الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما: أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فاحِشَةٍ، كيْفَ يَصْنَعُ؟ إنْ تَكَلَّمَ، تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ، سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فلَمْ يُجِبْهُ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل هَؤُلَاءِ الآياتِ فِي سُورَةِ النُّورِ:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]، فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ، وَذَكَّرَهُ أَنَّ عَذَابِ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةُ. فَقَالَ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ! مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا. ثُمَّ دَعَاهَا، فَوَعَظَهَا، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْونُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةُ، فَقَالَتْ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ! إِنَّهُ لَكَاذِبٌ. فَبَدَأَ بالرَّجُلِ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادَقِينَ، وَالخَامِسَةُ أَنَّ لعْنهَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الكَاذِبينَ، ثُمَّ ثَنَّى بالمَرْأَةِ، فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبينَ، وَالخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ. ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ قَالَ:"اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ثَلَاثًا"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه مسلم (1493/ 4)، كتاب: اللعان، والنسائي (3473)، كتاب: الطلاق، باب: عظة الإمام الرجل والمرأة عند اللعان، =
وفي لفظ: قالَ "لا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا". قَالَ: يَا رَسُولِ اللهِ! مَالِي. قَالَ: "لَا مَالَ لَكَ، إِنْ كنتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا"(1).
* * *
(عن) أبي عبد الرحمن (عبدِ الله بنِ عمرَ رضي الله عنهما) قال: (إنَّ فلانَ بنَ فلانٍ) يعني: عُويمرَ بنَ الحارث، ويقال: ابن النضر العجلاني، نسبة إلى عجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف.
وقال: النووي: هو هلالُ بنُ أميةَ بنِ عامر بن قيس، شهد بدرًا (2) (قال: يا رسول الله! أرأيتَ) من الرأي، أو من الرؤية؛ أي: أخبرني عن حكم ما (لو وجدَ أحدُنا) معشرَ المسلمين (امرأتَه على فاحشةٍ).
= والترمذي (3178)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة النور.
(1)
رواه البخاري (5005)، كتاب: الطلاق، باب: صداق الملاعنة، و (5006)، باب: قول الإمام للمتلاعنين: إن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب، و (5034)، باب: المهر للمدخول عليها، و (5035)، باب: المتعة للتي لم يفرض لها، ومسلم (1493/ 5)، كتاب: اللعان، واللفظ له، وأبو داود (2257)، كتاب: الطلاق، باب: في اللعان، والنسائي (3476)، كتاب: الطلاق، باب: اجتماع المتلاعنين.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 271)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 80)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 294)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 124)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 65)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1352)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 447)، و"عمدة القاري" للعيني (20/ 300)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 177)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 193)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (7/ 65)
(2)
انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 437).
وفي حديث سهل بن سعد الساعدي: أن عُويمرًا العجلانيَّ جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري، فقال له: أرأيت يا عاصم! لو أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أيقتلُه فتقتلونه (1)؛ يعني: قصاصًا، لتقدم علمه بحكم القصاص، لعموم قوله -تعالى-:{النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]، لكن تطرق إليه احتمال أن يخص من ذلك ما يقع بالسبب الذي لا يقدر على الصبر عليه غالبًا من الغيرة التي في طبع البشر، ولهذا قال في حديث سهل: أم كيف يفعل (2)؟.
وفي حديث ابن عمر: (كيف يصنع)؟ وقد قال سعد بن عبادة: لو رأيتُه لضربتُه بالسيف غيرَ مصفح (3)، ثمّ قال عويمرٌ العجلاني:(إن تكلّم) بما وجدَ من ذلك (تكلَّمَ بأمرٍ عظيم) تأباه العقول السليمة، والشيمُ المستقيمة.
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه: عندهما: إن تكلم، جلدتموه، أو قتل، قتلتموه (4) (وإن سكت) عمّا وجد (سكتَ على مثلِ ذلك)؛ أي: على أمرٍ عظيم.
وفي حديث ابن مسعود: سكت على غيظ (5)، (فسكت النبي صلى الله عليه وسلم) عن جواب مسألته (فلم يجبه) بشيء، (فلما كان بعد ذلك) الحديث (أتاه)؛ أي: أتى السائلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، (فقال) له: يا رسول الله! (إنَّ الذي سألتك عنه): من
(1) رواه مسلم (1492/ 1)، كتاب: اللعان.
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 449).
(3)
رواه البخاري (6454)، كتاب: المحاربين من أهل الكفر، باب: من رأى مع امرأته رجلًا فقتله، ومسلم (1499)، كتاب: اللعان.
(4)
رواه مسلم (1495)، كتاب: اللعان.
(5)
تقدم تخريجه آنفًا.
وجدان أحدِنا امرأتَه على الفاحشة، قد ابُتليتُ به، وكأنه كان قد اطلع على مخايل ما سأل عنه، لكنه لم يتحققه، فلذلك لم يفصح به، أو اطلع صلى الله عليه وسلم الحقيقة، إلا أنه خشي إذا صرح به من العقوبة التي ضمنها من رمي المحصنة بغير بيّنة، كما أشار إليه ابن العربي، قال: ويحتمل أن يكون لم يقع له شيء من ذلك، لكن اتفق أنه وقع في نفسه إرادة الاطلاع على الحكم، فابتُلي به؛ عنه، يقال: البلاء موكَّلٌ بالمنطق (1)، ومن ثم قال: إن الذي سألتك عنه (2)(قد ابتليت به، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور)، وهو قوله -تعالى-:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6]، فتلاهُنَّ)؛ أي: الآياتِ (عليه)؛ أي: على السائل، وهو عويمر، أو هلال.
وفي حديث سهل: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك"(3).
