المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثالث عشر - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٥

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب اللقطة

- ‌باب الوصايا

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب النكاح

- ‌الحديث الأول

- ‌بَابِ

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب الصداق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب العدة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب اللعان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الرضاع

- ‌الحديث الأول

الفصل: ‌الحديث الثالث عشر

‌الحديث الثالث عشر

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ، طُوَّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ"(1).

* * *

(عن) أم المؤمنين (عائشةَ) الصدّيقة بنتِ الصدّيق (رضي الله عنها) وعن أبيها: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ظلم) أصلُ الظلم: الجور، ومجاوزة الحدّ، ومعناه الشرعي: وضع الشيء في غير موضعه الشرعي، وقيل: التصرف في ملك الغير بغير إذنه، والمظالم: جمع مظلمة، مصدر ميمي من ظلم يظلم ظلمًا، والمظلمة -أيضًا-: اسمُ ما أُخِذَ منكَ بغيرِ حقّ،

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (2321)، كتاب: المظالم، باب: إثم من ظلم شيئًا من الأرض، و (3023)، كتاب: بدء الخلق، باب: ما جاء في سبع أرضين، ومسلم (1612)، كتاب: المساقاة، باب: تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 319)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 50)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 226)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1215)، و"فتح الباري" لابن حجر (5/ 103)، و"عمدة القاري" للعينىِ (12/ 299)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (4/ 260)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (6/ 63).

ص: 118

والظلم: أخذ مالِ الغير بغيرِ حقّ (1)(قيد) -بكسر القاف-؛ أي: قدر.

قال في "المطلع" في قوله: "قيدَ رمح": يقال: قِيد رمح، وقِيس رمح، وقِدّ رمح -بكسر قافات الثلاثة-، وقاد رمح، وقاسُ رمح، خمس لغات بمعنى: قدر رمح، انتهى (2).

(شبرٍ) بالجر بإضافته إلى "قيد"، وهو ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر، مذكر، وجمعه أشبار (3)، والمراد: من اغتصب شيئًا (من الأرض)، وذكرُ الشبر على التنزُّل، والمقصود: من استولى على شيء من الأرض بغيرِ حقٍّ، سواء كان شبرًا، أو نحوه، أو دونه.

وقال: ابن دقيق العيد: قيَّده بالشبر مبالغة، ولبيان أنَّ ما زاد على مثله أولى منه، انتهى (4).

وفي حديث سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: قال: النبي صلى الله عليه وسلم: "من أخذ من الأرضِ شيئًا بغيرِ حقٍّ، خُسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين" رواه البخاري (5). فقوله: "شيئًا" يتناول القليل والكثير من الأرضِ، (طُوِّقَهُ)؛ أي: جُعل طوقًا له، وهو -بضم الطاء المهملة- على بناء المجهول.

وقال: الخطابي: له وجهان:

أحدهما: أن يكلف ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر، فتكون

(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (12/ 283).

(2)

انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 97).

(3)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 529)، (مادة: شبر).

(4)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 226).

(5)

رواه البخاري (2322)، كتاب: المظالم، باب: إثم من ظلم شيئًا من الأرض.

ص: 119

كالطوق في عنقه، ويطول الله عنقه كما جاء في غلظ جلد الكافر، وعظم ضرسه، أو يطوق إثم ذلك، ويلزم كلزومِ الطوق بعنقه.

وقال أبو الفرج بن الجوزي: هو من تطويق التكليف، لا من التقليد.

قال: وليس ذلك بممتنع، فإنّه صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا أُلفيَنَّ أحدَكم يأتي على رقبته بعير أو شاة"(1).

(من سبعِ أرضين).

وفي حديث يعلى بن مرّة: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيُّما رجل ظلم شبرًا من الأرض، كلّفه الله أن يحفره حتى يبلغ سبع أرضين، ثم يطوقه يوم القيامة حتى يُقضى بين الناس"(2).

وفي رواية الشعبي عن أيمن، عنه:"من سرق شبرًا من أرض، أو غلّه، جاء يحمله يوم القيامة على عنقه إلى سبع أرضين"(3).

وفي روايةٍ: "كُلِّف أن يحمل ترابها إلى المحشر"(4).

