الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا ابنُ أَخِي عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابنُهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللهِ، وُلِدَ عَلَى فَرِاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بعُتْبَةَ، فَقَالَ:"هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ"، فَلَمْ تَرَهُ سَوْدة قَطُّ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2105)، كتاب: البيوع، باب: شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه، واللفظ له، و (1948)، باب: تفسير المشبَّهات، و (2289)، كتاب: الخصومات، باب: دعوى الوصي للميت، و (2594)، كتاب: الوصايا، باب: قول الموصي لوصيه: تعاهد ولدي، وما يجوز للوصي من الدعوى، و (4052)، كتاب: المغازي، باب: من شهد الفتح، و (6368)، كتاب: الفرائض، باب: الولد للفراش حرة كانت أو أمة، و (6384)، باب: إثم من انتفى من ولده، ومن ادعى أخًا أو ابن أخ، و (6431)، كتاب: المحاربين، باب: للعاهر الحجر، و (6760)، كتاب: الأحكام، باب: من قضي له بحق أخيه فلا يأخذه، فإن قضاء الحاكم لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا، ومسلم (1457)، كتاب: الرضاع، باب: الولد للفراش، وتوقي الشبهات، وأبو داود (2273)، كتاب: الطلاق، باب: الولد للفراش، والنسائي (3484)، كتاب: الطلاق، باب: إلحاق الولد بالفراش إذا =
(عن) أم المؤمنين (عائشةَ) الصدّيقةِ (رضي الله عنها، قالت: اختصم سعدُ بنُ أبي وقاصٍ) - أحدُ العشرة المبشرين بالجنّة رضي الله عنهم (وعبدُ) من غير إضافة (بن زَمعة) - بفتح الزاي والميم، وقد تسكن الميم، وبالعين المهملة- ابنِ قيس بنِ عبد شمس بنِ عبد ود بنِ نصر -بالصاد المهملة- ابنِ مالك بنِ حِسْل -بكسر الحاء وسكون السين المهملتين- ابنِ عامر بنِ لؤي بنِ غالبٍ، القرشيُّ العامريُّ المكيُّ، وهو أخو سودةَ بنتِ زمعة إحدى أمهات المؤمنين لأبيها، وهذا غير عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب ابن الأسد بن عبد العزى بن قصي، فهو أسدي، وعبدُ بنُ زمعة عامريّ، وليس له رواية، وأما عبد الله بن زمعة الأسدي، فأخرج له الجماعة، وكان عبد بن زمعة شريفًا سيّدًا من سادات الصحابة رضي الله عنهم أجمعين- (1)(في غلامٍ) متعلّق باختصم.
= لم ينفه صاحب الفراش، وابن ماجه (2004)، كتاب: النكاح، باب: الولد للفراش وللعاهر الحجر.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 278)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (7/ 162)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 648)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 194)، وشرح مسلم" للنووي (10/ 37)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 70)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1364)، و"طرح التثريب" للعراقي (7/ 121)، و"فتح الباري" لابن حجر (12/ 32)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 167)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (6/ 156).
(1)
وانظر ترجمته في: "الثقات" لابن حبان (3/ 305)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (2/ 820)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (3/ 510)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 288)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 386).
قال النووي وغيره: اسم الغلام: عبدُ الرحمن بنُ زمعة، وهو أخو عبدِ بن زمعةَ لأبيه، وله عقب بالمدينة، وهو صحابي، وكانت الخصومة فيه عام الفتح (1)، (فقال سعد) بن أبي وقاص رضي الله عنه:(يا رسول الله! هذا ابن أخي عتبة) -بضم العين المهملة وسكون المثناة الفوقية فموحدة فهاء تأنيث- ([ابن أبي وقاص])(2)، واسمه مالك بن وهب الزهري أخو سعد بن أبي وقاص.
قال النووي: لم يذكره الجمهور في "الصحابة"، وذكره ابن منده فيهم، واحتجّ بوصيته إلى أخيه سعد، وأنكره عليه أبو نعيم.
قال البدر العيني: اختلفوا في إسلامه.
قال أبو نعيم: وعتبة هذا هو الذي شجَّ وجهَ النبي صلى الله عليه وسلم، وكسرَ رَباعِيَتَهُ، قال: وما علمتُ له إسلامًا، ولم يذكره أحد في الصحابة، قيل: إنه مات كافرًا (3).
