الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي عشر
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ البِكْرَ على الثَّيِّبِ، أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وقَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبِ على البِكْرِ، أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَسَمَ.
قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: ولَو شِئْتُ، لَقُلْتُ: إِنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (4915)، كتاب: النكاح، باب: إذا تزوج البكر على الثيب، و (4916)، باب: إذا تزوج الثيب على البكر، واللفظ له، ومسلم (1461/ 44 - 45)، كتاب: الرضاع، باب: قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف، وأبو داود (2124)، كتاب: النكاح، باب: في المقام عند البكر، والترمذي (1139)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء في القسمة للبكر والثيب، وابن ماجه (1916)، كتاب: النكاح، باب: الإقامة على البكر والثيب.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 214)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 77)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 661)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 254)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 45)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 41)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1290)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 314)، و"عمدة القاري" للعيني (20/ 200)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 106)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 162)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (6/ 369).
(عن) أبي حمزة (أنسِ بنِ مالك رضي الله عنه، قال: من السنة) الذي اختاره أكثر أهل الأصول أن قول الراوي: من السنة كذا [له] حكمُ المرفوع؛ لأنه ينصرف بحسب الظاهر إلى سنّة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان يحتمل أن يقول ذلك على اجتهادٍ رآه، إلا أن الأظهر خلافه (1).
قال في "التحرير وشرحه"(2): هو كمرفوع صريحًا عند العلماء.
قال ابن الصلاح: حكم ذلك عند أهل العلم حكمُ المرفوع صريحًا (3)، انتهى.
وفي "الفتح": قوله: قال: من السنّة؛ أي: سنّة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الذي يتبادر إلى الفهم من قول الصحابي (4). (إذا تزوج) الرجلُ (البكرَ على الثيب) أي: تكون عنده امرأة، فيتزوج معها بكرًا.
قال ابن دقيق العيد: هذا الحق للبكر والثيب إنما هو فيما إذا كانتا متجددتين على نكاح امرأة قبلهما، فلا يقتضي أنه ثابت لكل متجددة، وإن لم يكن قبلها غيرها (5)، (أقام عندها سبعًا) من الليالي خالصة لها غير داخلٍ في قَسْم.
قال ابن عبد البر: جمهور العلماء على أن ذلك حقٌّ للمرأة بسبب
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 41).
(2)
"التحرير" هو كتاب: "تحرير المنقول في علم الأصول"، وشرحه هو:"التحبير"، كلاهما لعلاء الدين المرداوي، صاحب "الإنصاف"، و"التنقيح" وغيرهما. وقد حقق الكتابان في رسائل علمية. انظر:"معجم مصنفات الحنابلة" للطريقي (5/ 8 - 9).
(3)
انظر: "علوم الحديث" لابن الصلاح (ص: 49).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 314).
(5)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 41).
الزفاف، قال: وسواء كان عنده زوجة، أولا (1).
وحكى النّوويّ من الشافعية: أنه يستحب إذا لم يكن عنده غيرها، وإلا، فيجب (2).
قال في "الفتح": وهذا يوافق كلامَ أكثر الأصحاب، واختار النّوويّ: أن لا فرق، وإطلاق الشّافعيّ يعضده (3).
قلت: وهذا ظاهرُ إطلاق علمائنا، فإنهم قالوا: ومن تزوج بكرًا، أقام عندها سبعًا خالصة ثمَّ دار (4)، لكن يدل للأول قولُه في الحديث:"إذا تزوج البكر على الثيّب".
ويمكن أن يتمسك الآخر بسياق حديث بشر عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس: ولو شئت أن أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن قال: السنّة إذا تزوج البكر، أقام عندها سبعًا، وإذا تزوج الثيب، أقام عندها ثلاثًا، فلم يقيده بما إذا تزوجها على غيرها، لكن القاعدة أن المطلق يحمل على المقيد، بل ثبت في رواية خالد التقييد -أيضًا-، فعند "مسلم" من طريق هشيم عن خالد:"إذا تزوج البكر على الثيّب" الحديث (5)، ويؤيده -أيضًا- قوله في هذا الحديث:(وقَسَم)، وفي لفظٍ: ثمَّ قسم (6)؛ لأن القَسْم إنما يكون لمن عنده زوجةٌ أخرى (7).
(1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 440).
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 45).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 315).
(4)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (5/ 256).
(5)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1461/ 44).
(6)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4916).
(7)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 3115).
(وإذا تزوج) الرجلُ المرأةَ (الثيبَ على البِكر، أقامَ عندها)؛ أي: الثيبِ (ثلاثًا) من الليالي خالصة لها (ثمّ قَسَمَ) بعد ذلك لنسائه.
وفي الحديث حجة على الكوفيين في قولهم: إن البكر والثيب سواء في الثلاث، وعلى الأوزاعي في قوله: للبكر ثلاث، وللثيب يومان.
وفيه حديث مرفوع عن عائشة رضي الله عنها أخرجه الدارقطني بسندٍ ضعيف جدًا (1)، وخص من عموم الحديث ما لو أرادت الثيب أن يكمل لها السبع، فإنه إذا أجابها، سقط حقها من الثلاث، وقضى السبع لغيرها (2).
قال علماؤنا ومن وافقهم: ويقيم عند الثيب ثلاثًا وإن شاءت، وقيل: أو هو سبعًا، فعل، وقضى الكل (3)، لما أخرجه مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها، أقام عندها ثلاثًا، وقال:"إنه ليس بك هوان على أهلك، إن شئتِ سَبَّعْتُ لكِ، وإن سبعتُ لكِ، سبعت لنسائي"، ورواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه (4).
