المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الخامس عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٥

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب اللقطة

- ‌باب الوصايا

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب النكاح

- ‌الحديث الأول

- ‌بَابِ

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب الصداق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب العدة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب اللعان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الرضاع

- ‌الحديث الأول

الفصل: ‌ ‌الحديث الخامس عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ:

‌الحديث الخامس

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يسْتأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إنَّي أَصَبْتُ أَرْضًا بخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُني بهِ؟ قَالَ:"إِنْ شِئْتَ، حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا"، قَالَ: فَتَصَدَّقَ عُمَرُ بِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُورَثُ، وَلَا يُوهَبَ، قَالَ: فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الفُقَرَاءِ، وَفي القُرْبَى، وَفِي الرِّقَاب، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، والضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَها أَنْ يَأْكلَ مِنْهَا بالمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فيهِ، وفي لفظ: غَيْرَ مُتأَثِّلٍ (1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (2586)، كتاب: الشروط، باب: الشروط في الوقف، و (2613)، كتاب: الوصايا، باب: وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم، و (2620)، باب: الوقف كيف يكتب، و (2621)، باب: الوقف للغني والفقير والضيف، و (2625)، باب: نفقة القيم للوقف، ومسلم (1632)، كتاب: الوصية، باب: الوقف، وأبو داود (2878)، كتاب: الوصايا، باب: ما جاء في الرجل يوقف الوقف، والنسائي (3597 - 3601)، كتاب: الأحباس، باب: الأحباس كيف يكتب الحبس، والترمذي (1375)، كتاب: الأحكام، باب: في الوقف، وابن ماجة (2396)، كتاب: الصدقات، باب: من وقف.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"عارضة الأحوذي" لابن العربي (6/ 143)، و"إكمال =

ص: 48

(عن) أبي عبد الرحمن (عبدِ الله بنِ) أمير المؤمنين (عمَر) بنِ الخطاب (رضي الله عنهما، قال) أبو عبد الله بنُ عمَر: (أصاب عمرُ) رضي الله عنه (أرضًا بخيبَر) -بالخاء المعجمة فتحتية فموحدة، وزن جعفر-: هي اسم ولاية مشتملة على حصون ومزارع ونخل كثير على ثلاث مراحلَ من المدينة النبوية -على ساكنها الصلاة والسلام-، وذلك ثمانية بُرُد، والبريدُ أربعة فراسخ، وكل فرسخ ثلاثةُ أميال، على يسار الحاجِّ من الشام، تُسامت هدية إلى جهة الشرق.

قال في "السيرة الشامية": والخيبر بلسان اليهود: الحصن، ولذا يقال لها: خيابر -أيضًا-.

وقيل: إنها سميت بذلك باسم أول من نزلها، وهو خيبر أخو يثرب ابنا قانية بن مهلايل بن إِرم بن عبيد، وهو أخو عاد (1).

وعمر رضي الله عنه أصاب الأرض التي ذكرها لما فتحها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فاستحق سهمه، وكان فتوحها في أول السابعة على ما رجحناه في "المعارج شرح النونية".

قال ابن عمر رضي الله عنه: (فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يستأمِرُه) -أي: يطلب

= المعلم" للقاضي عياض (5/ 374)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 599)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 86)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 210)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1194)، و"فتح الباري" لابن حجر (5/ 400)، و"عمدة القاري" للعيني (14/ 24)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (4/ 456)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 88)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (6/ 127).

(1)

انظر: "معجم البلدان" لياقوت الحموي (2/ 409)، و"فتح الباري" لابن حجر (7/ 464)، و"السيرة الحلبية"(2/ 726).

ص: 49

منه أمره -يعني: يستشيره (فيها) بأن يتصدق بها، أو يوقفها، (فقال) عمرُ رضي الله عنه:(يا رسول الله! إنِّي أصبت أرضًا بخيبر)، واسم تلك الأرض: ثَمْغ -بفتح الثاء المثلثة وسكون الميم، فغين معجمة-، وفي "القاموس": ثَمَغَ: خلطَ البياض بالسواد، ورأسَه بالحناء، وثَمْغ -بالفتح-: مال بالمدينة كان لعمر رضي الله عنه، انتهى (1).

وفي "المطالع": ثَمْغ -بإسكان الميم-، وقيده المهلب -بفتحها-: موضع مال عمر رضي الله عنه المحبس، انتهى (2).

(لم أصب مالًا قط أنفسَ)؛ أي: أجود وأعجب - (عندي منه).

وفيه: دليل على ما كان أكابرُ السلف والصالحين عليه من إخراج أنفَسِ الأموال عندهم لله تعالى (3).

