادَةِ الزَّوْجِ كَذَا رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِي رحمه الله مُعَلَّمًا بِعَلَامَةِ الْبَزْدَوِيِّ. وَذَلِكَ لِأَنَّ كَلِمَةَ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ الْمُبْهَمِ كَمَا ذَكَرْنَا وَالْعَدَدُ هُوَ الْوَاقِعُ فِي الطَّلَاقِ إمَّا مُقْتَضًى كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا التَّقْدِيرُ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً أَوْ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَإِمَّا مَذْكُورًا كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ الَّذِي هُوَ الْوَاقِعُ وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ، وَقَدْ دَخَلَتْ الْمَشِيئَةُ عَلَى نَفْسِ الْوَاقِعِ الَّذِي هُوَ الْعَدَدُ تَعَلَّقَ أَصْلُهُ بِالْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ كَيْفَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ

ص: 202