الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَعَلَيْهِ رَدْعُ زَعْفَرَانٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَهْيَمْ؟ " فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ! تَزَوَّجْتُ امْرأَةً، فَقَالَ:"مَا أَصْدَقْتَهَا؟ " قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ:"فَبَارَكَ اللهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1944)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في قول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الْصَّلَاة} [الجمعة: 10]، و (2171)، كتابك الكفالة، باب: قول الله تعالى: "والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، و (3570)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، و (3722)، باب: كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، و (4785)، كتاب: النكاح، باب: قول الرجل لأخيه: انظر أي زوجتي شئت حتى أنزل لك عنها، و (4853)، باب: قول الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} ، و (4858)، باب: الصفرة للمتزوج، و (4860)، باب: كيف يدعى للمتزوج، و (4872)، باب: الوليمه ولو بشاة، و (5732)، كتاب: الأدب، باب: الإخاء والحلف، و (6023)، كتاب: الدعوات، باب: الدعاء للمتزوج، ومسلم (1427/ 79 - 83)، كتاب: النكاح، باب: الصداق، وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد، وأبو داود (2109)، كتاب: النكاح، باب: قلة المهر، والنسائي (3351 - 3352)، كتاب: النكاح، باب: التزويج على نواة من ذهب، و (3372)، باب: دعاء من لم يشهد التزويج، و (3373 - 3374)، باب: =
(عن) أبي حمزةَ (أنسِ بنِ مالكٍ) الأنصاريِّ النجاريِّ (رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عبدَ الرحمن بنَ عوف) بنِ عبدِ عوف بنِ عبدِ الحارثِ بنِ زهرةَ بنِ كلابِ بنِ مرةَ بنِ كعبِ بنِ لؤيِّ بنِ غالبٍ، هو أبو محمدٍ القرشيُّ الزّهريُّ رضي الله عنه، كان اسمه في الجاهلية عبدَ عمرو، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الرحمن، وأمه الشِّفَّا بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة، أسلمت وهاجرت كما في "جامع الأصول" لابن الأثير.
وَقَدَّمَ البرماوي: أن أمه صفيةُ بنتُ عبد منافِ بنِ زهرة، ثم قال:
= الرخصة في الصفرة عند التزويج، و (3387 - 3388)، باب: الهدية لمن عرس، والترمذي (1094)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء في الوليمة، و (1933)، كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في مواساة الأخ، وابن ماجه (1907)، كتاب: النكاح، باب: الوليمة.
قلت: وقوله في الحديث: "ردع زعفران" ليس في شيء من روايات الصحيحين، قال ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (8/ 312): وهذه اللفظة -أعني: الردع- لم أرها في الصحيحين، انتهى.
نعم وقعت في رواية أبي داود المتقدم تخريجها برقم (2109)، وكذا رواية النسائي (3373)، وقد فات الشارح رحمه الله-التنبيه عليه.
* في مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 210)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 525)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 3)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 585)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 134)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 216)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 50)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1308)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 279)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 232)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 163)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 64)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 154)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (6/ 309).
ويقال: الشفا -بكسر الشين المعجمة وبالفاء- بنتُ عوفِ بنِ الحارث، ويقال: الشفا بنتُ عوف إنما هي أخته.
وأسلم عبد الرحمن رضي الله عنه قديمًا على يد أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين، وشهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت يوم أحد، وصلّى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في غزوة تبوك، وأَتَمَّ ما فاته، كان نحيلًا رقيقَ البشرة أبيضَ مشربًا حمرة ضخمَ الكفين أقنى، وقيل: كان ساقط الثنيتين أعرجَ، أُصيب يوم أحد، وجرح عشرين جراحة أو أكثر، فأصابه بعضُها في رجله، فعرج.