(فما تأمرني به؟) أي: بذلك المال النفيس الذي هو الأرض التي أصابها من خيبر، (قال) له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:(إن شئتَ حَبَّسْتَ أصلَها)؛ يعني: رقبة الأرض.

(وتصدقتَ بها)؛ أي: بثمرتها، ويحتمل أن يكون راجعًا إلى الأصل المحبَّس، وهو ظاهر اللفظ.

ويتعلق بذلك ما تكلم فيه الفقهاء من ألفاظ التحبيس التي منها الصدقة، ومن قالك منهم بأنه لا بد من لفظ يقترن به يدل على معنى الوقف (4).

قلت: صرح علماؤنا بأن صريح الوقف: وَقَفْت، وحَبَّسْت، وسَبَّلْت،

(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1008)، (مادة: ثمغ).

(2)

وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 136).

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 210).

(4)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

ص: 50

ويكفي أحدُها، وكنايته: تصدَّقت، وحرَّمت، وأبَّدت، ولا يصح بالكناية إِلَّا أن ينويه، أو يقرن به أحد الألفاظ الخمسة، بأن يقول مثلًا: تصدقت صدقة موقوفة، أو محبسة، أو مسبلة، أو مؤبدة، أو يصفها بصفات الوقف، فيقول: لا تباع، ولا توهب، ولا تورث، أو يقول: تصدقت بأرضي على فلان، والنظر لي أيام حياتي، أو لفلان، ثم من بعده لفلان، وكذا لو قال: تصدقت به على فلان، ثم من بعده على ولده، أو على فلان، أو تصدقت به على قبيلة كذا، أو طائفة كذا.

ولو قال: تصدقت بداري على فلان، ثمّ قال بعد ذلك: أردت الوقف، ولم يصدقه فلان، لم يقبل قول المتصدق في الحكم (1).

وإنما قال له صلى الله عليه وسلم: "إن شئت"، ليعلمه أنه مخير.

وربما استدل بهذا الحديث: أن ظاهر الأمر للوجوب، وإلا لما احتاج إلى قوله:"إن شئت".

(قال)؛ أي: ابن عمر رضي الله عنهما: (فتصدَّقَ)؛ أي: (عمر) رضي الله عنه (بها)؛ أي: بَغلَّتِها، (غير أنه)؛ أي: الشأن والأمر (لا يباع أصلُها) الذي هو رقبة الأرض، وهذا حكم شرعي ثابت للوقف من حيث هو وقف، ويحتمل من حيث اللفظ أن يكون ذلك إرشادًا إلى شرط هذا الأمر في هذا الوقف، فيكون ثبوته بالشرط لا بالشرع (2).

(ولا يورث) أصلها (ولا يوهب).

(قال) ابن عمر رضي الله عنهما: (فتصدق) بها؛ أي: بالأرض المذكورة- (عمرُ) بنُ الخطاب رضي الله عنه.

(1) انظر: "غاية المنتهى" للشيخ مرعي (4/ 273 - 274).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 211 - 212).

ص: 51

(في الفقراء) وهم هنا: كل من لا يجد كفايته، فيعم المساكين.

(وفي القربى)؛ أي: القرابة في الرحم، وأصل القربى: مصدر، تقول: بيني وبينه قرابة، وقرب، وقربى، ومَقْرَبة (1).

(وفي الرقاب)؛ أي: في فك الرقاب، وهم: المكاتَبون يُدفع إليهم شيء من الوقف تُفك به رقابهم، وكذلك لهم نصيب في الزَّكاة (2).

(وفي سبيل الله)، وهو الجهاد عند الأكثرين، ومنهم من عدَّاه إلى الحج.

(وابن السبيل)، وهو المسافر، والسبيل: هو الطريق، والقرينة تقتضي حاجته، فلو كان له مال في بلده لا يصل إليه، فهو ابن السبيل أيضًا.

(والضيف)، وهو من نزل بقوم، والمراد: قِراه، والقرينة لا تقتضي تخصيصَه بالفقر.

وكل هذه المصارف الّتي ذكرها عمر رضي الله عنه مصارفُ خيرات، وهي جهة الأوقاف (3).

(لا جُناحَ)؛ أي: لا إثمَ.

(على من وَلِيهَا)؛ أي: أكلُه وإطعامه لا يكون على وجه التموُّل، بل لا يجاوز المعتاد، يعني: إن أكل من ولى التحدث على تلك الأرض، فله (أن يأكل منها)؛ أي: من ريعها.

(بالمعروف)؛ أي: بحسب ما يحمل ريع الوقف على الوجه المعتاد.

(1) قاله الجوهري في "الصحاح"(1/ 199 - 200)، (مادة: قرب).

(2)

انظر: "عمدة القاري" للعيني (14/ 24).

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 212).

ص: 52

(أو)؛ أي: ولا جناح على من وليها أن (يطعم صديقًا) له من ريعها.

