المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الاستنجاء وآداب التخلي - كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار

[تقي الدين الحصني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌أَنْوَاع الْمِيَاه

- ‌بَاب أَقسَام الْمِيَاه

- ‌بَاب جُلُود الْميتَة وعظمها

- ‌بَاب الْآنِية

- ‌بَاب السِّوَاك

- ‌فَرَائض الْوضُوء

- ‌سنَن الْوضُوء

- ‌بَاب الِاسْتِنْجَاء وآداب التخلي

- ‌نواقض الْوضُوء

- ‌مُوجبَات الْغسْل

- ‌فَرَائض الْغسْل

- ‌سنَن الْغسْل

- ‌(الأغسال المسنونة)

- ‌بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ

- ‌بَاب التَّيَمُّم

- ‌بَاب إِزَالَة النَّجَاسَة

- ‌بَاب الْحيض وَالنّفاس

- ‌بَاب مَا يحرم بِالْحيضِ وَالنّفاس

- ‌بَاب مَا يحرم على الْجنب والمحدث

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة وأوقاتها

- ‌بَاب شَرَائِط وجوب الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات المسنونة

- ‌بَاب شَرَائِط صِحَة الصَّلَاة

- ‌بَاب أَرْكَان الصَّلَاة

- ‌بَاب سنَن الصَّلَاة

- ‌بَاب هيئات الصَّلَاة

- ‌بَاب مَا تخَالف فِيهِ الْمَرْأَة الرجل

- ‌بَاب مبطلات الصَّلَاة

- ‌بَاب الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة

- ‌بَاب مَا يتْرك سَهوا من الصَّلَاة

- ‌بَاب الْأَوْقَات الَّتِي يكره فِيهَا الصَّلَاة

- ‌بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة

- ‌بَاب قصر الصَّلَاة وَجَمعهَا

- ‌بَاب صَلَاة الْجُمُعَة

- ‌بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌بَاب صَلَاة الْكُسُوف والخسوف

- ‌بَاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء

- ‌بَاب صَلَاة الْخَوْف

- ‌بَاب مَا يحرم على الرِّجَال من لِبَاس وَغَيره

- ‌كتاب الْجَنَائِز

- ‌بَاب مَا يلْزم الْمَيِّت

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌بَاب مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة وشرائط وُجُوبهَا فِيهِ

