المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الرَّابِعَة المتلاحمة وَهِي الَّتِي تغوص فِي اللَّحْم وَلَا تبلغ الْجلد - كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار

[تقي الدين الحصني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌أَنْوَاع الْمِيَاه

- ‌بَاب أَقسَام الْمِيَاه

- ‌بَاب جُلُود الْميتَة وعظمها

- ‌بَاب الْآنِية

- ‌بَاب السِّوَاك

- ‌فَرَائض الْوضُوء

- ‌سنَن الْوضُوء

- ‌بَاب الِاسْتِنْجَاء وآداب التخلي

- ‌نواقض الْوضُوء

- ‌مُوجبَات الْغسْل

- ‌فَرَائض الْغسْل

- ‌سنَن الْغسْل

- ‌(الأغسال المسنونة)

- ‌بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ

- ‌بَاب التَّيَمُّم

- ‌بَاب إِزَالَة النَّجَاسَة

- ‌بَاب الْحيض وَالنّفاس

- ‌بَاب مَا يحرم بِالْحيضِ وَالنّفاس

- ‌بَاب مَا يحرم على الْجنب والمحدث

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة وأوقاتها

- ‌بَاب شَرَائِط وجوب الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات المسنونة

- ‌بَاب شَرَائِط صِحَة الصَّلَاة

- ‌بَاب أَرْكَان الصَّلَاة

- ‌بَاب سنَن الصَّلَاة

- ‌بَاب هيئات الصَّلَاة

- ‌بَاب مَا تخَالف فِيهِ الْمَرْأَة الرجل

- ‌بَاب مبطلات الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة

- ‌بَاب مَا يتْرك سَهوا من الصَّلَاة

- ‌بَاب الْأَوْقَات الَّتِي يكره فِيهَا الصَّلَاة

- ‌بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة

- ‌بَاب قصر الصَّلَاة وَجَمعهَا

- ‌بَاب صَلَاة الْجُمُعَة

- ‌بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌بَاب صَلَاة الْكُسُوف والخسوف

- ‌بَاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء

- ‌بَاب صَلَاة الْخَوْف

- ‌بَاب مَا يحرم على الرِّجَال من لِبَاس وَغَيره

- ‌كتاب الْجَنَائِز

- ‌بَاب مَا يلْزم الْمَيِّت

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌بَاب مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة وشرائط وُجُوبهَا فِيهِ

