المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث السادس عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٥

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب اللقطة

- ‌باب الوصايا

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب النكاح

- ‌الحديث الأول

- ‌بَابِ

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب الصداق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب العدة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب اللعان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الرضاع

- ‌الحديث الأول

الفصل: ‌ ‌الحديث السادس عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ

‌الحديث السادس

عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سبِيلِ اللهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ، فَظَنَنْتُ أَنّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإنَّ العَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالعَائِدِ فِي قَيْئهِ"(1). وَفِي لَفْظٍ: "فَإنَّ الَّذِي يَعُودُ في صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئهِ"(2).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (2480)، كتاب: الهبة وفضلها، باب: لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، و (2841)، كتاب: الجهاد والسير، باب: إذا حمل على فرس فرآها تباع، ومسلم (1/ 1620)، كتاب: الهبات، باب: كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه، والنسائي (2615)، كتاب: الزكاة، باب: شراء الصدقة.

(2)

رواه البخاري (1419)، كتاب: الزكاة، باب: هل يشتري صدقته، ومسلم (2/ 1620)، كتاب: الهبات، باب: كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 254)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 342)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 578)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 64)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 213)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1198)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 353)، و"عمدة القاري" للعيني (9/ 86)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني =

ص: 59

(عن) أميرِ المؤمنين أبي حفص (عمرَ) بنِ الخطاب (رضي الله عنه، قال: حملتُ) رجلًا (على فرس في سبيل الله)؛ أي: تصدقت به، ووهبته له بأن يقاتل عليه في سبيل الله تعالى؛ أي: جعلته حمولة لمن لم تكن له حمولة من المجاهدين، والمراد: مَلَّكه إياه (1)، وكان اسم الفرس فيما ذكره ابن سعد في "الطبقات": الورد، وكان لتميم الداري، فأهداه للنبي صلى الله عليه وسلم، فأعطاه لعمر (2)، ولم يعرف الحافظ ابن حجر اسم الرجل المعطَى، وكذا البرماوي في "مبهمات الزهر" لم يسمه، وسمى الفرسَ كما ذكرنا، وفي رواية القعنبي في "الموطأ": على فرسٍ عتيقٍ (3)، والعتيقُ: الكريم (4)، (فأضاعه) الرجل (الذي كان عنده) بترك القيام فيه من الخدمة والعلف والسقي وإرساله للمرعى حتى صار كالشيء الهالك (5)، وقيل: أي: لم يعرف مقداره، فأراد بيعه بدون قيمته (6)، (فأردتُ أن أشتريه، فظننت)، وفي نسخة: وظننت -بالواو بدل الفاء (7) - (أنه يبيعه برخص، فسألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم) عن ذلك، (فقال) عليه الصلاة والسلام:(لا تشتره)

= (4/ 363)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 92)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 244).

(1)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (5/ 236).

(2)

رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(1/ 490).

(3)

رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 282)، ومن طريقه: مسلم (1/ 1620)، كما تقدم تخريجه.

(4)

انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 176).

(5)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 75).

(6)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (5/ 236).

(7)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 75).

ص: 60

بإثبات الضمير، وفي بعض نسخ البخاري بحذفه، ولابن عساكر:"لا تشتريه" بإشباع كسرة الراء والياء.

وظاهر النهي: التحريم.

وقال الكرماني: إنه للتنزيه.

قال القسطلاني: وظاهر النهي: التحريم، ولكن حمله الجمهور على التنزيه (1).

قال العيني: وحمله قومٌ على التحريم، وليس بظاهر (2). انتهى.

قال علماؤنا: يحرم على مزكٍّ ومتصدّق شراءُ زكاته أو صدقتِه، ولا يصح الشراء، لحديث عمر، يعني: هذا، حسمًا لمادة استرجاع شيءٍ منها حيًا، أو طمعًا في مثلها، أو خوفًا ألا يعطيه بعد، فإن عادت إليه بنحو إرثٍ أو وصيةٍ أو هبةٍ أو دينٍ، حلّت (3).

وفي "الفروع" للعلامة ابن مفلح: يحرم شراء زكاته، نص عليه، وهو أشهر.

