الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الْبيُوع وَغَيرهَا من الْمُعَامَلَات
بَاب أَنْوَاع الْبيُوع
(الْبيُوع ثَلَاثَة اشياء بيع عين مُشَاهدَة فَجَائِز)
البيع فِي اللُّغَة إِعْطَاء شَيْء فِي مُقَابلَة شَيْء وَفِي الشَّرْع مُقَابلَة مَال بِمَال قابلين للتَّصَرُّف بِإِيجَاب وَقبُول على الْوَجْه الْمَأْذُون فِيهِ
وَالْأَصْل فِي مَشْرُوعِيَّة البيه الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} وَمن السّنة قَوْله صلى الله عليه وسلم
(البيعان بِالْخِيَارِ) وَغير ذَلِك وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على ذَلِك
ثمَّ إِن البيع قد يكون على عين حَاضِرَة وَقد يكون على شَيْء فِي الذِّمَّة وَهُوَ السّلم وَقد يكون على عين غَائِبَة وَحكم السّلم وَالْعين الغائبة يَأْتِي وَأما الْعين الْحَاضِرَة فَإِن وَقع العقد عَلَيْهَا بِمَا يعْتَبر فِيهِ وفيهَا صَحَّ العقد وَإِلَّا فَلَا أما الْمُعْتَبر فِي الْعين فقد ذكر الشَّيْخ بعضه وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأما العقد فأركانه ثَلَاثَة قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب الْعَاقِد ويشمل البَائِع وَالْمُشْتَرِي والصيغة وَهِي الْإِيجَاب وَالْقَبُول والمعقود عَلَيْهِ وَله شُرُوط ستأتي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَيشْتَرط مَعَ هَذَا أَهْلِيَّة البَائِع وَالْمُشْتَرِي فَلَا يَصح بيع الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَالسَّفِيه وَيشْتَرط أَيْضا فيهمَا الإختيار فَلَا يَصح بيع الْمُكْره إِلَّا إِذا أكره بِحَق بِأَن توجه عَلَيْهِ بيع مَاله لوفاء دين أَو شِرَاء مَال أسلم
فِيهِ فأكرهه الْحَاكِم على بَيْعه وشرائه لِأَنَّهُ إِكْرَاه بِحَق وَيصِح بيع السَّكْرَان وشراؤه على الْمَذْهَب وَأما الصِّيغَة فكقوله بِعْت وملكت وَنَحْوهَا وَيَقُول المُشْتَرِي قبلت أَو ابتعت وَلَا يشْتَرط توَافق اللَّفْظَيْنِ فَلَو قَالَ مَلكتك هَذَا الْعين بِكَذَا فَقَالَ اشْتريت أَو عَكسه صَحَّ وكما يشْتَرط الْإِيجَاب وَالْقَبُول يشْتَرط أَن لَا يطول الْفَصْل بَينهمَا إِمَّا بِأَن لَا تنفصل النِّيَّة أَو يفصل بِزَمَان قصير فَإِن طَال ضرّ لِأَن الطول يخرج الثَّانِي عَن أَن يكون جَوَابا والطويل مَا أشعر بإعراضه عَن الْقبُول كَذَا ذكره النَّوَوِيّ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة فِي كتاب النِّكَاح وَلَو لم يُوجد إِيجَاب وَقبُول بِاللَّفْظِ وَلَكِن وَقعت معاطاة كعادات النَّاس بِأَن يُعْطي المُشْتَرِي البَائِع الثّمن فيعطيه فِي مُقَابلَة البضاعة الَّتِي يذكرهَا المُشْتَرِي فَهَل يَكْفِي ذَلِك الْمَذْهَب