ولد بعد عام الفيل بعشر سنين، وبعثه صلى الله عليه وسلم إلى دومة الجندل، وعَمَّمه بيده، وسدلَها بين كتفيه، وقال له:"إن فتح الله عليك، فتزوَّجْ بنتَ ملكهم وعريفهم"، فتزوجَ بنتَ شريفهم، وهي تُمَاضِرُ بنتُ الأصبغ بنِ ثعلبة بنِ ضمضم، فولدت له أبا سلمةَ الفقيهَ، وهي أول كلبية نكحها قرشيٌّ، وكان الأصبغُ بنُ ثعلبةَ شريفَهم، وكان زواجُ عبد الرّحمن رضي الله عنه على تُماضِرَ بنتِ الأصبغِ الكلبيةِ في شعبانَ سنة سِتٍّ من الهجرة، فأسلم ناس كثير، منهم الأصبغُ، وتُماضِرُ -بضم التاء المثناة فوق وبالضاد المعجمة-، والأَصْبَغ بسكون الصاد المهملة وفتح الموحدة، فغين معجمة-، وكان عبد الرحمن رضي الله عنه طلقها في مرض موته طلقةً واحدة، وهي آخر طلاقها، يعني: تمام الثلاث، فورَّثَها عثمانُ رضي الله عنه، وقصتها في ذلك مشهورة، وتُوفي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه سنة اثنتين وثلاثين، ودفن بالبقيع، وله اثنتان وسبعون سنة، وقيل: خمس وسبعون سنة، وقيل: ثمانٍ وسبعون سنة، ويلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في كلابِ بنِ مرة، وتزوج رضي الله عنه ثلاث عشرة امرأة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسةَ عشرَ حديثًا، اتفق البخاري ومسلم منها على حديثين، وانفرد البخاري بخمسة.
وقال الحافظ ابن الجوزي في كتابه "مشكل الصحيح": روى خمسة وستين حديثًا، اتفقا على سبعة، ومناقبه رضي الله عنه كثيرة شهيرة (1).
(وعليه) أي: والحال أنَّ على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه (رَدْعُ) -براء ودال وعين مهملات مفتوح الأول ساكن الثاني-: هو أثر (2)(زعفران).
وفي رواية: لقيه صلى الله عليه وسلم في سكة من سكك المدينة، وعليه وَضَرٌ من صفرة (3)، والوَضَرُ -بفتح الواو والضاد المعجمة وآخره راء- هو في الأصل: الأثر، والمراد بالصفرة صفرة الخلوق (4).
وفي رواية عند الإمام أحمد: وعليه وَضَرٌ من خلوق (5)، وفي رواية:
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3/ 124)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (5/ 240)، و"الآحاد والمثاني" لابن أبي عاصم (1/ 173)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (5/ 247)، و"الثقات" لابن حبان (2/ 342)، "المستدرك" للحاكم (3/ 345)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (1/ 98)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (2/ 844)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (3/ 475)، و"جامع الأصول" له أيضًا (14/ 128 - قسم التراجم)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 280)، و"تهذيب الكمال" للمزي (17/ 324)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (1/ 68)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر
(4/ 346)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (6/ 221).
(2)
انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (2/ 191).
(3)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 523).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 233).
(5)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 165).
وعليه أثر صفرة (1)، [وفي رواية:] (2) فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه بشاشة العرس (3)، (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهيم؟)؛ أي: ما أمُرك، وما خبرُك، وما شأنك؟ وهي كلمة استفهام مبنية على السكون.
قال ابن دقيق العيد: قيل: إنها لغة يمانية، قال بعضهم: ويشبه أن تكون مركبة (4).
وفي "الفتح": وهل هي بسيطة أو مركبة؟ قولان لأهل اللغة.
وقال ابن مالك: هي اسم فعل بمعنى: أخبر.
ووقع في رواية عند الطبراني في "الأوسط": فقال له: "مهيم"، وكانت كلمته: إذا أراد أن يسأل عن الشيء (5).
ووقع في رواية: "مهين" -بنون آخره بدل الميم- (6)، والأول المعروف.
ووقع في رواية عند البخاري: "ما هذا يا عبد الرحمن؟ "(7).
وفي رواية: أن عبد الرحمن بن عوف أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد خضب بالصفرة، فقال:"ما هذا الخضاب؟ أَعرستَ؟ "، قال: نعم، الحديث (8).
(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4858)، إلا أنه قال:"وبه أثر صفرة".
(2)
ما بين معكوفين ساقطة من "ب".
(3)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4853)، ومسلم برقم (1427/ 82).
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 50).
(5)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(7188).
(6)
هي رواية ابن السكن، كما ذكر الحافظ ابن حجر.
(7)
لم أر هذه الرواية في شيء من روايات البخاري السالفة الذكر، ولم ينقلها الشارح رحمه الله عن الحافظ ابن حجر.
(8)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(5776)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وعند أبي عوانة: أنه قال له: "ما هذا؟ "(1)، (فقال) عبد الرحمن رضي الله عنه:(يا رسول الله! تزوجت) من (امرأة) زاد في رواية مالك: من الأنصار (2).