وفي "أسد الغابة"(4) حكاية عن أبي نعيم عقبَ الرد على ابن منده: روى معمر عن عثمان الجريري عن مقسم: أنّ عتبة كسر رباعية النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا عليه، فقال:"اللهم لا تُحِلْ عليه الحولَ حتى يموتَ كافرًا"، فما حال عليه الحولُ حتى مات كافرًا (5).
وقد ذكر الخطيب في "تاريخ بغداد" عن الحافظ محمَّد بن يوسف
(1) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 276، 2/ 577).
(2)
ما بين معكوفين ساقطة من "ب".
(3)
انظر: "عمدة القاري" للعيني (11/ 167).
(4)
انظر: "أسد الغابة" لابن الاثير (3/ 565).
(5)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(9649).
الفريابي، قال: بلغني أنّ الذين كسروا رباعية رسول الله لم يولد لهم صبي فنبتت له رَباعية (1).
قال السهيلي: ولم يولد من نسل عتبة ولدٌ يبلغ الحلم، إلّا وهو أَهْتَمُ أَبْخَرُ يعرف ذلك في عقبه (2)، كما ذكرته في "شرح نونية الصرصري" رحمه الله.
وقد قال البلقيني: ذكر عتبةَ بنَ أبي وقاص هذا في الصحابة: أبو أحمد العسكري، لكن عبارته: أنه مات في الإسلام (3)، وهي عبارة غير مستعملة كما في البرماوي.
وقد روى الحاكم في "المستدرك" في ترجمة حاطب بن أبي بلتعة: أنه قتل عتبة بن أبي وقاص يوم أُحد (4)، والله أعلم.
(عهد إلي) قبل موته (أنه)؛ أي: الغلامَ الذي هو عبد الرحمن (ابنُه)؛ أي: ابن أخيه عتبةَ (انظرْ) يا رسول الله! (إلى شبهه)؛ أي: الغلام، بعتبةَ أخي، (وقال عبد بن زمعة) في جواب دعوى سعد رضي الله عنه (هذا)؛ أي: الغلام الحاضر (أخي يا رسول الله، وُلد على فراش أبي) زمعةَ (من وليدته).
قال عبد الحق في "الأحكام": كانت امرأة يمانية، وهي في الأصل: المولودة، وتطلق على الأُمَّة، والجمعُ ولائد، وقيل: إنها اسم لغير أم الولد (5).
(1) رواه الخطيب في "تاريخ بغداد"(12/ 385)، ومن طريقه: ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(48/ 230).
(2)
انظر: "الروض الأنف" للسهيلي (3/ 264).
(3)
وانظر: "عمدة القاري" للعيني (11/ 167).
(4)
رواه الحاكم في "المستدرك"(5307).
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (12/ 32).
قال الخطابي (1)، وتبعه القاضي عياض (2)، والقرطبي (3)، وغيرهما: كان أهل الجاهليّة يقتنون الولائد، ويقررون عليهنّ الضرائب، فيكتسبنَ بالفجور، وكانوا يلحقون النسب بالزناة إذا ادّعوا الولد كما في النكاح، وكانت لزمعة أمَةٌ، وكان يلمُّ بها، فظهر بها حملٌ زعم عتبة بن أبي وقاص أنه منه، وعهد إلى أخيه سعد أن يستلحقه، فخاصم فيه عبدُ بن زمعة، فقال: هو ابن أخي، على ما كان عليه الأمر في الجاهلية، وقال عبدٌ: هو أخي على ما استقر عليه الحكم في الإسلام، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم حكم الجاهلية، وألحقه بزمعة؛ لأن عتبة لم يكن استلحقه به في الجاهلية، ولم تكن الوليدة اعترفت به أنه له قبل ذلك (4).
قال في "الفتح": وفي حديث عائشة الذي في "البخاري" وغيره ما يؤيد أنهم كانوا يعتبرون استلحاقَ الأمِّ في صورة، وإلحاقَ القائفِ في صورة، ولفظُها على ما في "البخاري": أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فكان منها نكاحُ الناس اليوم: يخطب الرجل إلى الرجلُ وليّته أو ابنته، فيُصدقها، ثم ينكحها.