وفي "الصحيحين" من حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، قال: سمعتُ

(1) رواه البخاري (2908)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الغلول، ومسلم (1831)، كتاب الإمارة، باب: غلظ تحريم الغلول. وانظر: "عمدة القاري" للعيني (12/ 298).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 173)، وابن حبان في "صحيحه"(5164)، وغيرهما.

(3)

رواه أبو يعلى في "معجمه"(111)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(5750).

(4)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 172)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(22013)، والطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 269).

ص: 120

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ظلم من الأرض شبرًا، طُوّقه من سبع أرضين"(1).

وفيهما: عن عروة بن الزبير: أنَّ أروى بنتَ أُويس ادّعت على سعيد بن زيد أنَّه أخذ شيئًا من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: أنا كنتُ آخذ من أرضها شيئًا بعد الذي سمعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال؟ قال: وما سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالل: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذ شبرًا من الأرض ظُلمًا، طُوقه إلى سبع أرضين"، فقال له مروان: لا أسأَلُكَ بيّنةً بعد هذا، فقال: اللهم إن كانت كاذبة، فأَعمِ بصرها، واقتلْها

في أرضها. قال: فما ماتت حتى ذهب بصرُها، ثم بينما هي تمشي في أرضها، إذ وقعت في حفرة، فماتت (2).

وقال الكرماني: رُوي أنَّ مروان أرسل إلى سعيد ناسًا يكلمونه في شأن أروى بنتِ أويس، وكانت شَكَتْه إلى مروان في أرض، فقال سعيد: تروني ظلمتها؟ وقد سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، الحديث، فتركَ سعيدٌ لها ما ادّعت، وقال: اللهم إن كانت كاذبة، فلا تُمتها حتّى تُعمي بصرها، وتجعل قبرها في بئر، قالوا: فوالله ما ماتت حتى ذهب بصرُها، فجعلت تمشي في دارها، فوقعت في بئرها (3).

وفي "مسند الإمام أحمد"، وأبي يعلى، و"صحيح ابن خزيمة" من

(1) رواه البخاري (2320)، كتاب: المظالم، باب: إثم من ظلم شيئًا من الأرض، ومسلم (1610)، كتاب: المساقاة، باب: تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها.

(2)

رواه مسلم فقط (1610)، كتاب: المساقاة، باب: تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها.

(3)

رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(21/ 85). وانظر: "عمدة القاري" للعيني (12/ 298).

ص: 121

طريق ابن إسحاق: حدّثني الزهري، عن طلحة بن عبد الله، قال: أتتني أروى بنتُ أويس في نفرٍ من قريش فيهم عبدُ الرحمن بنُ سهل، فقالت: إن سعيدًا انتقص من أرضي إلى أرضه ما ليس له، وقد أحببتُ أن تأتوه فتكلموه، قال: فركبنا إليه وهو بأرضه العقيق، فذكر الحديث (1)، وكان سعيد رضي الله عنه مجابَ الدَّعوة.

وفي "الصحيحين" من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه: أنَّ أروى خاصمته في بعض داره، فقال: دعوها وإتاها، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث، ثمّ قال: اللهم إن كانت كاذبة، فأَعم بصرها، واجعل قبرها في دارها.

قال محمّد بن زيد: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر، وتقول: أصابتني دعوةُ سعيد بن زيد، فبينما هي تمشي في الدار، إذ مرّت على بئرٍ في الدار، فوقعت فيها، فكانت قبرها (2).

تنبيهات:

الأوّل: مقصود الحافظ المصنف -رحمه الله تعالى- بذكر هذا الحديث في الأحكام مع أنه من أحاديث الترهيب: أنَّ العقار يصحّ غصبه (3).

قال في "شرح المقنع": ويُضمن العقار بالغصب، ويُتصور غصبُ الأرض والدور، ويجب ضمانه على غاصبه.

قال: هذا ظاهر مذهب الإمام أحمد، وهو المنصوص عند أصحابه،

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 189)، وأبو يعلى في "مسنده"(950).

(2)

رواه مسلم فقط (1610)، (3/ 1230)، كتاب: المساقاة، باب: تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها.

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 227).

ص: 122

وبه قال مالك، والشافعي، ومحمد بن الحسن.

وروى ابن منصور عن الإمام أحمد فيمن غصب أرضًا فزرعها، ثم أصابها غرق من الغاصب: غرم قيمة الأرض، وإن كان سببًا من السماء، لم يكن عليه شيء، فظاهر هذا: أنَّها لا تضمن بالغصب، والمعتمد: بلى، كما علمت.

وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف: لا يُتصور غصبُها، ولا تُضمن بالغصب، وإن أتلفها، ضمنها بالإتلاف؛ لأنه لا يوجد فيها النقل

والتحويل، فلم يضمنها، كما لو حال بينه وبين متاعه، فتلف المتاع، ولأن الغصب إثبات اليد على المتاع عدوانًا على وجهٍ تزول به يد المالك، ولا يمكن ذلك في العقار.

ولنا: ما ذكرنا من الأحاديث، وفي بعض ألفاظها:"من غصب شبرًا من الأرض"(1)، وفي بعضها:"من سرق"(2)، وفي بعضها:"من اقتطع"(3)، وفي بعضها:"من ظلم"(4)، وفي بعضها:"من أخذ"(5)، فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم: أنّه يغصب ويظلم فيه، ولأن ما ضمن في البيع، وجب ضمانه في الغصب، كالمنقول، ولأنه يمكن الاستيلاء عليه على وجهٍ يحول بينه وبين مالكه، مثل أن يسكن الدار، ويمنع مالكها من دخولها، فأشبه ما لو أخذ الدابة والمتاع، وأما إذا حال بينه وبين متاعه، فما استولى على

(1) تقدّم تخريجه عند مسلم برقم (1611) بلفظ: "لا يأخذ أحد شبرًا. . .".

(2)

تقدم تخريجه من حديث يعلى بن مرة رضي الله عنه.

(3)

رواه مسلم (1610)، كتاب: المساقاة، باب: تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها.

(4)

تقدم تخريجه.

(5)

تقدم تخريجه.

ص: 123

ماله، فنظيره ها هنا أن يحبس المالك، ولا يستولي على داره، فأما ما تلف من الأرض بفعله، أو بسبب فعله، كهدم حيطانها، وتغريقه، وكشط ترابها، وإلقاء الحجارة فيها، أو نقصٍ يحصل بغرسِه أو بنائه، فيضمنه، بغير خلاف بين العلماء؛ لأن هذا إتلاف، والعقار يُضمن بالإتلاف من غير اختلاف (1).

قلت: ومعتمد المذهب: أنَّ الأرض مادامت في استيلاء الغاصب، فهي وأجرتها وما نقص منها من ضمانه، سواء كان بفعله، أو بسببه، أو بآفةٍ سماويّة؛ لأن العقار مضمونٌ بغصبه.

والعَقار -بفتح العين-: الضيعة، والنخل، والأرض، وغير ذلك، قاله أبو السعادات (2).

وقال أبو عبد الله بن مالك في "مثلثه": العقار -بالفتح-: متاعُ البيت، وخيار كل شيء، والمال الثابت، كالأرض والشجر، وهو المراد هنا (3).

وقال الكرماني في "شرح البخاري": وفيه -أي: الحديث-: غصب الأرض؛ أي: دليل على أنّ الأرض تُغصب، ويتأتى عليها ذلك، قال: خلافًا للحنفيّة.

قال العيني: رمى الكرماني كلامه جزافًا من غير وقوفٍ على كيفية مذهب الحنفية، فإن مذهبهم فيه خلاف، فعند أبي حنيفة، وأبي يوسف: الغصبُ لا يتحقق إلّا فيما ينقل ويحوَّل؛ لأنّ إزالة اليد بالنقل، ولا نقل في العقار، فإذا غصب عقارًا، فتلف في يده، لا يضمن.

(1) انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر (5/ 375).

(2)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 274).

(3)

نقله ابن أبي الفتح في "المطلع على أبواب المقنع"(ص: 274).

ص: 124

وقال محمد: يضمن، وهو قول أبي يوسف الأول، وبه قال زفر، والشافعي، ومالك، وأحمد؛ لأن الغصب عندهم يتحقق في العقار، والخلافُ في الغصب، لا في الإتلاف (1).

هذا كلامه، ولا يخفى على منصفٍ أنّ الذي نسبه لكلام الكرماني بكلامه أَجدر، والحقُّ أحقّ أن يُتبع.

