الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُعْتَبَرُ مَا يُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ حَتَّى يَعْتِقَ الثَّالِثُ كُلُّهُ وَنِصْفُ الثَّانِي كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله؛ لِأَنَّ إصَابَتَهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ فِي مُقَابَلَةِ إصَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَأَمْثِلَةُ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى.
وَ
إِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ
بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ أَمَّا الْمُتَعَذِّرُ فَمِثْلُ الرَّجُلِ يَحْلِفُ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَوْ الْكَرْمَةِ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى مَا يَتَّخِذُ مِنْهُ مَجَازًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ أَوْ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ قَائِمَةٌ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ وَقَعَ عَلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مُتَعَذِّرَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْكَرْعِ وَهُوَ حَقِيقَتُهُ لِمَا قُلْنَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَكَلَ عَيْنَ الدَّقِيقِ أَوْ تَكَلَّفَ فَكَرَعَ مِنْ الْبِئْرِ فَقِيلَ لَمَّا كَانَ مُتَعَذِّرًا لَمْ يَكُنْ مُرَادًا
ــ
[كشف الأسرار]
أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله لَمْ يَعْتَبِرْ هَذِهِ الْأَحْوَالَ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ وَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَلِأَنَّ جِهَةَ الْحُرِّيَّةِ مُخْتَلِفَةٌ وَحُكْمُهَا مُخْتَلِفٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالدَّعْوَةِ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ غَيْرَهُ كَانَتْ حُرِّيَّتُهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأُمِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا أَوْ تَبَعًا مُنَافَاةٌ وَكَذَلِكَ بَيْنَ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَحُرِّيَّةِ الْعِتْقِ مُنَافَاةٌ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْجِهَتَيْنِ جَمِيعًا فَلِهَذَا قَالَ يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُعْتَبَرُ مَا يُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ) يَعْنِي الْأَوْسَطَ وَالْأَصْغَرَ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ لِأَنَّ إصَابَتَهُ أَيْ إصَابَةَ الْعِتْقِ إيَّاهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِوَاسِطَةٍ وَمُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا تَوَقُّفَ الْمَجَازِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَمَا يُصِيبُهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إلَّا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ يَعْتِقُ مِنْ الْأَكْبَرِ نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ تَرَدَّدَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَقَطْ إمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى فَيَكُونُ حُرًّا كُلُّهُ أَوْ لَا يَكُونُ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ فَلِهَذَا عَتَقَ نِصْفُهُ وَسَعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ.
[إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ]
قَوْلُهُ (مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ) الْمُتَعَذِّرَةُ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ كَأَكْلِ النَّخْلَةِ، وَالْمَهْجُورَةُ مَا يَتَيَسَّرُ إلَيْهِ الْوُصُولُ وَلَكِنَّ النَّاسَ تَرَكُوهُ كَوَضْعِ الْقَدَمِ وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُتَعَذِّرَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَإِنْ تَحَقَّقَ وَالْمَهْجُورُ قَدْ يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ إذَا صَارَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْمَجَازِ.
قَوْلُهُ (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ) إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَيَمِينُهُ تَقَعُ عَلَى عَيْنِهَا إنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ كَالرِّيبَاسِ وَقَصَبِ السُّكْرِ الرَّطْبِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَعَلَى ثَمَرَتِهَا إنْ كَانَتْ لَهَا ثَمَرَةٌ كَالنَّخْلَةِ وَالْكَرْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَمَرَةٌ فَعَلَى ثَمَنِهَا كَالْخِلَافِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَأَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَيَمِينُهُ عَلَى مَا نَوَى إنْ كَانَ اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدِرِيِّ رحمه الله.
