الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني عشر
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأَتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ في ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهْ الشَّيْطَانُ أَبدًا"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (141)، كتاب: الوضوء، باب التسمية على كل حال وعند الوقاع، و (3098، 3109)، كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده، و (4870)، كتاب: النكاح، باب: ما يقول الرجل إذا أتى أهله، و (6025)، كتاب: الدعوات، باب: ما يقول إذا أتى أهله، و (6961)، كتاب: التوحيد، باب: السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها، ومسلم (1434)، كتاب: النكاح، باب: ما يستحب أن يقوله عند الجماع، وأبو داود (2161)، كتاب: النكاح، باب: في جامع النكاح، والترمذي (1092)، كتاب: النكاح، باب: ما يقول الرجل إذا دخل على أهله، وابن ماجه (1919)، كتاب: النكاح، باب: ما يقول الرجل إذا دخلت عليه أهله.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 610)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 159)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 5)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (43/ 4)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1295)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 228)، و"عمدة القاري" للعيني (2/ 266)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 69)، و"سبل السلام" للصنعاني =
(عن) حبر الأمة عبدِ الله (بنِ عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن أحدكم)، وفي لفظ للبخاري:"أما لو أن أحدهم"(1)، وفي آخر له:"أما إن أحدكم"(2)(إذا أراد أن يأتي أهله) يعني: زوجته، وكَنَّى بالإتيان عن الجماع كما هو عادته صلى الله عليه وسلم أن يكني عن الأمور المستفظعة، كتكنيته عن الفرج بالهن، وعن الجماع بالمخالطة والمواقعة، وكذا الجماعُ كنى به عن فعل الوطء، والوطء كني به عما هو معلوم.
وفي رواية عند الإسماعيلي: "أما إن أحدكم لو يقول حين يجامع أهله"، وهو ظاهر في أن القول يكون مع الفعل، ولكن الأولى حمله على ما في رواية "الصحيحين": أنه يكون عند إرادة الجماع (3)، فإذا أراد أن يجامع أهله، (قال: باسم الله، اللهم جنبنا)، وفي بعض الروايات:"جنبني" بالإفراد (4).
(الشيطان)؛ أي: أبعدنا عنه، (وجنب)؛ أي: أبعد (الشيطانَ ما رزقتنا)؛ أي: من الّذي رزقتناه من الولد والذرية، (فإنه)؛ أي: الشأن والأمر.
(إن يقدر بينهما)؛ أي: الزوجين (ولد) من ذكر أو أنثى (في ذلك) الجماعِ، وهذا لفظ مسلم، ولفظ البخاريّ:"ثمَّ قدر بينهما ولد، أو قضي ولد" كذا بالشك (5)، وزاد في رواية الكشميهني:"ثمَّ قدر بينهما في ذلك"؛
= (3/ 142)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (6/ 344)
(1)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4870).
(2)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (3098).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 228).
(4)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (3109، 4870).
(5)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4870).
أي: الحال "ولد"(1)، وفي رواية سفيان بن عينية عن منصور:"فإن قضى الله بينهما ولدًا"، ومثله في رواية إسرائيل (2)، وفي رواية شعبة:"فإن كان بينهما ولد"(3).
(لم يضره الشيطان أبدًا)، وفي لفظٍ:"لم يضره شيطان أبدًا"(4)، وفي لفظٍ للبخاري -أيضًا-:"لم يضره الشيطان، ولم يُسَلَّط عليه"(5)، وفي رواية شعبة عند الإمام أحمد ومسلم:"لم يُسَلَّط عليه الشيطان"، أو:"لم يضره الشيطان"(6)، وفي لفظٍ عند الإمام أحمد:"لم يضرَّ ذلك الولدَ الشيطانُ أبدًا"(7)، وفي مرسل الحسن عند عبد الرزاق:"إذا أتى الرَّجلُ أهلَه، فليقل: باسم الله، اللهم باركْ لنا فيما رزقتنا، ولا تجعل للشيطان نصيبًا فيما رزقتنا" وكان يرجى إن حملت أن يكون ولدًا صالحًا (8)؛ يعني: أنه بسبب الذكر المذكور لا يكون للشيطان المبعود المدحور على الولد سلطان، فيكون من المحفوظين.
قال في "الفتح": واختلف في الضرر المنفي بعدَ الاتفاق على ما نقل عياض على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر (9)، وإن كان ظاهرًا
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 229).
(2)
وهي رواية الإسماعيلي، كما ذكر الحافظ ابن حجر.
(3)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (3109).
(4)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4870، 6025، 6961)، وعند مسلم برقم (1434).
(5)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (3109).
(6)
هي رواية الإمام أحمد فقط كما في "مسنده"(1/ 286).
(7)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 216).
(8)
رواه عبد الرازق في "المصنف"(10467).
(9)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 610).
في الحمل على عموم الأحوال من صيغة النفي مع التأبيد، وكان سبب ذلك ما ثبت وصح عنه صلى الله عليه وسلم كما في "الصحيح": أن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد، إلا من استثني (1)، فإن في هذا الطعن نوعَ ضرر في
الجملة، مع أن ذلك سبب صُراخه، ثمَّ اختلفوا، فقيل: المعنى: لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية، بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42]، ويؤيده مرسَل الحسن المذكور.
وقيل: المراد: لم يطعن في بطنه، وهو بعيد، لمنابذته لظاهر حديث أبي هريرة عند الشيخين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولود إلا ينخسه الشيطان، فيستهل صارخًا من نخسة الشيطان، إلا ابنَ مريمَ وأمَّه"، قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (2)[آل عمران: 36].
