المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثامن عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه: أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٥

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب اللقطة

- ‌باب الوصايا

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الفرائض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب النكاح

- ‌الحديث الأول

- ‌بَابِ

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب الصداق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب العدة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب اللعان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الرضاع

- ‌الحديث الأول

الفصل: ‌ ‌الحديث الثامن عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه: أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ

‌الحديث الثامن

عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه: أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ، فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتبوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوَّ اللهِ، وَلَيْسَ كَذَلكَ، إلَّا حارَ عَلَيْهِ".

كذا عند مسلم، وللبخاري نحوه (1).

* * *

(عن أبي ذَرٍّ) جُنْدُبِ -بضم الجيم وسكون النون وضم الدال المهملة

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (3317)، كتاب: المناقب، باب: نسبة اليمن إلى إسماعيل، و (5698)، كتاب: الأدب، باب: ما ينهى من السباب واللعن، ومسلم (61)، كتاب: الإيمان، باب: بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم، واللفظ له، وابن ماجه (2319)، كتاب: الأحكام، باب: من ادعى ما ليس له وخاصم فيه.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 319)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 254)، و"شرح مسلم" للنووي (2/ 49)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 75)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1379)، و"فتح الباري" لابن حجر (6/ 540)، و"عمدة القاري" للعيني (16/ 79)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 375)

ص: 604

وفتحها -أيضًا- ابنِ جُنادة -بضم الجيم وتخفيف النون-، وقيل: جُندب بن عبد الله، والمشهور: جُنادة بن سفيان بن عبيد بن الرقيعة بن حرام بن غفار بن مُلَيل بن حمزة بن كنانة.

وقال: ابن عبد البر: ابن جنادة بن قيس بن عمرو بن مُلَيل -بضم الميم وفتح اللام- ابن صُعَير -بضم الصاد وفتح العين المهملتين- ابن حرام بن غِفار -بكسر الغين المعجمة- ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة الغفاري (رضي الله عنه) وهو من أعلام الصحابة وزُهادهم، ومن المهاجرين، وهو أول من حيَّا النبي صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام، فقال: السلامُ عليكَ يا رسول الله، فقال:"وعليكَ ورحمةُ الله"، ثم قال:"من أنتَ؟ "، الحديث الطويل المشهور في إسلامه (1).

وكان إسلامه قديمًا بعد ثلاثة أو أربعة أو خمسة، على الخلاف في ذلك، ثم رجع إلى بلاد قومه، ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الخندق، وقال له صلى الله عليه وسلم لمّا رآه:"أنتَ أبو نَمْلة؟ " يعنيِ: أبا ذر؛ لأنهما يشتبهان غالبًا، فقال: أنا أبو ذر، فقال:"نعم أنت أبو ذَرّ"(2)، ثم سكن الرَبَّذَة -بفتح الراء والباء الموحدة وبالذال المعجمة- إلى أن مات سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان، وصلّى عليه ابن مسعود رضي الله عنهم، ثم مات ابن مسعود بعده بعشرة أيام.

وروي لأبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مئتين حديث وأحد وثمانون حديثًا، في "الصحيحين" ثلاثة وثلاثون، اتفقا منها على اثني

(1) رواه مسلم (2473)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي ذر رضي الله عنه.

(2)

رواه ابن عبد البر في "الاستيعاب"(4/ 1654 - 1655).

ص: 605

عشر، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بتسعة عشر (1).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: "أبو ذر في أمتي على زهد عيسى بن مريم"(2).

أخرج الترمذي من حديثه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدقَ ولا أوفى من أبي ذر، شبه عيسى بن مريم"، فقال عمرُ بن الخطاب كالحاسد: يا رسول الله! أفنعرف ذلك له؟ قال: "نعم فاعرفوه" حسّنه الترمذي (3)، وروى نحوه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (4) (أنه)؛ أي: أبا ذر، (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس من رجل)؛ أي: شخص، من ذكر أو أنثى (ادّعى)؛ أي: انتسب (لغير أبيه)، واتخده أبًا، (وهو يعلمه)؛ أي: يعلم أنه غير أبيه (إلّا كفر)، زاد البخاري:"بالله"(5)؛ أي: إن استحلّ ذلك مع علمه بالتحريم، وإلا فهو زجر وتنفير وكفر النعمة على رواية إسقاط زيادة البخاري.

