المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني عَنْ فَاطِمَةَ بنَتِ قَيْسِ: أَنَّ أَبَا عَمْرِو بنَ حَفْصٍ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٥

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب اللقطة

- ‌باب الوصايا

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب النكاح

- ‌الحديث الأول

- ‌بَابِ

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب الصداق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب العدة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب اللعان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الرضاع

- ‌الحديث الأول

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني عَنْ فَاطِمَةَ بنَتِ قَيْسِ: أَنَّ أَبَا عَمْرِو بنَ حَفْصٍ

‌الحديث الثاني

عَنْ فَاطِمَةَ بنَتِ قَيْسِ: أَنَّ أَبَا عَمْرِو بنَ حَفْصٍ طَلَّقَها البَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ، وَفي رِوَايةٍ: طَلَّقَهَا ثلاثًا (1)، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكيلُهُ بشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْةُ، فَقَالَ: وَاللهِ! مَالَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ"(2). وفي لفظ: "وَلَا سُكْنَى"(3)، فأمرها أَنْ تَعْتدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ:"تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكَ، فَإذَا حَلَلْتِ، فَآذِنِيني"، قَالَتْ:

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه مسلم (1480/ 38)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، وأبو داود (2285)، كتاب: الطلاق، باب: في نفقة المبتوتة، والنسائي (3405)، كتاب: الطلاق، باب: الرخصة في ذلك، والترمذي (1135)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء أن لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، وابن ماجه (2035)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا هل لها سكنى ونفقة.

(2)

رواه مسلم (1480/ 36)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، والنسائي (3245)، كتاب: النكاح، باب: إذا استشارت المرأة رجلًا فيمن يخطبها هل يخبرها بما يعلم.

(3)

رواه مسلم (1480/ 37)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، وأبو داود (2288)، كتاب: الطلاق، باب: في نفقة المبتوتة، والنسائي (3405)، كتاب: الطلاق، باب: الرخصة في ذلك.

ص: 440

فَلَمَّا حَلَلْتُ، ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمَّا أَبُو الجَهْمِ، فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ، فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زيْدٍ"، فَكَرِهَتْهُ، ثُمَّ قَالَ:"انْكحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ"، فَنكحَتْهُ، فَجَعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا، واغْتبَطَتْ به (1).

* * *

(عن فاطمةَ بنتِ قيس) بنِ خالدٍ الأكبرِ بنِ وهبِ بنِ ثعلبةَ بنِ وايِلةَ -بكسر الياء التحتية- بنِ عمرَ بنِ شيبانَ بنِ محاربِ بنِ فهرِ بنِ مالكِ بنِ النضرِ بنِ كنانةَ الفهريَّةِ القرشيةِ، وهي أخت الضحَّاك بن قيس. يقال: إنها كانت أكبر منه بعشر سنين، وكانت من المهاجرات الأُول، وهي التي تروي

(1) رواه مسلم (1480/ 36)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، وأبو داود (2284)، كتاب: الطلاق، باب: في نفقة المبتوتة، والنسائي (3245)، كتاب: النكاح، باب: إذا استشارت المرأة رجلًا فيمن يخطبها هل يخبرها بما يعلم.

قلت: قد وهم المصنف رحمه الله في جعله الحديث من متفق الشيخين، وإنما هو مما انفرد به مسلم عن البخاري، كما نبه عليه الإشبيلي في "الجمع بين الصحيحين"(2/ 449)، حديث رقم (2456). وهكذا ذكر ابن حجر في "فتح الباري"(9/ 478)، وسيأتي تنبيه الشارح رحمه الله عليه

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (3/ 284)، و"عارضة الأحوذي لابن العربي (5/ 70)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 48)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 266)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 94)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 54)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1322)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 282)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 129).

ص: 441

حديث الدجال والجساسة، وكانت ذات عقل وافر وكمال، وفي بيتها اجتمع أصحاب الشورى.

روى عنها: أبو سلمة بنُ عبد الرحمن، وسليمانُ بن يسار، وعروة بن الزبير، والشعبي، وغيرهم.

روي لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة وثلاثون حديثًا، اتفقا على واحد، وهو هذا، وانفرد مسلم بثلاثة.