- ‌بَاب أنصبة مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة

- ‌بَاب زَكَاة الْفطر

- ‌بَاب أهل الزَّكَاة

- ‌بَاب صَدَقَة التَّطَوُّع

- ‌كتاب الصّيام

- ‌بَاب فَرَائض الصَّوْم

- ‌بَاب مفسدات الصَّوْم

- ‌بَاب مَا يسْتَحبّ فِي الصَّوْم

- ‌بَاب مَا نهي عَن صَوْمه

- ‌بَاب كَفَّارَة الْإِفْطَار وَمن يجوز لَهُ

- ‌بَاب صَوْم التَّطَوُّع

- ‌بَاب الِاعْتِكَاف

- ‌كتاب الْحَج

- ‌بَاب شَرَائِط وجوب الْحَج

- ‌بَاب أَرْكَان الْحَج

- ‌بَاب وَاجِبَات الْحَج

- ‌بَاب سنَن الْحَج

- ‌بَاب مُحرمَات الاحرام

- ‌بَاب الدِّمَاء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام

- ‌كتاب الْبيُوع وَغَيرهَا من الْمُعَامَلَات

- ‌بَاب أَنْوَاع الْبيُوع

- ‌بَاب الرِّبَا

- ‌بَاب الْخِيَار

- ‌بَاب السّلم

- ‌بَاب الرَّهْن

- ‌بَاب الْحجر

- ‌بَاب الصُّلْح

- ‌بَاب الْحِوَالَة

- ‌بَاب الضَّمَان

- ‌بَاب الْكفَالَة بِالْبدنِ

- ‌بَاب الشّركَة

- ‌بَاب الْوكَالَة

- ‌بَاب الْإِقْرَار

- ‌بَاب الْعَارِية

- ‌بَاب الْغَصْب

- ‌بَاب الشُّفْعَة

- ‌بَاب الْقَرَاض

- ‌بَاب الْمُسَاقَاة

- ‌بَاب الْإِجَارَة

- ‌بَاب الْجعَالَة

- ‌بَاب الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة

- ‌بَاب احياء الْموَات

- ‌بَاب الْوَقْف

- ‌بَاب الْهِبَة

- ‌بَاب اللَّقِيط

- ‌بَاب الْوَدِيعَة

- ‌كتاب الْفَرَائِض والوصايا

- ‌بَاب الْوَارِثين

- ‌بَاب الْفُرُوض الْمقدرَة وأصحابها

- ‌بَاب الْوَصِيَّة

- ‌كتاب النِّكَاح وَمَا يتَّصل بِهِ من الْأَحْكَام والقضايا

- ‌بَاب شُرُوط عقد النِّكَاح

- ‌بَاب الْمُحرمَات

- ‌بَاب عُيُوب الْمَرْأَة وَالرجل

- ‌بَاب الصَدَاق

- ‌بَاب الْمُتْعَة

- ‌بَاب الْوَلِيمَة على الْعرس

- ‌بَاب التَّسْوِيَة بَين الزَّوْجَات

- ‌بَاب الْخلْع

- ‌كتاب الطَّلَاق

- ‌بَاب صَرِيح الطَّلَاق وكنايته

- ‌بَاب الطَّلَاق السّني والبدعي

- ‌بَاب مَا يملكهُ الْحر وَالْعَبْد من تَطْلِيقَات

- ‌بَاب الرّجْعَة

- ‌بَاب الْإِيلَاء

- ‌بَاب الظِّهَار

- ‌بَاب اللّعان

- ‌بَاب الْعدة

- ‌بَاب الِاسْتِبْرَاء

- ‌بَاب الرَّضَاع

- ‌بَاب النَّفَقَة

- ‌بَاب الْحَضَانَة

- ‌كتاب الْجِنَايَات

- ‌بَاب أَنْوَاع الْقَتْل

- ‌بَاب الْقصاص فِيمَا دون النَّفس

- ‌بَاب الدِّيات

- ‌بَاب الْقسَامَة

- ‌بَاب كَفَّارَة الْقَتْل

- ‌كتاب الْحُدُود

- ‌بَاب حد الزِّنَا

- ‌بَاب حد الْقَذْف

- ‌بَاب حد الْخمر

- ‌بَاب حد السّرقَة

- ‌بَاب حد قطاع الطَّرِيق

- ‌بَاب حكم الصَّائِل

- ‌بَاب قتال الْبُغَاة

- ‌بَاب الرِّدَّة وَحكم الْمُرْتَد

- ‌كتاب الْجِهَاد

- ‌بَاب الْغَنِيمَة

- ‌بَاب الْفَيْء

- ‌بَاب الْجِزْيَة

- ‌كتاب الصَّيْد والذبائح والضحايا والأطعمة

- ‌بَاب الزَّكَاة وَالصَّيْد

- ‌بَاب مَا يحل وَمَا يحرم من الْأَطْعِمَة

- ‌بَاب الْأُضْحِية

- ‌بَاب الْعَقِيقَة

- ‌كتاب السَّبق وَالرَّمْي

- ‌كتاب الْإِيمَان وَالنُّذُور

- ‌بَاب الْيَمين

- ‌بَاب النّذر

- ‌كتاب الْأَقْضِيَة

- ‌بَاب شُرُوط القَاضِي

- ‌بَاب آدَاب الْقَضَاء

- ‌بَاب الْقِسْمَة

- ‌بَاب الدعاوي والبينات

- ‌بَاب الشَّهَادَة

- ‌بَاب أَقسَام الْمَشْهُود بِهِ

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌بَاب الْوَلَاء

- ‌بَاب التَّدْبِير

- ‌بَاب الْكِتَابَة

- ‌بَاب أَحْكَام أم الْوَلَد

الفصل: ‌باب الاستنجاء وآداب التخلي

مُسْتَحبّ كَذَا صَححهُ فِي أصل الرَّوْضَة وَقيل إِنَّه مُبَاح فعله وَتَركه سَوَاء وَاخْتَارَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَقيل مُسْتَحبّ مُطلقًا وَقيل يكره التنشيف مُطلقًا وَقيل يكره فِي الصَّيف دون الشتَاء قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب مَحل الْخلاف إِذا لم تكن حَاجَة إِلَى التنشيف لحر أَو برد أَو التصاق نَجَاسَة فَإِن كَانَ فَلَا كَرَاهَة قطعا وَلَا يُقَال إِنَّه خلاف الْمُسْتَحبّ وَمِنْهَا يسْتَحبّ أَن لَا ينفض يَدَيْهِ لقَوْله صلى الله عليه وسلم

