الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في بنْتِ حَمْزَةَ: "لَا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، وَهِيَ ابْنَةُ أَخَي مِنَ الرَّضَاعَةِ"(1).
* * *
(عن ابن عباس) حبرِ الأمة عبدِ الله بن عباس (رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة) اختلف في اسمها، فقيل: آمنة،
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2502)، كتاب: الشهادات، باب: الشهادة على الأنساب، والرضاع المستفيض، والموت القديم، و (4812)، كتاب: النكاح، باب:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]، ومسلم (1447/ 12 - 13)، كتاب: الرضاع، باب: تحريم ابنة الأخ من الرضاعة، والنسائي (3305 - 3306)، كتاب: النكاح، باب: تحريم بنت الأخ من الرضاعة، وابن ماجه (1938)، كتاب: النكاح، باب: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"شرح مسلم" للنووي (10/ 23)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 78)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1385)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 142)، و"عمدة القاري" للعيني (13/ 204)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 217)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (7/ 123).
وقيل: أمامة، وقيل: عمارة، قاله ابن بشكوال (1)، ونقله الخطيب عن الواقدي، وأنه انفرد به، وقيل: أمَةُ الله، وقيل: فاطمة، وقيل: عائشة، وقيل: سلمى، وقيل: يعلى، كذا في "الفتح"(2)، وأسقط آمنة.
قال الحافظ المصنف -رحمه الله تعالى- في "مختصر السيرة" له: لما مات حمزة، لم يكن له إلا ابنة.
قال الحافظ عبد الكريم في "شرحه": قال أبو محمّد بنُ قدامة -يعني: الإمامَ الموفق-: كان له -أيضًا-: يعلى، وعمارة.
قال ابن عبد البر: توفي صلى الله عليه وسلم وليعلى وعمارة أعوام، ولا يحفظ لهما رواية (3).
وقال مصعب: ولد لحمزة خمسة رجالٍ لصلبه، وماتوا ولم يعقبوا، ولم يبق لحمزة عقب (4).
قال الإمام الموفق: ومن أولاد حمزة: أمامة، وهي التي أخرجها علي من مكة، واختصموا فيها، وزوَّجَها النبي صلى الله عليه وسلم من سَلَمة بن أبي سَلَمة ربيبِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فهلك قبل اجتماعهما.
ولحمزة -أيضًا- ابنة تسمى: أم الفضل، روى عنها عبد الله بن شداد، قالت: تُوفي مولًى لنا، وترك ابنةً وأختًا، فأعطى الابنةَ النصفَ، والأختَ النصفَ (5).
(1) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" له (2/ 709 - 710).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (7/ 505).
(3)
انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 1142).
(4)
المرجع السابق، (4/ 1587).
(5)
المرجع السابق، (4/ 1950).
وقيل: اسم أم الفضل فاطمة، وقيل: فاطمة غيرُ أم الفضل، وإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لعلي بحلّة، وأمره أن يجعلها خُمُرًا بين الفواطم، فشقها خمرًا لفاطمةَ بنتِ النبي صلى الله عليه وسلم، وفاطمةَ بنتِ أسد؛ أي: أُمِّ علي -رضوان الله عليهما-، وفاطمةَ بنتِ حمزةَ هذه رضي الله عنها (1).
وحمزة هو سيد الشهداء عمُّ المصطفى، ابنُ عبدِ المطلب، يقال له: أسدُ الله، وأسدُ رسول الله، وكان يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين، ويقول: أنا أسدُ الله، ذكره الحاكم أبو عبد الله (2).
وروى الحاكم -أيضًا- بإسناده: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل، فأخبرني أنّ حمزة مكتوبٌ في أهل السموات: أسدُ الله وأسدُ رسوله، وأنه قُتل جُنبًا، فغسَّلته الملائكة"، وقال: صحيح الإسناد، كذا قال (3).
وذكر الحاكم في "المستدرك": أنه يكنى: أبا يعلى، وأبا عمارة، وهما ابنان له (4).
قال: ابن الأثير في "جامع الأصول": أسلم حمزة رضي الله عنه قديمًا، قيل: في السنة الثانية من المبعث، وقيل: بل كان إسلام حمزة بعد دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دارَ الأرقم في السنة السّادسة، وكان إسلامه حَمِيَّةً،
(1) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(170)، وانظر:"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (8/ 62).