وفي حديث ابن مسعود: فلما قال: وإن سكتَ، سكتَ على غيظ، قال النبيُّ في:"اللهم افتحْ"، وجعل يدعو، فنزلت آية اللعان (4).
وقد اختلف أئمة الحديث والتفسير وغيرهم فيمن نزلت فيه، فظاهر سياق أحاديث "الصحيحين" وغيرهما: أنها نزلت بسبب عويمر، ويعارضه
(1) رواه القضاعي في "مسند الشهاب"(227)، من حديث حذيفة رضي الله عنه، و (228)، من حديث علي رضي الله عنه وانظر:"فيض القدير" للمناوي (3/ 223).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 449).
(3)
رواه البخاري (4468)، كتاب: التفسير، باب: قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]، وتقدم تخريجه عند مسلم برقم (1492/ 1).
(4)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1495).
ما رواه الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، والترمذيّ، وابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشَريك بن سَحماء، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "البيّنة، أو حدٌّ في ظهرك" فقال: يا رسول الله! إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا، ينطلق يلتمس البيّنة! فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"البيِّنة، وإلا حدٌّ في ظهرك"، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]، فقرأ حتى بلغ:{إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (1)[النور: 9].
وفي رواية في هذا الحديث عن ابن عباس عند أبي داود: فقال هلال: وإني لأرجو أن يجعل الله لي فرجًا، قال: فبينا رسول الله في كذلك، إذْ نزل عليه الوحي (2).
وفي حديث أنس عند الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي: أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء، وكان أخا البراء بن مالك لأمه، وكان أول رجل لاعنَ في الإسلام (3)، فهذا يدل على أن الآية نزلت بسبب هلال.
(1) رواه البخاري (4470)، كتاب: التفسير، باب:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} ، وأبو داود (2254)، كتاب: الطلاق، باب: في اللعان، والترمذي (3179)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة النور، وابن ماجه (2067)، كتاب: الطلاق، باب: اللعان، ورواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 142)، لكن من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
رواه أبو داود (2256)، كتاب: الطلاق، باب: في اللعان.
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 142)، ومسلم (1496)، كتاب: اللعان، والنسائي (3468)، كتاب: الطلاق، باب: اللعان في قذف الرجل زوجته برجل بعينه.
وقد روى النسائي من حديث أنس رضي الله عنه: أول لعان كان في الإسلام: أن هلال بن أمية قذف شريك بن سحماء بامرأته، الحديث (1).
قال الحافظ ابن حجر في كتاب: التفسير من "الفتح" في تفسير سورة النور: وقد اختلف الأئمة في هذا الموضع، فمنهم من رجح أنها نزلت في شأن عويمر، ومنهم من رجح أنها نزلت في شأن هلال، ومنهم من جمع بينهما: بأن أول من وقع له ذلك هلال، وصادف مجيء عويمر -أيضًا-، فنزلت في شأنهما معًا.
وقد جنح النووي إلى هذا (2)، وسبقه الخطيب، فقال: لعلهما اتفق كونهما جاءا في وقت واحد، ويؤيّد التعدد أن القائل في قصة هلال سعدُ بنُ عُبادة كما أخرجه أبو داود، والطبري عن ابن عباس، وفي أوله: لما نزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]، الآية، قال سعد بن عبادة: لو رأيت لكاعٍ قد تفخّذها رجل، لم يكن لي أن أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء، ما كنت لآتي بهم حتى يفرغ من حاجته! قال: فما لبثوا إلا يسيرًا حتى جاء هلال بن أمية، الحديث (3).
وعند الطبري عن عكرمة مرسلًا نحوه، وفيه: فلم يلبثوا أن جاء ابن عم له، فرمى امرأته، الحديث (4).
وفي قصة عويمر القائلُ عاصمُ بنُ عدي.
(1) رواه النسائي (3469)، كتاب: الطلاق، باب: كيف اللعان.
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 120).
(3)
تقدم تخريجه عند أبي داود برقم (2256)، ورواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(18/ 82).
(4)
رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(18/ 82).
وأخرج الطبري عن طريق الشعبي مرسلًا، قال: لما نزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]، الآية، قال: عاصمُ بنُ عَدِيّ: إن أنا رأيتُ فتكلمتُ، جُلدت، وإن سكتُّ، سكتُّ على غيظ، الحديث (1).
ولا مانع من تعدد القصص واتحاد النزول.
وقد روى البزار من حديث حذيفة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "لو رأيت مع أمّ رومان رجلًا، ما كنت فاعلًا به؟ "، [قال: كنت فاعلًا به] (2) شرًا، قال:"فأنت يا عمر؟ "، قال: كنت أقول: لعن الله الأبعدَ، قال: فنزلت (3).
ويحتمل أن النزول سبق بسبب هلال، فلما جاء عويمر، ولم يكن علمَ بما وقع لهلال، أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم، ولهذا قال في قصة هلال: فنزل جبريل، وفي قصة عويمر:"قد أنزل الله فيك"؛ أي: وفيمن كان قبلك، وبهذا أجاب ابن الصباغ في "الشامل"، قال: أنزلت الآية في هلال، وأما قوله لعويمر: قد نزل فيك وفي صاحبتك، فمعناه ما نزل في قصة هلال، ويؤيده ما في حديث أنس: أولُ لعان كان في الإسلام: أن شريكَ بن سحماء قذفه هلالُ بنُ أمية بامرأته، الحديث (4).
وجنح القرطبي إلى تجويز نزول الآية مرتين، قال: وهذه الاحتمالات -وإن بعدت- أولى من تغليط الرواة الحفاظ (5).
(1) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(18/ 84).
(2)
ما بين معكوفين ساقطة من "ب".
(3)
رواه البزار في "مسنده"(2940).
(4)
تقدم تخريجه عند النسائي.
(5)
انظر: "المفهم" للقرطبي (4/ 300).