- ‌بَاب أنصبة مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة

- ‌بَاب زَكَاة الْفطر

- ‌بَاب أهل الزَّكَاة

- ‌بَاب صَدَقَة التَّطَوُّع

- ‌كتاب الصّيام

- ‌بَاب فَرَائض الصَّوْم

- ‌بَاب مفسدات الصَّوْم

- ‌بَاب مَا يسْتَحبّ فِي الصَّوْم

- ‌بَاب مَا نهي عَن صَوْمه

- ‌بَاب كَفَّارَة الْإِفْطَار وَمن يجوز لَهُ

- ‌بَاب صَوْم التَّطَوُّع

- ‌بَاب الِاعْتِكَاف

- ‌كتاب الْحَج

- ‌بَاب شَرَائِط وجوب الْحَج

- ‌بَاب أَرْكَان الْحَج

- ‌بَاب وَاجِبَات الْحَج

- ‌بَاب سنَن الْحَج

- ‌بَاب مُحرمَات الاحرام

- ‌بَاب الدِّمَاء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام

- ‌كتاب الْبيُوع وَغَيرهَا من الْمُعَامَلَات

- ‌بَاب أَنْوَاع الْبيُوع

- ‌بَاب الرِّبَا

- ‌بَاب الْخِيَار

- ‌بَاب السّلم

- ‌بَاب الرَّهْن

- ‌بَاب الْحجر

- ‌بَاب الصُّلْح

- ‌بَاب الْحِوَالَة

- ‌بَاب الضَّمَان

- ‌بَاب الْكفَالَة بِالْبدنِ

- ‌بَاب الشّركَة

- ‌بَاب الْوكَالَة

- ‌بَاب الْإِقْرَار

- ‌بَاب الْعَارِية

- ‌بَاب الْغَصْب

- ‌بَاب الشُّفْعَة

- ‌بَاب الْقَرَاض

- ‌بَاب الْمُسَاقَاة

- ‌بَاب الْإِجَارَة

- ‌بَاب الْجعَالَة

- ‌بَاب الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة

- ‌بَاب احياء الْموَات

- ‌بَاب الْوَقْف

- ‌بَاب الْهِبَة

- ‌بَاب اللَّقِيط

- ‌بَاب الْوَدِيعَة

- ‌كتاب الْفَرَائِض والوصايا

- ‌بَاب الْوَارِثين

- ‌بَاب الْفُرُوض الْمقدرَة وأصحابها

- ‌بَاب الْوَصِيَّة

- ‌كتاب النِّكَاح وَمَا يتَّصل بِهِ من الْأَحْكَام والقضايا

- ‌بَاب شُرُوط عقد النِّكَاح

- ‌بَاب الْمُحرمَات

- ‌بَاب عُيُوب الْمَرْأَة وَالرجل

- ‌بَاب الصَدَاق

- ‌بَاب الْمُتْعَة

- ‌بَاب الْوَلِيمَة على الْعرس

- ‌بَاب التَّسْوِيَة بَين الزَّوْجَات

- ‌بَاب الْخلْع

- ‌كتاب الطَّلَاق

- ‌بَاب صَرِيح الطَّلَاق وكنايته

- ‌بَاب الطَّلَاق السّني والبدعي

- ‌بَاب مَا يملكهُ الْحر وَالْعَبْد من تَطْلِيقَات

- ‌بَاب الرّجْعَة

- ‌بَاب الْإِيلَاء

- ‌بَاب الظِّهَار

- ‌بَاب اللّعان

- ‌بَاب الْعدة

- ‌بَاب الِاسْتِبْرَاء

- ‌بَاب الرَّضَاع

- ‌بَاب النَّفَقَة

- ‌بَاب الْحَضَانَة

- ‌كتاب الْجِنَايَات

- ‌بَاب أَنْوَاع الْقَتْل

- ‌بَاب الْقصاص فِيمَا دون النَّفس

- ‌بَاب الدِّيات

- ‌بَاب الْقسَامَة

- ‌بَاب كَفَّارَة الْقَتْل

- ‌كتاب الْحُدُود

- ‌بَاب حد الزِّنَا

- ‌بَاب حد الْقَذْف

- ‌بَاب حد الْخمر

- ‌بَاب حد السّرقَة

- ‌بَاب حد قطاع الطَّرِيق

- ‌بَاب حكم الصَّائِل

- ‌بَاب قتال الْبُغَاة

- ‌بَاب الرِّدَّة وَحكم الْمُرْتَد

- ‌كتاب الْجِهَاد

- ‌بَاب الْغَنِيمَة

- ‌بَاب الْفَيْء

- ‌بَاب الْجِزْيَة

- ‌كتاب الصَّيْد والذبائح والضحايا والأطعمة

- ‌بَاب الزَّكَاة وَالصَّيْد

- ‌بَاب مَا يحل وَمَا يحرم من الْأَطْعِمَة

- ‌بَاب الْأُضْحِية

- ‌بَاب الْعَقِيقَة

- ‌كتاب السَّبق وَالرَّمْي

- ‌كتاب الْإِيمَان وَالنُّذُور

- ‌بَاب الْيَمين

- ‌بَاب النّذر

- ‌كتاب الْأَقْضِيَة

- ‌بَاب شُرُوط القَاضِي

- ‌بَاب آدَاب الْقَضَاء

- ‌بَاب الْقِسْمَة

- ‌بَاب الدعاوي والبينات

- ‌بَاب الشَّهَادَة

- ‌بَاب أَقسَام الْمَشْهُود بِهِ

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌بَاب الْوَلَاء

- ‌بَاب التَّدْبِير

- ‌بَاب الْكِتَابَة

- ‌بَاب أَحْكَام أم الْوَلَد

الفصل: الرَّابِعَة المتلاحمة وَهِي الَّتِي تغوص فِي اللَّحْم وَلَا تبلغ الْجلد

الرَّابِعَة المتلاحمة وَهِي الَّتِي تغوص فِي اللَّحْم وَلَا تبلغ الْجلد بَين اللَّحْم والعظم فِيهَا حُكُومَة أَيْضا

الْخَامِسَة السمحاق وَهِي الَّتِي تبلغ تِلْكَ الْجلْدَة وَتسَمى تِلْكَ الْجلْدَة السمحاق وفيهَا حُكُومَة أَيْضا كَالَّتِي قبلهَا

السَّادِسَة الهاشمة وَهِي الَّتِي تكسر الْعظم وفيهَا خمس من الْإِبِل فَإِن أوضح مَعَ الهشم وَجب عشرَة من الْإِبِل

السَّابِعَة المنقلة وَهِي الَّتِي تنقل الْعظم من مَوضِع إِلَى مَوضِع وفيهَا مَعَ الهشم والإيضاح خَمْسَة عشرَة

الثَّامِنَة المأمومة وَهِي الَّتِي تبلغ أم الرَّأْس وَهِي خريطة الدِّمَاغ المحيطة بِهِ وفيهَا ثلث الدِّيَة

التَّاسِعَة الدامغة وَهِي الَّتِي تخرق الخريطة وَتصل إِلَى أم الدِّمَاغ وفيهَا ثلث الدِّيَة

الْعَاشِرَة الْمُوَضّحَة ومحلها بعد السمحاق وَهِي الْجلْدَة لِأَن الْمُوَضّحَة تزيلها فَيظْهر الْعظم فتوضحه وفيهَا خمس من الْإِبِل عِنْد عدم وجوب الْقصاص وَقد ذكر الشَّيْخ مَا يجب فِيهَا من الدِّيَة وَفِي لجائفة ثلث الدِّيَة وَهِي الْجِنَايَة الَّتِي تصل إِلَى الْجوف وَالله أعلم قَالَ

‌بَاب الدِّيات

فصل فِي الدِّيَة وَالدية على ضَرْبَيْنِ مُغَلّظَة ومخففة فالمغلظة من الْإِبِل ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة)

الدِّيَة هِيَ المَال الْوَاجِب بِالْجِنَايَةِ على الْحر سَوَاء كَانَت فِي نفس أَو طرف وَهِي فِي الْحر الْمُسلم مائَة من الْإِبِل كَذَا نَص عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي كِتَابه إِلَى الْيمن وَادّعى ابْن يُونُس الْإِجْمَاع على ذَلِك ثمَّ إِن كَانَ الْقَتْل عمدا سَوَاء أوجب الْقصاص أم لَا كَقَتل الْوَالِد الْوَلَد أَو شبه عمد وَجَبت الدِّيَة أَثلَاثًا ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا كَذَا ورد النَّص بِهِ وَالله أعلم قَالَ

ص: 460

(والمخفضة مائَة من الْإِبِل عشرُون حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض)

لما روى ابْن مَسْعُود رضي الله عنه أَنه عليه الصلاة والسلام قَالَ دِيَة الْخَطَإِ أَخْمَاس وَجُمْهُور الصَّحَابَة على تخميسها وَقد مر أَن سُلَيْمَان بن يسَار قَالَ كَانُوا يَقُولُونَ دِيَة الْخَطَأ مائَة من الْإِبِل وَذكر مَا ذكره الشَّيْخ من التخميس وَسليمَان تَابِعِيّ فَدلَّ على أَنه إِجْمَاع من الصَّحَابَة وَالله أعلم قَالَ

(فَإِن أعوزت الْإِبِل انْتقل إِلَى قيمتهَا وَقيل ينْتَقل إِلَى ألف دِينَار أَو اثْنَي عشر ألف دِرْهَم وَإِن غلظت زيد عَلَيْهَا الثُّلُث)

