المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الاستعارة للمناسبة في المعاني - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ٢

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ)

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ قِسْمَانِ

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل عَامٌّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَعَامٌّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ مَا هُوَ فَرْدٌ وُضِعَ لِلْجَمْعِ

- ‌[أَنْوَاع الْعَامُّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ كَلِمَةُ كُلٍّ

- ‌[كَلِمَةُ الْجَمِيعِ]

- ‌كَلِمَةُ مَا

- ‌ كَلِمَةُ الَّذِي

- ‌ النَّكِرَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُ الْعُمُومِ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْعَامِّ مَعْنًى لَا صِيغَةً]

- ‌ لَامُ التَّعْرِيفِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْرِيفَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنَى الْعَهْدِ

- ‌[النَّكِرَةِ إذَا اتَّصَلَ بِهَا وَصْفٌ عَامٌّ]

- ‌ كَلِمَةُ أَيُّ

- ‌ النَّكِرَةُ الْمُفْرَدَةُ فِي مَوْضِعِ إثْبَاتٍ

- ‌[بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ]

- ‌(بَابُ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ) (وَالْمَجَازِ وَالصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌[تعارض الْحَقِيقَة وَالْمَجَاز]

- ‌طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ

- ‌ الِاتِّصَالَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ قِبَلِ حُكْمِ الشَّرْعِ يَصْلُحُ طَرِيقًا لِلِاسْتِعَارَةِ

- ‌[يُسْتَعَارَ الْأَصْلُ لِلْفَرْعِ وَالسَّبَبُ لِلْحُكْمِ]

- ‌ الِاسْتِعَارَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَعَانِي

- ‌[الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ]

- ‌ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ

- ‌إِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ

- ‌قَدْ يَتَعَذَّرُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُمْتَنِعًا

- ‌ الْكَلَامَ إذَا كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ

- ‌(بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ)

- ‌دَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ

- ‌ الثَّابِتُ بِسِيَاقِ النَّظْمِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ

- ‌(بَابُ حُرُوفِ) (الْمَعَانِي)

- ‌[معانى الْوَاوُ]

- ‌[معانى الْفَاءُ]

- ‌[معانى ثُمَّ]

- ‌[معانى بَلْ]

- ‌[معانى لَكِنْ]

- ‌[معانى أَوْ]

- ‌بَابُ حَتَّى) :

- ‌بَابُ حُرُوفِ الْجَرِّ)

- ‌[مَعْنَى الْبَاءُ]

- ‌[مَعْنَى عَلَى]

- ‌[مَعْنَى مِنْ]

- ‌[مَعْنَى إلَى]

- ‌[مَعْنَى فِي]

- ‌[حُرُوفِ الْقَسَمِ]

- ‌ اَيْمُ اللَّهِ

- ‌ أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ

- ‌ حُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌ حُرُوفِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ الصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌بَابُ وُجُوهِ) (الْوُقُوفِ عَلَى) (أَحْكَامِ النَّظْمِ)

- ‌مَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ وَأُرِيدَ بِهِ الْقَصْدُ أَوْ الْإِشَارَةُ

- ‌ دَلَالَةُ النَّصِّ

- ‌[دَلَالَة الْمُقْتَضِي]

- ‌الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ

- ‌ الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ

- ‌ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ

- ‌ الْعَامَّ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ

- ‌ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مُوجِبٌ الْعَدَمَ

- ‌ مَنْ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ

- ‌(بَابُ الْعَزِيمَةِ) (وَالرُّخْصَةِ)

- ‌[أَقْسَام الْعَزِيمَةُ]

- ‌[أَقْسَام الرُّخَصُ]

- ‌{بَابُ حُكْمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي أَضْدَادِهِمَا}

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ)

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الصَّوْمِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ

- ‌[سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ]

- ‌ سَبَبُ الْخَرَاجِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ

- ‌سَبَبُ الْكَفَّارَاتِ

- ‌سَبَبُ الْمُعَامَلَاتِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَقْسَامِ) (السُّنَّةِ)

- ‌(بَابُ الْمُتَوَاتِرِ)

- ‌(بَابُ الْمَشْهُورِ)

- ‌(بَابُ خَبَرِ الْوَاحِدِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الرَّاوِي الَّذِي جُعِلَ خَبَرُهُ حُجَّةً)

- ‌[الرَّاوِي الْمَعْرُوفُ]

- ‌[الرَّاوِي الْمَجْهُولُ]

- ‌بَابُ بَيَانِ شَرَائِطِ الرَّاوِي)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ شُرُوطِ الرَّاوِي وَتَقْسِيمِهَا]

الفصل: ‌ الاستعارة للمناسبة في المعاني

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَصِحُّ أَنْ يُسْتَعَارَ الطَّلَاقُ لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْمَعَانِي يَتَشَابَهَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إسْقَاطٌ بُنِيَ عَلَى السِّرَايَةِ وَاللُّزُومِ وَالْمُنَاسَبَةُ فِي الْمَعَانِي مِنْ أَسْبَابِ الِاسْتِعَارَةِ مِثْلُ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْأَسْبَابِ وَقُلْنَا لَا يَصِحُّ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةُ لِمَا قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ اتِّصَالَ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ.