وقد أنكر جماعةٌ ذكرَ هلال فيمن لاعنَ، منهم: عبد الله بن أبي صفرة أخو المهلب، والطبري.
وقال: ابن العربي: قال: الناس: هو وهمٌ من هشام بن حسان، وعليه دار حديث ابن عباس وأنس بذلك (1).
وقال عياض في "المشارق": كذا جاء في رواية هشام بن حسان، ولم يقله غيره، وإنما القصة لعويمر العجلاني، لكن وقع في "المدونة" في حديث العجلاني ذكر شريك (2).
وقال النووي في "مبهماته": اختلفوا في الملاعن على ثلاثة أقوال: عويمر العجلاني، وهلال بن أمية، وعاصم بن عدي، ثم نقل عن الواحدي: أن أظهر هذه الأقوال أنه عويمر.
وقد تعقّب الحافظ ابن حجر كلامهم في "الفتح"، واستظهر في باب: اللعان احتمالَ في وجه الجمع أن يكون عاصم سأل قبل النزوله، ثم جاء هلال بعده، فنزلت عند سؤاله، فجاء عويمر في المرة الثانية التي قال فيها: إن الذي قد سألتك عنه ابتُليت به، فوجد الآية نزلت في شأن هلاله، فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بأنها نزلت فيه؛ يعني: أنها نزلت في كلّ من وقع له ذلك؛ [لأن ذلك](3) لا يختص بهلال، وكذا يجاب عن سياق حديث ابن مسعود (4).
(و) لما قال عويمر ما قال في حق زوجته، (وعظه) النبي صلى الله عليه وسلم، (وذكَّره) -بتشديد الكاف- بمعنى: وعَظَه ونبهه من غفلته (أنَّ عذاب الدنيا) من الحد
(1) انظر: "عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 188).
(2)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 318).
(3)
ما بين معكوفين ساقطة من "ب".
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 450).
ونحوه (أهونُ) وأخفُّ (من عذاب الآخرة) الذي هو دخول النار، وغضبُ الجبار، ومجاورةُ الفجار في دار البوار، (فقال) الرجل:(لا والذي بعثك بالحق) نبيًا! (ما كذبتُ عليها) فيما نسبته إليها، (ثم دعاها) النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: امرأة عويمر، وهي خولة بنت عاصم بن عدي.
قال ابن منده في كتاب "الصحابة": خولة بنتُ عاصم هي التي قذفها زوجُها، فلاعنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينهما، لها ذكر، ولا يعرف لها رواية، وتبعه أبو نعيم، ولم يذكر أسلفهما في ذلك، وكأنه ابنُ الكلبي، فإنه قال: إن امرأة عويمر هي بنتُ عاصم المذكور، واسمها خولة، وذكر مقاتلُ بنُ سليمان فيما حكاه القرطبي: أنها خولة بنتُ قيس، وذكر ابن مردويه أنها بنتُ أخي عاصم، فأخرج من طريق الحكم بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن عاصم بن عدي لما نزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4]، قال: يا رسول الله! أين لأحدنا أربعةُ شهداء؟! فابتلي به في بنت أخيه، وفي سنده -مع إرساله- ضعف.
وأخرج ابن أبي حاتم في "التفسير" عن مقاتل بن حيان، قال: لما سأل عاصم عن ذلك، ابتلي به في أهل بيته، فأتاه ابنُ عمه تحتَ ابنةِ عمِّه، رماها بابن عمه، المرأةُ والزوجُ والخليلُ ثلاثتهم بنو عمِّ عاصمٍ (1).
وعند ابن مردويه في مرسل ابن أبي ليلى المذكور: أن الرجل الذي رمى عويمرٌ امرأته به هو شريك بن سحماء، وهو يشهد لصحة هذه الرواية؛ لأنه ابن عم عويمر، وكذا في مرسل مقاتل بن حيان عند ابن أبي حاتم: فقال الزوج لعاصم: يابن عم! أقسمُ بالله لقد رأيت شريكَ بنَ سحماء على
(1) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(8/ 2535).
بطنها، وإنها لحُبلى وما قربتها منذ أربعة أشهر (1)، وكان شريك بن سحماء اتهم بامرأة عويمر، وبامرأة هلال بن أمية (2)، (فوعظها) النبي صلى الله عليه وسلم:(وأخبرها أن عذاب الدنيا) من الرَّجْم ونحوه (أهونُ من عذاب الآخرة)، (فقالت) المرأة:(لا والذي بعثلث بالحق) الذي هو القرآن وشرائع الإسلام والإيمان (إنه لَكَاذِبٌ) فيما رماني فيه من الزنا، ونسبني إليه من الفاحشة والخنا، فحينئذ دعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلاعنا، وكان ذلك بعد العصر في المسجد، وفي رواية: عند المنبر (3)، (فبدأ) صلى الله عليه وسلم اللعان (بالرجل، فشهد أربع شهادات بالله إنَّه لمن الصادقين) فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا، ولا بد أن يكون مشيرًا إليها، ولا يحتاج مع حضورها والإشارة إليها إلى تسميتها ونسبها، وإن لم تكن حاضرة، سماها، ونسبها، فإن كملت الأربع مرات (4)، يزيد بعدها (والخامسة أن لعنة الله عليه إن كَان من الكاذبين) فيما رميتُها به من الزنا، (ثم) بعد فراغ الرجل من ذلك (ثَنَّى بالمرأة، فشهدت أربع شهادات بالله إنه)؛ أي: زوجي هذا (لمن الكاذبين) فيما رماني به من الزنا، وتشير إليه إن كان حاضرًا، وإن كان غائبًا، سمته، ونسبته، فإن كملت أربع مرات (5)، قالت (والخامسة أنَّ غضبَ الله عليها إن كان من الصادقين)، وتزيد استحبابًا: فيما رماني به من الزنا (6).