والحاصل أنه متى استحلّ ذلك، مع علمه أنه حرام، كفر، وإلّا فظاهر اللفظ غير مراد، وإنما أورد على سبيل التغليظ لزجر فاعل ذلك، والمراد

(1) قلت: قد تقدم للشارح رحمه الله ترجمة أبي ذر رضي الله عنه.

(2)

انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1655).

(3)

رواه الترمذي (3802)، كتاب: المناقب، باب: مناقب أبي ذر رضي الله عنه.

(4)

رواه الترمذي (3801)، كتاب: المناقب، باب: مناقب أبي ذر رضي الله عنه.

(5)

كما في رواية أبي ذر، قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (6/ 540): ولم يقع قوله: "بالله" في غير رواية أبي ذر، ولا في رواية مسلم، ولا الإسماعيلي، وهو أولى.

ص: 606

بإطلاق الكفر: أنّ فاعله فعل فعلًا شبيهًا بفعل أهل الكفر (1).

(ومن ادّعى)(ما ليس له)؛ أي: حقًا، سواء كان مالًا أو غيره، (فليس منا).

قال النووي: قال العلماء: ليس على هدينا وجميل طريقتنا (2)، (وليتبوأ)؛ أي: ليتّخذ (مقعده من النار) المعهودةِ التي هي نار جهنم؛ أي: فليتّخذ له منزلًا في النار، فهو إما دعاءٌ من الرسول عليه بذلك، وإما خبر بمعنى الأمر؛ أي: هذا جزاؤه إن جوزيَ، وقد يُعفى عنه، وقد يتوب فيسقط الإثم (3)، (ومن دعا رجلًا بالكفر أو قال) له:(عدوَّ الله، وليس) المدعو بالكفر كافرًا، أولا مَنْ قيل فيه إنه (4) عدو الله (كذلك، إلا حار) -بحاء وراء مهملتين-؛ أي: رجع (عليه)؛ أي: على القائل ذلك القولَ، فإذا قال: لمسلم: يا كافر بلا تأويل، كفر، فإن أراد كفرَ النعمة، فلا.

قال الحافظ المصنف -رحمه الله تعالى-: (كذا عند مسلم) في "صحيحه"، (ولـ) ـلإمام (البخاري نحوه)؛ أي: نحو ما تقدم، ولفظ البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس من رجلٍ ادعى لغير أبيه، وهو يعلمه، إلا كفر بالله، ومن ادعى قومًا ليس له فيهم نسب، فليتبوأ مقعده من النار" ذكر هذا الحديث في كتاب: بدء الخلق من "صحيحه" بعد ذكر الأنبياء (5)، وذكره في باب: الأدب من "صحيحه"

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (6/ 540).

(2)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (2/ 50).

(3)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(4)

ما بين معكوفين ساقطة من "ب".

(5)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (3317)، لكن في كتاب المناقب.

ص: 607

عن أبي ذر -أيضًا-: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يرمي رجل رجلًا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدّت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك"(1)، وذكر البخاري -أيضًا- في: بدء الخلق، عن واثلة بن الأسقع، ولم يخرج له في كتابه غيره، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أعظم الفِرى أن يَدَّعي الرجل إلى غير أبيه، أو يُري عينيه ما لم تر، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل"(2).

وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه، فهو كفر"(3).

وفيهما عن أبي عثمان النهدي، قال: لمّا ادّعى زياد، لقيت أبا بَكْرة، فقلتُ له: ما هذا الذي صنعتم؟ إني سمعتُ سعدَ بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول: سمعت أذني من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "من ادّعى أبًا في الإسلام غيرَ أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنّة عليه حرام"، فقال أبو بكرة: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).

وفي لفظٍ آخر: وكلاهما يقول: سمعته أذناي ووعاه قلبي (5).

وظاهر هذه الأحاديث يقتضي أن من قال لآخر: أنتَ فاسق، أو قال له:

(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5698).

