المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَأَمَّا بَلْ فَمَوْضُوعٌ لِإِثْبَاتِ مَا بَعْدَهُ وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا قَبْلَهُ عَلَى - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ٢

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ)

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ قِسْمَانِ

- ‌[الْقَسْم الْأَوَّل عَامٌّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَعَامٌّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ مَا هُوَ فَرْدٌ وُضِعَ لِلْجَمْعِ

- ‌[أَنْوَاع الْعَامُّ بِمَعْنَاهُ دُونَ صِيغَتِهِ]

- ‌ كَلِمَةُ كُلٍّ

- ‌[كَلِمَةُ الْجَمِيعِ]

- ‌كَلِمَةُ مَا

- ‌ كَلِمَةُ الَّذِي

- ‌ النَّكِرَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُ الْعُمُومِ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْعَامِّ مَعْنًى لَا صِيغَةً]

- ‌ لَامُ التَّعْرِيفِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْرِيفَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنَى الْعَهْدِ

- ‌[النَّكِرَةِ إذَا اتَّصَلَ بِهَا وَصْفٌ عَامٌّ]

- ‌ كَلِمَةُ أَيُّ

- ‌ النَّكِرَةُ الْمُفْرَدَةُ فِي مَوْضِعِ إثْبَاتٍ

- ‌[بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ]

- ‌(بَابُ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ) (وَالْمَجَازِ وَالصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌[تعارض الْحَقِيقَة وَالْمَجَاز]

- ‌طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ

- ‌ الِاتِّصَالَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ قِبَلِ حُكْمِ الشَّرْعِ يَصْلُحُ طَرِيقًا لِلِاسْتِعَارَةِ

- ‌[يُسْتَعَارَ الْأَصْلُ لِلْفَرْعِ وَالسَّبَبُ لِلْحُكْمِ]

- ‌ الِاسْتِعَارَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَعَانِي

- ‌[الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ]

- ‌ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ

- ‌إِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ

- ‌قَدْ يَتَعَذَّرُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُمْتَنِعًا

- ‌ الْكَلَامَ إذَا كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ

- ‌(بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ)

- ‌دَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ

- ‌ الثَّابِتُ بِسِيَاقِ النَّظْمِ

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ

- ‌(بَابُ حُرُوفِ) (الْمَعَانِي)

- ‌[معانى الْوَاوُ]

- ‌[معانى الْفَاءُ]

- ‌[معانى ثُمَّ]

- ‌[معانى بَلْ]

- ‌[معانى لَكِنْ]

- ‌[معانى أَوْ]

- ‌بَابُ حَتَّى) :

- ‌بَابُ حُرُوفِ الْجَرِّ)

- ‌[مَعْنَى الْبَاءُ]

- ‌[مَعْنَى عَلَى]

- ‌[مَعْنَى مِنْ]

- ‌[مَعْنَى إلَى]

- ‌[مَعْنَى فِي]

- ‌[حُرُوفِ الْقَسَمِ]

- ‌ اَيْمُ اللَّهِ

- ‌ أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ

- ‌ حُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌ حُرُوفِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ الصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)

- ‌بَابُ وُجُوهِ) (الْوُقُوفِ عَلَى) (أَحْكَامِ النَّظْمِ)

- ‌مَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ وَأُرِيدَ بِهِ الْقَصْدُ أَوْ الْإِشَارَةُ

- ‌ دَلَالَةُ النَّصِّ

- ‌[دَلَالَة الْمُقْتَضِي]

- ‌الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ

- ‌ الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ

- ‌ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ

- ‌ الْعَامَّ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ

- ‌ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مُوجِبٌ الْعَدَمَ

- ‌ مَنْ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ

- ‌(بَابُ الْعَزِيمَةِ) (وَالرُّخْصَةِ)

- ‌[أَقْسَام الْعَزِيمَةُ]

- ‌[أَقْسَام الرُّخَصُ]

- ‌{بَابُ حُكْمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي أَضْدَادِهِمَا}

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ)

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الصَّوْمِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ

- ‌[سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ]

