الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَ
طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ
الِاتِّصَالُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَذَلِكَ بِطَرِيقَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا الِاتِّصَالُ بَيْنَهُمَا صُورَةً أَوْ مَعْنًى
ــ
[كشف الأسرار]
فِي نَفْسِهِ وَجَوَابُ الْقَسَمِ أَيْضًا إنْ جَازَ ذَلِكَ كَلَأُكْرِمَنَّكَ فِي قَوْلِك وَاَللَّهِ إنْ أَكْرَمْتَنِي لَأُكْرِمَنَّكَ جَوَابُ الْقَسَمِ وَالشَّرْطِ جَمِيعًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ إيجَابَ الصَّوْمِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ كَذَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصْلُحَ جَوَابًا لِلْقَسَمِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى.
وَذُكِرَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ يَمِينٌ بِمُوجِبِهِ أَنَّ الصَّوْمَ قَبْلَ صُدُورِ هَذِهِ الصِّيغَةِ كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ فَبِالنَّذْرِ يَصِيرُ وَاجِبًا وَبِالْيَمِينِ أَيْضًا يَصِيرُ وَاجِبًا فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُثْبِتَ الْوُجُوبَ لِغَيْرِهِ كَمَا يَثْبُتُ لِعَيْنِهِ وَإِرَادَةُ الْيَمِينِ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ صِيغَةِ النَّذْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْيَمِينَ يَكُونُ يَمِينًا فَعُلِمَ أَنَّ إرَادَةَ الْوُجُوبِ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ صَحِيحَةٌ فَإِذَا نَوَى الْيَمِينَ حَصَلَ هَهُنَا دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ لِعَيْنِهِ وَهُوَ الصِّيغَةُ وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ لِغَيْرِهِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا إذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِعَيْنِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا لِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَنَّ ظُهْرَ هَذَا الْيَوْمِ يَصِيرُ وَاجِبًا لِغَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ وَاجِبًا لِعَيْنِهِ حَتَّى لَوْ فَاتَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فَكَذَا هَذَا. وَلَا يُقَالُ مُوجِبُ هَذَا الْكَلَامِ الْوُجُوبُ لَا الْإِيجَابُ وَقَدْ سَمَّاهُ فِي الْكِتَابِ إيجَابًا.؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا سَمَّاهُ إيجَابًا مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِيجَابِ مِنْ الشَّرْعِ فَيَثْبُتُ الْإِيجَابُ بِهِ اقْتِضَاءً فَسُمِّيَ الْوُجُوبُ إيجَابًا بِوَاسِطَةِ أَنَّهُ مُقْتَضَاهُ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُوجِبِ الْمَعْنَى أَيْ هُوَ يَمِينٌ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِيجَابُ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْجَوَامِعِ: فَإِذَا نَوَى الْيَمِينَ فَقَدْ نَوَى مَا هُوَ مَعْنَى النَّذْرِ.
[طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ]