(2)

رواه البخاري (3318)، كتاب: المناقب، باب: نسبة اليمن إلى إسماعيل.

(3)

رواه البخاري (6386)، كتاب: الفرائض، باب: من ادعى إلى غير أبيه، ومسلم (62)، كتاب: الإيمان، باب: بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم.

(4)

رواه البخاري (4071)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الطائف، ومسلم (63/ 114)، كتاب: الإيمان، باب: بيان حال من رغب عن أبيه وهو يعلم.

(5)

رواه البخاري (6385)، كتاب: الفرائض، باب: من ادعى إلى غير أبيه، ومسلم (63/ 115)، كتاب: الإيمان، باب: بيان حال من رغب عن أبيه وهو يعلم.

ص: 608

أنتَ كافر، فإن كان ليس كما قال، فهو المستحق للوصف المذكور، وإن كان كما قال، لم يرجع عليه شيء، لكونه صدق فيما قال، لكن لا يلزم من كونه لا يصير بذلك فاسقًا ولا كافرًا أَلَّا يكون إثما في صورة قوله له: أنتَ فاسق، بل ينبغي أن يفصل بين أن يقصد نصحَه، أو نصحَ غيره ببيان حاله، أو يقصد تعييره وشهرته بذلك ومحضَ أذاه، وحينيذٍ يكون آثمًا؛ لأن ذلك غير جائز؛ لأنه مأمورٌ بالستر عليه، وتعليمه وموعظته بالحسنى على قدر الإمكان، فمهما أمكنه فعلُ المعروف والنهي عن المنكر بالرفق، لا يفعله بالعنف؛ لأنه قد يكون سببًا لإغرائه وإصراره على ذلك الفعل كما هو في طبع كثيرٍ من الناس من الأنفة، لاسيما إن كان الآمر دون المأمور في المنزلة (1).

تنبيهان:

الأول: قال في "الفتح": قال النووي: اختلف في تأويل هذا الرجوع، فقيل: رجع عليه الكفر إن كان مستحلًّا (2).

قال في "الفتح": وهذا بعيدٌ من سياق الخبر، وقيل: محمولٌ على الخوارج؛ لأنهم يكفِّرون المؤمنين، هكذا نقله عياض عن الإمام مالك (3)، وهو ضعيف؛ لأن الصحيح عند الأكثرين: أنّ الخوارج لا يكفرون ببدعتهم.

قال في "الفتح": ولِما قاله مالك وجه، وهو أن منهم من يكفّر كثيرًا من الصحابة ممن شهد له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالجنّة وبالإيمان، فيكون كفرُهم من

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 466).

(2)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (2/ 50).

(3)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 318).

ص: 609

حيث تكذيُبهم للشهادة المذكورة، لا من مجرد صدور التكفير منهم بتأويل.

قلت: وفي هذا ما لا يخفى على محقق، والتحقيق: أن الحديث سيق لزجر المسلم من أن يقول ذلك لأخيه المسلم، وذلك قبل وجود فرقة الخوارج وغيرهم.

وقيل: رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره، وهذا لا بأس به.

وقيل: يُخشى عليه أن يؤول به ذلك إلى الكفر كما قيل: المعاصي بريد الكفر، فيخاف على من أدامها وأصرّ عليها سوءُ الخاتمة، وعلى ذلك، فالراجع إليه التكفيرُ لا الكفر، فكأنه كفّر نفسه بكونه كفّر مَنْ هو مثلُه، ومن لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام، ويؤيده أن في بعض طرقه:"وجب الكفر على أحدهما"(1)، وهذا الذي رجحه الحافظ ابن حجر في "الفتح"، فقال: من قال ذلك لمن يُعرف منه الإسلام ولم تقم له شبهة في زعمه أنه كافر، فإنه يكفر بذلك، قال: فهذا أرجح من الجميع (2)، انتهى.

الثاني: يحرم الانتفاء عن النسب وادّعاء نسب غير نسبه (3)، والله أعلم.

(1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(111)، وأبو عوانة في "مسنده"(53)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 466).

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 75).

ص: 610