الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُجْمَعُ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ المَرْأَةِ وَخَالَتِهَا"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (4820 - 4821)، كتاب: النكاح، باب: لا تنكح المرأة على عمتها، ومسلم (1408/ 33 - 40)، كتاب: النكاح، باب: تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، وأبو داود (2066)، كتاب: النكاح، باب: ما يكره أن يجمع بينهن من النساء، والنسائي (3288 - 3294)، كتاب: النكاح، باب: الجمع بين المرأة وعمتها، و (3295 - 3296)، باب: تحريم الجمع بين المرأة وخالتها، والترمذي (1126)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، وابن ماجة (1929)، كتاب: النكاح، باب: لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 189)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 451)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 55)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 545)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 101)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 190)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 32)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1267)، و"طرح التثريب" للعراقي (7/ 29)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 160)، و"عمدة القاري" للعيني (20/ 107)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 39)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 124)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (6/ 285).
(عن أبي هريرة) عبدِ الرحمن بنِ صخر (رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يُجمع بين المرأة وعمتها)، في النكاح، وهو -بالرفع- خبرٌ بمعنى النّهي، وسواء جمعهما في عقدٍ واحدٍ، أو تزوّج واحدة بعد واحدة، لكن إذا كانا في عقدٍ واحد، فالعقد باطلٌ فيهما جميعًا، وإذا كان مرتبًا، فالباطل الثّاني فقط (1)، (ولا) يجمع (بين المرأة وخالتها) كذلك، وهو من التحريم المؤبَّد على الاجتماع دون الانفراد، وتحريمه يختصّ بالرجاله، لاستحالة إباحة جمع المرأة بين زوجين، فكلّ امرأتين بينهما رحمٌ محرم يحرم الجمع بينهما، بحيث لو كان أحدهما ذكرًا لم يجز له الزواج بالأخرى، فإنه يحرم الجمع بينهما بعقد النكاح (2).
قال: الشعبي: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: لا يجمع الرجل بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلًا لم يصلح له أن يتزوجها (3)، وهذا إذا كان التحريم لأجل النسب، وبذلك فسّره سفيان الثوري وأكثر العلماء، فلو كان لغير، نسب مثل أن يجمع بين زوجة رجل وابنته من غيرها، فإنه يباح عند عامّة العلماء، وكرهه بعض السلف (4)، وفي لفظٍ عن أبي هريرة عندهما: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تُنكح المرأة على بنت الأخ، ولا ابنة الأخت على خالة"(5)، وفي لفظٍ آخر:"لا تُنكح المرأة على عمّتها، ولا على خالتها" أخرج البخاري هذا من حديث جابر (6)، ومن
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 32).
(2)
انظر: "الفتاوى المصرية الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (3/ 539).
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(10768).
(4)
انظر: "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (ص: 411).
(5)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1408/ 35).
(6)
رواه البخاري (4819)، كتاب: النكاح، باب: لا تنكح المرأة على عمتها.
حديث أبي هريرة (1) رضي الله عنهما.
وبه تعلم ما فيما نقله الإمام الحافظ البيهقي عن الإمام الشافعي: أن هذا الحديث لم يرو من وجه يثبته أهل الحديث إلّا عن أبي هريرة، وروي من وجوهٍ لا يثبتها أهل العلم بالحديث.
وقال: البيهقي: هو كما قاله، قد جاء من حديث علي، وابن مسعود، وابن عمر، وعن ابن عباس، وعبد الله بن عمر، وأنس، وأبي سعيد، وعائشة، وليس فيها شيء على شرط الصّحيح، وإنما اتفقا على إثبات حديث أبي هريرة، وأخرج البخاري رواية عاصم عن الشعبي عن جابر، وبيّن الاختلاف على الشعبي فيه، قال: والحفّاظ يرون رواية عاصم خطأ والصواب رواية بن عون وداود عن أبي هريرة (2)، انتهى.
ولا يخفى عليك أنّ الاختلاف الذي أشار إليه غير ملتفَت إليه؛ لأن إمام الحفّاظ البخاري لم يره قادحًا، فإنّ الشعبي أشهرُ بجابر منه بأبي هريرة، وللحديث طريقٌ أخرى عن جابر بشرط الصحيح أخرجها النسائي من طريق ابن جريح، عن أبي الزبير، عن جابر، والحديث ثابت محفوظ من أَوجه عن أبي هريرة، وقد صحح حديثَ جابر الترمذيُّ (3)، وابن حبان (4)، وغيرهما، وكفى بتخريج البخاري له موصولًا قوّة.
وقال: ابن عبد البر: الحديثان جميعًا صحيحان (5).
(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4821)، وعند مسلم برقم (1408/ 37).
(2)
انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (7/ 166).
(3)
لم يرو الترمذي في "سننه" حديث جابر رضي الله عنه، وإنما روى حديث ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما.
(4)
رواه ابن حبان في "صحيحه"(4114).