قال البرماوي: المرأة التي تزوج بها هي بنتُ أنس بن رافع بنِ امرىء القيس بنِ زيد بنِ عبدِ الأشهل بنِ أوسِ، ولدت له القاسمَ، وعبد الله الأكبر، أما عثمانُ، وعبدُ الله الأصغرُ أبو سلمة، وهو الفقيه التابعي الذي أخرج له الجماعة، فأمه تُماضِر بنتُ الأصبغ -كما مرّ آنفًا-، وتزوج عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه -أيضًا- أُمَّ كلثوم بنتَ عقبةَ بنِ أبي مُعيط، وبُجَيْرَةَ بنتَ هانىء، وسهلةَ بنتَ سهيلِ بنِ عمرو، وأمَّ حكيم بنت قارط، وأسماءَ بنتَ سلامة، ونسيبة من بهراء، ومجدة بنتَ يزيد الحِمْيَري، وغزال بنتَ كسرى من سبي سعدِ بن أبي وقاص يومَ المدائن، وباديةَ بنتَ غيلان، وسهلة الصغرى بنتَ عامر العجلاني، وله أولاد كثيرة من هؤلاء يطول ذكرُهم، ولم يسمِّ المرأةَ البرماويُّ.
وفي "الفتح": أما أم إياس بنتُ أبي الحَيْسَر -بفتح المهملتين بينهما تحتانية ساكنة، وآخره راء-، واسمه أنس بن رافع الأوسي (3)، (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: و (ما أصدقتها؟)، وفي لفظ:" [كم] (4) أصدقتها؟ (5) "، وفي آخر:"على كم؟ (6) "، وفي رواية: "ما سُقْتَ
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 234).
(2)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4858).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 234).
(4)
[كم] ساقطة من "ب".
(5)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4872)، وعند مسلم برقم (1427/ 82).
(6)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(7188).
إليها؟ (1)"، وفي رواية مالك: "كم سُقْتَ إليها؟ (2) "، (قال): أصدقتها (وزن نواة من ذهب)، كذا وقع الجزم به في رواية ابن عُيَيْنَة، وفي رواية: نواة من ذهب، أو وزن نواة من ذهب (3)، وفي لفظ: على وزن نواة من ذهب (4)، وفي أخرى عند مسلم: على وزن نواة، قال: فقال رجل من ولد عبد الرحمن: من ذهب (5)، ورجح الداودي رواية من قال: على نواة من ذهب، واستنكر رواية من روى: وزن نواة.
قال في "الفتح": واستنكاره هو المنكر؛ لأن الذين جزموا بذلك أئمة حفاظ (6).
قال عياض: لا وهم في الرواية؛ لأنها إن كانت نواة تمر أو غيره، أو كان للنواة قدر معلوم، صلحّ أن يقال: ذلك وزن نواة (7)، ويأتي الكلام على النواة في كلام المصنف -رحمه الله تعالى-.
(قال) النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: [فبارك الله لك](8)، وفي رواية:(بارك الله لكَ)(9).
(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1944، 3570).
(2)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4858).
(3)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1944).
(4)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4853، 4860، 6023)، ومسلم برقم (1427/ 79 - 80، 83).
(5)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1427/ 83).
(6)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 234).
(7)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 587).
(8)
في الأصل: "بارك الله لكل منكما في صاحبه"، والصواب ما أثبت، إذ الشارح رحمه الله بصدد شرح مفردات الحديث، ولعله سبق قلم منه رحمه الله.
(9)
تقدم تخريجه في أكثر روايات الشيخين.
قال ابن بطّال: فيه رد قول العامة عند العرس: بالرفاء والبنين، وترجم [له] (1) البخاري في "صحيحه" باب: كيف يدعى للمتزوج (2)؟ فكأنه أشار إلى تضعيف قول العامّة، وإلى تضعيف حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنه شهد إملاك رجل من الأنصار، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنكح الأنصاري، وقال:"على الألفة والخير والبركة، والطير الميمون والسعة في الرزق" الحديث أخرجه الطبراني في "الكبير" بسندٍ ضعيف، وفي "الأوسط" بسندٍ أضعف منه (3)، وأخرجه أبو عمر البَرقاني في كتاب "معاشرة الأهلين" من حديث أنس، وزاد فيه: والرفاء والبنين، وفي سنده أبانُ العبديُّ، وهو ضعيف، وأقوى من ذلك ما أخرجه أصحاب "السنن"، وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رَفَّأَ إنسانًا، قال:"بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير"(4).