(إِذا توضأتم فَلَا تنفضوا أَيْدِيكُم فَإِنَّهَا مراوح الشَّيْطَان) وَغَيره فَلَو خَالف ونفض فَالَّذِي جزم بِهِ الرَّافِعِيّ أَنه يكره وَخَالف النَّوَوِيّ فرجح أَنه لَا يكره بل هُوَ مُبَاح فعله وَتَركه سَوَاء وَقَالَ فِي التَّحْقِيق لِأَنَّهُ خلاف الأولى والْحَدِيث قَالَ فِي شرح الْمُهَذّب إِنَّه ضَعِيف لَا يعرف وَمِنْهَا الْمُوَالَاة وَهِي واجبه فِي الْقَدِيم وَأَن يَقُول بعد التَّسْمِيَة الْحَمد لله الَّذِي جعل المَاء طهُورا ويخلل الْخَاتم ويتعهد مَا يحْتَاج إِلَى الِاحْتِيَاط وَيبدأ بِأَعْلَى وَجهه وبمقدم الرَّأْس وَفِي الْيَد وَالرجل بأطراف الْأَصَابِع إِن صب على نَفسه وَإِن صب عَلَيْهِ غَيره بَدَأَ بالمرفقين وَالْكَفَّيْنِ وَأَن لَا ينقص مَاء الْوضُوء عَن مد وَلَا يسرف وَلَا يزِيد على ثَلَاث مَرَّات وَلَا يتَكَلَّم فِي أثْنَاء الْوضُوء وَلَا يلطم وَجهه بِالْمَاءِ وَأَن يَقُول بعد الْوضُوء

(أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك) وَبقيت سنَن أخر مَذْكُورَة فِي الْكتب المطولة تركناها خشيَة الإطالة وَالله أعلم

(فرع) لَو شكّ فِي غسل بعض أَعْضَائِهِ فِي أثْنَاء الطَّهَارَة لم يسحب لَهُ وَبعد الْفَرَاغ لايضر الشَّك على الرَّاجِح لِكَثْرَة الشَّك مَعَ أَن الظَّاهِر كَمَال الطَّهَارَة وَيشْتَرط فِي غسل الْأَعْضَاء جَرَيَان المَاء على الْعُضْو المغسول بِلَا خلاف وَالله تَعَالَى أعلم قَالَ

‌بَاب الِاسْتِنْجَاء وآداب التخلي

(فصل والاستنجاء وَاجِب من الْبَوْل وَالْغَائِط) احْتج لَهُ بقوله صلى الله عليه وسلم

(وليستنج بِثَلَاثَة أَحْجَار) وَهُوَ أَمر وَظَاهره الْوُجُوب وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ

(إِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْغَائِط فليذهب مَعَه ثَلَاثَة أَحْجَار يَسْتَطِيب

ص: 31

بِهن فَإِنَّهَا تجزيء عَنهُ) وَقَوله

(من الْبَوْل وَالْغَائِط) يُؤْخَذ مِنْهُ أَنه لَا يجب من الرّيح بل قَالَ الْأَصْحَاب لَا يسْتَحبّ بل قَالَ الْجِرْجَانِيّ إِنَّه مَكْرُوه قَالَ الشَّيْخ نصر إِنَّه بِدعَة وَيَأْثَم بِهِ قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب أما قَوْله بِدعَة فَصَحِيح وَأما الْإِثْم فَلَا إِلَّا أَن يعْتَقد وُجُوبه مَعَ علمه بِعَدَمِهِ وَقَالَ ابْن الرّفْعَة إِذا كَانَ الْمحل رطبا يَنْبَغِي أَن يَجِيء فِي وجوب الِاسْتِنْجَاء مِنْهُ خلاف بِنَاء على نَجَاسَة دُخان النَّجَاسَة كَمَا قيل بِمثلِهِ فِي تنجس الثَّوْب الَّذِي يُصِيبهُ وَهُوَ رطب ثمَّ قَالَ وَقد يُجَاب بِأَنَّهُ لايزيد على الْبَاقِي على الْمحل بعد الِاسْتِجْمَار

(وَالْأَفْضَل أَن يستجمر بالأحجار ثمَّ يتبعهَا بِالْمَاءِ وَيجوز أَن يقْتَصر على المَاء أَو على ثَلَاثَة أَحْجَار ينقي يهن الْمحل وَإِذا أَرَادَ الِاقْتِصَار على أَحدهمَا فالماء أفضل)