(1) كما تقدم تخريجه آنفًا.
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 448).
(3)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 398)، وضعفه.
(4)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 599 - 600).
(5)
المرجع السابق، (3/ 600).
(6)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
وفي حديث ابن مسعود: فلما ذهبت لتلتعن، قال النبي صلى الله عليه وسلم لها:"مَهْ"، فأبت، فالتعنت (1).
وفي حديث أنس: فلما كان في الخامسة، سكتت سكتة حتى ظنوا أنها ستعترف، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت على القول (2).
وفي حديث ابن عباس عند أبي داود، والنسائي، وابن أبي حاتم: فدعي الرجل، فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصادقين، فأمر به، فأمسك على فيه، فوعظه، فقال:"كل شيء أهونُ عليك من لعنة الله"، ثم أرسله، فقال: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. وقال في المرأة نحو ذلك (3).
وفي البخاري وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: فلما كان عند الخامسة، وقفوها، وقالوا: إنها موجِبَة، قال ابن عباس: فتلكأت، ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت (4)، (ثم فرق) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (بينهما)؛ أي: المتلاعنين.
وفي حديث سهل من طريق ابن جريج: فكانت سُنَّةً في المتلاعنين، لا يجتمعان أبدًا (5).
(1) رواه أبو داود (2253)، كتاب: الطلاق، باب: في اللعان.
(2)
رواه أبو يعلى في "مسنده"(2824).
(3)
رواه أبو داود (2255)، كتاب: الطلاق، باب: في اللعان، والنسائي (3472)، كتاب: الطلاق،، باب: الأمر بوضع اليد على في المتلاعنين عند الخامسة، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(8/ 2534)، واللفظ له.
(4)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4470).
(5)
رواه مسلم (1492/ 2)، كتاب: اللعان، بلفظ:"وكات فراقه إياها، بعدُ، سنة في المتلاعنين"، لكن من طريق الزهري، عن سهل، به.
وقال الزهري عن سهل بن سعد: فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقال:"لا يجتمعان أبدًا"(1).
وفي آخر حديث ابن عباس عند أبي داود: وقضى أن ليس عليه قوت ولا سكنى (2)، من أجل أنها يفترقان من غير طلاق، ولا متوفى عنها، وهذا ظاهر في أن الفرقة وقعت بينهما بنفس اللعان (3).
قال في "الهدي": في ذلك خمسة مذاهب:
* أحدها: أن الفرقة تحصل بمجرد القذف، وهذا قول أبي عبيد، والجمهورُ على خلافه، ثم اختلفوا، فقال جابر بن زيد، وعثمان الليثي، ومحمد بن أبي صفرة، وطائفة من فقهاء البصرة: لا يقع اللعان فرقة البتّة، قال ابن أبي صفرة: اللعان لا يقطع العصمة، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الملاعن طلاقَ ملاعنته بعد اللعان، بل إن شاء طلاقها، ونزه نفسه أن يمسك من قد اعترف بأنها زنت، وأن يقوم عليه دليل كذب بإمساكها، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم فعله سنة، ونازع هؤلاء جمهور العلماء، فقالوا: اللعان يوجب الفرقة، ثم اختلفوا على ثلاثة مذاهب:
أحدها: أن يقع بمجرد لعان الزوج وحده، وإن لم تلتعن المرأة، وهذا القول مما تفرد به الشافعي، واحتج له بأنها فرقة حاصلة بالقول، فحصلت بقول الزوج وحده كالطلاق.
* الثاني: أن الفرقة لا تحصل إلا بتمام لعانهما جميعًا، فإذا تم
(1) رواه أبو داود (2250)، كتاب: الطلاق، باب: في اللعان.
(2)
تقدم تخريجه عند أبي داود برقم (2256)، بلفظ:"وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت".
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 459).
لعانهما، وقعت الفرقة، ولا يعتبر تفرق الحاكم، وهذا مذهب الإمام أحمد في أصح الروايتين عنه، وهو المذهب المعتمد، اختارها أبو بكر، وهو قول مالك، وأهل الظاهر؛ لأن الشرع إنما ورد بالتفريق بينهما بعد تمام لعانهما لمصلحة ظاهرة، وهي أن الله سبحانه جعل بين الزوجين مودة ورحمة، وجعل كلًا منهما سكنًا للآخر، وقد زال هذا بالقذف، وإقامتها مقام الخزي والعار والفضيحة، فإن كان كاذبًا، فقد فضحها، وبهتها، [ورماها بالداء العضال ونفى ورؤوس قومها وهتكها على رؤوس الأشهاد](1)، وإن كانت هي كاذبة، فقد أفسدت فراشه، ومسته الفضيحة والخزي والعار بكونه زوج بغي، وتعليق ولَدِ غيره عليه، فلا يحصل بعد هذا بينهما من المودة والرحمة والسكن ما هو المطلوب بالنكاح، فكان من محاسن الشريعة الغراء التفريقُ بينهما، والتحريم المؤبد -على ما سنذكره-، وهذا لا يترتب على بعض اللعان، كما لا يترتب على بعض لعان الزوج.
* المذهب الثالث: أن الفرقة لا تحصل إلا بتمام لعانها، وتفريق الحاكم، بينهما، وهذا مذهب أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن أحمد، واحتج لهذا بالحديث المذكور، وبقول ابن عباس رضي الله عنهما: ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، فظاهر هذا أن الفرقة لم تحصل قبله، وبأن عويمرًا قال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلَّقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي هذا حجة من وجهين: إمكان إمساكها، ووقوع الطلاق، ولو حصلت الفرقة باللعان وحده، لما ثبت واحد منهما.
(1) ما بين معكوفين ساقطة من "ب".
وفي حديث سهل بن سعد الساعدي: أنه طلقها ثلاثًا، فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه أبو داود (1).