وقوله: رَفَّأَ -بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز- معناه: دعا له في موضع قولهم: بالرفاء والبنين، وكانت كلمة يقولها أهلُ الجاهلية، فورد النّهي، عنها كما روي من طريق غالب، عن الحسن البصري، عن رجل من بني تميم، قال: كنا نقول في الجاهلية: بالرفاء والبنين، فلما جاء الإسلام،
(1)[له] سقطت من "ب".
(2)
انظر: "صحيح البخاري"(5/ 1979).
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(20/ 97)، وفي "المعجم الأوسط"(118).
(4)
رواه أبو داود (2130)، كتاب: النكاح، باب: ما يقال للمتزوج، والنسائي في "السنن الكبرى"(10089)، والترمذي (1091)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء فيما يقال للمتزوج، وابن حبان في "صحيحه"(4052)، والحاكم في "المستدرك"(2745).
علّمنا نبينا، قال:"قولوا: بارك الله لكم، وبارك فيكم، وبارك عليكم"(1) وأخرج النسائي (2)، والطبراني عن الحسن، عن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه قدم البصرة، فتزوج امرأة، فقالوا له: بالرفاء والبنين، فقال: لا تقولوا هكذا، وقولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم بارك لهم، وبارك عليهم"(3)، ورجالهم ثقات، إلا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال.
ودلّ حديث أبي هريرة الذي في "السنن" على أن هذا القول كان مشهورًا عندهم غالبًا حتى سمي كلُّ دعاء للمتزوج ترفية.
واختلف في علة النهي عن ذلك، فقيل: لأنه لأحمدَ فيه ولا ثناء ولا ذكر لله -تعالى-، وقيل: لما فيه من بغض البنات، لتخصيص البنين بالذكر.
وأمّا الرَّفاء: فمعناه: الالتئام من رَفَأْت الثوبَ، ورَفَوْتُه رَفْوًا، وهو دعاء للزوج بالالتئام والائتلاف، فلا كراهة فيه.
وقال: ابن المنير: الذي يظهر: أنه صلى الله عليه وسلم كره اللفظ، لما فيه من موافقة الجاهلية لأنهم كانوا يقولونه تفاؤلًا، لا دعاء، فيظهر أنه لو قيل للمتزوج بصورة الدعاء لم يكره، كأن يقال: اللهم ألّف بينهما، وارزقهما بنين صالحين مثلًا، أو ألّف اللهُ بينكما، ورزقكما ولدًا ذكرًا، ونحو ذلك.
(1) رواه بقي بن مخلد في "مسنده" كما ذكر الحافظ ابن حجر.
(2)
في الأصل زيادة: "والطبري" بين النسائي والطبراني، ولا موضع لها، إذ لم يذكره الحافظ ابن حجر -الذي ينقل عنه الشارح هنا- في "الفتح" ولم يخرجه الطبري في "تفسيره" والله أعلم.
(3)
رواه النسائي (3371)، كتاب: النكاح، باب: كيف يدعى للرجل إذا تزوج والطبراني في "المعجم الكبير"(17/ 192).
وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عمر بن قيس الماصر، قال: شهدت شريحًا -وأتاه رجل من أهل الشّام-، فقال: إني تزوجت امرأة، فقال: بالرفاء والبنين، وأخرجه عبد الرزاق من طريق عدي بن أرطاة، قال: حدّثتُ شريحًا: أني تزوجت امرأة، فقال: بالرفاء والبنين (1)، فمحمول على أن شريحًا لم يبلغه النهي عن ذلك.
ودلّ الحديث على أن الدعاء بالبركة للمتزوج مشروع، وهي لفظة جامعة يدخل فيها كل مقصود من ولد وغيره، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه لمّا سأله:"تزوجت بكرًا أم ثيّبًا؟: بارك الله لك"(2)، والأحاديث في مثل هذا معروفة (3).
ثم قال صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (أَوْلِمْ) أمر بالوليمة، وهي اسم لطعام العرس خاصة، لا يقع على غيره.
وفي "المطلع": قال بعض الفقهاء من أصحابنا وغيرهم: الوليمة تقع على كل طعام لسرور وحادث، إلا أن استعمالها في طعام العرس أكثر، ثم قال: وقول أهل اللغة إنها مختصة بطعام العرس أولى؛ لأنهم أهل اللسان، وأعرف بموضوعات اللغة، هذا معنى ما حكاه الإمام الموفق في "المغني"(4).