ثمّ قال العيني رحمه الله: والاستدلال بحديث الباب على ما ذهبوا إليه غيرُ مستقيم؛ لأنّه عليه السلام غصب الأرض التطوُّقَ يوم القيامة، ولو كان الضمان واجبًا، لبينه؛ لأن الضمان من أحكام الدنيا، فالحاجة إليه أمسّ.

قال: والمذكورُ جميعُ جزائه، فمن زاد عليه، كان نسخًا، وذلك لا يجوز بالقياس، وإطلاق لفظ الغصب عليه لا يدلُّ على تحقق الغصب الموجب للضمان، كما أنّه عليه السلام أطلق لفظَ البيع على الحرّ بقوله:"من باع حُرًّا"(2)، ولا يدل على ذلك؛ أي: البيع الموجب لحكم، على أنه جاء في "الصحيحين" بلفظ:"أخذ"، فقال:"من أخذ شبرًا من الأرضِ ظلمًا"، فعُلم أنّ المراد من الغصب الأخذُ ظلمًا لا غصبًا موجبًا للضمان، ثم أورد على نفسه حديث:"على اليد ما أخذت حتى ترده"(3)، وأجاب:

(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (12/ 298 - 299).

(2)

رواه البخاري (2114)، كتاب: البيوع، باب: إثم من باع حرًا، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

رواه أبو داود (3561)، كتاب: الإجارة، باب: في تضمين العارية، والترمذي (1266)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في أن العارية مؤداة، وابن ماجة (240)، كتاب: الصدقات، باب: العارية، من حديث سمرة رضي الله عنه.

ص: 125

بأنّ هذا بالمنقول أولى؛ لأن الأخذ حقيقة لا يتصور في العقار؛ لأن حدّ الأخذ أن يصير المأخوذ تبعًا ليده، كذا قال (1).

قلتُ: لا يخفى ما في هذا الكلام على من له أدنى إلمام، فإنّ حديث البعير والشاة يدلُّ على ردّ ما ادّعاه من كون التطوق بالأرض جزاء غصبها، وحمله حديث:"على اليد ما أخذت حتى تردّه" على المنقول تحكُّم، والله الموفق.

الثاني: في الحديث دليلٌ على أنّ من ملك أرضًا تملك أسفلَها إلى منتهاها، فله أن يمنع من حفر تحتها سربًا، أو بئرًا، سواء أضرّ ذلك بأرضه، أو لا.

قال الحافظ ابن الجوزي: لأن حكم أسفلها تبع لأعلاها، وعلى ذلك، فله أن ينزل بالحفر ما شاء، ما لم يضر بأحد.

واستدل الداودي على أنّ السبع أرضين بعضها على بعض، لم يفتق بعضها من بعض، قال: لأنها لو فتقت، لم يطوق منها ما ينتفع به غيره.

وقيل: بين كل أرض وأرض خمس مئة عام مثل ما بين كل سماء وسماء (2).

وفي الحديث: دليل على أنّ الأرضين سبع كما قال تعالى: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12]، وأجاب من خالف ذلك بأنْ حملَ سبعَ أرضين على سبع أقاليم (3).

(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (12/ 298 - 299).

(2)

المرجع السابق، (12/ 298).

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 227).

ص: 126

الثالث: لا يحصل الغصب من غير استيلاء، فلو دخل أرضَ إنسان أو دارهَ، لم يضمنها بدخوله، سواء دخلها بإذنه، أو بغير إذنه، وسواء كان صاحبها فيها، أو لم يكن، وقال بعض الشافعية: إن دخلها بغير إذنه، ولم يكن صاحبها فيها، ضمنها، سواء قصد ذلك، أو ظنّ أنّه داره، أو دارٌ أُذن له في دخولها؛ لأن يد الدّاخل تثبت عليها بذلك، فيصير غاصبًا، فإن الغصب إثباتُ اليد العادية، وهذا قد أثبت يده، بدليل أنهما لو تنازعا في الدار، ولا بينة، حكم لمن هو فيها دون الخارج منها.

ولنا: أنه غير مستولٍ عليها، فلم يضمنها، كما لو دخلها بإذنه، أو دخل حميراه، ولأنه إنما يضمن بالغصب ما يضمنه بالعارية، وهذا لا تثبت به العارية، ولا يجب به الضمان فيها، فكذلك لا يثبت به الغصب إذا كان بغير إذنه (1)، والله الموفق.

(1) انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر (5/ 375 - 376).

ص: 127