وأجاب القائلون بالفرقة بمجرد تمام اللعان بدون تفريق الحاكم: أن اللعان معنى يقتضي التّحريم المؤبد، فلم يقف على تفريق الحاكم، كالرضاع، ولأن الفرقة لو وقفت على تفريق الحاكم، لساغ تركُ التفريق إذا كرهه الزوجان كالتفريق، بالعيب والإعسار.
وأما قوله: فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، فيحتمل ثلاثة أمور: إنشاء الفرقة، والإعلام بها، والإلزام بموجبها من الفرقة الحسية.
وأما قوله: كذبتُ عليها إن أمسكتها، فلا يدل على أن إمساكها بعد اللعان مأذون فيه شرعًا، بل هو بادرَ إلى فراقها، فكان الأمر صائرًا إلى ما بادر إليه.
وأما طلاقه ثلاثًا، فما زاد الفرقة الواقعة إلا تأكيدًا، فإنها حرمت عليه تحريمًا مؤبدًا، فالطلاق تأكيد لهذا الفراق، فكأنه قال: لا تحل لي بعد هذا.
وأما إنفاذ الطلاق عليه، فتأكيد لموجبه من التحريم، فإنها إذا لم تحل له باللعان أبدًا، كان الطلاق الثلاث تأكيدًا للتحريم الواقع باللعان، فهذا معنى نفاذه فلم ينكره صلى الله عليه وسلم، وسهل لم يحك لفظ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وقع طلاقك، وإنما شاهد القصة، وعدمَ إنكار النبي صلى الله عليه وسلم للطلاق، فظن ذلك تنفيذًا، وهذا صحيح بهذا الاعتبار (2).
(1) تقدم تخريجه عند أبي داود برقم (2250).
(2)
انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 388 - 390).
تنبيه:
هذه الفرقة توجب تحريمًا مؤبدًا، لا يجتمعان بعدها أبدًا، كما رواه أبو داود من حديث سهل (1).
وقال: ابن عباس رضي الله عنهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدًا"(2).
وعن علي بن أبي طالب، قال: مضت السنة في المتلاعنين أَلَّا يجتمعا أبدًا (3).
وعن علي، وابن مسعود، قالا: مضت السنة أَلَّا يجتمع المتلاعنان [أبدًا](4)، روى هذا الدارقطني (5).
وروى البيهقي من حديث سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"المتلاعنان إذا تفرقا، لا يجتمعان أبدًا"(6).
وقال عمر رضي الله عنه: يفرق بينهما، ولا يجتمعان أبدًا (7).
(1) برقم (2250).
(2)
ذكره البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 409)، لكن من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وكذا رواه الدارقطنىِ في "سننه"(3/ 276).
(3)
رواه الدارقطني في "سننه"(3/ 276)، ومن طريقه: البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 410).
(4)
ما بين معكوفين ساقطة من "ب".
(5)
رواه الدارقطني في "سننه"(3/ 276).
(6)
تقدم تخريجه قريبًا عند الدارقطني والبيهقي.
(7)
رواه سعيد بن منصور في "سننه"(1/ 405 - 406)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(17369)، وغيرهما.
وإلى هذا ذهب أحمد، والشافعي، ومالك، والثوري، وأبو عبيد، وأبو يوسف.
ومذهب سعيد بن المسيب، وأبي حنيفة، ومحمد بن الحسن: إن أكذب نفسه، حلت له، وعاد فراشه بحاله.
قال سعيد بن المسيب: إن أكذب نفسه، هو خاطب من الخطاب.
وهي رواية شاذة عن الإمام أحمد.
وقال سعيد بن جبير: إن أكذب نفسه، رُدت إليه ما دامت في العدة.
والصحيح: القول الأوّل، وهو الذي دلت عليه [السنة](1) الصحيحة الصريحة، وأقوال الصحابة (2).
قال في "الهدي": وهذا الذي يقتضيه حكم اللعان، فإن لعنة الله عز وجل، وغضبه قد حل بأحدهما لا محالة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عند الخامسة:"إنها الموجبة"(3)؛ أي: الموجبة لهذا الوعيد، ولا نعلم عينَ من حلَّت به يقينًا، ففرق بينهما خشية أن يكون هو الملعون الذي قد وجبت عليه لعنة الله، وباء بها، فيعلو امرأة غيرَ ملعونة، وحكمُ الشرع يأبى هذا كما دلت الشريعة أن يعلو الكافر مسلمة، والزاني عفيفة، وإما أن يمسك غيرُ الملعون ملعونةً مغضوبًا عليها، قد وجب عليها غضب الله، وباءت به، ولا يلزم هذا فيما إذا تزوج كلُّ منهما غير صاحبه، لعدم تحقق عين الملعون منهما، وأيضًا فالنفرة الحاصلة من إساءة كل منهما إلى صاحبه لا تزول أبدًا، فإن الرجل إن كان صادقًا عليها، فقد أشاع فاحشتها، وفضحها على
(1) ما بين معكوفين ساقطة من "ب".
(2)
انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 391 - 392).
(3)
كما تقدم تخريجه.
رؤوس الأشهاد، وأقامها مقام الخزي، وخفق عليها الخزي والغضب، وقطع نسب ولدها، وإن كان كاذبًا، فقد أضاف إلى ذلك بهتها بهذه التهمة العظيمة، وأحرق قلبها بها، والمرأة إن كانت صادقة، فقد أكذبته على رؤوس الأشهاد، وأوجبت عليه لعنة الله، وإن كانت كاذبة، فقد أفسدت فراشه، وخانته في نفسها، وألزمته لعنة الله والفضيحة، وأخرجته إلى هذا المقام المخزي، فحصل لكل واحد منهما من صاحبه من النفرة والوحشة وسوء الظن به ما لا يكاد يلتئم معه شمل أبدًا، فاقتضت حكمةُ مَنْ شرعُه كلُّه حكمةٌ ومصلحة وعدل ورحمة انحتامَ الفرقة بينهما، وقطعَ الصحبة المتمحضة مفسدة (1)، انتهى.