قَوْلُهُ (لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ) إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ وَهِيَ مَلِيءٍ فَيَمِينُهُ تَقَعُ عَلَى الْكَرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَا عَلَى الِاغْتِرَافِ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ عَلَى الِاغْتِرَافِ كَذَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَلِئَ فَيَمِينُهُ عَلَى الِاغْتِرَافِ لَا عَلَى الْكَرْعِ بِالِاتِّفَاقِ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ فَإِنْ تَكَلَّفَ فَكَرَعَ مِنْهَا قِيلَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إذَا صَارَتْ مَوْجُودَةً لَمْ تَبْقَ مُتَعَذِّرَةً فَكَانَ اعْتِبَارُهَا أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْمَجَازِ وَلِأَنَّهَا إذَا صَارَتْ مَوْجُودَةً وَانْتَفَى التَّعَذُّرُ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي عُمُومِ الْمَجَازِ هُوَ شُرْبُ الْمَاءِ الْمُجَاوِرِ لِلْبِئْرِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْفُرَاتِ عِنْدَهُمَا وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ لَمَّا صَارَ مُرَادًا لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ سَقَطَ اعْتِبَارُهَا لِامْتِنَاعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ عُمُومَ الْمَجَازِ وَهُوَ إرَادَةُ الْمَاءِ الْمُجَاوِرِ لِلْفُرَاتِ تَنَاوَلَ الْحَقِيقَةَ وَهِيَ الْكَرْعُ فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْبِئْرِ فَمَجَازُهَا وَهُوَ إرَادَةُ الِاغْتِرَافِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَقِيقَةَ فَلَا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ.
وَإِنَّمَا جَعَلَ كَلَامَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْفُرَاتِ عِبَارَةً عَنْ الْمَاءِ الْمُجَاوِرِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَهِيَ الْكَرْعُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ عُرْفًا وَشَرْعًا كَالِاغْتِرَافِ فَجُعِلَ عِبَارَةً عَنْ الْمَاءِ الْمُجَاوِرِ لِلْفُرَاتِ لِيَتَنَاوَلَ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْبِئْرِ فَالْحَقِيقَةُ فِيهَا مُتَعَذِّرَةٌ غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ الْعُرْفُ فِيهَا الِاغْتِرَافُ لَا غَيْرُ فَجُعِلَ كَلَامُهُ عِبَارَةً عَنْهُ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْكَرْعُ
فَلَا يَحْنَثُ وَقِيلَ بَلْ الْحَقِيقَةُ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ فَيَحْنَثُ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ فُلَانَةَ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْعَقْدِ فَإِنْ زَنَى بِهَا لَمْ يَحْنَثْ فَأَسْقَطُوا حَقِيقَتَهُ وَأَمَّا الْمَهْجُورَةُ فَمِثْلُ مَنْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ أَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ وَالْمَجَازُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ وَهُوَ الدُّخُولُ فَحَنِثَ كَيْفَ دَخَلَ وَمِثَالُهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ صُرِفَ إلَى جَوَابِ الْخَصْمِ مَجَازًا فَيَتَنَاوَلُ الْإِنْكَارَ وَالْإِقْرَارَ بِإِطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ شَرْعًا وَالْمَهْجُورُ شَرْعًا مِثْلُ الْمَهْجُورِ عَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ هَذَا الصَّبِيُّ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِصِبَاهُ؛ لِأَنَّ هِجْرَانَ الصَّبِيِّ مَهْجُورٌ شَرْعًا
ــ
[كشف الأسرار]
قَوْلُهُ (حَلَفَ أَنْ لَا يَنْكِحَ) إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ أَوْ لِمَنْكُوحَتِهِ إنْ نَكَحْتُك فَكَذَا وَقَعَتْ يَمِينُهُ عَلَى الْوَطْءِ لِمَا مَرَّ أَنَّ النِّكَاحَ لِلْوَطْءِ حَقِيقَةٌ وَلِلْعَقْدِ مَجَازٌ فَإِنْ أَعْتَقَ الْأَمَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ أَبَانَ الْمَنْكُوحَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَجْنَبِيَّةً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَعَتْ يَمِينُهُ عَلَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ شَرْعًا وَعَقْلًا فَإِنْ زَنَى بِهَذِهِ الْأَجْنَبِيَّةِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ لِتَعَذُّرِهِ شَرْعًا فَكَذَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَهْجُورَ عَادَةً كَالْمَهْجُورِ شَرْعًا.
