الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ تَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ؛ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ مُبْهَمَةً فِي ذَوَاتِ مَنْ يَعْقِلُ مِثَالُهُ مَا قَالَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَنْ دَخَلَ مِنْكُمْ هَذَا الْحِصْنَ أَوَّلًا فَلَهُ مِنْ النَّفْلِ كَذَا فَدَخَلَ وَاحِدٌ فَلَهُ النَّفَلُ وَإِنْ دَخَلَ اثْنَانِ مَعًا فَصَاعِدًا بَطَلَ النَّفَلُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِلْفَرْدِ السَّابِقِ فَلَمَّا قَرَنَهُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوصِ فَتَعَيَّنَ بِهِ احْتِمَالُ الْخُصُوصِ وَسَقَطَ الْعُمُومُ فَلَمْ يَجِبْ النَّفَلُ إلَّا لِوَاحِدٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَمْ يُوجَدْ.
وَقِسْمٌ آخَرُ وَهِيَ
كَلِمَةُ كُلٍّ
وَهِيَ لِلْإِحَاطَةِ عَلَى سَبِيلِ الْأَفْرَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] وَمَعْنَى الْأَفْرَادِ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ مُسَمًّى مُنْفَرِدًا لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَهَذَا مَعْنًى ثَبَتَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ لُغَةً فِيمَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ كَأَنَّهَا صِلَةٌ حَتَّى لَمْ تُسْتَعْمَلْ مُفْرَدَةً
ــ
[كشف الأسرار]
السُّؤَالِ أَنَّ الْوَصْفَ لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْمَذْكُورِ وَمَعْنَى الْمَفْعُولِيَّةِ لَيْسَتْ بِمَذْكُورٍ وَلَوْ صَارَ مَذْكُورًا إنَّمَا يَصِيرُ مَذْكُورًا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْمِيمُ. عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا وُصِفَتْ بِالْمَفْعُولِيَّةِ بَلْ الْمَوْصُوفُ بِهَا الْعِتْقُ فِي قَوْلِهِ عِتْقَهُ فَلَا يَرِدُ هَذَا السُّؤَالُ.
قَوْلُهُ (وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ) لَمَّا بَيَّنَ عُمُومَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ احْتِمَالِ خُصُوصِهَا فَقَالَ وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ أَيْ كَلِمَةُ مَنْ تَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ؛ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ مُبْهَمَةً فِي ذَوَاتِ مَنْ يَعْقِلُ فَيَقَعُ لِإِبْهَامِهَا عَلَى الْفَرْدِ وَالْجَمْعِ كَمَا أَنَّ النَّكِرَةَ تَصْلُحُ لِإِبْهَامِهَا أَنْ تَقَعَ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ. مَعْنَى الْإِبْهَامِ فِيهَا أَنَّهَا تُذْكَرُ مَرَّةً لِلْعُمُومِ وَأُخْرَى لِلْخُصُوصِ وَلَيْسَتْ لِلْعُمُومِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ كَرِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَلَا لِلْخُصُوصِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو فَصَارَتْ مُبْهَمَةً كَذَا ذَكَرَ فِي الشُّرُوحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. بَلْ مَعْنَى الْإِبْهَامِ فِيهَا وَفِي أَمْثَالِهَا أَنَّهَا تَقَعُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ وَشَيْءٍ لَا عَلَى مُعَيَّنٍ وَأَنَّهَا لَا تُفْهَمُ بِذَوَاتِهَا وَإِنَّمَا تُفْهَمُ بِصِلَاتِهَا الدَّاخِلَةِ عَلَيْهَا فَيَصِيرُ مَعَ صِلَتِهَا كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَهِيَ وُضِعَتْ لِذَوَاتِ مَنْ يَعْقِلُ لَا غَيْرُ عَلَيْهِ إجْمَاعُ أَهْلِ اللُّغَةِ حَتَّى لَوْ قِيلَ مَنْ فِي الدَّارِ فَجَوَابُهُ زَيْدٌ أَبُو بَكْرٍ أَوْ خَالِدٌ وَلَوْ قِيلَ فَرَسٌ أَوْ شَاةٌ كَانَ مُخْطِئًا فِي الْجَوَابِ. مِثَالُهُ احْتِمَالُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْخُصُوصَ. الْأَوَّلُ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَكَلِمَةُ مَنْ تَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ كَمَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا الْعُمُومَ فَلَمَّا جَمَعَهَا فِي كَلَامِهِ حُمِلَ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الصَّرِيحِ فَسَقَطَ الْعُمُومُ عَنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِ فَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ النَّفَلَ إلَّا وَاحِدٌ دَخَلَ سَابِقًا عَلَى الْجَمَاعَةِ فَإِذَا دَخَلَهُ اثْنَانِ سَقَطَ النَّفَلُ لِفَوَاتِ الْوَحْدَةِ وَكَذَا إذَا دَخَلَ بَعْدَهُ وَاحِدٌ لِفَوَاتِ السَّبَقِ.