وقال صاحب "المستوعب": وليمة الشيء: كمالُه وجمعه، وسميت
(1) رواه عبد الرزاق في "المصنف"(10458)، ولم أقف عليه عند ابن أبي شيبة في "مصنفه".
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 221 - 222).
(4)
انظر: "المغني" لابن قدامة (7/ 212).
دعوة العرس وليمة، لاجتماع الزوجين (1).
(ولو بشاة). قال في "شرح الوجيز": قوله صلى الله عليه وسلم: (ولو بشاة) للتقليل؛ أي: ولو بشيء قليل كشاة، فيستفاد منه: أن الوليمة جائزة بدونها (2).
كما روى البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم أولمَ على صفيةَ بمدَّين من شعير (3).
وقال: ابن دقيق العيد: "ولو بشاة" يفيد معنى التقليل، وليست "لو" هذه هي التي تقتضي امتناع الشيء لوجود غيره، وقال بعضهم: هي التي تقتضي معنى التّمني (4)، انتهى.
تنبيهان:
الأوّل: الوليمة سنّة مؤكدة، لأمره صلى الله عليه وسلم بها، ولأنه فعلها.
قال أنس رضي الله عنه: ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب، جعل يبعثني، فأدعو له الناسَ، فأطعمهم خبزًا ولحمًا حتى شبعوا (5).
قال: ابن دقيق العيد: صيغة الأمر في هذا الحديث محمولة عند الجمهور على الاستحباب (6)، انتهى.
(1) انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 328).
(2)
وانظر: "الإنصاف" للمرداوي (8/ 317).
(3)
رواه البخاري (4877)، كتاب: النكاح، باب: من أولم بأقل من شاة، من حديث صفية بنت شيبة رضي الله عنها.
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 51).
(5)
رواه البخاري (4873)، كتاب: النكاح، باب: الوليمة ولو بشاة، ومسلم (1428)، كتاب: النكاح، باب: زواج زينب بنت جحش.
(6)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 51).
وقد أخرج الطبراني من حديث وحشيِّ بن حرب، رفعه:"الوليمة حقّ، والثانية معروف، والثالثة فخر"(1).
وفي مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "شرُّ الطعام طعامُ الوليمة، يدعى إليها الأغنياء، وتترك الفقراء، ومن لم يُجِبْ، فقد عصى الله ورسوله"(2).
ولأبي الشيخ، والطبراني في "الأوسط" من حديث أبي هريرة مرفوعًا:"الوليمة حقّ وسنّة، فمن دُعي فلم يُجب، فقد عصى"(3).
وروى الإمام أحمد من حديث بريدة رضي الله عنه قال: لمّا خطب علي رضي الله عنه فاطمةَ عليها السلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لابد للعروس من وليمة"(4)، وسنده لا بأس به.
قال: ابن بطال: قوله: "الوليمة حق"؛ أي: ليست بباطل، يندب إليها، وهي سنّة فضيلة، وليس المراد بالحق الوجوب.
قال: ولا أعلم أحدًا أوجبها، كذا قاله، مع أن في مذهبه رواية بوجوبها، نقلها القرطبي، وقال: مشهور المذهب: أما مندوبة (5).
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 136).
(2)
رواه مسلم (1432)، كتاب: النكاح، باب: الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، وكذا البخاري (4882)، كتاب: النكاح، باب: من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(3948).
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 359)، والطبراني في "المعجم الكبير"(1153).
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 230).
قال في "الفروع": وليمة العرس تستحب بالعقد، قاله ابن الجوزي ولو بشاة.
وقال ابن عقيل: ذكر الإمام أحمد: أما تجب ولو بها، للأمر، وقال ابن عقيل: السنّة أن يكثر للبكر (1)، انتهى.
قال الموفق في "المغني": هي سنّة، بل وافق ابن بطّال فى نفى الخلاف بين أهل العلم في ذلك.
وقال بعض الشّافعيّة: هي واجبة، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف، ولأن الإجابة إليها واجبة، فكانت واجبة.
وأجاب الموفق: بأنه طعام لسرور حادث، فأشبه سائر الأطعمة، والأمر محمول على الاستحباب بدليل ما ذكرناه، ولكونه أمره بشاة، وهي غير واجبة اتفاقًا (2).
