الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتأْذَنَ"، قَالُوا: يَا رسُولَ اللهِ! وَكيفَ إِذْنُها؟ قَالَ: "أَنْ تَسْكُتَ"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (4843)، كتاب: لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، و (6567، 6569)، كتاب: الحيل، باب: في النكاح، ومسلم (1419)، كتاب: النكاح، باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق،
والبكر بالسكوت، وأبو داود (2092)، كتاب: النكاح، باب: في الاستئمار، والنسائي (3265)، كتاب: النكاح، باب: استئمار الثيب في نفسها، و (3267)، باب: إذن البكر، والترمذي (1107)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء في استئمار البكر والثيب، وابن ماجه (1871)، كتاب: النكاح، باب: استئمار البكر والثيب.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 201)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 23)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 563)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 114)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 202)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 37)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1279)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 192)، و"عمدة القاري"(20/ 128)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 54)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 118)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (6/ 252)
(عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تنكحُ) -بكسر الحاء المهملة- للنهي، وبرفعها للخبر، وهو أبلغ في المنع (1)(الأيم) وهي التي مات زوجها، أو بانت منه وانقضت عدّتها، وأكثر ما يطلق اسم الأيم على من مات زوجها.
وقال ابن بطال: [العرب]: تطلق (2) على كلّ امرأة لا زوجَ لها، وكلّ رجلٍ لا امرأةَ له أيمًا (3).
زاد في "المشارق": وإن كان بكرًا (4).
وفي "المطالع": الأيم: التي مات زوجها، أو طلّقها وقد أيمت تيم.
قال الحربي: وبعضهم يقول: تيأم، ولم يعرفه أبو مروان بن سراج، وقال: الأشبه تآم، وقد يقال ذلك في الرجل -أيضًا-، وأكثره في النساء، ولذلك لم يقل: فيهن أيمة -بالهاء-، لاختصاصهنّ بهذه الصِّفَة، على أنّ أبا عبيدة حكى أنه يقال: امرأة أيمة، وقد استعمل الأيم فيمن لا زوج لهما، بكرًا أو ثيبًا، انتهى (5).
لكن ظاهر هذا الحديث: أنّ الأيم هي الثيّب التي فارقت زوجَها بموتٍ أو طلاقٍ، لمقابلتها بالبكر، وهذا هو الأصل في الأيم، ومنه قولهم: الغزو مأيمة؛ أي: تقتل فيه الرجال، فتصير النساء أيامى (6).
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 192).
(2)
في الأصل: "يطلق".
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 176).
(4)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 55).
(5)
انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 289).
(6)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 192).
وقد وقع في رواية الأوزاعي عن يحيى في هذا الحديث عند ابن المنذر والدارمي والدارقطني: "لا تنكح الثيّب (حىَ تستأمر)(1) أصل الاستئمار: طلب الأمر، فالمعنى: إلا بطلب الأمر منها.
ويؤخذ منه: أنه لا يُعقد عليها إلا بعد أن تأمر بذلك، وليس فيه دلالة على عدم اشتراط الولي في حقها، بل فيه إشعار باشتراطه.
وفي رواية عند ابن المنذر: "الثيّب تُشاور"(2)، (ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن) كذا وقع التفرقة بين الثيّب والبكر، فعبّر للثيّب بالاستئمار، وللبكر بالاستئذان، فيؤخذ منه الفرق بينهما من جهة أن الاستئمار يدل على تأكد المشاورة، وجعل الأمر إلى المستأمرة، ولهذا يحتاج الولي إلى صريح إذنها في العقد، فإذا صرّحت بمنعه، امتنع اتفاقًا.
والحاصل: أنه لا بدّ في طرف الثيّب من صريح القول، بخلاف البكر (3).
قال علماؤنا: إذنُ الثيب الكلامُ، قالوا: وهي من وُطئت في القُبل بآلة الرجال، ولو بزنًا، وحيث حكمنا بالثيوبة، وعادت البكارة، لم يزل حكمُ الثيوبة، وأما إذن البكر، فالصمات (4)، ولهذا لمَّا (قالوا: يا رسول الله!)، وفي رواية: قلنا: يا رسول الله! وحديث عائشة رضي الله عنها صريح في أما هي السائلة عن ذلك (وكيف إذنها) في حديث عائشة: قلت: إن البكر تستحي (قال) صلى الله عليه وسلم مجيبًا لهم عن سؤالهم: (إذنُها أن تسكتَ)، وفي حديث
(1) رواه الدارقطني في "سننه"(3/ 238).
(2)
قلت: هذه الرواية قد رواها الإمام أحمد في "مسنده"(2/ 229).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 192).
