الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقُلْنَا نَحْنُ: إنَّ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ وَجَبَتْ عَلَى الرَّجُلِ بِالْمُوَاقَعَةِ نَصًّا وَمَعْنَى الْفِطْرِ فِيهِ مَعْقُولٌ لُغَةً فَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَيْضًا اسْتِدْلَالًا بِهِ.
وَأَمَّا الْمُقْتَضِي فَزِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ ثَبَتَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لَمَّا لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْهُ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ لِتَصْحِيحِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَقَدْ اقْتَضَاهُ النَّصُّ
ــ
[كشف الأسرار]
بِتَرْكِ الْوَاجِبِ عَمْدًا. وَالْعَمْدُ لُغَةً مَا حَصَلَ مِنْ الْفِعْلِ عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ مِنْ الْفَاعِلِ إلَيْهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يَجِبُ بِالْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ فِي السَّهْوِ لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِي صَلَاتِهِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْعَمْدِ وَزِيَادَةٌ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالدَّلَالَةِ. وَلَكِنَّا نَقُولُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ بِالنَّصِّ شَرْعًا هُوَ السَّهْوُ عَلَى مَا قَالَ عليه السلام لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ وَالسَّهْوُ يَنْعَدِمُ إذَا كَانَ عَامِدًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ السَّهْوُ دَلِيلَ الْعَمْدِ أَيْ الْوُجُوبُ فِي السَّهْوِ دَلِيلَ الْوُجُوبِ فِي الْعَمْدِ؛ لِمَا قُلْنَا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ أَنَّ وُجُوبَهَا فِي الْخَطَإِ وَالْمَعْقُودَةِ لَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْعَمْدِ وَالْغَمُوسِ وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّجْدَةَ عِبَادَةٌ شُرِعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى جَبْرًا لِلْفَائِتِ فَلَا يَصْلُحُ الْمَحْظُورُ سَبَبًا لَهُ وَهُوَ تَأْخِيرُ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكُهُ عَمْدًا قَوْلُهُ (وَقُلْنَا نَحْنُ) إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْكَفَّارَةُ فِي قَوْلٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ حُكْمَ الْكَفَّارَةِ فِي جَانِبِهِ لَا فِي جَانِبِهَا فَلَوْ لَزِمَتْهَا لَبَيَّنَ كَمَا بَيَّنَ الْحَدَّ فِي جَانِبِهَا فِي حَدِيثِ الْعَسِيفِ. وَلِأَنَّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ الْمُوَاقَعَةُ الْمُعْدِمَةُ لِلصَّوْمِ وَالرَّجُلُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِذَلِكَ دُونَهَا إذْ هِيَ مَحَلُّ الْمُوَاقَعَةِ وَلَيْسَتْ بِمُبَاشِرَةٍ لَهَا فَكَانَ فِعْلُهَا دُونَ فِعْلِ الرَّجُلِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّ سَبَبَهُ الزِّنَا وَهِيَ مُبَاشِرَةٌ لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا زَانِيَةً.
وَفِي قَوْلٍ آخَرَ يَجِبُ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ وَيَتَحَمَّلُ الزَّوْجُ عَنْهَا إذَا كَانَتْ مَالِيَّةً؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْمُوَاقَعَةِ إذَا كَانَ بَدَنِيًّا اشْتَرَكَا فِيهِ كَالِاغْتِسَالِ، وَإِذَا كَانَ مَالِيًّا تَحَمَّلَ الزَّوْجُ عَنْهَا كَثَمَنِ مَاءِ الِاغْتِسَالِ.
فَقَالَ الشَّيْخُ: إنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الرَّجُلِ بِالْمُوَاقَعَةِ وَمَعْنَى الْفِطْرِ الَّذِي هُوَ جِنَايَةٌ كَامِلَةٌ مَفْهُومٌ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْوِقَاعِ لُغَةً كَالْإِيذَاءِ مِنْ التَّأْفِيفِ وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي جَانِبِهَا كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي جَانِبِهِ فَتَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَمَا لَا يَلْزَمُهَا الْحَدُّ بِسَبَبِ الزِّنَا إذْ تَمْكِينُهَا فِعْلٌ كَامِلٌ فَإِنَّ الْحَدَّ مَعَ النُّقْصَانِ وَبَيَانُ النَّبِيِّ عليه السلام فِي جَانِبِهِ بَيَانٌ فِي جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ كَفَّارَتَهُمَا وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْعَسِيفِ فَإِنَّ الْحَدَّ فِي جَانِبِهِ كَانَ الْجَلْدَ وَفِي جَانِبِهَا الرَّجْمَ وَلَا مَعْنَى لِلتَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ عُقُوبَةً أَوْ عِبَادَةً وَبِسَبَبِ النِّكَاحِ لَا تَجْرِي التَّحَمُّلُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي مُؤَنِ الزَّوْجِيَّةِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
[دَلَالَة الْمُقْتَضِي]
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمُقْتَضِي فَزِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ ثَبَتَ) أَيْ الْمُقْتَضِي أَوْ الزِّيَادَةُ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَزِيدِ فَكَانَتْ الْجُمْلَةُ صِفَةً لَهَا.
وَانْتَصَبَ شَرْطًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ يَثْبُتُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ شَرْعًا.
وَقَوْلُهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَغْنِ أَيْ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عَنْهُ مُتَعَلِّقٌ يَثْبُتُ شَرْطًا. وَقَوْلُهُ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ مُسْتَأْنَفٌ. وَقَوْلُهُ فَقَدْ اقْتَضَاهُ النَّصُّ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لَهُ أَيْ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْمُقْتَضَى أَوْ تَقْدِيمُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ لِأَجْلِ تَصْحِيحِ الْمَنْصُوصِ شَرْعًا؛ لِأَنَّ النَّصَّ اقْتَضَاهُ أَيْ طَلَبَهُ.
أَوْ لَمَّا لَمْ يَسْتَغْنِ مُسْتَأْنَفٌ وَوَجَبَ تَقْدِيمُ جَوَابِهِ وَقَوْلُهُ فَقَدْ اقْتَضَاهُ النَّصُّ بَيَانُ تَسْمِيَتِهِ بِهَذَا الِاسْمِ يَعْنِي لَمَّا لَمْ يَسْتَغْنِ النَّصُّ عَنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَجَبَ تَقْدِيمُهَا لِيَصِحَّ فَكَانَ النَّصُّ مُقْتَضِيًا إيَّاهَا فَسُمِّيَتْ بِهَذَا الِاسْمِ وَهُوَ الْمُقْتَضَى.
، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ بِهِ فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ
فَصَارَ الْمُقْتَضِي بِحُكْمِهِ حُكْمًا لِلنَّصِّ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ أَوْجَبَ الْمِلْكَ وَالْمِلْكُ أَوْجَبَ الْعِتْقَ فِي الْقَرِيبِ فَصَارَ الْمِلْكُ بِحُكْمِهِ حُكْمًا لِلشِّرَاءِ فَصَارَ الثَّابِتُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِنَفْسِ النَّظْمِ دُونَ الْقِيَاسِ حَتَّى أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُعَارِضُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَالثَّابِتُ بِهَذَا يَعْدِلُ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ، إلَّا عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ بِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
فَقَالَ الِاقْتِضَاءُ الطَّلَبُ تَقُولُ اقْتَضَيْت الدَّيْنَ أَيْ طَلَبْته وَسُمِّيَ الْمُقْتَضَى مُقْتَضًى؛ لِأَنَّ النَّصَّ طَلَبَهُ.
فَصَارَ الْمُقْتَضِي بِحُكْمِهِ أَيْ مَعَ حُكْمِهِ حُكْمَيْنِ لِلنَّصِّ أَيْ مُضَافَيْنِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُقْتَضِي تَابِعٌ لَهُ وَهُوَ تَابِعٌ لِلْمُقْتَضِي فَيَكُونُ الْمُقْتَضَى مُضَافًا إلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَحُكْمُهُ بِوَسَاطَتِهِ كَمَا إذَا وَقَعَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ جُمْلَةً مُرَكَّبَةً مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ كَانَ الْمُبْتَدَأُ الثَّانِي مَعَ خَبَرِهِ خَبَرًا لِلْأَوَّلِ كَقَوْلِك زَيْدٌ أَبُوهُ مُنْطَلِقٌ. وَلَا يُقَالُ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي هُوَ الْأَصْلُ وَتَوَقُّفُهُ عَلَى الْمُقْتَضِي وَافْتِقَارُهُ إلَيْهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هُوَ تَبَعًا لِلْمُقْتَضِي وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا لِشَيْءٍ وَتَبَعًا لَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِ الْمُقْتَضِي أَصْلًا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْمُقْتَضِي وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً قَصْدًا وَمِنْ تَبَعِيَّةِ الْمُقْتَضِي أَنَّهُ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَتَبَعًا لَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ تَبَعِيَّتُهُ لَهُ كَالصَّلَاةِ تَوَقَّفَتْ عَلَى الْوُضُوءِ وَهِيَ أَصْلٌ لَهُ وَلَيْسَتْ بِتَبَعٍ.
فَإِنْ قِيلَ شَرْطِيَّةُ الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ النَّصِّ تُوجِبُ تَقَدُّمَ ثُبُوتِهِ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُ حُكْمًا لَهُ يُوجِبُ تَأَخَّرَهُ عَنْهُ وَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ.
قُلْنَا: قَدْ قِيلَ فِي جَوَابِهِ: إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا تَقْدِيرًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرْطٌ وَمُتَأَخِّرًا تَقْدِيرًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حُكْمٌ فَيُمْكِنُ الْقَوْلُ بِاجْتِمَاعِهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ عَلَى الْمَشْرُوطِ تَحْقِيقًا فَمَتَى كَانَ مُتَأَخِّرًا تَحْقِيقًا لَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِمَا تَقَدَّمَهُ بِوَجْهٍ بَلْ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ لِلنَّصِّ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ بِحُكْمِ اقْتِضَاءِ النَّصِّ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِهِ وَإِنَّمَا يُضَافُ إلَى النَّصِّ لِإِضَافَةِ الِاقْتِضَاءِ إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ شَرْطٌ صِحَّةِ النَّصِّ أَيْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ فِي قَوْلِك أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ ثَبَتَ بِاقْتِضَاءِ هَذَا الْكَلَامِ فَكَانَ حُكْمًا لَهُ وَلَكِنَّهُ يَثْبُتُ لِأَجْلِ صِحَّةِ الْإِعْتَاقِ الْمَطْلُوبِ بِهَذَا الْكَلَامِ فَكَانَ شَرْطًا لَهُ لَا لِلِاقْتِضَاءِ الَّذِي أَوْجَبَهُ وَالِاقْتِضَاءُ غَيْرُ النَّصِّ فَكَانَ اجْتِمَاعُ الشَّرْطِيَّةِ وَالْحُكْمِيَّةِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَمْرَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ فَيَجُوزُ، فَصَارَ الثَّابِتُ بِهِ أَيْ بِالْمُقْتَضِي بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِهَا أَيْ بِالصِّيغَةِ أَوْ بِالْعِبَارَةِ بِنَفْسِ النَّظْمِ يَدُلُّ تَكْرِيرُ الْعَامِلِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَلِمَةَ بِهَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَيْ الثَّابِتُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِنَفْسِ نَظْمِ النَّصِّ دُونَ مَعْنَاهُ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ حَتَّى أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُعَارِضُهُ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ.
وَالثَّابِتُ بِهَذَا أَيْ بِالْمُقْتَضِي يَعْدِلُ أَيْ يُسَاوِي الثَّابِتَ بِالنَّصِّ، إلَّا عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ أَوْ إشَارَتُهُ أَوْ دَلَالَتُهُ يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الثَّابِتِ بِالْمُقْتَضِي؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّظْمِ أَوْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَكَانَ ثَابِتًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْمُقْتَضِي لَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْكَلَامِ لُغَةً وَإِنَّمَا يَثْبُتُ شَرْعًا لِلْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهِ فَكَانَ ضَرُورِيًّا ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ إذْ هُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ فِيمَا وَرَاءَ ضَرُورَةِ تَصْحِيحِ الْكَلَامِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَقْوَى. وَمَا جَدَّتْ لِمُعَارَضَةِ الْمُقْتَضِي مَعَ الْأَقْسَامِ الَّتِي تَقَدَّمَتْهُ نَظِيرًا، وَقَدْ تَحَمَّلَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ فِي إيرَادِ الْمِثَالِ فَقَالَ إذَا بَاعَ مِنْ آخَرَ عَبْدًا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِأَنَّ دَلَالَةَ النَّصِّ الَّذِي وَرَدَ فِي حَقِّ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِفَسَادِ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْقِسْمِ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله: لَا عُمُومَ لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِيهِ بِالْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ فَكَانَ مِثْلَهُ، وَقُلْنَا: إنَّ الْعُمُومَ مِنْ صِفَاتِ النَّظْمِ وَالصِّيغَةِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا نَظْمَ لَهُ لَكِنَّا أَنْزَلْنَاهُ مَنْظُومًا شَرْطًا لِغَيْرِهِ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِهِ فِيمَا وَرَاءَ صِحَّةِ الْمَذْكُورِ
ــ
[كشف الأسرار]
الثَّمَنِ تُوجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَالِاقْتِضَاءُ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فَتُرَجَّحُ الدَّلَالَةُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ دَلَالَةٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي حَقِّ غَيْرِ زَيْدٍ كَانَ بِمَعْنَى النَّصِّ لَا بِالنَّظْمِ كَثُبُوتِ الرَّجْمِ فِي حَقِّ غَيْرِ مَاعِزٍ. وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ الْمُعَارَضَةَ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا تَسَاوِي الْحُجَّتَيْنِ وَلَا تَسَاوِي؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ الَّذِي قَامَ الْمُقْتَضَى بِهِ كَلَامُ الْآمِرِ وَالدَّلَالَةُ ثَابِتَةٌ بِالنِّسْبَةِ فَأَنَّى يَتَعَارَضَانِ.
وَلِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الصُّورَةِ إنْ ثَبَتَ لَيْسَ لِتَرَجُّحِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُقْتَضِي فَإِنَّهُمَا لَوْ صَرَّحَا بِالْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْت هَذَا الْعَبْدَ مِنْك بِأَلْفٍ وَقَالَ الْبَائِعُ قَبِلْت، لَا يَجُوزُ أَيْضًا بَلْ لِأَنَّ مُوجِبَ ذَلِكَ النَّصِّ عَدَمُ الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةِ نَصٍّ آخَرَ إيَّاهُ فَلَا يَكُونُ هَذَا نَظِيرَ مُعَارَضَةِ الدَّلَالَةِ الْمُقْتَضَى قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْقِسْمِ) يَعْنِي فِي عُمُومِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله لَا عُمُومَ لَهُ أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ صِفَةُ الْعُمُومِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَهُ عُمُومٌ أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ الْعُمُومُ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِي بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ حَتَّى كَانَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ فَيَجُوزُ فِيهِ الْعُمُومُ كَمَا يَجُوزُ فِي النَّصِّ.
وَقُلْنَا: الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ النَّظْمِ وَهُوَ غَيْرُ مَنْظُومٍ حَقِيقَةً فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْعُمُومُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمُقْتَضَى لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ حَتَّى إذَا كَانَ الْمَنْصُوصُ مُفِيدًا لِلْحُكْمِ بِدُونِهِ لَا يَثْبُتُ الْمُقْتَضِي لُغَةً وَلَا شَرْعًا وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةِ الْعُمُومِ لِلْمُقْتَضِي فَإِنَّ الْكَلَامَ مُفِيدٌ بِدُونِهِ فَبَقِيَ فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ صِحَّةُ الْكَلَامِ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ الْعَدَمُ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ الْعُمُومُ. وَهُوَ نَظِيرُ تَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ لَمَّا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَهُوَ سَدُّ الرَّمَقِ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْحَمْلِ وَالتَّمَوُّلِ وَالتَّنَاوُلِ إلَى الشِّبَعِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ بِخِلَافِ النَّصِّ فَإِنَّهُ عَامِلٌ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ حِلِّ الزَّكِيَّةِ يَظْهَرُ فِي حُكْمِ التَّنَاوُلِ وَغَيْرِهِ مُطْلَقًا كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ.
وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى لَا عُمُومَ لِلْمُقْتَضِي وَإِنَّمَا الْعُمُومُ لِلْأَلْفَاظِ لَا لِلْمَعَانِي الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا ضَرُورَةُ الْأَلْفَاظِ. بَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ ظَاهِرُهُ لِنَفْيِ صُورَةِ الصَّوْمِ حِسًّا لَكِنْ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْحُكْمِ وَهُوَ نَفْيُ الْإِجْزَاءِ وَالْكَمَالِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُجْمَلٌ. وَقِيلَ: إنَّهُ عَامٌّ لِنَفْيِ الْإِجْزَاءِ وَالْكَمَالِ وَهُوَ غَلَطٌ نَعَمْ لَوْ قَالَ: لَا حُكْمَ لِصَوْمٍ بِغَيْرِ تَبْيِيتٍ لَكَانَ الْحُكْمُ لَفْظًا عَامًّا فِي الْإِجْزَاءِ وَالْكَمَالِ أَمَّا إذَا قَالَ لَا صِيَامَ فَالْحُكْمُ غَيْرُ مَنْطُوقٍ بِهِ وَإِنَّمَا أَثْبَتَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» مَعْنَاهُ حُكْمُ الْخَطَأِ وَلَا عُمُومَ لَهُ وَلَوْ قَالَ لَا حُكْمَ لِلْخَطَأِ لَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى نَفْيِ الْإِثْمِ وَالْعَزْمُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْعُمُومِ.
وَرَأَيْت فِي بَعْضِ كُتُبِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَتَى دَلَّ الْعَقْلُ أَوْ الشَّرْعُ عَلَى إضْمَارِ شَيْءٍ فِي كَلَامٍ صِيَانَةً لَهُ عَنْ التَّكْذِيبِ وَنَحْوِهَا وَثَمَّةَ تَقْدِيرَاتٍ يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ بِأَيِّهَا كَانَ لَا يَجُوزُ إضْمَارُ الْكُلِّ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِنَا الْمُقْتَضِي لَا عُمُومَ لَهُ أَمَّا إذَا تَعَيَّنَ أَحَدُ تِلْكَ التَّقْدِيرَاتِ بِدَلِيلٍ كَانَ كَظُهُورِهِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَظْهَرُهُ عَامًّا كَانَ مُقَدَّرُهُ كَذَلِكَ
وَمِثَالُ هَذَا الْأَصْلِ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْبَيْعُ مُقْتَضَى الْعِتْقِ وَشَرْطٌ لَهُ حَتَّى يَثْبُتَ بِشُرُوطِ الْعِتْقِ لَمَّا كَانَ تَابِعًا لَهُ وَلَوْ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الْمَذْكُورِ كَمَا قَالَ الْخَصْمُ لَثَبَتَ بِشُرُوطِ نَفْسِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
وَكَذَا لَوْ كَانَ خَاصًّا.
قَوْلُهُ (وَمِثَالُ الْأَصْلِ) أَيْ نَظِيرُ هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ الْمُقْتَضَى. وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ الْأَصْلِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مِثَالُ الْعُمُومِ. أَوْ مَعْنَاهُ مِثَالُ الْمُقْتَضَى إذْ هُوَ الْأَصْلُ لِلْمُقْتَضَى قَوْلُ الرَّجُلِ لِغَيْرِهِ كَذَا. أَنَّهُ أَيْ هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي هُوَ طَلَبُ الْإِعْتَاقِ، يَتَضَمَّنُ الْبَيْعُ مُقْتَضَى الْعِتْقِ أَيْ ضَرُورَةُ صِحَّةِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ عَلَى الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِتَعَيُّنِهِ سَبَبًا لَهُ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ. وَشَرْطًا لَهُ يَعْنِي يَثْبُتُ الْبَيْعُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْإِعْتَاقِ عَلَيْهِ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا الْمُقْتَضَى ثَبَتَ مُتَقَدِّمًا وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ فِي الْمَحِلِّ وَالْمَحَلُّ لِلتَّصَرُّفِ كَالشَّرْطِ فَكَذَا إمَّا يَكُونُ وَصْفًا لِلْمَحَلِّ وَلَمَّا كَانَ شَرْطًا كَانَ تَبَعًا إذْ الشُّرُوطُ اتِّبَاعٌ فَيَثْبُتُ بِشُرُوطِ الْعِتْقِ لَا بِشُرُوطِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا ثَبَتَ تَبَعًا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرَائِطُ الْمَتْبُوعِ إظْهَارًا لِلتَّبَعِيَّةِ كَالْعَبْدِ يَصِيرُ مُقِيمًا وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ مِنْ الْمَوْلَى وَكَذَا الْجُنْدِيُّ بِنِيَّةِ السُّلْطَانِ وَالْمَرْأَةُ بِنِيَّةِ الزَّوْجِ فَيُعْتَبَرُ فِي الْآمِرِ أَهْلِيَّةُ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهُ بِأَنْ كَانَ صَبَبًا عَاقِلًا قَدْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ لَمْ يَثْبُتْ الْبَيْعُ بِهَذَا الْكَلَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُولُ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ.
وَلَوْ جُعِلَ أَيْ الْمُقْتَضَى بِمَنْزِلَةِ الْمَذْكُورِ صَرِيحًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَثَبَتَ بِشُرُوطِ نَفْسِهِ أَيْ اُعْتُبِرَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْبَيْعِ لَا غَيْرَ وَشُرِطَ فِيهِ الْقَبُولُ وَثَبَتَتْ فِيهِ الْخِيَارَانِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ الْمَأْمُورُ بِالْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنْ قَالَ بِعْته مِنْك بِالْأَلْفِ وَأَعْتَقْته لَمْ يَجُزْ عَنْ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِبَيْعٍ ثَابِتٍ ضَرُورَةَ الْعِتْقِ، فَإِذَا أَتَى بِهِ مَقْصُودًا لَمْ يَأْتِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ فَتَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَقَعْ عَنْ الْأَمْرِ فَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُقْتَضَى لَيْسَ كَالْمَنْصُوصِ فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِ الْحَاجَةِ.
وَفِي هَذَا الْمِثَالِ خِلَافُ زُفَرَ فَإِنَّهُ قَالَ: يَقَعُ الْعِتْقُ فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَنْ الْمَأْمُورِ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالْإِعْتَاقِ عَنْهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ وَعَبْدُ غَيْرِهِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بِحَالٍ لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ» وَلَا يَجُوزُ إضْمَارُ التَّمْلِيكِ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ لِتَصْحِيحِ الْمُصَرَّحِ بِهِ لَا لِإِبْطَالِهِ، وَإِذَا أَضْمَرَ التَّمْلِيكَ صَارَ مُعْتِقًا عَبْدَ الْآمِرِ لَا عَبْدَ نَفْسِهِ.
وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ لَمْ يَنْفُذْ فَلَأَنْ لَا يَنْفُذَ بِأَمْرِهِ أَوْلَى وَكَانَ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ لِآخَرَ: بِعْ عَبْدَك عَنِّي مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ آجِرْهُ عَنِّي مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا أَوْ كَاتِبْهُ بِكَذَا فَفَعَلَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ فَكَذَا هَهُنَا.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ صَحَّ هَذَا الْأَمْرُ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ إلَى مَنْ هُوَ أَهْلُهُ أَيْضًا وَأَمْكَنَ إثْبَاتُ الْمَطْلُوبِ بِإِثْبَاتِ شَرْطِهِ فَوَجَبَ إثْبَاتُهُ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ كَمَا إذَا بَاعَ الْمُكَاتَبَ بِرِضَاهُ أَوْ بَاعَ شَيْئًا بِأَلْفٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ مِنْ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي أَوْ بِخَمْسِمِائَةٍ يَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ وَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ تَصْحِيحًا لِلتَّصَرُّفِ الثَّانِي.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَحَلٌّ لِحُلُولِ الْعِتْقِ وَالْمِلْكُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ وَصْفٌ لَهُ وَالْمُحَالُ بِصِفَاتِهَا شُرُوطٌ وَالشُّرُوطُ اتِّبَاعٌ وَكُلُّ مَتْبُوعٍ يَقْتَضِي تَبِعَةً لَا مَحَالَةَ كَالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ وَالنَّذْرِ بِهَا أَمْرٌ بِالطَّهَارَةِ وَنَذْرُهَا لِأَنَّهَا شَرْطٌ، وَكَذَا النَّذْرُ بِالِاعْتِكَافِ نَذْرٌ بِالصَّوْمِ وَكَذَا اسْتِئْجَارُ
وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله: إنَّهُ لَوْ قَالَ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِغَيْرِ شَيْءٍ أَنَّهُ يَصِحُّ عَنْ الْآمِرِ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ مُقْتَضًى بِالْعِتْقِ فَيَثْبُتُ بِشُرُوطِهِ فَيَسْتَغْنِي عَنْ التَّسْلِيمِ كَمَا اسْتَغْنَى الْبَيْعُ عَنْ الْقَبُولِ وَهُوَ الرُّكْنُ فِيهِ فَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْ الْقَبْضِ وَهُوَ شَرْطٌ أَوْلَى، وَهَذَا كَمَا قَالَ: اعْتِقْ عَبْدَك هَذَا عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُعْتَقُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ مِثْلُ الْهِبَةِ لِمَا قُلْنَا.
ــ
[كشف الأسرار]
الْأَرْضِ لِلزَّارِعَةِ يَقْتَضِي شُرْبَهَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ إمْكَانِ الزِّرَاعَةِ فَكَانَ طَلَبُ الْإِعْتَاقِ عَنْهُ طَلَبًا لِلتَّمْلِيكِ أَوْ لَا بِأَلْفٍ، ثُمَّ الْإِعْتَاقُ عَنْهُ وَكَانَتْ الْإِجَابَةُ مِنْ الْمَأْمُورِ تَمْلِيكًا مِنْهُ أَوْ لَأَثِمَ إعْتَاقًا مِنْهُ فَيَثْبُتُ تَمْلِيكٌ بِأَلْفٍ فِي ضِمْنِ الْإِعْتَاقِ كَأَنَّهُمَا عَقَدَا الْبَيْعَ، ثُمَّ حَصَلَ الْإِعْتَاقُ بَعْدَهُ كَمَنْ يَقُولُ لِغَيْرِهِ: أَدِّ عَنِّي زَكَاةَ مَالِي أَوْ كَفِّرْ عَنِّي فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ أَدَاءُ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ، إلَّا بِمَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ تَمْلِيكٌ أَوْ إقْرَاضٌ مِنْهُ أَوْ لَا اقْتِضَاءَ، ثُمَّ تَوَكَّلَ عَنْهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْفَقِيرِ فَكَذَا هَذَا.
وَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَمَرَ بِإِعْتَاقِ مِلْكِ نَفْسِهِ لَا مِلْكِ غَيْرِهِ وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَبْدَك الْعَبْدُ الَّذِي هُوَ لَك لِلْحَالِ لَا عِنْدَ مُصَادَفَةِ الْعِتْقِ إيَّاهُ فَمَقْصُودُهُ مِنْ هَذَا تَعْرِيفُ الْعَبْدِ لَا إضَافَتُهُ إلَيْهِ بِالْمِلْكِ وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ فِيمَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ هَذَا الْعَبْدَ عَنِّي.
وَقَوْلُهُ لَوْ أَعْتَقَهُ بِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ قُلْنَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ يَصِحُّ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُعْتِقُهُ. وَلَيْسَ هَذَا كَالْأَمْرِ بِالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ مَا أَمَرَ بِهِ بِتَقْدِيمِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّا إذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ وَجَعَلْنَا الْعَبْدَ مَمْلُوكًا لَهُ صَارَ هَذَا بَيْعَ الْعَبْدِ وَإِجَارَتَهُ وَكِتَابَتَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكُلُّ ذَلِكَ فَاسِدٌ فَأَمَّا الْإِعْتَاقُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَجَائِزٌ فَأَمْكَنَ التَّصْحِيحُ. وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: تَزَوَّجِي، فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا أَثْبَتْنَا الْمُقْتَضَى لِتَصْحِيحِ الْمَلْفُوظِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ هَهُنَا؛ لِأَنَّا إذَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا يَصِحُّ الْأَمْرُ بِالتَّزَوُّجِ فَإِنَّهَا تَتَزَوَّجُ بِمَالِكِيَّتِهَا أَمْرَ نَفْسِهَا لَا بِأَمْرِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الْأَمْرُ بِهِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ اقْتِضَاءً؛ وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ تَزَوُّجِهَا الْفَرَاغُ عَنْ الْأَوَّلِ لَا الطَّلَاقُ فَلَمْ يَصِرْ مُقْتَضِيًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الِاقْتِضَاءُ، إلَّا ضَرُورَةً قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يَثْبُتُ بِشُرُوطِ الْعِتْقِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لَا بِشُرُوطِ نَفْسِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِغَيْرِ شَيْءٍ فَأَعْتَقَهُ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْأَمْرِ وَتَثْبُتُ الْهِبَةُ اقْتِضَاءً كَمَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ أَيْ لِأَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ أَوْ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ ثَابِتٌ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ بِالْإِعْتَاقِ فَيَثْبُتُ بِشُرُوطِ الْإِعْتَاقِ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ شَرْطِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ مَقْصُودًا كَمَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ رُكْنٌ فِي الْبَيْعِ وَالْقَبْضُ شَرْطٌ فِي الْهِبَةِ فَلَمَّا سَقَطَ اعْتِبَارُ مَا هُوَ الرُّكْنُ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِاقْتِضَاءِ الْعِتْقِ فَلَأَنْ يَسْقُطَ اعْتِبَارُ مَا هُوَ شَرْطٌ أَوْلَى، كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ أَوْضَحُ مِنْ تَرْكِيبِ الْكِتَابِ. وَلَمَّا ثَبَتَ بِشُرُوطِ الْعِتْقِ وَالْعِتْقُ يَثْبُتُ بِلَا قَبْضٍ فَكَذَا الْهِبَةُ الَّتِي فِي ضِمْنِهِ.
وَهَذَا أَيْ ثُبُوتُ الْهِبَةِ بِلَا اشْتِرَاطِ قَبْضٍ مُقْتَضًى مِثْلُ ثُبُوتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِلَا اشْتِرَاطِ قَبْضٍ مُقْتَضًى فِيمَا إذَا قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ.
وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: الْقَبْضُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ اعْتِبَارُهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضَى قَوْلٌ وَهُوَ دُونَ الْفِعْلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْطُلَ لِأَجْلِهِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ بِخِلَافِ الْقَبُولِ فَإِنَّهُ قَوْلٌ اُعْتُبِرَ شَرْعًا فَيَصِحُّ أَنْ يَسْقُطَ شَرْعًا تَصْحِيحًا لِكَلَامٍ آخَرَ فَقَالَ: قَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ أَيْضًا اقْتِضَاءً كَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ مِثْلُ الْهِبَةِ أَيْ فِي تَوَقُّفِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ عَلَى الْقَبْضِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. لِمَا قُلْنَا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ وَالتَّسْلِيمَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ بِحُكْمِ الْعِتْقِ يُتْلِفُ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى فِي يَدِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُوضٍ لِلطَّالِبِ وَلَا لِلْعَبْدِ وَلَا هُوَ مُحْتَمِلٌ لَهُ
وَقَوْلُهُ: إنَّ الْقَبْضَ يَسْقُطُ، بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمُقْتَضِي بِهَذَا الطَّرِيقِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ بِهِ مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ وَالْقَبْضُ وَالتَّسْلِيمُ فِي الْهِبَةِ شَرْطٌ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِحَالٍ وَدَلِيلُ السُّقُوطِ يَعْمَلُ فِي مَحِلِّهِ، وَأَمَّا الْقَبُولُ فِي الْبَيْعِ فَيَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكُلَّ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَيَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي فَالشَّطْرُ أَوْلَى، وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا فَاقْطَعْهُ فَقَطَعَهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ صَحَّ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ مَشْرُوعٌ مِثْلُ الصَّحِيحِ فَاحْتَمَلَ سُقُوطَ الْقَبْضِ عَنْهُ فَصَحَّ إسْقَاطُهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ
ــ
[كشف الأسرار]
أَنَّ مَا يَثْبُتُ مُقْتَضًى يَثْبُتُ بِشُرُوطِ الْمُقْتَضِي لَا بِشُرُوطِ نَفْسِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ الْعِتْقَ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَلَا صِحَّةَ لِلْعِتْقِ، إلَّا بِالْمِلْكِ صَارَ طَالِبًا لِلْهِبَةِ وَالْهِبَةُ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ، إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ إمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَإِمَّا تَقْدِيرًا فَلِأَنَّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ أَيْ مَالِيَّتَهُ بِحُكْمِ الْإِعْتَاقِ تَتْلَفُ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الْعِتْقِ مِلْكَهُ وَالْإِعْتَاقُ إبْطَالٌ لِلْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةُ فِي يَدِ نَفْسِهِ أَيْ فِي يَدِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ الْعَبْد؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ فِي ذَاتِهِ حَقِيقَةً وَلَهُ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا حَتَّى صَحَّ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَى عَبْدِ رَبِّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى وَلِأَنَّهُ اسْتِرْدَادُ مَا أَوْدَعَهُ الْعَبْدُ مِنْ الْمُودِعِ وَذَلِكَ أَيْ الْمُتْلَفُ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا لِلطَّالِبِ وَلَا لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ وَلَا هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْقَبْضِ لِأَنَّهُ هَالِكٌ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مَا هُوَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْآمِرِ لَمْ يَثْبُتْ الْعِتْقُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَوَقَعَ عَنْ الْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ لَا مَرَدَّ لَهُ.
وَانْدَرَجَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ الْقَبْضُ قَدْ وُجِدَ تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ إلَيْهِ الْمَالِيَّةُ وَالْهِبَةُ تَقَعُ فِي تِلْكَ الْمَالِيَّةِ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَيَقَعُ الْمِلْكُ مُسَلَّمًا إلَيْهِ لِقِيَامِ يَدِهِ فَصَارَ كَهِبَةِ الشَّيْءِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ حَيْثُ يُكْتَفَى بِذَلِكَ الْقَبْضِ وَلَا يَجِبُ قَبْضُ جَدِيدٍ وَكَقَوْلِهِ لِآخَرَ أَطْعِمْ عَنِّي كَفَّارَتِي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ حَيْثُ يَجُوزُ وَيُجْعَلُ الْفَقِيرُ قَابِضًا نِيَابَةً عَنْ الْآمِرِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُ جِنْسَ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ فِيمَا إذَا قَالَ لِعَبْدٍ اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاك فَفَعَلَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَمَّا بَاعَ صَارَ مُسَلَّمًا بِنَفْسِ الْبَيْعِ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ يَدُ الطَّالِبِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَكَذَا هَهُنَا. فَقَالَ: الْمَالِيَّةُ لَمْ تَصِلْ إلَى الْعَبْدِ بَلْ تَلِفَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدٌ قَابِضًا لَهَا.
بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ فَإِنَّ الْمِسْكِينَ يَقْبِضُ عَيْنَ الطَّعَامِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَابِضًا لِلْآمِرِ أَوَّلًا، ثُمَّ لِنَفْسِهِ.
وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ لَمْ يَتْلَفْ الْمِلْكُ وَالْمَالِيَّةُ بَلْ انْتَقَلَا إلَى الْمُشْتَرِي فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْعَبْدُ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ.
وَقَوْلُهُ إنَّ الْقَبْضَ يَسْقُطُ بِالِاقْتِضَاءِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمُقْتَضَى بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ بِشُرُوطِ الْمُقْتَضِي وَيَسْقُطَ اعْتِبَارُ شُرُوطِهِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ فَيُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ دُونَ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ وَالْقَبْضُ وَالتَّسْلِيمُ شَرْطٌ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فِي الْهِبَةِ بِحَالٍ إذْ لَمْ يُوجَدْ صُورَةٌ أَوْجَبَتْ الْهِبَةَ الْمِلْكَ بِدُونِ الْقَبْضِ وَدَلِيلُ السُّقُوطِ وَهُوَ الِاقْتِضَاءُ يَعْمَلُ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ دُونَ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ.
وَأَمَّا الْقَبُولُ فِي الْبَيْعِ فَيَحْتَمِلُ السُّقُوطَ لِمَا ذُكِرَ فَيَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ بِالِاقْتِضَاءِ عَلَى أَنَّا لَا نَجْعَلُ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ بِعْهُ مِنِّي، ثُمَّ أَعْتِقْهُ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ بَلْ نَجْعَلُ تَقْدِيرَهُ كَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرَيْته مِنْك فَأَعْتِقْهُ عَنِّي وَكَانَ الْمَأْمُورُ إذَا أَعْتَقَهُ قَالَ بِعْته مِنْك، ثُمَّ أُعْتِقُهُ عَنْك، كَذَا فِي طَرِيقَةِ الْإِمَامِ الْبُرْغَرِيِّ.
وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَالْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ فَيُعْتَبَرُ بِهِ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَصْلًا لِيُعْرَفَ حُكْمُهُ مِنْ نَفْسِهِ. فَاحْتَمَلَ أَيْ الْفَاسِدُ سُقُوطَ الْقَبْضِ عَنْهُ نَظَرًا إلَى أَصْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ بِالنَّظَرِ إلَى وَصْفِهِ فَصَحَّ إسْقَاطُهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ السُّقُوطِ فَيَعْمَلُ
وَمِثَالُهُ مَا قُلْنَا إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ: اعْتَدِّي وَنَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ مُقْتَضَى الْأَمْرِ بِالِاعْتِدَادِ وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ وَلِهَذَا كَانَ رَجْعِيًّا وَمِثَالُ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ إنْ أَكَلْت فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ إنْ شَرِبْت وَنَوَى خُصُوصَ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَنَا،
وَمَنْ قَالَ إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى مَكَانًا دُونَ مَكَان لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَنَا وَمَنْ قَالَ: إنْ اغْتَسَلْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى تَخْصِيصَ الْأَسْبَابِ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَنَا لِمَا قُلْنَا
ــ
[كشف الأسرار]
فِيمَا يَحْتَمِلُهُ، وَقَدْ وَقَعَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ وَهُمَا كَذَلِكَ وَمِثْلُ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ زَائِدًا.
وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْبُرْغَرِيُّ وَأَمَّا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فَلَيْسَ الْقَبْضُ فِيهِ بِشَرْطٍ أَصْلِيٍّ فَإِنَّ الْجَائِزَ يَعْمَلُ بِدُونِ الْقَبْضِ وَالْفَاسِدَ لَيْسَ بِأَصْلٍ بِنَفْسِهِ بَلْ هُوَ مُلْحَقٌ بِالْجَائِزِ لَكِنَّهُ لِضَعْفِهِ احْتَاجَ إلَى قَبْضٍ مُقَوٍّ، وَإِذَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الْعِتْقِ تَقَوَّى بِهِ فَصَارَ مِثْلَ الْجَائِزِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَاسْتَغْنَى عَنْ الْقَبْضِ فَعَمِلَ عَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ سَاقِطٌ لَا عَلَى أَنَّهُ حَاصِلٌ فَأَمَّا الْهِبَةُ فَلَا يُمْكِنُ إسْقَاطُ الْقَبْضِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ أَصْلِيٌّ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْهِبَةَ الْجَائِزَةَ لَا تَعْمَلُ، إلَّا بِهِ.
وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ أَنَّ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ وَإِنْ تَلِفَتْ بِالْإِعْتَاقِ وَلَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِ الْعَبْدِ شَيْءٌ مِنْهَا وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ يَنْتَفِعُ بِهَذَا الْإِعْتَاقِ يَنْدَرِجُ فِيهِ أَدْنَى قَبْضٍ وَذَلِكَ يَكْفِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ دُونَ الْهِبَةِ كَالْقَبْضِ مَعَ الشُّيُوعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَعَ الِاتِّصَالِ فِي الثِّمَارِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ يَكْفِي لِوُقُوعِ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ دُونَ الْهِبَةِ، عَلَى أَنَّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَأْمُورِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَقَعُ، إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَمَّا يُوجَدْ كَمَا فِي الْهِبَةِ.
1 -
قَوْلُهُ (وَمِثَالُهُ) أَيْ مِثَالُهُ الْآخَرُ قَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا اعْتَدِّي نَاوِيًا لِلطَّلَاقِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ مُقْتَضِي الْأَمْرِ بِالِاعْتِدَادِ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الِاعْتِدَادِ عَنْ النِّكَاحِ تَقَدُّمُ الطَّلَاقِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْك الطَّلَاقُ فَاعْتَدِّي.
وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَهَا فِي الْعِدَّةِ اعْتَدِّي نَاوِيًا لِلطَّلَاقِ حَيْثُ يَقَعُ مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ؛ لِأَنَّ لِلْأَمْرِ صِحَّةٌ بِدُونِ تَقْدِيمِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ لِقِيَامِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: لَا أَثَرَ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ فِي تَصْحِيحِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهَا اعْتِدَادٌ لِهَذَا الْكَلَامِ أَثَرٌ فِي إيجَابِهِ وَوُجُوبُ هَذِهِ الْعِدَّةِ قَدْ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ، ثُمَّ لِتَصْحِيحِ هَذَا الْكَلَامِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَدِّمَ الطَّلَاقَ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَعَارًا لِلطَّلَاقِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِتَقْدِيمِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ سِوَى تَتْمِيمِ تِلْكَ الْعِدَّةِ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا صَرِيحًا فَيُجْعَلُ مُسْتَعَارًا لِلطَّلَاقِ تَصْحِيحًا لَهُ وَاحْتِرَازًا عَنْ الْغَايَةِ.
وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِ الطَّلَاقِ ثَابِتًا اقْتِضَاءً لَمْ يَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْدَفِعُ بِالْوَاحِدَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَلَا يُصَارُ إلَى الثَّلَاثِ وَالْبَائِنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَوْلُهُ (وَمِثَالُ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ) أَيْ مِثَالُ الْمُقْتَضِي الَّذِي يَجْرِي الْعُمُومُ فِيهِ عِنْدَهُ وَلَا يَجْرِي عِنْدَنَا قَوْلُهُ إنْ أَكَلْت فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ أَنْ شَرِبْت.
وَنَوَى خُصُوصَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَيْ نَوَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ أَوْ شَرَابًا دُونَ شَرَابٍ لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا عِنْدَنَا لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَالْمَأْكُولَ مَحَلُّ الْفِعْلِ وَاسْمُ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ اسْمًا لِلْمَحَلِّ وَلَا دَلِيلًا عَلَيْهِ لُغَةً، إلَّا أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَكُونُ بِدُونِ الْمَحَلِّ فَيَثْبُتُ الْمَحَلُّ مُقْتَضًى فَكَانَ ثَابِتًا فِي حَقِّ مَا يَلْفِظُ بِهِ مِنْ الْأَكْلِ دُونَ صِحَّةِ النِّيَّةِ إذْ هُوَ فِيمَا وَرَاءَ الْمَلْفُوظِ غَيْرُ ثَابِتٍ فَكَانَتْ النِّيَّةُ وَاقِعَةً فِي غَيْرِ الْمَلْفُوظِ فَتَلْغُو.
، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ إذَا نَوَى مَكَانًا دُونَ مَكَان بِأَنْ نَوَى الْخُرُوجَ إلَى بَغْدَادَ مَثَلًا لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ خَرَجْت وَإِنْ دَلَّ عَلَى الْمَصْدَرِ لُغَةً لَا يَتَنَاوَلُ مَكَانًا مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ مُقْتَضًى؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ
وَلَوْ قَالَ: إنْ اغْتَسَلَ اللَّيْلَةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَلَمْ يُسَمِّ الْفَاعِلَ وَنَوَى تَخْصِيصَ الْفَاعِلِ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَنَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ اغْتَسَلَ أَحَدٌ أَوْ إنْ اغْتَسَلْت غُسْلًا.
ــ
[كشف الأسرار]
مَكَانًا لَا مَحَالَةَ فَلَا يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ بِالنِّيَّةِ.
وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الِاغْتِسَالِ إذَا نَوَى تَخْصِيصَ الْأَسْبَابِ بِأَنْ قَالَ: عَنَيْت الِاغْتِسَالَ عَنْ الْجَنَابَةِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله: أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْمَصْدَرِ.
وَلَنَا أَنَّهُ ذَكَرَ الْفِعْلَ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ وَإِنَّمَا ثَبَتَ السَّبَبُ مُقْتَضًى؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ يَقْتَضِي سَبَبًا وَلَا عُمُومَ لَهُ فَبَطَلَ.
فَإِنْ قِيلَ: الْمَصْدَرُ فِي ذِكْرِ الْفِعْلِ مَذْكُورٌ لُغَةً فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَيَصِيرُ عَامًّا فَيَصِحُّ الْخُصُوصُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت خُرُوجًا وَنَوَى خُرُوجًا دُونَ خُرُوجٍ أَنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً وَكَمَا لَوْ قَالَ: إنْ اغْتَسَلْت غُسْلًا اللَّيْلَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْجَنَابَةَ خَاصَّةً يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى قُلْنَا: نَعَمْ الْمَصْدَرُ وَهُوَ اغْتِسَالٌ مَذْكُورٌ لُغَةً لَا اقْتِضَاءً وَلَكِنَّهُ اسْمٌ يَرْجِعُ إلَى صِفَةِ الْفِعْلِ وَحَالِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُمُومٌ مِنْ قِبَلِ الْأَسْبَابِ وَالِاسْمُ الْمَوْضُوعُ لِلسَّبَبِ هُوَ الْغُسْلُ فَأَوْجَبَ الْعُمُومَ فِي الْأَسْبَابِ فَصَحَّ الْخُصُوصُ فِي ذَلِكَ وَفِي مَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ نَوَى خُصُوصَ صِفَةِ الْفِعْلِ وَحَالَهُ فَلِذَلِكَ صَحَّ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ.
فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: إنْ اغْتَسَلْت اغْتِسَالًا وَنَوَى الِاغْتِسَالَ عَنْ جَنَابَةٍ يَجِبُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ أَيْضًا وَلَوْ نَوَى اغْتِسَالًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا يَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ، إلَّا أَنَّهُ ذُكِرَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ فَقِيلَ: وَلَا يُقَالُ: إنْ لَمْ يَصِحَّ يَعْنِي مَا نَوَى حَيْثُ إنَّهُ تَخْصِيصٌ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَنَوِّعٌ إلَى نَقْلٍ وَفَرْضٍ وَتَبَرُّدٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّهُ غَيْرُهُ مُتَنَوِّعٌ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ غُسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ لُغَةً وَتِلْكَ أَوْصَافٌ زَائِدَةٌ لَا يَتَنَاوَلُهَا اللَّفْظُ وَالنِّيَّةُ تَعْمَلُ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ لُغَةً لَا فِي غَيْرِهِ.
وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الْبُرْهَانِيِّ إذَا قَالَ: إنْ اغْتَسَلْت اغْتِسَالًا صَحَّتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يَقُومُ مَقَامَ الِاسْمِ وَلِلِاسْمِ عُمُومٌ فَقَدْ نَوَى الْخُصُوصَ مِنْ الْعُمُومِ فَيَصِحُّ نِيَّتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ اغْتَسَلْت؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ فِيهِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فَلَا يَقُومُ مَقَامَ الِاسْمِ.
وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مَذْكُورٌ مَعْنًى إنْ لَمْ يُذْكَرْ صَرِيحًا؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْفِعْلِ لَا فِي إقَامَتِهِ مَقَامَ الِاسْمِ فَصَارَ فِي حَقِّ إقَامَتِهِ مَقَامَ الِاسْمِ كَأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ اغْتَسَلَ اللَّيْلَةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَكَذَا أَوْ نَوَى تَخْصِيصَ الْفَاعِلِ بِأَنْ قَالَ عَنَيْت فُلَانًا دُونَ غَيْرِهِ لَمْ يَصْدُقْ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ مَذْكُورٌ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ لَا مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ مَبْنِيَّةٌ لِلْمَفْعُولِ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الْفَاعِلِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ أَصْلًا فَبَطَلَ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ.
وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا خِلَافُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ لِلْمُقْتَضِي عُمُومًا عِنْدَهُ فَيَقْبَلُ التَّخْصِيصَ.
بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ اغْتَسَلَ أَحَدٌ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى فِيهِ تَخْصِيصَ الْفَاعِلِ يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ مَذْكُورٌ وَهُوَ نَكِرَةٌ وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ فَعَمَّتْ فَقَبِلَتْ التَّخْصِيصَ.
وَكَذَا إذَا قَالَ اغْتَسَلْت غُسْلًا وَنَوَى غُسْلَ الْجَنَابَةِ يَصْدُقُ دِيَانَةً؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وُضِعَ لَهُ مِنْ قِبَلِ أَسْبَابِهِ وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ، وَقَدْ وَقَعَ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ
وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى السَّامِعِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمُقْتَضِي وَبَيْنَ الْمَحْذُوفِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ وَهُوَ ثَابِتٌ لُغَةً وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَا اقْتَضَى غَيْرَهُ ثَبَتَ عِنْدَ صِحَّةِ الِاقْتِضَاءِ وَإِذَا كَانَ مَحْذُوفًا فَقُدِّرَ مَذْكُورًا انْقَطَعَ عَنْ الْمَذْكُورِ
ــ
[كشف الأسرار]
مُنْكَرًا فَصَحَّ الْقَوْلُ بِتَخْصِيصٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ إذْ الظَّاهِرُ لِلْعُمُومِ فَلَا يَصْدُقُ قَضَاءً.
فَصَارَ أَصْلُ هَذَا الْفَصْلِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ فِي غَيْرِ الْمَلْفُوظِ لَغْوٌ فَإِذَا ذَكَرَ الْفِعْلَ وَنَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْمَفْعُولِ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ الْوَقْتَ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَرَادَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. أَوْ الْحَالَ كَمَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ قَائِمٍ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ وَأَرَادَ حَالَ قِيَامِهِ.
أَوْ الصِّفَةَ كَمَا إذَا قَالَ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَأَرَادَ امْرَأَةً كُوفِيَّةً أَوْ بَصْرِيَّةً كَانَتْ نِيَّتُهُ لَغْوًا.
وَلَا يُقَالُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ: يَحْنَثُ بِكُلِّ طَعَامٍ وَكُلِّ شَرَابٍ وَكُلِّ مَكَان وَلَوْ كَانَ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ حَصَلَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ بِالْجَمْعِ وَهَذَا آيَةُ الْعُمُومِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْعُمُومِ بَلْ لِحُصُولِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ تَصَوَّرَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ بِدُونِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْمَكَانِ لَحَصَلَ الْحِنْثُ أَيْضًا وَهُوَ كَالْوَقْتِ وَالْحَالِ فَإِنَّهُ لَوْ أَكَلَ وَهُوَ خَارِجُ الدَّارِ أَوْ دَاخِلُهَا أَوْ رَاكِبٌ أَوْ رَاجِلٌ يَحْنَثُ لَا لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَكِنْ لِحُصُولِ الْمَلْفُوظِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فَكَذَا هَذَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ مَسْأَلَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْخُرُوجِ مِنْ قَبِيلِ الْمُقْتَضَى عَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ فِي الْمُقْتَضَى أَنْ يَكُونَ أَمْرًا شَرْعِيًّا كَمَا أَشَارَ الشَّيْخُ إلَيْهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْذُوفِ فَقَالَ: فَأَمَّا الِاقْتِضَاءُ فَأَمْرٌ شَرْعِيٌّ ضَرُورِيٌّ وَكَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَثُبُوتُ الْمُقْتَضَى شَرْعًا لَا لُغَةً مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ لِافْتِقَارِ الْأَكْلِ إلَى الطَّعَامِ وَالشُّرْبِ إلَى الشَّرَابِ وَالْخُرُوجُ إلَى الْمَكَانِ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الشَّرْعِ بَلْ يَعْرِفُهُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الشَّرْعَ أَصْلًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُقْتَضَى هُوَ الَّذِي ثَبَتَ ضَرُورَةً تَصْحِيحُ الْكَلَامِ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا لَا لُغَةً كَمَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُقْتَضَى هُوَ الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَلَا يَكُونُ مَنْطُوقًا بِهِ لَكِنْ يَكُونُ مِنْ ضَرُورَةِ اللَّفْظِ.