قَوْلُهُ (وَطَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ) كَذَا اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ فِي اصْطِلَاحِ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ عِبَارَةٌ عَنْ نَوْعٍ مِنْ الْمَجَازِ وَهِيَ أَنْ تَذْكُرَ أَحَدَ طَرَفَيْ التَّشْبِيهِ وَتُرِيدُ الطَّرَفَ الْآخَرَ مُدَّعِيًا دُخُولَ الْمُشَبَّهِ فِي جِنْسِ الْمُشَبَّهِ بِهِ دَالًا عَلَى ذَلِكَ بِإِثْبَاتِك لِلْمُشَبَّهِ مَا يَخُصُّ الْمُشَبَّهَ بِهِ كَمَا تَقُولُ فِي الْحَمَّامِ أَسَدٌ وَأَنْتَ تُرِيدُ الشُّجَاعَ مُدَّعِيًا أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْأُسُودِ فَيَثْبُتُ لِلشُّجَاعِ مَا يَخُصُّ الْمُشَبَّهَ بِهِ وَهُوَ اسْمُ جِنْسِهِ مَعَ سَدِّ طَرِيقِ التَّشْبِيهِ بِأَفْرَادِهِ فِي الذِّكْرِ. وَإِنَّمَا سَمُّوا هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْمَجَازِ اسْتِعَارَةً لِلتَّنَاسُبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مَتَى ادَّعَى فِي الْمُشَبَّهِ كَوْنَهُ دَاخِلًا فِي حَقِيقَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهَا بَرَزَ فِيمَا صَادَفَ مِنْ جَانِبِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي مَعْرِضِ نَفْسِ الْمُشَبَّهِ بِهِ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ الدَّعْوَى بُرُوزَ الْمُسْتَعِيرِ مَعَ الثَّوْبِ الْمُسْتَعَارِ فِي مَعْرِضِ الْمُسْتَعَارِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا فَتَّشَ مَالِكٌ وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَالشُّجَاعُ حَالَ دَعْوَى كَوْنِهِ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ حَقِيقَةِ الْأَسَدِ يَكْتَسِي اسْمَ الْأَسَدِ اكْتِسَاءَ الْهَيْكَلِ الْمَخْصُوصِ إيَّاهُ نَظَرًا إلَى الدَّعْوَى. وَذَكَرَ فِي نِهَايَةِ الْإِيجَازِ أَنَّ الْمَجَازَ أَعَمُّ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ نَقْلِ الِاسْمِ عَنْ أَصْلِهِ إلَى غَيْرِهِ لِلتَّشْبِيهِ بَيْنَهُمَا عَلَى حَدِّ الْمُبَالَغَةِ وَلَيْسَ كُلُّ مَجَازٍ لِلتَّشْبِيهِ. وَأَيْضًا لَيْسَ كُلُّ مَجَازٍ مِنْ بَابِ الْبَدِيعِ وَكُلُّ اسْتِعَارَةٍ فَهِيَ مِنْ الْبَدِيعِ فَلَا يَكُونُ كُلُّ مَجَازٍ اسْتِعَارَةً. . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَارِيَّةَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ مَا عِنْدَهُ فَإِذَا قُلْت رَأَيْت أَسَدًا فَقَدْ أَثْبَتَّ الْأَسَدِيَّةَ لِلرَّجُلِ فَقَدْ حَصَلَ لِلْمُسْتَعِيرِ مَا كَانَ حَاصِلًا لِلْمُعِيرِ فَظَهَرَ وُجُوبُ تَخْصِيصِ اسْمِ الِاسْتِعَارَةِ بِمَا كَانَ النَّقْلُ لِأَجْلِ التَّشْبِيهِ عَلَى حَدِّ الْمُبَالَغَةِ وَلَكِنَّهَا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ مُطْلَقِ الْمَجَازِ يَعْنِي الْمُرَادِفَ لَهُ كَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ إيَّاهُ أَنَّ اللَّفْظَ اُسْتُعِيرَ عَنْ مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا اسْتِعَارَةَ الثَّوْبِ. وَعَنْ هَذَا قِيلَ لَا بُدَّ فِي الِاسْتِعَارَةِ مِنْ الْمُسْتَعَارِ عَنْهُ وَهُوَ الْهَيْكَلُ الْمَخْصُوصُ مَثَلًا. وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ وَهُوَ الشُّجَاعُ. وَالْمُسْتَعِيرُ وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ. وَالْمُسْتَعَارُ وَهُوَ اللَّفْظُ. وَالِاسْتِعَارَةُ وَهِيَ التَّلَفُّظُ. وَمَا تَقَعُ بِهِ الِاسْتِعَارَةُ وَهُوَ الِاتِّصَالُ بَيْنَ الْمَحَلَّيْنِ كَمَا لَا بُدَّ فِي اسْتِعَارَةِ الثَّوْبِ مِنْ الْمُسْتَعَارِ عَنْهُ وَهُوَ الْمَالِكُ. وَالْمُسْتَعَارِ لَهُ وَهُوَ الشَّخْصُ الَّذِي يُرِيدُ لُبْسَ الثَّوْبِ. وَالْمُسْتَعِيرِ وَهُوَ الَّذِي يَلْتَمِسُ الثَّوْبَ. وَالْمُسْتَعَارِ وَهُوَ الثَّوْبُ. وَالِاسْتِعَارَةِ وَهِيَ الِالْتِمَاسُ. وَمَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِعَارَةُ وَهُوَ الصَّدَاقَةُ بَيْنَ الشَّخْصَيْنِ.