قال صاحب "المحرر": صرح جماعة من أصحابنا وأهل الظاهر بأن البيع باطل، واحتج الإمام أحمد بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تشتره"(4)، (ولا تعد في صدقتك) لا بطريق الابتياع، ولا غيره، فهو من عطف العام على الخاص، (وإن أعطاكه)؛ أي: الفرسَ الذي تصدقَت به وحملته عليه (بدرهم) متعلق

(1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(2)

انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 176).

(3)

انظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (2/ 238 - 239).

(4)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 486).

ص: 61

بقوله: "لا تشتره"؛ أي: لا ترغب فيه أَلبتة، ولا تنظر إلى رخصه، ولكن انظر إلى أنه صدقتك (1).

قال في "الفروع": ولأنه وسيلة إلى استرجاع شيء منها؛ لأنه يسامحه رغبة أو رهبة.

وعنه -أي: الإمام أحمد-: يكره، اختاره القاضي وغيره، وفاقًا لمالك والشافعي، لشراء ابن عمر رضي الله عنهما، وهو راوي الحديث.

وعنه: يباح، وفاقًا لأبي حنيفة، كما لو ورثها، نص عليه اتفاقًا، وعلله جماعة بأنه رجوعٌ إليه بغير فعله، فيؤخذ منه أن ما كان بفعله كالبيع، وفاقًا للشافعي، ونصوص الإمام أحمد إنما هي في الشراء.

وصرح في رواية علي بْن سعيد: أن الهبة كالميراث، ونقل حنبل: ما أراد أن يشتريه فلا إذا كان شيء جعله لله، فلا يرجع فيه، وظاهر كلام الإمام أحمد رضي الله عنه: أنه لا فرق بين أن يشتريها ممن أخذها منه، أو من غيره، وهو المذهب بلا ريب، وهو ظاهر الخبر، وقاله الشافعية، ونقله أبو داود في فرسٍ حميلٍ، وظاهرُ التعليل، بأنه يسامحه يقتضي الفرق.

ونقل حنبل: وما أراد أن يشتريه، أو شيئًا من نتاجه، فلا، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تشترها، ولا شيئًا من نسلها"، نهى عمر عن ذلك.

قال: في "الفروع": ولم أجد في حديث عمر النهيَ عن شراء نسلها، قال: والصدقة كالزكاة، جزم به جماعة، نقل أبو طالب وغيره -يعني: عن الإمام أحمد-: أنه قال: إذا تصدق بصدقة، لا يرجع فيها، إنما يرجع بالميراث.

(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 75).

ص: 62

ونقل حنبل: لا يجوز أن يعود في صدقته، واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا ترجع، ولا تشترها"، كلُّ ما كان من صدقة، فهذا سبيله، فإن رجع بإرث، جاز.

وظاهر كلامهم: له الأكل منه.

ونقل ابن الحكم فيمن يتصدق على قريبه بدارٍ أو خادمٍ أو شيءٍ: إن أكل منه قبل أن يرثه، فلا، قال عِمرانُ بنُ حصين: لا أُجيزه له (1).

تنبيه:

أورد ابن المنير على قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم" بأن الابتداء في النهي عادته أن يكون بالأخف أو الأدنى، كقوله تعالى:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23]، ولا خفاء بأن إعطاءه إياه بدرهم أقربُ إلى الرجوع في الصدقة مما إذا باعه بقيمته، وبهم الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحجة في الفصاحة.

وأجاب: بأن المراد: لا تغلب الدنيا على الآخرة، وإن وفرها معطيها، فإذا زهد فيها وهي موفرة، فلأن يزهد فيها وهي مقترة أحرى وأولى، فهذا على وفق القاعدةُ، انتهى (2).

ثم علل النهي بالرجوع في صدقته بقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن العائد في هبته) التي وهبها لغيره وقبضها بإذنه (كالعائد في قيئه) الفاء للتعليل؛ أي: كما يقبح أن يقيء ثم يأكل قيئه، كذلك يقبح أن يهب شيئًا، أو يتصدق بشيء، ثم يرجع به، ويجره إلى نفسه بوجه بيع أو نحوه. (وفي لفظٍ) عند الشيخين:(فإن الذي يعود في صدقته) بعد أن تصدق بها وأقبضها لمن أخذها (كالكلب

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 486 - 487).