ونكاحٌ آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طَهُرت من طَمْثها: أرسلي إلى فلان، فاستبضِعي منه، ويعتزلها زوجها، ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملُها من ذلك الرجل الذي يُستبضع منه، فإذا تبين حملُها، أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبةً في نجابة الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع.
(1) انظر: "معالم السنن" للخطابي (3/ 278).
(2)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 652).
(3)
انظر: "المفهم" للقرطبي (4/ 194).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (12/ 33).
ونكاحٌ آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة، كلُّهم يُصيبها، فإذا حملت ووضعت، ومرّ عليها ليالي بعد أن تضع حملَها، أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدتُ، فهو ابُنك يا فلان، تسمِّي من أحبت باسمه، فيُلحق به ولدُها، لا يستطيع أن يمتنع به، وفي لفظ: منه الرجل.
ونكاح الرابع: يجتمع الناس الكثير، فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها، وهنَّ البغايا، كنَّ ينصبنَ على أبوابهن راياتٍ تكون علمًا، فمن أرادهنَّ يدخلُ عليهنَّ، فإذا حملت إحداهنَّ، ووضعت حملها، جمعوا لها، ودعوا لهم القافَةَ، ثم ألحقوا ولدَها بالذي يريدون، فالتاط به؛ أي: لصق به ولزمه، ولم ينفك عنه، ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك، قال: فلما بُعثَ محمّد صلى الله عليه وسلم بالحق، هدم نكاح الجاهلية كلها إلا نكاح الناس اليوم (1)، أي: وهو الذي بدأتُ بذكره (2).
قوله: على أربعة أنحاء [جمع](3) نحوٍ؛ أي: ضَرْبٍ، وزْنًا ومعنى، ويطلق النحو -أيضًا- على الجهة، والنوع، وكذا على القرب والشبه، وعلى العِلْم المعروفِ اصطلاحًا (4).
قال الداودي، وغيره: بقي عليها أنحاء لم تذكرها:
(1) رواه البخاري (4834)، كتاب: النكاح، باب: من قال: لا نكاح إلا بولي.
(2)
وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (12/ 33).
(3)
ما بين معكوفين ساقطة من "ب".
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 184).
الأول: نكاح الخِدْن، وهو الذي في قوله:{وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25]، كانوا يقولون: ما استتر، فلا بأس به، وما ظهر، فهو لؤم.
الثاني: نكاح المتعة -وتقدم بيانه-.
الثالث: نكاح البدل، وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: انزلْ لي عن امرأتك، وأنزلُ لك عن امرأتي، وأزيدك (1). وإسناده ضعيف جدًا (2).
وقوله: استبضعي منه -بموحدة بعدها ضادٌ معجمة-؛ أي: اطلبي منه المُباضَعَةَ، وهو الجماع، مشتقة من البُضع، وهو الفرج.
وقوله: وإنما يفعل ذلك رغبةً في نجابة الولد؛ أي: اكتسابًا من ماء الفحل؛ لأنهم كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة والكرم أو غير ذلك.
قوله: يجتمع الرهط: فلا بد فيه من ضبط العدد، والظاهر أنّ إصابتهم إيّاها إنما كان عن رضا منها، وتواطُؤ بينها وبينهم.
قوله: وهنَّ؛ أي: صاحبات الرايات: البغايا، تكون الراياتُ علامةً عليهنّ.
وقد أخرج الفاكهي من طريق ابن أبي مليكة، قال: تبرز عمر رضي الله عنه بأجياد، فدعا بماء، فأَتته أمُّ مهزول، وهي من البغايا التسع اللاتي كنَّ في الجاهلية، فقالت: هذا ماءٌ، ولكنه في إناءٍ لم يُدبغ، فقال: هَلُمّ، فإن الله جعل الماء طهورًا (3).
(1) رواه الدارقطني في "سننه"(3/ 218).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن ججر (9/ 184).
(3)
رواه الفاكهي في "أخبار مكة"(5/ 199)، وكذا عبد الرزاق في "المصنف"(181).
وروي عن ابن عمر [و]: أن امرأة كانت يقال لها: أم مهزول تسافح في الجاهلية، فأراد بعض الصحابة أن يتزوجها، فنزلت:{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} (1)[النور: 3].