حَيْثُ وَجَبت الدِّيَة إِمَّا على الْقَاتِل أَو على الْعَاقِلَة وَله إبل وَجَبت الدِّيَة من نوعها كَمَا تجب الزَّكَاة من نوع النّصاب سَوَاء كَانَت من نوع إبل الْبَلَد أَو من فَوْقهَا أَو دونهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَنْصُوص وَفِي وَجه تجب من غَالب إبل الْبَلَد وَرجحه الإِمَام لِأَنَّهُ عوض متْلف فعلى الصَّحِيح لَو كَانَت إبل الْجَانِي أَو الْعَاقِلَة مُخْتَلفَة الْأَنْوَاع فَوَجْهَانِ

أَحدهمَا تجب من الْغَالِب فَإِن اسْتَوَت تخير

وَالثَّانِي تجب من كل نوع بِقسْطِهِ فَإِن أخرج الْكل من نوع وَاحِد وَكَانَ أَجود جَازَ كَذَا حَكَاهُ الرَّافِعِيّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ إِن أخرج الْقَاتِل من الْأَغْلَب جَازَ وَإِن كَانَ أردأ وَإِن اسْتَوَى جَازَ من الْأَعْلَى دون الْأَسْفَل إِلَّا أَن يرضى الْوَلِيّ وَأما الْعَاقِلَة فَإِن كَانَ لكل مِنْهُم أَنْوَاع فَهُوَ كالقاتل لَكِن لَهُ إِخْرَاج الْأَدْنَى لِأَنَّهَا تُؤْخَذ مِنْهُ مواساة وَمن الْجَانِي استحقاقاً فَإِن لم يكن للجاني وَلَا لِلْعَاقِلَةِ إبل وَجَبت من غَالب إبل الْبَلَد فَإِن لم يكن فَمن غَالب أقرب إبل الْبِلَاد إِلَيْهِم كَزَكَاة الْفطر فَإِن لم يَكُونُوا من أهل الْبِلَاد فَمن غَالب إبل الْقَبِيلَة فَإِن لم يكن فَمن أقرب الْقَبَائِل إِلَيْهِم فَإِن أعوزت الْإِبِل

ص: 461

وَجَبت قيمتهَا بَالِغَة مَا بلغت على الْأَظْهر لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يقوم الْإِبِل على أهل الْقرى فَإِذا غلت رفع قيمتهَا وَإِذا هَانَتْ نقص من قيمتهَا وَلِأَن الْإِبِل بدل متْلف فَرجع إِلَى قِيمَته عِنْد إعواز أَصله هَذَا هُوَ الْجَدِيد وَفِي الْقَدِيم تجب ألف دِينَار على أهل الذَّهَب أَو اثْنَا عشر ألف دِرْهَم على أهل الْوَرق لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كتب إِلَى أهل الْيمن إِن على أهل الذَّهَب ألف دِينَار وعَلى أهل الْوَرق اثْنَا عشر ألف دِرْهَم فعلى الْقَدِيم يُزَاد فِي التَّغْلِيظ قدر الثُّلُث أَي ثلث الدِّيَة لفعل عمر وَعُثْمَان رضي الله عنهما فَإِن تعدد بِسَبَب التَّغْلِيظ بِأَن قتل محرما بِفَتْح الرَّاء فِي الْحرم فَفِي التَّعَدُّد خلاف الرَّاجِح لَا تعدد وَالله أعلم قَالَ

(وتغلظ دِيَة الْخَطَإِ فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع إِذا قتل فِي الْحرم أَو فِي الاشهر الْحرم أَو قتل ذَا رحم)

قد تقدم أَن دِيَة الْخَطَأ مُخَفّفَة من ثَلَاثَة أوجه كَونهَا مخمسة وَكَونهَا على الْعَاقِلَة وَكَونهَا مُؤَجّلَة وَقد يطْرَأ مَا يُوجب التَّغْلِيظ فَإِذا قتل خطأ فِي حرم مَكَّة دون حرم الْمَدِينَة أَو فِي الْأَشْهر الْحرم وَهِي ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَرَجَب أَو قتل ذَا رحم أَي محرم دون مَا إِذا قتل ذَا رحم غير محرم فَإِنَّهُ لَا تَغْلِيظ فِي الْأَصَح وَكَذَا بمحرمية الرَّضَاع والمصاهرة لَا تَغْلِيظ قطعا وَوَجَبَت الدِّيَة مُغَلّظَة وَالدَّلِيل على التَّغْلِيظ بِهَذِهِ الْأَسْبَاب أَن الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم غلظوا بهَا وَادّعى الاشتهار بذلك وَحُصُول الِاتِّفَاق أما عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ من قتل فِي الْمحرم أَو ذَا رحم أَو فِي الْأَشْهر الْحرم فَعَلَيهِ دِيَة وَثلث وَقضى عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي امْرَأَة وطِئت فِي الطّواف بديتها سِتَّة آلَاف دِرْهَم وألفين تَغْلِيظًا لأجل الْحرم وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن رجلا قتل رجلا فِي الشَّهْر الْحَرَام وَفِي الْبَلَد الْحَرَام فَقَالَ دِيَته اثْنَا عشر ألف دِرْهَم وللشهر الْحَرَام أَرْبَعَة آلَاف وللبلد الْحَرَام أَرْبَعَة آلَاف وَلم يُنكر ذَلِك أحد من الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَهَذِه الْأُمُور لَا تدْرك بِالِاجْتِهَادِ بل بالتوقيف من النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَاعْلَم أَن الشَّيْخ قَالَ وتغلظ وَلم يذكر كَيْفيَّة التَّغْلِيظ قَالَ الرَّافِعِيّ تكون مُغَلّظَة بِاعْتِبَار التَّثْلِيث فَتجب على الْعَاقِلَة ومؤجلة ومثلثة كدية شبه الْعمد والتغليظ بِاعْتِبَار التَّثْلِيث يرجع إِلَى الصّفة وَالسّن دون الْعدَد وَقَضَاء الصَّحَابَة رضي الله عنهم يرجع إِلَى الزِّيَادَة على الْقدر وَالِاسْتِدْلَال