وفي بعض طرق البخاري: "كلّ بني آدم يطعن الشيطان في جنبه بإصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم، ذهب يطعن، فطعن [في] الحجاب"(3)، فليس تخصيص حديث أبي هريرة بأولى من تخصيص هذا.
وقيل: المراد: لم يصرعه.
وقيل: لم يضره في بدنه.
(1) سيأتي تخريجه قريبًا.
(2)
رواه البخاري (3248)، كتاب: الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16]، ومسلم (2366)، كتاب: الفضائل، باب: فضائل عيسى عليه السلام.
(3)
رواه البخاري (3112)، كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده.
وقال: ابن دقيق العيد: يحتمل ألَّا يضره في دينه -أيضًا- (1)، ولكن يبعده انتفاء العصمة، وتعقب بأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز، فلا مانع أن يوجد من لا تصدر منه معصية عمدًا، وإن لم يكن ذلك واجبًا له.
وقال: الداودي: معنى لم يضره: لم يفتنه عن دينه إلى الكفر، وليس المراد عصمته منه عن المعصية.
وقيل: لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه، كما جاء عن مجاهد: أن الذي يجامع ولا يسمي، يلتف الشيطان على إحليله، فيجامع معه، رواه ابن جرير في "تهذيب الآثار"، ولفظه عن مجاهد، قال: إذا جامع الرجل، ولم يسم، انطوى الجان على إحليله، فجامع معه، فذلك في قوله -تعالى-:{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} (2)[الرحمن: 74].
قال في "الفتح": ولعل هذا -يعني: ما في ضمن خبر مجاهد- أقربُ الأجوبة، ويتأيد الحمل على الأول بأن الكثير ممن يعرف هذا الفضل العظيم قد يذهل عنه عند إرادة المواقعة، والقليل الذي قد يستحضره ويفعله لا يقع معه الحملة، فإذا كان ذلك نادرًا، لم يبعد.
وفي الحديث من الفوائد: استحبابُ التسمية والدعاء والمحافظة على ذلك في حالة الملاذ، كالوقاع، وفيه الاعتصام بذكر الله ودعائه من الشيطان، والتبرك باسمه، والاستعاذة به من جميع الأسواء، وفيه إشعار بأن الشيطان ملازم لابن آدم، لا ينطرد عنه إلا إذا ذكر الله -تعالى- (3).
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 43).
(2)
ورواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(1/ 384).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 229).
تنبيهات:
الأول: قال شيخنا العلامة الشهاب المنيني الحنفي (1): إن قلت: لم خولف الأسلوب السابق في قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم جنبنا الشيطان"، وكان المطابقة له "وجنب ما رزقتنا الشيطان"؟
قلت: لما كانت بهمجانبة الشيطان من الدواعي متأتية بالاعتصام بهذا الدعاء وبغيره، أرشده صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بإقدار الله -تعالى- عليه، ولما كان ما يُرْزَقه هذا الداعي لا تتأتى منه المجانبة في تلك الحالة إذ هو نطفة، أرشده صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء بمجانبة الشيطان إياه؛ لأن المجانبة من طرفه غير متأتية.
فإن قلت: هلا غَيَّرَ الأسلوبَ الأول إلى الثاني، فتيطابق الأسلوبان، ويحصل المقصود -أيضًا-؛ لأن كل من جانبك فقد جانبته؟
قلت: لم يغير لنكتتين: إحداهما لفظية، والأخرى معنوية.
أما اللفظية، فتأتي [من] اتصال الضمير في "جنبنا"، إذ لا يعدل إلى الانفصال مع إمكان الاتصال.
وأما المعنوية: فلأن المجانبة لو كانت من قبل الشيطان بترك الوسوسة مثلًا، لم يكن للعبد في ذلك فضيلة ولا ثواب، بخلاف ما إذا كانت من طرف العبد، فإن فيها كفاية لنفسه عن متابعة الشيطان، وله في مباعدة نفسه عن متابعته ثواب، فهو يسأل الله -تعالى- أن يجعله مجانبًا له، ليأمن من غوائل موافقته ويُثاب على المجاهدة والمثابرة على مخالفته.
(1) انظر: ترجمته في مقدمة هذا الشرح الحافل.
ثمَّ قال: هذا ماظهر لي من بعض أسرار هذا التعبير من البشير النذيره، ومن فمه سمعته، ومن خطه نقلته.
قلت: وفي حديث أبي أمامة رضي الله عنه عند الطبراني: "جنبني وجنب ما رزقتنا من الشيطان الرجيم"(1)، ففي هذا الحديث المجانبة من طرف المرزق [كالمجامع](2)، والله أعلم.
الثاني: روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن ابن مسعود مرفوعًا: أنه إذا أنزل يقول: "اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتني نصيبًا"(3).
قال علماؤنا: فيستحب أن يقول ذلك عند إنزاله.
قال في "شرح الوجيز": وهو حسن (4).
الثالث: قال ابن نصر الله: وتقول المرأة -أيضًا- الذكر، يعني: أنه يشرع لها أن تقول: "باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا".
قال: ولم أجده في كلام أصحابنا (5)، والله الموفق.
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(7839).
(2)
ما بين: معكوفين سقط من "ب".
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(17154).
(4)
وانظر: "الإنصاف" للمرداوي (8/ 357).
(5)
وانظر: "كشاف القناع" للبهوتي (5/ 194).