(4)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 321).
عائشة: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية يُنكحها أهلُها، أتستأمر أم لا؟ قال:"نعم تُستأمر"، قلت؛ فإنها تستحي، قال:"رضاها صمتُها"(1)، وفي رواية:"سكاتُها إذنها"(2)، وفي أخرى:"إذنها صماتُها"(3)، وفي "مسلم" من طريق ابن جريج: قال: "فذلك إذنُها إذا هي سكتت"(4)، وفي "مسلم" من حديث ابن عباس:"والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها"(5).
قال ابن المنذر: ويستحب إعلامُ البكر أن سكوتها إذنٌ، لكن لو قالت بعد العقد: ما علمتُ أن صمتي إذن، لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور، وأبطله بعض المالكية، وابن شعبان منهم يقال لها ذلك ثلاثًا: إن رضيتِ، فاسكتي، وإن كرهتِ، فانطقي (6).
قال علماؤنا: وإن ضحكت أو بكت، فكسكوتها، ونطقها بالإذن أبلغ (7).
وعند الشافعية: إن قرنت مع البكاء الصياحَ ونحوه، فليس بإذن، وإلّا، فلا أثر لنحو بكائها.
(1) رواه البخاري (4844)، كتاب: النكاح، باب: لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، ومسلم (1420/ 65)، كتاب: النكاح، باب: استئذان الثب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت.
(2)
رواه البخاري (6547)، كتاب: الإكراه، باب: لا يجوز نكاح المكره.
(3)
رواه البخاري (6570)، كتاب: الحيل، باب: في النكاح.
(4)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1420/ 65).
(5)
رواه مسلم (1421/ 66)، (2/ 1027)، كتاب: النكاح، باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت.
(6)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 193).
(7)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 321).
وعند المالكية: إن نفرت، أو بكت، أو قامت، أو ظهر منها ما يدل على الكراهة، لم تزوّج.
واختلف العلماء في الأب هل يزوّج البكر البالغ بغير إذنها؟
فقال الأوزاعي، والثوري، والحنفية، ووافقهم أبو ثور: يشترط استئذانها، فلو عُقد عليها بغير إستئذان، لم يصح.
وقال آخرون: يجوز للأب أن يزوجها -ولو كانت بالغة- بغير استئذان، وهو قول ابن أبي ليلى، ومالك، والليث، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، ومن حجّتهم مفهومُ حديث:"الثيّب أحقّ بنفسها"(1) وبحديث: "تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت، فهو إذنها"(2).
قال علماؤنا: للأب تزويج بناته الأبكار، ولو بعد البلوغ، وثيّبٍ لها دون تسع سنين، ويسن استئذانُ بكر بالغة هي وأمها بنفسه، أو بنسوة ثقات ينظرن ما في نفسها، وأمُّها بذلك أولى (3).
قال الشافعي: كان ابنُ عمر والقاسمُ يزوجان الأبكار لا يستأمرونهنّ (4).
وقال أبو حنيفة: الصغيرة الثيّب كالبكر، وخالفه صاحباه، واحتجّ له ولمذهب أحمد بأن علّة الاكتفاء بسكوت البكر هو الحياء، وهو باقٍ في
(1) رواه مسلم (1421/ 67)، كتاب: النكاح، باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
رواه أبو داود (2093)، كتاب: النكاح، باب: في الاستئمار، والنسائي (3270)، كتاب: النكاح، باب: البكر يزوجها أبوها وهي كارهة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 319).
(4)
انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (7/ 116).
هذه؛ لأن المسألة مفروضة فيمن زالت بكارتها بوطء لا فيمن اتخذت الزنا ديدنًا وعادة (1).
تنبيهات:
* الأول: أركان النكاح: الزوجان الخاليان عن الموانع، والإيجاب فالقبول، ولا ينعقد إلّا بهما مرتبين، الإيجابُ أولًا، وهو اللفظ الصادر من قبل الولي، أو مَنْ يقوم مقامه.
ومعتمد مذهبنا: اعتبارُ كون كل واحد من الإيجاب والقبول بالعربية إذا صدر العقد ممن يحسنها، وأن يكون لفظ الإيجاب: أنكحت، أو زوّجت، وكونُ قبول بلفظ: قبلت نكاحها، أو تزويجها، أو قبلت هذا النكاح، أو هذا التزويج، أو تزوجتها، أو رضيت هذا النكاح، أو قبلت فقط، أو تزوّجت.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام الموفق، وجمعٌ انعقادَ عقد النكاح بغير العربية لمن يُحسنها (2).