- ‌ سَبَبُ الْخَرَاجِ

- ‌سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ

- ‌سَبَبُ الْكَفَّارَاتِ

- ‌سَبَبُ الْمُعَامَلَاتِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَقْسَامِ) (السُّنَّةِ)

- ‌(بَابُ الْمُتَوَاتِرِ)

- ‌(بَابُ الْمَشْهُورِ)

- ‌(بَابُ خَبَرِ الْوَاحِدِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الرَّاوِي الَّذِي جُعِلَ خَبَرُهُ حُجَّةً)

- ‌[الرَّاوِي الْمَعْرُوفُ]

- ‌[الرَّاوِي الْمَجْهُولُ]

- ‌بَابُ بَيَانِ شَرَائِطِ الرَّاوِي)

- ‌[بَابُ تَفْسِيرِ شُرُوطِ الرَّاوِي وَتَقْسِيمِهَا]

الفصل: وَأَمَّا بَلْ فَمَوْضُوعٌ لِإِثْبَاتِ مَا بَعْدَهُ وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا قَبْلَهُ عَلَى

وَأَمَّا بَلْ فَمَوْضُوعٌ لِإِثْبَاتِ مَا بَعْدَهُ وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا قَبْلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّدَارُكِ يُقَالُ جَاءَنِي زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو وَلِهَذَا قَالَ زُفَرُ رحمه الله فِيمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ بَلْ أَلْفَانِ إنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الثَّانِيَ وَأَبْطَلَ الْأَوَّلَ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ إبْطَالَ الْأَوَّلِ فَلَزِمَاهُ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ إنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَقُلْنَا نَحْنُ إنَّمَا وُضِعَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ لِلتَّدَارُكِ وَذَلِكَ فِي الْعَادَاتِ بِأَنْ يُنْفَى انْفِرَادُهُ وَيُرَادَ بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ كَمَالُهَا بِالْأُولَى وَهَذَا فِي الْإِخْبَارِ مُمْكِنٌ كَرَجُلٍ يَقُولُ سِنِّي سِتُّونَ بَلْ سَبْعُونَ زِيَادَةَ عَشْرٍ عَلَى الْأَوَّلِ فَأَمَّا الْإِنْشَاءُ فَلَا يَحْتَمِلُ تَدَارُكَ الْغَلَطِ وَقَعَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ حَتَّى إذَا قَالَ كُنْت طَلَّقْت أَمْسِ امْرَأَتِي وَاحِدَةً بَلْ ثِنْتَيْنِ أَوْ لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ لِمَا قُلْنَا

ــ

[كشف الأسرار]

الدَّارَ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا تَقَعُ ثَلَاثٌ، وَلَوْ كَانَتْ مَدْخُولَةً تَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِجْمَاعِ، عِنْدَهُ مُتَتَابِعَةً وَعِنْدَهُمَا جُمْلَةً وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَذَكَرَهُ بِالْفَاءِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ فَالطَّحَاوِيُّ جَعَلَ كَلِمَةَ الْفَاءِ مِثْلَ كَلِمَةِ الْوَاوِ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَ.

وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهَا مِثْلُ كَلِمَةِ بَعْدَ فَقَالَ إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا تَقَعُ الثَّلَاثُ مُتَتَابِعَةً وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ

[معانى بَلْ]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا بَلْ) اعْلَمْ أَنَّ كَلِمَةَ بَلْ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِضْرَابِ عَنْ الْأَوَّلِ مَنْفِيًّا كَانَ أَوْ مُوجَبًا وَالْإِثْبَاتُ لِلثَّانِي عَلَى سَبِيلِ التَّدَارُكِ لِلْغَلَطِ فَإِذَا قُلْت جَاءَنِي زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو كُنْت قَاصِدًا لِلْإِخْبَارِ بِمَجِيءِ زَيْدٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَك أَنَّك غَلِطْت فِي ذَلِكَ فَتُضْرِبُ عَنْهُ إلَى عَمْرٍو فَتَقُولُ بَلْ عَمْرٌو وَإِذَا قُلْت مَا جَاءَنِي زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ مَا جَاءَنِي زَيْدٌ بَلْ مَا جَاءَنِي عَمْرٌو فَكَأَنَّك قَصَدْت أَنْ تُثْبِتَ نَفْيَ الْمَجِيءِ لِزَيْدٍ ثُمَّ اسْتَدْرَكْت فَأَثْبَتّه لِعَمْرٍو وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مَا جَاءَنِي زَيْدٌ بَلْ جَاءَنِي عَمْرٌو فَيَكُونُ نَفْيُ الْمَجِيءِ ثَابِتًا لِزَيْدٍ وَيَكُونُ إثْبَاتُهُ لِعَمْرٍو وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاكُ فِي الْفِعْلِ وَحْدَهُ دُونَ الْفِعْلِ وَحَرْفِ النَّفْيِ مَعًا كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ وَقَدْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ كَلِمَةُ (لَا) تَأْكِيدًا لِلنَّفْيِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ.

وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْإِضْرَابُ عَنْ الْكَلَامِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ إذَا كَانَ الصَّدْرُ مُحْتَمِلًا لِلرَّدِّ وَالرُّجُوعِ فَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْعَطْفِ الْمَحْضِ فَيَعْمَلُ فِي إثْبَاتِ الثَّانِي مَضْمُومًا إلَى الْأَوَّلِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ دُونَ التَّرْتِيبِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَمَّا أَوْقَعَ وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي فُلَانَةَ لَا بَلْ فُلَانَةَ يَمْلِكُ أَنْ يُطَلِّقَ الثَّانِيَةَ دُونَ الْأُولَى لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ التَّوْكِيلِ مِنْهُ صَحِيحٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِهِ إعْرَاضًا عَمَّا قَبْلَهُ وَإِثْبَاتًا لِمَا بَعْدَهُ قَالَ زُفَرُ رحمه الله إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ بَلْ أَلْفَانِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ كَلِمَةَ بَلْ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَهُ وَرُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْأَلْفِ بَاطِلٌ وَإِقْرَارُهُ بِالْأَلْفَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْإِقَامَةِ مَقَامَ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ فَيَلْزَمُهُ الْمَالَانِ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ بَلْ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ وَقُلْنَا يَلْزَمُهُ أَلْفَانِ لَا غَيْرُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وُضِعَتْ لِتَدَارُكِ الْغَلَطِ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ فِي الْعَادَةِ تَدَارُكُهُ بِنَفْيِ انْفِرَادِ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا لَا بِنَفْيِ أَصْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْلَهُ دَاخِلٌ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي فَلَوْ صَحَّ التَّدَارُكُ بِنَفْيِ أَصْلِهِ لَاجْتَمَعَ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَعُلِمَ أَنَّ تَدَارُكَ الْغَلَطِ فِي هَذَا الْكَلَامِ بِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ الَّتِي نَفَاهَا فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ تَقْدِيرًا فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ اسْتَدْرَكَ النَّفْيُ بِقَوْلِهِ بَلْ أَلْفَانِ أَيْ غَلِطْت فِي نَفْيِ الْغَيْرِ عَنْهُ بَلْ مَعَ ذَلِكَ الْأَلْفِ آخَرُ كَمَا يُقَالُ حَجَجْت حَجَّةً لَا بَلْ حَجَّتَيْنِ كَانَ اسْتِدْرَاكًا لِنَفْيِ الِانْفِرَادِ عَنْهَا وَإِخْبَارًا لِحَجَّتَيْنِ لَا غَيْرُ وَكَمَا يُقَالُ جَاءَنِي رَجُلٌ بَلْ رَجُلَانِ كَانَ اسْتِدْرَاكًا لِانْفِرَادِهِ لَا لِأَصْلِ مَجِيئِهِ.

وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا

ص: 135

وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ أَوْ بَلْ ثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا إنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ قَصَدَ إثْبَاتَ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَمْلِكْ لِأَنَّهَا بَانَتْ وَلِهَذَا قَالُوا جَمِيعًا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ أَوْ بَلْ ثِنْتَيْنِ إنَّهَا إذَا دَخَلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّ هَذَا لَمَّا كَانَ لِإِبْطَالِ الْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَهُ كَانَ مِنْ قَضِيَّتِهِ اتِّصَالُهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ لَكِنْ بِشَرْطِ إبْطَالِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إبْطَالُ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ فِي وُسْعِهِ إفْرَادُ الثَّانِي بِالشَّرْطِ لِيَتَّصِلَ بِهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ كَأَنَّهُ قَالَ لَا بَلْ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَصِيرُ كَالْحَلِفِ بِالْيَمِينَيْنِ.

وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا إنَّهَا تَبِينُ بِالْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَوَّلِ فَيَصِيرُ مَعْطُوفًا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَكَةِ فَيَصِيرُ مُتَّصِلًا بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِوَاسِطَةٍ وَلَا يَصِيرُ مُنْفَرِدًا بِشَرْطِهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّرِكَةِ فِي اتِّحَادِ الشَّرْطِ فَيَصِيرُ الثَّانِي مُتَّصِلًا بِهِ بِوَاسِطَةِ الْأَوَّلِ فَقَدْ جَاءَ التَّرْتِيبُ وَيَتَّصِلُ بِهَذَا أَنَّ الْعَطْفَ مَتَى تَعَارَضَ لَهَا شَبَهَانِ اُعْتُبِرَ أَقْوَاهُمَا لُغَةً

ــ

[كشف الأسرار]

اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَالِ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ أَعَادَ الْقَدْرَ الْأَوَّلَ وَزَادَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّفَقَ الْجِنْسُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ حَجَجْت حَجَّةً لَا بَلْ عُمْرَتَيْنِ وَبِخِلَافِ الطَّلَاقِ أَيْضًا لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ أَيْ إخْرَاجٌ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ وَبَعْدَمَا ثَبَتَ وُجُودُ شَيْءٍ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ غَيْرَ مَوْجُودٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِدْرَاكُهُ حَتَّى لَوْ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ كَانَ إقْرَارًا بِالثِّنْتَيْنِ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لَهُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا إنَّ الْغَلَطَ فِي الْإِخْبَارِ قَدْ يَتَمَكَّنُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفَانِ بَلْ أَلْفٌ أَوْ عَلَيَّ أَلْفُ دِينَارٍ لَا بَلْ زُيُوفٌ يَلْزَمُهُ أَزْيَدُ الْمَالَيْنِ وَأَفْضَلُهُمَا وَهُمَا الْأَلْفَانِ وَالْجِيَادُ فِي الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّهُ قَصَدَ اسْتِدْرَاكَ الْغَلَطِ بِالرُّجُوعِ عَنْ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا أَوْ وَصَفَهُ فَلَمْ يَعْمَلْ وَفِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ الْمَالَانِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِهِ لِلْإِعْرَاضِ عَمَّا قَبْلَهُ وَإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَهُ قُلْنَا إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَلْ ثِنْتَيْنِ إنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ قَصَدَ الرُّجُوعَ عَنْ الْأَوَّلِ بِإِثْبَاتِ الثَّانِي مَقَامَهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّجُوعِ لِأَنَّهُ لَازِمٌ وَلَا عَلَى إقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَهُ وَإِيقَاعِهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا بِوُقُوعِ الْأَوَّلِ فَلَغَا آخِرُ كَلَامِهِ قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِمَا ذَكَرْنَا قَالُوا جَمِيعًا إلَى آخِرِهِ.