وَلَا تَصِحُّ‌

‌ الِاسْتِعَارَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَعَانِي

مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا؛ لِأَنَّ طَرِيقَ الِاسْتِعَارَةِ مِنْ قِبَلِ الْمَعَانِي الْمُشَاكِلَةِ فِي الْمَعَانِي الَّتِي هِيَ مِنْ قَبِيلِ الِاخْتِصَاصِ الَّذِي بِهِ يَقُومُ الْمَوْجُودُ فَأَمَّا بِكُلِّ مَعْنًى فَلَا وَهَذَا الطَّرِيقُ مِنْ الْخَصْمِ نَظِيرُ طَرِيقِهِ فِي أَوْصَافِ النَّصِّ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِكُلِّ وَصْفٍ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ أَثَرٍ خَاصٍّ وَقُلْنَا نَحْنُ هُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ يَسْقُطُ فَكَذَلِكَ الِاسْتِعَارَةُ يَقَعُ بِمَعْنًى لَهُ أَثَرُ الِاخْتِصَاصِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الشُّجَاعَ أَسَدًا لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ وَهُوَ الشُّجَاعَةُ فَأَمَّا بِكُلِّ وَصْفٍ فَلَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ (كَشْفَ) الِامْتِحَانِ وَيُصَيِّرُ (10) الْمَوْجُودَاتِ (ثَانِي) فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا مُتَنَاسِبَةٌ

ــ

[كشف الأسرار]

الِاسْتِعَارَةِ فَلِذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ.

قَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) لَا يَجُوزُ اسْتِعَارَةُ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ لِلْعَتَاقِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَجُوزُ وَالْخِلَافُ فِي الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَة سَوَاءٌ حَتَّى لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ وَنَوَى بِهِ الْحُرِّيَّةَ لَا يَعْتِقُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ. قَالَ التَّشَابُهُ وَالتَّشَاكُلُ فِي الْمَعَانِي مِنْ طُرُقِ الِاسْتِعَارَةِ كَالشُّجَاعِ تَسَمَّى أَسَدًا وَالْبَلِيدِ حِمَارًا وَقَدْ ثَبَتَتْ الْمُشَاكَلَةُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي الْمَعْنَى لُغَةً وَشَرْعًا. أَمَّا لُغَةً فَلِأَنَّ

الطَّلَاقَ مَعْنَاهُ التَّخْلِيَةُ وَالْإِرْسَالُ يُقَالُ أَطْلَقْت الْبَعِيرَ أَيْ أَرْسَلْته وَخَلَّيْته وَكَذَا الْعَتَاقُ مَوْضُوعٌ لِهَذَا فَإِنَّهُ يُقَالُ أَعْتَقْت الْعُصْفُورَ وَحَرَّرْته أَيْ أَرْسَلْته.

وَأَمَّا شَرْعًا فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إزَالَةُ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الْإِبْطَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّرَايَةِ فَإِنَّهُ لَوْ طَلَّقَ نِصْفَهَا يَسْرِي إلَى الْكُلِّ وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَهُ يَسْرِي إلَى الْكُلِّ أَيْضًا إذَا كَانَ مُوسِرًا وَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَازِمٌ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَيَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَالْإِيجَابِ فِي الْمَجْهُولِ وَإِذَا ثَبَتَ الِاتِّصَالُ بَيْنَهُمَا مَعْنًى جَازَ اسْتِعَارَةُ الطَّلَاقِ لِلْعَتَاقِ كَمَا جَازَ عَكْسُهُ. (وَقُلْنَا) لَا يَصِحُّ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةُ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ صِحَّتِهَا مُنْحَصِرٌ عَلَى الِاتِّصَالِ ذَاتًا أَوْ مَعْنًى كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَدْ عُدِمَ الِاتِّصَالُ بَيْنَهُمَا ذَاتًا؛ لِأَنَّهُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ مِنْ حَيْثُ السَّبَبِيَّةُ وَانْقِطَاعُ مِلْكِ النِّكَاحِ قَطُّ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِانْقِطَاعِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ كَمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اتِّصَالَ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ لَا يَصْلُحُ طَرِيقًا لِلِاسْتِعَارَةِ وَقَدْ سَلَّمَ الْخَصْمُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا اتِّصَالَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ السَّبَبِيَّةُ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِعَارَةُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَكَذَا عَدَمُ الِاتِّصَالِ بَيْنَهُمَا مَعْنًى لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَامْتَنَعَتْ الِاسْتِعَارَةُ بِالْكُلِّيَّةِ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ اسْقِنِي نَاوِيًا لِلْعِتْقِ.

[الِاسْتِعَارَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَعَانِي]

قَوْلُهُ (مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا) أَيْ ذَكَرْنَاهُ فِي جَانِبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إسْقَاطٌ بُنِيَ عَلَى السِّرَايَةِ وَاللُّزُومِ. هِيَ مِنْ قَبِيلِ الِاخْتِصَاصِ الَّذِي يَقُومُ بِهِ الْمَوْجُودُ أَيْ مِنْ قَبِيلِ الْمَعَانِي الْمُخْتَصَّةِ الَّتِي قِيَامُ الْمَوْجُودِ بِهَا بِحَيْثُ لَوْ زَالَتْ عَنْهُ لَا يَبْقَى الْمَوْجُودُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَا يُرِيدُ بِهِ الْمَعْنَى الدَّاخِلَ فِي الْمَاهِيَّةِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ مَعْنًى هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ وَمُلَازِمٌ لَهُ وَاشْتُهِرَ بِهِ مِثْلُ الشَّجَاعَةِ لِلْأَسَدِ وَالْبَلَادَةِ لِلْحِمَارِ فَإِنَّ قِوَامَهُمَا بِهِمَا يَعْنِي لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُمَا بِدُونِهِمَا. فَأَمَّا بِكُلِّ مَعْنًى فَلَا أَيْ فَأَمَّا الِاسْتِعَارَةُ بِكُلِّ مَعْنًى فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ بِكُلِّ مَعْنًى جَازَتْ اسْتِعَارَةُ الْأَرْضِ لِلسَّمَاءِ وَالْجِدَارِ لِلْإِنْسَانِ بِاعْتِبَارِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْوُجُودِ وَالْحُدُوثِ وَلَا يَتَفَوَّهُ بِهِ عَاقِلٌ. وَلِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَرَبِ وَإِنَّهُمْ اسْتَعَارُوا بِالْمَعْنَى الْمَخْصُوصِ الْمَشْهُورِ وَامْتَنَعُوا عَنْ الِاسْتِعَارَةِ بِالْأَوْصَافِ الْعَامَّةِ فَعُلِمَ أَنَّهَا لَا يَصِحُّ بِكُلِّ مَعْنًى. أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَخَرَ وَالْحُمَّى مِنْ لَوَازِمِ الْأَسَدِ كَالشَّجَاعَةِ وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَشْتَهِرْ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ الْأَسَدُ لِلْأَبْخَرِ وَالْمَحْمُومِ.

وَهَذَا الطَّرِيقُ أَيْ الِاسْتِعَارَةُ بِكُلِّ وَصْفٍ مَشْهُورًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ نَظِيرُ طَرِيقِهِ فِي اعْتِبَارِ أَوْصَافِ النَّصِّ حَيْثُ جَوَّزَ التَّعْلِيلَ بِالْوَصْفِ الْمُؤَثِّرِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ الْوَصْفِ الْمُخَيِّلِ وَالْوَصْفِ الْمُتَعَدِّي وَغَيْرِ الْمُتَعَدِّي وَجَوَّزَ التَّعْلِيلَ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ. هُوَ بَاطِلٌ أَيْ التَّعْلِيلُ بِكُلِّ وَصْفٍ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ النَّاس مُبْتَلَوْنَ بِالِاعْتِبَارِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 2] . فَلَوْ جَازَ التَّعْلِيلُ بِكُلِّ وَصْفٍ لَمْ يَبْقَ لِلِابْتِلَاءِ فَائِدَةٌ وَلَمْ يَبْقَ لِلْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ فَضْلٌ وَلَقَاسَ كُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ بِأَيِّ وَصْفٍ شَاءَ

ص: 73

وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الطَّلَاقِ مَا وُضِعَ لَهُ اسْمُهُ وَمَا احْتَمَلَهُ مَحِلُّهُ وَهُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ عِبَارَةٌ عَنْهُ وَالنِّكَاحُ لَا يُوجِبُ حَقِيقَةَ الرِّقِّ وَلَا يَسْلُبُ الْمَالِكِيَّةَ وَإِنَّمَا يُوجِبُ قَيْدًا فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا إطْلَاقَ الْقَيْدِ وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَإِثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ لُغَةً يُقَالُ عَتَقَ الطَّيْرُ إذَا قَوِيَ وَطَارَ عَنْ وَكْرِهِ وَمِنْهُ عَتَاقُ الطَّيْرِ.