ورواه الدارقطني بلفظ: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها حين دخل بها: "ليس بك هوان على أهلك، إن شئتِ، أقمت عندك ثلاثًا خالصة لك، وإن شئتِ، سبعتُ لك، وسبعتُ لنسائي"، قالت: تقيم معي ثلاثًا خالصة (5).
(1) رواه الدارقطني في "سننه"(3/ 284).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 315).
(3)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (5/ 256).
(4)
رواه مسلم (1460/ 41)، كتاب: الرضاع، باب: قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف، والإمام أحمد في "المسند"(6/ 292)، وأبو داود (2122)، كتاب: النكاح، باب: في المقام عند البكر، وابن ماجه (1917)، كتاب: النكاح، باب: الإقامة على البكر والثيب.
(5)
رواه الدارقطني في "سننه"(3/ 284).
وفي رواية: أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يخرج، أخذت أم سلمةَ بثوبه، فقال:"إن شئتِ، زدتُك، وحاسبتك به، للبكر سبعٌ، وللثيب ثلاث" رواه مسلم (1).
(قال أبو قِلابة) -بكسر القاف وتخفيف اللام وبالباء الموحدة-، اسمه عبدُ الله بنُ زيدِ بنِ عمرو، وقيل: عامر، الأنصاريُّ الجَرْميُّ نسبةً إلى جَرم -بفتح الجيم وسكون الراء- ابنِ رَبَّان -بفتح الراء وتشديد الباء الموحدة- بنِ ثعلبةَ البصريُّ، روى عن ثابت بن الضحاك الأنصاري، وأنسِ بن مالك، ومالكِ بن الحويرث، والنعمانِ بن بشير، وغيرِهم، وسمع عن جماعة من التابعين -أيضًا-، وتقدمت ترجمته في باب: صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
(ولو شئتُ، لقلت: إن أنسًا) رضي الله عنه (رفعه)؛ أي: الحديثَ المذكور (إلى النبي صلى الله عليه وسلم)؛ كأنه يشير إلى أنه لو صرّح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكان صادقًا، ويكون روي بالمعنى، وهو جائز عنده، لكنه رأى أن المحافظة على اللفظ أولى (2)، وقد صرح برفعه ابنُ خزيمة، وابنُ حبان، والدارميُّ، والدارقطنيُّ (3).
وقال الإمام ابنُ القيم في "الهدي": وهذا الذي قاله أبو قِلابة قد جاء به مصرّحًا عن أنس، كما رواه البزار في "مسنده" من طريق أيوب السختياني
(1) رواه مسلم (1460/ 42)، كتاب: الرضاع، باب: قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها.
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 314).
(3)
رواه ابن حبان في "صحيحه"(4258)، والدارمي في "سننه"(2209)، والدارقطني في "سننه"(3/ 283).
عن أبي قِلابة، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للبكر سبعًا، وللثيب ثلاثًا، وكذا رواه غيره (1)، والله أعلم.
تنبيه:
قد تكلم بعض العلماء في حكمة مشروعية اختصاص البكر بسبع، والثيبِ بثلاث، فقيل: هو حق للمرأة على الزوج، لأجل إيناسها به، وإزالة الحشمة عنها لتجدده (2)، ولهذا كانت البكر أشد نفورًا وأبعد إيناسًا، زادت لياليها عن الثيب، لتقدم ارتياضها وإلفها مع الرجل في الجملة.
وفي "شرح الوجيز" من متأخري علمائنا: إنما خصت البكر بالزيادة؛ لأن حياءها أكثر، والثلاث مُدَّة معتبرة في الشرع والسبع؛ لأنها أيام الدنيا، وما زاد عليها يتكرر، وحينيذٍ يقطع الدور، انتهى.
وقيل: بل هو حقٌّ للزوج على المرأة، وهذا ليس بشيء، وأفرط بعض فقهاء المالكية، فجعل مقامه عندها عذرًا في إسقاط الجمعة.
قال: ابن دقيق العيد: وهو ساقطٌ منافٍ للقواعد، فإن مثل هذا من الآداب والسنن لا يُترك له الواجب، ولما شعر بهذا بعض المتأخرين، وأنه لا يصلح أن يكون عذرًا، توهم أن قائله يرى الجمعة فرضَ كفاية، قال: وهذا فاسد جدًا؛ لأن قول هذا القائل متردد يحتمل أن يكون جعله عذرًا، أو أخطأ في ذلك، وتخطئته في هذا أولى من تخطئته فيما دلت عليه النصوصُ وعملُ الأمة على وجوب الجمعة على الأعيان (3)، انتهى.
وفي "الفتح" للحافظ ابن حجر: يكره أن يتأخر في السبع أو الثلاث عن
(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 148).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 41 - 42).
(3)
المرجع السابق، (4/ 42).
صلاة الجماعة، وسائرِ أعمال البر التي كان يفعلها، نصّ عليه الشّافعيّ.
وقال الرافعي: هذا في النهار، وأما في الليل، فلا؛ لأن المندوب لأن يُترك له الواجب، فعدوا هذا من الأعذار في ترك الجماعة (1)، وهذا على أصلهم ومذهبهم من كون الجماعة سنّة أو فرضَ كفاية على الخلاف، وأما على قواعد مذهبنا، فليس هذا عذرًا في ترك جمعة ولا جماعة، اللهم إلا أن يخاف عليها ضررًا، والله أعلم.
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 315 - 316).