[كَلِمَةُ كُلٍّ]
قَوْلُهُ (وَقِسْمٌ آخَرُ) أَيْ مِنْ أَقْسَامِ الْعَامِّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ كَلِمَةُ كُلٍّ. وَكَأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْإِكْلِيلِ الَّذِي هُوَ مُحِيطٌ بِجَوَانِب الرَّأْسِ فَلِذَلِكَ يُوجِبُ الْإِحَاطَةَ وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَإِذَا قَالَ لِرَجُلَيْنِ لَكُمَا عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَلْفُ لَهُمَا وَلَوْ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَلْزَمُ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ. وَهِيَ مِنْ الْأَسْمَاءِ اللَّازِمَةِ الْإِضَافَةِ، وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ إلَّا عَلَى الْأَسْمَاءِ إذْ الْإِضَافَةُ مَنْ خَصَائِصِ الِاسْمِ فَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى مَعْرِفَةٍ تُوجِبُ إحَاطَةَ الْأَجْزَاءِ وَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى نَكِرَةٍ تُوجِبُ إحَاطَةَ الْإِفْرَادِ فَيَصِحُّ قَوْلُ الرَّجُلِ كُلُّ التُّفَّاحِ حَامِضٌ أَيْ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ كَذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ كُلُّ تُفَّاحٍ حَامِضٌ لِحَلَاوَةِ بَعْضٍ مِنْهُ.
وَإِذَا ضُمِّنَتْ مَعْنَى الشَّرْطِ يُؤْتَى بِفِعْلٍ بَعْدَ الِاسْمِ الْمُضَافِ إلَيْهِ كُلُّ صِفَةٍ لَهُ لِيَصْلُحَ لِلشَّرْطِيَّةِ إذْ الِاسْمُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلشَّرْطِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَرَدِّدًا وَذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَسْمَاءِ.
قَوْلُهُ (وَهَذَا مَعْنًى) أَيْ الْإِحَاطَةُ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ مَعْنًى ثَبَتَ بِكَلِمَةِ كُلٍّ فِيمَا أُضِيفَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ إلَيْهِ. يَعْنِي أَثَرَ عُمُومِهِ يَظْهَرُ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ فَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى مَعْرِفَةٍ يُوجِبُ الْعُمُومَ فِيهَا بِإِحَاطَةِ أَجْزَائِهَا لَا فِي غَيْرِهَا وَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى نَكِرَةٍ تُوجِبُ الْعُمُومَ فِيهَا بِإِحَاطَةِ إفْرَادِهَا لَا فِي غَيْرِهَا فَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ دَخَلَ الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ يَثْبُتُ الْعُمُومُ فِي الْعَبِيدِ دُونَ الْإِمَاءِ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْطِ كُلَّ رَجُلٍ مِنْ هَؤُلَاءِ دِرْهَمًا يُوجِبُ الْعُمُومَ فِيهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ وَكَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ يُوجِبُ الْعُمُومَ فِي الْمَرْأَةِ لَا فِي التَّزَوُّجِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مَرَّتَيْنِ لَا تَطْلُقُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ.
وَهِيَ تَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ أَيْضًا وَهِيَ مِثْلُ كَلِمَةِ وَمَنْ إلَّا أَنَّهَا عِنْدَ الْعُمُومِ تُخَالِفُهَا فِي إيجَابِ الْأَفْرَادِ فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّكِرَةِ أَوْجَبَتْ الْعُمُومَ مِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ كُلُّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَلَا تَصْحَبُ الْأَفْعَالَ إلَّا بِصِلَةٍ فَإِذَا وُصِلَتْ أَوْجَبَتْ عُمُومَ الْأَفْعَالِ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ سبحانه وتعالى كُلَّمَا {نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56] .