وَيُقَالُ عَتَقَتْ الْبِكْرُ إذَا أَدْرَكَتْ وَهَذَا شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَكَذَلِكَ الرِّقُّ ثَابِتٌ عَلَى الْكَمَالِ وَسُلْطَانُ الْمَالِكِيَّةِ سَاقِطٌ فَصَحَّ الْإِعْتَاقُ إثْبَاتًا وَلَيْسَ بَيْنَ إزَالَةِ الْقَيْدِ لِتَعْمَلَ الْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ عَمَلَهَا وَبَيْنَ إثْبَاتِهَا بَعْدَ الْعَدَمِ مُشَابَهَةٌ كَمَا لَيْسَ بَيْنَ إحْيَاءِ الْمَيِّتِ وَبَيْنَ إطْلَاقِ الْحَيِّ مُشَابَهَةٌ

ــ

[كشف الأسرار]

وَبُطْلَانُهُ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ.

وَذَلِكَ يُبْطِلُ الِامْتِحَانَ أَيْ الِاسْتِعَارَةَ بِكُلِّ وَصْفٍ يُبْطِلُ الِامْتِحَانَ فَإِنَّ الْمَجَازَ طَرِيقٌ وُضِعَ يَزْدَادُ الْكَلَامُ بِهِ حُسْنًا وَطَرَاوَةً وَبَهْجَةً وَفَصَاحَةً وَيَتَمَيَّزُ الذَّكِيُّ مِنْ الْغَبِيِّ فِي إبْدَاعِ الِاسْتِعَارَاتِ وَالتَّعْرِيضَاتِ وَاسْتِخْرَاجِ غَرَائِبِ التَّشْبِيهَاتِ فَلَوْ جَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ بِكُلِّ وَصْفٍ لَزَالَ حُسْنُ الْكَلَامِ وَذَهَبَتْ طَرَاوَتُهُ وَصَارَ الْمَجَازُ مِنْ عُيُوبِ الْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ مَحَاسِنِهِ وَلَاسْتَوَى الْبَلِيغُ الْمَاهِرُ فِي فُنُونِ الْكَلَامِ الْعَالِمُ بِجِهَاتِ الْفَصَاحَةِ وَمَنْ لَمْ يَشُمَّ رَائِحَةً مِنْهَا وَغَفَلَ عَنْ لَطَائِفِهَا وَهُوَ خِلَافُ الْعَقْلِ وَالْإِجْمَاعِ.

قَوْلُهُ (وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْ الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ وَهُوَ الْمُشَاكَلَةُ فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ الْمَشْهُورِ الَّذِي وُضِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الطَّلَاقِ رَفْعُ الْقَيْدِ لُغَةً وَشَرْعًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ مَا وُضِعَ لَهُ اسْمُهُ وَمَا احْتَمَلَهُ مَحَلُّهُ. أَمَّا لُغَةً فَلِأَنَّ مَعْنَاهُ التَّخْلِيَةُ وَالْإِرْسَالُ يُقَالُ أَطْلَقَ الْمُقَيَّدَ وَالْمَسْجُونَ إذَا خَلَّى سَبِيلَهُ وَأَرْسَلَهُ وَأَطْلَقَ الْبَعِيرَ إذَا رَفَعَ عِقَالَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ.

وَمِنْهُ أَطْلَقْت الْأَسِيرَ إذَا حَلَلْت إسَارَهُ وَخَلَّيْت عَنْهُ وَالتَّرْكِيبُ يَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ وَالِانْحِلَالِ. أَمَّا شَرْعًا فَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُوجِبُ الرِّقَّ حَقِيقَةً وَلَا يَسْلُبُ الْمَالِكِيَّةَ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ لَهَا بَعْدَ النِّكَاحِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا بَقِيَتْ أَهْلًا لِلشَّهَادَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ، وَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لَهَا لَا لِلزَّوْجِ لَكِنَّهَا صَارَتْ مَحْبُوسَةً بِحَقِّ الزَّوْجِ مُقَيَّدَةً شَرْعًا حَتَّى لَمْ يَحِلَّ لَهَا الْخُرُوجُ وَالْبُرُوزُ بِدُونِ إذْنِهِ وَلَمْ يَحِلَّ لَهَا تَزْوِيجُ نَفْسِهَا مِنْ أَحَدٍ فَالطَّلَاقُ يُزِيلُ الْحَبْسَ وَيَرْفَعُ الْقَيْدَ الَّذِي أَثْبَتَهُ النِّكَاحُ عَنْهَا فَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الَّذِي احْتَمَلَهُ الْمَحَلُّ لَا غَيْرُ. وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام.