قَوْلُهُ (التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ) إلَى آخِرِهِ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ مُطْلَقًا فَأَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلَ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ الْمُنَازَعَةُ وَالْمُشَاجَرَةُ وَالْإِقْرَارُ مُسَالَمَةٌ وَمُوَافَقَةٌ فَكَانَ ضِدَّ مَا أَمَرَ بِهِ وَالتَّوْكِيلُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَضَمَّنُ ضِدَّهُ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ رحمهم الله؛ لِأَنَّا تَرَكْنَا هَذِهِ الْحَقِيقَةَ وَجَعَلْنَا كَلَامَهُ تَوْكِيلًا بِالْجَوَابِ مَجَازًا إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ سَبَبُ الْجَوَابِ أَوْ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْهُ الْخُصُومَةُ بَعْضُ الْجَوَابِ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ الْإِنْكَارُ وَالْإِقْرَارُ وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إنَّمَا يَصِحُّ شَرْعًا بِمَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ وَاَلَّذِي يُتَيَقَّنُ بِهِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِلْمُوَكِّلِ الْجَوَابُ لَا الْإِنْكَارُ فَإِنَّهُ إذَا عُرِفَ الْمُدَّعِي مُحِقًّا لَا يَمْلِكُ الْإِنْكَارَ شَرْعًا وَتَوْكِيلُهُ بِمَا لَا يَمْلِكُ لَا يَجُوزُ شَرْعًا وَالدِّيَانَةُ تَمْنَعُهُ مِنْ قَصْدِ ذَلِكَ فَكَانَ مَهْجُورًا شَرْعًا وَالْمَهْجُورُ شَرْعًا كَالْمَهْجُورِ عَادَةً فَلِهَذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَجَازِ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا نِصْفَهُ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ بَيْعُهُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً لِتَصْحِيحِ عَقْدِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَغَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَقَامَهُ مُقَامَ نَفْسِهِ مُطْلَقًا فَيَمْلِكُ مَا كَانَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لَهُ وَالْمُوَكِّلُ يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَذَا الْوَكِيلُ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ إنَّمَا يُسَمَّى خُصُومَةً مَجَازًا إذَا حَصَلَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَرَتَّبَ عَلَى خُصُومَةِ الْآخَرِ إيَّاهُ يُسَمَّى بِاسْمِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ جل جلاله {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَالْمُجَازَاةُ لَا يَكُونُ سَيِّئَةً وَلِأَنَّ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ مَجْلِسُ الْخُصُومَةِ فَمَا يَجْرِي فِيهِ يُسَمَّى خُصُومَةً مَجَازًا وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ.
وَإِلَى قَوْلِهِمَا أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ صُرِفَ إلَى جَوَابِ الْخَصْمِ مَجَازًا؛ لِأَنَّ جَوَابَ الْخَصْمِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي مَجْلِسِ الْخُصُومَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
قَوْلُهُ (لَمْ يَتَقَيَّدْ بِزَمَانِ صِبَاهُ) إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانِ صِبَاهُ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ مَا كَبِرَ يَحْنَثُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ مَتَى عُقِدَتْ عَلَى شَيْءٍ بِوَصْفٍ فَإِنْ صَلَحَ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ يَتَقَيَّدُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُنَكَّرًا أَوْ مُعَرَّفًا احْتِرَازٌ عَنْ الْإِلْغَاءِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ هَذَا الرُّطَبَ يَتَقَيَّدُ بِالْوَصْفِ حَتَّى لَوْ أَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ تَمْرًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يَصْلُحُ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ لَنْ يَضُرَّهُ أَكْلُ الرُّطَبِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُنَكَّرًا يَتَقَيَّدُ بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ إذْ ذَاكَ يَصِيرُ مَقْصُودًا بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ تُرِك اعْتِبَارُهُ بَطَلَتْ الْيَمِينُ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ ضَرُورَةً كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ جَمْلٍ فَأَكَلَ لَحْمَ كَبْشٍ
وَعَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَخْرُجُ قَوْلُهُمْ فِي رَجُلٍ قَالَ لِعَبْدِهِ - وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ وَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ -: هَذَا ابْنِي أَنَّهُ يَعْتِقُ عَمَلًا بِحَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ فَالنَّسَبُ قَدْ يَثْبُتُ مِنْ زَيْدٍ وَيَشْتَهِرُ مِنْ عَمْرٍو فَيَكُونُ الْمُقِرُّ مُصَدَّقًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي الدَّعْوَى وَالْعَتَاقِ أَنَّ الْأُمَّ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ
ــ
[كشف الأسرار]
لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُعَرَّفًا بِالْإِشَارَةِ لَا يَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِالْوَصْفِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ كَبْشًا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لِلتَّقْيِيدِ أَوْ التَّعْرِيفِ وَلَا يَصْلُحُ لِلتَّقْيِيدِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الْحَمَلِ لِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ يَكُونُ أَشَدَّ امْتِنَاعًا مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْكَبْشِ وَلَا لِلتَّعْرِيفِ أَيْضًا لِحُصُولِ التَّعْرِيفِ بِمُعَرِّفٍ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ الْإِشَارَةُ إذْ هِيَ فَوْقَ الْوَصْفِ فِي التَّعْرِيفِ لِكَوْنِهَا بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمُشَارِ إلَيْهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ عِبَارَةً عَنْ الذَّاتِ كَأَنَّهُ قَالَ لَا آكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَيَوَانِ.