الْأَفْضَل فِي الِاسْتِنْجَاء أَن يجمع بَين المَاء وَالْحجر أَو مَا فِي مَعْنَاهُ لِأَن الله تَعَالَى أثنى على أهل قبَاء بذلك وَأنزل فيهم قَوْله تَعَالَى وَهُوَ أصدق الْقَائِلين {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين} وَفِيه من طَرِيق الْمَعْنى أَن الْعين تَزُول بِالْحجرِ والأثر يَزُول بِالْمَاءِ فَلَا يحْتَاج إِلَى ملاطخة النَّجَاسَة لهَذَا يقدم الْحجر أَولا ثمَّ إِن قَضِيَّة التَّعْلِيل أَنه لَا يشْتَرط طَهَارَة الْحجر وَبِه صرح الْعجلِيّ وَنَقله عَن الغزالى وَاعْلَم أَن الحَدِيث ضَعَّفُوهُ وَلَفظه

(فَسَأَلَهُمْ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن ذَلِك فَقَالُوا نتبع الْحِجَارَة المَاء) وَأنكر النَّوَوِيّ هَذِه الرِّوَايَة فِي شرح الْمُهَذّب فَقَالَ كَذَا رَوَاهَا الْفُقَهَاء فِي كتبهمْ وَلَيْسَ لَهُ أصل فِي كتب الحَدِيث بل الْمَذْكُور فِيهَا

(كُنَّا نستنجي بِالْمَاءِ) وَلَيْسَ فِيهَا مَعَ الْحجر وَلَو أقتصر على المَاء أَجزَأَهُ لِأَنَّهُ يزِيل الْعين والأثر وَهُوَ الْأَفْضَل عِنْد الِاقْتِصَار على أَحدهمَا وَيجوز أَن يقْتَصر على ثَلَاثَة أَحْجَار أَو على حجر لَهُ ثَلَاثَة أحرف وَالْوَاجِب ثَلَاثَة مسحات فَإِن حصل الإنقاء بهَا وَإِلَّا وَجَبت الزِّيَادَة إِلَى الإنقاء وَيسْتَحب الإيتار

وَاعْلَم أَن كل ماهو فِي معنى الْحجر يجوز الِاسْتِنْجَاء بِهِ وَله شُرُوط أَحدهَا أَن يكون طَاهِرا فَلَو استنجى بِنَجس تعين المَاء بعده على الصَّحِيح الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون مَا يستنجي بِهِ قالعاً للنَّجَاسَة منشفاً فَلَا يجزىء الزّجاج وَلَا الْقصب

ص: 32

وَلَا التُّرَاب المتناثر وَيجوز الصلب فَلَو استنجى بِمَا لايقلع لم يجزه وَلَو استنجى برطب من حجر أَو غَيره لم يجزه على الصَّحِيح

الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون مُحْتَرما فَلَا يجوز الِاسْتِنْجَاء بمطعوم كالخبز والعظم وَلَا بِجُزْء مِنْهُ كَيده وَيَد غَيره وَلَا بِجُزْء حَيَوَان مُتَّصِل بِهِ كذنب الْبَعِير لِأَنَّهُ مُحْتَرم وَإِذا استنجى بمحترم عصى وَلَا يجْزِيه على الصَّحِيح نعم يجوز الْحجر بعده بِشَرْط أَن لَا تنْتَقل النَّجَاسَة وَأما الْجلد فَالْأَظْهر أَنه إِن كَانَ مدبوغاً جَازَ الِاسْتِنْجَاء بِهِ وَإِلَّا فَلَا ثمَّ يشْتَرط مَعَ ذَلِك أَن يجِف الْخَارِج فَإِن جف تعين المَاء لِأَنَّهُ لَا يُمكن إِزَالَته إِلَّا بذلك قَالَ

(ويجتنب اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها فِي الصَّحرَاء)

إِذا أَرَادَ قَضَاء الْحَاجة فِي الصَّحرَاء حرم عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَال والاستدبار إِذا لم يسْتَتر بِشَيْء ستْرَة مُعْتَبرَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