فِي أصل الرَّوْضَة أَنه لَا يَكْفِي لعدم وجود الصِّيغَة وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَن ذَلِك يَكْفِي فِي المحقرات وَبِه أفتى الرَّوْيَانِيّ وَغَيره والمحقر كرطل خبز وَنَحْوه مِمَّا يعْتَاد فِيهِ المعاطاة وَقَالَ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى ووسع عَلَيْهِ ينْعَقد البيع بِكُل مَا يعده النَّاس بيعا وَاسْتَحْسنهُ الإِمَام البارع ابْن الصّباغ وَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام الزَّاهِد أَبُو زَكَرِيَّا محيي الدّين النَّوَوِيّ قلت هَذَا الَّذِي استحسنه ابْن الصّباغ هُوَ الرَّاجِح دَلِيلا وَهُوَ الْمُخْتَار لِأَنَّهُ لم يَصح فِي الشَّرْع اشْتِرَاط اللَّفْظ فَوَجَبَ الرُّجُوع إِلَى الْعرف كَغَيْرِهِ وَمِمَّنْ اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِي وَالْبَغوِيّ وَغَيرهمَا وَالله أعلم
قلت وَمِمَّا عَمت بِهِ الْبلوى بعثان الصغار لشراء الْحَوَائِج وأطردت فِيهِ الْعَادة فِي سَائِر الْبِلَاد وَقد تَدْعُو الضَّرُورَة إِلَى ذَلِك فَيَنْبَغِي إِلْحَاق ذَلِك بالمعاطاة إِذا كَانَ الحكم دائراً مَعَ الْعرف مَعَ أَن الْمُعْتَبر فِي ذَلِك التَّرَاضِي ليخرج بالصيغة عَن أكل مَال الْغَيْر بِالْبَاطِلِ فَإِنَّهَا دَالَّة على الرِّضَا فَإِذا وجد الْمَعْنى الَّذِي اشْترطت الصِّيغَة لأَجله فَيَنْبَغِي أَن يكون هُوَ الْمُعْتَمد بِشَرْط أَن يكون الْمَأْخُوذ يعدل الثّمن وَقد كَانَت المغيبات يبْعَثْنَ الْجَوَارِي والغلمان فِي زمن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه لشراء الْحَوَائِج فَلَا يُنكره وَكَذَا فِي زمن غَيره من السّلف وَالْخلف وَالله أعلم قَالَ
(وَبيع شَيْء مَوْصُوف فِي الذِّمَّة فَجَائِز وَبيع عين غَائِبَة لم تشاهد فَلَا يجوز)
البيع إِن كَانَ سلما فَسَيَأْتِي وَإِن كَانَ على عين غَائِبَة لم يرهَا المُشْتَرِي وَلَا البَائِع أَو لم يرهَا أحد الْمُتَعَاقدين وَفِي معنى الغائبة الْحَاضِرَة الَّتِي لم تَرَ وَفِي صِحَة بيع ذَلِك قَولَانِ
أَحدهمَا وَنَصّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيم والجديد أَنه لَا يَصح وَبِه قَالَ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَطَائِفَة من أَئِمَّتنَا وأفتوا بِهِ مِنْهُم الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيّ قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَهَذَا القَوْل قَالَه جُمْهُور الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالله أعلم قلت وَنَقله الْمَاوَرْدِيّ عَن جُمْهُور أَصْحَابنَا قَالَ وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي سِتَّة مَوَاضِع وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيث إِلَّا أَنه ضَعِيف ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَالله أعلم والجديد الْأَظْهر وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي سِتَّة مَوَاضِع أَنه لَا يَصح لِأَنَّهُ غرر وَقد نهى
