الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
عَنْ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ نِكَاحِ الشِّغَار. والشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ، ولَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (4822)، كتاب: النكاح، باب: الشغار، و (6559)، كتاب: الحيل، باب: الحيلة في النكاح، ومسلم (1415/ 57 - 60)، كتاب: النكاح، باب: تحريم نكاح الشغار وبطلانه، وأبو داود (2074)، كتاب: النكاح، باب: في الشغار، والنسائي (3334)، كتاب: النكاح، باب: الشغار، و (3337)، باب: تفسير الشغار، والترمذي (1124)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء في النهي عن نكاح الشغار، وابن ماجه (1883)، كتاب: النكاح، باب: النهي عن الشغار.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 191)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 464)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 51)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 559)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 110)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 200)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 34)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1272)، و"طرح التثريب" للعراقي (7/ 21)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 162)، و"عمدة القاري" للعيني (20/ 108)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 39)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 121)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (6/ 277).
(عن) أبي عبدِ الرحمن عبدِ الله (بنِ عمرَ) الفاروقِ (رضي الله عنهما: أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى) نهي منعٍ وتحريم (عن نكاح الشغار، والشغارُ) -بكسر الشين وفتح الغين المعجمتين فألف فراء- (أن يزوج الرَّجل ابنته، على أن يزوجه) الآخر (ابنته، وليس) الواو للحال (بينهما صَداقٌ)، أي: مهر.
قال ابن عبد البر: ذكر تفسيرَ الشغار جميعُ رواة مالك عنه (1).
قال في "الفتح": واختلف الرواة عن مالك فيمن ينسب إليه تفسيرُ الشغار، فالأكثر [لم](2) ينسبوه لأحد، وبهذا قال الشافعي فيما حكاه البيهقي في "المعرفة": لا أدري التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن ابن عمر، أو عن نافع، أو عن مالك، ونسبه محرز بن عون وغيره لمالك (3).
قال الخطيب: تفسير الشغار ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول مالك، وقيل: من قول نافع (4)، يدل له ما في "الجمع بين الصحيحين" للحافظ عبد الحق: التفسير لنافع مولى ابن عمر.
وفي كتاب الحيل من "البخاري": قال عبيد الله: قلت لنافع: ما الشغار، فذكره (5)، فهذا صريح بأنه ممن تقدم مالكًا رضي الله عنه
وفي مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا شغار في الإسلام"(6).
(1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 465).
(2)
[لم] ساقطة من "ب" وإثباته أولى.
(3)
انظر: "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (10/ 166).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 162).
(5)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (6559).
(6)
رواه مسلم (1415)، كتاب: النكاح، باب: تحريم نكاح الشغار وبطلانه.
وفيه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار، زاد ابن نمير في طريق أخرى: والشغار: أن يقول الرجل: زوّجني ابنتك، وأُزوّجك ابنتي، وزوجني أختك، وأزوّجك أختي (1).
وفيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار (2).
وعن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج: أنّ العباس بن عبد الله بن العباس أنكحَ عبدَ الرحمن بنَ الحكم ابنتَه، وأنكحه عبدُ الرحمن ابنته، وقد كانا جعلا صداقًا، فكتب معاويةُ بن أبي سفيان إلى مروانَ بنِ الحكم يأمره بالتفريق بينهما، وقال في كتابه: هذا الشغار الذي نَهَى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه الإمام أحمد، وأبو داود (3).
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا جَنَبَ ولا جَلَبَ، ولا شِغارَ في الإسلام، ومن انتهبَ، فليس منّا" رواه الإمام أحمد، والنسائي، والترمذي، وصححه (4).
قال في "المطلع": سمى هذا النكاح شغارًا، لارتفاع المهر من بينهما، من شغر الكلبُ: إذا رفع رِجْلَه ليبول، ويجوز أن يكون من شغرَ البلدُ: إذا خلا، لخلو العقد عن الصداق (5).
(1) رواه مسلم (1416)، كتاب: النكاح، باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه.
(2)
رواه مسلم (1417)، كتاب: النكاح، باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه.