قَالَ أَبُو الْيُسْرِ إنَّمَا يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ عِنْدَ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَدْ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالشَّرْطِ فَإِذَا قَالَ لَا بَلْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَدْ قَصَدَ الرُّجُوعَ وَإِقَامَةَ التَّطْلِيقَتَيْنِ مَقَامَهُ فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ وَتَعْلِيقُ الثِّنْتَيْنِ بِالشَّرْطِ يَصِحُّ لِأَنَّهُ فِي وُسْعِهِ وَقَدْ أَتَى بِهِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنْهُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الشَّرْطَ ثَبَتَ هُنَا مَذْكُورًا إلَّا أَنَّهُ حُذِفَ اخْتِصَارًا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَدَخَلَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً تَقَعُ الثَّلَاثُ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِأَنَّ الْوَاوَ مَا وُضِعَتْ لِلِاسْتِدْرَاكِ وَلَكِنَّهَا لِلْعَطْفِ فَالْأَوَّلُ تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَالثَّانِي تَعَلَّقَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِوَاسِطَةٍ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ نَزَلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَعَلَّقَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ إنَّمَا يُجْعَلُ مُكَرَّرًا إمَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ لِأَنَّ اللَّفْظَ دَالٌّ عَلَيْهِ لُغَةً أَمَّا الضَّرُورَةُ فَمِثَالُهُ قَوْلُهُ جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو. ثَبَتَ مَجِيءُ كُلِّ وَاحِدٍ مُنْفَرِدًا ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مَجِيئُهُمَا بِمَجِيءِ وَاحِدٍ وَأَمَّا مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لُغَةً فَحَرْفُ (بَلْ) فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ لُغَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَيْ إنَّهُ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ يَمِينَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ الشَّرْطُ مُدْرَجًا صَارَ مَعْطُوفًا وَهُوَ يَقْتَضِي الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِدُونِهِ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَثْبُتُ الْوَاسِطَةُ ح بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مُوجَبَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ بَلْ مُوجَبُهَا مَا ذَكَرْنَا فَصَارَ كَأَنَّهُ أَعَادَ الشَّرْطَ وَهَذَا تَعْلِيلُ مُحَمَّدٍ رحمه الله لِأَنَّهُ قَالَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ (لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ) إنْ دَخَلْت قَوْلُهُ (وَيَتَّصِلُ بِهَذَا) أَيْ بِبَابِ الْعَطْفِ أَنَّ الْعَطْفَ مَتَى تَعَارَضَ لَهُ شَبَهَانِ أَيْ جِهَتَانِ اُعْتُبِرَ أَقْوَاهُمَا لُغَةً وَإِنْ بَعُدَ ذَلِكَ الشَّبَهُ لِأَنَّ الْقُرْبَ لَا يُقَابِلُ الْقُوَّةَ فَيُعْتَبَرُ الْقُوَّةُ أَوَّلًا ثُمَّ الْقُرْبُ ثَانِيًا نَحْوُ الْكِنَايَةِ تَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْكَلَامِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ أَقْوَى

ص: 136

فَإِنْ اسْتَوَيَا اُعْتُبِرَ أَقْرَبُهُمَا مِثَالُهُ مَا قَالَ فِي الْجَامِعِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا بَلْ هَذِهِ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ جُعِلَ عَطْفًا عَلَى الْجَزَاءِ دُونَ الشَّرْطِ لِأَنَّا لَوْ عَطَفْنَاهُ عَلَى الشَّرْطِ كَانَ قَبِيحًا لِأَنَّهُ ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ مُتَّصِلٌ غَيْرُ مُؤَكَّدٍ بِالضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ الْمُنْفَصِلِ وَهُوَ التَّاءُ فِي قَوْلِهِ دَخَلْت وَذَلِكَ قَبِيحٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] فَأَكَّدَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْفَاعِلَ مَعَ الْفِعْلِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَإِذَا كَانَ ضَمِيرُهُ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ تَأَكَّدَ الشَّبَهُ بِالْعَدَمِ فَقَبُحَ الْعَطْفُ بِخِلَافِ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ يَتِمُّ الْكَلَامُ بِدُونِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا نَظِيرُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ ضَرَبْتُك لَا بَلْ هَذِهِ يَنْصَرِفُ إلَى الثَّانِيَةِ فَإِذَا عَطَفْنَاهُ عَلَى الْجَزَاءِ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى ضَمِيرٍ مَرْفُوعٍ مُنْفَصِلٍ وَذَلِكَ أَحْسَنُ فَلِذَلِكَ قَدَّمْنَاهُ

ــ

[كشف الأسرار]