وَعَلَى هَذَا مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا وَبَيَانُ مَا قُلْنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ كَلِمَةِ كُلِّ وَمَنْ فِيمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَنْ دَخَلَ مِنْكُمْ هَذَا الْحِصْنَ أَوَّلًا فَلَهُ مِنْ النَّفْلِ كَذَا فَدَخَلَ جَمَاعَةٌ بَطَلَ النَّفَلُ وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَنْ دَخَلَ مِنْكُمْ هَذَا الْحِصْنَ إلَّا فَلَهُ كَذَا فَدَخَلَ عَشَرَةٌ مَعًا وَجَبَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ النَّفَلَ كَامِلًا عَلَى حِيَالِهِ لِمَا قُلْنَا إنَّهُ يُوجِبُ الْإِحَاطَةَ عَلَى سَبِيلِ الْأَفْرَادِ فَاعْتُبِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِيَالِهِ وَهُوَ أَوَّلٌ فِي حَقِّ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ النَّاسِ وَفِي كَلِمَةِ مَنْ وَجَبَ اعْتِبَارُ جَمَاعَتِهِمْ وَذَلِكَ يُنَافِي الْأَوَّلِيَّةَ وَلَوْ دَخَلَ الْعَشَرَةُ فُرَادَى فِي مَسْأَلَةٍ كُلٍّ كَانَ النَّفَلُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَوَّلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهِيَ تَحْتَمِلُ (كَشْفَ) الْخُصُوصِ فَسَقَطَ عَنْهَا الْإِحَاطَةُ وَصَارَتْ (ثَانِي) لِلْخُصُوصِ.
وَقِسْمٌ آخَرُ كَلِمَةُ الْجَمِيعِ
ــ
[كشف الأسرار]
ثُمَّ ثَبَتَ الْعُمُومُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ الْعُمُومِ فِي ذَاتِهِ كَمَا فِي قَوْلِك رِجَالٌ وَنِسَاءٌ وَقَوْمٌ وَرَهْطٌ كَانَ مُشَابِهًا لِلْحَرْفِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ دَلَّ عَلَى مَعْنَى فِي غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ تَنْفَكَّ هَذِهِ الْكَلِمَةُ عَنْ الْإِضَافَةِ كَمَا أَنَّ الْحَرْفَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ يَصْحَبُهُ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ كَأَنَّهَا صِلَةٌ أَيْ حَرْفٌ حَيْثُ لَمْ تُسْتَعْمَلْ مُفْرَدَةً أَيْ بِدُونِ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَوْ بَدَلٌ فَلَا يُقَالُ كُلٌّ جَاءُوا وَإِنَّمَا يُقَالُ كُلُّ الْقَوْمِ جَاءُوا أَوْ كُلٌّ جَاءُوا.
قَوْلُهُ (وَهِيَ تَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ) مِثْلُ كَلِمَةِ مَنْ حَتَّى لَوْ قِيلَ كُلُّ مَنْ دَخَلَ مِنْكُمْ هَذَا الْحِصْنَ أَوَّلًا فَلَهُ كَذَا فَدَخَلَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى الْوَلَاءِ كَانَ النَّفَلُ لِلْأَوَّلِ لَا لِغَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَلَا تَصْحَبُ الْأَفْعَالَ أَيْ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا إلَّا بِصِلَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةُ الْإِضَافَةِ وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَسْمَاءِ فَلَا تَدْخُلُ عَلَى الْأَفْعَالِ. فَإِذَا وُصِلَتْ أَيْ دَخَلَتْهَا الصِّلَةُ وَهِيَ كَلِمَةُ مَا. أَوْجَبَتْ عُمُومَ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ عُمُومَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ. وَكَلِمَةُ مَا هَذِهِ لِلْجَزَاءِ ضُمَّتْ إلَى كُلٍّ فَصَارَتْ أَدَاةً لِتَكْرَارِ الْفِعْلِ وَنُصِبَ كُلٌّ عَلَى الظَّرْفِ وَالْعَامِلُ فِيهِ الْجَوَابُ كَذَا فِي عَيْنِ الْمَعَانِي وَغَيْرِهِ. وَرَأَيْت فِي كِتَابِ بَيَانِ حَقَائِقِ حُرُوفِ الْمَعَانِي أَنَّ مَا مَعَ الْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ الَّذِي يَقَعُ بَعْدَ كُلٍّ وَكُلُّ مُضَافٍ إلَى ذَلِكَ الِاسْمِ فِي التَّقْدِيرِ فَإِذَا قُلْت كُلَّمَا تَأْتِنِي أُكْرِمُك مَعْنَاهُ كُلُّ إتْيَانٍ يَحْصُلُ مِنْك لِي أُكْرِمُك وَالْمَصْدَرُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْقِعِ يُرَادُ بِهِ وَقْتُ وُقُوعِ الْفِعْلِ تَقُولُ أَقُومُ هَهُنَا مَا دَامَ زَيْدٌ جَالِسًا أَيْ دَوَامُ زَيْدٍ جَالِسًا وَتُرِيدُ بِالدَّوَامِ وَقْتَ الدَّوَامِ.