(غيرَ متمول) حالٌ من قوله: من وليها؛ أي: أكله وإطعامه لا يكون على وجه التمول (1).

(فيه)؛ أي: ريع ربح تلك الأرض، بل يتقيد بالمعتاد. (وفي لفظ: غيرَ مُتأَثِّلٍ) -بضم الميم فمثناة فوقية فهمز فمثلثة مشددة فلام- بدل متمول؛ أي غيرَ متخذ من ذلك أصلَ مال، يقال: تأثَّلْتُ المالَ؛ أي: اتخذته أصلًا (2).

قال في "القاموس": تَأَثَّلَ: تَأَصَّلَ، وأَثَّلَ مالَه تأثيلًا: زكَّاه، وأثل الرَّجلُ: كَثُرَ ماله (3).

وقال في "المطالع": في حديث أبي قتادة في قصة الدرع يوم حنين: إنه لأولُ مالٍ تأثَّلته (4)؛ أي: اتخذته أصلًا.

وأَثْلة الشيء -بفتح الهمزة وسكون الثاء-: أصله.

ومنه: غير متأثل مالًا، انتهى (5).

وفي بعض طرق البخاري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"تصدق بأصله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره"، فتصدق به عمر (6).

وفيه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر- رضي الله عنه

(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (14/ 24).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 212).

(3)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1240)، (مادة: أثل).

(4)

رواه البخاري (1994)، كتاب: البيوع، باب: شراء الإبل الهيم، ومسلم (1751)، كتاب: الجهاد والسير، باب: استحقاق القاتل سلب القتيل.

(5)

وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 18 - 19).

(6)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2613).

ص: 53

تصدق بمال له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقال له: ثَمْغ، وكان نخلًا، الحديث (1) في "الصحيحين".

قال ابن عون: أنبأني من قرأ هذا الكتاب: أن فيه: "غير متأثل مالًا"(2).

تنبيهات:

* الأول: هذا الحديث فيه دليل على صحة الوقف والحبس على جهة القربات، وهو مشهور متداول النقل بأرض الحجاز خلفًا عن سلف (3).

وقد اتفق الأئمة على جوازه، ثم اختلفوا: هل يلزم من غير حكم حاكم، أو يخرجه مخرج الوصايا؟.

فقال الثلاثة: يصح بغير هذين الوصفين، ويلزم.

وقال أبو حنيفة: لا يصح إلا بوجود أحدهما (4).

وقال علماؤنا: يصح الوقف بقول وفعل دال عليه، مثل أن يجعل أرضه مقبرة، ويأذن بالدفن فيها، ويبني بنيانًا على هيئة مسجد، ويأذن للناس في الصلاة فيه إذنًا عامًا (5).

* الثّاني: يشترط في الموقوف: أن يكون عينًا معلومة، يصح بيعها، ويمكن الانتفاع بها دائمًا، مع بقاء عينها عرفًا، عقارات كان، أو شجرًا، أو منقولًا، كالحيوان، والأثاث، والسلاح، والمصحف، وكتب العلم، ونحو ذلك.

(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2613).

(2)

تقدم تخريجه من لفظ مسلم فقط برقم (1632).

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 210).

(4)

انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 52).

(5)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 63).

ص: 54

ويصح وقف المشاع اتفاقًا، وأن يكون على بر، من مسلم وذمي، كالفقراء، والمساكين، والحج، والغزو، وكتابة الفقه والعلم والقرآن، والسقايات، والقناطر، وإصلاح الطرق والمساجد والمدارس والبيمارستانات، والأقارب من مسلم وذمي، فلا يصح على مباح ومكروه ومعصية، فإن وقف على ذمي -ولو غير قريب-، صح، وشرط استحقاقه ما دام ذميًا لاغٍ، بل يستمر له إذا أسلم، فلا يصح الوقف على كنائس وبيوت نار، وبيع وصوامع، وديورة ومصالحها، ولو كان الوقف من ذمي، بل على من ينزلها من مار ومجتاز بها فقط، ولو كان من أهل الذمة.

ولا يصح على كتابة التوراة والإنجيل، ولو من ذمي.

ولا على جنس الأغنياء وقطاع الطريق والفسقة.

وأن يقف على معين يملك ملكًا مستقرًا، فلا يصح على مجهول، كرجل، ومسجد، ولا على ميت، ولا على معدوم أصلًا، كعلى من سيولد لي، ويصح تبعًا.

وأن يقف ناجزًا، فإن علقه بشرط غير موته، لم يصح، وإن قال: هو وقف بعد موتي، صح، وكان لازمًا، ويعتبر خروجُه من ثلث ماله.