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن بيع الْغرَر وَقَوله لم تشاهد يُؤْخَذ مِنْهُ أَنه إِذا شوهدت وَلكنهَا كَانَت وَقت العقد غَائِبَة أَنه يجوز وَهَذَا فِيهِ تَفْصِيل وَهُوَ أَنه إِن كَانَت الْعين مِمَّا لَا تَتَغَيَّر غَالِبا كالأواني وَنَحْوهمَا أَو كَانَت لَا تَتَغَيَّر فِي الْمدَّة المتخللة بَين الرُّؤْيَة وَالشِّرَاء صَحَّ العقد لحُصُول الْعلم الْمَقْصُود ثمَّ إِن وجدهَا كَمَا رَآهَا فَلَا خِيَار لَهُ إِذْ لَا ضَرَر وَإِن وجدهَا متغيرة فَالْمَذْهَب أَن العقد صَحِيح وَله الْخِيَار وَإِن كَانَت الْعين مِمَّا تَتَغَيَّر فِي تِلْكَ الْمدَّة غَالِبا بِأَن رأى مَا يسْرع فَسَاده من الْأَطْعِمَة فَالْبيع بَاطِل وَإِن مَضَت مُدَّة يحْتَمل أَن تَتَغَيَّر فِيهَا وَألا تَتَغَيَّر أَو كَانَ حَيَوَانا فَالْأَصَحّ الصِّحَّة لِأَن الأَصْل عدم التَّغَيُّر فَإِن وجدهَا متغيرة فَلهُ الْخِيَار فَلَو اخْتلفَا فَقَالَ المُشْتَرِي تَغَيَّرت وَقَالَ البَائِع هِيَ بِحَالِهَا فَالْأَصَحّ الْمَنْصُوص أَن القَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه لِأَن البَائِع يَدعِي عَلَيْهِ الْعلم بِهَذِهِ الصّفة فَلم يقبل كَمَا لَو ادّعى عَلَيْهِ أَنه اطلع على الْعَيْب وَالله أعلم قَالَ
(وَيصِح بيع كل طَاهِر منتفع بِهِ مَمْلُوك وَلَا يَصح بيع عين نَجِسَة وَمَا لَا مَنْفَعَة فِيهِ)
اعْلَم أَن الْمَبِيع لَا بُد أَن يكون صَالحا لِأَن يعْقد عَلَيْهِ ولصلاحيته شُرُوط خَمْسَة
أَحدهَا كَونه طَاهِرا
الثَّانِي أَن يكون مُنْتَفعا بِهِ
الثَّالِث أَن يكون الْمَبِيع مَمْلُوكا لمن يَقع العقد لَهُ وَهَذِه الثَّلَاثَة ذكرهَا الشَّيْخ
الشَّرْط الرَّابِع الْقُدْرَة على تَسْلِيم الْمَبِيع
الْخَامِس كَون الْمَبِيع مَعْلُوما فَإِذا وجدت هَذِه الشُّرُوط صَحَّ البيع وَاحْترز بالطاهر عَن نجس الْعين وَقد ذكره فَلَا يَصح بيع الْخمر وَالْميتَة وَالْخِنْزِير وَالْكَلب والأصنام لقَوْل صلى الله عليه وسلم
(إِن الله تَعَالَى حرم بيع الْخمر وَالْميتَة وَالْخِنْزِير والاصنام) وَورد أَيْضا أَنه نهى عَن ثمن الْكَلْب وَجه الدَّلِيل أَن فِيهَا مَنَافِع الْخمْرَة تطفى بهَا النَّار وَالْميتَة تطعم للجوارح ويوقد شحمها وودكها يطلى بِهِ السفن وَالْكَلب يصيد ويحرس فَدلَّ على أَن الْعلَّة النَّجَاسَة فَأَما الْمُتَنَجس فَإِن أمكن تَطْهِيره كَالثَّوْبِ وَنَحْوه صَحَّ لِأَن جوهره طَاهِر وَإِن لم يُمكن تَطْهِيره كالدبس وَاللَّبن وَنَحْوهمَا فَلَا يَصح لانمحاقه بِالْغسْلِ وَوُجُود النَّجَاسَة وَنقل النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب الْإِجْمَاع على