روى عنها الجماعة رضي الله عنها (1): (أَنَّ أبا عمرِو بنَ حفصِ) بنِ المغيرة بنِ عبد الله بنِ عمر بنِ مخزوم، القرشيَّ، المخزوميَّ، اسمه عبد المجيد، وقيل: عبد الحميد، وصححه القاضي عياض، وقيل: أحمد، قاله النسائي، قيل: ولا يعرف في الصحابة من اسمه أحمد غيره على هذا القول، لكن ذكر الذهبي في "تجريده" أحمد بن جعفر بن أبي طالب، وقال: تفرد بذكره الواقدي، ويقال: ولد لجعفر بالحبشة عبدُ الله، ومحمد، وأحمد، نقله الحافظ عبد الرحمن بن منده، وذكر الذهبي -أيضًا- أحمدَ بنَ حفص بن المغيرة المذكور، قال: وهو بكنيته أشهر، وفيه ترجيح أن اسمه أحمد عند من سماه، وهو ابن عم خالد بن الوليد رضي الله عنه.

(1) وانظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 273)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 336)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1901)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (7/ 224)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 617)، و"تهذيب الكمال" للمزي (3/ 264)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 319)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (8/ 69)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (12/ 471).

ص: 442

ولم يؤرخ البرماوي، ولا ابن الأثير في "جامع الأصول" ولا غيرهما ممن رأيت وفاته، إلا أن الحافظ ابن حجر في "الفتح" قال: قد ذهب جمع جمُّ إلى أنه مات مع علي باليمن، وذلك بعد أن أرسل إليها، بطلاقها، إلا أنه يبعده قول من قال: إنه بقي إلى خلافة عمر رضي الله عنهم أجمعين (1) -، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب حين بعثه أميرًا إلى اليمن.

روى عنه عمر بن الخطاب، وناشزة بن سمي اليزني (2).

(طلقها)؛ أي: فاطمةَ بنتَ قيس رضي الله عنها (البتةَ) بمعنى: المقطوعة، وهي في الأصل: المرة من بته يبتُّه بتًا وبتة، يقال: طلقها ثلاثًا بتة، وصدقة بتة؛ أي: منقطعة (3)، (وهو) أي: أبو عمر بن حفص (غائب) فيه دليل على وقوع الطلاق في غيبة المرأة، وهو مجمعَ عليه، (وفي رواية: طلقها ثلاثًا) يحتمل أن يكون الراوي عبّر عمّا وقع من الطلاق بلفظ: البتة، وهذا على مذهب من جعل لفظ البتة للطلاق الثلاث، ويحتمل أن يكون اللفظ الذي وقع به الطلاق هو الطلاق الثلاث، وحينيذٍ يكون قوله: طلقها البتة تعبيرًا عمّا وقع من الطلاق بلفظ الطلاق ثلاثًا، وهذا يتمسك به من يرى جواز إيقاع الطلاق الثلاث دفعة واحدة، لعدم الإنكار من النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه يحتمل أن يكون قوله: طلقها ثلاثًا؛ أي: أوقع طلقةً يتم بها الثلاث، وقد

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 478).

(2)

وانظر ترجمته في: "الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1719)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (6/ 221)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 500)، و"تهذيب الكمال" للمزي (116/ 34)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 287)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (12/ 196).

(3)

انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 242)، (مادة: بتت).

ص: 443

جاء مصرحًا بذلك عنها: كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة، فطلقها آخر ثلاث تطليقات (1) (فأرسل إليها وكيلُه)؛ أي: وكيل أبي عمرو المذكور، والوكيلُ هو عَيَّاشُ -بفتح العين المهملة وتشديد المثناة تحت فشين معجمة بينهما ألف- ابنُ أبي ربيعة، واسمُ ابن ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي القرشي، وهو أخو أبي لهب لأمه، أسلم قديمًا قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة هو وعمر بن الخطاب، ورده أخوه أبو جهل، وأوثقه، فكان من المستضعفين الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهم في القنوت فيقول:"اللهم أنجِ عيّاشَ بنَ أبي ربيعة"(2)، واستشهد يوم اليرموك بالشام، وقيل: مات بمكة.

روى عنه ابنه عبد الله، وعمر بن الخطاب، وغيرهما (3).

وقيل: الوكيلُ الحارثُ بنُ هشام.

وجوز ابن دقيق العيد رفعَ الوكيل ونصبَه، فإن رفعَ، كان الوكيل هو الذي أرسل رسوله إليها، وإن نصب، كان الوكيل هو الذي جاء إليها رسولًا (4)(بشعيرٍ) متعلق بأرسل.

وفي رواية لمسلم عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: أرسل

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 54 - 55).

(2)

رواه البخاري (961)، كتاب: الوتر، باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلها عليهم سنين كسني يوسف"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (4/ 129)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 1230)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 750).