وَإِذَا عَرَفْت هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ الْيَمِينُ فِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ بِوَصْفِ الصِّبَا؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ دَاعِيًا إلَى الْحَلِفِ بِتَرْكِ الْكَلَامِ مَعَ الصِّبْيَانِ لِسَفَاهَتِهِمْ وَقِلَّةِ عُقُولِهِمْ وَسُوءِ آدَابِهِمْ كَوَصْفِ الرُّطُوبَةِ، وَلِهَذَا يَصْلُحُ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ فِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُ صَبِيًّا إلَّا أَنَّ هِجْرَانَ الصَّبِيِّ بِتَرْكِ الْكَلَامِ مَعَهُ حَرَامٌ مَهْجُورٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَفِي تَرْكِ الْكَلَامِ تَرْكُ التَّرَحُّمِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَهْجُورِ عَادَةً فَيَتْرُكُ الْحَقِيقَةَ وَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الذَّاتَ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْم الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ فَإِذَا كَلَّمَهُ بَعْدَ زَوَالِ الصِّفَةِ يَحْنَثُ لِبَقَاءِ الذَّاتِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُ صَبِيًّا حَيْثُ يَتَقَيَّدُ بِالصِّبَا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا مَهْجُورًا شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْحَلِفِ لِكَوْنِهِ هُوَ الْمُعَرِّفُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَمَا بَيَّنَّا فَيَجِبُ تَقْيِيدُ الْيَمِينِ بِهِ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَمَنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْيَوْمَ خَمْرًا أَوْ لَيَسْرِقَنَّ اللَّيْلَةَ يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لِصَيْرُورَةِ الشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ مَقْصُودَيْنِ بِالْيَمِينِ فَيَحْنَثُ إنْ لَمْ يَشْرَبْ أَوْ لَمْ يَسْرِقْ كَذَا هُنَا.
قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ) أَيْ الْجُمْلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُعْمَلَ فِيهَا بِالْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ لَا بِالْمَجَازِ يُخَرَّجُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ إثْبَاتَ الْعِتْقِ فِيهَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لَا بِطَرِيقِ أَنَّ اللَّفْظَ صَارَ مَجَازًا لِلتَّحْرِيرِ.
وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِجِهَةِ الْحَقِيقَةِ مُمْكِنٌ فَإِنَّ النَّسَبَ قَدْ يَثْبُتُ مِنْ زَيْدٍ بِأَنْ كَانَ الْفِرَاشُ لَهُ فِي الْبَاطِنِ بِأَنْ كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ حَقِيقَةً وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِثْبَاتُ لِعَارِضٍ وَيَشْتَهِرُ مِنْ عَمْرٍو لِوُجُودِ ظَاهِرِ الدَّلِيلِ فَلَا يُصَدَّقُ الْمُقِرُّ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَلَكِنْ يُصَدَّقُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ مِنْهُ فَيَثْبُتُ أَحْكَامُ النَّسَبِ فِي حَقِّهِ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمَجَازِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْجَارِيَةَ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَوْ صَارَ مَجَازًا لَمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ بَلْ إنَّمَا يَعْتِقُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ فَقَالَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ وَلَدِي ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ يَعْتِقُ مِنْ الْأَوَّلِ الثُّلُثُ وَمِنْ الثَّانِي النِّصْفُ وَكُلُّ الْآخَرِ وَلَوْ كَانَ الْعِتْقُ فِي قَوْلِهِ هَذَا ابْنِي بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لَمَا عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا الثُّلُثُ كَمَا لَوْ أَنْشَأَ الْعِتْقَ فِي أَحَدِهِمْ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَلَمَا كَانَ الْعِتْقُ مِنْهُمْ عَلَى الِاخْتِلَافِ عُلِمَ أَنَّ ثُبُوتَ الْعِتْقِ بِاحْتِمَالِ النَّسَبِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي صِحَّتِهِ لِيَسْتَقِيمَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَ هَؤُلَاءِ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ وَقِيمَتُهُمْ عَلَى السَّوَاءِ يُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ سِتَّةَ أَسْهُمٍ لِحَاجَتِنَا إلَى حِسَابٍ لَهُ نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَأَقَلُّهُ سِتَّةٌ ثُمَّ يَجْمَعُ سِهَامَ الْعِتْقِ وَهِيَ سَهْمَانِ وَثَلَاثَةٌ وَسِتَّةٌ فَتَبْلُغُ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا وَقَدْ ضَاقَ ثُلُثُ الْمَالِ وَهُوَ سِتَّةٌ عَنْهُ فَيَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا فَيَعْتِقُ مِنْ الْأَكْبَرِ سَهْمَانِ وَيَسْعَى
قَالَ فِي الْجَامِعِ فِي عَبْدٍ لَهُ ابْنٌ وَلِابْنِهِ ابْنَانِ فَقَالَ الْمَوْلَى فِي صِحَّتِهِ أَحَدُ هَؤُلَاءِ وَلَدِي ثُمَّ مَاتَ وَكُلُّهُمْ يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ الْأَوَّلِ رُبُعُهُ وَمِنْ الثَّانِي ثُلُثُهُ وَمِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ الْجَوَابُ لَوْ كَانَ لِابْنِ الْعَبْدِ ابْنٌ وَاحِدٌ وَكُلُّهُمْ يُولَدُ لِمِثْلِهِ أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ الْأَوَّلِ ثُلُثُهُ وَمِنْ الثَّانِي نِصْفُهُ وَمِنْ الثَّالِثِ كُلُّهُ لِاحْتِمَالِ النَّسَبِ وَلَوْ كَانَ تَحْرِيرُ الْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ
ــ
[كشف الأسرار]
فِي تِسْعَةٍ وَمِنْ الْأَوْسَطِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَيَسْعَى فِي ثَمَانِيَةٍ وَمِنْ الْأَصْغَرِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ لِيَسْتَقِيمَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ فِي الْجَامِعِ كَذَا) رَجُلٌ لَهُ عَبْدٌ وَلِعَبْدِهِ ابْنٌ وَلِلِابْنِ ابْنَانِ فِي بَطْنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَقَالَ الْمَوْلَى فِي صِحَّتِهِ أَحَدُ هَؤُلَاءِ وَلَدِي وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَإِنَّ مِنْ الْأَوَّلِ يَعْتِقُ مِنْهُ رُبُعُهُ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي وَمِنْ الثَّانِي ثُلُثُهُ وَمِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآَخَرَيْنِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَلَوْ كَانَا مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ يَعْتِقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ لَا يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخِرِ فِي النَّسَبِ أَمَّا النَّسَبُ فَلَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ فِي الْمَجْهُولِ لَبَقِيَ مُعَلَّقًا بِالْبَيَانِ وَتَعْلِيقُ النَّسَبِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ كَانَ وَالتَّعْلِيقُ فِي أَمْرٍ مَعْدُومٍ يَحْتَمِلُ الْوُجُودُ أَمَّا الْعِتْقُ فَقَدْ قِيلَ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُهُمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ كَلِمَةَ النَّسَبِ عِبَارَةً عَنْ التَّحْرِيرِ لَمَّا تَعَذَّرَ إثْبَاتُ النَّسَبِ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ رُبُعَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ جِهَةُ النَّسَبِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدِ ثُلُثُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ جِهَةُ النَّسَبِ.
وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ جِهَةَ النَّسَبِ إذَا احْتَمَلَتْ الصِّحَّةَ لَمْ يُجْعَلْ لَغْوًا عِنْدَهُمْ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ هَذَا ابْنِي أَنَّهُ يَعْتِقُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِاحْتِمَالِ النَّسَبِ مِنْهُ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَلَيْسَ هَذَا كَمَسْأَلَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَثْبُتُ الْعِتْقُ لَهُمْ عَلَى احْتِمَالِ النَّسَبِ عَلَى السَّوَاءِ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ فِيمَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ مِنْ الْأُمِّ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَأَمَّا الْعِتْقُ هَهُنَا فَلَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ كَانَ حُرًّا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِجِهَةِ النَّسَبِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ كَانَ ابْنَهُ لَكَانَ أَوْلَادُهُ حَفَدَةً لَهُ وَهُمْ فِي مِلْكِهِ فَيَعْتِقُونَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ الْجَمْعُ وَيُعْتَبَرُ الْأَحْوَالُ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا إنَّ الْأَوَّلَ يَعْتِقُ فِي حَالٍ وَلَا يَعْتِقُ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ فَيَعْتِقُ رُبُعُهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَيَعْتِقُ فِي حَالَيْنِ بِأَنْ يُرَادَ نَفْسُهُ أَوْ أَبُوهُ وَلَا يَعْتِقُ فِي حَالَيْنِ بِأَنْ يُرَادَ ابْنُهُ الْأَكْبَرُ أَوْ الْأَصْغَرُ وَأَحْوَالُ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَعْتِقَ ثُلُثُهُ وَأَحَدُ الْآخَرِينَ حُرٌّ بِيَقِينٍ بِأَنْ يُرَادَ نَفْسُهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ نَفْسُهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَخُوهُ لَمْ يَعْتِقْ وَأَحْوَالُ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَعْتِقُ فِي حَالٍ وَلَا يَعْتِقُ فِي حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُهُ فَصَارَ لَهُمَا رَقَبَةٌ وَنِصْفٌ فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ هُوَ الْحُرُّ كُلُّهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْحُرُّ نِصْفُهُ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَمَا قُلْنَا إنَّ أَحْوَالَ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ رِوَايَةُ الْجَامِعِ وَفِي الزِّيَادَاتِ اعْتَبَرَ أَحْوَالَ الْإِصَابَةِ كَمَا اعْتَبَرَ أَحْوَالَ الْحِرْمَانِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرِّقَّ لَا يَثْبُتُ أَصْلُهُ إلَّا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْقَهْرُ أَمَّا الْعِتْقُ فَلَهُ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِثْلُ التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ وَالْكِتَابَةِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ فَإِذَا اعْتَبَرَ أَحْوَالَ مَا اتَّحَدَ سَبَبُهُ فَلَأَنْ يَعْتَبِرَ أَحْوَالَ مَا تَعَدَّدَ سَبَبُهُ أَوْلَى.
وَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْجَامِعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ ازْدِحَامَ الْأَسْبَابِ فِي الْإِصَابَةِ لَا يَتَحَقَّقُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا أُصِيبَ بِسَبَبٍ اسْتَحَالَ حُصُولُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ فَأَمَّا الْحِرْمَانُ فَيَقْبَلُ الِازْدِحَامَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا بِالشِّرَاءِ لَمْ يُصِبْهُ بِالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ وَمَنْ حُرِمَ شَيْئًا بِعَدَمِ الشِّرَاءِ فَقَدْ حُرِمَهُ سَائِرُ الْأَسْبَابِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَ أَحْوَالِ الْحِرْمَانِ دُونَ الْإِصَابَةِ.
وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ فِي صِحَّتِهِ احْتِرَازٌ