الِامْتِنَاع وَأما الادهان المتنجسة كالزيت وَنَحْوه فَهَل يُمكن تطهيرها فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا لَا لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام
(سُئِلَ عَن الْفَأْرَة تَمُوت فِي السّمن فَقَالَ إِن كَانَ جَامِدا فألقوها وَمَا حولهَا وَإِن كَانَ ذائباً فأريقوه) فَلَو أمكن تَطْهِيره لم يجز إراقته لِأَن إِضَاعَة مَال مَعَ أَنه عليه الصلاة والسلام نهى عَن إِضَاعَة المَال
وَهل يجوز هبة الزَّيْت الْمُتَنَجس وَنَحْوه وَالصَّدَََقَة بِهِ عَن القَاضِي أبي الطّيب منعهما قَالَ الرَّافِعِيّ وَيُشبه أَن يكون فِيهَا مَا فِي هبة الْكَلْب من الْخلاف قَالَ النَّوَوِيّ وَيَنْبَغِي أَن يقطع بِصِحَّة الصَّدَقَة بِهِ للاستصباح وَنَحْوه وَقد جزم الْمُتَوَلِي بِأَن يجوز نقل الْيَد فِيهِ بِالْوَصِيَّةِ وَغَيرهَا وَالله أعلم
وَأما الشَّرْط الثَّانِي وَهُوَ أَن يكون مُنْتَفعا بِهِ فاحترز بِهِ عَمَّا لَا مَنْفَعَة فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَصح بَيْعه وَلَا شِرَاؤُهُ وَأخذ المَال فِي مُقَابلَته من بَاب أكل المَال بِالْبَاطِلِ وَقد نهى الله تَعَالَى عَنهُ فَمن ذَلِك بيع العقارب والحيات والنمل وَنَحْو ذَلِك وَلَا نظر إِلَى مَنَافِعهَا المعدودة من خواصها وَفِي معنى هَذِه السبَاع الَّتِي لَا تصلح للاصطياد والقتال عَلَيْهَا كالأسد وَالذِّئْب والنمر وَلَا نظر الى اعتناء الْمُلُوك السفلة المشغولين باللهو بهَا وَكَذَا لَا يجوز بيع الْغُرَاب وَنَحْوه وَلَا نظر إِلَى الريش لأجل النبل لِأَنَّهُ ينجس بالانفصال وَكَذَا لَا يجوز بيع السمُوم وَلَا نظر إِلَى دسه فِي طَعَام للْكفَّار وَأما مَا يَفْعَله الْمُلُوك فِي دس طَعَام الْمُسلمين فَهُوَ من الْأَفْعَال الخبيثة قَالَ الله تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} الْآيَة
وَأما آلَات اللَّهْو المشغلة عَن ذكر الله فَإِن كَانَت بعد كسرهَا لَا تعد مَالا كالمتخذة من الْخشب وَنَحْوه فبيعها بَاطِل لِأَن مَنْفَعَتهَا مَعْدُومَة شرعا وَلَا يفعل ذَلِك إِلَّا أهل الْمعاصِي وَذَلِكَ كالطنبور والمزمار والرباب وَغَيرهَا وَإِن كَانَت بعد كسرهَا ورضها تعد مَالا كالمتخذة من الْفضة وَالذَّهَب وَكَذَا الصُّور وَبيع الْأَصْنَام فَالْمَذْهَب الْقطع بِالْمَنْعِ الْمُطلق وَبِه أجَاب عَامَّة الْأَصْحَاب لِأَنَّهَا على هيئتها آلَة الْفسق وَلَا يقْصد مِنْهَا غَيره وَأما الْجَارِيَة الْمُغنيَة الَّتِي تَسَاوِي ألفا بِلَا غناء إِذا إشتراها بِأَلفَيْنِ هَل يَصح قَالَ الأودني يَصح وَقَالَ المحمودي بِالْبُطْلَانِ وَقَالَ أَبُو زيد إِن قصد الْغناء بَطل وَإِلَّا فَلَا