(4)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 55).

ص: 444

إلي زوجي أبو عمرو بنُ حفص بن المغيرة عياش بن أبي ربيعة بطلاقي، وأرسل معه بخمسة آصُع تمر، وخمسة آصع شعير (1) (فسخطتُه)؛ أي: الشعيرَ المرسلَ إليّ، كذا التمر -بضم التاء- ضمير المتكلم؛ أي: كرهتُه ولم أرضَ به.

وفي "صحيح مسلم" -أيضًا-: أن أبا عمرو بن حفص المخزومي طلقها ثلاثًا، ثم انطلق إلى اليمن (2).

وفي آخر في "صحيح مسلم" عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة خرج مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن، فأرسل إلى امرأته فاطمةَ بنتِ قيس بتطليقة كانت بقيتْ من طلاقها، وأمر لها الحارثُ بنُ هشام وعياشُ بن أبي ربيعة بنفقة (3)، (فقال) الوكيلُ، وفي لفظ حديث عبيد الله: فقالا (4): (والله ما لك علينا من شيء)، وفي لفظ: مالَكِ نفقة إلا أن تكوني حاملًا (5)، (فجاءت) فاطمةُ بنت قيس (رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك) الذي قاله لها وكيل زوجها، من عدم النفقة والسكنى الواجبين لها، لبينونتها من زوجها، وعدم حملها منه (له) صلى الله عليه وسلم (فقال) عليه الصلاة والسلام لها:(ليس لك عليه)؛ أي: على أبي عمرو بن حفص المخزومي (نفقةٌ)، (وفي لفظٍ) عند مسلم عنها: أنها طلقها زوجها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أنفق عليها نفقة دونًا، فلما رأت ذلك، قالت: والله لأُعْلِمنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كانت لي نفقة، أخذت

(1) رواه مسلم (1480/ 48)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.

(2)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1480/ 38).

(3)

رواه مسلم (1480/ 41)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.

(4)

تقدم تخريجه أنفًا.

(5)

تقدم تخريجه أنفًا.

ص: 445

الذي يصلحني، وإن لم تكن لي نفقة، لم آخذ منه شيئًا، قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"لا نفقة لك (ولا سكنى) ".

وفي مسلم -أيضًا- عن الشعبي، قال: دخلت عليَّ فاطمةُ بنتُ قيس، فسألتُها عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، فقالت: طلقها زوجها البتة، قالت: فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكنى والنفقة، قالت، فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة، (فأمرها) رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنتقل من بيت أبي عمرو بن حفص المخزومي، و (أن تعتدَّ في بيت أم شريك).

اعلم أن هذه الكنية لعدة نساء من الصحابيات، والأمر يدور في هذا الحديث بين أم شريك غُزَيَّةَ -بضم الغين المعجمة وفتح الزاي وتشديد الياء- بنتِ دودان -بضم الدال المهملة الأولى- بنِ عوفٍ القرشيةُ العامريةُ: صحابية مشهورة، وبين أم شريك الأنصارية، واسمها غزيلة، ويقال: غزيّة.

قال ابن الأثير: وهي التي جاء ذكرها في حديث فاطمة بنت قيس حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لها: "اعتدي في بيت أم شريك"، وقال بعضهم: إن التي أمرها صلى الله عليه وسلم بأن تعتدّ في بيتها هي أم شريك الأولة، قال: ولا يصح؛ لأن الأولى قرشية من بني لؤي بن غالب، وهذه أنصارية، فإنه قد جاء في بعض روايات حديث فاطمة بنت قيس: أن أمَّ شريك امرأةٌ غنية من الأنصار، [وذكر ابن عبد البر في "الكنى" أن أم شريك القرشية اسمها غزيّة، ويقال: غزيلة](1) وذكر في الغين من الأسماء: أم شريك الأنصارية غزيلة، ويقال: غزيّة، ووافقه ابن منده في الأنصارية والقرشية.

(1) ما بين معكوفين ساقطة من "ب".