كَقَوْلِك رَأَيْت ابْنَ زَيْدٍ وَكَلَّمْته يَنْصَرِفُ الْكِنَايَةُ إلَى الِابْنِ دُونَ زَيْدٍ ثُمَّ إلَى الْمَكْنِيِّ الْأَقْرَبِ ثَانِيًا وَكَمَا فِي الْعَصَبَاتِ يُعْتَبَرُ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ أَوَّلًا ثُمَّ الْقُرْبُ ثَانِيًا مِثَالُهُ رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ فَقَالَ لِأَحَدَيْهِمَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا بَلْ هَذِهِ مُشِيرًا إلَى الْمَرْأَةِ الْأُخْرَى لَا إلَى دَارٍ أُخْرَى أَنَّهُ أَيْ قَوْلُهُ لَا بَلْ هَذِهِ يُجْعَلُ عَطْفًا عَلَى الْجَزَاءِ دُونَ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ الْأُولَى الدَّارَ طَلُقَتَا جَمِيعًا وَلَوْ دَخَلَتْ الْأُخْرَى لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَلِهَذَا الْكَلَامِ وُجُوهٌ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا أَنْ يُجْعَلَ مَعْطُوفًا عَلَى الْجَزَاءِ وَتَقْدِيرُهُ لَا بَلْ هَذِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالثَّانِي أَنْ يُجْعَلَ مَعْطُوفًا عَلَى الشَّرْطِ وَتَقْدِيرُهُ لَا بَلْ هَذِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالثَّالِثُ أَنْ يُجْعَلَ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَجْمُوعِ وَتَقْدِيرُهُ لَا بَلْ هَذِهِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَكُونُ طَلَاقُهَا مُعَلَّقًا بِدُخُولِهَا وَالْكَلَامُ لَا يُحْمَلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِحَالٍ وَيُحْمَلُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي عِنْدَ وُجُودِ النِّيَّةِ فَإِذَا عَدِمَتْ حُمِلَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ اسْتِدْلَالًا بِغَرَضِ الْمُتَكَلِّمِ وَصِيغَةِ الْكَلَامِ.

أَمَّا الِاسْتِدْلَال بِالْغَرَضِ فَهُوَ أَنَّ كَلِمَةَ بَلْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّدَارُكِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقْصِدَ الْإِنْسَانُ تَدَارُكَ أَعْظَمِ الْأَمْرَيْنِ وَالْغَلَطُ فِي الْجَزَاءِ أَهَمُّ وَأَعْظَمُ مِنْ الْغَلَطِ فِي الشَّرْطِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ لِلرُّجْحَانِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِصِيغَةِ الْكَلَامِ فَهُوَ أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ الْمُتَّصِلِ بَارِزًا كَانَ أَوْ مُسْتَتِرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَكَّدَ بِضَمِيرٍ مَرْفُوعٍ مُنْفَصِلٍ قَبِيحٌ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا تَقُولُ الْعَرَبُ فَعَلْت أَنَا وَزَيْدٌ وَقَلَّمَا تَقُولُ فَعَلْت وَزَيْدٌ بَلْ هُوَ شَيْءٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35]{فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ} [المؤمنون: 28] فَلَمْ يَعْطِفْ عَلَى الضَّمِيرِ حَتَّى أَكَّدَهُ بِالْمُنْفَصِلِ وَإِنَّمَا وَجَبَ ذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْعَطْفِ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِيُفِيدَ الْعَطْفُ فَائِدَتَهُ وَهُوَ التَّشْرِيكُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى وَلِهَذَا لَا يُعْطَفُ الِاسْمُ عَلَى الْفِعْلِ وَلَا عَلَى الْعَكْسِ ثُمَّ الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ الْمُتَّصِلُ بِمَنْزِلَةِ الْجُزْءِ مِنْ الْكَلِمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ إعْرَابَ الْفِعْلِ يَقَعُ بَعْدَ هَذَا الضَّمِيرِ فِي نَحْوِ يَضْرِبَانِ وَيَضْرِبُونَ إذْ النُّونُ فِيهِمَا بَدَلٌ عَنْ الرَّفْعِ فِي يَضْرِبُ.

