الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحَقَّ الشُرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ: مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ"(1).
* * *
(عن) أبي حمّادٍ (عقبةَ بنِ عامر) بنِ عبس -بفتح العين المهملة وسكون
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2572)، كتاب: الشروط، باب: الشروط في المهر عند عقدة النكاح، واللفظ له، و (4856)، كتاب: النكاح، باب: الشروط في النكاح، ومسلم (1418)، كتاب: النكاح، باب: الوفاء بالشروط في النكاح، وأبو داود (2139)، كتاب: النكاح، باب: في الرجل يشترط لها دارها، والنسائي (3281 - 3282)، كتاب: النكاح، باب: الشروط في النكاح، والترمذي (1127)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء في الشرط عند عقدة النكاح، ابن ماجه (1954)، كتاب: النكاح، باب: الشرط في النكاح.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 219)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 58)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 562)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 112)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 201)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 33)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1270)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 217)، و"عمدة القاري" للعيني (20/ 141)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 63)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 125).
الموحدة فسين مهملة -الجهنيِّ (رضي الله عنه) من بني قيس بن جهينة الجهنيِّ.
قال ابن الأثير في "جامع الأصول": وقد اختلف في نسبه، وكان واليًا على مصر لمعاوية، وابتنى بها دارًا، وذلك بعد أخي معاوية عتبةَ بنِ أبي سفيان، ثمّ عزله، ومات بها سنة ثمان وخمسين، ودفن بالمعظم من مصر.
وقال خليفة ابن خياط: إنه قتل يوم النهروان شهيدًا سنة ثمان وثلاثين، وغلّطه ابن عبد البر وغيره.
وكان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، وكان هو البريد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بفتح دمشق، ووصل في ستة أيام، ثمّ دعا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وتشفَّع عنده في تقريب طريقه، فرجع في يومين ببركة دعائه، كذا في "شرح الزهر البسام" للبرماوي.
روي له خمسة وخمسون حديثًا، اتفقا على تسعة، وللبخاري حديث، ولمسلم تسعة.
روى عنه: جابر، وابن عباس، وأبو أمامة رضي الله عنهم، ومن التابعين خلقٌ كثير (1).
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (4/ 343)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (6/ 430)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (6/ 313)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 280)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 1073)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (40/ 486)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (4/ 51)، و"جامع الأصول" له أيضًا (15/ 604 - قسم التراجم)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 308)، و"تهذيب الكمال" للمزي (20/ 202)، و"سير =
(قال) عقبة رضي الله عنه: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّ أحقَّ الشروط) وفي لفظ: الشرط (1)، وفي آخر:"أحقُّ ما أَوفيتم من الشروط"(2)(أن توفوا به)، وفي لفظٍ آخر: "إِنّ أحقّ الشروط أن يوفى به (3)(ما استحللتم به الفروج)؛ أي: أحقّ الشروط بالوفاء شروط النكاح؛ لأن أمره أَحوط، وبابه أضيق.
وقال الخطابي: الشروط في النكاح مختلفة، فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقًا، وهو ما أمر الله به من إمساكٍ بمعروف، أو تسريحٍ بإحسان، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث، ومنها ما لا يوفى به اتفاقًا، كسؤال طلاق ضرّتها، ومنها ما هو مختلف فيه، كاشتراط أَلَّا يتزوج عليها، أو لا يتسرّى، أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله (4).
قلت: الشروط عندنا في النكاح قسمان:
أحدهما: صحيحٌ لازم للزوج، فليس له فكُّه بدون إبانتها، ويُشرع وفاؤه به، كزيادة مهر، أو نقد معين، أو لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يتزوج أو لا يتسرّى عليها، أو لا يفرق بينها وبين أبويها أو أولادها، أو أن ترضع ولدها الصغير، أو ينفق عليه مدّةً معلومةً، ويرجع لعرفٍ، أو يطلّق ضرتها، أو يبيع أمَتَه ممّا لها به غرض صحيح، فإن لم يف، فلها
= أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 467)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 520)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (7/ 216).
(1)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1418).
(2)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4856).
(3)
تقدم تخريجه عند مسلم (1418).
(4)
نقله الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(9/ 217 - 218).
الفسخ على التراخي، ولا يسقط إلّا بما يدلّ على الرضا من قول أو تمكين مع العلم بعدم وفائه بما شرط، فإن شرط أَلَاّ يخرجها من منزل أبويها، فمات أحدهما، بطل الشرط.
ثانيهما: فاسد، وهو نوعان:
نوعٌ يبطل النكاح من أصله، وهو أربعة أشياء: نكاح الشغار، ونكاح المحلل، ونكاح المتعة، والنكاح المعلّق، ويأتي الكلام على الثلاثة، وأما النكاح المعلّق، فهو قوله: زوّجتك إذا جاء رأس الشهر، أو إن رضيت هي أو أمها، أو إن وضعت زوجتي بنتًا، فقد زوّجتكها، فهذا غير صحيح.
النوع الثاني: فاسد غير مفسد لعقد النكاح، مثل أن يشترط أنّ لا مهر، أو لا نفقة، أو يقسم لها أكثر من ضرّتها، أو أقل، أو يشترط أحدهما عدم وطء أو دواعيه، أو تعطيه شيئًا، أو تنفق عليه، ومتى فارق، رجع بما اتفق، أو تستدعيه لوطء عند إرادتها، وأشبه ذلك، فهذا يصحّ معه العقد دون الشرط (1).
وفي "الفتح" للحافظ ابن حجر: وعند الشافعية الشروط قسمان:
منها ما يرجع إلى الصداق، فيجب الوفاء به، وما يكون خارجًا عنه، فيختلف الحكم فيه، وذكر من ذلك ما يشترطه العاقد لنفسه خارجًا عن الصداق، وبعضهم يسميه الحلوان، فقيل: هو للمرأة مطلقًا، وهو قول عطاء وجماعة من التابعين، وبه قال الثوري، وأبو عبيد، وقيل: هو لمن شرطه، قاله مسروق، وعلي بن الحسين، وقيل: يختص ذلك بالأب دون
(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 349 - 353).
غيره من الأولياء، ويأتي تحرير ذلك في الصداق -إن شاء الله تعالى-، وذكر: إذا تزوّج الرجل المرأة، وشرط أَلَّا يُخرجها، لزم.
كما قاله الترمذي، قال: وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق (1).
وتعقبه الحافظ بأن النقل في هذا عن الشافعي غريب، وحملوا الحديث على الشروط التي لاتنافي مقتضى النكاح، بل تكون من مقتضياته ومقاصده، كاشتراط العشرة بالمعروف، والإنفاق، والكسوة، والسكن، وأَلَّا يقصّر في شيء من حقّها من قسم، ونحوها، وكشرطه عليها أَلَّا تخرج إلّا بإذنه، ولا تمنعه نفسها، ولا تتصرف في متاعه إلّا برضاه، ونحو ذلك، وأما إذا اشترطت عليه أَلَّا يتزوّج أو يتسرّى عليها، فلا يجب عندهم الوفاءُ به، وإن وقع في صلب، العقد لغا، وصحّ النكاح بمهر المثل، وفي وجه: يجب المسمى، ولا أثر للشرط (2).
وقد استشكل ابن دقيق العيد حمل الحديث على الشروط التي هي من مقتضيات النكاح، وقال: تلك الأمور لا تؤثر الشروط في إيجابها، فلا تشتد الحاجة إلى تعليق الحكم باشتراطها، وسياق الحديث يقتضي خلاف ذلك؛ لأن لفظ:"أَحقّ الشروط" يقتضي أن يكون بعضُ الشروط يقتضي الوفاء به، وبعضها أشدّ اقتضاء، والشروط التي من مقتضى العقد مستوية في وجوب الوفاء بها (3).
قال الترمذي: وقال علي: سبق شرطُ الله شرطَها، قال: وهو قول
(1) انظر: "سنن الترمذي"(3/ 434).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 218).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 33).
الثوري وبعضِ أهل الكوفة (1)، والمراد في الحديث: الشروط الجائزة، لا المنهيُّ عنها (2)، انتهى.
تنبيه:
اختلف الأئمة فيمن تزوّج امرأة، وشرطَ لها أَلَّا يتسرّى عليها، ولا ينقلها من بلدها.
فقال الإمام أحمد، والإمام مالك في رواية عنه: هو لازم، ومتى خالف شيئًا منه، فلها الخيار في الفسخ.
وقال الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك في رواية أخرى عنه: لا يلزم هذا الشرط.
وقال الإمام الشافعي: لا يلزم هذا الشرط، إلا أنه عنده أفسد المهر، ويلزمه مهر المثل، ولا يلزمه أن يفي بما شرط.
وقال أبو حنيفة: إن وَفَى الشرط، فلا شيء عليه، وإن خالف، لزمه الأكثرُ من مهرِ المثل، أو المسمى (3)، والله أعلم.
(1) انظر: "سنن الترمذي"(3/ 434).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 218).
(3)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 133).