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 75).

ص: 63

يعود في قيئه) الذي يقذفه من داخل جوفه، فشبه بأخسّ الحيوانات في أخسّ أحواله، تصويرًا للتهجين، وتنفيرًا منه.

قال في "المصابيح": وفي ذلك دليل على المنع عن الرجوع في الصدقة، لما اشتمل عليه من التنفير الشديد، من حيث شبه الراجع بالكلب، والمرجوع فيه بالقيء، والرجوع في الصَّدقة برجوع الكلب في قيئه، انتهى (1).

وقد جزم جمعٌ محققون بالحرمة.

قال قتادة: لا نعلم القيء إلا حرامًا (2).

وقالت الشافعية: إن ذلك للتنزيه؛ لأن فعل الكلب لا يوصف بتحريم، إذ لا تكليف عليه، فالمراد: التنفير من العود بتشبيهه بهذا المستقذر (3).

وقلتُ: ولا يخفى مافي هذا.

وقد ترجم البخاري باب: لا يحل لرجل أن يرجع في هبته وصدقته (4).

قال ابن بطال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجوعَ في ذلك كالرجوع في القيء، وهو حرام، فكذا الرجوع في الهبة، ثم أجاب بمثل ما تقدم (5)، مع أنه جاء في حديث:"لا يحل لواهب أن يرجع في هبته"، ولفظه عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لرجل أن يعطي لرجل عطية، أو يهب هبة، ثم يرجع فيها، إِلا الوالد فيما يعطي

(1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(2)

رواه أبو داود (3538)، كتاب: الإجارة، باب: الرجوع في الهبة.

(3)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 75).

(4)

انظر: "صحيح البخاري"(2/ 924).

(5)

انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 175).

ص: 64

ولده، ومثلُ الذي يرجع في عطيته أو هبته كالكلب يأكل، فإذا شبع، قاء، ثم عاد في قيئه" رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وقال الترمذي: حديثٌ حسن صحيح (1).

ولا يخفى أن المقصود من هذه الأحاديث المبالغةُ في الزجر عن العودة في الصدقة، كقوله صلى الله عليه وسلم:"من لعب بالنردشير، فكأنما غمس يده في لحم خنزير"(2)، وأمثاله مما فيه مزيد الزجر والتحذير.

يرشدك حديث ابن عباس، وهو في "الصحيحين" وفي بعض طرق البخاري ما لفظه: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس لنا مثل السوء" مثل الذي يعود في هبته، كالكلب يرجعُ في قيئه" (3)، فقوله: "ليس لنا مثل السوء" يعني: لا ينبغي لنا، يريد صلى الله عليه وسلم نفسه والمؤمنين أن نتصف بصفةٍ ذميمة يشابهنا فيها أخسُّ الحيوانات في أخسِّ أحوالها، وقد قال الله تعالى:{لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: 60]. ولا يخفى ظهور هذا المثل في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضها (4).

(1) رواه أبو داود (3539)، كتاب: الإجارة، باب: الرجوع في الهبة، والنسائي (3692)، كتاب: الهبة، باب: رجوع الوالد فيما يعطي ولده، والترمذي (2132)، كتاب: الولاء والهبة، باب: ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة، ولم يروه ابن ماجة من حديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم.

(2)

رواه مسلم (2260)، كتاب: الشعر، باب: تحريم اللعب بالنردشير، من حديث بريدة رضي الله عنه.

(3)

رواه البخاري (2479)، كتاب: الهبة، وفضلها، باب: لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته.

(4)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (5/ 235).

ص: 65

قال ابن دقيق العيد في الحديث المشروح: إنّه يقتضي منع رجوع الواهب مطلقًا، وإنما يخرج الوالد في الهبة لولده بدليل خاص، قال: وأبو حنيفة أجاز رجوع الأجنبي في الهبة، ومنع من رجوع الوالد في الهبة لولده، عكس مذهب أحمد، والشافعي (1)، والله تعالى أعلم.

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 214).

ص: 66