ص: 462

بِفعل الصَّحَابَة كَذَلِك يحْتَاج إِلَى تَأمل فاعرفه وَالله أعلم قَالَ

(ودية الْمَرْأَة على النّصْف من دِيَة الرجل)

لما روى عَمْرو بن حزم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ دِيَة الْمَرْأَة نصف دِيَة الرجل ويروى ذَلِك عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي وَعَن العبادلة رضي الله عنهم وَلم يخالفهم أحد مَعَ اشتهاره فَصَارَ إِجْمَاعًا والعبادلة أَرْبَعَة آباؤهم صحابة عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعبد الله بن الزبير وعد ابْن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة هُنَا العبادلة ثَلَاثَة وَأسْقط عبد الله بن الزبير وَالله أعلم قَالَ

(ودية الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ ثلث دِيَة الْمُسلم)

دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ ذِمِّيا كَانَ أَو مستأمناً أَو معاهداً ثلث دِيَة الْمُسلم رُوِيَ ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَرُوِيَ أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قضى فِي دِيَة الْيَهُودِيّ بأَرْبعَة آلَاف وَفِي الْمَجُوسِيّ بثمانمائة دِرْهَم وَلِأَنَّهُ أقل مَا قيل وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة فِيمَا زَاد والسامرة والصابئة إِن ألْحقُوا بهم فِي الْجِزْيَة والذبائح والمناكحة فَكَذَلِك فِي الدِّيَة وَإِلَّا فديتهم إِن كَانَ لَهُم أَمَان دِيَة الْمَجُوسِيّ وَالله أعلم قَالَ

(ودية الْمَجُوسِيّ ثلثا عشر دِيَة الْمُسلم)

شَرطه أَن يكون لَهُ أَمَان وَحِينَئِذٍ فديته ثلثا عشر دِيَة الْمُسلم لِأَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ جعل دِيَته ثَمَانمِائَة دِرْهَم وَكَذَا عُثْمَان رضي الله عنه وَابْن مَسْعُود وانتشر فِي الصَّحَابَة بِلَا نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا وَمثل هَذِه التقديرات لَا تفعل إِلَّا توقيفا وَلِأَن الْيَهُود والنصار كَانَ لَهُم كتاب وَدين حق بِالْإِجْمَاع وَتحل مناكحتهم وذبائحهم ويقرون بالجزية وَلَيْسَ للمجوسي من هَذِه الْخَمْسَة إِلَّا التَّقْرِير بالجزية فَكَأَن ديتهم خمس دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصَارَى وَاعْلَم أَن الوثني كالمجوسي وَكَذَا عَبدة الشَّمْس وَالْبَقر وَالشَّجر وَالله أعلم

ص: 463

(فرع) من لم تبلغه دَعْوَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم إِلَى الله تَعَالَى وبلغته دَعْوَة غَيره فَالَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رضي الله عنه أَنه إِن كَانَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا فَفِيهِ ثلث الدِّيَة وَإِن كَانَ مجوسياً أَو وثنياً فَفِيهِ ثلثا عشر الدِّيَة لِأَنَّهُ ثَبت لَهُ بجهله نوع عصمَة فَألْحق بالمستأمن من أهل دينه فعلى هَذَا إِن لم يعرف دينه فَهَل تجب دِيَة ذمِّي أَو مَجُوسِيّ فِيهِ وَجْهَان قَالَ الْبَنْدَنِيجِيّ الْمَذْهَب مِنْهَا الثَّانِي وَالله أعلم قَالَ

(وتكمل دِيَة النَّفس فِي الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وَالْأنف والأذنين والعينين والجفون الْأَرْبَعَة وَاللِّسَان والشفتين وَذَهَاب الْكَلَام وَذَهَاب الْبَصَر وَذَهَاب السّمع وَذَهَاب الشم وَذَهَاب الْعقل وَالذكر والانثيين)

قد علمت أَن دِيَة النَّفس مائَة من الْإِبِل على الْجَدِيد أَو ألف دِينَار أَو إثنا عشر ألف دِرْهَم على الْقَدِيم وَقيل غير ذَلِك إِذا عرفت هَذَا فالجناية قد تكون على نفس وَقد تكون على غير نفس وَإِذا كَانَت على غير نفس فقد تكون على طرف وَقد تكون على غير طرف وَإِن كَانَت على غير طرف فقد يكون لَهَا أرش مُقَدّر وَقد لَا يكون لَهَا أرش فَإِن لم يكن لَهَا أرش مُقَدّر فَفِيهَا الْحُكُومَة وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا وَإِن كَانَ لَهَا أرش مُقَدّر فَتَارَة يكون الْفَائِت بِالْجِنَايَةِ مَنْفَعَة فَقَط كذهاب الْبَصَر مثلا وَقد تكون الْمَنْفَعَة مَعَ الجرم وَذَلِكَ مثل الْيَدَيْنِ وَفِي إبانتهما الدِّيَة كَامِلَة وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا بل تكمل الدِّيَة فِي لقط الْأَصَابِع