في "الفتح": قال ابن السمعاني: لم أقف على دليل لتأبيد الفرقة من حيث النظر، وإنما المتّبع في ذلك النص.
وقال ابن عبد البر: أبدى بعض أصحابنا له فائدة، وهو ألا يجتمع ملعون مع غير ملعون؛ لأن أحدهما ملعون في الجملة، بخلاف ما إذا تزوجت المرأة غيرَ الملاعن، فإنه لا يتحقق، قال: وتُعقب بأنه لو كان كذلك، لامتنع عليهما معًا التزويج؛ لأنه يتحقق أن أحدهما ملعون، ويمكن أن يجاب بأن في هذه الصورة افترقا في الجملة (2)، انتهى.
وتقدم كلام صاحب "الهدي" في ذلك آنفًا.
(ثم قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (الله يعلم أن أحدَكُما)؛ أي المتلاعنان (كاذبٌ) فيه تغليب المذكر على المؤنث.
(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 393).
(2)
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (15/ 22 - 23)، وانظر:"فتح الباري" لابن حجر (9/ 459).
قال القاضي عياض، وتبعه النووي في قوله:"أحدكما" ردُّ على من قال من النُّحاة: إن لفظ: (أحد) لا يستعمل إلا في النفي، وعلى من قال منهم: لا يستعمل إلا في الوصف، وإنها لا توضع موضع واحد، ولا توقع موقعه، وقد أجازه المُبَرِّد، وجاء في الحديث في غير وصف ولا نفي، وبمعنى واحد (1)، انتهى.
قال الفاكهي: هذا من أعجب ما وقع للقاضي مع براعته وحذقه، فإن الذي قاله النحاة إنما هو في (أحد) التي للعموم، نحو: ما في الدار من أحد، وما جاء إليَّ من أحد، وأما أحد بمعنى واحد، فلا خلاف في استعمالها في الإثبات، نحو:{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، وقوله:{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور: 6]، ونحو "أحدكما كاذب"(2).
(فهل منكما تائب) يحتمل أن يكون إرشادًا؛ لأنه لم يحصل منهما ولا من أحدهما اعتراف، ولأن الزوج لو أكذبَ نفسه، كانت توبته منه.
قال القاضي عياض: ظاهره: أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان، فيؤخذ منه: عرضُ التوبة على المذنب، ولو بطريق الإجمال، وأنه يلزم من كذبَ التوبةُ من ذلك.
وقال الداودي: قال ذلك قبل اللعان تحذيرًا لهما منه، قال: والأول أظهر وأولى بسياق الكلام (3).
قال في "الفتح": والذي قال الداودي أولى من جهة أخرى، وهو
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 86)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 126).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 457 - 458).
(3)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 86).
مشروعية الموعظة قبل الوقوع في المعصية، بل هو أحرى مما بعد الوقوع، قال. وأما سياق الكلام، فمحتمّل في رواية ابن عمر للأمرين.
وأما حديث ابن عباس، فسياقه ظاهر فيما قال الداودي، ففي رواية جرير بن حازم عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس عند الطبري، والحاكم، والبيهقي في قصة هلال بن أمية، قال: فدعاهما حين نزلت آية الملاعنة، فقال:"الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ "، فقال هلال: والله! إني لصادق، الحديث (1).
قلت: وفي حديث ابن عباس عند البخاري ما يُشعر بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك ما بين لعانه ولعانها، ولفظه في أثناء الحديث: فنزل جبريل عليه السلام، وأنزل عليه:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6]، فقرأ حتى بلغ:{إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9]، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهما، فجاء هلال فشهد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ "، ثم قامت فشهدت، الحديث (2). وقوله:(ثلاثًا)؛ أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ يعني: "الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ " ثلاث مرات.
(وفي لفظ): (قال) صلى الله عليه وسلم للملاعن: (لا سبيل لك عليها) من جميع متعلّقات النكاح، لانقطاع علقه، وهي أيضًا لا نفقة لها عليه، ولا سكنى، كالمبتوتة وأولى؛ لأن المبتوتة له سبيل أن ينكحها في الجملة، بخلاف
(1) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(18/ 83)، والحاكم في "المستدرك"(2813)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 395). وانظر:"فتح الباري" لابن حجر (9/ 458).
(2)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4470).
الملاعنة، فلا وجه لوجوب نفقتها وسكانها وقد انقطعت العصمةُ انقطاعًا كليًا.
وأوجب مالك والشافعي لها السكنى، وأنكر ذلك القاضي إسماعيل بن إسحاق إنكارًا شديدًا (1).
وفي لفظ: قال صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: "حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها"(2)؛ أي لا تسليط.
(قال: يا رسول الله! مالي) موفوع على على أنه فاعل لفعل محذوف، كأنه لما سمع:"لا سبيل لك عليها"، قال: أيذهب مالي؟ والمراد به: الصداق (3).
قال ابن العربي: قوله مالي؛ أي: الصداق الذي دفعته إليها، فأجيب بأنه (قال: لا مال لك) عليها؛ لأنك قد استوفيته بدخولك عليها (4)، وتمكينها لك من نفسها، ثم أوضح له ذلك بتقسيم مستوعب، فقال:(إن كنت صدقت)؛ أي: إن كنت صادقًا فيما ادعيته (عليها فهو)؛ أي: مالك الذي هو الصداق (بما استحللت من فرجها)، فتكون قد استوفيت حقك منها قبل ذلك (وإن كنت) قد (كذبت عليها) فيما نسبته إليها (فهو أبعد لك منها) لئلا يجتمع عليها الظلم في عرضها ومطالبتها بملك قَبَضَتْهُ منك قبضًا صحيحًا تستحقه (5).