ص: 446

وقد جاء عن ابن حبيب: في الأنصار امرأتان، كلتاهما أم شريك، فقال: في بني عبد الأشهل أم شريك بنت أنس بن نافع بن امرىء القيس بن زيد، وفي بني ساعدة أمُّ شريك بنتُ خالد بنِ خُنَيْس بنِ لوذان بن عبد ود، فيحتمل أن تكون التي أمر فاطمة أن تعتدّ في بيتها إحدى هاتين الأنصاريتين (1)، (ثم) بعد أمرِه صلى الله عليه وسلم لفاطمة أن تعتدّ في بيت أم شريك (قال:

تلك)؛ أي: أم شريك (امرأة يغشاها أصحابي)، قيل: كانوا يزورونها، ويُكثرون التردد إليها، لصلاحها (2)(اعتدي عند) ابنِ عمك عمرو، وقيل: عبد الله بن قيس بن زائدة -كما مرّ ذكره في باب الأذان- (ابنِ أمِّ مكتوم)، وهي أمه، واسمها عاتكةُ بنتُ عبد الله من بني مخزوم، وهو ابن خال خديجةَ بنتِ خويلد.

وفي "صحيح مسلم" أنه قال لها: "انتقلي إلى بيت ابن عمك عمرو بن أم مكتوم، فاعتدّي عنده"(3)؛ (فإنّه) أي: ابن أم مكتوم (رجلٌ أعمى)، وفي رواية:"فإنه ضرير البصر"(4)(تضعين)، وفي لفظٍ:"تلقين (ثيابك) عنده"(5)، وفي رواية:"فإنك إذا وضعتِ خمارك، لم يرك"(6)(فإذا حللت) للخطاب بانقضاء عدتك (فآذنيني)؛ أي: أعلميني زاد (قالت) فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: (فلما حللت) بانقضاء عدتي (ذكرت ذلك له) صلى الله عليه وسلم (وأن معاوية بن أبي سفيان) صخرِ بنِ حرب بن أمية القرشي

(1) انظر: "جامع الأصول" لابن الأثير (14/ 512 - قسم التراجم).

(2)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 96).

(3)

رواه مسلم (1480/ 45)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.

(4)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1480/ 48).

(5)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1480/ 48).

(6)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1480/ 38).

ص: 447

الأموي رضي الله عنه، وتقدمت ترجمته - (وأبا جهم) -بفتح الجيم وسكون الهاء على التكبير، وربما قيل: أبو [جهيم بدون أل](1)، واسمه عامر، وتقدمت ترجمته في آخر باب: الذكر عقب الصلاة (خطباني) خطبة النكاح -بكسر الخاء المعجمة؛ أي: طلبا نكاحي من نفسي، والخَطبة -بالفتح-: المرَّة من خطب القوم، و-بالضم-: ما يقوله الخطيب (2)، (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لها:(أما أبو الجهم فلا يضع عصاه)؛ أي: العود المعروف (عن عاتقه)؛ أي: موضع ردائه من منكبه، قيل: أراد صلى الله عليه وسلم: أنه يؤدب أهله بالضرب.

قلت: ويؤيد هذا المعنى في "صحيح مسلم" وغيره من حديث أبي بكر بن أبي الجهم العدوي، عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وذكرت الحديث، وفيه:"وأما أبو الجهم، فرجلٌ ضَرَّاب للنساء"(3)، وفي رواية أخرى:"وأبو الجهم منه شدة على النساء، أو يضرب النساء، أو نحو هذا"(4)، وفي "سنن النسائي":"أما أبو الجهم فرجلٌ أخافُ عليك قسقاسته"(5)؛ أي: عصاه، أي: إنه يضربها بها (6)، وفي لفظٍ:"فإنه صاحب شر لا خير فيه"(7)، وقيل: أراد بذلك كثرة الأسفار، يقال: رفع

(1) في "ب": "جهم بدون".

(2)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 103)، (مادة: خطب).

(3)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1480/ 47).

(4)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1480/ 48).

(5)

رواه النسائي (3545)، كتاب: الطلاق، باب: الرخصة في خروج المبتوتة من بيتها في عدتها لسكناها.

(6)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 61).

(7)

رواه النسائي (3244)، كتاب: الطلاق، باب: خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له.

ص: 448

عصاه: إذا سافر، وألقى عصاه: إذا نزل وأقام؛ أي: لا حظّ لك في صحبته؛ لأنه كثير السفر، قليل المقام.

وفي رواية: "إني أخاف عليكِ قسقاسته العصا"(1)، فذكر العصا تفسيرًا للقسقاسة، وقيل: أراد: قسقسته للعصا، أي: تحريكه إياها، فزاد الألف ليفصل بين توالي الحركات (2).

والحاصل: أنه صلى الله عليه وسلم كنّى عن كثرة الضرب أو السفر بكونه لا يضع العصا من عاتقه مبالغةً في الكثرة.