قَالَ «النِّكَاحُ رِقٌّ» . مَحْمُولٌ عَلَى ضَرْبِ مِلْكٍ ثَبَتَ بِالنِّكَاحِ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيمَا ذَكَرْنَا لَا عَلَى حَقِيقَتِهِ. فَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَإِثْبَاتُ الْقُوَّةِ لُغَةً وَشَرْعًا أَمَّا لُغَةً فَلِأَنَّهُ يُقَالُ عَتَقَ الْفَرْخُ إذَا قَوِيَ حَتَّى طَارَ عَنْ وَكْرِهِ وَمِنْهُ عَتَاقُ الطَّيْرِ لِكَوَاسِبِهَا مِثْلُ الصَّقْرِ وَالْبَازِي لِزِيَادَةِ قُوَّةٍ وَغَلَبَةٍ فِيهَا وَهُوَ جَمْعُ عَتِيقٍ وَيُقَالُ عَتَقَتْ الْبِكْرُ إذَا أَدْرَكَتْ وَقَوِيَتْ.

وَهَذَا شَائِعٌ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُنْتَشِرٌ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَأَمَّا شَرْعًا فَلِأَنَّ الرِّقَّ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الْمَوْتِ ثَابِتٌ عَلَى الْكَمَالِ، وَسُلْطَانُ الْمَالِكِيَّةِ أَيْ تَسَلُّطُهَا سَاقِطٌ أَيْ مَعْدُومٌ حَتَّى الْتَحَقَ الْمَرْقُوقُ بِالْبَهَائِمِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَهَادَةٌ وَلَا وِلَايَةٌ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ إحْيَاءً لَهُ وَإِثْبَاتًا لِلْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِيهِ وَلَيْسَ بَيْنَ إزَالَةِ الْقَيْدِ لِيَعْمَلَ الْقُوَّةَ الثَّابِتَةَ عَمَلَهَا وَبَيْنَ إثْبَاتِ الْقُوَّةِ بَعْدَمَا عُدِمَتْ مُشَابَهَةٌ كَمَا لَيْسَ بَيْنَ إحْيَاءِ الْمَيِّتِ وَبَيْنَ إطْلَاقِ الْحَيِّ مُشَابَهَةٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ احْتِجَاجُ نُمْرُودَ اللَّعِينِ بِقَوْلِهِ {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258] فِي مُحَاجَّتِهِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام حَيْثُ جَعَلَ رَفْعَ الْقَيْدِ عَنْ الْمَحْبُوسِ مُعَارِضًا لِلْإِحْيَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ امْتَنَعَتْ الِاسْتِعَارَةُ لِانْسِدَادِ طَرِيقِهَا بِالْكُلِّيَّةِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ بِإِثْبَاتِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْوِلَايَةِ بَلْ هُوَ إزَالَةُ الْمَانِعِ كَالطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَالِكِيَّةَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا فَإِنَّهُ خُلِقَ حُرًّا مَالِكًا فِي الْأَصْلِ وَحُلُولُ الرِّقِّ فِيهِ يَمْنَعُ الْقُوَّةَ كَالنِّكَاحِ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ إزَالَةَ الْمَانِعِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشُّرُوطِ وَالْإِثْبَاتَاتِ لَا تَعَلُّقٌ بِالشُّرُوطِ.

(قُلْنَا) بَلْ الْإِعْتَاقُ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ بِسَبَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ أَصْلًا

ص: 74

فَمَا هَذَا إلَّا كَمَنْ اسْتَعَارَ الْحِمَارَ لِلذَّكِيِّ وَالْأَسَدَ لِلْجَبَانِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْتَعَارَ الْبَيْعُ لِلْإِجَارَةِ كَمَا لَا يُسْتَعَارُ الْإِجَارَةُ لِلْبَيْعِ وَمِلْكُ الْمَنْفَعَةِ تَابِعٌ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ قِيلَ لَهُ قَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَالْإِجَارَةُ تَنْعَقِدُ بِهِ وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي الْحُرِّ تَقُولُ بِعْت نَفْسِي مِنْك شَهْرًا بِدِرْهَمٍ لِعَمَلِ كَذَا وَهَذَا جَائِزٌ فَأَمَّا إذَا قَالَ بِعْت مِنْك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا لَمْ يَجُزْ كَذَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصُّلْحِ وَهَذَا لَيْسَ لِفَسَادِ الِاسْتِعَارَةِ لَكِنْ لِفَسَادٍ فِي الْمَحَلِّ

ــ

[كشف الأسرار]

وَتَثْبُتُ بِالْعِتْقِ ابْتِدَاءً، وَلِهَذَا صَارَ مَنْسُوبًا إلَى الْعِتْقِ بِالْوَلَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَحْيَاهُ مَعْنًى.