(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 396).
(2)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5006، 5035)، وعند مسلم برقم (1493/ 5).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 457).
(4)
انظر: "عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 191).
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 457).
وفي لفظ: "فذلك أبعد وأبعد لك منها"(1) بتكرار لفظة أبعد تأكيدًا، فإذا كان مع الصدق يبعد عليه استحقاق إعادة المال، ففي الكذب أبعد (2).
تنبيهات:
الأول: ظاهر صنيع الحافظ المصنف: أن هذا الحديث من متفقي الشيخين، وقد عزاه لهما في "المنتقى"(3) وغيره، وليس كذلك، بل هو من أفراد مسلم، والمتفق عليه من حديث ابن عمر من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين:"حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها" إلى قوله: "فهو أبعدُ لك منها"(4)، وقوله صلى الله عليه وسلم:"الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ "، فأبيا، قالها ثلاثًا (5)، وقد نبّه على ذلك الحافظ عبد الحق في "جمعه بين الصحيحين"، وغيره.
الثاني: قد عُلم ممّا ذكرنا أن في الملاعن أقوالًا، أصحها: أنّه عويمر العجلاني، وقيل: هو هلال بن أمية بن عامر بن قيس، شهد بدرًا.
والرّجل الذي رُمِيَتْ به شريكُ بن سحماء -بفتح السين وسكون الحاء المهملتين-، وسمحاء أمه -بالمد-، وأبوه عبده بن مغيث، وكان عند
(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5035).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 457).
(3)
انظر: "المنتقى في الأحكام" للمجد ابن تيمية (2/ 537)، حديث رقم:(2891).
(4)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5006، 5035)، وعند مسلم برقم (1493/ 5).
(5)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5005، 5034)، وعند مسلم برقم (1493/ 6).
الناس بحال سوء، والأصح أنه لم يشهد بدرًا، وإنما شهد أحدًا، وتوفي في التاسعة عشرة.
وفي الملاعن قول ثالث: أنه سعد بن عبادة، وأنكره شيخ الإسلام البلقيني.
ورابع: أنه ابن عاصم بن عدي، وأنكره أيضًا.
قال النووي: قال أبو الحسن الواحدي: أظهر الأقوال أنه عويمر، لكثرة الأحاديث، قال واتفقوا على أن الموجود زانيًا شريك بن السحماء (1)، انتهى.
والملاعنَ منهما، فإن كان هلالًا، فهي خولة بنت قيس، أو بنت عاصم، والأصح أن هذه امرأة عويمر، وهي خولة بنت عاصم، أو بنت قيس -على ما مر-، وكذا امرأة هلال اسمها خولة، والله أعلم.
الثالث: في ذكر عدة أحكام وقواعد تضمنها هذا الحديث: منها: سقوط الحد عن الملاعن بتمام تلاعنهما إن كانت المقذوفة محصنة، أو التعزير إن لم تكن محصنة (2)، وإن أكذب نفسه بعد اللعان، لزمه الحد إن كانت محصنة، وإلا تكن محصنة، فعليه التعزير (3).
فإن نكل الزوج عن اللعان بعد القذف، حُدَّ للقذف عند أحمد والشافعي ومالك، وهذا مذهب السلف.
وقال أبو حنيفة: يحبس حتى يلاعن، أو تقر الزوجة (4).
(1) كما تقدم في "مبهماته".
(2)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 608).
(3)
انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 374).
(4)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 167 - 168).
قال في "الهدي": وهذا الخلاف مبني على أن موجب قذف الزوج لامرأته هل هو الحد، كقذف الأجنبي، وله إسقاطه باللعان، أو موجبه اللعان نفسه، فالأول قول الجمهور، والثاني قول أبي حنيفة (1).
ومنها: الفرقة المؤبدة، والتحريم المؤبد -كما مرَّ-.
الرابع: في صفة اللعان وشروطه:
أما صفته، فهي أن يقولى الزوج بحضرة حاكم أو نائبه، وكذا لو حَكَّما رجلًا أهلًا للحكم: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتُ به امرأتي هذه من الزنا، مشيرًا إليها، ولا يحتاج مع حضورِها والإشارةِ إليها إلى تسميتها ونسبها، كما لا يحتاج إلى ذلك في سائر العقود، وإن لم تكن حاضرة، سمَّاها، ونسبها حتى يكمل ذلك أربع مرات، ولا يشترط حضورهما معًا، بل لو كان أحدهما غائبًا عن صاحبه، مثل أن لاعن الرجلُ في المسجد، والمرأةُ على بابه لعذر، جاز، ئم يقول في الخامسة: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا، ثم تقول: أشهد بالله أن زوجي هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتشير إليه إن كان حاضرًا، وإن كان غائبًا، سمَّته ونسبته، فإذا كملت أربع مرات، تقول في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، فإن نقص أحدهما من الألفاظ الخمسة شيئًا، أو بدأت الزوجة باللعان قبله، أو تلاعنا بغير حضرة حاكم أو من يقوم مقامه، أو أبدَل لفظ أشهد بأقسم، أو أحلف، أو آلي، أو لفظة اللعنة بالإبعاد، أو أبدلَها بالغضب، أو أبدلت هي لفظةَ الغضب بالسخط، أو قدمت الغضب، أو أبدلته باللعنة، أو قدم هو اللعنة، أو أتى به أحدُهما
(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 374).
قبل إلقائه عليه، أو علقه بشرط، أو لم يوالِ بين الكلمات عرفًا، أو أتى يه بغير العربية ممّن يحسنها، لم يعتد به، وإن عجزا عنه بالعربية، لم يلزمهما تعلمُها، وصح بلسانهما، ويستحب أن يحضر مع الحاكم أربعة يحسنون لسانهما، وإن كان الحاكم لا يحسن لسانهما، فلا بد في الترجمة من عدلين (1).