وَأَلَا تَرَى أَنَّهُمْ أَسْكَنُوا لَامَ الْفِعْلِ مَعَ هَذَا الضَّمِيرِ فَقَالُوا ضَرَبْت وَضَرَبْنَا احْتِرَازًا عَنْ تَوَالِي الْحَرَكَاتِ وَإِنَّمَا يُحْتَرَزُ عَنْهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا فِي كَلِمَتَيْنِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْفِعْلِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْعَطْفُ عَلَيْهِ عَطْفًا عَلَى الْفِعْلِ فِي الظَّاهِرِ فَوَجَبَ تَأْكِيدُهُ بِالْمُنْفَصِلِ لِيَكُونَ عَطْفًا لِلِاسْمِ عَلَى الِاسْمِ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ وَالْفَاعِلَ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ لِافْتِقَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ إذْ الْفِعْلُ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْفَاعِلِ وَمَنْ قَامَ بِهِ الْفِعْلُ لَا يَتَّصِفُ بِالْفَاعِلِيَّةِ بِدُونِ الْفِعْلِ فَكَانَ لَهُ فِي ذَاتِهِ شَبَهٌ بِالْعَدَمِ نَظَرًا إلَى افْتِقَارِهِ إلَى الْفِعْلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ مُظْهَرًا مُنْفَصِلًا لَا يُعْبَأُ بِهَذَا الشَّبَهِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ فَإِذَا كَانَ غَيْرَ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ ضَمِيرًا مُسْتَكِنًّا أَوْ بَارِزًا مُتَّصِلًا تَأَكَّدَ الشَّبَهُ بِالْعَدَمِ وَالْعَطْفُ عَلَى الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً بَاطِلٌ فَعَلَى مَا تَأَكَّدَ شَبَهُهُ بِالْعَدَمِ كَانَ قَبِيحًا فَوَجَبَ التَّأْكِيدُ بِالْمُنْفَصِلِ لِيَحْصُلَ الْعَطْفُ عَلَى الْمَوْجُودِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ الْمُتَّصِلِ حَيْثُ جَازَ مِنْ غَيْرِ مُؤَكِّدٍ

ص: 137

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

كَقَوْلِك ضَرَبْته وَزَيْدًا لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ لَفْظًا لَا تَقْدِيرًا لِأَنَّ الْمَفْعُولَ فَضْلَةٌ فِي الْكَلَامِ فَكَانَ مُنْفَصِلًا فِي التَّقْدِيرِ وَلِذَلِكَ لَا يُغَيَّرُ لَهُ الْكَلِمَةُ فَإِنَّك تَقُولُ ضَرَبَك وَضَرَبَنَا فَيَكُونُ الْبَاءُ عَلَى حَالِهَا فَلِذَلِكَ جَازَ الْعَطْفُ عَلَيْهِ فَأَمَّا مَا نَحْنُ فِي بَيَانِهِ فَمُتَّصِلٌ لَفْظًا وَتَقْدِيرًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْفَاعِلَ كَالْجُزْءِ مِنْ الْفِعْلِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْسُنْ الْعَطْفُ عَلَيْهِ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا عَطَفْنَا قَوْلَهُ لَا بَلْ هَذِهِ عَلَى الشَّرْطِ صَارَ عَطْفًا عَلَى التَّاءِ فِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت وَهُوَ ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ مُتَّصِلٌ غَيْرُ مُؤَكَّدٍ بِالْمُنْفَصِلِ وَلَوْ عَطَفْنَاهُ عَلَى الْجَزَاءِ صَارَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ فَأَنْتِ وَهُوَ ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ مُنْفَصِلٌ فَكَانَ هَذَا أَوْلَى.