وَالدَّلِيل على إِكْمَال الدِّيَة فيهمَا قَوْله عليه الصلاة والسلام وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَة كَذَا ورد فِي حَدِيث جَابر وَفِي كِتَابه عليه الصلاة والسلام إِلَى الْيمن وَفِي الْيَد خَمْسُونَ من الْإِبِل وَلِأَنَّهُمَا أعظم نفعا من الْأُذُنَيْنِ وَالْمرَاد بِالْيَدِ الكفان وَيدل لَهُ قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وَقطع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من مفصل الْكَفّ فَدلَّ على أَنَّهَا الْيَد لُغَة وَشرعا وَلَو قطع الْأَصَابِع ثمَّ قطع الْكَفّ بعد الِانْدِمَال وَجَبت دِيَة وحكومة وَإِن كَانَ قبل الِانْدِمَال فَكَذَلِك على الْأَصَح ثمَّ هَذَا كُله إِذا كَانَت الْيَد صَحِيحَة فَإِن كَانَت شلاء فَفِيهَا الْحُكُومَة لِأَن فِي الْيَد مَنْفَعَة وجمالاً فالحكومة فِي مُقَابلَة الْجمال وَالله أعلم وَيجب فِي الرجلَيْن كَمَال الدِّيَة لقَوْله عليه الصلاة والسلام وَفِي الرجلَيْن الدِّيَة كَذَا ورد فِي خبر عَمْرو بن شُعَيْب وَفِي كتاب الْيمن وَفِي الرجل الْوَاحِدَة نصف الدِّيَة وَلَا فرق بَين الرجل العرجاء والسليمة لِأَن الْعَيْب لسي فِي نفس الْعُضْو وَإِنَّمَا العرج فِي الْفَخْذ أَو السَّاق أَو تشنج

ص: 464

الأعصاب وَلَو قطّ رجلا تعطل مشيها بِكَسْر الفقار فَالصَّحِيح وجوب الدِّيَة لِأَن الرجل صَحِيحَة والخلل فِي غَيرهَا وتكمل الدِّيَة فِي لقط الْأَصَابِع والقدم كَالْكَفِّ والقدم كَالْكَفِّ وَالله أعلم وَفِي الْأنف الدِّيَة وتكمل فِي المارن مِنْهُ والمارن مَا لَان مِنْهُ وخلا من الْعظم لقَوْله عليه الصلاة والسلام وَفِي الْأنف إِذا أوعت جذعاً الدِّيَة وَلَا فرق بَين الخشم وَغَيره والمارن ثَلَاث طَبَقَات الطرفان والوترة الحاجزة وَلَو قطع المارن وَبَعض القصبة لزمَه دِيَة وحكومة لِأَن القصبة مَعَ المارن كالذراع مَعَ الْكَفّ وَلَا يبلغ بالحكومة دِيَة الْأنف لِأَنَّهَا تبع وَلَا تنقص عَن دِيَة منقلة بل تزيد وَهَذَا مَا ذكره فِي التَّنْبِيه وَأقرهُ النَّوَوِيّ عَلَيْهِ فِي التَّصْحِيح وَالصَّحِيح تجب دِيَة فَقَط كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِع وَالله أعلم

وَتجب فِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَة إِذا قطعهمَا من أَصلهمَا وَقيل تجب فِيمَا حُكُومَة لِأَن السّمع لَا يخلهما وَلَيْسَ فيهمَا مَنْفَعَة ظَاهِرَة إِنَّمَا هما جمال وزينة فأشبها الشُّعُور قَالَ الإِمَام وَلِهَذَا لم يجر لَهما ذكر فِي كتاب عَمْرو بن حزم إِلَى الْيمن وَفِيه الْآيَات وَحجَّة الْمَذْهَب قَضَاء عمر وَعُثْمَان رضي الله عنهما وَلَا مُخَالف وَلِأَنَّهُمَا عُضْو فيهمَا جمال وَمَنْفَعَة فأشبها الْيَدَيْنِ ومنفعتهما جمع الصَّوْت لتأديته إِلَى الصماخ وَمحل السّمع ولمنع المَاء والهوام فَإِنَّهُ يحس بِحَسب معاطفهما وَسَوَاء فِي ذَلِك السَّمِيع والأصم لِأَن السّمع فِي الصماخ لَا فِي الْأذن وَالله أعلم

وَيجب فِي الْعَينَيْنِ الدِّيَة كَذَا ورد فِي كتاب عَمْرو بن حزم وَلِأَنَّهُمَا من أعظم الْجَوَارِح نفعا فكانتا أولى بِإِيجَاب الدِّيَة وَسَوَاء فِي ذَلِك الصَّغِيرَة والكبيرة والحادة والكليلة والصحيحة والعليلة والغشياء والعمشاء والحولاء إِذا كَانَ النّظر سليما قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَألْحق الْغَزالِيّ الْأَخْفَش وَهُوَ الَّذِي لَا يبصر نَهَارا بالأعمش وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا لوروده وَلِأَن كل دِيَة وَجَبت فِي عضوين وَجب نصفهَا فِي أَحدهمَا كاليدين وَالله أعلم

وَتجب فِي الجفون الْأَرْبَعَة الدِّيَة لِأَنَّهَا من تَمام الْخلقَة وفيهَا جمال وَمَنْفَعَة ويخشى على النَّفس من سرايتها فَأَشْبَهت الْيَدَيْنِ وَسَوَاء فِي ذَلِك الْبَصِير والضرير وَفِي كل وَاحِد ربعهَا لِأَنَّهُ قَضِيَّة التَّوْزِيع وَالله أعلم

وَتجب فِي اللِّسَان الدِّيَة إِذا كَانَ سَالم الذَّوْق ناطقاً لقَوْله عليه الصلاة والسلام وَفِي اللِّسَان الدِّيَة وَهُوَ قَول أبي بكر وَعمر وَعلي رضي الله عنهم وَلَا مُخَالف وَلِأَن فِيهِ جمالاً وَمَنْفَعَة وَأي مَنْفَعَة وَسَوَاء فِي ذَلِك الصَّغِير وَالْكَبِير والأعجمي والألكن والعجل والثقيل والأرت والألثغ وَغَيره قَالَ الرَّوْيَانِيّ وَيحْتَمل أَن يُقَال بِخِلَافِهِ وَفِي لِسَان الْأَخْرَس حُكُومَة سَوَاء كَانَ خرسه أَصْلِيًّا أم عارضاً هَذَا إِذا لم يذهب الذَّوْق بِقطع الْأَخْرَس أَو كَانَ قد ذهب ذوقه قبله فَأَما إِذا ذهب ذوقه