قال ابن القيم في "الهدي": لا يقبل من الرجل إبدال اللعنة بالغضب، والإبعاد والسخط، ولا منها إبدالُ الغضب باللعنة والإبعاد والسخط، بل يأتي كل منهما بما قسمه الله سبحانه له من ذلك شرعًا وقدرًا.
قال: وهذا أصح القولين في مذهب أحمد، ومالك، وغيرهما، ولا يحتاج أن يزيد على ما شرعه الله، بأن يقول: أشهد بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية، ولا أن يقول إذا ادعى الرؤية: رأيتها تزني كالميل في المكحلة، إذ لا أصل لذلك في كتاب الله وسنة رسوله (2).
قال صاحب "الإفصاح" الإمام أبو المظفر بن هبيرة: من الفقهاء من اشترط أن يزاد بعد قوله من الصادقين: فيما رميتها به من الزنا، واشترط في نفيها عن نفسها أن تقول: فيما رماني به من الزنا، قال: ولا أراه يحتاج إليه؛ لأن الله تعالى أنزل ذلك وبيّنه، ولم يذكر هذا الاشتراط (3).
واعتمد صاحب "الهدي" هذا، وقال: ظاهر كلام الإمام أحمد أنه لا يشترط ذكر الزنا في اللعان، فإن إسحاقَ بنَ منصور قال: قلت لأحمد:
(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 599 - 601).
(2)
انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 378).
(3)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 167).
كيف يلاعن؟ قال: على ما في كتاب الله، يقول أربع مرات: أشهد بالله إني: فيما رميتها به لمن الصادقين، ثم يقف عند الخامسة فيقول: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، والمرأة مثل ذلك، فلم يشترط في هذا النص أن يقول: من الزنا (1)، انتهى.
وقد استقر مذهبه الآن على ما ذكرناه أولًا.
والسنة أن يتلاعنا بمحضر جماعة، ويستحب ألَّا ينقصوا عن أربعة، فإن ابن عباس، وابن عمر، وسهل بن سعد حضروه مع حداثة أسنانهم، فدل ذلك على أنه حضره جمع كثير (2).
وينبغي أن يكون في الأوقات والأماكن المعظمة، وأن يكون المتلاعنان قائمين؛ لأن في قصة هلال بن أمية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "قم فاشهد أربع شهادات"(3)، وفي "الصحيحين" في قصة المرأة: ثم قامت فشهدت (4)، ولأنه إذا قام، شاهده الحاضرون، فيكون أبلغَ في شهرته، وأوقعَ في النفوس.
قال في "الهدي": وفيه سر آخر، وهو أن الدعوة التي تطلب إصابتها إذا صادفت المدعو عليه قائمًا، نفذت فيه، ولهذا لمَّا دعا خبيب على المشركين حين صلبوه، أخذ أبو سفيان معاوية، فأضجعه، وكانوا يرون أن الرجل إذا لطي بالأرض، زلت عنه الدعوة (5)، انتهى.
(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 378 - 379).
(2)
المرجع السابق، (5/ 376).
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 376).
وأما شروط اللعان، فيشترط [فيه](1) أن يكون بين زوجين، ولو قبل الدخول، فلها حينئذ نصف الصداق، عاقلين بالغين، سواء كانا مسلمين، أو ذميين، حرين أو رقيقين، عدلين أو فاسقين، أو محدودين في قذف، أو كان أحدهما كذلك (2).
قال الإمام أحمد: جميع الأزواج يلاعِنون: الحر من الحرةِ، والأمةِ إذا كانت زوجة، والعبد من الحرةِ والأمةِ إذا كانت زوجة، والمسلم من اليهودية والنصرانية، وهذا قول مالك، وإسحاق، وقول سعيد بن المسيب، والحسن، وربيعة، وسليمان بن يسار.
وذهب أهل الرأي، والأوزاعي، والثوري، وجماعة إلى أن اللعان لا يكون إلا بين زوجين مسلمين عدلين حرين غير محدودين في قذف، وهي رواية مرجوحة عن الإمام أحمد، ومأخذ القولين: أن اللعان يجمع وصفين: اليمينَ والشهادة، وقد سماه الله شهادة، وسماه رسوله يمينًا حيث قال:"لولا الأيمان، لكان لي ولها شأن" فغلب عليه حكم الأيمان.
قال: يصح من كل من تصح يمينه، مع عموم قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]، ولأنه مفتقر إلى اسم الله، وإلى ذكر القسم المؤكد وجوابه، ولاستواء الذكر والأنثى فيه، بخلاف الشهادة، ولو كان شهادة، لما تكرر لفظه، وأما اليمين فقد شرع فيها التكرار، كأيمان القسامة، وإنما أطلق عليه اسم الشهادة، لقول الملاعن: أشهد الله، فسمي بذلك شهادة، وإن كان يمينًا اعتبارًا بلفظها، والعرب تعد ذلك يمينًا في لغتها واستعمالها، قال قيس:[من الطويل]
(1) ما بين معكوفين ساقطة من "ب".
(2)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 602).
وَأَشْهَدُ عَنْدَ الله أَنِّي أُحِبُّهَا
…
فَهَذَا لَهَا عِنْدِي فَمَا عِنْدَهَا لِيَا (1)
ومن غلَّب عليه حكمَ الشهادة، اعتبر ما مر (2).
والحاصل: أن اللعان يمين في معنى الشهادة، وشهادة في معنى اليمين، لاشتماله عليهما، والله الموفق.
(1) انظر: "ديوان مجنون ليلى"(ص: 294) من قصيدته المسماة بـ"المؤنسة"، والتي هي أشهر قصائده.
(2)
انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 358 - 361).