أَمَّا مِنْ حَيْثُ يَمْتَنِعُ وُجُودُ الْمَلْفُوظِ شَرْعًا، إلَّا بِهِ كَقَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي. أَوْ يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ عَقْلًا بِدُونِهِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي إضْمَارَ الْفِعْلِ وَهُوَ الْوَطْءُ أَوْ النِّكَاحُ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ بَلْ لَا يُعْقَلُ تَعَلُّقُهَا، إلَّا بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ. أَوْ يَمْتَنِعُ كَوْنُ الْمُتَكَلِّمِ صَادِقًا، إلَّا بِهِ مِثْلُ قَوْلِهِ عليه السلام «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ لَكِنْ لَا يَتَحَقَّقُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقْتَضَى وَالْمَحْذُوفِ إذْ ذَاكَ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ نَظَائِرِ الْمَحْذُوفِ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ الْعَقْلِ أَيْضًا فَيَصِيرُ الْمُقْتَضَى وَالْمَحْذُوفُ قِسْمًا وَاحِدًا وَهُوَ خِلَافُ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ عَلَى أَنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ الِاقْتِضَاءِ مَمْنُوعٌ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ أَيْضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي تِلْكَ النُّسْخَةِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ الْمُقْتَضَى؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُتَعَدِّي يَدُلُّ عَلَى الْمَفْعُولِ بِصِيغَتِهِ وَوَضْعِهِ لُغَةً فَأَمَّا الْمُقْتَضِي فَإِنَّمَا يُثْبِتُ ضَرُورَةَ صِدْقِ الْكَلَامِ أَوْ ضَرُورَةَ وُجُودِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ (وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى السَّامِعِ) إلَى آخِرِهِ اعْلَمْ أَنَّ عَامَّةَ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ
مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَنَّ الْأَهْلَ مَحْذُوفٌ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ لُغَةً لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ الْأَهْلَ انْتَقَلَتْ الْإِضَافَةُ عَنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْأَهْلِ وَالْمُقْتَضِي لِتَحْقِيقِ الْمُقْتَضَى لَا لِنَقْلِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ جَعَلُوا الْمَحْذُوفَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضِي وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَهُمَا فَقَالُوا: هُوَ جَعْلُ غَيْرِ الْمَنْطُوقِ مَنْطُوقًا لِتَصْحِيحِ الْمَنْطُوقِ وَأَنَّهُ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي عُمُومِهِ فَذَهَبَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا إلَى انْتِفَاءِ الْعُمُومِ عَنْهُ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ إلَى الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ وَالْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ رحمه الله تَابَعَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَجَعَلَ الْكُلَّ قِسْمًا وَاحِدًا فَقَالَ: الْمُقْتَضَى زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى النَّصِّ بِدُونِهَا فَاقْتَضَاهَا النَّصُّ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَاهُ وَلَا يَلْغُو فَفِي تَعْرِيفِهِ هَذَا دَخَلَ الْمَحْذُوفُ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَمِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا اقْتِضَاءً لِأَنَّ السُّؤَالَ لِلتَّبْيِينِ فَاقْتَضَى مُوجِبُ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْئُولُ مِنْ أَهْلِ الْبَيَانِ لِيُفِيدَ فَثَبَتَ الْأَهْلُ اقْتِضَاءً لِيُفِيدَ قَالَ: وَقَالَ عليه السلام «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَعَيْنُهَا غَيْرُ مَرْفُوعٍ فَاقْتَضَى ضَرُورَةَ زِيَادَةٍ وَهُوَ الْحُكْمُ لِيَصِيرَ مُفِيدًا وَصَارَ الْمَرْفُوعُ حُكْمَهَا وَثَبَتَ رَفْعُ الْحُكْمِ عَامًّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْمُؤَاخَذَةُ فِي الْآخِرَةِ وَالصِّحَّةُ فِي الدُّنْيَا وَعِنْدَنَا إنَّمَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ الْآخِرَةِ لَا غَيْرُ لِأَنَّ بِذَا الْقَدْرِ يَصِيرُ مُفِيدًا فَتَزُولُ الضَّرُورَةُ.
قَالَ: وَقَالَ: عليه السلام «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَالْمُرَادُ حُكْمُ الْأَعْمَالِ فَإِنْ عَيَّنَهَا تَثْبُتُ بِلَا نِيَّةٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَعَلَّقُ كُلُّ حُكْمٍ بِالنِّيَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ وَعِنْدَنَا لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا حُكْمُ الْآخِرَةِ مِنْ الثَّوَابِ فَإِنَّهُ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَمَّا ثَبَتَ هَذَا مُرَادًا وَصَارَ الْكَلَامُ مُفِيدًا لَمْ يَتَعَدَّ إلَى مَا وَرَائِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: ثَوَابُ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ ثُمَّ الشَّيْخُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله لَمَّا رَأَى أَنَّ الْعُمُومَ مُتَحَقِّقٌ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ هَذَا النَّوْعِ مِثْلُ قَوْلِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك وَإِنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ عَلَى مَا ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا سَلَكَ طَرِيقَةً أُخْرَى وَفَصَلَ بَيْنَ مَا يَقْبَلُ الْعُمُومَ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ وَجَعَلَ مَا يَقْبَلُ الْعُمُومَ قِسْمًا آخَرَ غَيْرَ الْمُقْتَضَى وَسَمَّاهُ مَحْذُوفًا وَوَضَعَ عَلَامَةً تَمَيَّزَ بِهَا الْمَحْذُوفُ عَنْ الْمُقْتَضَى فَقَالَ وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى السَّامِعِ الْفَصْلُ أَيْ يَتَحَقَّقُ الِاشْتِبَاهُ عَلَيْهِ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْمُقْتَضَى وَبَيْنَ الْمَحْذُوفِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي حُذِفَ لِأَجْلِ الِاخْتِصَارِ وَلَكِنَّهُ ثَابِتٌ لُغَةً وَآيَةُ ذَلِكَ أَيْ عَلَامَةُ الْفَصْلِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الَّذِي اقْتَضَى غَيْرَهُ وَهُوَ الَّذِي نُسَمِّيهِ مُقْتَضِيًا ثَبَتَ عِنْدَ صِحَّةِ الِاقْتِضَاءِ أَيْ تَقَرَّرَ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِالْمُقْتَضَى وَإِذَا كَانَ مَحْذُوفًا أَيْ إذَا كَانَ الشَّيْءُ مَحْذُوفًا فَقُدِّرَ مَذْكُورًا انْقَطَعَ عَنْ الْمَذْكُورِ أَيْ انْقَطَعَ مَا أُضِيفَ إلَى الْمَذْكُورِ وَتَعَلَّقَ بِهِ عَنْهُ وَانْتَقَلَ أَيْ الْمُقَدَّرُ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ أَيْ لِعَدَمِ الِاشْتِبَاهِ وَالِالْتِبَاسِ يَعْنِي الْحَذْفُ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ فِي الْبَاقِي دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مُلْبِسًا وَلَيْسَ هُنَا الْتِبَاسٌ فَجَازَ الْحَذْفُ.
ثُمَّ اسْتَوْضَحَ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْمُقْتَضِي وَأُدْرِجَ فِيهِ الدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ مَتَى ذُكِرَ الْأَهْلُ أَيْ صُرِّحَ بِهِ انْتَقَلَتْ الْإِضَافَةُ أَيْ إضَافَةُ السُّؤَالِ إلَى الْقَرْيَةِ عَنْهَا إلَى الْأَهْلِ فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ دُونَ الْمُقْتَضِي لِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِتَحْقِيقِ الْمُقْتَضَى وَتَقْرِيرِهِ لَا لِنَقْلِهِ أَيْ نَقْلِ الْمُقْتَضِي عَنْ الْمَذْكُورِ إلَى الْمَحْذُوفِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَتَقَرَّرُ الْكَلَامُ بَعْدَ إظْهَارِ الْمَحْذُوفِ أَيْضًا مِثْلُ تَقَرُّرِهِ فِي الِاقْتِضَاءِ كَمَا فِي
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عليه السلام «رُفِعَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» لَمَّا اسْتَحَالَ ظَاهِرُهُ كَانَ الْحُكْمُ مُضْمَرًا مَحْذُوفًا حَتَّى إذَا ظَهَرَ الْمُضْمَرُ انْتَقَلَ الْفِعْلُ عَنْ الظَّاهِرِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَلَمْ يَسْقُطْ عُمُومُ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ الِاقْتِضَاءِ لَكِنْ لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ عَلَى مَا مَرَّ
ــ
[كشف الأسرار]
قَوْله تَعَالَى {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} [البقرة: 60] أَيْ فَضَرَبَ فَانْشَقَّ الْحَجَرُ فَانْفَجَرَتْ.
وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ {فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى} [يوسف: 19] أَيْ فَنَزَعَ فَرَأَى غُلَامًا مُتَعَلِّقًا بِالْحَبْلِ فَقَالَ: يَا بُشْرَى وَفِي نَظَائِرِهِ كَثْرَةٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِهَذِهِ الْعَلَامَةِ قُلْنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعَلَامَةِ فِي جَانِبِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ التَّقَرُّرُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ لَازِمٌ وَذَلِكَ فِي جَانِبِ الْمَحْذُوفِ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ وَقَدْ يَتَقَرَّرُ وَقَدْ لَا يَتَقَرَّرُ كَمَا فِي قَوْلِهِ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] فَبِلُزُومِهِ فِي الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ لُزُومِهِ فِي الْمَحْذُوفِ يَتَحَقَّقُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ ضَعْفٌ سَنُبَيِّنُهُ وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَحْذُوفَ أَمْرٌ لُغَوِيٌّ وَالْمُقْتَضِي أَمْرٌ شَرْعِيٌّ قَوْلُهُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْمَحْذُوفِ يَعْنِي مِنْ نَظَائِرِهِ أَوْ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] .
قَوْلُهُ عليه السلام «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» لَمَّا اسْتَحَالَ ظَاهِرُهُ أَيْ الْعَمَلُ بِظَاهِرِهِ وَإِجْرَاؤُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي رَفْعَهَا بِالْكُلِّيَّةِ عَنْ جَمِيعِ الْأُمَّةِ لِكَوْنِ الْأُمَّةِ عِبَارَةً عَنْ جَمِيعِ مَنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ عليه السلام إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَوْنِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ لِلْمَاهِيَّةِ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ إذْ لَا عَهْدَ بِالْإِجْمَاعِ وَالْعَمَلُ بِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْكَذِبِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِهَا فِي حَقِّ الْأُمَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ يُمْكِنُ إضَافَةُ الرَّفْعِ إلَيْهِ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ وَهُوَ الْحُكْمُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ هَذَا الْكَلَامُ لِأَنَّ تَصَرُّفَ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي الْأَحْكَامِ وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمُقَدَّرُ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْمُقْتَضِي لِتَغَيُّرِ ظَاهِرِ الْكَلَامِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّصْرِيحِ بِهِ مِنْ انْتِقَالِ الْفِعْلِ وَهُوَ الرَّفْعُ عَنْ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْخَطَأُ وَاخْتَارَهُ إلَيْهِ وَمَعْنَى جَمْعِ الشَّيْخِ بَيْنَ الْمُضْمَرِ وَالْمَحْذُوفِ فِي قَوْلِهِ كَانَ الْحُكْمُ مُضْمَرًا مَحْذُوفًا مَعَ تَحَقُّقِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ الْمُضْمَرَ مَا لَهُ أَثَرٌ فِي الْكَلَامِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ} [يس: 39] وَالْمَحْذُوفُ لَا أَثَرَ لَهُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] هُوَ أَنَّ بَعْضَ الْأُصُولِيِّينَ سَمَّوْا هَذَا النَّوْعَ مُضْمَرًا وَقَدْ سَمَّاهُ الشَّيْخُ مَحْذُوفًا فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ ذَلِكَ النَّوْعَ لَا غَيْرَهُ وَإِلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام أَيْ وَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَوْ وَمِثْلُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ عليه السلام «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فِي أَنَّ الْمُقَدَّرَ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْمُقْتَضِي وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِظَاهِرِهِ لَمَّا اقْتَضَى أَنْ لَا يُوجَدَ عَمَلٌ بِلَا نِيَّةٍ لِدُخُولِ اللَّامِ الْمُسْتَغْرِقِ لِلْجِنْسِ فِي الْأَعْمَالِ ثُمَّ الْحُكْمُ بِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِ لِتَأْدِيَتِهِ إلَى الْكَذِبِ الَّذِي هُوَ مُسْتَحِيلٌ فِي كَلَامِ الرَّسُولِ عليه السلام لِتَحَقُّقِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَعْمَالِ بِدُونِ النِّيَّةِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إدْرَاجِ شَيْءٍ يَصِحُّ بِهِ الْكَلَامُ وَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ وَهُوَ الْحُكْمُ أَوْ الِاعْتِبَارُ وَعَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ يَتَغَيَّرُ الْكَلَامُ لِأَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ هُوَ الْمُبْتَدَأُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَيَرْتَفِعُ بِالِابْتِدَاءِ وَيَنْجَرُّ لَفْظُ الْأَعْمَالِ الَّذِي كَانَ مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ وَمَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ لَا مِنْ
وَمَا حُذِفَ اخْتِصَارًا وَهُوَ ثَابِتٌ لُغَةً كَانَ عَامًّا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الِاخْتِصَارَ أَحَدُ طَرِيقَيْ اللُّغَةِ فَأَمَّا الِاقْتِضَاءُ فَأَمْرٌ شَرْعِيٌّ ضَرُورِيٌّ مِثْلُ تَحْلِيلِ الْمَيْتَةِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا
ــ
[كشف الأسرار]
قَبِيلِ الْمُقْتَضِي.