وأن يكون الواقف ممن يصح تصرفه في ماله، وهو المكلف الرشيد، فإن كان الوقف على غير معين، كالمساكين، ومن لا يتصور منه القبول، كالمساجد والقناطر، لم يفتقر إلى القبول من ناظرها، ولا غيره.

وكذا إن كان على آدمي معين، ولا يبطل برده، كسكوته.

ويزول ملك الواقف عن العين الموقوفة، وينتقل الملك فيها إلى الله تعالى إن كان الوقف على نحو مسجد، وإلى الموقوف عليه إن كان آدميًا،

ص: 55

أو جمعًا محصورًا، فينظر فيه هو أو وليه بشرطه (1)، وهذا مذهبنا كمالك.

وقال أبو حنيفة: يزول عن ملك الواقف لا إلى ملك، وهو محبوس على مالكه، حتى يعتبر شرطه، ومنه ينتقل إلى الله.

وللشافعي ثلاثة أقوال:

أحدها: كمذهب مالك وأحمد.

الثاني: هو على ملك الواقف.

الثالث: ينتقل إلى الله عز وجل (2).

* الثالث: في الحديث دليل على ذكر الشروط في الوقف واتباعها، وينبغي أن تكتب كلها في كتاب الوقف، وقد كتب سيدنا عمر رضي الله عنه كتاب وقفه، كتبه مُعيقيب، وكان كاتبه، وشهد عبدُ الله بن الأرقم، وكان هذا في زمن خلافته؛ لأن معيقيبًا كان يكتب له في خلافته، وقد وصفه بأمير المؤمنين، وكان عمر رضي الله عنه قد وقفه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد روى أبو داود بإسناده إلى يحيى بن سعيد عن صدقة عمر رضي الله عنه، قال: نسخها لي عبدُ الحميد بنُ عبد الله بنِ عمرَ بنِ الخطاب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هذا ما كتب عبدُ الله بنُ عمر في ثَمْغ، فقص من خبره نحو الحديث المشروح.

وفيه: غير متأثل مالًا مما عفي عنه من ثمره، فهو للسائل والمحروم، وساق القصة.

(1) انظر ما نقله الشارح رحمه الله من شروط الوقف: "الإقناع" للحجاوي (3/ 64 - 69).

(2)

انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 52).

ص: 56

وفيه: فإن شاء ولي ثمغ، اشترى من ثمرة رقيقًا يعمله. كتبه معيقيب وشهد عبد الله بن الأرقم رضي الله عنهما (1) -.

ومعيقيب من فضلاء الصحابة رضي الله عنه وعنهم أجمعين-، وكان مجذومًا.

* الرابع: اتفق الأئمة الأربعة على أن الوقف إذا خرب، لم يعد إلى ملك الواقف.

ثم اختلفوا في جواز بيعه، وصرف ثمنه في مثله، وإن كان مسجدًا.

فقال أحمد: يجوز بيعه وصرف ثمنه في مثله.

وقال مالك والشافعي: لا يباع، ويبقى على حاله.

ولا نص لأبي حنيفة فيها.

واختلف صاحباه، فقال أبو يوسف كقول مالك والشافعي، وقال محمد: يعود إلى مالكه الأول (2).

قال علماؤنا: الوقف عقد لازم لا يجوز فسخُه بإقالة ولا غيرها، ويلزم بمجرد القول بدون حكم حاكم -كما تقدم-، ولا يصح بيعه ولا هبته ولا المناقلة به، نصًا، إلا أن تتعطل منافعه المقصودة منه بخراب أو غيره، بحيث لا يرد شيئًا، أو شيئًا لا يعد نفعًا، وتتعذر عمارته وعود نفعه، ولو مسجدًا حتى بضيقه على أهله، وتعذر توسيعه، أو خراب محلته، أو كان موضعه قذرًا، فيصح بيعه، وبيعُ شجرة يبست، وجذع انكسر، أو بلي، أو

(1) رواه أبو داود (2879)، كتاب: الوصايا، باب: ما جاء في الرجل يوقف الوقف.

(2)

انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 54).

ص: 57

خيف الكسر أو الهدم، وبيع ما فضل من نجارة خشبه ونحاتته، ولو شرط عدمه إذن، فشرط فاسد، ويصرف ثمنه في مثله، أو بعض مثله لجهته، وهي مصرفه، فإن تعطلت، صرف في جهة مثلها.

وجاز نقل آلة مسجد يجوز بيعه وأنقاضه إلى مثله إن احتاجها، وهو أولى من بيعه، ويصير حكم المسجد للثاني.

ويصح بيع بعض الوقف لإصلاح ما بقي إن اتحد الواقف، كالجهة إن كان عينين أو عينا، ولم تنقص القيمة بتشقيص، وإلا بيع الكل (1)، والله تعالى الموفق.

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 96 - 97).

ص: 58