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك"(2557)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(3)
رواه الحاكم في "المستدرك"(4881)، وليس فيه: أنه قتل جنبًا، فغسلته الملائكة.
(4)
رواه الحاكم في "المستدرك"(4899)، عن محمَّد بن كعب القرظي قال: كان حمزة بن عبد المطلب يكنى أبا عمارة.
فاعتزّ الإسلام باسلامه، وشهد بدرًا، واستشهد يوم أُحد، قتله وحشيُّ بنُ حرب، وكان أسنَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين، وردّه ابنُ عبد البر؛ لأنه رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن تكون ثُوَيبة أرضعتهما في زمانين، وقيل: كان أسن منه بسنتين.
روى عنه: علي، والعباس، وزيد بن حارثة رضي الله عنهم (1).
وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن حارثة، فلهذا قال زيد في خصومته مع علي وجعفر في ابنة حمزة: ابنة أخي -كما سيأتي بيان ذلك-.
وأول لواء عقده صلى الله عليه وسلم لحمزة رضي الله عنه في الثانية حين بعثه إلى سيف البحر -بكسر السين- من أرض جُهينة، وقيل: بل أول لواء عقده صلى الله عليه وسلم لعبيدةَ بن الحارث بن عبد المطلب.
ولما رآه صلى الله عليه وسلم قتيلًا، بكى، وقال:"يرحُمك الله يا عمّ، لقد كنت وَصولًا للرحم، فَعولًا للخيرات"(2)، وكان ذلك في الثالثة من الهجرة.
قال ابن عبد البر: كان حمزة يوم استشهد ابنَ سبع وخمسين سنة، ودفن هو وابن أخيه عبدُ الله بن جحش في قبرٍ واحد، في أحد (3)، وقبره مشهورٌ يُزار، ومناقبه كثيرة، وفضائله غزيرة مشهورة رضي الله عنه.
(لا تحلُّ لي) أن أنكحها، وأولُ الحديث: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تزوّج ابنةَ حمزة (4)؟
(1) انظر: "جامع الأصول " لابن الأثير (14/ 297 - "قسم التراجم").
(2)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 13)، والطبراني في "المعجم الكبير"(2937)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
انظر: "الاستيعاب " لابن عبد البر (1/ 372).
(4)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4812).
والقائل له ذلك: علي بن أبي طالب كما في "مسلم" من حديثه، قال: قلت: يا رسول الله! ما لك تَنَوَّقُ في قريش وتدعُنا؟ قال: "وعندَكم شيء؟ "، قلت: نعم، ابنةُ حمزة، الحديث (1).
قوله: تَنَوَّقُ ضبط -بفتح المثناة والنون وتشديد الواو بعدها قاف-؛ أي: تختار، مشتق من النِّيقَة -بكسر النون وسكون التحتية بعدها قاف-، وهي الخيار من الشيء، يقال: تَنَوَّقَ تَنَوُّقًا؛ أي: بالغ في اختيار الشيء وانتقائه.
وعند بعض رواة مسلم: تَتُوق -بمثناة مضمومة بدل النون وسكون الواو- من التَّوْق؛ أي: تميل وتشتهي.
ووقع عند سعيد بن منصور من طريق سعيد بن المسيَّب، قال علي: يا رسول الله! ألا تتزوج بنتَ عمك حمزة؟ فإنها من أحسن فتاة في قريش (2)، وكأنَّ عليًّا لم يعلم أنّ حمزة رضيعُ النبي صلى الله عليه وسلم، أو جوَّزَ الخصوصية، أو كان ذلك قبل تقرير الحكم، قال القرطبي: وبعيدٌ أن يقال عن علي: لم يعلم بتحريم ذلك (3).
لأنه (يَحْرُم من الرضاع ما يَحْرُم من النسب) كما يأتي تقرير ذلك، (وهي)؛ أي: ابنة حمزة، (ابنةُ أخي من الرضاعة).
قال بعض العلماء: يستثنى من [عموم](4) قوله: "يَحْرُم من الرضاع
(1) رواه مسلم (1446)، كتاب: الرضاع، باب: تحريم ابنة الأخ من الرضاعة.
(2)
رواه سعيد بن منصور في "سننه"(1/ 272).
(3)
انظر: "المفهم" للقرطبي (4/ 180). وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 142).