قلت فِي حَدِيث أنس رضي الله عنه
(من جلس إِلَى قينة يستمع مِنْهَا صب فِي أُذُنَيْهِ الآنك)
ولآنك بِالْمدِّ وَضم النُّون هُوَ الرصاص الْمُذَاب رَوَاهُ ابْن قُتَيْبَة وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ
(يمسح أنَاس من أمتِي فِي آخر الزَّمَان قردة وَخَنَازِير قَالُوا يَا رَسُول الله أَلَيْسَ يشْهدُونَ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله قَالَ بلَى وَلَكنهُمْ اتَّخذُوا المعازف والقينات والدفوف فَبَاتُوا على لهوهم ولعبهم فَأَصْبحُوا وَقد مسخوا قردة وَخَنَازِير) وَأخرج البُخَارِيّ نَحوه وَالله أعلم وَيجْرِي الْخلاف الْمَذْكُور فِي الْجَارِيَة الْمُغنيَة وَفِي كَبْش النطاح والديك للهراش وَالله أعلم
وَأما الشَّرْط الثَّالِث وَهُوَ أَن يكون الْمَبِيع مَمْلُوكا لمن يَقع عَلَيْهِ العقد لَهُ فَإِن بَاشر العقد لنَفسِهِ فَلْيَكُن لَهُ وَإِن بَاشرهُ لغيره إِمَّا بِولَايَة أَو بوكالة فَلْيَكُن لذَلِك الْغَيْر فَلَو بَاعَ مَال غَيره بِلَا ولَايَة وَلَا وكَالَة فالجديد الْأَظْهر بطلَان البيه لقَوْله عليه الصلاة والسلام
(لَا طَلَاق إِلَّا فِيمَا يملك وَلَا عتاق إِلَّا فِيمَا يملك وَلَا بيع إِلَّا فِيمَا يملك وَلَا وَفَاء بِنذر إِلَّا فِيمَا يملك) وَالْقَدِيم أَنه مَوْقُوف إِن جَازَ مَالِكه نفذ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا مَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْجَدِيد أَيْضا وَاحْتج لَهُ بِحَدِيث عُرْوَة فَإِنَّهُ قَالَ
(دفع إِلَيّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دِينَارا لأشتري لَهُ شَاة فاشتريت لَهُ شَاتين فَبِعْت إِحْدَاهمَا بِدِينَار وَجئْت بِالشَّاة وَالدِّينَار إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكرت لَهُ مَا كَانَ من أَمْرِي فَقَالَ بَارك الله لَك فِي صَفْقَة يَمِينك) قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ قوي وَذكره الْمحَامِلِي والشاشي والعمراني وَنَصّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيّ وَالله أعلم
قلت وَنَصّ عَلَيْهِ فِي الْأُم فِي بَاب الْغَضَب وَالله أعلم