(إِذا أتيتم الْغَائِط فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا تستدبروها ببول وَلَا غَائِط وَلَكِن شرقوا أَو غربوا) نهى عَن ذَلِك وَظَاهره التَّحْرِيم وَاخْتلف فِي عِلّة ذَلِك فَقيل لِأَن الصَّحرَاء لَا تَخْلُو عَن مصل من ملك أَو جني أَو إنسي فَرُبمَا وَقع بَصَره على فرجه فَيَتَأَذَّى بِهِ قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح التَّنْبِيه هَذَا التَّعْلِيل ضَعِيف وَالتَّعْلِيل الصَّحِيح مَا ذكره القَاضِي حُسَيْن وَالْبَغوِيّ وَالرُّويَانِيّ وَغَيرهم أَن جِهَة الْقبْلَة معظمة فَوَجَبَ صيانتها فِي الصَّحرَاء وَرخّص فِي الْبُنيان للْمَشَقَّة وَالله أعلم

(قلت) وقوى هَذَا التَّعْلِيل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد وَاحْتج لَهُ بِحَدِيث سراقَة بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول

(إِذا أَتَى أحدكُم الْبَوْل فَليُكرم قبْلَة الله عز وجل فَلَا يستفبل الْقبْلَة) قَالَ وَهَذَا ظَاهر قوي فِي التَّعْلِيل بِمَا ذَكرْنَاهُ وَالله أعلم قَالَ النَّوَوِيّ إِن كَانَ بَين يَدَيْهِ سَاتِر مُرْتَفع قدر ثُلثي ذِرَاع وَقرب مِنْهُ على ثَلَاثَة أَذْرع جَازَ الِاسْتِقْبَال سَوَاء كَانَ فِي الْبُنيان أَو الصَّحرَاء هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَمِنْهُم من جزم فِي الصَّحرَاء مُطلقًا قَالَه فِي شرح الْمُهَذّب وَالله أعلم وَقَوله فِي

(الصَّحرَاء) احْتَرز بهَا عَن غَيرهَا فَلَا يحرم اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها فِي الْبُنيان قَالَ ابْن عمر رضي الله عنهما

(ارتقيت على ظهر بَيت لنا فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مُسْتَقْبلا بَيت الْمُقَدّس) وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ

(فرأيته مستدبر الْقبْلَة مُسْتَقْبل الشَّام) وَالله أعلم قَالَ

ص: 33

(وَالْبَوْل فِي المَاء الراكد)

تَقْدِير كَلَام الشَّيْخ ويجتنب الْبَوْل فِي المَاء الراكد وَقد عد الرَّافِعِيّ عدم الْبَوْل فِيهِ من الْآدَاب وَتَبعهُ فِي الرَّوْضَة وَاحْتج لذَلِك بقوله صلى الله عليه وسلم

(لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم) وَفِي رِوَايَة

(الراكد) قَالَ الرَّافِعِيّ وَهَذَا الْمَنْع يَشْمَل الْقَلِيل وَالْكثير لما فِيهِ من الاستقذار وَالنَّهْي فِي الْقَلِيل أَشد لما فِيهِ من تنجس المَاء وَفِي اللَّيْل أَشد لما قيل إِن المَاء للجن فِي اللَّيْل فَلَا يَنْبَغِي أَن يبال فِيهِ وَلَا يغْتَسل فِيهِ خوفًا من آفَة تصيبه مِنْهُم هَذَا كُله فِي الراكد وَأما المَاء الْجَارِي فَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب قَالَ جمَاعَة إِن كَانَ قَلِيل كره وَإِن كَانَ كثير فَلَا وَفِيه نظر وَيَنْبَغِي أَن يحرم الْبَوْل الْقَلِيل قطعا لِأَن فِيهِ إتلافاً عَلَيْهِ وعَلى غَيره وَأما الْكثير فَالْأولى اجتنابه لَكِن جزم ابْن الرّفْعَة بِالْكَرَاهَةِ فِي المَاء الْكثير الْجَارِي لَيْلًا لأجل الجان وَالله أعلم قَالَ

(وَتَحْت الشَّجَرَة المثمرة) أَي ويجتنب الْبَوْل تَحت الشَّجَرَة المثمرة وَالْغَائِط أولى وَالْحكمَة فِي ذَلِك حَتَّى لَا تنجس الثَّمَرَة فتغسل أَو تعافها الْأَنْفس وَالْمرَاد بالثمرة الَّتِي من شَأْنهَا أَن تثمر قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَلِهَذَا تكون الْكَرَاهَة فِي غير وَقت الثَّمَرَة أخف قَالَ

(وَفِي الطَّرِيق)

أَي ويجتنب الْبَوْل فِي الطَّرِيق وَالْغَائِط أولى لقَوْله صلى الله عليه وسلم

(اتَّقوا اللعانين قَالُوا وَمَا اللعانان يَا رَسُول الله قَالَ الَّذِي يتخلى فِي طَرِيق النَّاس أَو فِي ظلهم) قَالَ