(وأما معاوية) بن أبي سفيان فغلامٌ من غلمان قريش لا شيء له، (فـ) ـهو (صعلوك) -بضم الصاد وسكون العين المهملتين فلامٌ مضمومة فواو فكاف- كعصفور، وهو الذي (لا مال له)، قال في "القاموس": صعلكه: أفقره، والصعلوك، كعصفور: الفقير، وتصعلك: افتقر، والجمع صعاليك (3).

وفي رواية للنسائي: "وأما معاوية فرجلٌ أملق من المال"(4)؛ أي: فقير منه، يقال: أملق الرجل، فهو مُمْلِق، وأصل الإملاق: الإنفاق، يقال: أملق ما معه إملاقًا، وملقه ملقًا: إذا أخرجه من يده، ولم يحبسه، والفقر تابع لذلك، فاستعملوا لفظ السبب في موضع المسبب حتى صار به أشهر كما في "النهاية"(5).

(1) انظر رواية النسائي المتقدم تخريجها برقم (3545).

(2)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 61).

(3)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1221)، (مادة: صعلك).

(4)

تقدم تخريجه عند النسائي برقم (3545).

(5)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 357).

ص: 449

(انكحي أسامة بن زيد) بن حارثة رضي الله عنهما مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحِبَّه وابن حِبّه -تقدمت ترجمته في باب: فسخ الحج إلى العمرة-، قالت فاطمة رضي الله عنها:(فكرهته)؛ أي: أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وسبب كراهتها له إما لكونه مولى، أو لسواده، وفيه: جواز نكاح القرشية للمولى (1)، (ثم قال) صلى الله عليه وسلم لها:(انكحي أسامة بن زيد) رضي الله عنهما، وفي رواية: فقالت فاطمة رضي الله عنها بيدها هكذا أسامة، أسامة! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"طاعةُ الله وطاعةُ رسوله خيرٌ لكِ"(2)، قالت:(فنكحته)؛ أي: تزوجت أسامة رضي الله عنه، (فجعل الله) عز وجل (فيه)؛ أي: في نكاحي له أو فيه نفسه (خيرًا) كثيرًا (واغتبطت)؛ أي: فرحتُ وحصل لي السرور (به).

وفي حديث: "اللهم غَبْطًا لا هَبْطًا"(3)؛ أي: أَوْلِنا منزلةً نُغبط عليها، وجَنِّبنا منازلَ الهبوط والضَّعة، وقيل: معناه: نسألك الغبطة، وهي النعمة والسرور، ونعوذ بك من الذل والخضوع (4).

وفي الحديث دليلٌ على جواز ذكر الإنسان بما فيه عند النصيحة، فلا يكون من الغيبة المحرمة، وهذا أحد المواضع التي أبيحت فيها الغيبة لأجل المصلحة (5).

قال الإمام ابن عقيل في "الفصول": قال أبو طالب: سئل أبو عبد الله؛

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام " لابن دقيق (4/ 58).

(2)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1480/ 47).

(3)

لم أقف عليه.

(4)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 340).

(5)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 57).

ص: 450

يعني: الإمام أحمد رضي الله عنه عن الرجل يخطب إليه، فيسأل عنه، فيكون رجل سوءٍ، فيخبره مثل ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لفاطمة: معاوية عائل، وأبو جهم عصاه على عاتقه، يكون غيبة أن أخبره؟

قال: المستشار مؤتمن يخبره بما فيه.

قال: ابن عقيل: لا يقصد الإزراء على المذكور، ولا الطعن فيه.

وسئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن معنى الغيبة - يعني: في النصيحة -، قال: إذا لم ترد عيب الرّجل.

وقال: الخلال: أخبرني حرب: سمعت الإمام أحمد رضي الله عنه يقول: إذا كان الرجل معلِنًا بفسقه، فليست له غيبة.

وقال: أنس، والحسن: من ألقى جلباب الحياء، فلا غيبة فيه (1).

قال: ابن مفلح في "الآداب": الأشهرُ عنه -يعني: الإمام أحمد- الفرقُ بين المعلِن وغيره (2).

ومن المواضع التي يجوز فيها أن يذكر المرء بما فيه ونحوه بأن يكون لا يُعرف إلا بلقبه، كالأعرج، والأعمش، وقد سهل الإمام أحمد في مثل هذا إذا كان قد شهر.

قال في "شرح مسلم": قال: العلماء من أصحاب الحديث والفقه وغيرهم: يجوز ذكر الراوي بلقبه، وصفته، وبنسبه الذي يكرهه إذا كان المراد تعريفه، لا تنقصه، للحاجة، ومنها: جرح الراوي للحاجة (3).

(1) انظر: "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/ 316 - 317).