وَشَرطه إجَازَة من يملك التَّصَرُّف وَقت العقد حَتَّى لَو بَاعَ مَال الطِّفْل وَبلغ وَأَجَازَ لم ينفذ وَكَذَا لَو بَاعَ مَال الْغَيْر ثمَّ ملكه وَأَجَازَ لم ينفذ صرح بِهِ الرَّافِعِيّ قَالَ وَالْقَوْلَان جاريان فِيمَا لَو زوج أمة الْغَيْر أَو ابْنَته أَو طلق منكوحته أَو أعتق عَبده أَو أجر دَاره أَو وَقفهَا بِغَيْر إِذْنه وَضبط الإِمَام مَحل الْقَوْلَيْنِ بِأَن يكون العقد يقبل الاستبانة وَالله أعلم
وَأما الشَّرْط الرَّابِع وَهُوَ الْقُدْرَة على التَّسْلِيم فَلَا بُد مِنْهُ سَوَاء الْقُدْرَة الحسية أَو الشَّرْعِيَّة فَلَو لم يقدر على التَّسْلِيم حسيا كَبيع الضال والآبق فَلَا يَصح لِأَن الْمَقْصُود الِانْتِفَاع بِالْمَبِيعِ وَهُوَ مَفْقُود
وَلَو بَاعَ الْعين الْمَغْصُوبَة مِمَّا لَا يقدر على انتزاعها من الْغَاصِب فَلَا يَصح وَإِن قدر فَالْأَصَحّ الصِّحَّة لحُصُول الْمَقْصُود بِالْمَبِيعِ ثمَّ إِن علم المُشْتَرِي الْحَال فَلَا خِيَار لَهُ وَلَو عجز المُشْتَرِي عنالانتزاع من الْغَاصِب لضعف عرض لَهُ أَو قُوَّة عرضت للْغَاصِب فَلهُ الْخِيَار على الصَّحِيح وَإِن كَانَ جَاهِلا حَال العقد فَلهُ الْخِيَار على الصَّحِيح وَلَو بَاعَ الْآبِق مِمَّن سهل عَلَيْهِ رده فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الْمَغْصُوب وَيجوز تَزْوِيج الآبقة والمغصوبة واعتاقهما وَلَا يجوز بيع الطير فِي الْهَوَاء والسمك فِي المَاء للغرر وَلَو بَاعَ الْحمام طائراً اعْتِمَادًا على عوده لَيْلًا فَوَجْهَانِ كَمَا فِي النَّحْل أصَحهمَا عِنْد إِمَام الْحَرَمَيْنِ الصِّحَّة كَالْعَبْدِ الْمَبْعُوث فِي شغل وأصحهما عِنْد الْجُمْهُور الْمَنْع إِذْ لَا وثوق بعودها لعدم عقلهَا وَصحح النَّوَوِيّ فِي النَّحْل الصِّحَّة وَلَو بَاعَ نصف سيف وَنَحْوه معينا لم يَصح لِأَن تَسْلِيمه لَا يَصح إِلَّا بكسره وَفِيه نقص وتضييع لِلْمَالِ وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ بِخِلَاف مَا لَو بَاعه جُزْءا مشَاعا فَإِنَّهُ يَصح وَيصير شَرِيكا وَكَذَا حكم الثَّوْب النفيس الَّذِي ينقص بِالْقطعِ وَلَو كَانَ الثَّوْب غليظاً لَا ينقص بِالْقطعِ صَحَّ البيع على الصَّحِيح إِذْ لَا مَحْذُور وَالله أعلم هَذَا كُله فِي الْمَانِع الْحسي أما الْمَانِع الشَّرْعِيّ فكبيع الشَّيْء الْمَرْهُون إِذن الْمُرْتَهن إِذا كَانَ الْمَرْهُون مَقْبُوضا لِأَنَّهُ مَمْنُوع من تَسْلِيمه شرعا إِذْ لَو جَازَ ذَلِك لبطلت فَائِدَة الرَّهْن وَالله أعلم
وَأما الشَّرْط الْخَامِس وَهُوَ كَون الْمَبِيع مَعْلُوما فَلَا بُد مِنْهُ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام
(نهي عَن بيع الْغرَر) نعم لَا يشْتَرط الْعلم بِهِ من كل وَجه بل يشْتَرط الْعلم بِعَيْنِه وَقدره وَصفته أما الْمعِين فَمَعْنَاه أَن يَقُول بِعْتُك هَذَا وَنَحْوه بِخِلَاف مَا لَو قَالَ بِعْتُك عبدا من عَبِيدِي أَو شَاة من هَذِه الْغنم فَهُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ غير معِين وَهُوَ غرر وَكَذَا لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا القطيع إِلَّا وَاحِدَة لَا يَصح وَسَوَاء تَسَاوَت الْقيمَة فِي العبيد وَالْغنم أم لَا وَأما الْقدر فَلَا بُد من مَعْرفَته حَتَّى لَو قَالَ بِعْتُك ملْء هَذِه الغرارة حِنْطَة أَو بزنة هَذِه الصَّخْرَة زبيباً لم يَصح البيع وَكَذَا لَو قَالَ بِعْتُك بِمثل مَا بَاعَ فلَان سلْعَته أَو قَالَ بِعْتُك بالسعر الَّذِي يُسَاوِي فِي السُّوق فَلَا يَصح لوُجُود الْغرَر بِخِلَاف مَا لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا الْقَمْح كل كيل بِكَذَا فَإِنَّهُ يَصح وَإِن كَانَت جملَة الْقَمْح مَجْهُولَة فِي الْحَال لِأَن الْجَهَالَة انْتَفَت بِذكر الْكَيْل وَلَو قَالَ بِعْتُك من هَذِه الصُّبْرَة كل صَاع بدرهم لم يَصح على الصَّحِيح لِأَن الْمَبِيع مَجْهُول وَذكر مُقَابِله كل كيل بدرهم لَا يُخرجهُ عَن الْجَهَالَة
وَاعْلَم أَن قَوْلنَا ملْء هَذِه الغرارة حِنْطَة أَو بزنة هَذِه الصَّخْرَة زبيباً مَحَله إِذا كَانَ الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي الذِّمَّة أما إِذا كَانَ حَاضرا بِأَن قَالَ بِعْتُك ملْء هَذِه الغرارة من هَذِه الْحِنْطَة أَو بزنة هَذِه الصَّخْرَة من هَذَا الزَّبِيب فَإِنَّهُ يَصح على الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَا غرر وَلَا مَكَان الشُّرُوع فِي الْوَفَاء عِنْد العقد وَقد صرح الرَّافِعِيّ فِي بَاب السّلم بِهَذَا الحكم وَالتَّعْلِيل وَالله أعلم
وَأما الصّفة فَفِيهَا مسَائِل مِنْهَا أَن استقصاء الْأَوْصَاف على الْحَد الْمُعْتَبر فِي السّلم يقوم مقَام الرُّؤْيَة وَكَذَا سَماع وَصفه بطرِيق التَّوَاتُر فِيهِ خلاف الصَّحِيح الَّذِي قطع بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ أَنه لَا يَصح إِذْ الْوَصْف فِي مثل هَذَا لَا يقوم مقَام الرُّؤْيَة وَمِنْهَا رُؤْيَة بعض الْمَبِيع دون بعض فَإِن كَانَ مِمَّا يسْتَدلّ بِرُؤْيَة بعضه على الْبَاقِي صَحَّ البيع مثل رُؤْيَة ظَاهر صبرَة الْقَمْح وَنَحْوهَا وَلَا خِيَار لَهُ إِذا رأى بَاطِنهَا إِلَّا إِذا خَالف ظَاهرهَا وَفِي معنى الْحِنْطَة وَالشعِير صبرَة الْجَوْز واللوز وَنَحْوهمَا والدقيق فَلَو كَانَ مِنْهَا شَيْء فِي وعَاء فَرَأى أَعْلَاهُ وَلم ير أَسْفَله أَو رأى السّمن وَالزَّبِيب وَبَقِيَّة الْمَائِعَات فِي ظروفها كفى وَلَا يَكْفِي رُؤْيَة ظَاهر حَبَّة الرُّمَّان والبطيخ والسفرجل بل لَا بُد من رُؤْيَة كل وَاحِدَة مِنْهَا لاختلافها وَأما التَّمْر فَإِن لم يلزق حباته فحبته كحبة الْجَوْز