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 94)، وأبو داود (2075)، كتاب: النكاح، باب: في الشغار.
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 439)، والنسائي (3335)، كتاب: النكاح، باب: الشغار، والترمذي (1123)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء في النهي عن نكاح الشغار.
(5)
انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 323).
قال علماؤنا: نكاح الشغار: هو أن يزوّجه وليته على أن يزوّجه الآخر وليّته، ولا مهر بينهما، كما في الحديث، أو يجعل بضع كل واحدة مع دراهم معلومة مهر الأخرى (1)، على حديث جابر الّذي رواه البيهقي من طريق نافع بن يزيد، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعًا: نهى عن الشغار، والشغار: أن ينكح هذه بهذه بغير صداق، بُضْعُ هذه صداقُ هذه، [وبُضْعُ هذه صداق](2) هذه (3) وقد اختلف الفقهاء هل يعتبر من الشغار الممنوع ما في ظاهر هذه الأحاديث في تفسيره، فإنّ فيه وصفين:
أحدهما: تزويج كلٍّ من الوليين وَلِيَّتَهُ للَاخر بشرط أن يزوّجه وليته.
والثاني: خلوّ بُصح كلّ منهما من الصداق، فمنهم من اعتبرها حتى لا يمنع مثلًا إذا زوّج كلٌّ منهما الآخر بغير شرط، وإن لم يذكر الصداق، أو زوّج كلّ واحد منهما بالشرط، وذكر الصداق.
وذهب بعض الشافعية إلى أنّ علّة النّهي الاشتراكُ في البضع؛ لأن بُضع كلٍّ منهما يصير مورد العقد، وجعلُ البضع صداقًا مخالف لإيراد عقد النكاح، وليس المقتضي للبطلان ترك ذكر الصداق، لصحة النكاح بدون تسمية صداق، والأصحّ عندهما صحة العقد إذا لم يصرّحا بذكر البضع، لكن وجد نصُّ الشافعي على خلافه كما في "الفتح"(4).
ولفظ نص الشافعي: زوّج الرجل ابنته أو المرأة يلي أمرها -من كانت- لآخرَ على أنّ صداقَ كلِّ واحدة بضعُ الأخرى، أو على أن يُنحكه الأخرى،
(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 350).
(2)
ما بين معكوفين ساقط من "ب".
(3)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 200).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 163).
ولم يسم أحد منهما لواحدة منهما صداقًا، فهذا الشغار الذي نَهَى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو منسوخ.
هكذا ساقه البيهقي بإسناده الصحيح عن الشافعي، قال: وهو الموافق لتفسير المنقول في الحديث (1)، واختلف نصّ الشافعي فيما إذا سمَّى مع ذلك مهرًا، فنص في "الإملاء" على البطلان، وظاهر نصه في "المختصر": الصحة، وعلى ذلك اقتصر في النقل عن الشافعي من ينقل الخلافَ من أهل المذاهب.
وقال القفّال: العلّة في البطلان: التعليق والتوقيف، فكأنه يقول: لا ينعقد لك نكاح ابنتي حتى ينعقد لي نكاح ابنتك (2).
وقال الغزالي في "الوسيط": وصورته الكاملة: أن يقول: زوّجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، على أن يكون بضعُ كلّ واحدة منهما صداقًا للأخرى، ومهما انعقد نكاح ابنتي، انعقد نكاحُ ابنتك (3).
وقال العراقي في "شرح الترمذي": ينبغي أن يُزاد: ولا يكون مع البضع شيء آخر (4)، ليكون متفقًا على تحريمه في المذهب (5).
وقال الخرقي من علمائنا: إنّ الإمام أحمد نصّ على أن علّة البطلان تركُ ذكر المهر (6).
(1) انظر: "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (10/ 168 - 169).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 163).
(3)
انظر: "الوسيط" للغزالي (5/ 48).
(4)
ونقله عنه ابنه الحافظ أبو زرعة في "طرح التثريب"(7/ 24).
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 163).
(6)
انظر: "مختصر الخرقي"(ص: 97).
ورجح الإمام المجدُ ابن تيميةَ في "المحرر" أنّ العلّةَ التشريكُ في البضع (1).
