المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٥

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب اللقطة

- ‌باب الوصايا

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب النكاح

- ‌الحديث الأول

- ‌بَابِ

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب الصداق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب العدة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب اللعان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الرضاع

- ‌الحديث الأول

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:

‌الحديث الثاني

عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: تُوُفِّيَ حَمِيمٌ لأُمِّ حَبِيبَةَ، فَدَعَتْ بصُفْرَةٍ، فَمَسَحَتْهُ بذِرَاعَيْهَا، وَقَالَتْ: إنَّما أَصْنَعُ هَذَا؛ لِأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "لَا يّحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا"(1).

الحميم: القرابة.

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (1222)، كتاب: الجنائز، باب: حد المرأة على غير زوجها، و (5024)، كتاب: الطلاق، باب: تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا، و (5030)، باب:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} ، ومسلم (1486/ 59)، كتاب: الطلاق، باب: وجوب الإحداد في عدة الوفاة، وتحريمه في غير ذلك، إلا ثلاثة أيام، وأبو داود (2299)، كتاب: الطلاق، باب: إحداد المتوفى عنها زوجها، والنسائي (3500)، كتاب: الطلاق، باب: عدة المتوفى عنها زوجها، و (3533)، باب: ترك الزينة للحادة المسلمة دون اليهودية والنصرانية، والترمذي (1195)، كتاب: الطلاق، باب: ما جاء في عدة المتوفى عنها زوجها.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 229)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 171)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 66)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 282)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 111)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 60)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار =

ص: 484

(عن زينبَ بنتِ) أمِّ المؤمنين (أم سلمةَ)، وهي بنت أبي سلمة، ربيبةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سلمة رضي الله عنهما، وكان اسمها بَرَّةَ، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينبَ، ولدت بأرض الحبشة، وكانت تحت عبدِ الله بنِ زمعة بنِ الأسود، وولدت له، وكانت من أفقه أهل زمانها، ماتت رضي الله عنها بعد وقعة الحرة، وقد قتل لها في الحَرَّة ابنان.

ويروى: أنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل، فنضح في وجهها، قالوا: فلم يَزَل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت وعجزت.

روى عنها: علي بن الحسين، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعروة بن الزبير، وغيرهم (1). (قالت: توفي)؛ أي: مات (حَميمٌ) على وزن أمير: هو القريب، ومثل المُحِمّ كالمُهِمّ، والجمعُ أَحِمَّاء، وقد يكون الحميم للجمع والمؤنث، كما في "القاموس"(2)، لـ (أم) المؤمنين (أم حبيبةَ) رملةَ بنتِ أبي سفيان رضي الله عنهما، وحميمُها الذي توفي هو أبوها كما صرح به في بعض طرق "الصحيحين"، فقال: لما توفي أبوها أبو سفيان (3)، وفي

= (3/ 1338)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 285)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 485)، و"عمدة القاري" للعيني (8/ 65)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 187)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (7/ 93).

(1)

وانظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 461)، و"الثقات" لابن حبّان (3/ 145)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1854)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (7/ 132)، و"تهذيب الكمال" للمزي (35/ 185)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (3/ 200)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 675)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (12/ 450).

(2)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1417)، (مادة: حمم).

(3)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5024).

ص: 485

رواية: لما جاءها نعيُ أبيها (1)، أبي سفيان من الشام.

قلت: كذا في البرماوي، مع جزمهم بأن أبا سفيان صخرَ بن حرب إنما توفي بالمدينة، ونقل القسطلاني الإجماع على ذلك (2)، ودُفن في البقيع، وصلّى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه، وذلك سنة ثلاثين، أو إحدى وثلاثين (فدعت) أم حبيبة (بصفرة)، وفي رواية: فدعت بطيب فيه صفرة، خلوقٌ أو غيره (3).

قال في "القاموس" الخلوق، كصبور، وكتاب: ضرب من الطيب (4).

وقال في "المطالع": الخلوق: طيب يخلط بالزعفران (5).

(فمسحته)؛ أي: مسحت أم حبيبة ذلك الطيب (بذراعيها) تثنية ذراع -بكسر المعجمة- يذكر ويؤنث، وهو العظم من المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى (6).