ص: 465

بِقطع لِسَانه فَفِيهِ الدِّيَة كَذَا ذكره فِي أصل الرَّوْضَة وَالله أعلم

(فرع) إِذا كَانَ لِسَان الشَّخْص ناطقا إِلَّا أَن فَاقِد الذَّوْق فَقَطعه شخص فَفِيهِ الْحُكُومَة قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَالله أعلم

(فرع) لِسَان الطِّفْل إِن عرفت سَلَامَته بنطقه بِحرف من حُرُوف الْحلق لِأَنَّهَا أول مَا تظهر مِنْهُ عِنْد الْبكاء أَو بحروف الشّفة كبابا وماما أَو بحروف اللِّسَان فِي زَمَانه كملت فِيهِ الدِّيَة قَالَ ابْن الصّباغ وَيجب فِيهِ الْقصاص وَإِن لم ينْطق بذلك فِي زَمَانه فَفِيهِ حُكُومَة لِأَن الظَّاهِر خرسه وَلَو قطعه قَاطع حَال وِلَادَته فَالْأَصَحّ وجوب الدِّيَة حملا على الصِّحَّة وَقيل حُكُومَة لَو تعذر نطقه لَا لخلل فِي لِسَانه بل لِأَنَّهُ ولد أَصمّ فَلم يحسن الْكَلَام لعدم سَمَاعه إِيَّاه فَهَل تجب فِيهِ دِيَة أم حُكُومَة وَجْهَان وَالله أعلم

وَتجب فِي الشفتين الدِّيَة لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام ذكر ذَلِك فِي كتاب عَمْرو بن حزم وَلِأَن فيهمَا جمالاً وَمَنْفَعَة فأشبها الْيَدَيْنِ وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا وَفِي بَعْضهَا بِحِسَابِهِ لِأَنَّهُ قَضِيَّة التَّوْزِيع وَلَو جنى عَلَيْهِمَا فشلتا وَجَبت الدِّيَة كشلل الْيَدَيْنِ وَالله أعلم قَالَ

(وَتجب فِي ذهَاب الْكَلَام الدِّيَة)

هَذَا شُرُوع فِيمَا يتَعَلَّق بِفَوَات الْمَنَافِع فَإِذا جنى شخص على لِسَان نَاطِق فَأذْهب كَلَامه وَجَبت الدِّيَة لِأَنَّهُ سلبه أعظم مَنَافِعه فَأشبه الْبَصَر وَإِن ذهب بعض الْكَلَام وَجب بِقسْطِهِ وَإِنَّمَا تُؤْخَذ الدِّيَة إِذا قَالَ أهل الْخِبْرَة لَا يعود نطقه فَلَو أخذت ثمَّ عَاد استردت مِنْهُ وَاعْلَم أَن التَّوْزِيع على جَمِيع الْحُرُوف على ظَاهر النَّص وَبِه قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَهِي ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ حرفا فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَلَو كَانَ شخص لَا يعرف الْحُرُوف كلهَا كالأرت والألثغ الَّذِي لَا يتَكَلَّم إِلَّا بِعشْرين حرفا مثلا فَإِذا ذهب كَلَامه فَالصَّحِيح تجب دِيَة كَامِلَة لِأَنَّهُ أذهب كَلَامه فعلى هَذَا لَو ذهب بعض الْحُرُوف وزع على مَا يُحسنهُ لَا على الْجَمِيع وَالله أعلم وَتجب فِي ذهَاب الْبَصَر الدِّيَة لِأَن مَنْفَعَة الْعَينَيْنِ الْبَصَر فذهابه كشلل الْيَدَيْنِ وَالله أعلم وَيجب فِي ذهَاب السّمع كَمَال الدِّيَة لِأَن عمر قضى بذلك وَلم يُخَالف ولانه أشرف السّمع كَمَال الدِّيَة لِأَن الْحَواس فَأشبه الْبَصَر وَلَو جنى عَلَيْهِ فارتتق دَاخل الْأذن ارتتاقا لَا وُصُول إِلَى زَوَاله فَالْأَصَحّ وجوب حُكُومَة لبَقَاء السّمع وَقيل تجب الدِّيَة لفَوَات السّمع وَالله أعلم

ص: 466

وَيجب فِي ذهَاب الشم كَمَال الدِّيَة لِأَنَّهُ أحد الْحَواس فَأشبه الْبَصَر وَقيل فِيهِ حُكُومَة لضعف منفعَته وَالله أعلم وَيجب فِي ذهَاب الْعقل كَمَال الدِّيَة لِأَنَّهُ كَذَلِك فِي كتاب عَمْرو بن حزم وَلِأَن عمر وزيداً رضي الله عنهما قضيا بذلك وَلم يخالفا وَلِأَنَّهُ من أشرف الْحَواس فَكَانَ أَحَق بِكَمَال الدِّيَة من جَمِيع الْحَواس لِأَنَّهُ لَا يَقع التَّمْيِيز بَينه وَبَين الْبَهِيمَة إِلَّا بِهِ وَأعلم أَنه لَا يجْرِي فِيهِ قصاص للِاخْتِلَاف فِي مَحَله لِأَن مِنْهُم من يَقُول إِن مَحَله الْقلب وَهُوَ الْمُصَحح أَو الدِّمَاغ أَو مُشْتَرك بَينهمَا وَلِأَنَّهُ يتَعَذَّر اسْتِيفَاؤهُ لِأَنَّهُ قد يذهب بِقَلِيل الْجِنَايَة وَلَا يذهب بكثيرها وَاعْلَم أَن المُرَاد بِالْعقلِ الْمُوجب للدية الْعقل الغريزي الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ التَّكْلِيف فَأَما المكتسب الَّذِي بِهِ حسن التَّصَرُّف فَفِيهِ حُكُومَة وَالله أعلم وَقَول الشَّيْخ وَتجب فِي الذّكر والأنثيين يَعْنِي الدِّيَة أَي من كل مِنْهُمَا وَكَانَ من حق الشَّيْخ أَن يقدم هذَيْن لِأَنَّهُمَا من قبيل الإجرام لَا من قبيل الْمَنَافِع وَالْأَصْل فِي وجوب الدِّيَة فيهمَا حَدِيث عَمْرو بن حزم وَلِأَن الذّكر فِيهِ مَنْفَعَة التناسل وَهِي من أعظم الْمَنَافِع فَأشبه الْأنف وَسَوَاء فِي ذَلِك ذكر الشَّيْخ والشاب وَالصَّغِير والعنين وَغَيرهم لِأَن الْعنَّة عيب فِي غير الذّكر وَفِي الْحَشَفَة الدِّيَة لِأَن مَا عَداهَا من الذّكر كالتابع لَهَا كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِع وَإِن قطع بعض الْحَشَفَة وَجب بِقسْطِهِ فِي الرَّاجِح وَلَو جنى على ذكره فشل وَجَبت الدِّيَة كشلل الْيَد وَأما الأنثيان فوجوب الدِّيَة فيهمَا مَعَ ذكرهمَا فِي الْخَبَر لِأَنَّهُمَا من تَمام الْخلقَة وَمحل التناسل وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْعنين والمجبوب والطفل وَالشَّيْخ والأنثيان هما البيضتان وَقد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات وَفِي البيضتين الدِّيَة وَفِي إِحْدَاهمَا نصف الدِّيَة لِأَنَّهُ قَضِيَّة التَّوْزِيع كاليدين فَلَو قطعهمَا فَذهب مَاؤُهُ لزمَه ديتان وَالله أعلم قَالَ