وعند أبي حنيفة: ينعقد النكاح بلفظ الهبة، والبيع، وبكل لفظ يقتضي التمليك والتأبيد دون التوقيت.
وقال الشافعي وأحمد: لا ينعقد بذلك (3).
وعند شيخ الإسلام ابن تيمية: ينعقد بما عدّه الناس نكاحًا بأي لغة ولفظ كان، وإن مثله كل عقد (4).
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 193).
(2)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 315).
(3)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 123).
(4)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 315 - 316).
وأما مالك فذكر عنه أصحابه: أن عقد النكاح ينعقد بلفظ الهبة، وكل لفظ يقتضي التمليك.
وذكر ابن القاسم هذه المسألة، فقال: الهبة لا تصح لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت هبته إياها ليست على نكاح، وإنما وهبها ليحصنها وليكنها، فلا أرى بذلك بأسًا، وإن وهب ابنته له بصداق كذا، فلا أحفظه عن مالك، وهو عندي جائز (1)، انتهى.
* الثاني: يشترط لصحة النكاح خمسة (2) شروط:
أحدها: تعيين الزوجين.
الثاني: رضاهما، أو رضا من يقوم مقامهما، فإن لم يرضيا، أو أحدهما، لم يصح، لكن للأب تزويج بَنيه الصغارِ والمجانين -ولو بالغين- بغير أمة، ولا معيبة بما يُرَدُّ به النكاحُ بمثلِ مهر المثل وغيره، ولو كرهًا، وليس لهم خيار إذ ابلغوا، وله تزويجُ بناته الأبكار -كما تقدم-.
الثالث: الوليُّ، فلا ينعقد نكاح إلّا بولي، فلو زَوَّجت نفسَها أو غيرَها، أو وكَّلَت غيرَ وليها في تزويجها، ولو بإذن وليها فيهن، لم يصح، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا نكاح إلا بولي" رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وصححه ابن حبان، والحاكم من حديث أبي موسى الأشعري مرسلًا وموصولًا (3).
(1) انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 123).
(2)
في "ب": "خمس".
(3)
رواه أبو داود (2085)، كتاب: النكاح، باب: في الولي، والترمذي (1101)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء: لا نكاح إلا بولي، وابن ماجه (1881)، كتاب النكاح، باب: لا نكاح إلا بولي، وابن حبان في "صحيحه"(4077)، والحاكم في "المستدرك"(2710).
قال الترمذي: ورواية من رواه موصولًا أصحُّ؛ لأنهم سمعوه في أوقاتٍ مختلفة (1).
والحاصل أنّ الحديث المذكور صحيح.
وعند الطبراني من حديث ابن عباس: "لا نكاح إلا بولي، والسلطانُ وليُّ مَنْ لا وليَّ له"(2)، وإسناد بعض طرقه حسن.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليّها، فنكاحها باطل" الحديث، وفيه:"السلطانُ وليُّ من لا وليّ له" أخرجه أبو داود، والترمذي، وحسنه، وأبو عوانة، وصححه، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم (3)، ورواه أبو داود الطيالسي بلفظ:"لا نكاحَ إلّا بوليّ، وأَيُّما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، باطل، باطل، وإن لم يكن لها وليّ فالسلطان وليّ، من لا وليّ له"(4).
ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسَها، فإنّ الزانية هي التي تزوج نفسَها" رواه ابن ماجه، والدرقطني (5).
(1) انظر: "سنن الترمذي"(3/ 409).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(11298).
(3)
رواه أبو داود (2083)، كتاب: النكاح، باب: في الولي، والترمذي (1102)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء: لا نكاح إلا بولي، وابن ماجه (1879)، كتاب: النكاح، باب: لا نكاح إلا بولي، والإمام أحمد في "المسند"(6/ 165)، وابن حبان في "صحيحه"(4074)، وأبو عوانة في "مسنده"(4259)، والحاكم في "المستدرك"(2706).
(4)
رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده"(1463).
(5)
رواه ابن ماجه (1882)، كتاب: النكاح، باب: لا نكاح إلا بولي، والدارقطني =
وعن عكرمة بن خالد، قال: جمعتُ الطريق ركبًا، فجعلت امرأةٌ منهنّ ثيّبٌ أمرَها بيد رجل غير وليّ، فأنكحها، فبلغ ذلك عمر فجلد الناكحَ والمنكِحَ، وردّ نكاحهما، رواه الإمام الشافعي، والدارقطني (1).
وعن الشعبي، قال: ما كان أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أشدّ في النكاح بغير وليّ، من علي رضي الله عنه، كان يضرب فيه، رواه الدارقطني (2).
واختلف الفقهاء في ذلك.
فقال الإمام أحمد والإمام الشافعي: لا يصح أن تلي المرأة عقدَ النكاح لنفسها، ولا لغيرها، وليس لها أن تأذن في عقد نكاح نفسِها لغير وليّها.
وقال أبو حنيفة: يجوز جميع ذلك، ويصح.
وعن مالك: لا تزوج نفسها، ولا تزوج غيرها، واختلف عنه: هل يجوز لها أن تأذن لغير وليّها في تزويجها؟ ثالثها: التفصيل بين الشريفة، فلا يجوز، والمشروفة يجوز (3)، والله أعلم.
فائدتان:
إحداهما: متى حكمَ بصحة العقد الصادر بغير وليّ حاكمٌ يرى ذلك، لم يُنقض، وكذلك سائر الأنكحة الفاسدة (4).
= في "سننه"(3/ 227).
(1)
رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 290)، وفي "الأم"(7/ 222)، والدارقطني في "سننه"(3/ 225).
(2)
رواه الدارقطني في "سننه"(3/ 229)، من طريق: ابن أبي شيبة في "المصنف"(15922).
(3)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 111).
(4)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 322).
الثانية: يشترط في الولي حُرية، إلّا مكاتبًا يزوج أمَته، وذكوريةٌ، واتفاقُ دينٍ سوى أم ولد كافر أسلمت، فيليه، ويباشره، ويلي الكتابيُّ نكاح موليته الكتابية من مسلم وذميّ، ويباشره، ويشترط في الولي -أيضًا- بلوغ، وعقل، وعدالة -ولو ظاهرًا- إلّا في سلطان وسيد ورشد، وهو هنا معرفة الكفء، ومصالح النكاح، وليس هو حفظ المال، فإن رشد كلّ شيء بحسبه، كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية (1).
تتمة:
اختلف الفقهاء في اعتبار عدالة الولي وعدمِ اعتبارها.
فأبو حنيفة ومالك لم يعتبراها، فقالا بصحة ولاية الفاسق، وينعقد بها النكاح.
وقال الشافعي في القول المنصوص عنه: لا ينعقد النكاح بولاية الفاسق، ولا يصح.
وعن الإمام أحمد روايتان:
إحداهما: المنع من صحتها، وهو المفتى به.
والثانية: عدم اعتبار العدالة في ولاية النكاح (2).
قلت: وهو المختار الذي لا محيد عنه، ولا يسع الناسَ القولُ بغيره في هذا الزمان ومنذ أزمان، والله وليّ الإحسان.
الرابع: من شروط صحة النكاح: الشهادةُ، احتياطًا للنسب خوف الإنكار، فلا ينعقد إلّا بشاهدين مسلمين عدلين ذكرين بالغين عاقلين
(1) المرجع السابق، (3/ 324).
(2)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 115).
سميعين ناطقين، ولو كانا عبدين أو ضريرين إذا تيقنَّا الصوت يقينًا لا شك فيه، ولو كانا عدوًا لزوجين، أحدهما، أو عدوًا ولي، لا شهادة بمتهم لرحم، كابني الزوجين، أو ابني أحدهما، وهذا يعني: اعتبار الشهادة، وأنها شرط لصحة عقد النكاح.
مذهب الإمام أحمد كأبي حنيفة، والشافعي في أظهر روايتيه، ومعتمد مذهب أحمد، وأبي حنيفة، والشافعي: لا يبطله التواصي بكتمانه (1).
وقال الإمام مالك بعدم اعتبار الشهادة، فقال: ليست الشهادة بشرط لصحة عقد النكاح، فيصح عنده بدونها، وعنده: يبطل النكاح بالتواصي بكتمانه.
ودليل من اعتبر الشهادة ما رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البغايا اللاتي ينحكنَ أنفسهن بغيرِ بيّنة"(2)، وقد رفعه عبد الأعلى، وهو ثقة، وما رواه الدارقطني من حديث عمران بن حصين مرفوعًا:"لا نكاح إلّا بولي وشاهدي عدل، فإن تشاجروا، فالسطان وليُّ من لا وليَّ له"(3)، ولمالك في "الموطأ" عن أبي الزبير المالكي: أنّ عمر بن الخطاب أُتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة، فقال: هذا نكاح السر، ولا أجيزه، ولو كنت تقدّمت فيه، لرجمت (4).
(1) المرجع السابق، الموضع نفسه.
(2)
رواه الترمذي (1103)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء لا نكاح إلا ببينة.
(3)
رواه الدارقطني في "سننه"(3/ 225)، لكن من حديث عمران بن حصين، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بلفظ:"لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل".