(4)
ما بين معكوفين ساقطة من "ب".
ما يَحْرُم من النسب" أربعُ نسوة يحرمن في النسب مطلقًا، وفي الرضاع قد لا يَحْرُمن:
الأولى: أم الأخ في النسب حرام؛ لأنها إمّا أُمٌّ، وإما زوج أبٍ، وفي الرضاع قد تكون أجنبية، فترضع الأخ، فلا تحرم على أخيه.
الثانية: أم الحفيد حرام في النسب؛ لأنها إما بنتٌ، أو زوجُ ابن، وفي الرضاع قد تكون أجنبية، فترضع الحفيد، فلا تحرم على جده.
الثالثة: جدة الولد في النسب حرام؛ لأنها إما أم، أو أمُّ زوجة، وفي الرضاع قد تكون أجنبية أرضعت الولد، فيجوز لوالده أن يتزوج أمها.
الرابعة: أخت الولد حرام في النسب؛ لأنها بنتٌ، أو ربيبة، وفي الرضاع قد تكون أجنبية، فترضع الولد، فلا تحرم على والده بنتُها.
وهذه الصور اقتصر عليها جماعة، ولم يستثنِ الجمهور شيئًا من ذلك، وفي نفس الأمر لا يحتاج إلى استثناء شيء من ذلك؛ لأن المذكورات لم يحرمن جهة النسب، وإنما حرمن جهة المصاهرة (1).
ولما استثنى بعض علمائنا وغيرهم ممّا يحرم من النسب صورتين فقالوا: لا يحرم نظيرهما من الرضاع:
إحداهما: أم الأخت، فتحرم من النسب، ولا تحرم من الرضاعة.
والثانية: أخت الابن، فتحرم من النسب، ولا تحرم من الرضاع.
قال الحافظ ابن رجب وغيره: لا حاجة لاستثناء هاتين، ولا إحداهما، أنها أم الأخت، فإنها تحرم من النسب، لكونها أمًا، أو زوجة أب، لا لمجرد كونها أمَّ أخت، فلا نعلِّق التحريمَ بما لم يعلِّقه به، وحينيذٍ فيؤخذ
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 142).
في الرضاع من هي أم أخ ليست أمًا، ولا زوجة أب، فلا تحرم؛ لأنها ليست نظيرًا لذات النسب، وأما أخت الابن، فإنّ الله -تعالى- إنّما حرّم الربيبة المدخول بأمها، فتحرم لكونها ربيبة دخل بأمها، لا لكونها أختَ ابنه، والدخول في الرضاع منتفٍ، فلا يحرم به أولاد المرضعة (1)، انتهى.
وتقدم في باب النكاح المحرمات بالنسب، فكل ما يحرم منه، فإنه يحرم من الرضاع نظيرُه، فيحرم على الرجل أن يتزوج أمهاته من الرضاعة وإن علونَ، وبناتِه منها وإن سَفُلنَ، وأخواته، وبناتُ أخواته من الرضاعة، وعمّاته وخالاته من الرضاعة وإن علونَ دون بناتهنَ، ومعنى هذا: أنّ المرأة إذا أرضعت طفلًا الرضاعَ المعتبر في المدة المعتبرة -كما يأتي بيان ذلك في الحديث الرابع-، صارت أمًا له بنص الكتاب، فتحرم عليه هي وأمهاتها وإن علونَ من نسب أو رضاع، ويصير بناتها كلُّهنَّ أخواتٍ له من الرضاعة،
فيحرمْنَ عليه بالنص، وبقية التّحريم من الرضاعة استفُيد من السنة، كما استفيد منها أنّ تحريم الجمع لا يختص بالأختين، بل المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها كذلك، وإذا كان أولاد المرضعة من نسبٍ أو رضاع إخوة للمرضع، فيحرم عليه بنات إخوته -أيضًا-، كما امتنع في من تزويج ابنة حمزة وابنة أبي سَلَمة، وعلل ذلك بأن أبواهما كانا أخوين له من الرضاعة، ويحرم عليه -أيضًا- أخواتُ المرضِعة؛ لأنهنَّ خالاته، وتنتشر الحرمة -أيضًا- إلى الفحل -كما يأتي- (2).
(1) انظر: "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (ص: 413).
(2)
المرجع السابق، (ص: 411).