وفي رواية في تفسير هذه الآية، قال: هنَّ بغايا كنَّ في الجاهلية معلومات، لهن رايات يُعرفن بها (2).
وقد ساق هشام بن الكلبي في كتاب "المثالب" أساميَ صاحبات الرايات في الجاهلية، فسمى منهن أكثر من عشرِ نسوة مشهورات.
قوله: القَافَة، جمع قائف وهو الذي يعرف شبه الولد بالآثار الخفية (3)، والله -تعالى- أعلم.
(فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه)؛ أي: شبه الغلام، (فرأى شبهًا بيّنًا) ظاهرًا (بعتبةَ) بن أبي وقّاص، (فقال) صلى الله عليه وسلم:(هو)؛ أي: الغلام (لكَ يا عبدُ بنَ زمعةَ) أخٌ دون سعد بن أبي وقاص، فليس هو ابن لأخيه عتبة، (الولدُ للفراش)؛ أي: تابعٌ للفراش، أو محكومٌ به له؛ أي: لصاحبه، زوجًا كان أو سيدًا؛ لأنهما يفترشان المرأة بالاستحقاق، وهذا إذا لم ينفه صاحب الفراش بما شرع له، ففراش الزوجة يثبت بالعَقْد عليها مع إمكان وطئها في الجملة، وهذا مذهب أحمد، والشافعي.
وعند أبي حنيفة: تصير المرأة فراشًا بنفس العقد، وإن علم أنه لم
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 158)، والطبراني في "المعحم الأوسط"(1798)، وغيرهما.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(16925)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(8/ 2522)، عن عروة، به.
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 185).
يجتمع بها، ولو طلّقها في المجلس، وقيل: لا تصير فراشًا إلا بالعقد والدخول المحقق إمكانه، لا المشكوك فيه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: إن الإمام أحمد أشار إليه في رواية حرب، وصححه ابن القيّم في "الهدي"، وجزم به، قال: وإلّا، فكيف تصير المرأة فراشًا، ولم يدخل بها الزوج، ولم يَبْنِ بها لمجرد إمكان بعيد؟ ونكت على من خالفه، وفي الأمَة: لا يثبت كونُها فراشًا إلّا بوطئها، خلافًا لبعض متأخري المالكية من أن الأمَة التي تُشترى للوطء دون الخدمة تصير فراشًا بنفس الشراء (1)، (وللعاهر)؛ أي: الزاني (الحجر)؛ أي: الخيبة والحرمان؛ أي: حظه ذلك، ولا شيء له في الولد، فيكون كناية عن الحرمان فيما ادعاه من النسب، لعدم اعتبار دعواه مع وجود الفراش كما يقال: بفيهِ الحجر، وقيل: هو على ظاهره؛ أي: الرجم بالحجارة، ورُد بأن الرجم خاص بالمحصَن، وأنه لا يلزم من الرجم نفيُ الولد الذي الكلام فيه، فلم يحكم صلى الله عليه وسلم بالشبه.
قال البدر العيني: وفيه حجةٌ قويةٌ للحنفية في منع الحكم بالقائف (2)، انتهى.
قلت: لا قوة لهذه الحجة، بل لا حجة؛ لأن الفراش مقدَّم على الشبه، ولم يقابله فراش مثله، بل لا عبرة لكل من القَافَة والشبه مع الفراش، فليس هذا من محل النزاع، كما لا يخفى.
ثم قال صلى الله عليه وسلم لزوجته أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها: (واحتجبي منه) أي: من ابن أمَة زمعة (يا سَودةُ)، لاحتمال كونه انعقدَ من
(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/ 415 - 416).
(2)
انظر: "عمدة القاري" للعيني (12/ 260، 24/ 258).
ماء عتبة بن أبي وقّاص، (فلم تره سَودةُ) رضي الله عنها (قط) امتثالًا لأمره صلى الله عليه وسلم، وإنما أمرها بذلك تورّعًا واحتياطًا للمشابهة الظاهرة بين ابن أمَة زمعة وعتبة، مع أنه في ظاهر الشرع أخوها، فراعى صلى الله عليه وسلم الأمرين، فحكم بظاهر الشرع، وأمر بالحمية مما يمكن كونه على خلاف ظاهر الشرع، مع عدم الملجىء إلى ذلك (1)، والله أعلم.
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 71).