(والثقب)

أَي ويجتنب أَن يَبُول فِي ثقب وَهُوَ مَا اسْتَدَارَ ويعبر عَنهُ بالبخش لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام

(نهى أَن يبال فِي الْجُحر لِأَنَّهَا مسَاكِن الْجِنّ) قَالَ

(والظل)

أَي ويجتنب الْبَوْل وَالْغَائِط أولى فِي ظلّ النَّاس لقَوْله صلى الله عليه وسلم

(اتَّقوا الْملَاعن الثَّلَاث البرَاز فِي

ص: 34

الْمَوَارِد وقارعة الطَّرِيق والظل) والموارد قيل الْمَوَاضِع الَّتِي يرد النَّاس إِلَيْهَا وَقيل طرق المَاء وقارعة الطَّرِيق أَعْلَاهُ وَقيل صَدره وَقيل مَا برز مِنْهُ ومواضع الشَّمْس فِي الشتَاء كمواضع الظل فِي الصَّيف وَيحرم الْبَوْل على الْقَبْر كَمَا يحرم الْجُلُوس عَلَيْهِ وَكَذَا يحرم الْبَوْل فِي الْمَسْجِد وَإِن كَانَ فِي إِنَاء على الرَّاجِح الْمُفْتى بِهِ وَيكرهُ الْبَوْل قَائِما إِلَّا لعذر لِأَنَّهُ فعله لعذر قَالَ

(وَلَا يتَكَلَّم على الْبَوْل وَالْغَائِط)

أَي ندبا قَالَ أَبُو سعيد رضي الله عنه سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول

(لَا يخرج الرّجلَانِ يضربان الْغَائِط كاشفي عورتيهما يتحدثان فَإِن الله تَعَالَى يمقت على ذَلِك) والمقت أَشد البغض والْحَدِيث مَكْرُوه وَلم يفض إِلَى التَّحْرِيم كَمَا فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم

(أبْغض الْحَلَال إِلَى الله تَعَالَى الطَّلَاق) وَفِي معنى الْكَلَام رد السَّلَام وتشميت الْعَاطِس والتحميد فَلَو عطس حمد الله تَعَالَى بِقَلْبِه وَلَا يُحَرك لِسَانه قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ وَيَنْبَغِي أَن لَا يَأْكُل وَلَا يشرب وَيَنْبَغِي أَن لَا ينظر مَا يخرج مِنْهُ وَلَا إِلَى فرجه وَلَا إِلَى السَّمَاء وَلَا يعبث بِيَدِهِ وَيكرهُ إطالة الْقعُود فِي الْخَلَاء وَيكرهُ أَن يكون مَعَه شَيْء فِيهِ اسْم الله تَعَالَى كالخاتم وَالدَّرَاهِم وَكَذَا مَا كَانَ فِيهِ قُرْآن وَألْحق باسم الله تَعَالَى اسْم رَسُوله تَعْظِيمًا لَهُ (كَانَ عليه الصلاة والسلام إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (وَاعْلَم أَن كل اسْم مُعظم مُلْحق بِمَا ذكرنَا فِي النزع صرح بِهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَتَبعهُ ابْن الرّفْعَة فَيدْخل فِيهِ أَسمَاء جَمِيع الرُّسُل والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ

(وَلَا يسْتَقْبل الشَّمْس وَالْقَمَر وَلَا يستدبرهما)

اسْتِقْبَال الشَّمْس وَالْقَمَر فِي حَال قَضَاء الْحَاجة مَكْرُوه سَوَاء فِي الصَّحرَاء والبنيان للأنهما من آيَات الله تَعَالَى الباهرة وَفِيه حَدِيث وَهل يكره استدبارهما قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب الصَّحِيح الْمَشْهُور وَبِه قطع الْجُمْهُور أَن لَا يكره لَكِن جزم الرَّافِعِيّ فِي التذنيب أَنه يكره كالاستقبال وَوَافَقَهُ النَّوَوِيّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصر التذنيب ثمَّ إِن النَّوَوِيّ خَالف الْأَمريْنِ فِي شرح الْوَسِيط فَقَالَ لم يذكر الشَّافِعِي وَالْأَكْثَرُونَ أَن قَاضِي الْحَاجة يتْرك اسْتِقْبَال الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْمُخْتَار أَنه مُبَاح فعله

ص: 35