وقال ابن دقيق العيد: ما نصّ عليه الإمام أحمد هو ظاهر التفسير المذكور في الحديث، لقوله فيه: ولا صداق بينهما، فإنّه يشعر بأن جهة الفساد ذلك، وإن كان يحتمل أن يكون ذكر لملازمته لجهة الفساد (2).
وقال الإمام المحقق ابن القيّم في "الهدي": اختلف في علّة النهي، فقيل: هي جعل كل من العقدين شرطًا في الآخر، وقيل: العلّةُ التشريكُ في البضع، وجعلُ بضع كل واحدة مهرًا للأخرى، وهي لا تنتفع به، فلم يرجع إليها المهرُ، بل عاد المهر إلى الولي، وهو ملكه لبضع زوجته بتمليكه لبضع موليته، وهذا ظلم لكل واحدة من المرأتين، وإخلاءُ نكاحها عن مهر تنتفع به.
قال: وهذا هو الموافق للغة العرب، فإنهم يقولون: بلد شاغر عن أمير، ودارٌ شاغرة من أهلها: إذا خلت، وشغرَ الكلبُ: إذا رفع رجله، وأخى مكانها.
قال: فإذا سمّوا مهرًا مع ذلك، زال المحذور، ولم يبق إلّا اشتراط كلّ واحدٍ على الآخر شرطًا لا يؤثر في فساد العقد.
قال: فهذا منصوص الإمام أحمد.
والذي يجيء على أصله: أنهم متى عقدوا على ذلك، وإن لم يقولوه بألسنتهم: أنه لا يصحّ؛ لأن القُصود في العقود معتبرة، والمشروطُ عرفًا
(1) انظر: "المحرر" للمجد ابن تيمية (2/ 23).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 35)، إلا أنه لم يذكر الإمام أحمد في توجيه قوله:"ولا صداق بينهما".
كالمشروط لفظًا، فيبطل العقدُ بشرط ذلك، والتواطؤ عليه، ونيّته، وإن سمِّي لكلِّ واحدةٍ مهرُ مثلها، صحّ.
قال: وبهذا تظهر حكمة النهي، واتفاق الأحاديث في هذا الباب (1).
قلت: الذي استقر عليه المذهب: أنهم إن سمّوا مهرًا مستقلًا، ولو قلّ، خلافًا لِـ"المنتهى"(2) بشرط كونه غير حيلة، صحّ العقد، وإن سميّ لإحداهما، صحّ نكاحها فقط، وأما إن كان المسمى كثيرًا، فالعقد صحيح، ولو كان ذلك حيلة (3)، والله الموفق.
تنبيه:
قال: ابن عبد البر: أجمع العلماء على عدم جواز نكاح الشغار، ولكن اختلفوا في صحته، فالجمهور على البطلان، وفي روايةٍ عن الإمام مالك: يفسخ قبل الدخوله، لا بعده، وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي، وذهب الحنفية إلى صحته، ووجوبِ مهرِ المثل، وهو قول الزهري، ومكحوله، والثوري، والليث، ورواية عن الإمام أحمد، وإسحاق، وأبي ثور (4).
قاله (5): وهو [قوله](6) على مذهب الشافعي، لاختلاف الجهة، لكن قال: الإمام الشافعي: إنّ النساء محرّمات إلّا ما أحلّ الله، أو ملك يمين،
(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 108 - 109).
(2)
انظر: " منتهى الإرادات" للفتوحي (4/ 100).
(3)
انظر: "غاية المنتهى" للشيخ مرعي (5/ 124).
(4)
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (14/ 71 - 72).
(5)
القائل هو الحافظ ابن حجر، فالشارح رحمه الله ينقل عنه كلامه في "الفتح"(9/ 164).
(6)
في الأصل: "قوي"، والتصويب من "الفتح".
فإذا ورد النهي عن نكاحٍ، تأكد التحريم (1).
قلت: وجزم في "الإفصاح" بأنّ مذهب مالك كمذهب أحمد في بطلان نكاح الشغار (2)، وما ذكره ابن عبد البر أولى بمذهبه، والله الموفق.
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 163 - 164).
(2)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 131).