(وَفِي الْمُوَضّحَة وَالسّن خمس من الْإِبِل)

لِأَنَّهُ الْوَارِد فِي حَدِيث عَمْرو بن حزم فَلَو أوضح موضحتين فَأكْثر تعدد الْأَرْش وَأما الْأَسْنَان فَفِي الْوَاحِدَة خمس من الْإِبِل فَلَو قلع جَمِيع الْأَسْنَان إِمَّا فِي 4 دفْعَة بضربة أَو أسقاه شَيْئا فَسَقَطت أَسْنَانه أَو والى بَين الْقلع بِحَيْثُ لم يَتَخَلَّل اندمال فَهَل تجب دِيَة نفس لِأَن الْأَسْنَان جنس ذُو عدد فَأشبه الْأَصَابِع أم يجب فِي كل سنّ خمس من الْإِبِل الْمَذْهَب أَنه يجب فِي كل سنّ خمس كَمَا أطلقهُ الشَّيْخ وَبِه قطع جمَاعَة لعُمُوم قَوْله عليه الصلاة والسلام وَفِي كل سنّ خمس وَلِأَنَّهَا تزيد غَالِبا

ص: 467

على قدر الدِّيَة بِخِلَاف الْأَصَابِع فعلى الْمَذْهَب يجب مائَة وَسِتُّونَ بَعِيرًا إِذا كَانَ كَامِل الْأَسْنَان وَهِي اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنا أَربع ثنايا وَأَرْبع رباعيات وَأَرْبَعَة أَنْيَاب وَأَرْبع ضواحك وإثنا عشر ضرساً وَأَرْبَعَة نواجذ وَهِي آخرهَا فَلَو زَادَت على ذَلِك فَهَل يجب لكل سنّ من الزَّوَائِد خمس من الْإِبِل لظَاهِر الْخَبَر أَو حُكُومَة كالأصابع الزَّوَائِد فِيهِ وَجْهَان قَالَ

(وَفِي كل عُضْو لَا مَنْفَعَة فِيهِ حُكُومَة)

أَقُول وَكَذَا فِي كسر الْعِظَام بل فِي جَمِيع الْجِنَايَات الَّتِي لَا تَقْدِير فِيهَا لِأَن الشَّرْع لم ينص عَلَيْهَا وَلم تَنْتَهِ فِي شبهها إِلَى النُّصُوص فَوَجَبَ فِيهَا حُكُومَة وَكَذَا تجب الْحُكُومَة فِي تعويج الرَّقَبَة وَالْوَجْه وتسويده وتصغيره وَمَا أشبه ذَلِك ثمَّ الْحُكُومَة أَن يقوم الْمَجْنِي عَلَيْهِ بِتَقْدِير أَنه عبد بعد الِانْدِمَال وَيُؤْخَذ بِنِسْبَة النَّقْص من الدِّيَة وَهِي الْإِبِل على الْأَصَح وَقيل نقد الْبَلَد كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ عِنْد إفضاء الْمَرْأَة فاعرفه

مِثَاله يُسَاوِي المجنى عَلَيْهِ مائَة عِنْد السَّلامَة وَبعد الْجِنَايَة والاندمال تسعين فَتجب عشر دينه لَكِن بِشَرْط أَن ينقص عَن دِيَة الْعُضْو الْمَجْنِي عَلَيْهِ إِن كَانَ لَهُ أرش مُقَدّر فَإِن لم ينقص نقص الْحَاكِم مَا يرَاهُ وَأقله مَا جَازَ جعله ثمنا أَو صَدَاقا وَالله أعلم قَالَ

(ودية العَبْد قِيمَته عبدا كَانَ أَو أمة)

إِذا قتل شخص مِمَّن يجب عَلَيْهِ الضَّمَان عبدا أَو أمة لزمَه قِيمَته بَالِغَة مَا بلغت لِأَنَّهُمَا مَال فأشبها سَائِر الْأَمْوَال المتقومة وَالله أعلم قَالَ

(ودية الْجَنِين الْمَمْلُوك عشر قيمَة أمة ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى)

لِأَنَّهُ جَنِين آدمية فَيضمن بِعشر مَا تضمن بِهِ الْأُم كَالْحرَّةِ وَفِي الْوَقْت الَّذِي يعْتَبر فِيهِ قيمتهَا وَجْهَان