(2)

المرجع السابق، (1/ 318).

(3)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (1/ 53).

ص: 451

قال في "الآداب الكبرى": لكن يمتاز الجرح بالوجوب، فإنّه من النصيحة الواجبة بالإجماع (1).

وفي "الفصول" لابن عقيل، و"المستوعب" للسامري: من جاز هجره من أهل البدع، أو المجاهر بالكبائر، جازت غيبته (2).

ومنها: إذا رفع المنكِر على المنكَر عليه لمن يقدر على إزالته، وقد نظم بعضهم ذلك فقال (3):[من الكامل]

القَدْحُ لَيْسَ بِغِيبةٍ فِي سِتَّةٍ

مُتَظلِّمٍ وَمُعَرِّفٍ وَمُحَذِّرِ

وَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وْمُسْتَفْتٍ وَمَنْ

طَلَبَ الإِعَانَةَ فِي إِزَالَةِ مُنْكَرِ

تنبيهان:

الأول: اشتمل حديث فاطمةَ بنتِ قيس رضي الله عنها على فوائد كثيرة، وأحكام غزيرة، إلا أن عمدة ذلك أربعةُ أشياء:

* الأول: جواز الطلاق الثلاث بكلمة واحدة، ووقوعه، وقد اختلف الناس في وقوع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة على أربعة مذاهب، أحدها: أنها تقع الثلاث، وهذا قول الأئمة الأربعة، وجمهور التابعين، وكثير من الصحابة.

* الثاني: أنها لا تقع، بل تُرد؛ لأنها بدعة محرمة، والبدعة مردودة، لقوله صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رَدّ"(4).

(1) انظر: "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/ 40).

(2)

المرجع السابق، (1/ 318).

(3)

هو ابن أبي شريف، كما قال الصنعاني في "سبل السلام"(4/ 194)، وكان في الأصل:"أو مشتك" بدل "ومستفت"، والصواب ما أثبت.

(4)

تقدم تخريجه.

ص: 452

وهذا المذهب حكاه أبو محمّد بن حزم، وحكي للإمام أحمد، فأنكره، وقال: هذا قول الرّافضة.

* الثالث: أنه يقع به واحدة رجعية، وهذا ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما، ذكره أبو داود عنه.

قال الإمام أحمد: وهذا مذهب ابن إسحاق، يقول: خالف السنّة، فيرد إلى السنّة، انتهى.

وهو قول طاوس، وعكرمة كما في "الهدي"(1).

قال في "شرح الوجيز" وغيره: وأوقع الشّيخ تقي الدين بن تيمية -قدّس الله روحه- من ثلاث مجموعة أو متفرقة قبل رجعة طلقة واحدة، وقال: لا نعلم لها فرقًا بين الصورتين، وحكى عدم وقوع الطلاق الثلاث جملة، بل واحدة في المجموعة أو المفرقة عن جده المجد، وأنه كان يفتي به أحيانًا سرًا، ذكره عنه في "الطبقات".

وقال: في إيقاع الثلاث إنما جعله عمر رضي الله عنه، لإكثارهم منه، فوافقهم على الإكثار منه لما عصوا بجمع الثلاث، فتكون عقوبة من لم يتق الله من التعزير الذي يرجع فيه إلى اجتهاد الأئمة، كالزيادة على الأربعين في حد الخمر، لمّا أكثر الناس منها، وأظهروه، ساغت الزيادة عقوبة (2)، انتهى.

واختاره ابن القيم، وكثير من أتباع شيخ الإسلام.

قال ابن المنذر: وهذا هو مذهب أصحاب ابن عباس، كعطاء،

(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 247 - 248).

(2)

وانظر: "المبدع" لابن مفلح (7/ 262 - 263).

ص: 453

وطاوس، وعَمْرِو بن دينار، كما نقله الحافظ ابن حجر في "شرح البخاري"(1).

وقال: القرطبي في "تفسيره" على قوله -تعالى-: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229]: اتفق أئمة الفتوى على لزوم إيقاع الثلاث، وهو قول جمهور السلف، ونقل طاوس وبعض أهل الظاهر إلى أن طلاق الثلاث في كلمة واحدة تقع به واحدة.

ويروى هذا عن محمد بن إسحاق، والحجاج بن أرطاة، وقال بعده: ولا فرق بين أن يوقع ثلاثًا مجتمعًا في كلمة، أو متفرقًا في كلمات (2).