وَلَمَّا سَلَكَ الشَّيْخُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ لَزِمَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بِعُمُومِ الْمُقَدَّرِ وَهُوَ الْحُكْمُ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لِأَنَّهُ ثَابِتٌ لُغَةً لَا اقْتِضَاءً فَكَانَ مِثْلَ الْمُصَرَّحِ بِهِ وَلَوْ صُرِّحَ بِهِ لَوَجَبَ الْقَوْلُ بِعُمُومِهِ أَوْ بِإِطْلَاقِهِ فَكَذَا هَذَا ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا أَنَّ الْقَوْلَ بِعُمُومِهِ لَا يَجُوزُ فَثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ إذْ لَيْسَ مَانِعٌ مِنْ الْعُمُومِ غَيْرَهُ فَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: سُقُوطُ عُمُومِهِ لَيْسَ مِنْ قِبَلِ الِاقْتِضَاءِ وَلَكِنَّهُ مِنْ قِبَلِ الِاشْتِرَاكِ فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ لَا يَقْبَلُ الْعُمُومَ أَيْضًا كَالْمُقْتَضِي عِنْدَنَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ عُمُومِهِ كَوْنُهُ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ الِاشْتِرَاكِ فِيهِ فِي بَابِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقْتَضِي وَالْمَحْذُوفِ وَأَمَّا مَا حُذِفَ اخْتِصَارًا كَانَ عَامًّا أَيْ يَقْبَلُ الْعُمُومَ لِأَنَّ الِاخْتِصَارَ أَحَدُ طَرِيقَيْ اللُّغَةِ فَكَانَ الْمُخْتَصَرُ ثَابِتًا لَفْظًا وَالْعُمُومُ مِنْ أَوْصَافِ اللَّفْظِ بِخِلَافِ الْمُقْتَضِي فَإِنَّهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ ثَبَتَ ضَرُورَةً وَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ بِالْخَاصِّ فَلَا يُصَارُ إلَى الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الشَّيْءِ بِلَا دَلِيلٍ هَذَا بَيَانُ الطَّرِيقَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الشَّيْخُ هَاهُنَا وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَدْ اخْتَارَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ طَرِيقَةَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي التَّقْوِيمِ.
وَمَنْ سَلَكَ تِلْكَ الطَّرِيقَةَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُجِيبَ عَنْ كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنْ يَقُولَ: الْعَلَامَةُ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا لَا يَصْلُحُ فَارِقَةً بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُقْتَضِي قَدْ يَتَغَيَّرُ أَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي يَتَغَيَّرُ بِالتَّصْرِيحِ بِالْمُقْتَضِي وَهُوَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الْعَبْدُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ مِلْكًا لِلْمَأْمُورِ بَلْ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْأَمْرِ وَصَارَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدِي عَنِّي وَهَذَا تَغْيِيرٌ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ إنْ اغْتَسَلَ اللَّيْلَةَ فِي الدَّارِ فَكَذَا يَتَغَيَّرُ الْفِعْلُ وَالْمُسْنَدُ إلَيْهِ بِتَصْرِيحِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْفَاعِلُ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ.
وَفِي الْمَحْذُوفِ قَدْ لَا يَتَغَيَّرُ الْكَلَامُ بَعْدَ إظْهَارِهِ كَمَا بَيَّنَّا فِي قَوْله تَعَالَى {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} [البقرة: 60] وَأَمْثَالِهِ وَكَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَإِنَّ الْمَصْدَرَ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ حَتَّى صَحَّ فِيهِ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ لِوُقُوعِهِ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْكَلَامُ بِتَصْرِيحِهِ وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْجَوَابِ لَا يُغْنِي شَيْئًا لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ كَلَامٌ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إضْمَارٍ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْكَلَامُ بِتَصْرِيحِهِ لَا يُعْرَفُ بِلُزُومِ تَقَرُّرِ الْكَلَامِ فِي الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ لُزُومِهِ فِي الْمَحْذُوفِ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ أَيِّ الْقِسْمَيْنِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّقَرُّرِ وَإِنْ امْتَازَ أَحَدُهُمَا لِجَوَازِ التَّغَيُّرِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُجْعَلُ الْكُلُّ بَابًا وَاحِدًا وَكَذَا الْمُقَدَّرُ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ الَّذِي بَيَّنْتُمُوهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِدُونِهِ مُفِيدٌ لِلْمَعْنَى لُغَةً وَلِهَذَا لَوْ صَدَرَ مِثْلُهُ عَنْ غَيْرِ الرَّسُولِ لَمَا قُدِّرَ فِيهِ شَيْءٌ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى حَقِيقَتِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَعَلَى الْكَذِبِ وَإِنَّمَا قَدَّرَ فِيهِمَا مَا ذَكَرْنَا ضَرُورَةَ صِدْقِ الرَّسُولِ فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا مِنْ بَابِ اللُّغَةِ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ مَعَ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ.
وَقَوْلُكُمْ الْمُقْتَضِي لِتَصْحِيحِ الْمُقْتَضَى وَتَقْرِيرِهِ فَلَا يَصْلُحُ مُغَيِّرًا لَهُ مُسَلَّمًا وَلَكِنَّ الْمُقْتَضِي لِتَصْحِيحِ
وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِهِ الثَّلَاثَ: إنَّ نِيَّتَهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ نَعْتُ الْمَرْأَةِ وَالطَّلَاقَ الْوَاقِعَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ اقْتِضَاءً لَكِنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَا عُمُومَ لَهُ
ــ
[كشف الأسرار]
مَجْمُوعِ الْكَلَامِ وَتَقْوِيمِ مَعْنَاهُ لَا لِإِفْرَادِ كَلِمَاتِهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ مَعَ التَّغَيُّرِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ فَلَا يَكُونُ مُبْطِلًا لَهُ بَلْ يَكُونُ مُقَرِّرًا وَمُصَحِّحًا وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الَّتِي صَحَّتْ فِيهَا نِيَّةُ الْعُمُومِ وَهِيَ الَّتِي حَمَلَتْكُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَلَيْسَتْ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَصْدَرَ فِي قَوْلِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك مَثَلًا لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ وَلَا غَيْرَ مَذْكُورٍ بَلْ مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ التَّطْلِيقِ وَالْكَلَامَانِ يُنْبِئَانِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَوْجَزُ مِثْلُ الْأَسَدِ وَالْغَضَنْفَرِ فَكَانَ الْمَصْدَرُ مَذْكُورًا فَيَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التَّعْمِيمِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْذُوفَ عِنْدَ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ رحمه الله لَمَّا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُقْتَضِي عُرِّفَ الْمُقْتَضَى بِتَعْرِيفٍ دَخَلَ فِيهِ الْمَحْذُوفُ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَوَافَقَهُ الشَّيْخُ فِي التَّعْرِيفِ وَلَكِنْ لَمَّا خَالَفَهُ فِي الْمَحْذُوفِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّعْرِيفِ قَيْدًا يَنْفَصِلُ بِهِ الْمُقْتَضِي مِنْ الْمَحْذُوفِ لِيَصِيرَ بِهِ الْحَدُّ مَانِعًا بِأَنْ يَقُولَ: وَأَمَّا الْمُقْتَضَى فَزِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ ثَبَتَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ شَرْعًا أَوْ نَحْوِهِ وَإِلَّا فَلَمْ يَسْتَقِمْ الْحَدُّ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ الْمُقْتَضَى عِبَارَةٌ عَنْ زِيَادَةٍ ثَبَتَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ وَلِأَنَّ الْمُقْتَضَى أَمْرٌ شَرْعِيٌّ ضَرُورِيٌّ قُلْنَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك وَنَوَى بِهِ الثَّلَاثَ بَطَلَتْ نِيَّتُهُ وَلَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ كَمَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يُعْمِلُ نِيَّتَهُ وَيَقَعُ مَا نَوَى لِأَنَّ قَوْلَهُ طَالِقٌ يَقْتَضِي طَلَاقًا وَالْمُقْتَضَى بِمَنْزِلَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلتَّعْمِيمِ فَيَعْمَلُ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ وَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا أَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك أَوْ أَنْتِ بَائِنٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّعْمِيمَ أَنَّهُ لَوْ أَلْحَقَ الثَّلَاثَ بِهِ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا صَحَّ ذَلِكَ وَكَانَ ثَلَاثًا مُنْتَصِبًا عَلَى التَّفْسِيرِ وَالتَّفْسِيرُ إنَّمَا يَقَعُ بِبَيَانٍ مُحْتَمَلِ اللَّفْظِ لَا بِغَيْرِهِ.
وَكَذَا إذَا قِيلَ: فُلَانٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ صَحَّ الِاسْتِفْسَارُ عَنْ الْعَدَدِ فَيُقَالُ: كَمْ طَلَّقَهَا وَلَوْ لَمْ يَحْتَمِلْ الْعَدَدَ لَمَا اسْتَقَامَ الِاسْتِفْسَارُ وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: زُورِي أَبَاك أَوْ حُجِّي وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَذْكُورَ وَهُوَ طَالِقٌ نَعْتُ الْمَرْأَةِ لَا اسْمُ الطَّلَاقِ وَهُوَ بِنَفْسِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَالتَّعْمِيمَ لِأَنَّهُ نَعْتُ فَرْدٍ وَالْفَرْدُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ بِوَجْهٍ لَا يُقَالُ لِلْمَثْنَى وَلِلثَّلَاثِ طَالِقٌ بَلْ يُقَالُ طَالِقَانِ وَطَوَالِقُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِنَّ عِنْدَ الْخَصْمِ عَمَلَ النِّيَّةِ فِي الطَّلَاقِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ طَالِقٌ لَا فِي طَالِقٍ وَلَكِنَّ ذَلِكَ الطَّلَاقَ ثَبَتَ مُقْتَضًى لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ صَادِقًا فِي هَذَا الْوَصْفِ إلَّا بِوُقُوعِ طَلَاقٍ عَلَيْهَا سَابِقٍ لِيَصِحَّ الْوَصْفُ بِنَاءً عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إيقَاعًا مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَفِي تَصَرُّفِهِ ذَلِكَ فَأَثْبَتْنَاهُ لِيَتَحَقَّقَ هَذَا الْوَصْفُ مِنْهُ صِدْقًا وَإِذَا كَانَ ثَابِتًا اقْتِضَاءً كَانَ فِيمَا وَرَاءَهُ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمَلْفُوظِ فَلَا تَعْمَلُ نِيَّةُ التَّعْمِيمِ فِيهِ لِأَنَّهَا لَا تَعْمَلُ إلَّا فِي الْمَلْفُوظِ.
وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ نَعْتُ الْمَرْأَةِ أَيْ الْمَذْكُورَ وَصْفُهَا الَّذِي هُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلنِّيَّةِ لَا الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ
لِأَنَّ الْمَذْكُورَ هِيَ الْمَرْأَةُ بِأَوْصَافِهَا وَقَدْ نَوَى عُمُومَ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ وَالْعِلْمُ مِنْ أَوْصَافِ النَّظْمِ وَلَمْ يَكُنْ الْمَصْدَرُ هَهُنَا ثَابِتًا لُغَةً لِأَنَّ النَّعْتَ يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ الثَّابِتِ بِالْمَوْصُوفِ لُغَةً لِيَصِيرَ الْوَصْفُ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ بِنَاءً عَلَيْهِ فَأَمَّا أَنْ يَصِيرَ الْوَصْفُ ثَابِتًا بِالْوَاصِفِ بِحَقِيقَتِهِ تَصْحِيحًا لِوَصْفِهِ فَأَمْرٌ شَرْعِيٌّ لَيْسَ بِلُغَوِيٍّ وَكَذَلِكَ ضَرَبْت بِنَاءً عَلَى مَصْدَرٍ مَاضٍ وَطَلَّقْتُك يُوجِبُ مَصْدَرًا مِنْ قِبَلِ الْمُتَكَلِّمِ فَكَانَ شَرْعِيًّا
ــ
[كشف الأسرار]
النِّيَّةِ وَالطَّلَاقُ الْوَاقِعُ بِهَذَا الْكَلَامِ ثَابِتٌ شَرْعًا مُقَدَّمًا عَلَى الْمَذْكُورِ اقْتِضَاءً لَا لُغَةً لِأَنَّ الْمَذْكُورَ هِيَ الْمَرْأَةُ بِأَوْصَافِهَا أَيْ بِوَصْفِهَا لَا الطَّلَاقُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَرْأَةِ وَطَالِقٌ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَصْفِ وَالْمَرْأَةُ بِجَمِيعِ أَوْصَافِهَا لَيْسَتْ بِاسْمٍ لِلطَّلَاقِ وَلَا لِفِعْلِ الْإِيقَاعِ الَّذِي يَصْدُرُ مِنْ الزَّوْجِ وَلَا لِأَثَرِ الْفِعْلِ وَهُوَ الْوُقُوعُ فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا ثَابِتًا لُغَةً لَكِنَّهُ أَيْ لَكِنَّ الِاقْتِضَاءَ يَعْنِي الْمُقْتَضَى أَوْ لَكِنَّ الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ ضَرُورِيٌّ لَا عُمُومَ لَهُ لِمَا مَرَّ فَلَمْ يَكُنْ الطَّلَاقُ ثَابِتًا فِي حَقِّ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فَكَانَ نَاوِيًا عُمُومَ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ فَلَمْ يَصِحَّ وَقَدْ عَرَفْت بِهَذَا أَنَّ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَتَرْتِيبُهُ وَالطَّلَاقُ الْوَاقِعُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ الِاقْتِضَاءُ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ هِيَ الْمَرْأَةُ بِأَوْصَافِهَا لَا الطَّلَاقُ لَكِنَّ الِاقْتِضَاءَ ضَرُورِيٌّ لَا عُمُومَ لَهُ وَأَنَّهُ قَدْ نَوَى عُمُومَ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ فَلَمْ يَصِحَّ.
وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ الْمَصْدَرُ هَاهُنَا أَيْ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَابِتًا لُغَةً جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الطَّلَاقَ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً بَلْ هُوَ ثَابِتٌ لُغَةً كَمَا فِي قَوْلِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك لِأَنَّ كُلَّ مُشْتَقٍّ اسْمًا كَانَ أَوْ فِعْلًا دَالٌّ عَلَى الْمَصْدَرِ لُغَةً فَكَانَ ثُبُوتُ الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ فَيَصِحُّ نِيَّةُ التَّعْمِيمِ فِيهِ فَأَجَابَ وَقَالَ: نَعَمْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْت إلَّا أَنَّ دَلَالَتَهُ لُغَةً عَلَى مَصْدَرٍ قَائِمٍ بِالْمَوْصُوفِ لِيَصِحَّ بِنَاءُ الْوَصْفِ عَلَيْهِ كَضَارِبٍ وَقَائِمٍ وَجَالِسٍ يَدُلُّ عَلَى الضَّرْبِ وَالْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ فِي الذَّوَاتِ الْمَوْصُوفَةِ بِهَا لَا عَلَى الْمَصْدَرِ قَائِمٍ بِالْوَاصِفِ وَهَاهُنَا وَصَفَ الْمَرْأَةَ بِالطَّالِقِيَّةِ فَتَدُلُّ لُغَةً عَلَى طَلَاقٍ قَائِمٍ بِهَا هُوَ مَصْدَرٌ كَقَوْلِك طَلَّقْت الْمَرْأَةَ طَلَاقًا لَا عَلَى طَلَاقٍ قَائِمٍ بِالزَّوْجِ هُوَ بِمَعْنَى التَّطْلِيقِ وَإِنَّمَا ثَبَّتَ ذَلِكَ ضَرُورَةُ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ فِي الْمَرْأَةِ فَكَانَ أَمْرًا شَرْعِيًّا لَا لُغَوِيًّا وَلِأَنَّ النَّعْتَ لُغَةً يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْوَصْفِ وَلَكِنْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إيجَادِهِ فَإِنَّ قَوْلَك ضَارِبٌ أَوْ جَالِسٌ مَثَلًا يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ الضَّرْبِ وَالْجُلُوسِ بِالْمَوْصُوفِ وَلَكِنْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إثْبَاتِ الضَّرْبِ وَالْجُلُوسِ أَصْلًا بَلْ كَانَا ثَابِتَيْنِ كَانَ الْكَلَامُ صِدْقًا وَإِلَّا وَقَعَ كَذِبًا وَلَغْوًا وَهَاهُنَا يَثْبُتُ بِهَذَا الْكَلَامِ الطَّلَاقُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا أَصْلًا تَصْحِيحًا لَهُ فَكَانَ شَرْعِيًّا لَا لُغَوِيًّا.
وَلَا يُقَالُ: أَنْتِ طَالِقٌ جُعِلَ إنْشَاءً فِي الشَّرْعِ وَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ إخْبَارًا وَصَارَ مَعْنَاهُ أُنْشِئُ الطَّلَاقَ فَلَمْ يَكُنْ ثُبُوتُ الطَّلَاقِ بِهِ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ لِأَنَّا نَقُولُ مَعْنَى صَيْرُورَتِهِ إنْشَاءً هُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ اقْتِضَاءً لَا غَيْرُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَثَبَتَ بِهِ سُمِّيَ إنْشَاءً وَلَكِنَّ طَرِيقَ ثُبُوتِهِ مَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَعْنَى الْإِخْبَارِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلِهَذَا كَانَ جَعْلُهُ إنْشَاءً ضَرُورِيًّا حَتَّى لَوْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِكَوْنِهِ إخْبَارًا لَمْ يُجْعَلْ إنْشَاءً بِأَنْ قَالَ لِلْمُطَلَّقَةِ وَالْمَنْكُوحَةِ: أَحَدَيْكُمَا طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فَعَرَفْنَا أَنَّ كَوْنَهُ إنْشَاءً مَبْنِيٌّ عَلَى الِاقْتِضَاءِ.
وَكَذَلِكَ ضَرَبْت بِنَاءً عَلَى مَصْدَرٍ مَاضٍ يَعْنِي وَكَمَا أَنَّ النَّعْتَ يَدُلُّ عَلَى مَصْدَرٍ قَائِمٍ بِالْمَوْصُوفِ لَا بِالْوَاصِفِ كَذَا قَوْلُك ضَرَبْت يَدُلُّ عَلَى مَصْدَرٍ مَاضٍ لَا عَلَى مَصْدَرٍ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ.
وَقَوْلُهُ طَلَّقْتُك مَوْضُوعٌ عَلَى
وَأَمَّا الْبَائِنُ وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ فَمِثْلُ طَالِقٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَعْتٌ مُقْتَضٍ لِلْوَاقِعِ غَيْرَ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ يَتَّصِلُ بِالْمَرْأَةِ لِلْحَالِ وَلِاتِّصَالِهَا وَجْهَانِ انْقِطَاعٌ يَرْجِعُ إلَى الْمِلْكِ وَانْقِطَاعٌ يَرْجِعُ إلَى الْحِلِّ فَتَعَدُّدُ الْمُقْتَضَى بِتَعَدُّدِ الْمُقْتَضِي عَلَى الِاحْتِمَالِ فَصَحَّ تَعْيِينُهُ وَأَمَّا طَالِقٌ لَا يَتَّصِلُ بِالْمَرْأَةِ لِلْحَالِ لِأَنَّ حُكْمَهُ فِي الْمِلْكِ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ وَحُكْمَهُ فِي الْحِلِّ مُعَلَّقٌ بِكَمَالِ الْعَدَدِ وَإِنَّمَا حُكْمُهُ لِلْحَالِ انْعِقَادُ الْعِلَّةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ فَلَمْ يَتَنَوَّعْ الْمُقْتَضَى إلَّا بِوَاسِطَةِ الْعَدَدِ فَيَصِيرُ الْعَدَدُ أَصْلًا
ــ
[كشف الأسرار]
مِثَالِهِ فَبُدِّلَ عَلَى مَصْدَرٍ مَاضٍ لُغَةً لَا عَلَى مَصْدَرٍ فِي الْحَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْغُوَ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي لِيَصِحَّ بِنَاؤُهُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ جُعِلَ إنْشَاءً شَرْعًا تَصْحِيحًا لَهُ وَأَوْجَبَ مَصْدَرًا مِنْ قِبَلِ الْمُتَكَلِّمِ فِي الْحَالِ فَكَانَ الْمَصْدَرُ الثَّابِتُ شَرْعِيًّا لَا لُغَوِيًّا فَلَمْ تَصِحَّ فِيهِ نِيَّةُ التَّعْمِيمِ لِثُبُوتِهِ اقْتِضَاءً
1 -
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْبَائِنُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ الْبَائِنَ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ نَعْتٌ مِثْلُ طَالِقٍ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَدُلُّ لُغَةً عَلَى قِيَامِ الْبَيْنُونَةِ بِالْمَوْصُوفِ لِيَصِحَّ بِنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَهِيَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً قَبْلَ التَّكَلُّمِ وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ شَرْعًا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ تَصْحِيحًا لَهُ ثُمَّ صَحَّتْ نِيَّةُ التَّعْمِيمِ فِيهَا عِنْدَكُمْ حَتَّى لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ يَقَعُ فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ فِي طَالِقٍ أَيْضًا لِأَنَّ الصَّرِيحَ أَقْوَى مِنْ الْكِنَايَةِ فَقَالَ: قَدْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْبَائِنَ وَمَا؛ يُشْبِهُهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ كَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِّيَّةِ مِثْلُ طَالِقٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَعْتٌ فَرْدٌ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى الْعَدَدِ وَإِنَّ ثُبُوتَ الْبَيْنُونَةِ بِهِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ مِثْلُ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ فِي طَالِقٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ مُقْتَضٍ لِلْوَاقِعِ.
إلَّا أَنَّهُمَا افْتَرَقَا مِنْ حَيْثُ الْبَيْنُونَةُ الثَّابِتَةُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً بِالِاقْتِضَاءِ تَتَّصِلُ بِالْمَرْأَةِ لِلْحَالِ أَيْ يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي الْحَالِ حَتَّى حُرِّمَ الْوَطْءُ وَالدَّوَاعِي عَلَى الزَّوْجِ وَلِاتِّصَالِهَا وَجْهَانِ أَيْ وَلِثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ فِي الْمَحَلِّ اقْتِضَاءً طَرِيقَانِ ثُبُوتُ بَيْنُونَةٍ تَقْطَعُ الْمِلْكَ أَيْ الْحِلَّ الثَّابِتَ لِلزَّوْجِ فِي الْحَالِ وَثُبُوتُ بَيْنُونَةٍ تَقْطَعُ الْحِلَّ أَيْ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ بِأَنْ لَا تَبْقَى الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ فِي حَقِّهِ فَكَانَ الثَّابِتُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ مُتَنَوِّعًا فِي نَفْسِهِ فَتَعَدَّدَ الْمُقْتَضِي حُكْمًا وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ بَائِنٌ بِوَاسِطَةِ تَعَدُّدِ الْمُقْتَضَى وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ يَعْنِي صَارَ قَوْلُهُ أَنْتِ بَائِنٌ مُحْتَمِلًا لِلْبَيْنُونَتَيْنِ بِسَبَبِ انْقِسَامِ الْبَيْنُونَةِ إلَى كَامِلَةٍ وَنَاقِصَةٍ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْكَامِلَةُ كَانَتْ هِيَ الثَّابِتَةُ اقْتِضَاءً دُونَ الثَّانِيَةِ وَمِنْ شَرْطِهَا وُقُوعُ الثَّلَاثِ وَإِلَيْهِ إثْبَاتُهُ فَتَضَمَّنَتْ شَرْطَهَا فَوَقَعَ الثَّلَاثُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ النَّاقِصَةُ فَهِيَ تَثْبُتُ اقْتِضَاءً دُونَ الْأُولَى وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى الِاحْتِمَالِ فَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُثْبِتُ مُقْتَضًى لِلَّفْظِ وَمُحْتَمَلًا لَهُ فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ عَيَّنَ أَحَدَ مُحْتَمَلَيْهِ فَصَحَّ تَعْيِينُهُ وَإِذَا نَوَى مُطْلَقَ الْبَيْنُونَةِ تَعَيَّنَ الْأَدْنَى لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ بِهِ وَأَمَّا طَالِقٌ فَلَا يَتَّصِلُ بِالْمَرْأَةِ لِلْحَالِ أَيْ فِي الْحَالِ وَاللَّامُ لِلْوَقْتِ أَيْ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ وَأَثَرُهُ فِي الْحَالِ لِبَقَاءِ جَمِيعِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى.