وفي رواية في "الصحيحين": فدعت أم حبيبة بطيبٍ فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية، ثمّ مسّت بعارضيها (7)، (وقالت) أم حبيبة رضي الله عنها:(إنما أصنع هذا) يعني: مسحها الطيب بذراعيها؛ (لأني

(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5030).

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (1/ 73).

(3)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5024)، ورواه مسلم (1486/ 58)، كتاب: الطلاق، باب: وجوب الإحداد في عدة الوفاة، وتحريمه في غير ذلك، إلا ثلاثة أيام.

(4)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1137)، (مادة: صبر).

(5)

وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 238).

(6)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 925)، (مادة: ذرع).

(7)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5024)، وعند مسلم برقم (1486/ 58).

ص: 486

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل)، استدل به على تحريم الإحداد على غير الزوج، وهو واضح، وعلى وجوب الإحداد المدة المذكورة على الزوج، واستشكل بأن الاستثناء وقع بعد النفي، فيدل على الحل فوق الثلاث على الزوج، لا على الوجوب، وأجيب بأن الوجوب اسْتُفِيدَ من دليلٍ آخر كالإجماع، ورُد نقلُ الإجماع بأن المنقول عن الحسن البصري: أن الإحداد غيرُ واجب، أخرجه ابن أبي شيبة (1)، ونقل الخلال بسنده عن الإمام أحمد عن هشيم، عن داود، عن الشعبي: أنه كان لا يعرف الإحداد.

قال الإمام أحمد: ما كان بالعراق أشد تَبَحُّرًا من هذين -يعني: الحسن والشعبي-، قال وخفي ذلك عليهما، ثم إن مخالفتهما لا تقدح في الاحتجاج، نعم يرد القول بدعوى الإجماع (2).

وفي "الشرح الكبير" للإمام شمس الدين بن أبي عمر نفى الخلافَ بين أهل العلم بوجوب الإحداد، إلا عن الحسن.

قال: وهو قول قد شذّ به عن أهل العلم، وخالف فيه السنّة، فلا يعرَّج عليه (3).

وسبقه إلى مثل ذلك ابن المنذر.

وقال الإمام ابن القيم في "الهدي": أجمعت الأمة على وجوبه على المتوفَّى عنها زوجُها، إلا ما حُكي عن الحسن، والحكم بن عُيينة، أما الحسن، فروى حماد بن سلمة عن حميد عنه: أن المطلقة ثلاثًا، والمتوفى عنها زوجها يكتحلان ويمتشطان ويتطيبان ويختضبان وينتقلان ويصنعان

(1) رواه ابن أبي شبية في "المصنف"(19290).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 485 - 486).

(3)

انظر: "الشرح الكبير" لابن أبي عمر (9/ 145).

ص: 487

ما شاءتا، وأما الحكم، فذكر عنه شعبة: أن المتوفى عنها زوجُها لا تُحِدّ.

قال أبو محمَّد بن حزم: واحتج أهل هذه المقالة بحديث عبد الله بن شداد بن الهاد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأةِ جعفرِ بنِ أبي طالب: "إذا كان ثلاثة أيام، فالبسي ما شئتِ"، [أو] إذا كان بعد ثلاثة أيام، شك شعبة (1)، وفي طريقٍ آخر عن عبد الله بن شداد المذكور: أن أسماء بنتَ عُميس استأذنت النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن تبكي على جعفر، وهي امرأته، فأذن لها ثلاثة أيام، ثم بعث إليها بعد ثلاثة أيام: أن "تَطَهَّري واكتحلي"(2)، قالوا: وهذا ناسخ لأحاديث الإحداد.

وأجاب الجمهور: بأن هذا الحديث منقطع، فإن عبد الله بن شداد بن الهاد لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا رآه، فكيف يقدَّم حديثه على الأحاديث الصحيحة المسنَدة الصريحة التي لا مطعن فيها؟

وفي الطريق الثاني الحجاجُ بن أرطاة، ولا يعارض حديثه حديثَ الأئمة الأثبات الذين هم فرسان هذا الشأن (3).

(لامرأةٍ) متعلق بـ: (لا يحل)، وقد تمسك بمفهومه الحنفية، فقالوا: لا يجب الإحداد على الصغيرة، وذهب الجمهور إلى وجوب الإحداد [عليها](4) كما تجب العدة، وأجابوا عن التقييد بالمرأة: أنه خرج مخرج الغالب، وعن كونها غير مكلفة: بأن الولي هو المخاطَب بمنعها مما تمنع منه المعتدّة (5).