(5)
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (18/ 278).
وزاد بعضهم على من قدمنا ذكرهم ممن روى الحديث من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين- أبا موسى الأشعري، وأبا أمامة، وسمرة، وأبا الدرداء، وعتاب بن أسيد، وسعد بن أبي وقاص، وزينب امرأة ابن مسعود، فعدّةُ مَنْ رواه خمسةَ عشَر نفسًا، وأحاديثهم موجودة عند الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجة، وأبي يعلى، والبزار، والطبراني، وابن حبان، وغيرهم.
قال الإمام الشافعي: تحريم الجمع بين من ذكر هو قول من لقيتُه من المفتين لا اختلاف بينهم في ذلك (1).
وقال الترمذي بعد تخريجه: العمل على هذا عند عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافًا أنه لا يحلّ للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، ولا أن تُنكح المرأةُ على عمتها أو خالتها (2).
وقال ابن المنذر: لستُ أعلم في منع ذلك اختلافًا اليوم، وإنما قال بالجواز فرقةٌ من الخوارج، وإذا ثبت الحكم بالسنّة، واتفق أهل العلم على القول به، لم يَضُره خلافُ من خالفه.
وكذا نقل الإجماعَ: ابنُ عبد البرّ (3)، وابنُ حزم (4)، والقرطبي (5)، والنووي (6)، لكن استثنى ابنُ حزم عثمانَ البَسْتِيَّ، وهو أحد الفقهاء القدماء
(1) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (5/ 5).
(2)
انظر: "سنن الترمذي"(3/ 433).
(3)
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (18/ 277).
(4)
انظر: "المحلى" لابن حزم (9/ 524).
(5)
انظر: "المفهم" للقرطبي (4/ 101).
(6)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (9/ 191).
من أهل البصرة، وهو -بفتح الموحدة وتشديد المثناة-، واستثنى النووي طائفة من الخوارج والشيعة، واستثنى القرطبي الخوارج، ولفظه: اختار الخوارج الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها وخالتها، ولا يُعتد بخلافهم؛ لأنهم مرقوا من الدين (1)، انتهى.
وفي نقله عن الخوارج الجمعَ بين الأختين غلط بيّن، فإن عمدتَهم التمسّكُ بأدلة القرآن، لا يخالفونه البتة، وإنما يردون الأحاديث، لاعتقادهم عدمَ الثقة بنَقَلَتها، وتحريمُ الجمع بين الأختين منصوص القرآن.
ونقل ابن دقيق العيد تحريمَ الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها عن جمهور الأمّة (2)، ولم يعين المخالف (3).
وقال ابن القيّم في "الهدي ": وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وهذا التحريم مأخوذ من تحريم الجمع بين الأختين، لكن بطريقٍ خفي، وما حرّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلُ ما حرّمه الله، ولكن هو مستنبط من دلالة الكتاب.
قال: فاستفيد من تحريمه الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها: أنّ كلّ امرأتين بينهما قرابة لو كان إحداهما ذكرًا، حُرِّمَ على الآخر، فإنه يحرم الجمع بينهما.
قال: ولا يستثنى من هذا صورة واحدة، فإن لم يكن بينهما قرابة، لم
(1) انظر: "المفهم" للقرطبي (4/ 101 - 102).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 32).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 161).
يحرم الجمع بينهما، وهل يكره؟ على قولين: فذكر صورة جمعة بين زوجة رجل وابنته من غيرها (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض تعاليقه: نكاح العمّة والخالة أفحشُ وأقبحُ من نكاح الأخت، وكذلك الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها، فإنه أشدّ قطيعة للرحم من الجمع بين الأختين، فإنّ الأختين يتماثلان، وقد تختار الأخت لأختها أن تكون مثلها كما قالت أم حبيبة رضي الله عنها: لستُ لك بمُخْلِية، وأحقُّ من يشركني في الخير أختي (2)، فجعلت أختَها أحقَّ بمشاركتها في الزوج من العمّة والخالة، وأما العمّة والخالة إذا زاحمتهما بنتُ الأخ والأخت، فهذا يعظُم عليها، ويفضي إلى
القطيعة أكثر، فإنها تقول: ليست مثلي، أنا مثلُ أمها، فكيف تزاحمني؟ وكذلك الكبرى إذا نُكحت على الصغرى تقول: أنا مثلُ ابنتها، فكيف تزاحمني؟ فهذا بالجمع بين الأم وربيبتها أشبهُ، وذلك أفحش أنواع الجمع، ولهذا حرّمت البنت بالدخول بالأم، وحرّمت الأم بالعقد على البنت تحريمًا مؤبدًا، فالجمع بين المرأة وعمتها وخالتها إلى الجمع بين الأم وابنتها أقرب من الجمع بين الأختين، وأطال في ذلك (3)، والله أعلم.
(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 271 - 128).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
وانظر: "الفتاوى المصرية الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (3/ 539)، وما بعدها.