وانتصر ابن القيم لهذا في "إغاثة اللهفان"(3)، وفي "الهدي"(4)، و"إعلام الموقعين"(5)، وغيرها انتصارًا لا مزيد عليه، وأقام عليه حججًا ظاهرة، وأدلة باهرة، غير أن مذهب الإمام أحمد وقوع الثلاث، والله أعلم.

* المذهب الرابع: أن يفرق بين المدخول بها وغيرها، فيقع الثلاث بالمدخول بها، ويقع بغيرها واحدة، وهذا قول جماعة من أصحاب ابن عباس، وهو مذهب إسحاق بن راهويه فيما حكاه عنه محمّد بن نصر المروزي في كتاب "اختلاف العلماء"، فأمّا من لم يوقعها جملة، فاحتجوا بأنه طلاق بدعة محرم، والبدعة مردودة، وقد اعترف أبو محمّد بن حزم

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 363).

(2)

انظر: "تفسير القرطبي"(3/ 129).

(3)

انظر: "إغاثة اللهفان" لابن القيم (1/ 284).

(4)

انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 247).

(5)

انظر: "إعلام الموقعين" لابن القيم (3/ 70).

ص: 454

بأنها لو كانت بدعة محرمة، لوجب أن ترد وتبطل، ولكنه اختار مذهب الشّافعيّ: أن جمع الثلاث جائز غير محرم (1).

وحجة من لم يحرم الثلاث ما في حديث فاطمة هذا من قولها: طلقني ثلاثًا مع أن في نفس حديثها في "صحيح مسلم": أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها (2)، وفي لفظٍ فيه: طلقها آخر ثلاث تطليقات (3)، وهو سند صحيح متصل لاخفاء عليه.

الثاني والثالث: نفقة البائن وسكناها، والحديث صريح في عدم وجوب ذلك للبائن، وفي بعض ألفاظ "سنن النسائي" بسند صحيح لا مطعن فيه: فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة"، ورواه الدارقطني (4)، قالت: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة (5)، وقال صلى الله عليه وسلم:"إنما السكنى والنفقة لمن يملك الرجعة"(6)، وإسناد هذا صحيح، وهذا قول ابن عباس وأصحابه، وجابر بن عبد الله، وفاطمة بنت قيس إحدى فقهاء نساء الصحابة، وكانت تناظر عليه، وبه يقول الإمام أحمد وأصحابه، وإسحاق بن راهويه وأصحابه، وداود بن علي وأصحابه،

وسائر أهل الحديث.

وللفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال، وهي ثلاث روايات عن الإمام

(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 248).

(2)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1480/ 41).

(3)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1480/ 40).

(4)

رواه النسائي (3403)، كتاب: الطلاق، باب: الرخصة في ذلك، والدارقطني في "سننه"(4/ 22).

(5)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1480/ 42).

(6)

رواه الدارقطني في "سننه"(4/ 22).

ص: 455

أحمد، أحدُها: هذا، والثاني: أن لها النفقة والسكنى، وهو قول عمر بن الخطاب، وابن مسعود رضي الله عنهما، وهو قول فقهاء الكوفة، والثالث: أن لها السكنى دون النفقة، وهذا مذهب أهل المدينة، وبه يقول الإمام مالك والشّافعيّ.

قال الدارقطني: السنّة بيد فاطمة بنت قيس قطعًا، ومن له إلمام بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، علم حقية عدم ثبوت السكنى والنفقة للبائن ما لم تكن حاملًا.

قال في "الهدي" وقد تناظرَ في هذه المسألة ميمونُ بن مروان، وسعيدُ بن المسيَّب، فذكر له ميمون خبرَ فاطمة، فقال سعيد: تلك امرأة فتنت الناس، فقال له ميمون: لئن كانت إنما أخذت ما أفتاها به النبي صلى الله عليه وسلم، ما فتنت النَّاس، وإن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنةٌ.

وأطال صاحب "الهدي" في الانتصار لهذا، ورد على من خالف حديث فاطمة بما يشفي ويكفي (1)، والله أعلم.

الرابع: العدّة، فمان كانت حاملًا، فبتمام وضع الحمل، سواء كانت بائنة أو رجعية، مفارقة في الحياة أو متوفى عنها زوجها حيث كان الحمل من الزوج، وإن لم تكن حاملًا، وكانت تحيض، فعدّتها ثلاثة أقراء، وسواء كانت بائنة أو رجعية، وعدّة التي لا حيض لها، وهي الصغيرة والآيسة ثلاثة أشهر، وأما المتوفى عنها زوجها، فعدتها إن لم تكن حاملًا أربعة أشهر وعشر ليال (2)، ويأتي قريبًا.