فَإِنْ قِيلَ قَدْ جُعِلَ الْفَاصِلُ قَائِمًا مَقَامَ الْمُؤَكِّدِ فِي جَوَازِ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ الْمُتَّصِلِ مِنْ غَيْرِ قَبِيحٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ - وَامْرَأَتُهُ} [المسد: 3 - 4] فَقَوْلُهُ امْرَأَتُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي سَيَصْلَى عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ (حَمَّالَةَ) بِالنَّصْبِ وَجَازَ ذَلِكَ لِلْفَاصِلِ وَهُوَ قَوْلُهُ {نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد: 3] وَكَذَا وَلَا آَبَاؤُنَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} [الأنعام: 148] مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي أَشْرَكْنَا لِلْفَاصِلِ وَهُوَ كَلِمَةُ لَا وَكَذَا وَآَبَاؤُنَا فِي قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا} [النمل: 67] مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي كُنَّا بِاعْتِبَارِ الْفَاصِلِ وَهُوَ تُرَابًا إلَى غَيْرِهَا مِنْ النَّظَائِرِ وَهَهُنَا قَدْ وُجِدَ الْفَاصِلُ وَهُوَ لَفْظَةُ الدَّارِ وَكَلِمَةُ لَا فَيَقْتَضِي جَوَازَ الْعَطْفِ عَلَى التَّاءِ فِي دَخَلْت مِنْ غَيْرِ قُبْحٍ كَمَا جَازَ عَلَى أَنْتَ وَاسْتِوَاءَ الشَّبَهَيْنِ فِي صِحَّةِ الْعَطْفِ وَإِذَا اسْتَوَيَا تَرَجَّحَ الْعَطْفُ عَلَى الشَّرْطِ بِالْقُرْبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ ضَرَبْتُك لَا بَلْ هَذِهِ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي ضَرَبْتُك لَا عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ حَتَّى كَانَ طَلَاقُ الْأُولَى مُعَلَّقًا بِضَرْبِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَا تَطْلُقُ الثَّانِيَةُ بِحَالٍ لِاسْتِوَاءِ الْجِهَتَيْنِ وَتَرَجُّحِ الْأَخِيرَةِ بِالْقُرْبِ قُلْنَا إنَّمَا جُعِلَ الْفَاصِلُ قَائِمًا مَقَامَ الْمُؤَكِّدِ فِي جَوَازِ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ الْمُتَّصِلِ مِنْ غَيْرِ قُبْحٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْكَلَامِ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ آخَرُ أَقْوَى مِنْهُ فَأَمَّا إذَا وُجِدَ ذَلِكَ فَالْعَطْفُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَدْ وُجِدَ الْأَقْوَى وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ فِي صِحَّةِ الْعَطْفِ عَلَيْهِ إلَى مُؤَكِّدٍ وَلَا فَاصِلٍ فَكَانَ أَوْلَى مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْعَطْفُ عَلَى الْأَقْوَى فَحِينَئِذٍ يُصَارُ إلَى مَا دُونَهُ فِي الدَّرَجَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا بَلْ فُلَانٌ فَيَتَعَيَّنُ الْعَطْفُ عَلَى الشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ ضَمِيرًا مَرْفُوعًا مُتَّصِلًا لِتَعَذُّرِ الْعَطْفِ عَلَى الْجَزَاءِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ.

وَقَدْ جَاءَ الْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فِي قَوْلِهِ:

قُلْت إذْ أَقْبَلَتْ وَزَهْرٌ تَهَادَى

كَنِعَاجِ الْمَلَا تَعَسَّفْنَ رَمْلَا

فَمَعَ الْفَصْلِ أَوْلَى ثُمَّ إنَّهُ إنْ نَوَى الْوَجْهَ الثَّانِيَ وَهُوَ الْعَطْفُ عَلَى الشَّرْطِ صَحَّ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَإِنْ دَخَلَتْ الثَّانِيَةُ أَوْ الْأُولَى الدَّارَ طَلُقَتْ الْأُولَى وَاحِدَةً وَلَوْ دَخَلَتَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ دَخَلَتْ الْأُولَى طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ أَيْضًا فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي صَرْفِ الطَّلَاقِ عَنْ الثَّانِيَةِ بِدُخُولِ الْأُولَى لِأَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِظَاهِرِ الْعَطْفِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِهِ وَإِنَّمَا صَدَّقْنَاهُ فِيمَا فِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ دُونَ التَّخْفِيفِ وَإِنْ نَوَى الْوَجْهَ الثَّالِثَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْعَطْفِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْقِيَامُ مَقَامَ الْأَوَّلِ فِي الَّذِي تَمَّ بِهِ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ فَإِذَا تَعَذَّرَ إبْطَالُ الْأَوَّلِ وَجَبَ الشَّرِكَةُ فِي ذَلِكَ

ص: 138