وَقَوْلُهُ عِلَّةُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْوِلَايَاتِ كَوْنُهُ آدَمِيًّا غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ الْعِلَّةُ كَوْنُهُ حُرًّا وَقَدْ زَالَتْ الْحُرِّيَّةُ بِالْكُلِّيَّةِ بِحُلُولِ الرِّقِّ فَبِالْإِعْتَاقِ تَثْبُتُ مَالِكِيَّةٌ أُخْرَى جَدِيدَةٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ إثْبَاتًا فَنَقُولُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْإِثْبَاتِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ بِالشَّرْطِ أَمَّا الْإِثْبَاتُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ فَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ كَذَا (فَإِنْ قِيلَ) مَا ذَكَرْتُمْ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِنَّ عِنْدَهُمَا الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْعِتْقِ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ عِنْدَهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَسْأَلَةِ تَحَرِّي الْإِعْتَاقِ وَإِذَا كَانَ الْإِعْتَاقُ إسْقَاطًا عِنْدَهُ كَانَ مُشَابِهًا لِلطَّلَاقِ مَعْنًى فَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ الطَّلَاقُ لَهُ.

(قُلْنَا) الْإِعْتَاقُ عِنْدَهُ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ أَيْضًا لَكِنْ بِوَاسِطَةِ إزَالَةِ الْمِلْكِ فَكَانَ فِيهِ مَعْنَى الْإِثْبَاتِ وَالْإِسْقَاطِ جَمِيعًا أَمَّا الطَّلَاقُ فَإِسْقَاطٌ مَحْضٌ فَلَا يَثْبُتُ التَّشَابُهُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ فَيَمْتَنِعُ الِاسْتِعَارَةُ قَوْلُهُ (فَمَا هَذَا إلَّا كَمَنْ اسْتَعَارَ الْحِمَارَ لِلذَّكِيِّ وَالْأَسَدَ لِلْجَبَانِ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحِمَارَ إنَّمَا يُسْتَعَارُ لِلْبَلِيدِ وَالْأَسَدَ لِلشُّجَاعِ لِلْمُنَاسِبَةِ بَيْنَ الْمَحَلَّيْنِ فِي الْبَلَادَةِ وَالشَّجَاعَةِ فَاسْتِعَارَةُ الْحِمَارِ لِلذَّكِيِّ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْبَلِيدِ وَالْأَسَدِ لِلْجَبَانِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الشُّجَاعِ تَكُونُ الِاسْتِعَارَةُ فِيمَا لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِ أَصْلًا وَهُوَ قَلْبُ الْمَعْقُولِ وَخِلَافُ الْمَوْضُوعِ. الثَّانِي أَنَّ لِلْحِمَارِ نَوْعُ ذَكَاءٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا مَشَى فِي طَرِيقٍ أَوْ اعْتَلَفَ شَعِيرًا فِي مَكَان يَعْرِفُ ذَلِكَ الطَّرِيقَ وَالْمَوْضِعَ بَعْدَ مُدَّةٍ حَتَّى لَوْ ضَلَّ صَاحِبَهُ الطَّرِيقَ وَأَرْخَى حَبْلَهُ يُخْرِجُهُ إلَى الطَّرِيقِ وَلَوْ أَخْفَى شَيْئًا فِي الْمَفَازَةِ وَقَدْ عَلَفَ حِمَارَهُ شَعِيرًا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ثُمَّ نَسِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ يَهْدِيه حِمَارُهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إذَا أَرْخَى رَسَنَهُ وَلِلْجَبَانِ نَوْعُ شَجَاعَةٍ وَهُوَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فَارًّا مِنْ الْقِتَالِ وَلَكِنَّهُ إذَا أَقْبَلَ عَلَى الْقِتَالِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ يُقَاتِلُ قِتَالًا شَدِيدًا لَا يُقَاتِلُ غَيْرُهُ مِثْلَهُ فَاسْتِعَارَةُ الْحِمَارِ وَالْأَسَدِ لِلذَّكِيِّ وَالْجَبَانِ بِاعْتِبَارِ هَذَيْنِ الْمُعْتَبَرَيْنِ فَاسِدَةٌ لِكَوْنِهِمَا غَيْرَ مَشْهُورَيْنِ فَكَذَا اسْتِعَارَةُ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ لِلْعَتَاقِ بِالْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرَهَا الْخَصْمُ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مَشْهُورَةٍ.

قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ رحمه الله فِي الْأَسْرَارِ فَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي مَسْأَلَةِ الْعَتَاقِ تَشَاكُلَ الْمَعَانِي بَيْنَ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَتَبَايُنُ الْمَعَانِي بَيْنَ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ وَالتَّزْوِيجِ فَإِنَّ التَّزْوِيجَ لِلْوَصْلِ عَلَى سَبِيلِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالتَّمْلِيكُ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ كُلِّهِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِلَا حَظٍّ لِلْمَمْلُوكِ فِي الْمَالِكِيَّةِ بِوَجْهٍ وَإِنَّهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا اعْتَبَرَهُ إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَا الِاسْتِعَارَةَ فِي بَابِ النِّكَاحِ لِاتِّصَالٍ بَيْنَهُمَا سَبَبًا مَتَى كَانَ حُكْمُ النِّكَاحِ وُقُوعَ مِلْكٍ عَلَى الْمَرْأَةِ قَبْلَ فِعْلِ التَّمَتُّعِ وَإِنْ افْتَرَقَتْ الْمَعَانِي وَهُوَ طَرِيقٌ كَتَشَاكُلِ الْمَعَانِي وَلَمْ نُجَوِّزْ فِي بَابِ الْعَتَاقِ لِانْعِدَامِ السَّبَبِيَّةِ وَافْتِرَاقِ الْمَعَانِي فَمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَحَقُّ وَأَدَقُّ وَذَلِكَ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا السُّؤَالُ وَارِدٌ عَلَى جَوَابِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ وَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ قَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ اسْتِعَارَةَ السَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ تَجُوزُ وَكَمَا أَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فَهُوَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَكُمْ اسْتِعَارَةُ الْبَيْعِ لِلْإِجَارَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ بِعْت عَبْدِي شَهْرًا بِدِرْهَمٍ أَوْ بِعْتُك

ص: 75

لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا يَصْلُحُ مَحَلًّا لِلْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْدُومٌ لَيْسَ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ حَتَّى لَوْ أَضَافَ إلَيْهَا الْإِجَارَةَ لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ فِيمَا يُسْتَعَارُ لَهَا وَلَكِنَّ الْعَيْنَ أُقِيمَتْ مُقَامَهَا فِي حَقِّ الْإِضَافَةِ فِي الْأَصْلِ فَكَذَلِكَ مَا يُسْتَعَارُ لَهَا وَصَارَ هَذَا كَالْبَيْعِ يُسْتَعَارُ لِلنِّكَاحِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَهِيَ الْمُحَرَّمُ مِنْ النِّسَاءِ فَيَثْبُتُ أَنَّ فَسَادَهُ إضَافَةً إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ.

مِنْ أَحْكَامِ هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ خَلَفٌ عَنْ الْحُكْمِ بَيَانُهُ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَهُوَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْهُ هَذَا ابْنِي لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يَنْعَقِدْ لِمَا وُضِعَ لَهُ أَصْلًا فَصَارَ لَغْوًا لَا حُكْمَ لَهُ فَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِمَجَازِهِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْهُ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَمِنْ شَرْطِ الْخَلَفِ أَنْ يَنْعَقِدَ السَّبَبُ لِلْأَصْلِ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَامْتَنَعَ وُجُودُهُ بِعَارِضٍ كَمَنْ حَلَفَ لَيَمَسَّنَّ السَّمَاءَ أَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ لِلْبِرِّ لِاحْتِمَالِ وُجُودِهِ فَانْعَقَدَتْ لِلْكَفَّارَةِ خَلَفًا عَنْهُ فَأَمَّا الْغَمُوسُ فَلَمْ يَنْعَقِدُ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ فَلَا يَنْعَقِدُ لِخَلَفِهِ وَهَذَا نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْغَمُوسِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (الِاسْتِعَارَةُ) رحمه الله

ــ

[كشف الأسرار]

نَفْسِي مُرِيدًا لِلْإِجَارَةِ لَا يَصِحُّ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَصْلُحَ اسْتِعَارَةُ الْبَيْعِ لِلنِّكَاحِ أَيْضًا فَمَنَعَ الشَّيْخُ مَا ذَكَرَهُ هَذَا السَّائِلَ أَوَّلًا وَقَالَ لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الِانْعِقَادِ بِهِ بَلْ الْإِجَارَةُ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ. ثُمَّ سَلَّمَ جَوَابَ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ جَوَابُهُمْ مُطْلَقًا شَامِلًا لِجَمِيعِ الصُّوَرِ فَقَالَ.

وَذَلِكَ أَيْ انْعِقَادُ الْإِجَارَةِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْحُرِّ إذَا قَالَ بِعْت نَفْسِي مِنْك شَهْرًا بِدِرْهَمٍ لِعَمَلِ كَذَا يَعْنِي إذَا أَضَافَ الْبَيْعَ إلَى نَفْسِهِ دُونَ مَنَافِعِهِ وَبَيَّنَ الْمُدَّةَ وَالْعَمَلَ وَالْأُجْرَةَ فَإِنْ تَرَكَ وَاحِدًا مِنْهَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ كَمَا فِي صَرِيحِ الْإِجَارَةِ.