وفي "الإفصاح" لابن هبيرة: اتفقوا على أن وليمة العرس مستحبة، ثم اختلفوا في وجوبها:
فقال الشّافعيّ وحده: وهي واجبة في أظهر القولين عنه (3)، انتهى.
وقد علمت أما مستحبة على معتمد مذهب الشّافعيّ.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": القول بوجوبها وجهٌ معروف عند الشّافعيّة، وقد جزم به سليم الرازي، وقال: إنه ظاهر نص الإمام الشّافعيّ،
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (5/ 226).
(2)
انظر: "المغني" لابن قدامة (7/ 212). وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 230).
(3)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 140).
ونقله عن النص -أيضًا- الشيخ أبو إسحاق في "المذهب"، وهو قول أهل الظاهر كما صرح به ابن حزم (1)، انتهى.
الثاني: الإجابة إلى الوليمة المذكورة واجبة في المشهور عن مالك، وأظهر قولي الشافعي، وأصح الروايتين عن الإمام أحمد رضي الله عنهم، وقال أبو حنيفة: إن الإجابة إليها مستحبة، وليست بواجبة، وروى الطحاوي عن أبي حنيفة: الوجوب -أيضًا- (2).
ويعتبر لوجوب الإجابة: أَلَّا يكون عذر من نحو حرّ وبرد وشغل، وكونُ داعٍ مسلمًا يحرم هجرُه، ولو أنثى، وقِنًا أَذِن له سيدُه، وكونُ كسبه طيبًا، وأن يكون أولَ مرة، وهي حقّ للدّاعي، تسقط بعفوه، فإن دعي للوليمة الجَفَلى أيها النَّاس تعالوا للطعام، كُرهت الإجابة، ولم تجِب (3)، والله أعلم.
قال الحافظ المصنف -رحمه الله تعالى ورضي عنه-: (النواة) المذكورة في الحديث أنه أصدقَها وزنها هي (وزن خمسة دراهم).
قال في "الفتح": اختلف في المراد بالنواة، فقيل: النواة: واحدةُ نوى التمر، كما يوزن بنوى الخروب، وإن القيمة عنها يومئذٍ كانت خمسة دراهم، وقيل: كان قدرها يومئذٍ ربع دينار، ورُدَّ بأن نوى التمر يختلف في الوزن، فكيف يُجعل معيارًا لما يوزن به؟ وقيل: لفظ النواة من ذهب عبارة عمّا قيمته خمسة دراهم من الوَرِق، وهذا مراد المصنف رحمه الله
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 230).
(2)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 140).
(3)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 400 - 401).
تعالى-، وجزم به الخطابي (1)، واختاره الأزهري (2)، ونقله القاضي عياض عن أكثر العلماء (3)، ويؤيده أن في رواية عند البيهقي من طريق سعيد بن بشر، عن قتادة: وزن نواة من ذهب قوّمت خمسة دراهم (4)، وقيل: وزنها من الذهب خمسة دراهم، حكاه ابن قتيبة (5)، وجزم به ابن فارس، واستظهره البيضاوي، واستبعد؛ لأنه يستلزم أن يكون ثلاثة مثاقيل وبضعًا، ووقع في رواية حجاج بن أرطاة عن قتادة عند البيهقي: قوّمت ثلاثة دراهم وثلثًا، وإسناده ضعيف (6)، ولكن جزم به الإمام أحمد، وقيل: ثلاثة ونصف، وقيل: ثلاثة وربع، وعن بعض المالكية: النواة عند أهل المدينة ربع دينار، ويؤيده ما وقع عند الطبراني في "الأوسط" في آخر حديث أنس: حزرناها ربعَ دينار (7).
وقد قال الشّافعيّ: النواة ربع النَّشِّ، والنشُ نصف أوقية، والأوقية أربعون درهمًا، فيكون خمسة دراهم، وكذا قال أبو عبيد: إن
عبد الرحمن بن عوف دفع خمسة دراهم، وهي تسمى نواة، وكما يسمى الأربعون أوقية (8)، وبه جزم أبو عو انة وآخرون (9)، والله أعلم.
(1) انظر: "معالم السنن" للخطابي (3/ 210).
(2)
انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (15/ 557)، (مادة: نوى).
(3)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 587).
(4)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 237).
(5)
انظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (2/ 179).
(6)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 237).
(7)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(7188).
(8)
انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (2/ 190).
(9)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 234 - 235).