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ مَعْنَاهُ وَقْتَ تَدْخُلِينَ فِيهَا فَكُلُّ مُضَافٍ إلَى وَقْتِ الدُّخُولِ وَالْوَقْتُ ظَرْفٌ فَكَانَ كُلُّ ظَرْفًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ أَبَدًا وَالْعَامِلُ فِيهِ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ الْجَزَاءُ وَهُوَ أُكْرِمُك فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْفِعْلِ مِثْلُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فِي الْمِثَالِ الْآخَرِ.
قَوْلُهُ (وقَوْله تَعَالَى {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56] قَالَ الْعَلَّامَةُ إمَامُ الْأَئِمَّةِ مَوْلَانَا حَافِظُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ بُحْبُوحَةَ جِنَانِهِ، التَّبْدِيلُ تَغْيِيرُ الصِّفَةِ كَمَا يُقَالُ بَدَّلْت الْقَمِيصَ قَبَاءً وَقَالَ تَعَالَى. {تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} [إبراهيم: 48] . أَيْ تُسَوَّى غِيطَانُهَا بِآكَامِهَا فَلَا يَلْزَمُ تَعْذِيبُ غَيْرِ الْمُجْرِمِ وَالنَّضِيجُ إذَا أُعِيدَ نِيًّا لَا يَكُونُ غَيْرَهُ فَكَانَتْ الْغَيْرِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ رَاجِعَةً إلَى الصِّفَةِ لَا إلَى الذَّاتِ. وَعَلَى هَذَا مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا أَيْ عَلَى أَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ تُوجِبُ الْعُمُومَ فِي النَّكِرَاتِ وَكُلَّمَا تُوجِبُهُ فِي الْأَفْعَالِ بُنِيَتْ مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا فَإِذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَهِيَ تَعُمُّ الْأَعْيَانَ دُونَ الْأَفْعَالِ فَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً مَرَّتَيْنِ لَا يَحْنَثُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ. وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَكَذَا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مَرَّتَيْنِ يَحْنَثُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ.
وَكَذَا الْحُكْمُ فِي قَوْلِهِ كُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ وَكُلَّمَا اشْتَرَيْت عَبْدًا فَعَلَيَّ كَذَا فَاشْتَرِي عَبْدًا وَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَحْنَثُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ. وَفِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَثْرَةٌ.
قَوْلُهُ (وَبَيَانُ مَا قُلْنَا مِنْ الْفَرْقِ إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَنْ يَدْخُلُ مِنْكُمْ هَذَا الْحِصْنَ أَوَّلًا فَلَهُ رَأْسٌ فَدَخَلَ خَمْسَةٌ مَعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَأْسٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ تَجْمَعُ الْأَسْمَاءَ عَلَى أَنْ يَتَنَاوَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الِانْفِرَادِ فَعِنْدَ ذِكْرِهِ يُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّاخِلِينَ كَأَنَّ اللَّفْظَ تَنَاوَلَهُ خَاصَّةً وَكَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَأْسٌ. وَلَوْ دَخَلُوا