(1) رواه ابن حزم في "المحلى"(10/ 280).

(2)

رواه ابن حزم في "المحلى"(10/ 280).

(3)

انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 696 - 697).

(4)

[عليها] ساقطة من "ب".

(5)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 486).

ص: 488

قال في "الهدي": الإحداد يستوي فيه جميع الزوجات، المسلمة والكافرة، والحرة والأمة، والكبيرة والصغيرة، قال: وهذا قول الجمهور، وأحمد، ومالك، والشّافعيّ، إلا أن أشهب وابن نافع قالا: لا إحداد على الذميّة، ورواه أشهب عن مالك، وهو قول أبي حنيفة (1)، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم:(تؤمن بالله واليوم الآخر)، فقالوا: التقييد بالإيمان مُخْرِج للذمية، وبه قال أبو ثور، وترجم عليه النسائي بذلك، وأجاب الجمهور: بأنه ذُكر تأكيدًا للمبالغة في الزجر، فلا مفهوم له، كما يقال: هذا طريق المسلمين، وقد يسلكه غيرهم (2).

قال في "الهدي": و"التحقيق أن نفيَ حل الفعل عن المؤمنين لا يقتضي نفيَ حلِّه عن الكفار، ولا إثباتَ الحل لهم -أيضًا-،وإنما يقتضي أن من التزم الإيمان وشرائعه، فهذا لا يحل له، ويجب على كل أحد أن يلزم الإيمان وشرائعه، لكن لا يُلزمه الشارعُ بشرائع الإيمان إلا بعد دخوله فيه، وهذا كما لو قيل: لا يحل لمؤمن أن يترك الصلاة والزكاة والحج، فهذا لا يدل على أن ذلك حل للكفار، وكما لو قال: لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانًا، وسرُّ المسألة: أن شرائع الحلال والحرام والإيجاب إنما شرعت لمن التزم أصلَ الإيمان، ومن لم يلتزمه، وخلِّي بينه وبين دينه، فإنه يخلَّى بينه وبين شرائع الدين الذي التزمه كما خُلِّي بينه وبين أصله ما لم يحاكم إلينا، وهذه القاعدةُ متفق عليها بين العلماء، ولكن عذر من أوجب الإحداد على الذميّة: أنه يتعلق به حق الزوج المسلم، فهو ملتحق بالعدّة في حفظ النسب، ولهذا لا تلزم في عدّتها من الذميّ بالإحداد، ولا يتعرض لها فيها،

(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 698).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 486).

ص: 489

فيلتزمون بعقودهم مع المسلمين بأحكام الإسلام، وأما عقود بعضهم مع بعض، فلا يتعرض لهم فيها ما لم يرتفعوا إلينا، والله الموفق (1).

(أن تُحِدَّ): أن وما بعدها في تأويل مصدر فاعل [لا يحل؛ أي](2): لا يحل إحدادُها على ميّت، استدل به لمن قال: لا إحداد على امرأةِ المفقود، لعدم تحقق وفاته، خلافًا للمالكية، ولمن قال: لا يجب الإحداد على البائن، على الأصح عندنا كالشّافعيّة، خلافًا لسعيد بن المسيَّب، وأبي عبيد، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وبعدم وجوب الإحداد على البائن، قال عطاء، وربيعة، ومالك، وابن المنذر: ونحوه قول الإمام الشّافعيّ.

قلت: قال صاحب "الهدي" في القول بوجوب الإحداد: قال: وهو قول من ذكرنا، والإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه، واختارها الخرقي، قال: وهذا محض القياس؛ لأنها معتدة بائن من نكاحٍ، فلزمها الإحداد كالمتوفى عنها؛ لأنهما اشتركا في العدّة، واختلفا في سببها (3).

وقال الإمام شمس الدين بن أبي عمر في تأييد المذهب: الحديث: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت" دلّ على أن الإحداد إنما يجب في عدّة الوفاة، والبائنُ معتدّةٌ من غير وفاة، فلم يجب عليها، كالرجعية، والموطوءة بشبهةٍ؛ ولأن الإحداد في عدة الوفاة لإظهار الأسف على فراق زوجها وموته، وأما الطلاق، فإنه فارقها باختيار نفسه، وقطع نكاحها منافٍ لتكليفها الحزنَ عليه (4).