أَحدهمَا حَالَة الضَّرْب لِأَن الضَّرْب سَبَب الْإِسْقَاط وَهَذَا هُوَ الْمُصَحح فِي الْمُحَرر والمنهاج وَالشَّرْح الصَّغِير وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَذكره الشَّيْخ فِي التَّنْبِيه وَأقرهُ النَّوَوِيّ عَلَيْهِ فِي التَّصْحِيح وَقيل تعْتَبر الْقيمَة أَكثر مَا كَانَت من وَقت الضَّرْب إِلَى الْإِسْقَاط وَهَذَا مَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَلَك أَلا تجْعَل بَين التصحيحين مُخَالفَة وَتقول تَصْحِيح الْمِنْهَاج جَريا على الْغَالِب لِأَن قيمَة الْأُم وَقت الْجِنَايَة فِي الْغَالِب أَكثر قيمَة مِمَّا بعْدهَا لِأَن وَقت الْجِنَايَة وَقت سَلامَة وَلَا شكّ أَن وَقت السَّلامَة تكون الْقيمَة فِيهِ أَكثر من غَيره وَالله أعلم وَقَول الشَّيْخ ودية الْجَنِين الْمَمْلُوك احْتَرز بِهِ عَن الْجَنِين الْحر فديَة الْجَنِين الْحر الْمُسلم إِذا انْفَصل مَيتا بِالْجِنَايَةِ غرَّة عبد أَو أمة

ص: 468

ثَبت ذَلِك من قَضَائِهِ صلى الله عليه وسلم وَيشْتَرط بُلُوغهَا نصف عشر دِيَة الْأَب أَو عشر دِيَة الْأُم وَهِي قيمَة خمس من الْإِبِل لِأَن عمر رضي الله عنه قوم الْغرَّة خمسين دِينَارا وَكَذَا عَليّ وَزيد رضي الله عنهما وَلَا مُخَالف لَهُم وَلِأَنَّهَا دِيَة تقدرت كَسَائِر الدِّيات فقدرت بِأَقَلّ أرش ورد فِي الشَّرْع وَهُوَ الْمُوَضّحَة وَلَا ترد الْأُنْمُلَة فَإِن فِيهَا ثَلَاثَة وَثلثا فَإِن دِيَتهَا مقدرَة بالإجتهاد وَالله أعلم

(فرع) صَاح على صبي غير مُمَيّز على طرف سطح أَو نهر أَو بِئْر فارتعد وَسقط وَمَات مِنْهُ وَجَبت الدِّيَة قطعا وَلَا قصاص على الرَّاجِح وَلَو كَانَ على وَجه الأَرْض وَمَات من الصَّيْحَة فَلَا ضَمَان على الرَّاجِح لِأَن الْمَوْت بِهِ فِي غَايَة الْبعد وَالْمَجْنُون وَالْمَعْتُوه الَّذِي يَعْتَرِيه الوسواس والنائم وَالْمَرْأَة الضعيفة كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيّز وَشهر السِّلَاح والتهديد الشَّديد كالصياح وَلَو صَاح على بالع على طرف سطح وَنَحْوه فَلَا ضَمَان على الرَّاجِح والمراهق المتيقظ كَالْبَالِغِ وَإِن صَاح على صَغِير فَزَالَ عقله وَجب الضَّمَان وَالله أعلم

(فرع) اتبع شخص إنْسَانا بِسيف فهرب وَأُلْقِي نَفسه من الْخَوْف فِي نهر أَو من شَاهِق عَال أَو فِي بِئْر فَهَلَك فَلَا ضَمَان لِأَن الهارب هُوَ الَّذِي بَاشر هَلَاك نَفسه قصدا والمباشرة مُقَدّمَة على السَّبَب فَلَو لم يعلم بالمهلك فَوَقع بِلَا قصد بِأَن كَانَ أعمى أَو فِي ظلمَة أَو فِي ليل وَجب على الطَّالِب الضَّمَان وَلَو انخسف بِهِ سقف فِي هربه وَجب الضَّمَان على الرَّاجِح وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي والعراقيون وَلَو كَانَ الْمَطْلُوب صَبيا أَو مَجْنُونا فَألْقى نَفسه فِي بِئْر وَنَحْوه فَهَل يضمن الطَّالِب يَبْنِي على أَن عمدهما خطأ أَو عمد إِن قُلْنَا إِن عمدهما عمد فهما كَالْبَالِغِ وَإِن قُلْنَا خطأ وَجب الضَّمَان وَالله أعلم

(فرع) سلم الصَّبِي إِلَى سباح ليعلمه السباحة فغرق وَجَبت فِيهِ دِيَة شبه الْعمد على الصَّحِيح كَمَا لَو ضرب الْمعلم الصَّبِي للتأديب فَهَلَك وَلَو ختن الْحجام فَأَخْطَأَ فَأصَاب الْحَشَفَة وَجب الضَّمَان وتحمله الْعَاقِلَة لِأَنَّهُ قطع مالم يُؤذن لَهُ فِيهِ وَالله أعلم

(فرع) كناسَة الْبَيْت وقشور الْبِطِّيخ وَنَحْوهمَا إِذا طرحها فِي موَات فَهَلَك بهَا إِنْسَان أَو تلف بهَا مَال فَلَا ضَمَان وَإِن طرحها فِي الطَّرِيق فَحصل بهَا تلف وَجب الضَّمَان على الصَّحِيح وَبِه قطع الْجُمْهُور وَقيل لَا ضَمَان للْعَادَة وَقيل إِن أَلْقَاهَا فِي متن الطَّرِيق ضمن وَإِن أَلْقَاهَا فِي منعطف لَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْمَارَّة غَالِبا فَلَا ضَمَان فعلى الصَّحِيح شَرط الضَّمَان أَن يكون الَّذِي يعثر بهَا جَاهِلا أما إِذا مَشى عَلَيْهَا قصدا فَلَا ضَمَان كَمَا لَو نزل فِي الْبِئْر الْعدوان فزلق وَلَو رش المَاء فِي الطَّرِيق فزلق بِهِ إِنْسَان أَو بَهِيمَة نظر إِن رش لمصْلحَة عَامَّة كدفع الْغُبَار عَن الْمَارَّة فَلَا ضَمَان وَإِن كَانَ لمصْلحَة

ص: 469