وَإِذَا عَرَفْت أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ تَعَلُّقٌ خَاصٌّ يَكُونُ ذَلِكَ بَاعِثًا عَلَى اسْتِعْمَالٍ لِلَّفْظِ فِي مَحَلِّ الْمَجَازِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَعَلُّقٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ كَانَ وَلَكِنْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ الْمُسْتَعْمِلُ كَانَ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالُ مِنْهُ ابْتِدَاءَ وَضْعٍ آخَرَ وَكَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا لَا مَجَازًا. فَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ وَإِنْ حَصَرُوهُ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِقْرَاءِ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ نَوْعًا. إطْلَاقُ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ كَقَوْلِهِ عليه السلام. «بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ» . أَيْ صِلُوهَا فَإِنَّ الْعَرَبَ لَمَّا رَأَتْ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ يَتَّصِلُ بِالنَّدَاوَةِ اسْتَعَارَتْ عَنْهُ الْبَلَّ لِمَعْنَى الْوَصْلِ. وَعَكْسُهُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
شَرِبْت الْإِثْمَ حَتَّى ضَلَّ عَقْلِي
…
كَذَاكَ الْإِثْمُ يَذْهَبُ بِالْعُقُولِ
سُمِّيَ الْخَمْرُ إثْمًا لِكَوْنِهَا مُسَبِّبًا لَهَا. وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى. {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [البقرة: 19] . أَيْ أَنَامِلَهُمْ وَعَكْسُهُ كَقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ. {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] . أَيْ ذَاتَه. وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْمَلْزُومِ عَلَى اللَّازِمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى. {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} [الروم: 35] . سُمِّيَتْ الدَّلَالَةُ كَلَامًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ لَوَازِمِهِ.
وَمِنْهُ قِيلَ كُلُّ صَامِتٍ نَاطِقٌ أَيْ أَثَرُ الْحُدُوثِ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى مُحْدِثِهِ فَكَأَنَّهُ يَنْطِقُ. وَعَكْسُهُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ
…
دُونَ النِّسَاءِ وَلَوْ بَانَتْ بِإِظْهَارِ
أُرِيدَ بِشَدِّ الْمِئْزَرِ الِاعْتِزَالُ عَنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ شَدَّ الْإِزَارِ مِنْ لَوَازِمِ الِاعْتِزَالِ. وَإِطْلَاقُ أَحَدُ الْمُتَشَابِهَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْإِنْسَانِ عَلَى الصُّورَةِ الْمَنْقُوشَةِ لِتَشَابُهِهِمَا شَكْلًا وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْأَسَدِ عَلَى الشُّجَاعِ لِتَشَابُهِهِمَا فِي الشَّجَاعَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ الصِّفَاتِ الظَّاهِرَةِ لِلْأَسَدِ. وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
فَيَا لَيْتَنَا نَحْيَا جَمِيعًا وَلَيْتَنَا
…
إذَا نَحْنُ مِتْنَا ضَمَّنَا كَفَنَانِ
وَيَا لَيْتَ كُلَّ اثْنَيْنِ بَيْنَهُمَا هَوًى
…
مِنْ النَّاسِ قَبْلَ الْيَوْمِ يَلْتَقِيَانِ
أَوْ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَعَكْسُهُ قَالَ شُرَيْحٌ أَصْبَحْت وَنِصْفُ الْخَلْقِ عَلَيَّ غَضْبَانُ يُرِيدُ أَنَّ النَّاسَ بَيْنَ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ وَمَحْكُومٍ لَهُ لَا نِصْفَ النَّاسِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْدِيلِ وَالتَّسْوِيَةِ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إذَا مِتَّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَانِ شَامِتٌ
…
وَآخَرُ مُثْنٍ بِاَلَّذِي كُنْت أَفْعَلُ
وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] . أَيْ رُفَقَاءَ. وَعَكْسُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُوسَى عليه السلام.
{وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143] لَمْ يُرِدْ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا قَبْلَهُ مُؤْمِنِينَ. وَحَذْفُ الْمُضَافِ سَوَاءٌ أُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُقَامَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إخْبَارًا {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] . أَوْ لَا كَقَوْلِ أَبِي دَاوُد:
أَكُلُّ امْرِئٍ تَحْسِبِينَ امْرَأً
…
وَنَارٍ تُوقَدُ بِاللَّيْلِ نَارًا
وَيُسَمَّى هَذَا مَجَازًا بِالنُّقْصَانِ. وَعَكْسُهُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
أَنَا ابْنُ جَلَا وَطَلَّاعُ الثَّنَايَا
…
مَتَى أَضَعْ الْعِمَامَةَ تَعْرِفُونِي
أَيْ أَنَا ابْنُ رَجُلٍ جَلَا أَيْ أُوضِحَ أَمْرُهُ.
لِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مِنْ الصُّوَرِ لَهُ صُورَةٌ وَمَعْنًى لَا ثَالِثَ لَهُمَا فَلَا يُتَصَوَّرُ الِاتِّصَالُ بِوَجْهٍ ثَالِثٍ أَمَّا الْمَعْنَى فَمِثْلُ قَوْلِهِمْ لِلْبَلِيدِ حِمَارٌ وَلِلشُّجَاعِ أَسَدٌ لِاتِّصَالٍ وَمُشَابَهَةٍ فِي الْمَعْنَى بَيْنَهُمَا وَأَمَّا الصُّورَةُ فَمِثْلُ تَسْمِيَةِ الْمَطَرِ سَمَاءٌ قَالُوا مَازِلْنَا نَطَأُ السَّمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَاكُمْ أَيْ الْمَطَرَ لِاتِّصَالٍ بَيْنَهُمَا صُورَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ عَالٍ عِنْدَ الْعَرَبِ سَمَاءٌ وَالْمَطَرُ مِنْ السَّحَابِ يَنْزِلُ وَهُوَ سَمَاءٌ عِنْدَهُمْ فَسُمِّيَ بِاسْمِهِ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] وَهُوَ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ يُسَمَّى الْحَدَثُ بِالْغَائِطِ لِمُجَاوِرَتِهِ صُورَةً فِي الْعَادَةِ وَقَالَ تَعَالَى {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] أَيْ عِنَبًا لِاتِّصَالٍ بَيْنَهُمَا ذَاتًا؛ لِأَنَّ الْعِنَبَ مَرْكَبٌ بِثُفْلِهِ وَمَائِهِ وَقِشْرِهِ.
فَسَلَكْنَا فِي الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعِلَلِ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ فِي الِاسْتِعَارَةِ وَهُوَ الِاسْتِعَارَةُ بِالِاتِّصَالِ فِي الصُّورَةِ وَهُوَ السَّبَبِيَّةُ وَالتَّعْلِيلُ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ لَيْسَ بِصُورَةٍ تُحَسُّ فَصَارَ الِاتِّصَالُ فِي السَّبَبِ نَظِيرَ الصُّوَرِ فِيمَا نُحِسُّ وَالِاتِّصَالُ فِي مَعْنَى الْمَشْرُوعِ كَيْفَ شُرِعَ اتِّصَالٌ هُوَ نَظِيرُ الْقِسْمِ الْآخَرِ مِنْ الْمَحْسُوسِ.
ــ
[كشف الأسرار]
وَتَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا لَهُ بِهِ تَعَلُّقُ الْمُجَاوِرَةِ كَتَسْمِيَتِهِمْ قَضَاءَ الْحَاجَةِ بِالْغَائِطِ الَّذِي هُوَ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ. وَتَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ كَتَسْمِيَةِ الْعِنَبِ بِالْخَمْرِ. وَتَسْمِيَتُهُ بِاسْمِ مَا كَانَ كَتَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الضَّرْبِ ضَارِبًا. وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ كَقَوْلِهِ عليه السلام «لَا يَفْضُضُ اللَّهُ فَاك» أَيْ أَسْنَانَك. وَعَكْسُهُ كَقَوْلِهِ جل جلاله. {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107] . أَيْ فِي الْجَنَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ نُزُولِ الرَّحْمَةِ.
وَإِطْلَاقُ اسْمِ آلَةِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ عَزَّ قَائِلًا حِكَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ عليه السلام. {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء: 84] . أَيْ ذِكْرًا حَسَنًا، أَطْلَقَ اسْمَ اللِّسَانِ وَأَرَادَ بِهِ الذِّكْرَ إذْ اللِّسَانُ آلَتُهُ. وَإِطْلَاقُ اسْمِ الشَّيْءِ عَلَى بَدَلِهِ كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ أَكَلَ الدَّمَ إذَا أَكَلَ الدِّيَةَ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يَأْكُلْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ إكَافًا
أَيْ ثَمَنَ إكَافٍ. وَإِطْلَاقُ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ لِلْعُمُومِ قَالَ تَعَالَى. {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] . أَيْ كُلُّ نَفْسٍ. وَمِنْهُ دَعْ امْرَأً وَمَا اخْتَارَهُ أَيْ اُتْرُكْ كُلَّ امْرِئٍ وَاخْتِيَارِهِ. وَإِطْلَاقُ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ وَإِرَادَةُ وَاحِدٍ مُنَكَّرٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى. {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [البقرة: 58] . أَيْ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا كَذَا نُقِلَ عَنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ. وَإِطْلَاقُ اسْمِ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى. {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] . فَإِنَّهَا مِنْ الْمُبْتَدِئِ سَيِّئَةٌ وَمِنْ اللَّهِ حَسَنَةٌ. وَمِنْهُ مَا يُقَالُ قَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ يُرِيدُونَ بِهِ الدُّعَاءَ لَهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الدُّعَاءَ عَلَيْهِ.
وَالْحَذْفُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى. {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] . أَيْ لِئَلَّا تَضِلُّوا. وَالزِّيَادَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] . وَلَكِنَّ مَا حَصَرَهُ الشَّيْخُ فِي قَوْلِهِ وَذَلِكَ أَيْ الِاتِّصَالُ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الِاسْتِعَارَةُ بِطَرِيقَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا أَضْبَطُ مِمَّا ذَكَرُوهُ إذْ لَا يَكَادُ يَشِذُّ عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرُوهُ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك تَدَاخُلُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ.
قَوْلُهُ (كُلُّ مَوْجُودٍ مِنْ الصُّوَرِ) أَيْ مِنْ الْمَحْسُوسَاتِ الَّتِي يَجْرِي فِي أَسْمَائِهَا الْمَجَازُ. وَلَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فَإِنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مُصَوَّرٌ يَكُونُ لَهُ صُورَةٌ وَمَعْنًى مَا زِلْنَا نَطَأُ السَّمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَاكُمْ أَيْ كُنَّا فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ بِسَبَبِ الْمَطَرِ إلَى أَنْ وَصْلَنَا إلَيْكُمْ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
إذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ
…
رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابًا
أَيْ إذَا نَزَلَ الْمَطَرُ بِأَرْضِ قَوْمٍ وَنَبَتَ الْكَلَأُ رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْمُ كَارِهِينَ غِضَابًا وَلَمْ نَلْتَفِتْ إلَى غَضَبِهِمْ؛ لِاتِّصَالٍ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ السَّحَابِ وَالْمَطَرِ صُورَةً؛ لِأَنَّ السَّمَاءَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا عَلَاك فَأَظَلَّك. وَمِنْهُ قِيلَ لِسَقْفِ الْبَيْتِ سَمَاءٌ وَقَالَ تَعَالَى. {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج: 15] وَالْمَطَرُ يَنْزِلُ مِنْ السَّحَابِ وَهُوَ سَمَاءٌ عِنْدَهُمْ فَكَانَ بَيْنَ الْمَطَرِ وَالسَّحَابِ الَّذِي هُوَ السَّمَاءُ اتِّصَالٌ فَسُمِّيَ الْمَطَرُ بِاسْمِهِ وَهُوَ السَّمَاءُ.
سُمِّيَ بِهِ الْغَائِطُ أَيْ سُمِّيَ الْحَدَثُ بِاسْمِ الْمَكَانِ الْمُطَمْئِنِ وَهُوَ الْغَائِطُ. لِمُجَاوِرَتِهِ أَيْ لِمُجَاوِرَةِ الْحَدَثِ الْمَكَانَ الْمُطَمْئِنَ صُورَةً فِي الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْمُطَمْئِنِ مِنْ الْأَرْضِ عَادَةً وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى. {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] . لِاتِّصَالٍ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الْعَصِيرِ الَّذِي يَصِيرُ خَمْرًا وَبَيْنَ الْعِنَبِ.؛ لِأَنَّ الْعِنَبَ مُرَكَّبٌ بِثُفْلِهِ هُوَ مَا سَفَلَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَيُقَالُ تَرَكْت بَنِي فُلَانٍ مُثَافَلِينَ أَيْ يَأْكُلُونَ الثُّفْلَ يَعْنُونَ الْحَبَّ وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ لَبَنٌ وَكَانَ طَعَامُهُمْ الْحَبَّ.
قَوْلُهُ (فَسَلَكْنَا فِي الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعِلَلِ) وَالْأَحْكَامِ أَيْضًا أَيْ فِي الْمَشْرُوعَاتِ جَمْعَ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ وَهُمَا الِاتِّصَالُ صُورَةً وَالِاتِّصَالُ مَعْنًى وَجَوَّزَنَا