(4)
رواه الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 535).
فائدة:
يروى عن الإمام أحمد: أنّ الإشهاد في عقد النكاح سنّة كغيره من العقود، فيصح بدونها. قال جماعة منا: ما لم يكتموه، وإلّا، لم يصح، ذكره بعضُهم إجماعًا (1)، والله أعلم.
الخامس: الخلو من الموانع، بأَلَّا يكون بهما أو بأحدهما ما يمنع التزويج، من نسب، أو سبب، أو اختلاف دين، أو كونها في نحو عدّة (2).
* التنبيه الثالث: الكفاءة في زوج شرطٌ للزوم النكاح، لا لصحته، على الصحيح المعتمد، فيصح مع فقدها، فهي حق للمرأة والأولياءِ كلِّهم، حتى من يحدث، فلو زوّجت بغير كفءٍ، فلمن لم يرض الفسخُ، من المرأة، والأولياء جميعهم، فورًا ومتراخيًا، ويملكه الأبعد مع رضا الأقرب والزوجة، ولو زالت الكفاءة بعد العقد، فلها الفسخ وحدَها دون سائر الأولياء.
والكفاءة معتبرة في خمسة أشياء:
- أحدها: الدين، فلا يكون الفاجر ولا الفاسق كفئًا لعفيفة عدل.
- الثاني: المنصب، وهو النسب، فلا يكون العجمي -وهو من ليس من العرب- كُفْئًا لعربيّة.
- الثالث: الحريّة، فلا يكون العبد -ولو مبعضًا- كُفْئًا لِحُرة -ولو عتيقة-.
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (5/ 143).
(2)
انظر ما ذكره الشارح رحمه الله من شروط النكاح الخمسة: "الإقناع" للحجاوي (3/ 318 - 332).
- الرابع: الصناعة، فلا يكون صاحب صنعة دنيّة، كالحجام، والحائك، والكسّاح، والزبّال كفئاص لبنت من هو صاحب صناعة جليلة، كالتاجر، والبزاز، والتَّانىء صاحب العقار، ونحو ذلك.
- الخامس: اليسار بمال بحسب ما يجب لها من المهر والنفقة.
قال ابن عقيل: بحيث لا تتغير عليها عادتها عند أبيها في بيته، فلا يكون المعسر كفئًا للموسرة، وليس مولى القوم كفئًا لهم (1).
وزاد الشافعي: سادسًا: وهو البراءة من العيوب.
وعند أبي حنيفة هي: النسكُ، والدينُ، والحريّة، والإسلامُ، والآباءُ، حتى لا يكون من له أب في الإسلام كفئًا لمن له أب وجد فيه، ولا يكون من له أب وجد فيه كمن له أكثر من ذلك، والقدرةُ على المهر والنفقة، والصناعةُ.
وعن أبي حنيفة رواية أخرى: لا تعتبر الصناعة.
وقال مالك فيما ذكره ابن نصر عنه: إنها: الدين، والحرية، والسلامة من العيوب الموجبة للرد.
وحكى ابن القصار عن مالك: أنّ الكفاءة في الدين فحسب.
قال عبد الوهاب: وفي الصناعة نظر، ويجب أن تكون من الكفاءة.
وفي رواية عن الإمام أحمد: أن الكفاءة الدين والحسب فقط.
وفقد الكفاءة عند أبي حنيفة يوجب للأولياء حق الاعتراض.
وقال مالك: لا يبطل النكاحَ فقدُها.
(1) المرجع السابق، (3/ 332 - 334).
وعن الشافعي قولان: الجديد منهما: أنّه لا يبطل النكاحَ عدمُها، والقديم: أنّ فقدها يبطله.
وعن الإمام أحمد روايتان، والمعتمد: ما تقدّم أما شرط للزوم النكاح، لالصحته (1).
* الرابع: اختلفوا في النكاح الفضولي، وهو النكاح الموقوف على إجازة المنكوحة، أو الوليّ، أو الناكح، هل تصح أم لا؟ فصححه أبو حنيفة مع الإجازة، فمتى وجدت الإجازة، ثبت النكاح على الإطلاق.
وقال الشافعي: لا يصح مطلقًا.
وهو معتمد مذهب الإمام أحمد الذي لا يفتى بغيره.
وعن الإمام مالك روايتان، إحداهما: لا يصح جملة، والأخرى: يجوز إذا أُجيز بقرب ذلك من غير تراخٍ شديد.
وعن أحمد رواية ثانية كمذهب أبي حنيفة (2)، والله الموفق.
(1) انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 121).
(2)
المرجع السابق، (2/ 114 - 115).