وَأَجَابَ عَنْ غَيْرِهِ هَذِهِ الصُّورَةَ فَقَالَ لَا تَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا لِخَلَلٍ فِي الِاسْتِعَارَةِ وَلَكِنْ لِمَعْنًى آخَرَ يَمْنَعُ مِنْ الِانْعِقَادِ. وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ أُضِيفَ الْبَيْعُ إلَى الْمَنْفَعَةِ أَوْ إلَى الْعَيْنِ فَإِنْ أُضِيفَ إلَى الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ قَالَ بِعْت مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ مَنَافِعَ هَذَا الْعَبْدِ مِنْك بِعَشَرَةٍ شَهْرًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ.

وَلَوْ ادَّعَى شِقْصًا فِي دَارِ فِي يَدِ رَجُلٍ فَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى سُكْنَى بَيْتٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ مَعْلُومٍ عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ.

وَلَوْ آجَرَهُ مِنْ الَّذِي صَالَحَهُ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَوْ آجَرَهُ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ.

وَلَوْ بَاعَ هَذَا السُّكْنَى بَيْعًا مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ السُّكْنَى وَإِنْ ذَكَرَ فِي التَّقْوِيمِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ إجَارَةً وَلَكِنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ لِلْإِضَافَةِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَ فِي الْكِتَابِ لَا لِخَلَلٍ فِي الِاسْتِعَارَةِ. وَإِنْ أُضِيفَ إلَى الْعَيْنِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَذْكُرَ الْمُدَّةَ أَوْ لَا.

فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ بِأَنْ قَالَ بِعْت عَبْدِي مِنْك بِعَشَرَةٍ فَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بَيْعًا لِإِضَافَتِهِ إلَى مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلْبَيْعِ وَإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَعَدَمِ إمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْإِجَارَةُ لِفَقْدِ الشَّرْطِ وَهُوَ بَيَانُ الْمُدَّةِ.

وَإِنْ ذَكَرَ الْمُدَّةَ بِأَنْ قَالَ بِعْت مِنْك عَبْدِي شَهْرًا بِعَشَرَةٍ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ إجَارَةً إذَا سَمَّى جِنْسَ الْعَمَلِ مَعَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ بِعْت مِنْك عَبْدِي شَهْرًا بِعَشَرَةٍ لِعَمَلِ كَذَا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ الْإِجَارَةَ بَيْعًا فَعَلَى ذَلِكَ التَّعَارُفِ يَجُوزُ وَإِذَا جَازَ فِي تَعَارُفِ أَهْلِ اللِّسَانِ بِبَلَدٍ جَازَ فِي غَيْرِهِ إذَا اتَّفَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ. وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ إجَارَةً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ فِي قَوْلِهِ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْحُرِّ. وَيَنْعَقِدُ بَيْعًا صَحِيحًا لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ بِصَرْفِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ إلَى تَأْجِيلِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُدَّةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ إنَّمَا يَكُونُ لِتَأْجِيلِ الثَّمَنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ بِعْتُك إلَى شَهْرٍ لَا لِتَوْقِيتِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّوْقِيتَ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ بَيْعًا فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَإِنْ كَانَتْ قَاصِرَةً أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ بَيْعٌ حَقِيقَةً وَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْإِجَارَةُ.

قَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا يَصْلُحُ مَحَلًّا لِلْإِضَافَةِ) أَيْ لِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا. لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْ الْمَذْكُورَ وَهِيَ الْمَنْفَعَةُ مَعْدُومَةٌ لَيْسَ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ أَيْ لَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ إيجَادُهَا أَوْ لَيْسَتْ هِيَ دَاخِلَةً فِيمَا هُوَ مَقْدُورُ الْبَشَرِ. حَتَّى لَوْ أَضَافَ إلَيْهَا الْإِجَارَةَ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ مَا يُسْتَعَارُ لَهَا أَيْ لِلْإِجَارَةِ وَهُوَ الْبَيْعُ إذَا أُضِيفَ إلَيْهَا لَا يَجُوزُ. فِي الْأَصْلِ أَيْ فِي حَقِيقَةِ الْإِجَارَةِ.

فَكَذَلِكَ مَا يُسْتَعَارُ لَهَا أَيْ فَكَالْأَصْلِ الْمُسْتَعَارِ فِي احْتِيَاجِهِ إلَى الْمَحَلِّ فَيُقَامُ الْعَيْنُ فِيهِ مُقَامَ الْمَنْفَعَةِ لِيَصِحَّ

ص: 76