(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 698 - 699).

(2)

[لا يحل أي] ساقطة من "ب".

(3)

انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 700).

(4)

انظر: "الشرح الكبير" لابن أبي عمر (9/ 146).

ص: 490

وأما الرجعية، فلا إحداد عليها بغير خلاف، ونقل في "الفتح": الإجماع على ذلك (1).

(فوق ثلاث) من الليالي بأيامها (إلا على زوج) سواء كان أبًا أو غيره، وأما ما رواه أبو داود في "المراسيل" من رواية عمرو بن شعيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للمرأة أن تحد على أبيها سبعة أيام، وعلى من سواه ثلاثة أيام (2)، فلم يصح؛ لأنه مرسل أو معضل؛ لأنّ جُلَّ رواية عمرو بن شعيب عن التابعين، ولم يرو عن أحد من الصحابة إلا الشيءَ اليسير عن بعض صغار الصحابة، ووهم من تعقب على أبي داود تخريج هذا الحديث في "المراسيل"، فقال: عمرو بن شعيب ليس تابعيًا، فلا يخرج حديثه في "المراسيل"، وهذا تعقب مردود لِما قلناه، لاحتمال أن يكون أبو داود كان يخص المرسل برواية التابعي كما هو منقول عن غيره -أيضًا-، كما في "الفتح"(3).

واستدل به على جواز الإحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال فما دونها، وتحريمه فيما زاد عليها، وكأن هذا القدر أبيح لأجل حفظ النفس ومراعاتها، وغلبة الطباع البشرية، ولهذا تناولت أم حبيبة وغيرُها الطيب لتخرجَ به عن عهدة الإحداد، مع تصريحها بأنها لم تتطيب لحاجة، إشارة إلى أن آثار الحزن باقية عندها، لكنها لم يسعها إلا امتثال الأمر (4).

وأما الأَمَة وأمُّ الولد، فلا إحداد عليهما (5)، نعم لهما أن يحدا على

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 486).

(2)

رواه أبو داود في "المراسيل"(409).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 486).

(4)

المرجع السابق، (9/ 487).

(5)

انظر: "الشرح الكبير" لابن أبي عمر (9/ 147).

ص: 491

سيدهما ثلاثة أيام فما دون، وأما الزوجة، فعليها أن تحد على زوجها (أربعة أشهر وعشرًا)، قيل: الحكمة في التخصيص بهذه المدة: أن الولد يتكامل تخليقُه وينفخ فيه الرُّوح بعد مضي مئة وعشرين يومًا، وهي أن العشر زيادة على الأربعة أشهر ينقصان الأهلة، فجبر الكسر إلى العقد -يعني: العشر- على طريق الاحتياط (1).

قال في "الهدي": قيل لسعيد بن المسيب: ما بال العشر؟ قال: فيها تنفخ الروح (2).

وذكر العشر مؤنثًا، لإراده الليالي. والمراد: بأيامها عند الجمهور، فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشرة (3).

قال في "شرح المقنع": والعشر المعتبرة في العدة هي عشر ليال، فيجب عشرة أيام مع الليالي، وبهذا قال مالك، والشافعي، وأبو عبيد، وابن المنذر، وأصحاب الرأي.

قال الأوزاعي: يجب عشر ليال وتسعة أيام؛ لأن العشر تستعمل في الليالي دون الأيام، وإنما دخلت الأيام في أثناء الليالي تبعًا، قلنا: العرب تغلِّب حكمَ التأنيث في العدد خاصة على المذكر، فيطلق لفظ الليالي، ويراد الليالي بأيامها، كما في قوله -تعالى- لزكريا:{آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10]، يريد: بأيامها، بدليل أنه قال في

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 487).

(2)

رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(2/ 516)، وانظر:"زاد المعاد" لابن القيم (5/ 666).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 487).

ص: 492

موضع آخر: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلا رَمْزًا} [آل عمران: 41]. يريد: بلياليها (1).

قال الحافظ المصنف رحمه الله ورضي عنه-: (الحميم) في قول زينب بنت أم سلمة رضي الله عنهما: توفي حميم لأم حبيبة هو (القرابة) -كما تقدم-، وتقدم أنه أبوها أبو سفيان رضي الله عنه

(1) انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر (9/ 90).

ص: 493