(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 539).

(2)

انظر: "المغني" لابن قدامة (8/ 95).

ص: 456

التنبيه الثاني:

ظاهر صنيع المصنف -رحمه الله تعالى-: أن حديث فاطمة بنت قيس من متفق الشيخين، وليس كذلك، بل رواه الإمام أحمد في "المسند"(1)، ومسلم في "صحيحه"(2)، والإمام مالك في "الموطأ"(3)، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4)، وغيرهم.

وأما البخاري، فقال قصة فاطمة بنت قيس، وذكر بسنده أن يحيى بن سعيد [بن العاص](5) طلق امرأته بنت عبد الرحمن بن الحكم، واسمها عمرة، وهي بنت أخ مروان بن الحكم الذي ولي الخلافة بعد ذلك، فأنقلها عبد الرحمن، فأرسلت عائشة أم المؤمنين إلى مروان وهو أمير المدينة: اتق الله، وارددها إلى بيتها، قال مروان: أوَ ما بلغك شأنُ فاطمة بنت قيس؟ قالت: لا يضرك أَلَّا تذكر حديث فاطمة (6).

ثم ذكر بسنده عن عائشة أنها قالت: ما لفاطمة ألا تتقي الله، يعني: في قولها: لا سكنى ولا نفقة (7).

ثم ذكر سنده عن عروة بن الزبير: أنه قال لعائشة: ألم تسمعي إلى قول فاطمة؟ قالت: أما إنّه ليس لها خير في ذكر هذا الحديث، زاد ابن أبي الزناد

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 411).

(2)

كما تقدم تخريجه.

(3)

رواه الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 580).

(4)

تقدم تخريجه عندهم.

(5)

[بن العاص] ساقطة من "ب".

(6)

رواه البخاري (5015)، كتاب: الطلاق، باب: قصة فاطمة بنت قيس.

(7)

رواه البخاري (5016)، كتاب: الطلاق، باب: قصة فاطمة بنت قيس.

ص: 457

عن هشام عن أبيه: عابت عائشة أشد العيب، وقالت: إن فاطمة كانت في مكان وحشٍ، فخيف على ناحيتها، فلذلك أرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم (1). فلم يذكر قصتها في "البخاري"، وإنما أشار إلى أشياء منها فقط، ومن ثمّ لم يعز القصّة في "الجمع بين الصحيحين" إلا إلى مسلم فقط، ثمّ قال: لم يخرج البخاري من حديث فاطمة إلا من حديث هشام إلى آخر الباب (2)، وهو القدر الذي ذكرناه، ومن ثمّ وَهَّمَ الحافظ ابن حجر في "الفتح" المصنفَ -رحمه الله تعالى (3) -، ولم ينبه على ذلك ابنُ دقيق العيد في "شرحه"(4)، والله الموفق.

تتمة: في ذكر بعض ما أشار إليه حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها من النفقة، وما احتج به العلماء:

احتج الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد في سقوط نفقة المبتوتة إذا كانت حائلًا لا حاملًا.

وأحمد وإسحاق على إسقاط السكنى -أيضًا-.

والشّافعيّ ومن وافقه على جواز جمع الطلقات الثلاث، لقولها في بعض الألفاظ: طلقني، وقد بينا أنه إنما طلقها آخر ثلاث كما أخبرت به عن نفسها.

واحتج به من يرى جواز نظر المرأة إلى الرجال.

(1) رواه البخاري (5017)، كتاب: الطلاق، باب: قصة فاطمة بنت قيس.

(2)

انظر: "الجمع بين الصحيحين" للإشبيلي (2/ 449).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 478).

(4)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" له (4/ 54).

ص: 458

واحتج به الأئمة كلهم على جواز خطبة الرجل على خطبة أخيه، إذا لم تكن المرأة قد سكنت إلى الخاطب الأول.

واحتج [به] على جواز بيان ما في الرجل إذا كان على وجه النصيحة -كما تقدم-، وعلى جواز نكاح القرشية غيرَ القرشي، وعلى وقوع الطلاق في غيبة أحد الزوجين عن الآخر -كما تقدم-، وعلى جواز التعريض بخطبة المعتدّة البائن؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال لها -كما في بعض الروايات-:"لا تسبقيني بنفسك"(1)، وفي بعضها:"فإذا حللت فآذنيني"(2)، وغيرها من الأحكام (3)، والله أعلم.

(1) تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1480/ 38).

(2)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1480/ 36).

(3)

انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 540)، وعنه نقل الشارح رحمه الله هذه التتمة.

ص: 459