لِأَنَّ حُكْمَهُ فِي الْمِلْكِ أَيْ فِي إزَالَتِهِ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ وَهُوَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ أَوْ جَعْلُهُ بَائِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَحُكْمُهُ فِي الْحِلِّ أَيْ فِي إزَالَةِ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ مُعَلَّقٌ بِكَمَالِ الْعَدَدِ وَهُوَ إيقَاعُ الطَّلْقَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ وَإِنَّمَا حُكْمُهُ لِلْحَالِ أَيْ الثَّابِتِ فِي الْحَالِ وَلَفْظُ الْحُكْمِ تَوَسَّعَ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ أَيْ انْعِقَادَ عِلَّةٍ تُوجِبُ الْحُكْمَ فِي أَوَانِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَثَرُهَا زَوَالُ الْمِلْكِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ زَوَالُ الْحِلِّ بِانْضِمَامِ مِثْلَيْهَا إلَيْهَا وَهَذَا الِانْعِقَادُ فِي ذَاتِهِ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ فَلَا تَعْمَلُ فِيهِ النِّيَّةُ وَلَوْ تَنَوَّعَ إنَّمَا يَتَنَوَّعُ بِوَاسِطَةِ الْعَدَدِ أَيْ إذَا أَرَدْت أَنْ تُقَسِّمَهُ عَلَى نَوْعَيْنِ لَا يُمْكِنُك ذَلِكَ إلَّا بِالْتِحَاقِ
إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ هَهُنَا ثَابِتٌ لُغَةً لِأَنَّ الْأَمْرَ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ وُضِعَ لِطَلَبِ الْفِعْلِ فَكَانَ مُخْتَصَرًا مِنْ الْكَلَامِ عَلَى سَائِرِ الْأَفْعَالِ فَصَارَ مَذْكُورًا لُغَةً فَاحْتَمَلَ الْكُلَّ وَالْأَقَلَّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ وَأَمَّا طَلَّقْت فَنَفْسُ الْفِعْلِ وَنَفْسُ الْفِعْلِ فِي حَالِ وُجُودِهِ لَا يَتَعَدَّدُ بِالْعَزِيمَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ أَنَّهُ تَصِحُّ نِيَّةُ السَّفَرِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ لُغَةً ذِكْرُ الْمَصْدَرِ فَأَمَّا الْمَكَانُ فَثَابِتٌ اقْتِضَاءً فَفَسَدَتْ نِيَّةُ مَكَان دُونَ مَكَان
ــ
[كشف الأسرار]
الْعَدَدِ بِهِ فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ نَفْسُ الطَّلَاقِ مُؤَثِّرًا فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ وَالطَّلَاقُ الثَّلَاثُ مُؤَثِّرًا فِي إزَالَةِ الْحِلِّ مِثْلُ الْبَيْنُونَةِ الْخَفِيفَةِ وَالْغَلِيظَةِ وَإِذَا لَمْ يَنْقَسِمْ إلَّا بِوَاسِطَةٍ الْعَدَدِ صَارَ الْعَدَدُ فِي التَّنْوِيعِ وَإِزَالَةِ الْحِلِّ فَلَمْ يَثْبُتْ مُقْتَضًى لِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذْ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْعَدَدِ بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ لِأَنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ بِنَفْسِهَا فَيَصْلُحُ كُلُّ نَوْعٍ مُقْتَضًى لِقَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ.
وَذَكَرَ فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْغَرِيَّةِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَلَا يَلْزَمُ إذَا قَالَ: أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ نَعْتًا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْبَيْنُونَةُ مُتَنَوِّعَةً إلَى خَفِيفَةٍ وَغَلِيظَةٍ وَهَذَا النَّعْتُ يَثْبُتُ بِإِحْدَى الْبَيْنُونَتَيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدَيْهِمَا فَإِذَا عَيَّنَ ثَبَتَ ذَلِكَ الْوَجْهُ اقْتِضَاءً وَصَارَ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِسَبَبِهَا وَهُوَ التَّطْلِيقَاتُ الثَّلَاثُ فَثَبَتَ الثَّلَاثُ اقْتِضَاءً أَيْضًا فَأَمَّا النَّعْتُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالطَّلَاقِ وَالطَّلَاقُ الْوَاحِدُ يُثْبِتُ هَذَا الْوَصْفَ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ ضَمُّ عَدَدٍ آخَرَ إلَيْهِ فَيَكُونُ تَعْمِيمُ الْمُقْتَضَى وَفِي الْبَائِنِ مَا أَثْبَتْنَا عُمُومَ الْبَيْنُونَةِ لِأَنَّا لَا نَجْمَعُ بَيْنَ الْبَيْنُونَةِ الْخَفِيفَةِ وَالْغَلِيظَةِ بَلْ تَثَبُّتُ أَحَدَيْهِمَا لِإِثْبَاتِ النَّعْتِ اقْتِضَاءً إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الْمُقْتَضَى لَا يَثْبُتُ إلَّا بِسَبَبِهِ فَيَثْبُتُ بِسَبَبِهِ اقْتِضَاءً قَوْلُهُ (وَلِذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ مِثَالًا لِعُمُومِ الْمَحْذُوفِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَتِمَّةِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيَانًا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك وَالْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ يَعْنِي قَوْلَهُ طَلِّقِي نَفْسَك يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ حَيْثُ صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ دُونَهَا لِأَنَّ الْمَصْدَرَ هَاهُنَا ثَابِتٌ لُغَةً لَا اقْتِضَاءً لِأَنَّ الْأَمْرَ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ وُضِعَ لِطَلَبِ الْفِعْلِ أَيْ الْمَصْدَرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى وُجُودِ الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَوُّرِ وُجُودِهِ فِيهِ وَهُوَ ثَابِتٌ فَصَحَّ الْأَمْرُ لُغَةً وَإِذَا صَحَّ كَانَ الْمَصْدَرُ ثَابِتًا لُغَةً لِأَنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ قَوْلِهِ افْعَلِي التَّطْلِيقَ عَلَى مِثَالِ سَائِرِ الْأَفْعَالِ أَيْ الْأَمْرِ بِهَا فَإِنَّ قَوْلَهُمْ اُكْتُبْ وَاضْرِبْ وَاجْلِسْ وَنَحْوَهَا مُخْتَصَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ افْعَلْ الْكِتَابَةَ وَافْعَلْ الضَّرْبَ وَافْعَلْ الْجُلُوسَ.
وَكَذَا ضَرَبْت وَيَضْرِبُ مُخْتَصَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فَعَلَ الضَّرْبَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَيَفْعَلُ الضَّرْبَ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ وَإِذَا كَانَ الْمَصْدَرُ ثَابِتًا لُغَةً احْتَمَلَ الْكُلَّ وَالْأَقَلَّ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك طَلَاقًا وَكَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَأَمَّا طَلَّقْت فَنَفْسُ الْفِعْلِ أَيْ إخْبَارٌ عَنْ نَفْسِ الْفِعْلِ وَوُجُودِهِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَنَفْسُ الْفِعْلِ فِي حَالِ وُجُودِهِ لَا يَتَعَدَّدُ بِالْعَزِيمَةِ أَوْ مَعْنَاهُ طَلَّقْتُ ذَاتُهُ نَفْسَ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ جُعِلَ إنْشَاءً وَتَطْلِيقًا فِي الشَّرْعِ لَا أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ طَلَاقٍ مَوْجُودٍ قَبْلَهُ فَصَارَ قَوْلُهُ طَلَّقْت كَسَائِرِ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ وَالْفِعْلُ حَالَ وُجُودِهِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَعَدَّدَ بِالْعَزِيمَةِ كَالْخُطْوَةِ لَا يَصِيرُ خُطْوَتَيْنِ بِالْعَزِيمَةِ فَلِهَذَا لَا يَعْمَلُ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ.
وَذَلِكَ أَيْ قَوْلُهُ طَلِّقِي نَفْسَك فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَصْدَرِ
وَلَا يَلْزَمُ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَنَوَى السُّكْنَى فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ وَالْمَكَانُ ثَابِتٌ اقْتَضَاهُ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَكَانِ لَغْوٌ حَتَّى لَا تَصِحَّ نِيَّتُهُ لَوْ نَوَى بَيْتًا بِعَيْنِهِ لَكِنَّ نِيَّةَ جَمْلِ الْبُيُوتِ تَصِحُّ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى تَكْمِيلِ فِعْلِ الْمُسَاكَنَةِ لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَلَى الْكَمَالِ إذَا جَمَعَهُمَا بَيْتٌ وَاحِدٌ لَكِنَّ الْيَمِينَ وَقَعَتْ عَلَى الدَّارِ وَهَذَا قَاصِرٌ عَادَةً فَصَحَّ نِيَّةُ الْكَامِلِ وَالْمُسَاكَنَةُ ثَابِتَةٌ لُغَةً فَصَحَّ تَكْمِيلٌ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ رَجُلٌ قَالَ لِصَغِيرٍ: هَذَا وَلَدِي فَجَاءَتْ أُمُّ الصَّغِيرِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ وَصَدَّقَتْهُ وَهِيَ أُمٌّ مَعْرُوفَةٌ أَنَّهَا تَأْخُذُ الْمِيرَاثَ وَمَا ثَبَتَ الْفِرَاشُ إلَّا مُقْتَضَى لِأَنَّ النِّكَاحَ ثَبَّتَ بَيْنَهُمَا مُقْتَضَى النَّسَبِ فَكَانَ مِثْلَ ثُبُوتِ الْبَيْعِ فِي قَوْلِهِ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَكِنَّ الْمُقْتَضَى غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ فَيَصِيرُ فِي حَالِ بَقَائِهِ مِثْلَ النِّكَاحِ الْمَقْعُودِ قَصْدًا.
ــ
[كشف الأسرار]
لُغَةً مِثْلُ قَوْلِهِ إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ فِي دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَعَنَى بِهِ السَّفَرَ خَاصَّةً صُدِّقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي الْحُكْمِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو هَيْثَمٍ مِنْ الْقُضَاةِ الْأَرْبَعَةِ: لَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً أَيْضًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْفِعْلَ وَأَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ كَمَا فِي الِاغْتِسَالِ قَالَ: وَجَوَابُ الْكِتَابِ أَيْ الْجَامِعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ: إنْ خَرَجْت خُرُوجًا وَهَكَذَا كَانَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْعَتِيقَةِ.
وَلَكِنَّ جَوَابَ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ ذِكْرٌ لِلْمَصْدَرِ لُغَةً وَالْمَصْدَرُ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَصَارَ عَامًّا بِصِفَاتِهِ وَمِنْ صِفَاتِهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَدِيدًا وَمِثْلُ الْخُرُوجِ إلَى السَّفَرِ وَقَدْ يَكُونُ قَصِيرًا مِثْلَ الْخُرُوجِ إلَى السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ وَيُعْرَفُ اخْتِلَافُهُمَا بِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالسَّفَرِ أَحْكَامٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ فَصَحَّ التَّخْصِيصُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْقَاضِي لِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك لِأَنَّ صِيغَتَهُ تَدُلُّ عَلَى مَصْدَرٍ مَاضٍ وَلَا مَصْدَرَ فِي الْمَاضِي إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا مُسْتَقْبَلٌ لِدُخُولِ حَرْفِ الشَّرْطِ فِيهِ فَكَانَ مِثْلَ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَيَقْبَلُ التَّعْمِيمَ فَيَصِحُّ تَخْصِيصُهُ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ) إلَى آخِرِهِ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَالْيَمِينُ وَاقِعَةٌ عَلَى الدَّارِ وَالْبَيْتِ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ السُّكْنَى وَهِيَ الْمُكْثُ فِي مَكَان عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْرَارِ وَالدَّوَامِ فَيَكُونُ الْمُسَاكَنَةُ بِوُجُودِ هَذَا الْفِعْلِ مِنْهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْمُخَالَطَةِ وَالْمُقَارَنَةِ وَذَلِكَ إذَا سَكَنَا بَيْتًا أَوْ سَكَنَا فِي دَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي بَيْتٍ مِنْهَا لِأَنَّ جَمِيعَ الدَّارِ مَسْكَنٌ وَاحِدٌ فَإِنْ نَوَى حِينَ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَلَمْ يَحْنَثْ بِالْمُسَاكَنَةِ فِي الدَّارِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْغُوَ نِيَّتَهُ لِأَنَّ الْمَسْكَنَ غَيْرُ مَلْفُوظٍ وَإِنَّمَا ثَبَتَ اقْتِضَاءً وَنِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيمَا لَا لَفْظَ لَهُ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنَّهَا صَحَّتْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ بِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ فِعْلٌ يَقُومُ بِهِمَا وَذَلِكَ فِي أَنْ يَتَّصِلَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِفِعْلِ صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ عَلَى الْكَمَالِ وَأَمَّا فِي الدَّارِ فَيَحْصُلُ الِاتِّصَالُ فِي تَوَابِعِ السُّكْنَى مِنْ إرَاقَةِ الْمَاءِ وَغُسْلِ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِمَا لَا أَصْلِ السُّكْنَى فَإِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَحْنَثُ بِمَجَازِ السُّكْنَى لِأَنَّ السُّكْنَى فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ تُسَمَّى مُسَاكَنَةً عُرْفًا وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ سَاكِنًا فِي بَيْتٍ وَفِي الْبَيْتِ الْوَاحِدِ يَحْنَثُ حِينَئِذٍ بِعُمُومِ الْمَجَازِ وَإِذَا نَوَى الْبَيْتَ الْوَاحِدَ فَقَدْ نَوَى نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْمُسَاكَنَةِ فَيَصِحُّ لَكِنَّ نِيَّةَ جَمْلِ الْبُيُوتِ يَصِحُّ يَعْنِي نِيَّةَ جُمْلَةِ الْبُيُوتِ أَيْ مُطْلَقِ الْبُيُوتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَيَّنَ وَاحِدٌ مِنْهَا تَصِحُّ مَنْ أَجْمَلَ فِي الْكَلَامِ إذَا أَبْهَمَ عَادَةً مُتَّصِلٌ بِالدَّارِ وَقَوْلُهُ وَهُوَ قَاصِرٌ مُعْتَرَضٌ يَعْنِي الْيَمِينَ وَاقِعَةً عَلَى الْمُسَاكَنَةِ فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْمُسَاكَنَةِ فِيهَا قَاصِرًا بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ فَإِنَّ الْمُسَاكَنَةَ فِيهَا تُسَمَّى مُسَاكَنَةً فِي الْعُرْفِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ)