المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثالث عَنْ أُمِّ عَطِيَّة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٥

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب اللقطة

- ‌باب الوصايا

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب النكاح

- ‌الحديث الأول

- ‌بَابِ

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب الصداق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب العدة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب اللعان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الرضاع

- ‌الحديث الأول

الفصل: ‌ ‌الحديث الثالث عَنْ أُمِّ عَطِيَّة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه

‌الحديث الثالث

عَنْ أُمِّ عَطِيَّة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا، إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ"(1).

العَصْبُ -: ثِيابٌ مِنَ اليَمَنِ، فِيها بَيَاضٌ وَسَوَادٌ.

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (307)، كتاب: الحيض، باب: الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض، و (1220)، كتاب: الجنائز، باب: حد المرأة على غير زوجها، و (5026)، كتاب: الطلاق، باب: الكحل للحادة، و (5027)، باب: القسط للحادة عند الطهر، و (5028)، باب: تلبس الحادة ثياب العصب، ومسلم (938/ 66)، (2/ 1127)، واللفظ له، و (938/ 67)، كتاب: الطلاق، باب: وجوب الإحداد في عدة الوفاة، وتحريمه في غير ذلك، إلا ثلاثة أيام، وأبو داود (2302 - 2303)، كتاب: الطلاق، باب: فيما تجتنبه المعتدة في عدتها، والنسائي (3534)، كتاب: الطلاق، باب: ما تجتنب الحادة من الثياب المصبغة، و (3536)، باب: الخضاب للحادة، وابن ماجه (2087)، كتاب: الطلاق، باب: هل تحد المرأة على غير زوجها.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (3/ 286)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 74)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 288)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 114)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 62)، و"العدة في =

ص: 494

(عن أم عطية) نُسَيْبَةَ -بضم النون وفتح السين المهملة وسكون المثناة تحت فموحدة-، ومنهم من -فتح النون وكسر السين- الأنصاريةِ رضي الله عنها، وتقدمت ترجمتها، قالت:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تُحِدُّ المرأة على ميت) لها أو لغيرها (فوق ثلاثٍ) من الليالي بأيامها، كائنًا من كان (إلا على زوج)، فيجب أن تحد عليه إذا توفي عنها (أربعةَ أشهرٍ وعشرًا) من الليالي بأيامها.

وتضمن هذا الحديث مع ما يأتي الفرقَ بين الإحدادين من وجهين:

أحدهما: من جهة الوجوب والجواز، فالإحداد على الزوج واجب، وعلى غيره جائز من مقدار مدة الإحداد، فالإحداد على الزوج عزيمة، وعلى غيره رخصة (1).

قلت: لكن معتمد مذهب الإمام أحمد: جواز إحداد لبائن، فيباح لها أن تُحد من العدة، ويلزم المتوفَّى عنها فقط، بشرط أن يكون نكاحها صحيحًا لا فاسدًا، فإذا زادت مدة الحمل على أربعة أشهر وعشر، وجب استمرار الإحداد إلى أن تضع كل حملها؛ لأنه من توابع عدة الوفاة، ولهذا قيد بمدتها، فهو حكم من أحكام العدة المذكورة، وواجبٌ من واجباتها، فكان معها وجودًا وعدمًا.

(و) المرأة الحادة (لا تلبس ثوبًا مصبوغًا)، وهذا يعم المعصفر،

= شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1342)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 491)، و"عمدة القاري" للعيني (21/ 7)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 191)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 199)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (7/ 97).

(1)

انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 696).

ص: 495

والأخضر والأزرق الصافيين، وسائر الأحمر والمزعفر، وسائر الملون للتحسين والتزيين (1).

وفي لفظ: "ولا تلبس المعصفر من الثياب والممشق"(2).

قال في "النهاية": المِشْق -بالكسر- المغرة، وثوب ممشَّق مصبوغ به (3)، ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: وعليه ثوبان ممشقان (4).

(إلا ثوبَ عصبٍ)، قال في "النهاية": العصب: برودٌ يَمَنِيَّةٌ يعصب غزلها؛ أي: يُجمَع ويُشَدُّ، ثم يُصبغ وينسج، فيأتي موشيًا، لبقاء ما عُصب منه أبيضَ لم يأخذه صبغ، يقال: برد عصب، وبرود عصب بالتنوين والإضافة، وقيل: هي برود مخططة، والعصب: الفتل، والعَصَّاب: الغَزَّال، فيكون النّهي للمعتدة عما صُبغ بعد النسج، ومنه حديث عمر: أنه أراد أن ينهى عن عصب اليمن، وقال: ثبت أنه يصبغ بالبول، ثم قال: نُهينا عن التعمق (5)، انتهى (6).

ويأتي عليه كلام عند ذكر المصنف له، (ولا تكتحل) المرأةُ الحادّة بالإثمد، ولو كانت سوداء، إلا إذا احتاجت للتداوي، فتكتحل ليلًا،

(1) المرجع السابق، (5/ 705).

(2)

رواه أبو داود (2304)، كتاب: الطلاق، باب: فيما تجتنبه المعتدة في عدتها، والنسائي (3535)، كتاب: الطلاق، باب: ما تجتنب الحادة من الثياب المصبغة، عن أم سلمة رضي الله عنها.

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 334).

(4)

رواه البخاري (6893)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم.

(5)

رواه عبد الرزاق في "المصنف"(1494) نحوه.

(6)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 245).

ص: 496

وتمسحه نهارًا، ويباح الكحل للحادة بتوتياء، وعَنْزَرُوت، ونحوهما، كما يباح لها التنظيف، وتقليم أظفار، ونتف إبط، وحلق شعر مندوبٍ أخذُه، واغتسالٌ بسدر، وامتشاط، ودخول حمام (1)، وهذا معتمد مذهب الإمام أحمد، والجمهور، وحجّتهم حديث أم سلمة رضي الله عنها الذي أخرجه أبو داود في "سننه" من حديث ابن وهب: أخبرني مخرمة عن أبيه، قال: سمعت المغيرةَ بنَ النعمات يقول: أخبرتني أمُّ حكيم بنتُ أسيد عن أمها: أن زوجها توفي، وكانت تشتكي عينها، أفتكتحل بالجلا؟

قال: أحمد بن صالح الصواب تكتحل بالجلا، فأرسلت مولى لها إلى أم سلمة، فسألتها عن كحل الجلا، فقالت: لا تكتحل به إلا من أمرٍ لابدَّ منه يشتدُّ عليكِ، فتكتحلين بالليل، وتمسحينه بالنهار.

ثمّ قالت عند ذلك أمُّ سلمة: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تُوفي أبو سلمة، وجعلت عليَّ صبرًا، فقال:"ما هذا يا أم سلمة؟ "، فقلت: هو صبرٌ يا رسول الله، ليس فيه طيب، قال:"إنه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا بالليل، وتنزعيه بالنهار" الحديث (2).

قال في "الهدي": الكحلُ المنهيُّ عنه -يعني: للحادّة- ثابتٌ بالنص الصريح الصحيح، ثم قال طائفة من أهل العلم من السلف والخلف، ومنهم أبو محمد بن حزم: لا تكتحل ولو ذهبت عيناها ليلًا و [لا](3) نهارًا، ويساعد قولهم الحديث الآتي، ثم قال: ولا ريب أن الكحل من أبلغ الزينة، فهو كالطيب، وأشدُّ منه، وقال بعض الشّافعيّة للسوداء أن تكتحل.

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 17 - 18).

(2)

رواه أبو داود (2305)، كتاب: الطلاق، باب: فيما تجتنبه المعتدة في عدتها.

(3)

[لا] ساقطة من "ب".

ص: 497

قال في "الهدي": هذا تصرف مخالف للنص، والمعنى، وأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفرق بين السود والبيض، كما لا يفرق بين الطوال والقصار، ومثل هذا القياس والرأي الفاسد الذي اشتد إنكار السلف له وذمهم إياه.

قال: وأما جمهور العلماء، وأحمد، والشّافعيّ، وأبو حنيفة وأصحابهم، قالوا: إن اضطرت إلى الكحل تداويًا لا زينة، فلها أن تكتحل به ليلًا، وتمسحه نهارًا، لحديث أم سلمة المذكور، وقد ذكره الإمام مالك في "موطئه" بلاغًا (1)، وذكر أبو عمر بنُ عبد البر في "التمهيد" له طرقًا يشد بعضها بعضًا (2)، ويكفي احتجاج الإمام مالك به، وأدخله أهل السنن في كتبهم، واحتج به الأئمة، وأقل درجاته أن يكون حسنًا، لكنه مخالف لظاهر حديثها المتفق عليه، فيحمل على أن الشّكاة التي لم يأذن في الاكتحال لأجلها لم تبلغ منها مبلغًا لابد لها فيه من الكحل، لذلك نهاها، ولو كانت محتاجة مضطرة تخاف ذهابَ بصرها، لأذن لها في ذلك كما فعل بالتي قال لها:"اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار".

قال في "الهدي": والنظر يشهد لهذا التأويل؛ لأن الضرورات تنقل المحظورات إلى الإباحة في الأصوله، ولهذا جعل الإمام مالك فتوى أم سلمة تفسيرًا للحديث المسند في الكحل؛ لأن أم سلمة روته، وما كانت لتخالفه إذا صح عندها، وهي أعلم بتأويله، والنظر يشهد لذلك (3)، ويأتي له تتمة في الحديث الاتي إن شاء الله -تعالى- (ولا تمسّ) المرأةُ المتوفَّى

(1) رواه الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 600).

(2)

انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (17/ 318) وما بعدها.

(3)

انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 702 - 704).

ص: 498

عنها زوجها في مدة عدَّتها منه (طيبًا) من المسك، والكافور، والصبر، والند، والغالية، والزباد، والذريرة، والبخور، والأدهان، كدهن البان، والبنفسج، والورد، والياسمين، والمياه المعتصرة من الأدهان الطيبة، كماء الورد، وماء القرنفل، وماء زهر النارنج، فهذا كلُّه طيب، كما في "الهدي"، لا الزيت، ولا الشيرج، ولا السمن، فلا تمنع من الادّهان بشيء من ذلك (1).

قال في "الهدي": لا خلاف بتحريم التطيب بالطيب على الحادّة عند من أوجب الإحداد، ولهذا لما خرجت أم حبيبة من إحدادها على أبيها أبي سفيان، دعت بطيب، فدهنت منه جاريةً، ثم مسّت بعارضها، ثم ذكر الحديث (2)(إلا إذا طهرت) الحادّة من حيضها، واغتسلت من محيضها، فتستعمل (نُبْذَةً) -بضم النون وسكون الموحدة بعدها معجمة-؛ أي: قطعة، وتطلق على الشيء اليسير (3)(من قسط أو أظفار).

[وفي رواية: من قسطٍ وأظفارٍ (4) -بالواو من غير ألف قبلها-](5)، وفي رواية: من قسطِ أظفارٍ -بالإضافة-، قال في "النهاية": القسط: ضرب من الطيب، وقيل: هو العود، والقسط: عقار معروف من عقاقير الأدوية طيب الريح تبخر به النساء والأطفال، وهو أشبه الحديث، لإضافته إلى الأظفار كذا في "النهاية"(6).

(1) المرجع السابق، (5/ 701 - 702).

(2)

المرجع السابق، (5/ 701).

(3)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 432)، (مادة: نبذ).

(4)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5028)، ومسلم برقم (938).

(5)

[وفي رواية: من قسط وأظفار بالواو من غير ألف قبلها-] سقطت من "ب".

(6)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 158).

ص: 499

وقال -أيضًا- في حديث أم عطية: "لا تمس المحدَّةُ إلا نبذةً من قسطِ أظفار"(1)، الأظفار: جنس من الطيب لا واحدَ له من لفظه، وقيل: واحدُه ظفر، وقيل: هي شيء من العطر أسود، والقطعة منه شبيـ[ـ هـ]ـة بالظفر، وفي حديث الإفك عقد من جزع أظفار (2)، هكذا روي، وأريد بها: العطر المذكور، كان يؤخذ ويُثقب، ويجعل في العقد والقلادة، لكن الصحيح في الرواية أنه من جزع ظَفارِ بوزن قَطامِ، وهي اسم مدينة لحمير باليمن، وفي المثل: من دخل ظفار حمير، وقيل: كلّ أرضٍ ذات معزة ظفار (3).

وفي لفظ في حديث أم عطية: من كست -بالكاف (4) -، واستوجه في "الفتح" القاف، والعطف؛ أي: من القسط وأظفار، وخطأ القاضي عياض رواية الكاف مع الإضافة (5).

قال: الإمام البخاري في "صحيحه": القسطُ، والكست: مثل الكافور، والقافور (6)، ويجوز في كلٍّ منهما القاف والكاف، وزاد القسط بأن يقال: بالتاء المثناة بدل الطاء.

قال: الإمام النووي: القسطُ والأظفارُ: نوعان معروفان من البخور:

(1) المتقدم تخريجه.

(2)

رواه البخاري (2518)، كتاب: الشهادات، باب: تعديل النساء بعضهنَّ بعضًا، عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 158).

(4)

تقدم تخريجه عند البخاري (307، 5027).

(5)

انظر "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 75).

(6)

انظر: "صحيح البخاري"(5/ 2043).

ص: 500

وليسا من مقصود الطيب، رُخِّص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدِّم، لا للطيب (1).

قال في "الفتح": المقصود من التطيب بهما، أن يخلطا في أجزاء أخر، ثم تُسحق، فتصير طيبًا، والمقصود بهما هنا كما قال: الشّيخ -أي: النووي-: أن يتبع بهما أثر الدم لإزالة الرائحة.

قال: وزعم الداودي: أن المراد: أما تسحق القسط، وتلقيه في الماء آخر غسلها، ليذهب رائحة الحيض، ورده القاضي عياض بأن ظاهر الحديث يأباه، وأنه لا يحصل منه رائحة طيبة إلا من التبخُّر به، كذا قال (2)، ونظر فيه في "الفتح"(3).

وقد نصَّ علماؤنا على أن للحادّة جعلَ طيب في فرجها إذا اغتسلت من الحيض.

وفي "شرح المقنع": عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها من قسطٍ أو أظفار، للحديث (4)، انتهى.

قال: الحافظ ابن حجر في "الفتح": قال: النووي: والمقصود باستعمال الطيب: دفعُ الرائحة الكريهة على الصحيح (5)، وقيل: لكونه أسرع للحبل، حكاه الماوردي، فعلى الأول: إن فقدت الحائض المسك، استعملت ما يخلفه في طيب الريح، وضعف النووي الثاني، قال لو كان

(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 119).

(2)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 74 - 75).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 491 - 492).

(4)

انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر (9/ 149).

(5)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 119).

ص: 501

صحيحًا، لاختص به ذات الزوج، وليس كذلك، انتهى ملخصًا (1).

قال الحافظ المصنف -قدس الله روحه-: (العَصْب) -بمهملتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة فموحدة-: (ثياب)، جمع ثوب (من) بلاد (اليمن، فيها بياض وسواد)؛ لأنه يعصب غزلها؛ أي: يربط ثم يصبغ ثم ينسج معصوبًا، فيخرج موشًّى، لبقاء ما عصب من أبيض لم ينصبغ -كما تقدم-، وإنما يعصب السَّدَى دون اللحمة (2).

وفي "الفتح" ذكر أبو موسى [المديني](3) في "ذيل الغريب" عن بعض أهل اليمن: أنه من دابةٍ بحرية تسمى: فرس فرعون، يتخذ منها الخرز وغيره، ويكون أبيض، وهذا غريب.

قال في "الفتح": وأغرب منه قول السهيلي: إنه نبات لا ينبت إلا باليمن، وعزاه لأبي حنيفة الدينوري (4).

قال: وأغرب منه قولُ الداودي: المراد بالثوب العصب: الخضرة، وهي الحبرة. قال: وليس له سلف في أن العصب الأخضر.

قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادّة لبسُ الثياب المعصفرة، ولا المصبغة، إلا ما صبغ بسواد، فرخص فيه مالك، والشافعي، لكونه لا يتخذ للزينة، بل هو من لباس الحزن، وكره عروة العصب -أيضًا-.

وكره مالك غليظه.

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 492).

(2)

المرجع السابق، (9/ 491).

(3)

[المديني] ساقطة من "ب".

(4)

انظر: "الروض الأنف" للسهيلي (1/ 189).

ص: 502

قال النووي: الأصح عند أصحابنا تحريمُه مطلقًا (1)، قاله في "الفتح"، وقال: هذا الحديث حجة لمن أجازه (2)، انتهى.

وفي "الهدي" للإمام ابن القيم: فإن قيل: فما تقولون في الثوب إذا صبغ غزلُه ثمّ نُسج، هل للحادّة لبسه؟ قيل: فيه وجهان: وهما احتمالان في "المغني":

أحدهما: يحرم لبسه؛ لأنه أحسن وأرفع، ولأنه يصبغ للحسن، فأشبه ما صُبغ بعد نسجه.

والثاني: لا يحرم، لقوله صلى الله عليه وسلم:"إلا ثوبَ عصب"، وهو ما صبغ غزلُه قبل نسجه، ذكره القاضي.

قال الإمام الموفق: والأول أصح (3).

قال: والصحيح في العصب: أنه نبت يُصبغ به الثياب، قال السهيلي: الورس والعصب نبتان باليمن، لا ينبتان إلا به (4)، فأرخص النبي صلى الله عليه وسلم للحادة في لبس ما يُصبغ بالعصب؛ لأنه في معنى ما يصبغ لغير تحسين، وأما ما صبغ غزله للتحسين، كالأحمر والأصفر، فلا معنى لتجويز لبسه، مع حصول الزينة بصبغه كحصولها بما صبغ بعد نسجه (5)، وقاله أيضًا شمس الدين بن أبي عمر في "شرح المقنع"(6).

(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 118).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 491).

(3)

انظر: "المغني" لابن قدامة (8/ 126).

(4)

انظر: "الروض الأنف" للسهيلي (1/ 189).

(5)

انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 711).

(6)

انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر (9/ 150).

ص: 503

قلت: وهذا الذي استقر عليه المذهب، فيحرم على الحادّة لبس الثياب المصبغة للتحسين، كالمعصفر، والمزعفر، والأحمر، والأزرق والأخضر الصافيين، والأصفر -كما تقدّم-، وكذا المطرز.

قال في "الإقناع"، وغيره: وما صُبغ غزله، ثم نُسج، فكمصبوغ بعد نسجه (1)، والله أعلم.

تنبيهان:

الأول: الإحداد مصدر أَحدَّت المرأةُ على زوجها: إذا تركت الزينة لموته، فهي مُحِدّ، ويقال -أيضًا-: حَدَّت تَحُدُّ -بكسر الحاء وضمها-، فيكون في مضارعه ثلاث لغات: واحدة من الرباعي، واثنتان من الثلاثي، كما في "المطلع"، قال: والحِداد -بكسر الحاء المهملة-: ثياب سود يحزن بها، والحدّ: المنع فالمحدّة ممتنعة من الزينة (2)، انتهى.

وفي "الفتح": أصل الإحداد: المنع، ومنه سُمِّي البواب حدادًا، منعه الداخل، وسميت العقوبة حدًا؛ لأنها تردع عن المعصية.

قال: ابن درستويه: معنى الإحداد: منعُ المعتدة نفسَها الزينة، وبدنَها الطيبَ، ومنع الخطّاب خطبتَها والطمعَ فيها، كما منع الحدّ المعصية.

وقال: الفراء: سمي الحديد حديدًا، للامتناع به، ولامتناعه على محاوله، ومنه تحديد النظر بمعنى: امتناع تقلبه في النظر.

قال: ويروى بالجيم، حكاه الخطابي، ولفظه: يروى بالحاء والجيم،

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 18).

(2)

انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 348 - 349).

ص: 504

والحاء أشهر، وبالجيم مأخوذ من جدَدت الشيء: إذا قطعته، فكأن المرأة انقطعت عن الزينة.

وقال أبو حاتم: أنكر الأصمعي جَدَّتْ، ولم يعرف إلا أَحَدَّت.

وقال الفراء: كان القدماء يؤثرون أحدَّت، والأخرى أكثر في كلام العرب (1).

الثاني: الخصال التي تجتنبها الحادّة مما دل عليها النص أربعة أشياء:

أحدها: الطيب -كما تقدم-.

الثاني: الزينة، وهي ثلاثة أنواع: أحدها: الزينة في يديها، فيحرم عليها الخضاب، والنقش، والتطريف، والحمرة، والإسفيذاج، فإنه صلى الله عليه وسلم نصّ على الخضاب كما في حديث أم عطية عند الإمام أحمد، وأبي داود، والنسائي:"ولا تختضب"(2)، وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها:"ولا تمتشطي بالطيب، ولا بالحناء، فإنه خضاب"(3) مُنَبِّهًا به على هذه الأنواع التي هي أكثر زينة منه، وأعظم فتنة، وأشد مضادة لمقصود الإحداد، ومن ذلك الكحل، وهو ثابتٌ بالنص -كما تقدم-، ويأتي -أيضًا-.

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 485).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 302)، من حديث أم سلمة رضي الله عنها ورواه أبو داود (2303)، كتاب: الطلاق، باب: فيما تجتنبه المعتدة في عدتها، والنسائي (3536)، كتاب: الطلاق، باب. الخضاب للحادة، عن أم عطية رضي الله عنها.

(3)

رواه أبو داود (2305)، كتاب: الطلاق، باب: فيما تجتنبه المعتدة في عدتها، والنسائي (3537)، كتاب: الطلاق، باب: الرخصة للحادة أن تمتشط بالسدر.

ص: 505

النوع الثاني: زينة الثياب.

الثالث: الحلي كله، حتى الخاتم في قول عامة أهل العلم، لقوله صلى الله عليه وسلم:"ولا الحلي" كما في حديث أم سلمة عند الإمام أحمد، وأبي داود، والنسائي (1).

وقال عطاء: تُباح الفضةُ دون الذهب (2).

قال في "شرح المقنع": ولا يصح، لعموم النهي، ولأن الحلي يزيد حسنَها، ويدعو إلى مباشرتها، قال الشاعر:[من الطويل]

وَمَا الحَلْيُ إلَّا زِينَةٌ لِنَقِيَصةٍ

يُتَمِّمُ مِنْ حُسْنٍ إِذَا الحُسْنُ قَصَّرَا (3)

ومعتمد المذهب: لا يحرم ملونٌ لدفع وسخ، كأسود، وكُحلي، وأخضر مشبع، ولا نقاب، وبُرْقع (4)، نصّ عليه الإمام أحمد، خلافًا لما في الخرقي وغيره، وكذا لا يحرم الأبيض، ولو كان حسنًا، وعلى المعتمد، ولو حريرًا (5)، ومنع بعض المالكية المرتفع من الأبيض الذي يتزين به، وكذا الأسود إذا كان يتزين به، وقال النووي: رخص أصحابنا فيما لا يتزين به، ولو كان مصبوغًا (6).

(1) تقدم تخريجه عند الإمام أحمد برقم (6/ 302)، ورواه أبو داود (2304)، كتاب الطلاق، باب: فيما تجتنبه المعتدة في عدتها. ولم أقف عليه عند النسائي. والله أعلم.

(2)

انظر: "المغني" لابن قدامة (8/ 126).

(3)

انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر (9/ 151).

(4)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 18).

(5)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(6)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 118).

ص: 506

واختلف في الحرير قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": الأصح عند الشّافعيّة منعُه مطلقًا، مصبوغًا أو غير مصبوغ؛ لأنه أبيح للنساء التزين به، والحادة ممنوعة من التزين، فكان في حقها كالرجال.

قال: وفي التحلي بالذهب وبالفضة وباللؤلؤ ونحوه وجهان، الأصح: جوازه، قال: وفيه نظر من جهة المعنى في المقصود بلبسه، وفي المقصود بالإحداد، فإنّه عند تأمّلهما يترجح المنع (1)، انتهى.

وقال أبو حنيفة: لا تلبس الحادّة ثوب عصب، ولا خز، وإن لم يكن مصبوغًا، إذا أرادت به الزينة، وإن لم ترد بلبس الثّوب المصبوغ الزينة، فلا بأس أن تلبسه (2).

الثالث: قال في "الهدي": تمنع الحادّة من لبس ما كان من لبس الزينة من أي نوع كان، قال: وعلى هذا مدار كلام أحمد، والشّافعيّ، وأبي حنيفة، وهو الصواب قطعًا، فإن المعنى الذي منعت من الممشق والمعصفر لأجله مفهوم، والنبي صلى الله عليه وسلم خصه بالذكر مع المصبوغ تنبيهًا على ما هو مثله، وأولى بالمنع، فإذا كان الأبيض والبُرد المحبّرة الرفيعة الغالية الأثمان مما تراد للزينة لارتفاعها وتناهي جودتها، كان أولى بالمنع من الثوب المصبوغ.

قال: وكل من عقل عن الله ورسوله لم يسترب في ذلك، لا كما قال أبو محمد بن حزم: إنها تجتنب الثياب المصبغة فقط، ويباح لها ما شاءت من حرير أبيض وأصفر من لونه الذي لم يصبغ، وصوف البحري الذي هو لونه، وغير ذلك.

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 491).

(2)

انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (17/ 320).

ص: 507

قال: ويباح لها أن تلبس المنسوج بالذهب، والحلي كله من ذهب وفضة وجوهر وياقوت وزمرد وغير ذلك.

قال: فهي -يعني الممنوعة- خمسة أشياء عليها أن تجتنبها فقط: الكحل كله، لضرورة أو غيرها، ولو ذهبت عيناها، لا ليلًا ولا نهارًا، وتجتنب فرضًا كلَّ ثوب مصبوغ مما يلبس في الرأس، أو على الجسد، أو على شيء منه، سواء في ذلك السواد والخضرة والحمرة والصفرة وغير ذلك، إلا العصب وحده، وتجتنب فرضًا الخضاب كله جملة، وتجتنب الامتشاط، حاشا التسريح بالمشط فقط، فهو حلال لها، وتجتنب -أيضًا- فرضًا الطيب كله، فلا تقربه، حاشا شيئًا من قسط أو أظفار عند طهرها فقط، فهذه الخمسة التي تجتنبها الحادّة عنده.

قال ابن القيم في "الهدي" منكرًا عليه: وليس بعجيب منه تحريم لبس ثوب أسود عليها ليس من الزينة في شيء، وإباحة ثوب يتقد ذهبًا ولؤلؤًا وجوهرًا، وتحريم المصبوغ الغليظ الحمل الوسخ، وإباحة الحرير الذي يأخذ العيون حسنه وبهاؤه ورؤياه، وإنما العجيب منه في زعمه أن هذا دين الله سبحانه في نفس الأمر الذي لا يحل لأحد خلافه، وأعجب من هذا إقدامه على خلاف الحديث الصحيح في نهيه صلى الله عليه وسلم لها عن لباس الحرير، وأطال في التنكيت عليه، والتعجب من مقالته (1)، والله -تعالى- أعلم.

(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 707 - 708)، وما بعدها.

ص: 508