واللوز وَإِن التزقت القوصرة كفى رُؤْيَة أَعْلَاهَا على الصَّحِيح وَأما الْقطن فِي الْعدْل فَهَل يَكْفِي رُؤْيَة أَعْلَاهُ أم لَا بُد من رُؤْيَة جَمِيعه فِيهِ خلاف حَكَاهُ الصَّيْمَرِيّ وَقَالَ الْأَشْبَه عِنْدِي أَنه كقوصرة التَّمْر وَمِنْهَا مَسْأَلَة الْعين كَمَا إِذا كَانَ عِنْده قَمح فَأخذ شَيْئا مِنْهُ وَأرَاهُ لغيره كَمَا يَفْعَله النَّاس فَإِن اعْتمد فِي الشِّرَاء على رؤيتها نظر إِن قَالَ بِعْتُك من هَذَا النَّوْع كَذَا فَهُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ لَا يُمكن انْعِقَاده بيعا لِأَنَّهُ لم يتَعَيَّن بيعا وَلَا سلما لعدم الْوَصْف وَإِن قَالَ بِعْتُك الْحِنْطَة الَّتِي فِي هَذَا الْبَيْت وَهَذِه الْعين مِنْهَا نظر إِن لم تدخل الْعين فِي البيع لم يَصح على اأصح لِأَنَّهُ لم ير الْمَبِيع وَلَا شَيْئا مِنْهُ وَإِن أدخلها فِيهِ صَحَّ ثمَّ شَرطه أَن يرد الْعين إِلَى الصُّبْرَة قبل البيع فَإِن أَدخل الْعين من غير رد فَإِنَّهُ يكون كَمَا بَاعَ عينين رأى أَحدهمَا لِأَن المرئي متميز عَن غير المرئي كَذَا قَالَه الْبَغَوِيّ وَمِنْهَا الرُّؤْيَة فِي كل شَيْء بِحَسب اللَّائِق بِهِ فَفِي شِرَاء الدّور لَا بُد من رُؤْيَة الْبيُوت والسقف والسطوح والجدران دَاخِلا وخارجاً والمستحم والبالوعة وَفِي الْبُسْتَان يشْتَرط رُؤْيَة مسايل المَاء وَفِي اشْتِرَاط رُؤْيَة طَرِيق الدَّار ومجرى المَاء الَّذِي تَدور بِهِ الرَّحَى وَجْهَان الْأَصَح فِي شرح الْمُهَذّب الِاشْتِرَاط لاخْتِلَاف الْغَرَض بِهِ وَيشْتَرط فِي رُؤْيَة العَبْد رُؤْيَة الْوَجْه والأطراف وَلَا يجوز رُؤْيَة الْعَوْرَة وَفِي بَاقِي الْبدن وَجْهَان أصَحهمَا الِاشْتِرَاط وَفِي الْجَارِيَة أوجه أَصَحهَا فِي زِيَادَة الرَّوْضَة أَنَّهَا كَالْعَبْدِ وَكَذَا يشْتَرط رُؤْيَة الشّعْر على الْأَصَح وَيشْتَرط فِي الدَّوَابّ رُؤْيَة مقدم الدَّابَّة ومؤخرها وقوائمها وَيشْتَرط رفع السرج والأكاف والجل وَلَا يشْتَرط جري الْفرس على الصَّحِيح وَيشْتَرط فِي الثَّوْب المطوي نشره ثمَّ إِذا نشر الثَّوْب وَكَانَ صفيقاً كالديباج المنقوش والبسط الزرابي وَنَحْوه فَلَا بُد من رُؤْيَة وجهيه مَعًا وَإِن كَانَ لَا يخْتَلف وجهاه كالكرباس كفى رُؤْيَة أحد وجهيه فِي الْأَصَح وَلَا بُد فِي شِرَاء الْمُصحف والكتب من تقليب الأوراق ورؤية جَمِيعهَا وَفِي الْوَرق الْأَبْيَض لَا بُد من رُؤْيَة جَمِيع الطاقات وَأما الفقاع فَقَالَ الْعَبَّادِيّ يفت رَأسه وَينظر فِيهِ بِقدر الْإِمْكَان ليَصِح بَيْعه وَأطلق الْغَزالِيّ فِي الْأَحْيَاء الْمُسَامحَة بِهِ قَالَ النَّوَوِيّ الْأَصَح قَول الْغَزالِيّ وَالله أعلم قَالَ